التفسير الواضح - ج ٢

دكتور محمّد محمود حجازي

التفسير الواضح - ج ٢

المؤلف:

دكتور محمّد محمود حجازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١٠
الصفحات: ٨٨٤

فأنتم في ملكوته وتحت قبضته .. ولا ينفعكم نصحى لكم وإخلاصى معكم في شيء أبدا إن أردت ذلك. إن كان الله يريد أن يغويكم فلا ينفعكم نصحى أبدا ، إذ قبول النصح والانتفاع به يكون للمستعد للخير القابل له. أما إذا فسدت النفس وران على القلب الحجاب فلن يرى النور ولن ينتفع به ، ومعنى إغواء الله على إرادته أن يكونوا من الغاوين لا خلق هذه الغواية فيهم ، وفسر ابن جرير الطبري الغواية بالهلاك (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [سورة مريم آية ٥٩].

إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم ومالك أمركم وإليه ترجعون .. أم يقولون افتراه وهذا إضراب انتقالي على معنى بل أيقولون افتراه واختلقه؟ قل لهم : إن افتريته فعلىّ وحدى ذنب جرمي. قال بعضهم : إن هذه الآية معترضة في قصة نوح وهي من قول مشركي مكة وهذا رد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليهم.

وقيل هذا من كلام نوح ، ومن رد نوح عليهم .. وهذا يشبه قوله : (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ). [يونس ٤١].

يأس نوح منهم وصنعه السفينة

(وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩) حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها

١٢١

مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (٤٠) وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١))

المفردات :

(تَبْتَئِسْ) الابتئاس : حزن في استكانة ، والمراد : لا تغتم بهلاكهم (بِأَعْيُنِنا) المراد بملاحظتنا ومراقبتنا ، والفلك السفينة (سَخِرُوا) استهزءوا وضحكوا (فارَ التَّنُّورُ) المراد : ظهور الماء على وجه الأرض بكثرة ، والفوران الغليان ، والتنور هو المكان الذي يصنع فيه الخبز. وقيل : هو تمثيل لاشتداد الغضب.

المعنى :

أوحى ربك إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من آمن بالفعل فلا تحزن على كفرهم ولا تبتئس لفعلهم فقد سبق فيهم القضاء وحقت كلمة ربك على الذين كفروا.

واصنع الفلك لتكون أداة لنجاتك من الغرق أنت ومن معك من المؤمنين ، اصنعها بأعيننا وتحت ملاحظتنا حالة كونك مشمولا برعايتنا ومعلما بوحينا لك كيفية الصنع حتى لا تقع في خطأ ، وجمع الأعين (بِأَعْيُنِنا) للإشارة إلى كمال العناية وتمام الرعاية.

ولا تخاطبني يا نوح في شأن الذين ظلموا أبدا فقد حم القضاء ، ونزل البلاء ، وحقت عليهم الكلمة أنهم لمغرقون فلا تأخذك بهم رأفة ولا رحمة.

ويصنع السفينة وكلما مر عليه جماعة من أشراف قومه سخروا منه واستهزءوا به ظانين أنه مجنون ينفق وقته وجهده في عمل لغو لا فائدة فيه ، قال نوح مجيبا لهم : إن تسخروا منا اليوم لصنعنا شيئا هو في ظنكم خرق وحماقة فإنا نسخر منكم كما تسخرون جزاء وفاقا ، فلسوف تعلمون قريبا من يأتيه عذاب يخزيه في الدنيا بالغرق ، ويحل عليه عذاب مقيم دائم في الآخرة.

١٢٢

كان يصنع السفينة جادا في عمله ، متألما من سخريتهم حتى إذا جاء أمرنا ، واشتد غضبنا وحانت الساعة ، ويا لها من ساعة حين فار التنور ، وجاءت السماء بالمطر مدرارا ، وتفتحت العيون بماء غزير (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ* وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ* وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) قلنا : احمل في السفينة من كل نوع من الأحياء زوجين اثنين ذكر وأنثى ، واحمل فيها أهل بيتك ذكورا وإناثا ، إلا ما استثنى منهم ممن سبق عليه القول فصار في عداد الكفار المغرقين ، واحمل فيها من آمن معك من قومك ، وما آمن معه إلا القليل. نعم وقليل ما هم .. إن الكرام قليل.

وقال نوح : اركبوا فيها قائلين : باسم الله مجريها ، أى : إجراؤها ومرساها أى : إرساؤها نعم من الله كل شيء ، وهذه بشارة لهم بحفظها ورعايتها من الله.

إن ربي لغفور ستار رحيم بالخلق كريم ، ومن مظاهر رحمته نجاة المؤمنين وهلاك الظالمين.

نهاية القوم واستشفاع نوح لابنه

(وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣) وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤) وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ

١٢٣

ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧) قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٨) تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩))

المفردات :

(مَوْجٍ) جمع موجة وهي ما يحدث عند اضطراب البحر من التموج وارتفاع المياه (سَآوِي) سألجأ (يَعْصِمُنِي) يحفظني (ابْلَعِي) البلع ازدراد الطعام أو الشراب بسرعة (غِيضَ الْماءُ) جف ونضب (الْجُودِيِ) جبل معروف في ديار بكر.

المعنى :

تصوير للسفينة وقد سارت وسط المياه. تصوير إلهى.

وهي تجرى بهم وتسير بسرعة دافقة وسط أمواج كالجبال الشاهقة في ارتفاعها وعظم حجمها ، ولما رأى نوح نهاية القوم أخذته عاطفة الأبوة واستولت عليه ، ونادى ابنه ،

١٢٤

وكان في مكان منعزل عنه : يا بنى ، اركب معنا سفينة النجاة ، وإياك يا بنى أن تكون مع الكافرين المهلكين.

وكان هذا الابن عاصيا لوالده ، غير مطيع لأمره كافرا برسالته ووحيه ولذا قال مجيبا أباه : سآوى إلى جبل يحفظني من الماء ، يا سبحان الله!! من يهد الله فهو المهتد ، ومن يضلل الله فلا هادي له.

نوح يبصّر ابنه طريق الخير فيأبى إلا طريق الشر ، ويقول : سألجأ إلى جبل يحفظني من طغيان الماء كأنه فهم أنه ماء من بحر أو نهر له حد محدود يقف أمام ربوة عالية أو جبل شامخ (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [سورة القصص آية ٥٦] قال نوح ردا على كلامه وحجته الواهية : يا بنى لا شيء في الوجود يعصم أحدا من أمر الله إذا نزل ويرد قضاءه إذا حكم لكن من رحم الله من الخلق فهو وحده يعصمه ويحفظه ، وقد جعل السفينة منجاة للمؤمنين.

وبينما هم في هذا النقاش حال بينهما الموج فكان الابن من المغرقين.

أقرأ يا أخى إن شئت قوله ـ تعالى ـ في سورة القمر : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ. وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ. وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ. تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ. وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ. فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) [١١ ـ ١٦] إنه لتصوير رائع للسفينة.

وقيل : يا أرض ابلعي ماءك وجففيه ، ويا سماء أقلعى وكفى عن المطر وامنعيه ، وما هو إلا أمر وامتثال ، أمر من قال للشيء كن فيكون ، فهو أمر تكويني يوجه للعقلاء وغيرهم ..

وغاض الماء عقب هذا الأمر ، وقضى الأمر ، ونجا المؤمنون ، وهلك الكافرون فهل من مدكر؟!!

واستوت السفينة واستقرت على الجودي ، وقيل بعدا وهلاكا ، وطردا وعذابا أليما للقوم الظالمين.

ويقول المفسرون مجمعين : إن هذه الآيات من البلاغة بالمحل العالي ، والمكان المرموق.

١٢٥

ولما رأى نوح نهاية القصة وقد ختمت بهلاك الكافرين ومنهم ابنه ساورته أحاسيس العطف على ابنه والأسف العميق على نهايته فنادى ربه فقال رب : إن ابني من أهلى ، وقد وعدتني بنجاتهم ، وأن وعدك الحق وقولك الصدق ، وحكمك العدل ، وأنت خير الحاكمين ، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟!!

قال الرب ـ سبحانه وتعالى ـ : يا نوح ، إن ابنك ليس من أهلك الذين أمرتك أن تحملهم معك : لما ذا؟!! إنه عمل عملا غير صالح ، وكفر بالله ورسوله ولا ولاية بين مؤمن وكافر مهما كان (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ) [سورة الممتحنة آية ٤] وفي قراءة حفص «إنّه عمل غير صالح» كأنه نفس العمل السيّئ مبالغة.

فلا تسألن يا نوح في شيء ليس لك به علم صحيح إنه حق وصواب إنى أعظك وأنصحك أن تكون من الجاهلين يسألون بطلان تشريع الله وقانونه ، وتقديره في خلقه فهو العليم بهم البصير بشأنهم ، ويظهر لي والله أعلم سؤال كان بناء على أنه رأى ابنه في معزل من القوم فظن أنه ربما يكون قد آمن ، ودخل في زمرة أهله ، وقد سهل له هذا ما في الإنسان من غريزة حب الولد ، فنوح ـ عليه‌السلام ـ قد أخطأ في الفهم والاجتهاد ، وكان عتاب الله له لأنه نبي وأن حسنات الأبرار سيئات المقربين.

ولذا قال نوح بعد هذا : ربي. إنى أعوذ بك وبجلالك أن أسألك ما ليس لي به علم صحيح.

وإن لم تغفر لي وترحمني : وتقبل توبتي برحمتك التي وسعت كل شيء أكن من الخاسرين.

فانظر يا أخى وفقك الله إلى أن القرابة والأخوة في الله أقوى من قرابة النسب ، وأن المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ، وأن ابن نوح ـ عليه‌السلام ـ حين كفر قد حكم الله عليه بأنه ليس من أهله. واعلم أن الإيمان والصلاح لا علاقة له بالوراثة (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) [سورة الطور آية ٢١] وأن جزاء الإيمان الصالح من الأعمال يكون في الدنيا غالبا وفي الآخرة حتما.

وقد كان ما كان من قصة نوح مع قومه التي انتهت بنجاة المؤمنين وهلاك الكافرين ،

١٢٦

قيل بعد هذا : يا نوح اهبط من السفينة أو من على الجبل بعد أن كفت السماء عن المطر ، وابتلعت الأرض الماء ، واستوت السفينة على الجودي.

اهبط متلبسا بسلام منا ومتمتعا بأمان وتحية من عند الله مباركة طيبة ، اهبط بسلام وبركات ونماء وسعة في الرزق عليك وعلى أمم ممن معك من الخلق إنسانا كان أو حيوانا ، وأمم من ذرية من معك سيتمتعون بالخيرات والطيبات في الدنيا والآخرة ، وأمم من الذرية سنمتعهم في الدنيا ثم نضطرهم إلى عذاب أليم في الآخرة وذلك لكفرهم وعنادهم.

وهكذا كان الخلق أولا من ذرية نوح مؤمنين صالحين متمتعين في الدنيا والآخرة ثم خلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ، وسيمسهم من عذاب أليم.

أما العبرة العامة لهذه القصة فقد تقدم الكلام عليها ، ومنها هنا الدلالة على نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فما كان يعلم هو ولا أحد من قومه ذلك القصص المحكم التام الشامل لأخبار نوح وقومه ، وكيف كانت عاقبة الظالمين؟!

فاصبر يا محمد كما صبر نوح من قبل فلقد عرفت مآل الصبر لنوح ولقومه المؤمنين وعاقبة الكفر؟ واعلم أن العاقبة للمؤمنين.

قصة هود عليه‌السلام

(وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا

١٢٧

مُجْرِمِينَ (٥٢) قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (٦٠))

المفردات :

(فَطَرَنِي) خلقني على الفطرة السليمة (مِدْراراً) كثيرا (اعْتَراكَ) أصابك (آخِذٌ بِناصِيَتِها) المراد مسخرها ومصرفها كيف شاء (جَبَّارٍ) الجبار القاهر الذي يجبر غيره على اتباعه (عَنِيدٍ) لا يذعن إلى الحق مهما كان.

وتشمل القصة : تبليغ هود الدعوة إلى قومه ، وما ردوا به عليه ونقاشه لهم ، ونهاية القصة بنجاة المؤمنين وهلاك الكافرين.

١٢٨

المعنى :

وأرسلنا هودا إلى قبيلة عاد ، المشهور أنها عربية وقيل غير ذلك ، وكانت تسكن الأحقاف (في شمال حضر موت وغربي عمان ، وكانت قبيلة ذات قوة وبطش وأصحاب زرع وضرع ، زادهم الله بسطة في الجسم والمال ، وهم خلفاء قوم نوح) ، (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة الأعراف آية ٦٩] (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ. وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ. وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ. وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ. أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ) [الشعراء الآيات ١٢٨ ـ ١٣٣].

أرسل إليهم أخاهم هودا من أوسطهم نسبا ، وأكرمهم بيتا قال لهم : يا قومي ويا أهلى : اعبدوا الله وحده ، لا تشركوا به غيره ، مالكم من إله غيره خلقكم ورزقكم وأمدكم بما تعلمون وما لا تعلمون ، إن أنتم إلا مفترون على الله الكذب في الشركاء والأوثان.

وكان في قبيلة عاد مترفون ألفوا التعالي على الغير ، واستمتعوا بالنعم حتى امتلأت قلوبهم كبرا وبغيا وفسادا وضلالا ، وهؤلاء هم أعداء الحق دائما إذ يرون في النبوة نورا يعمى أبصارهم ، ويفتح أذهان العامة فيأخذون حقهم ، فتكسر شوكتهم وتضيع دولتهم لذلك نرى مع كل نبي أن أول كافر به هم أشراف قومه إذ كيف يخضعون لواحد منهم بشر مثلهم.

قال هؤلاء : أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا؟ إنا إذن لفي ضلال مبين ، ما أنت إلا شخص لك غرض خاص في هذه الدعوة.

فيرد عليهم هود : يا قوم لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من عبادة الله وحده ونبذ الشرك والشركاء لا أسألكم عليه أجرا حتى تتهموني بطلب المنفعة ، وأن لي غرضا ما أجرى إلا على الذي خلقني على الفطرة السليمة ، وهداني إلى الحق الذي أدعو إليه أفلا تعقلون ما أدعوكم إليه ، وتميزون بين الحق والباطل ، ويا قوم استغفروا ربكم من ذنوبكم ثم توبوا إليه توبة نصوحا إنكم إن فعلتم ذلك يرسل المطر عليكم كثيرا فأنتم في حاجة إليه ، ويزدكم قوة إلى قوتكم ، وعزا زيادة على عزكم ، وإياكم والإعراض عن دعوتي فإن فيها الخير والفلاح.

١٢٩

قالوا إنا لنراك في سفاهة ، وضعف عقل وخروج عن جادة الصواب وإنا لنظنك من الكاذبين قال هود : ليس بي سفاهة وكيف أكون ذلك وأنا رسول رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين.

اشتد الأمر بعد ذلك ، وقالوا : يا هود ما جئتنا بحجة قوية تدل على أنك رسول من الله ، وما نحن بتاركي آلهتنا صادرين عن قولك من تلقاء نفسك ، وما نحن لك بمؤمنين ومصدقين برسالتك.

إن نقول إلا أصابك بعض آلهتنا بسوء حين تعرضت لهم وإنك اليوم مصاب بخبل في العقل وجنون في الرأى.

قال هود : أشهد الله أنى بلغت ما كلفت به ، واشهدوا أنى برىء مما تشركون به ، وإذا كان الأمر كذلك وأن آلهتكم لها قدرة على عمل ، فأجمعوا أمركم واجمعوا شركاءكم ثم كيدوني جميعا ، ولا تمهلون ، إنى توكلت على الله ربي وربكم ووكلت له أمر حفظي ، وهو على كل شيء قدير.

ما من دابة في الأرض أو السماء إلا هو آخذ بناصيتها ، ومصرف أمرها ومسخرها إلى أجل مسمى ، إذ له ملك السموات والأرض ، إن ربي على صراط مستقيم هو طريق الحق والعدل فإن تتولوا بعد هذا ، ولم تطيعوا أمرى فقد بلغت ما أرسلت به إليكم وأبرأت ذمتي من الله وسيستخلف ربي قوما غيركم ، ولا تضرونه شيئا إن ربي على كل شيء حفيظ ، وقائم ورقيب .. وهذه هي النهاية.

ولما جاء وقت أمرنا ، ونزول عذابنا ، نجينا هودا ومن معه من المؤمنين برحمة خاصة بهم لا تتعداهم إلى غيرهم ، نجيناهم من عذاب غليظ فظيع (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ* تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [سورة القمر الآيتان ١٩ ـ ٢٠] (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ. فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) [سورة الحاقة الآيتان ٧ و ٨].

وتلك عاد جحدوا آيات ربهم وعصوا رسله أى : جنس الرسول وجنس الآيات الصادقة بآياته ورسوله وهم قد اتبعوا أمر كل جبار يجبر غيره على اتباع رأيه وهم الأشراف العنيدون الذين لا يخضعون للحق.

١٣٠

ألا إن عادا كفروا بربهم ، وجحدوا بآياته ، وكذبوا رسله ألا بعدا وطردا من رحمة الله لعاد وقوم هود.

قصة صالح ـ عليه‌السلام ـ

(وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١) قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٦٢) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (٦٣) وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (٦٤) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٦٥) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (٦٦) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ

١٣١

(٦٧) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (٦٨))

المفردات :

(اسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) جعلكم تعمرونها (مُرِيبٍ) الريب الظن والشك يقال :

رابنى من فلان أمر يريبني ريبا إذا استيقنت منه الريبة. فإذا أسأت به الظن ولم تستيقن منه الريبة قلت : أرابنى منه أمر فهو مريب (فَذَرُوها) اتركوها (فَعَقَرُوها) قتلوها (الصَّيْحَةُ) المرة الواحدة من الصوت الشديد والمراد بها الصاعقة التي أحدثت رجفة في القلوب وصعق بها الكافرون (جاثِمِينَ) ساقطين على وجوههم مصعوقين ، والجثوم للطائر كالبروك للبعير (يَغْنَوْا) يقال : غنى بالمكان أقام به.

وتتلخص قصة صالح فيما يأتى : كيف بلغ صالح دعوته. ورد قومه واحتجاجهم عليه ، ونقاشه لهم ، وآيته على صدقه ، وإنذارهم بالهلاك ، ووقوعه بالفعل.

وثمود قبيلة صالح من العرب ، وكانت مساكنهم بالحجر بين الحجاز والشام إلى جهة واد القرى ، وآثار مدائنهم باقية إلى اليوم وكانت تعبد الأصنام فأرسل لهم صالح لإنقاذهم.

المعنى :

وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا من أوسطهم نسبا وأكرمهم خلقا وأرجحهم عقلا قال : يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله خلقكم ورزقكم غيره. أفلا تتقون؟ هو الذي أنشأكم من الأرض بقدرته حيث خلق أباكم آدم من تراب ، وخلقكم أنتم من ماء مهين يتكون من الدم ، والدم من الغذاء وهو من الأرض ، واستعمركم فيها فجعل لكم جنات وعيونا ، وزروعا ونخلا طلعها هضيم [لطيف لين منكسر] وقد جعلكم تعمرونها بالزرع والصناعة وأنشأتم فيها بيوتا فارهين [حاذقين في صنعها] فاتقوا الله وأطيعونى ، واستغفروا ربكم من عبادتكم الأصنام ، ثم توبوا إليه واعملوا صالحا من الأعمال :

١٣٢

إن ربي قريب من خلقه يعلم خائنه الأعين وما تخفى الصدور خصوصا الاستغفار والتوبة ، ويجيب دعوة الداعي إذا دعاه.

وما كان منهم إلا أن قالوا (ردا عليه) : يا صالح قد كنت فينا موضع رجائنا ومعقد أملنا لما لك من خلق وعقل قبل هذه الدعوة التي دعوتها ما الذي دهاك وألم بك!! تنهانا عن عبادة ما يعبده آباؤنا الأقدمون والمحدثون؟! وإنا يا صالح لفي شك مما تدعونا إليه من عبادة الله وحده وترك عبادة أوليائه وأحبابه وشركائه. حقا إننا لفي شك وسوء ظن منك.

قال يا قوم : أخبرونى ماذا أفعل؟ إن كنت على حجة من ربي ، وبصيرة من أمرى أن ما أدعوكم إليه هو من عند الله لا من عندي.

فمن ينصرني من عذاب الله إن عصيته بكتمان الرسالة فما تزيدونني بحرصى على رجائكم وخوفي من سوء ظنكم غير إيقاعى في الهلاك.

ويا قوم هذه آية على صدقى ، ناقة الله لكم. حيث لم تكن على السنن الطبيعي في نشأة أمثالها فقد روى أنها خلقت من صخرة وكان لها شرب في يوم ، ولهم شرب في يوم آخر (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ. وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) [القمر ٢٧ و ٢٨] وفي كتب التفسير روايات كثيرة عن الناقة.

يا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ، واتركوها ترعى حيث تشاء لا يعترضها أحد ، ولا تمسوها بسوء أيا كان نوعه ، فإنكم إن مسستموها بسوء فسيأخذكم عذاب قريب الوقوع ، عذاب أليم يدعكم كالهشيم المحتظر.

فنادوا صاحبهم قيل : هو قدار بن سالف فتعاطى فعقر ، وقد نسب العقر لهم جميعا لرضائهم على فعله فعقروها فقال لهم صالح : تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ، وما أشد انتظار البلاء ، وما أطولها مدة يترقب فيها الإنسان عذابا محقق الوقوع ، ذلك وعد غير مكذوب فيه ومن أصدق من الله حديثا؟!

فلما وقعت الواقعة ، ونزلت الصاعقة نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ، ونجيناهم من خزي يومئذ ، إن ربك أيها الرسول هو القوى القادر العزيز الحكيم يعز من يشاء ويذل من يشاء من عباده فأخذهم العذاب (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) [سورة الشعراء آية ٨].

١٣٣

وأخذ الذين ظلموا أنفسهم بعصيان الرسول ، ومخالفته ، أخذتهم صيحة الصاعقة التي نزلت بقوم صالح فارتجفت لها قلوبهم وصعقوا بها حتى أصبحوا في ديارهم جاثمين جثوم الطير على الأرض لا حراك بهم كالهشيم المحتظر ، كأنهم لم يقيموا في ديارهم ، وقد خلت من بعدهم.

ألا إن ثمود كفروا بربهم فاستحقوا عقابه الصارم ، ألا بعدا لهم وسحقا لثمود ومن يشبههم من رحمة الله.

قصة إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ وبشارته

(وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (٧١) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (٧٣) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (٧٥) يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (٧٦))

١٣٤

المفردات :

(حَنِيذٍ) مشوى يقطر دهنا (نَكِرَهُمْ) المراد : نكر ذلك منهم (وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) أحس منهم خوفا في نفسه (يا وَيْلَتى) أى : يا ويلي وهلاكي (عَجُوزٌ) عقيم (الرَّوْعُ) الخوف والرعب (أَوَّاهٌ) كثير التأوه مما يسوء ويؤلم.

ذكر إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ في القرآن الكريم كثيرا ، فذكر مع أبيه وقومه ومع بشارته ولديه إسماعيل وإسحاق ، وذكر مع إسماعيل خاصة ، وذكر مع الملائكة مبشرين له بإسحاق ويعقوب مخبرين له بهلاك قوم لوط كما هنا.

المعنى :

وتالله لقد جاءت رسلنا من الملائكة قيل : هم جبريل وميكال وإسرافيل وقيل غير ذلك والأفضل التفويض إلى الله ، فالله أعلم بذلك ورسوله ، ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى بعد التحية منهم وقيام إبراهيم بواجب الضيافة.

فلما دخلوا عليه قالوا : سلاما عليك : قال عليكم سلام الله ، ترى أنه حياهم بأحسن من تحيتهم إذ من دقائق اللغة العربية أن قولك عليك سلام أبلغ من أسلم سلاما ، فما مكث ولا أبطأ في أن جاء بعجل سمين مشوى ينقط دهنا ، لونه أحمر ، لذة للآكلين فقربه إليهم وقال : ألا تأكلون؟ فلما رأى أيديهم لا تصل إلى الأكل أنكر ذلك ووجده على غير ما يعهد في الضيفان. فإن الضيف لا يمتنع من الأكل إلا لريبة فيه أو قصد سيئ ، وأحس في نفسه منهم خوفا وفزعا إذ تبين أنهم ليسوا بشرا ، وقد يكونون ملائكة نزلت لتنفيذ عذاب واقع.

فلما رأوا منه ذلك قالوا له : لا تخف ولا يساورك شك فينا ، إنا رسل ربك أرسلنا إلى قوم لوط الذين بغوا واعتدوا ، لا نريد بك شرا ، ونحن مبشروك وأهلك بغلام عليم يحفظ نسلك ويبقى ذكرك ويلد يعقوب ، ومن ذريته أنبياء بنى إسرائيل ، وكانت امرأة إبراهيم قائمة على خدمتهم سامعة حوارهم فضحكت تعجبا مما رأت وسمعت أو سرورا من هلاك قوم لوط أو من البشرى لها بولد صالح ، ولعل البشرى كانت بعد الضحك بدليل العطف بالفاء.

١٣٥

فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، فلما سمعت البشرى قالت : يا ويلتى ويا عجبي!! أألد وأنا عجوز عقيم؟!

وهذا بعلى وزوجي شيخا كبيرا مسنا. إن هذا لشيء عجيب!!

قالت الملائكة لها : أتعجبين من أمر الله وقضائه الذي لا يعجزه شيء إذا أراد شيئا قال له كن فيكون.

رحمة الله الواسعة وبركاته الكثيرة عليكم يا معشر بيت النبوة ، وأهل بيت إبراهيم الخليل تتصل وتتابع إلى يوم القيامة ، وهذا يدعو بلا شك إلى عدم العجب أنه ـ جل جلاله ـ حميد يستحق غايات المجد والثناء ، ممجد في الأرض وفي السماء.

فلما ذهب عن إبراهيم الروع والخوف من الملائكة ، وعلم أنهم ملائكة العذاب أتوا لقوم لوط ، وقد جاءوا له بالبشرى ، أخذ يجادل الملائكة ، وهم رسل الله في قوم لوط ـ إن إبراهيم لحليم فلا يحب أن يعاجل بالعقوبة ، كثير التأوه والتألم من عذاب الناس منيب إلى الله وراجع إليه ـ فأجابته الملائكة : يا إبراهيم أعرض عن جدالك واسكت ، إنه قد جاء أمر ربك بتنفيذ العذاب على هؤلاء ، وأنهم آتيهم عذاب لا يعلمه إلا هو غير مردود أبدا.

قصة لوط مع قومه وكيف نجا المؤمنون وهلك الكافرون

(وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (٧٧) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ

١٣٦

(٧٩) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠) قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (٨٣))

المفردات :

(سِيءَ بِهِمْ) وقع فيما ساءه منهم (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) المراد ضاق صدره بمجيئهم وكرهه ، وأصله أن يذرع البعير بيديه في سيره ذرعا على قدر سعة خطوه فإذا حمل عليه أكثر من طوقه ضاق عن ذلك (عَصِيبٌ) شديد في الشر ، وفيه معنى الاجتماع (يُهْرَعُونَ) يسرعون ، ولا يكون الإهراع إلا سراعا مع رعدة من برد أو غضب أو حمى أو شهوة ، وهو فعل ملازم للبناء للمجهول (رَشِيدٌ) شديد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) السرى السير ليلا (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) ببقية من الليل (سِجِّيلٍ) أى : من طين بدليل قوله في سورة أخرى : (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ)(مَنْضُودٍ) متتابع ومنظم ومعد لأعداء الله (مُسَوَّمَةً) لها علامة خاصة عند ربك لا تصيب غيرهم ، وهي مسومة أى : محكمة حرة لا يثنيها أحد وقوم لوط هم أسفل سدوم في دائرة الأردن.

المعنى :

ولما جاءت رسلنا من الملائكة لوطا بعد ذهابهم من عند إبراهيم سىء بهم ، واغتم

١٣٧

بمجيئهم لما يعلم من أخلاق قومه وضاق بهم ذرعا ، وعجز عن احتمال ضيافتهم ، وذلك لما يخافه من اعتداء قومه عليهم ، وقد روى أنهم جاءوا على شكل غلمان حسان وقال لوط (وهو ابن أخ إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ) : هذا يوم شديد قد اجتمعت فيه أسباب الشر.

وجاء قومه عند ما سمعوا بالضيوف وقدومهم جاءوا يهرولون مسرعين مدفوعين بدوافع نفسية شيطانية ، ولا غرابة في هذا فهم قوم كانوا يعملون السيئات من قبل ، فالسوء والاعتداء ، وإتيان الرجال شهوة من دون النساء غريزة فيهم مستحكمة (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) قال لوط : يا قوم هؤلاء بناتي لصلبى أو بنات القوم جميعا من ثيبات وأبكار تحت طلبكم وفي مقدوركم ، وهن أطهر لكم ، [وليس معنى أطهر أن إتيان الرجال طاهر لا. لا ..] والمراد هؤلاء تحت طلبكم فتزوجوا العذارى. وأتوا نساءكم في الحلال ، ولا يعقل أن يعرض لوط بناته لهم للزنا فهذا لا يليق من رجل عاقل فما بالك بنبي مرسل لا يعقل هذا أبدا وإن كتب في سفر التكوين ونقله جهلا أو بحسن الظن بعض المسلمين ، بدليل قوله : فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي ، والمعنى : أجمعوا بما آمركم به بين تقوى الله باجتناب الفاحشة وبين حفظ كرامتي وعدم إذلالى وامتهانى في ضيفي ، أليس منكم رجل رشيد؟ ذو رشد وعقل يرشدكم إلى الخير ويهديكم إلى الرأى؟

قالوا : لقد علمت ما لنا في بناتك من حاجة ولا أرب ، فلا معنى لعرضك علينا هذا وإنك لتعلم ما نريد من الاستمتاع بالذكران ، قال لوط مخاطبا ضيوفه كما هو الظاهر : لو أن لي بكم قوة تقاتل معى هؤلاء القوم أو تدفع شرهم عنى ، والمعنى أتمنى أن يكون لي ذلك أو آوى إلى ركن شديد من أصحاب العصبيات والقوة في الأرض ، قالت الملائكة : يا لوط : إنا رسل ربك جئنا لنجاتك من شرهم وإهلاكهم ، ومعنى هذا أنهم لم يصلوا إليك بسوء في نفسك ولا فينا ، ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم ، فلم يبصروا شيئا ثم قيل لهم : فذوقوا عذابي ونذر ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر! فقالت له الملائكة تنفيذا لوعد ربه :

أسر بأهلك واخرج من هذه القرية الظالم أهلها بطائفة مع الليل تكفى لتجاوز حدودها والبعد عنها (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ

١٣٨

بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [سورة الذاريات الآيتان ٣٥ و ٣٦] ولا يلتفت منكم أحد إليها أبدا خوفا من أن يرى العذاب فيصيبه ، وامضوا حيث تؤمرون.

فأسر بأهلك جميعا إلا امرأتك كانت من الغابرين أى : الباقين ، وكانت امرأة كافرة لها ضلع مع قوم لوط الكفرة. إنه مصيبها ما أصابهم ، إن موعدهم الصبح إذ سيبتدئ عذابهم من طلوع الفجر وينتهى عند شروق الشمس (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ) [الحجر ٧٣] أليس الصبح بقريب؟ وقد كانوا يتعجلون العذاب كفرا واستهزاء بلوط.

فلما جاء أمرنا ، ونفذ قضاؤنا جعلنا عاليها سافلها وقلبنا أرضها وخسفناها ، وأمطرنا عليها حجارة من طين متراكب بعضه في أثر بعض ، حجارة لها علامة لا تنزل على غيرهم ، وقيل المعنى : سخرها عليهم وحكمها فيهم لا يمنعها مانع ، انظر إلى قوله ـ تعالى ـ : «مسوّمين» وصفا للملائكة في غزوة بدر ، وقولهم إبل مسومة وسائحة أى : ترعى حيث شاءت ، وما هذه العقوبة من الظالمين وحدهم ببعيد ، يا سبحان الله هذا العقاب الصارم ليس ببعيد أبدا عن الظالمين ، فانظروا يا كفار مكة أين أنتم منه؟!!

قصة شعيب ـ عليه‌السلام ـ

(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٨٥) بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ

١٣٩

بِحَفِيظٍ (٨٦) قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨) وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ

١٤٠