التفسير الواضح - ج ٢

دكتور محمّد محمود حجازي

التفسير الواضح - ج ٢

المؤلف:

دكتور محمّد محمود حجازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١٠
الصفحات: ٨٨٤

بِما كَذَّبُونِ (٢٦) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (٣٠))

المفردات :

(الْمَلَأُ) هم أشراف القوم الذين يملؤون العيون بهجة (يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) يسودكم ويشرف ويتعاظم عليكم (جِنَّةٌ) جنون وضعف في العقل (فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) فانتظروا به ريب المنون (بِأَعْيُنِنا) برعايتنا (التَّنُّورُ) مكان يصنع على هيئة خاصة توقد فيه النار لطهى الخبز ، وهو معروف (فَاسْلُكْ) أدخل فيها (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) ذكر وأنثى من كل حيوان موجود وقتئذ (مُنْزَلاً) إنزالا مباركا أى فيه الخير والبركة.

اعلم أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ لما بين دلائل التوحيد ، ووصف نفسه بالقدرة الكاملة والعلم التام بما ذكر من خلق الأشياء السابقة وأطوارها ليدعم مبدأ الإيمان بالله ، أردف ذلك بذكر بعض القصص للأنبياء ، وفيها آية كمال قدرة الله تعالى ، وأنه ينصر أنبياءه ومن آمن معهم ، ويهلك أعداءهم ، وبدأ بقصة نوح الأب الثاني للبشر وهو من أولى العزم.

ومن هنا تدرك السر في سياق القصة هنا ، وبهذا الشكل لأنها سيقت لغرض خاص ولون معين ، وقد تقدمت في سورة هود مطولة.

٦٢١

المعنى :

ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال : يا قوم اعبدوا الله وحده فهو صاحب الفضل عليكم ، ولا يستحق العبادة غيره ، لأن غيره لم ينفع أحدا بل قد يضره. وعلى هذا فليس لكم إله غير الله يستحق العبادة ، أفلا تتقون؟!!

هكذا دعاهم نوح إلى عبادة الله ، ولكن أشراف قومه يكرهون ذلك : لخوفهم من الدين الجديد الذي يزيل الفوارق ، ويعامل الناس على السواء ، كرهوا من نوح أن يدعو إلى عبادة الله ، إذ هو سيكون متبوعا ، وهم تابعون ، وهذا شيء يؤلمهم. فدفعهم الكبر والغرور ، والحسد والحقد ، إلى أن يتزعموا الخارجين على الدعوة المناوئين لنوح ـ عليه‌السلام ـ ويقولون : ما هذا ـ أى نوح ـ إلا بشر مثلكم من عامة الناس يريد أن يتفضل عليكم ، ويستأثر بالتعاظم وحده عليكم حيث يدعى أنه رسول الله إليكم ، وهو بشر مثلكم لم يزد عنكم في شيء فكيف تسلمون له بالزعامة والقيادة؟

ولو شاء الله حقيقة ـ كما يدعى نوح ـ أن يرسل رسولا لأنزل ملائكة من السماء رسلا عنه فإن هذا أدعى للإيمان ، وأدل على الصدق ، فهم لقصر عقولهم وسوء تفكيرهم يعتقدون أنه لا يمكن أن تكون الرسالة مع البشر ، على أنا ما سمعنا بهذا الذي يدعيه نوح في آبائنا الأولين ، فما الذي جرى حتى يأتى نوح ويدعى الرسالة؟!

وما نوح إلا رجل مجنون حيث يدعى ذلك فتربصوا به ريب المنون ، وانتظروا موته ، وهو آت بلا شك وستستريحون منه.

وهكذا كانت شبههم ، وهي أوهى من بيت العنكبوت ، ولذا لم يعن القرآن بالرد عليها ، لأن بطلانها ظاهر لا يحتاج إلى بيان.

فلما ضاق صدر نوح منهم ومن أعمالهم دعا ربه أنى مغلوب فانتصر ، وقال : رب انصرني وأهلكهم بسبب تكذيبهم لي ، فأوحينا إليه أن اصنع السفينة بأعيننا وتحت رعايتنا وكلاءتنا ، وهذا وحينا جبريل يهديك ويعلمك كيف تصنع السفينة؟

فإذا جاء أمرنا ، وشأننا العظيم ، وقد فار التنور ، وزاد الماء ، وبلغ الربى فأدخل في السفينة من كل حيوان زوجين اثنين ذكر وأنثى ليبقى التناسل في الدنيا ، واحمل فيها أهلك الذين آمنوا فقط لكن من سبق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون فلا تحملهم

٦٢٢

ولو كان ابنك وزوجتك. ولا تخاطبني في شأن الذين ظلموا أبدا ... لما ذا؟ إنهم مغرقون حتما ، فإذا استويت يا نوح أنت ومن معك في السفينة فقل أنت وهم : الحمد لله رب العالمين الذي نجانا من القوم الظالمين.

وقل عند انحسار الماء عن الأرض أى عند النزول من السفينة. رب أنزلنى إنزالا مباركا فيه البركة والخير ، وأنت خير المنزلين.

وهكذا يعلمنا الله ما نقوله عند ركوب السفينة أو ما شابهها (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ* لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) [الزخرف ١٢ و ١٣].

إن في ذلك القصص لآيات تدل على قدرة الله الذي أغرق الظالمين ، ونجى المؤمنين وعلى تمام حكمته وعدله حيث لم يترك هؤلاء يعيثون في الأرض الفساد ، وهكذا شأن الله مع أحبابه وأعدائه (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) [سورة محمد آية ٧] (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) [سورة الحج آية ٣٨].

قصة هود ـ عليه‌السلام ـ

(ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٣٤) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥) هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (٣٦) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا

٦٢٣

الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (٣٨) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٣٩) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (٤٠) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١))

المفردات :

(قَرْناً) القرن : الجماعة المجتمعة في زمان واحد ، سموا بذلك لأنهم يتقدمون على من بعدهم تقدم القرن على الحيوان (وَأَتْرَفْناهُمْ) أنعمنا عليهم حتى أبطرتهم النعمة (هَيْهاتَ) اسم فعل بمعنى بعد (الصَّيْحَةُ) الصوت الشديد (غُثاءً) المراد هلكى كغثاء السيل.

هذه هي قصة هود ـ عليه‌السلام ـ ، وقد أرسل إلى قومه عاد ، وإن لم يكن ذكر هذا صراحة إلا أنه استفيد من قوله ـ تعالى ـ على لسان هود (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) وقد ذكرت قصة هود بعد قصة نوح في سورة الأعراف وسورة هود فالأولى أن تكون هذه القصة لهود لا لصالح.

المعنى :

ثم أنشأنا من بعد قوم نوح قوما آخرين من سلالة من حمل مع نوح من المؤمنين إلا أنهم خلفوا من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة ، واتبعوا الشهوات ، وطغوا وبغوا فأرسل الله فيهم رسولا منهم أى : من عشيرتهم ويعرفون مولده ومنشأه ليكون سكونهم إلى قوله أكثر ، وتصديقهم له أقرب ، وهذا يفيد أن الوثنية والعصيان كالطبيعة في الإنسان والداء الكامن ، فإذا أرسل رسولا قضى على الوثنية والفساد حينا من الزمن ، ولكن لا تلبث بعده أن تظهر في أجلى صورها ، ولو لا أن الله حفظ الأمة الإسلامية

٦٢٤

بالقرآن ، ووعد بحفظه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) لرأينا الوثنية منتشرة فينا ، ومع جهاد العلماء ورجال الدين ففيه كثير من الفرق الشيعية والخوارج وغيرهم ضل بهم السبيل.

هؤلاء هم أولاد المؤمنين من قوم نوح ، ولكنهم كفروا وأشركوا بالله فقال رسولهم هود : اعبدوا الله وحده ، ولا تشركوا به شيئا ، فما لكم من إله يستحق العبادة غيره ، أفلا تتقون وتخافون منه؟!!

وقد وصف الله الذين خرجوا على هود وتزعموا قومهم ، وقادوهم إلى الكفر والعصيان بثلاث صفات من أسوأ الصفات :

(أ) كفروا بالله وبرسوله. (ب) وكذبوا بلقاء الآخرة ، ولم يؤمنوا بالبعث. (ج) أترفوا في الحياة الدنيا ، أى أصابهم داء الترف الذي يعمى القلوب ، ويجعلها في أكنة من وعاء الخير حتى لا يصل إليها شيء منه.

وهؤلاء الذين كفروا ، وكذبوا بيوم القيامة ، وأترفوا في الحياة الدنيا قالوا ، وبئس ما قالوا ، ونطقوا بشبه واهية لم تستحق العناية ، ولا الرد عليها.

أولى الشبهات : هذا الذي يدعى أنه رسول ما هو إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ، ويشرب مما تشربون منه ، فلا فضل له عليكم أبدا فكيف يدعى الفضل عليكم ويتعالى بدعوة الرسالة من الله إليكم ، وأقسموا لئن أطعتم بشرا مثلكم ليس له فضل ولا مزية. إنكم إذا لخاسرون ؛ الشبهة الثانية : كيف يعدكم أنكم تخرجون وتبعثون إذا متم وكنتم ترابا ، وعظاما بالية؟! هيهات هيهات لما يعدكم به ، وبعيد بعيد ما يدعيه من أن هناك حياة أخرى غير الحياة الدنيا!!

ثم أكدوا نفى نظرية البعث : ما هي إلا حياتنا الدنيا ، وليس بعدها حياة ثانية أبدا ، ولكن هي الدنيا نحيا فيها ونموت ، وما يهلكنا إلا الدهر وما نحن بمبعوثين.

وأما هذا الرجل الذي يدعى النبوة وإثبات البعث فما هو إلا رجل اختلق على الله الأكاذيب ، وادعى أنه رسول الله ، وما نحن له بمؤمنين ولا يمكن أن نصدقه جميعا في دعواه.

ولما يئس الرسول ـ عليه‌السلام ـ من قبول الأصاغر والأكابر للدين فزع إلى ربه

٦٢٥

وقال : ربي انصرني وأهلك أعداءك بسبب كذبهم ؛ فأجاب الله سؤاله ، وقال عما قليل ليصبحن نادمين على ما فرط منهم من العصيان والكفر.

وكان الجزاء أن أخذتهم الصيحة ، وهي صوت شديد جدا أعقبه الهلاك والفناء وكانوا كالغثاء الذي يعلو سطح الماء من بقية الأعشاب.

فبعدا من رحمة الله وهلاكا للقوم الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر ، وظلموا غيرهم حيث كانوا قدوة لهم في الفساد والشر ، وانظر إلى التاريخ يوم مكرر ، وإلى أن الشبه واحدة عند الأمم جميعا ، والجزاء واحد عند الكل ، فكأن القرآن ينادى أن اعتبروا يا أولى الأبصار ، وانظروا يا أهل مكة فيمن تقدمكم ، إذ كانوا مثلكم ، بل أشد ، وكانوا يعتقدون كما تعتقدون ، وقد حل بهم عذاب الله ..

ذكر بعض الأنبياء

(ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (٤٤) ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠))

٦٢٦

المفردات :

(تَتْرا) يتبع بعضهم بعضا (أَحادِيثَ) جمع حديث وهو ما يبقى بعد الإنسان من الذكر ، وقيل : جمع أحدوثة كالأعجوبة ، وهي ما يتحدث به ويتعجب منه (عابِدُونَ) أى : هم خدم لنا وحشم (رَبْوَةٍ) الربوة : المكان المرتفع من الأرض (قَرارٍ وَمَعِينٍ) استقرار فيها من السكان ، والمعين الماء الجاري الظاهر للعيون.

يقص القرآن الكريم القصة في أشكال مختلفة تارة بالتطويل ، وتارة بالإيجاز والمقام هنا للإيجاز ، لأن الغرض التحدث عن الإيمان وجزاء الكفر بالله.

المعنى :

ثم أنشأنا من بعد عاد أمما آخرين فما خلت الديار من المكلفين أبدا ، بل بعد هلاك قوم لكفرهم ينشئ بقدرته من بقاياهم خلقا يعمرون الأرض ، وهم خاضعون لأمر ربهم ، ما تسبق أمة أبدا أجلها : وما يستأخرون (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [سورة النحل آية ٦١] وتلك سنة الله في الأمم ، فلا تستعجلوا العذاب فكل شيء عنده بمقدار.

ثم أرسلنا لتلك الأمم رسلنا يتبع بعضهم بعضا بعد مهلة من الزمن أو بغير مهلة على وفق إرادة الله وعلمه. كلما جاء أمة رسولها كذبوه ، وكفروا به وهم قد سلكوا مسلك من تقدمهم من الأمم التي أهلكت بالصيحة والريح العاتية وغيرها فأتبعنا بعضهم بعضا بالهلاك لما اشتركوا في التكذيب والكفر ، وجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق فلم يبق منهم عين ولا أثر ، بل أصبحوا أحاديث في أفواه الناس يتحدثون به ويتعجبون منه ، فبعدا وهلاكا لقوم لا يؤمنون ، وهذا وعيد لكل كافر وإنذار شديد. وبيان لقدرة الله ونصرته لعباده المؤمنين ، وعذابه الشديد للكافرين والعاصين ، فاعتبروا أيها الناس ، وانظروا في حاضركم ومستقبلكم.

ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون لفرعون وملئه يدعوانهما للإيمان بالله الذي خلق فسوى!! ، وأرسلناهما مؤيدين بآياتنا المعجزة وهي الآيات التسع : العصا ، واليد ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، وانفلاق البحر ، والسنون ، ونقص الثمرات ،

٦٢٧

فكان موسى وهارون مؤيدين بالآيات وسلطان مبين وهو أشرف المعجزات وأقواها. وقيل : المراد به العصا إذ تعلقت بها معجزات شتى كانقلابها حية ، وابتلاعها ما صنعته السحرة وغير ذلك :

وقد حكى الله عن فرعون وملئه أخص صفاتهم وشبههم الواهية التي دعتهم إلى عدم الإيمان ، وفي هذا كله عبرة وعظة لأولى الألباب.

أما صفاتهم فهم قوم استكبروا وأنفوا من اتباع موسى ، وكانوا قوما عالين ، أى : على جانب من الحضارة والعز والسلطان والعلم والعرفان ، والواقع التاريخى يؤيد ذلك كله.

أما شبههم : فقالوا : كيف نؤمن لبشرين مثلنا؟! والرسالة تتنافى مع البشرية ، وهكذا شأن القوم الماديين الذين لا يؤمنون بالقوى المعنوية ، ويظهر أن هذا كان مرضا شائعا في الأمم السابقة ، ولا يزال. الشبهة الثانية : كيف نؤمن بموسى وهارون ونسلم لهما بالزعامة والقيادة ، وهم من بنى إسرائيل الذين يقومون بالخدمة لنا وهم من رعايانا النازلين في بلادنا ، إن هذا لمكر وحيلة ليخلص موسى وهارون بنى إسرائيل قومهما من حكمنا ، ولا يمكن أن يكونا رسولين من عند الله ، وترتب على ذلك أنهم كانوا من المهلكين الذين غرقوا في اليم ، ونجا موسى ومن معه من بنى إسرائيل المؤمنين (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) [سورة يونس آية ٩].

ولقد آتينا موسى التوراة فيها هدى ونور ، وفيها الحكم والدستور لبنى إسرائيل بعد أن أغرق آل فرعون ، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [القصص ٤٣].

ويقول ابن كثير في تفسيره : لم تهلك أمة هلاكا عاما بعد نزول التوراة ، بل أمر المؤمنون بقتال الكفار.

وتلك قصة مريم وابنها عيسى بإيجاز كما هو النظام العام في ذكر القصص التي في هذه السورة.

وجعلنا عيسى ابن مريم عبد الله رسوله وأمه مريم البتول ابنة عمران التي أحصنت

٦٢٨

فرجها ، وكانت من القانتين ، جعلناهما آية للناس ، وحجة قاطعة على قدرته الكاملة فإنه على ما يشاء قدير ، والله ـ سبحانه ـ قد خلق عيسى من غير أب وجعل مريم تلد عيسى من غير أب فذلك آية الله على القدرة القادرة.

وآويناهما إلى ربوة ذات استقرار للناس إذ هي طيبة الإنبات كثيرة الخيرات فيها الماء المعين الظاهر للعيون الذي لا ينضب أبدا ، وأين هذه الربوة؟ إنها في بيت المقدس ، والله أعلم.

المبادئ العامة في الرسالات

(يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦))

المفردات :

(زُبُراً) جمع زبور والمراد : الكتب التي وضعوها وألفوها ، وهذه الكلمة فيها معنى الضم والجمع ، ولذا قيل : زبرت الكتاب أى : جمعت حروفه وضممت بعضه إلى بعض ، وزبر الحديد قطع الحديد المجتمعة (حِزْبٍ) أى : جماعة وأمة (غَمْرَتِهِمْ) المراد : في حيرتهم وضلالهم وغفلتهم. والمادة تدل على الستر ، ولهذا قيل الغمر للماء الكثير الذي يغطى ويستر الأرض (نُمِدُّهُمْ) نعطيهم (نُسارِعُ) نسرع.

٦٢٩

المعنى :

يأمر الله ـ تبارك وتعالى ـ الرسل جميعا بالأكل من الحلال والطيبات من الرزق ، وبالعمل الصالح ، ثم يحذرهم ويخوفهم من حسابه فإنه عليم خبير.

روى عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أيّها النّاس إنّ الله طيّب لا يقبل إلّا طيّبا ، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) (١) ، ثم ذكر الرسول : «الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السّماء يا رب ، ومطعمه حرام ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذّى بالحرام فإنّى يستجاب له»؟؟

وهذا يدل على أن أكل الحلال عون على عمل الصالح من الأعمال ، وعلى ما للأكل من أثر في توجيه النفس ناحية الخير أو ناحية الشر ، إذ الأكل غذاء للبدن وقوة له ، فإذا كان الغذاء طاهرا نقيا ، طيبا حلالا كان وقودا نظيفا يدفع صاحبه إلى العمل الطيب ، وبالعكس إذا كان الغذاء حراما خبيثا دفع صاحبه إلى السيئ من الأعمال.

وهذا الأمر للرسل جميعا وبخاصة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولأنه المخاطب أولا وبالذات وفي هذا دليل على عظم المأمور به ، وأنه أمر عام أمر به جميع الرسل لخطورته.

وقد سوى الله بين الأنبياء جميعا ، وبين المؤمنين في وجوب أكل الحلال وتجنب الحرام. ثم شمل الكل بوعيده لما ذكرنا.

واعلموا أيها الناس أن هذا الذي تقدم ذكره في قصص الأنبياء سابقا هو دينكم وملتكم إذ كل الأنبياء أرسلت تدعو إلى الإيمان بالله وحده. وعدم الإشراك به شيئا فالله يقول : اعلموا هذا ، ولا تظنوا أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى بجديد ، والحال أنى أنا ربكم فاتقونى ، ولا تخالفوا أمرى.

هكذا كانت الأمم ، وبمثل هذا أرسلت الرسل ، ولكن بعد ذلك افترقت الأمم فرقا وأحزابا كل حزب بما لديهم فرحون ، وصار لكل جماعة كتاب ثم حرفوه وبدلوه ، وآمنوا به وكفروا بما سواه.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٧٢.

٦٣٠

وإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يحذر الأمة الإسلامية من هذا الداء الوبيل ، ويخاطب قريشا خاصة مهددا لهم بقوله : فذرهم في غمرتهم ، والمعنى فذر هؤلاء القرشيين فهم يشبهون من سبقهم في الكفر والعناد ، ولا يضيق صدرك بتأخير العذاب عنهم فلكل شيء وقت معلوم ، وذرهم في غيهم وضلالهم إلى حين معلوم ، وأجل محدود.

أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا ومعزتهم عندنا كلا! ليس الأمر كما يتوهمون في قولهم : نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين ، لقد أخطئوا ، وخاب فألهم ، وما علموا أنا نفعل معهم ذلك استدراجا وإملاء لهم ، ولهذا قال الله : بل لا يشعرون (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) [التوبة ٥٥] (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) [آل عمران ١٧٨].

يا أيها الناس ليس الإنسان بماله وولده ، وليست كرامته عند الله بالدنيا التي عنده ، ولكن كرامته ومنزلته بالعمل الصالح (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات ١٣].

ومن هذه الآيات نفهم أثر الأكل الحلال في سلوك الإنسان ، وأن الرسل جميعا جاءت لعبادة الواحد القهار ، وأن اختلاف الأمم بعد أنبيائها أمر طبيعي والفوز لمن تمسك بالحق وسار على هدى الكتب السماوية التي لم تحرف كالقرآن وسنة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأن الكرامة والمكانة عند الله ليست بالمال والولد ، ولكن بالتقوى والعمل الصالح.

المؤمنون المسارعون في عمل الخير

(إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١) وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢))

٦٣١

وتلك صفات أخرى للمؤمنين تدل على عمق الإيمان وتأصله في نفوسهم.

المعنى :

إن الذين هم من خشية ربهم وخوف عذابه دائمون في طاعته جادون في طلب رضاه ، إذ من بلغ في خشية الله حد الإشفاق وهو كمال الخشية كان في نهاية الخوف من سخط الله وعقابه ، وهذا الصنف يكون دائما بعيدا عن المعاصي جادا في الطاعة والعمل الصالح.

والذين هم بآيات الله الكونية ، يؤمنون ويصدقون على أنها دليل ناطق على وجود الله واتصافه بكل كمال وتنزهه عن كل نقص ، وهذا لا يكون إلا بعد النظر السليم والفكر الصحيح في آيات الله الكونية ، وآيات الله القرآنية.

والذين هم بربهم لا يشركون شيئا ، وهذا دليل على نفى الشرك الخفى ، والذين يؤتون ما أتوا ، ويفعلون ما يفعلون من صلاة وصيام ، وقيام ، وزكاة ، وصدقة وبر والحال أن قلوبهم وجلة وخائفة من التقصير فليس عندهم غرور ديني ، بل هم دائما خائفون غير مخدوعين ، ولو كانت إحدى رجليهم في الجنة.

روى أن السيدة عائشة سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : والذين يؤتون ما آتوا ، وقلوبهم وجلة ، أهو الذي يزنى ويشرب الخمر ويسرق وهو على ذلك يخاف الله ـ تعالى ـ ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يا ابنة الصدّيق ولكنّ الرّجل يصلّى ويصوم ويتصدّق ، وهو على ذلك يخاف الله ـ تعالى ـ ..».

وهذه صفات عالية في نهاية الحسن إذ الأولى دلت على الخوف الشديد ، والثانية على الإيمان العميق ، والثالثة دلت على نفى الشرك الخفى ، والرابعة دلت على المبالغة في العمل وعدم الغرور والكذب ، وتلك مقامات الصديقين والشهداء والصالحين نسأل الله أن يوفقنا ويجعلنا في عدادهم.

لهذا لا غرابة في أن هؤلاء الموصوفين بتلك الصفات يسارعون في عمل الخيرات ويتعجلون دائما على فعل الطاعات ، وهؤلاء آتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة وهم لها سابقون ، ولما وصل القرآن إلى العمل ذكر شيئا يتعلق به ، فهؤلاء المتصفون

٦٣٢

بهذه الأوصاف الأربعة والمسارعون في عمل الخيرات ، لم يعملوا فوق طاقتهم ، واعلموا أيها الناس أن عند الله كتابا تحصى فيه الأعمال ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وهو كتاب الله الذي يظهر به الحق المطابق للواقع ، وفي هذا تهديد للعصاة ، واطمئنان للمطيعين (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) [سورة الكهف آية ٤٩].

الكفار وأعمالهم وأسبابها

(بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣) حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (٦٥) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٠) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤))

٦٣٣

المفردات :

(غَمْرَةٍ) الغمرة في اللغة : ما يغمرك ويعلوك ، وفيه معنى الستر ، ومنه الغمر للحقد لأنه يغمر القلب أى : يستره ، والغمرة للبحر لأنه يستر الأرض والمراد هنا : الحيرة وعمق التفكير (مُتْرَفِيهِمْ) أغنياءهم (يَجْأَرُونَ) يضجون ويستغيثون. وأصل الجؤار رفع الصوت بالتضرع كما يفعل الثور ، ومنه الجؤار كالخوار (تَنْكِصُونَ) ترجعون وراءكم ، والمراد أنهم يعرضون عن الحق (سامِراً) السامر والسمار الجماعة يتحدثون بالليل وأصله مأخوذ من السمر وهو ظل القمر (تَهْجُرُونَ) قوله : تهجرون من أهجر إذا نطق بالفحش ، وقرئ تهجرون من هجر المريض إذا هذى والمراد يتكلمون بالهوس وسيئ القول في القرآن والنبي (جِنَّةٌ) جنون (خَرْجاً) أجرا ورزقا.

قد تكلم القرآن عن المؤمنين وصفاتهم ثم ذكر حكمين يتعلقان بالعمل العام وبعد هذا عاد فوصف المؤمنين بصفات أخرى ، ثم تكلم عن الكفار وناقشهم وبين أعمالهم ، وسببها ، مفندا آراءهم ردا على كل شبهة.

المعنى :

يقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ : هؤلاء المؤمنون المخلصون الذين وصفوا بتلك الصفات الأربع هم من هذا الوجل والخوف كالمتحيرين المفكرين تفكيرا عميقا في أعمالهم : أهي مقبولة أم مردودة؟ لأنهم يفهمون أن أعمالهم مهما كان فيها من إخلاص فهي دون الواجب عليهم ، ولهم أعمال دون ذلك ، نعم ولهم ـ أيضا ـ من النوافل والصدقات وأعمال البر التي سيعملونها في المستقبل ما هو دون تلك المرتبة.

وأما قوله : حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب فهذا وصف للكفار قطعا و (حتى) هذه ابتدائية أى : يبتدأ بها كلام جديد.

وهذا رأى حسن ، وتأويل مستساغ ، وقيل : إن هذا الكلام كله في الكفار ولا شك أنهم في غمرة وحيرة وضلال من هذا الذي بيناه في القرآن أو من هذا الذي وصف به المؤمنون المشفقون ، ولهؤلاء الكفار أعمال دون ذلك أى : سوى ذلك الكفر

٦٣٤

والجهل ، وهم لها عاملون قطعا لأنها مكتوبة عليهم حتى إذا أخذنا مترفيهم وأغنيائهم بالعذاب يوم القيامة إذا هم يجأرون ويستغيثون رافعين صوتهم لشدة ما هم فيه ، ويقال لهم ـ على سبيل التبكيت والتأنيب ـ : لا تجأروا اليوم ، إنكم منا لا تنصرون ويومئذ هم في العذاب محضرون ، ولا هم ينصرون ، فانظر إليهم وقد وصلت حالتهم إلى ما وصلت إليه من الحسرة والندامة ، وهذا كالباعث لهم على ترك الكفر والجهل.

والله ـ سبحانه وتعالى ـ بعد ما بين أنه لا ناصر لهم أتبع ذلك ببيان سبب هذا الجزاء فقال :

(أ) قد كانت آياتي البينات من القرآن الكريم تتلى عليكم فكنتم تنكصون على أدباركم ، وتنفرون منها ، وتعرضون عنها.

(ب) وقد كنتم مستكبرين بالحرم والبيت العتيق قائلين : لا يظهر علينا أحد لأنا أهل حرم الله ، والحال أنكم تعصونه ، ولا تقدرونه قدره.

(ج) وقد كنتم تجتمعون حول الكعبة ليلا للسمر ، وكان سمركم في القرآن والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والسب فيه ووصفه بأنه ساحر أو مجنون ، ووصف القرآن بأنه أساطير الأولين ، وأنه كذب وزور ، فكنتم تقولون هجرا من القول وزورا ، وكنتم تهزأون وتفحشون!!

ثم إنه ـ سبحانه وتعالى ـ لما وصف حالهم رد عليهم بأن إقدامهم على هذه الأمور لسبب من الأسباب الآتية لا يصح أن يكون!! فلذا أنكر عليهم ما يأتى :

١ ـ أعموا فلم يتدبروا القرآن الذي أنزل على محمد؟ وهو معجزته الباقية الخالدة ، وقد نزل بلسان عربي مبين وهم أهل اللسان والفصاحة ، وقد تحداهم على أن يأتوا بمثله تحديا سافرا ومع هذا فقد عجزوا (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها)؟ من سورة محمد. ولو تدبروا لآمنوا ، وما فعلوا ما فعلوا.

٢ ـ بل أجاءهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما لم يأت آباءهم الأولين؟. لا ، لم يكن محمد بدعا ، وما كانت رسالته عديمة النظير ، فهم يعرفون بالتواتر أن الأمم ترسل إليهم الرسل فيكونون بين مصدق ومكذب فينجى الله المؤمنين وينصرهم ويهلك الكافرين والمكذبين .. فلم هذا العناد والتكذيب؟!!. أليست هذه الأحوال التي يعرفونها تدعوهم إلى التصديق؟

٦٣٥

٣ ـ بل ألم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون؟!! نعم هم يقرون ويعترفون أن رسولهم محمدا هو الصادق الأمين ، ما جربوا عليه كذبا قط ، وما خان في يوم مخلوقا! فكيف يخون الله ويكذب عليه؟ وهم أدرى الناس به وبأحواله فكيف يكون إنكاره وتكذيبه بعد الرسالة وكمال العقل والرجولة؟ إن هذا أمر عجيب؟

٤ ـ بل أيقولون : إنه لمجنون ، (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) [سورة الكهف آية ٥] في اعتقادهم وفي الواقع.

ففي الواقع ونفس الأمر ما حملهم على الرجوع عن الحق ، والاستكبار الكاذب والسمر وهجر القول إلا ضلالهم وعدم تدبرهم للقرآن ، وقد حالت عصبيتهم الممقوتة وجهالاتهم الموروثة. وحقدهم الكامن دون النظر في القرآن بعين الاعتبار المتجردة من الهوى والهوس.

وما دفعهم إلى عمل السوء كذلك إلا اعتقادهم الفاسد أن محمدا كاذب ، وليس رسولا.

تبا لهم!! ألم يعرفوا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل هذا؟ وأكثر من هذا أن يقولوا : إنه مجنون (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) [سورة القلم آية ٢].

بل (إضراب عما مضى) بل جاءهم الرسول الصادق الأمين بالحق. وجاء لنصرة الحق ، وجاء رسولا من عند الحق ـ سبحانه وتعالى ـ ، ولكن أكثرهم للحق كارهون وللحق وحده مخاصمون ، وقليل منهم من ينصر الحق ، ويطيع دواعي الحق.

ولو اتبع الحق ـ تبارك وتعالى ـ أهواءهم الفاسدة ، ورغباتهم المادية الضالة لفسدت السموات والأرض ، ومن فيهن ، تنزه الله عن ذلك وتعالى علوا كبيرا.

بل أتينا هؤلاء العرب الذين أعرضوا عن القرآن ونأوا عنه ، أتيناهم بذكرهم وشرفهم وعلو مكانتهم بين الأمم بل وخلقهم من جديد ، أمة لها كيان ونظام (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) [سورة الزخرف آية ٤٤].

ومن العجيب أنهم عن ذكرهم وشرفهم والقرآن الذي نزل عليهم معرضون ، عجبا لهم!! وأى عجب؟!! بل أتسألهم رزقا وأجرا على هدايتهم ورفع شأنهم حتى يملوك ويبغضوك؟!! فخراج ربك ورزقه خير لك ولغيرك ، وهو صاحب الملك والسلطان ،

٦٣٦

وهو خير الرازقين ، وإنك يا محمد لتدعوهم إلى صراط مستقيم. صراط الله العزيز الحميد ، طريق العزة والكرامة ، والخير والسداد ، الطريق الوسط ، والدواء الناجع لأنه دواء حكيم الحكماء. وإن الحوادث أثبتت أن علاج الإسلام خير علاج لمشاكلنا كلها الدينية والدنيوية ، وقد شهد بذلك أعداء الإسلام قبل أصدقائه.

ومع هذا كله فالذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط المستقيم بعيدون ، وعنه مائلون إلى الطريق الضالة التي فيها إفراط وتفريط. وما كان أكثرها اليوم.

إصرارهم على الشرك رغم ظهور الأدلة

(وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥) وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٧٨) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٩) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٨٠) بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ (٨١) قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٨٣) قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ

٦٣٧

(٨٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٨٧) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٨) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩) بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٩٠))

المفردات :

ـ (لَلَجُّوا) لتمادوا في باطلهم (يَعْمَهُونَ) يترددون ويتخبطون (اسْتَكانُوا) الاستكانة الخضوع (مُبْلِسُونَ) يائسون متحيرون لا يدرون ماذا يصنعون (ذَرَأَكُمْ) أنشأكم وخلقكم وبثكم (أَساطِيرُ) جمع أسطورة والمراد : أباطيلهم وترهاتهم (مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) ملك كل شيء (يُجِيرُ) يمنع الغير (يُجارُ عَلَيْهِ) لا يمنع منه : يقال : أجرت فلانا على فلان إذا أغثته ومنعته منه (تُسْحَرُونَ) تخدعون وتصرفون عن طاعته وتوحيده.

المعنى :

هؤلاء القوم ليس لهم وجه من وجوه الحق في كفرهم بالنبي والقرآن الذي أنزل عليه تشريفا لهم وتكريما ، وهداية لهم ونورا.

ومع هذا كله فهم مصرون على الشرك والكفر به ، والتمادي في الباطل ، ولو رحمناهم ، وأزحنا عنهم الضر ، وأ فهمناهم القرآن لما انقادوا له ، ولا استمروا على كفرهم وطغيانهم (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنفال ٢٣] (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) [سورة الأنعام آية ٢٨].

ولقد أخذناهم بالعذاب ، وابتليناهم بالمصائب الشداد رجاء أن يثوبوا لرشدهم

٦٣٨

ويرجعوا عن غيهم ، فما ردهم ذلك عما كانوا فيه ، وما استكانوا لربهم ، وما كانوا يتضرعون (فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) [سورة الأنعام آية ٤٣].

حتى إذا جاءهم أمر الله ، وجاءتهم الساعة بغتة ، فأخذهم من عذاب الله ما أخذهم ، وفتح عليهم باب ذو عذاب شديد ، عند ذلك أبلسوا من كل خير ، ويئسوا من كل راحة وانقطع أملهم ، ونفد رجاؤهم فأصبحوا حيارى لا يدرون ماذا يفعلون؟!!

يا للعجب هذا حالهم!! والله ـ سبحانه وتعالى ـ هو الرحمن الرحيم صاحب النعم على الناس جميعا ، فهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة لكي تعلموا ما حولكم ، وتنظروا وتفكروا في هذا الكون وما فيه من آيات شاهدة ناطقة بوحدانية الله وأنه الفاعل المختار ، ما أقل شكركم على نعمه عليكم ، وما تشكرون إلا شكرا قليلا ، بل إنكم تكفرون به.

وها هي آيات الله الناطقة بقدرته التامة ، فهو الذي خلقكم وأنشأكم في الأرض تعمرونها ، على اختلاف أشكالكم وألوانكم ولغاتكم ثم إليه وحده تحشرون وتجمعون ...

وهو الذي يحيى الأحياء ، ويميت الموتى ، وله وحده اختلاف الليل والنهار وله وحده يرجع الفضل في اختلافهما ، وتعاقبهما كل منها يطلب الآخر طلبا حثيثا ينظام دقيق ، (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [سورة يس آية ٤٠].

ومع هذا كله فقد أنكروا البعث واستبعدوه لما قالوا : من يحيى العظام وهي رميم؟ قالوا مثل ما قال الأولون السابقون لهم من الأمم قالوا : أإذا متنا ، وكنا ترابا ، وعظاما بالية ، أننا لمبعوثون أحياء؟ وقالوا : لقد وعدنا نحن وآباؤنا مثل هذا من قبل كثيرا ، ولم يتحقق شيء منه كأنهم لغباوتهم يفهمون أن الإعادة في الدنيا ، وقد قالوا : ما هذا الوعد الذي نسمعه إلا أساطير الأولين ، وأحدوثة من أحاديثهم المكذوبة ..

ثم يقرر الحق ـ تبارك وتعالى ـ وحدانيته ، واستقلاله بالخلق والتصريف ليرشدهم

٦٣٩

إلى أنه الله لا إله إلا هو ، ولا معبود بحق سواه ، ويجب أن تكون العبادة والتقديس له وحده.

ولهذا أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقول للمشركين سائلا وملفتا نظرهم إلى أبسط الأمور : لمن الأرض ومن فيها؟ إن كنتم تعلمون من خلقها وما فيها من الآدميين والحيوانات والنباتات وسائر الأصناف والأنواع؟!! سيقولون هذا كله لله ، وهو الخالق البارئ المصور فاطر السموات والأرض تراهم يعترفون بأن ذلك كله لله وحده لا شريك له فإذا كان ذلك قل لهم يا محمد : أفلا تذكرون أن الذي خلق هذا كله هو الذي يجب أن يعبد وحده ، وهذا مقتضى الفطرة التي فطر الناس عليها ، وما إنكارها إلا ضرب من الغفلة علاجه التذكر.

وهذه الآية تشير إلى أنهم يعترفون لله بالربوبية ، وأنه لا شريك له فيها ، ويشركون معه غيره في الألوهية حتى عبدوا معه غيره مما لا ينفع ولا يضر ، قل لهم أيضا : من رب السموات السبع ، ورب العرش العظيم؟. وفي الحديث «ما السّموات السّبع والأرضون السّبع وما بينهنّ وما فيهنّ في الكرسىّ إلّا كحلقة بأرض فلاة ، وإنّ الكرسىّ بما فيه بالنّسبة إلى العرش كتلك الحلقة في تلك الفلاة».

سيقولون في الإجابة : هي لله وحده .. قل لهم : أفلا تتقون؟ أى إذا كنتم تعترفون بأنه رب السموات ورب العرش العظيم أفلا تخافون عقابه؟ وتحذرون عذابه في عبادتكم معه غيره.

قل لهم : من بيده ملكوت كل شيء؟ من بيده الملك والتصريف؟ ومن إذا قال للشيء كن فيكون؟ وهو يجير ولا يجار عليه أن يغيث من يشاء ممن يشاء ، ولا يغيث أحد منه أحدا ، فهو العظيم القدير ، له الخلق ، والأمر ، لا معقب لحكمه ، ولا راد لقضائه ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن.

وهم سيقولون معترفين هذا لله وحده لا شريك له قل لهم فكيف تسخرون؟ ولأى شيء تذهب عقولكم في عبادتكم معه غيره مع اعترافكم الصريح له بأنه الخالق المالك. ورب السموات السبع ورب العرش العظيم ، وهو صاحب الملك والتصريف.

بل أتيناهم بالقول الحق والدليل الصدق ، وهي تلك الآيات البينات السابقة ، وهم مع ذلك كافرون ، وفي هذا توعد لهم ووعيد ..

٦٤٠