التفسير الواضح - ج ٢

دكتور محمّد محمود حجازي

التفسير الواضح - ج ٢

المؤلف:

دكتور محمّد محمود حجازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١٠
الصفحات: ٨٨٤

المعنى :

ألا إن المشركين حين يسمعون الدعوة إلى الله ، وما يقوم به الرسل من البشارة والإنذار يثنون صدورهم ، ويعرضون عنه ويستدبرون الرسول عند تلاوة القرآن حتى لا يراهم أحد وقد ظهرت عليهم علامات الحقد والحسد والكراهية عند وقوع القوارع والحجج التي هي كالصواعق عليهم أو أشد.

ألا حين يستغشون ثيابهم ، ويغطون بها أجسادهم ، حين يخلون وأنفسهم فتظهر على حقيقتها ، والمراد أنهم لجهلهم يظنون خطأ أنهم لو يثنون صدورهم ، ويلتحفون بأثوابهم لا يراهم الله (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ). ألا فالله يعلم السر وأخفى ، ويعلم ما يسرون وما يعلنون ، وهو العليم بذات الصدور.

وقد أوجب الله على نفسه بمقتضى رحمته وكرمه ، وقدرته وعلمه. أوجب على نفسه أنه ما من دابة من أنواع الدواب توجد على ظهر الأرض أو في جوف البحر ، أو بين طيات الصخر. أو تطير في الجو ، إلا على الله رزقها وغذاؤها المناسب لها ، هدى كل دابة إلى ذلك بمقتضى الغريزة والطبيعة (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) [سورة طه آية ٥] لكل دابة رزقها المهيأ لها الواصل إليها بعد البحث والعمل.

وهو ـ سبحانه ـ يعلم مكان استقرارها ، ومكان استيداعها فهو يعلم مستقرها في الأصلاب أو الأرحام ، ويعلم مستودعها في الأرحام أو بطن الأرض ، كل ذلك من رزق واستقرار وتغيير واستيداع ثابت مرقوم في كتاب ظاهر معلوم كتب الله فيه قضاءه وقدره (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) [سورة الأنعام آية ٣٨].

وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ، يومان لخلق الأرض ، ويومان لخلق أقوات الخلق وما يتبعه ، ويومان لخلق السموات السبع كما هو مفصل في سورة فصلت من «الحواميم» الآيتان ٩ و ١٠.

والأيام هنا المراد بها : الأوقات التي لا يعلم تحديدها إلا الله ـ سبحانه وتعالى ـ خلق السموات السبع والأرضين السبع في ستة أيام ، وكان عرشه على الماء أى : وكان عرشه قبل السموات والأرض على الماء ، وهل المراد بعرشه تصريفه وملكه أو هو شيء مادى آخر؟ الله أعلم بكتابه (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) [سورة آل عمران آية ٧].

١٠١

يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ). وصدق الله العظيم.

وإنى أحب أن أقول : إن القرآن الكريم لم يأت كتابا علميا يفصل نظريات ويشرح قواعد علمية. وإنما جاء يعالج أمة بل العالم كله ، يعالجهم من ناحية التشريع والحكم ، ومن ناحية العمل والفقه ، ومن ناحية السياسة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

ولذلك من يتعرض لاستنباط النظريات العلمية الدقيقة من القرآن ، ويحاول أن يحمل الألفاظ ما لا تطيق ، إنما هو باحث عاطفى.

ولكن القرآن الكريم لا يتعارض مع النظريات ـ أيضا ـ وإن تعارض ظاهره فإن الواجب علينا أن نرجع إلى أنفسنا ونعيد الفهم والتطبيق في النظريات العلمية. وهي محل بحث ونظر وقد تعدل أو يرجع عنها أصحابها فلا نجد في النهاية تعارضا وعلى ذلك يمكننا أن نفهم قوله ـ تعالى ـ : وكان عرشه على الماء.

والعرش هو التصريف والملك والأمر والحكم على رأى الخلف ، والسلف يرون أن العرش هو العرش بلا تأويل ، والله أعلم بحقيقته.

وأما الماء الذي كان قبل خلق السموات والأرض فهو الدخان الذي ذكر في الآيتين ٩ و ١٠ من سورة فصلت ، وهو الموافق لنظرية السديم ، ونظرية التكوين العلمية توافق نظرية القرآن في قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) [سورة الأنبياء آية ٣٠] كما توافق خلاصة البحث العلمي.

قبل أن تتكون الكواكب والنجوم كان الفضاء مملوءا بذرات دقيقة صغيرة تشبه الدخان والماء يقال لها السديم ، وكان لكل ذرة من هذه الذرات السديمية خاصيتان خلقهما الله في الذرة (الدوران حول النفس والجاذبية) ثم أخذت هذه الذرات في التجمع بسبب الجاذبية والدوران ، ونتج عن ذلك التجمع احتكاك تولد عنه الحرارة والالتهاب والضوء ، وهذه هي العناصر التي تتصف بها الشمس وتميزها عن الكواكب المعتمة المظلمة ، نشأ عن ذلك الاحتكاك وعن هذه الحرارة أن كان قرص الشمس رخوا. ومن شدة الحرارة وسرعة دوران الشمس حول نفسها انفصلت أجزاء منها وكونت ذلك الكوكب الذي نعيش عليه (الأرض) وأخذت الأرض تفقد حرارتها

١٠٢

بالإشعاع إلى أن بردت وأمكن الحياة عليها بعد أن صار فيها الماء واليابس ، وظل باطنها كما هو حار بدليل البراكين والزلازل.

ولجميع الكواكب والنجوم التي انفصلت عن الشمس خواص الذرات السديمية فالأرض مثلا تدور حول نفسها ، وتجذب ما فوقها وصدق الله ـ تعالى ـ : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [سورة يس آية ٤٠].

ويمكن أن نستنتج الحقائق العلمية التالية التي تؤكد ما جاء في القرآن :

١ ـ قبل خلق السماء والأرض كانت هناك ذرات تشبه الدخان والماء هي أصل ذلك الكون.

٢ ـ أن السموات وما فيها والأرض كانتا رتقا واحدا أى جزءا واحدا ففصلهما الله على النحو المذكور سابقا ، وجعل بينها الهواء الذي كان له الأثر الفعال في فقدان الأرض حرارتها لنعيش عليها ، وهذا الهواء المتحرك المتنقل على هيئة رياح سريعة هو سبب سقوط الأمطار وتكوين البحار والأنهار ، والماء أساس كل شيء حي ، فالله فتق السماء بالمطر وفتق الأرض بالنبات (كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) وهذا رأى في تفسير الفتق غير الماضي.

٣ ـ ليس هناك جرم محسوس ملموس اسمه السماء بل السماء هي الفضاء اللانهائى الذي لا يعلمه إلا الله ، ويحتوي على سائر الكواكب والنجوم ، ومن الجائز أن السموات السبع هي المجرات .. والمجرة هي مجموعة الكواكب والنجوم التي ترتبط مع بعضها في أفلاك ومدارات محدودة ، وتشغل جانبا معلوما من الكون ، وهذه المجرات قد سواها الله في طبقات بعضها فوق بعض.

تلك نظرية العلم وهذا رأيه وإن كان ظاهر نصوص القرآن يفيد بأن السماء جرم وقد قلنا أن الأمور الغيبية يجب أن نعلمها كما ورد في القرآن وليس من الدين في شيء البحث الدقيق في تكوينها وما هي عليه (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [سورة البقرة الآيتان ٢ و ٣].

وعلى المسلم أن يقف في أمر دينه عند نصوص قرآنه فإن أراد البحث العلمي الدقيق فليبحث وفي النهاية سيلتقى مع نظرية القرآن.

١٠٣

ثم علل ـ سبحانه وتعالى ـ هذا الخلق العجيب للسماء والأرض وما فيهما بقوله : (لِيَبْلُوَكُمْ) أيها الناس ، وليظهر (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)؟ وذلك أنه خلق لنا ما في الأرض ، وسخر لنا كل شيء ، ورسم لنا الطريقين ليعلم علم ظهور من يقابل النعم بالشكران ، ومن يقابلها بالكفران ، وليجزي الذين أحسنوا بالحسنى وزيادة ، والذين أساءوا بما كانوا يعملون.

ولئن قلت يا محمد لهؤلاء الكفار : إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا بعد عجزهم عن قرع الحجة بالحجة : إن هذا إلا سحر مبين وهذه حجة العاجز.

طبائع الإنسان وتهذيب الدين لها

(وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١))

المفردات :

(أُمَّةٍ) المراد أجل معدود وزمن معلوم وأصلها الجماعة من جنس واحد أو هم مجتمعون في زمن واحد ، وقد تطلق على الدين والملة (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ)

١٠٤

وتطلق على الرجل الجامع للخير الذي يقتدى به (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ) ، وعلى الزمن كما في قوله (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) وكما في هذه الآية (نَعْماءَ) النعمة (ضَرَّاءَ) الضر والألم.

المعنى :

لقد أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق ، وأرسله مبشرا ونذيرا وقد قال لقومه الكفار : إنى أخاف عليكم عذاب يوم كبير ، ولكنهم يستهزئون به وبوعيده ويستعجلون العذاب استهزاء وكفرا فيقول الله ما معناه : والله لئن أخرنا عنهم العذاب إلى جماعة من الزمن معدودة في علمنا ومحدودة في نظامنا وتقديرنا الذي اقتضى أن يكون لكل أجل كتاب .. ليقولن : أى شيء يمنع هذا العذاب من الوقوع!!

فهم لا يسألون عن المانع ، وإنما ينكرون مجيء العذاب وحبسه عنهم ألا يوم يأتيهم ذلك العذاب ليس مصروفا عنهم ولا محبوسا (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ * ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ، وله يستعجلون وسيحيط بهم يومئذ من كل جانب فلا هو يصرف عنهم ، ولا هم ينجون منه ، الله ـ سبحانه ـ يقول : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) وفي هذه الآية بيان لحال الإنسان في اختبار الله له.

ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ، وأعطيناه نعمة من صحة وعافية وسعة رزق وأمن ثم نزعنا تلك النعمة منه مما يحدث على وفق سنتنا من مرض أو وهن أو موت أو كارثة إنه ليئوس شديد اليأس من رحمة ربه ، قطوع للأمل والرجاء في عودة النعمة له ، كفور بالنعم التي هو فيها إذ مهما أصيب في نعمة فعنده نعم (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) [سورة إبراهيم آية ٣٤] وهكذا الإنسان لا يصبر ولا يشكر.

وتالله لئن أذقناه نعماء بعد ضراء ليقولن ذهبت المصائب عنى ولن تعود ضراء لي ، وإنما أوتيت ما أوتيت على علم عندي!!

إن الإنسان لفرح بطر شديد الفرح والمرح فخور متعال على الناس لا يقابل النعم بالشكر الجزيل.

وانظر إلى قوله ـ تعالى ـ : (أَذَقْنَا) الذي يفيد اللذة والاغتباط ثم إلى قوله :

١٠٥

(نَزَعْناها) المفيد شدة تعلقه بالنعمة وحرصه عليها ثم إلى قوله في جانب النعمة (أَذَقْنَا) وفي جانب النقمة والضر (مَسَّتْهُ) فإن المس يشعر بكون الضر في أقل مرتبة من الملاقاة والإصابة.

هذا طبع الإنسان ، وتلك غريزته التي جبل عليها كل إنسان إلا الذين صبروا ، وعملوا الصالحات.

ومن هنا نعلم أن في الإنسان طبائع مادية كاليأس من رحمة الله ، والكفر بنعمته ، والفرح والبطر والفخر والكبر ، وهذه أدواء فتاكة وأمراض خطيرة علاجها الصبر والسلوان الناشئ عن قوة الإيمان والرضا بقضاء الله وقدره ، وعمل الصالحات من الأعمال النافعة كالبر والخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إلى آخر ما هو معلوم.

أولئك الصابرون العاملون المؤمنون لهم مغفرة من الله وأجر كبير لا يعلم كنهه إلا الله ـ سبحانه ـ (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ).

تقوية الروح المعنوية للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وتحديهم بالقرآن

(فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤))

١٠٦

المفردات :

(فَلَعَلَّكَ) لعل تكون للتوقع وترجى المحبوب ، وهي في قوله ـ تعالى ـ (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) للإعداد والتهيئة. وقد تكون للتعليل كما في قوله : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) وللاستفهام الشامل للإنكار منه كما في هذه الآية والمراد النفي أو النهى أى : لا تترك (ضائِقٌ) عارض لك ضيق الصدر والمراد الحرج والألم (كَنْزٌ) ما يدخر من المال في الأرض والمراد المال الذي يناله بغير كسب.

لا يزال الكلام من أول السورة في القرآن وحال الناس معه ، وما يلاقيه الرسول منهم من غم وضيق صدر ، وما يتبع ذلك من التحدي المثبت للوحى.

المعنى :

أتارك أنت أيها الرسول بعض ما يوحى إليك مما يشق سماعه على المشركين من الأمر بالتوحيد والنهى عن الشرك ، والإنذار لهم والنعي عليهم؟!! وضائق به صدرك ، وتتألم له نفسك من تبليغهم كل ما أنزل إليك والمراد بالاستفهام النفي أى : لا يكن منك ذلك كراهة أن يقولوا : لو لا أنزل عليه كنز يغنيه عن التجارة والكسب ، ويكون دليلا على صدقه ، أو جاء معه ملك من السماء يؤيده في دعواه ، (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً. أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) [سورة الفرقان الآيتان ٧ و ٨].

إن عناد المشركين وجحودهم وإعراضهم مع شدة اهتمام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإيمانهم يفضى بحسب شأنه إلى ذلك لو لا عصمة الله ـ سبحانه ـ لنبيه (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) [الإسراء ٧٤]. اقرأ معى قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) [المائدة ٦٧].

لا يهمنك قولهم ، وطلبهم منك هذا ، إنما أنت نذير تبلغ كل ما أنزل إليك ولا عليك شيء بعد هذا سواء أرضى الناس أم غضبوا ، والله على كل شيء وكيل فهو الموكل بالعباد والرقيب عليهم والمجازى لهم (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) [سورة الغاشية الآيتان ٢١ و ٢٢] (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) [سورة ق آية ٤٤].

١٠٧

أيقولون افتراه واختلقه من عنده؟!! إن يقولون إلا كذبا وزورا ، قل لهم يا محمد : إن كان الأمر كما تزعمون فأتوا بعشر سور مثله في البيان والبلاغة والدقة والفصاحة ، والإحكام والإتقان في السياسة والاجتماع ، والقانون والتشريع ، والقصص والأخبار ، مفتريات من عند أنفسهم لا تدعون أنها من عند الله فإنكم أهل اللسان والبيان ، وأنتم العرب الفصحاء ، وفيكم الخطباء والشعراء ، وقد افتريتم على الله كثيرا باتخاذ الآلهة والأنداد والبنات والشفعاء له ، وحرمتم السائبة والوصيلة والحامي وغير ذلك من الأنعام والحرث.

وأما أنا فواحد منكم لم يسبق لي شيء من ذلك وقد لبثت فيكم عمرا من قبله لم تجربوا علىّ كذبا على مخلوق فكيف أفترى على الله ـ عزوجل ـ؟!

وإن كنتم تزعمون أن لي أعوانا على ذلك فادعوا من استطعتم من دون الله من الشركاء والشفعاء ، أو الخطباء والشعراء ، أو أهل الكتاب والأحبار ليعينوكم على الإتيان بمثله (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) [سورة الكهف آية ٥].

لقد عالج القرآن الكريم هذا الموضوع في عدة سور من القرآن الكريم فمرة تحداهم بالإتيان بمثل القرآن أو بسورة مثله أو بعشر سور مثله كما في هذه الآية ، ولقد علل المرحوم «الشيخ رضا» تعليل التحدي بعشر سور بأن هذه الآية في السورة العاشرة (سورة هود).

تحداهم القرآن بذلك فعجزوا ، ولم يجدوا من يعاونهم من آلهة وشركاء ، ولا من الفصحاء والبلغاء ، ولا من أعداء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أهل الكتاب وغيرهم فلما عجزوا قامت الحجة عليهم إلى يوم القيامة ، وغيرهم من باب أولى.

فإن لم يستجب لكم من تدعوهم من دون الله ليظاهروكم على الإتيان بمثل هذا القرآن ، وبدا لكم الأمر ظاهرا للعيان ، فاعلموا أيها الناس علما أكيدا أنه إنما أنزل هذا القرآن على النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعلم الله ومبينا لما أراده المولى لعباده من دين قيم ، وقانون محكم ، وتشريع كامل ، وقصص حق لا يمكن أن يعلمه محمد ولا غيره لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا.

واعلموا أنه لا إله إلا هو ، ولا معبود بحق سواه.

١٠٨

فهل أنتم مسلمون؟!! إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء ـ سبحانه وتعالى ـ.

من يؤثر الدنيا على الآخرة

(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦))

المفردات :

(نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ) نؤد لهم ثمرات أعمالهم وافية تامة (حَبِطَ) الحبط : هو هلاك بعض الأنعام من كثرة الأكل لبعض المراعى الخضراء والمراد فساد عملهم في الخير.

المعنى :

الناس على اختلاف مذاهبهم وألوانهم صنفان : صنف يؤمن بيوم القيامة وبالحياة الأخرى ، وصنف يعتقد أنه ما هي إلا الحياة الدنيا يموت ويحيا ، وما يهلكه إلا الدهر ، وهؤلاء هم المعنيون بهذه الآية من المشركين وغيرهم ، وهذا هو السبب في عدم إيمانهم بالقرآن بعد ظهور إعجازه فيما سبق (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [سورة البقرة الآيتان ٢ و ٣].

من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها من متاع ولباس ، وزينة وأثاث ، وكان حظه من حياته ذلك فقط ، هؤلاء نوفى إليهم أعمالهم ، ونؤدى لهم جزاءهم كاملا في الدنيا ، وإنك تراهم يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ، وهم فيها غالبا على جانب من سعة الرزق ورغد العيش ، وهم لا يبخسون في الدنيا شيئا من نتائج كسبهم لأجل كفرهم.

١٠٩

أما في الآخرة فأولئك ليس لهم فيها إلا النار وسعيرها إذا لم يعملوا لها لأنهم لا يؤمنون بها ، وقد حبط ما صنعوا في الدنيا من صالح الأعمال (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) فأعمالهم من بر وخير لم يكن لها تأثير ولا فائدة إذ لم يعملوها لله وإنما الأعمال بالنيات ، ولذا كانت أعمالهم باطلة (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً. وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً).[سورة الإسراء الآيتان ١٨ و ١٩].

المؤمنون بالآخرة

(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١٧))

المفردات :

(بَيِّنَةٍ) حجة وبصيرة من ربه (مِرْيَةٍ) شك وريب.

ولما ذكر الله ـ تعالى ـ في الآية المتقدمة الذين يريدون بأعمالهم الحياة الدنيا وزينتها ذكر في هذه الآية من كان يريد بعمله الآخرة وآمن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

المعنى :

أفمن كان على صلة بالله وبينة من ربه وثقة به ، وقد شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه كمن يريد الحياة الدنيا ويعمل لها؟ إن بين الفريقين تفاوتا بعيدا وقد كان الأنبياء جميعا يحتجون على قومهم بأنهم على بينة من ربهم (إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ

١١٠

مِنْ رَبِّي). (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان على علم يقيني ضروري بنبوته ، وهكذا كل مسلم آمن به ، وقيل المراد بالبينة : الحجج الناطقة الدالة على صدقه وأهمها القرآن.

وكان الشاهد الذي يتلوه ذلك الأمر النفسي والإيمان القلبي بأن الإسلام حق من الله. هو القرآن ، وقيل البينة القرآن والشاهد جبريل ويتلوه من التلاوة لا من التتبع.

أولئك يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله جميعا لا يفرقون بين نبي ونبي.

ومن يكفر بهذا من الأحزاب والجماعات فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون بذلك.

الكافرون وأعمالهم وجزاؤهم ، وكذلك المؤمنون

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢١) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا

١١١

الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٤))

المفردات :

(يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) المراد يحاسبهم ربهم (الْأَشْهادُ) هم الملائكة الكتبة الكرام الحفظة (لَعْنَةُ اللهِ) اللعن واللعنة : الطرد من رحمة الله (عِوَجاً) أى : معوجة (لا جَرَمَ) أى : لا بد ولا مناص وهي تفيد التحقيق والتأكيد (وَأَخْبَتُوا) أصل الإخبات قصد الخبت وهو المكان المطمئن المستوي والمراد : خشعوا وأخلصوا لله.

المعنى :

لا أحد أظلم لنفسه ولغيره ممن افترى على الله الكذب ، واختلق البهتان والزور على الله في وحيه ، أو في صفته ، أو اتخذ الأولياء والشركاء والشفعاء له بدون إذنه ، أو زعم أن له ولدا. تعالى الله عما يشركون .. تنزه عما يصفون ، أولئك البعيدون في درجة الكفر والإشراك المتميزون على غيرهم من الخلق يعرضون على ربهم فيحاسبهم على أعمالهم ، ويقول الأشهاد من الملائكة الأبرار ، وقيل : منهم ومن الأنبياء والصالحين. يقول الأشهاد : هؤلاء المتميزون على غيرهم لسوء فعالهم هم الذين كذبوا على ربهم ، ألا لعنة الله على الظالمين.

هم الذين يصدون عن سبيل الله غيرهم بكافة الطرق وكل الأساليب ويصفونها بالعوج وعدم الاستقامة ، ويطلبونها معوجة ليست على طريق الحق والعدل والكرامة والحال أنهم بالآخرة هم كافرون بها لا يؤمنون ببعث ، ولا يثقون في جزاء وتكرير (هم) للتوكيد.

أولئك لم يكونوا معجزين الله في الدنيا حتى يعاقبهم بالخسف والإزالة ، كما فعل بغيرهم وكيف يعجزون الله!! وهو القوى القادر الذي له ملك السموات والأرض ،

١١٢

والحال أنهم ما كان لهم من دون الله أولياء ينصرونهم. ويمنعونهم من عذاب الله إن نزل بهم ، بل اقتضت حكمته أن يؤخر عذابهم إلى يوم تشخص فيه الأبصار ، يضاعف لهم العذاب ضعفين بالنسبة إلى عذاب الدنيا كل ذلك بسبب أنهم ما كانوا يستطيعون إصغاء السمع للقبول والبحث عن الحق ، وما كانوا يبصرون طريق الحق والخير وينظرون إلى الآيات القرآنية ، والآيات الكونية ، وذلك أنهم استحوذ عليهم الباطل ، وران على قلوبهم وفسدت نفوسهم حتى لم يعد فيها استعداد للخير أبدا ، وليس المراد نفى السمع والبصر بل المعنى أنهم ما كانوا يستخدمونهما في إيصال المعلومات ، وما كانوا يطيقون سماع الكلام ورؤية الآيات لفرط عنادهم وعتوهم (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ).

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ).

أولئك الذين وصفوا بما مضى قد خسروا أنفسهم ، واشتروا الضلالة بالهدى ، وأى خسارة أشد من خسارة الذي يصلى نارا حامية لا يموت فيها ولا يحيا؟!!

لا جرم ولا شك أنهم في الآخرة الأخسرون أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا.

أما من كان على عكس هذا فالله يقول فيه : إن الذين آمنوا ، وعملوا الصالحات وخشعوا له ، واطمأنت نفوسهم بالإيمان ، ولانت قلوبهم ووجلت بالقرآن أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون.

مثل الكافر والمؤمن كالأعمى والأصم ، والسميع والبصير هل يستويان مثلا؟!! أتجهلون هذا المثل الحسن والفارق الكبير فلا تتذكرون؟

القصة في القرآن

إن من أغراض القرآن المهمة إثبات التوحيد ، وما يتبعه من إثبات النبوة والبعث ، والكلام في التشريع للفرد والجماعة والأمة ، والقصص الخاص بالأمم السابقة وهو غالبا يساق في السور المكية والمبدوءة بأحرف مقطعة كهذه السورة مثلا.

١١٣

وهنا يظهر سؤال لما ذا سيقت القصة في القرآن؟ وما السر في اختلاف الأسلوب للقصة الواحدة ، ولما ذا كررت في عدة سور؟

لقد كان القصص في كل لغة لونا من ألوان الأدب الفنى الرائع ، لما له من الأثر النفسي في قلوب سامعيه.

والقصص في القرآن ينبئنا عن أخبار الأنبياء والرسل ، وما حصل لهم ، وكيف قاموا بدعوتهم؟ وكيف عالجوا أزماتهم؟ وما انتهى إليه أمرهم ، وعلى العموم فهو مدرسة إلهية معلموها الأنبياء ، وتلاميذها الأمم.

ولقد سيقت للعبرة والعظة حيث يقف المسلمون والمشركون على أحوال من تقدمهم من الأمم فيعتبر ذوو الألباب ويتعظون ، وفيها التسلية الكاملة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصحبه من حيث يقفون على أخبار الرسل وأممهم وكيف كانت العاقبة للمتقين ، والدائرة على الكافرين المعاندين ، وفي هذا تثبيت لهم وشحذ لعزائمهم (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ). (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) والعبرة والعظة تظهر في قوله تعالى (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) آخر سورة يوسف.

وقد سيقت القصة دليلا على صدق الرسول وأن خبره من السماء إذ هو يقص أخبارا ما كان يعلمها هو ولا أحد من قومه ، ولا يكون هذا إلا بوحي من السماء (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ). (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) [يوسف : ١٠٢]

وهي علاج للقلوب ، ودواء للنفوس لما فيها من أخبار الأمم وما حل بالعاصين من عاجل بأس الله. فأهل اليقين وغيرهم إذا تلوها تراءى لهم من ملكه وسلطانه وعظمته وجبروته حيث يبطش بأعدائه ما تذهل منه النفوس. وتشيب منه الرؤوس «شيّبتنى سورة هود وأخواتها». صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

١١٤

والقصة مدرسة المؤمنين المنتفعين بهدى القرآن (هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ* لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) فيها أحسن الدروس ، وأقوى الأمثال التي تضرب لتحمل الدعاة المرشدين (إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ). قال (يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) إلى آخر ما في قصة نوح.

أما تكرارها في القرآن فلما في أغراضها ومقاصدها من معان جلية ، وفوائد سامية يحرص القرآن دائما على ذكرها لتكون ماثلة أمام أعين المسلمين بكل لون وأسلوب ، ولا غرابة فإنا نرى أصحاب الثورات والدعوات دائما في كل خطبة وفي كل موقف يرددون مبادئهم وأغراضهم وأعمالهم بأساليب مختلفة.

ولعل السر في اختلاف الأسلوب في القصة الواحدة تجديد النشاط وطرد السآمة والملل من نفس القارئ والسامع ، ولا تنس أن لكل سورة لونا خاصا وصفة خاصة وحسا خاصا. وفواصل خاصة ، وحالا للمخاطب خاصة تتناسب مع السياق وعلى العموم فلكل قصة سياق يتناسب مع ما سبقها وما أتى بعدها وهذا البحث يحتاج إلى كتاب يبحث فيه حال القصة الواحدة مع كل الملابسات السابقة.

قصة نوح عليه‌السلام

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ

١١٥

(٢٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١))

المفردات :

(أَراذِلُنا) جمع أرذل الذي هو جمع رذل مثل كلب وأكلب. وقيل : جمع أرذل وهو النذل والمراد : الأخساء والسفلة وأصحاب الحرف الخسيسة ، وورد أنهم الفقراء والضعفاء (بادِيَ الرَّأْيِ) ظاهره ، الذي يبدو للناظر فيه من غير فكر ، أو المراد بادئ الرأى أى : في بدئه الذي يظهر منه أول وهلة (فَعُمِّيَتْ) خفيت عليكم (خَزائِنُ اللهِ) المراد أنواع رزقه التي يحتاج إليها العباد (تَزْدَرِي) المراد تحتقرهم أعينكم وهذه القصة مسوقة لتأكيد ما قبلها من دلائل النبوة وأصول التوحيد.

وإثبات البعث والجزاء لمن آمن ومن كفر ، حتى يعلم الكفار عن أمة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ليس بدعا من الرسل ، وأن حاله كحال غيره من النبيين وأن جميع الأنبياء متفقون في أصول الدعوة من التوحيد الخالص ، وإثبات البعث والجزاء .. وفي هذا ما فيه من أغراض القصة في القرآن.

١١٦

ولقصة نوح في هذه السورة عناصر منها :

(أ) بيان دعوته بالإجمال وما رد به قومه عليه.

(ب) مناقشتهم والرد عليهم في شبهاتهم.

(ج) اشتداد الحالة وتوترها حتى استعجلوا العذاب ، وقد يئس نوح منهم.

(د) كيف صنع نوح السفينة.

(ه) بدء نهايتهم ونجاة نوح ومن آمن.

(و) استشفاع نوح لابنه.

المعنى :

تالله لقد أرسلنا نوحا وهو أول رسول ، وقومه أول قوم أشركوا بالله غيره ، أرسلناه فقال لهم : إنى لكم نذير بين الإنذار ظاهره. على ألا تعبدوا إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير. ألست معى في أن الرسل جميعا يشتركون في أصول الدعوة إلى الله؟ (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) [سورة نوح الآية ٢].

أمرهم أن يعبدوا الله وحده ثم أنذرهم عذاب يوم أليم وعظيم وكبير ، ألا هو يوم القيامة أو يوم الغرق ، وصف بالألم الشديد ، والعذاب العظيم ، والهول الكبير في غير موضع من القرآن ، والظاهر أن نوحا وصفه بكل هذه الأوصاف التي حكيت عنه ، وفي غير هذه السورة أردف الأمر بالعبادة بقوله : أفلا تتقون. وهكذا غيره من الرسل للإشارة إلى أن التقوى هي الأمر الجامع المهم .. فبادر الملأ من قومه. والأشراف الذين كفروا بالله ورسوله إليه بحجج هي أوهى من نسيج العنكبوت قائلين :

ما نراك إلا بشرا مثلنا ، لا مزية لك ولا فضل حتى تدعى الرسالة والسفارة بيننا وبين الله. هل لك مال كبير؟ أو جاه عريض؟. أو ولد وخدم؟ ليس لك شيء من هذا فكيف تكون المطاع فينا والآمر لنا؟!!

وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا وسفلتنا أصحاب الحرف والصناع من الفقراء والضعفاء ، أنكون مع هؤلاء في صف واحد على أن إقبال هؤلاء عليك واتباعهم

١١٧

لك في بادئ الأمر وظاهره بدون تأمل ولا فكر! ولا نظر في عواقب الأمور وبواطنها يدعونا إلى مخالفتك وعدم اتباعك. أنفوا أن يكونوا مثل هؤلاء الفقراء وطلبوا من نوح أن يطردهم حتى لا يجتمعوا معهم في دين فأبى وخاف من الله.

وقالوا : ما نرى لكم ، أى : أنت ومن معك من عامة الناس ، ما نرى لكم علينا من فضل في علم أو رأى أو جاه أو قوة يحملنا على اتباعكم والنزول عن جاهنا وشرفنا ونكون معكم في سلك واحد (لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) [سورة الأحقاف الآية ١١].

بل الأمر أكثر من هذا وأشد وهو أننا نظنكم من الكاذبين المفترين ، ونرجح أنك ـ في دعواك النبوة لتكون متبوعا ـ كاذب ، وأنهم في تصديقهم لك واتباعهم رأيك ـ كاذبون. فأنتم جميعا متآمرون على قلب الوضع ونظام الحكم عندنا.

كيف ناقشهم نوح ـ عليه‌السلام ـ ورد عليهم شبهاتهم :

قال نوح يا قومي الأعزاء أخبرونى ماذا أفعل! إن كنت على حجة من ربي ظاهرة فيما جئتكم به ، تبين لي بها أنه الحق من عنده لا من عندي إذ ليست النبوة من كسب البشر حتى يستقيم لكم ادعاؤكم أنى بشر مثلكم فكيف أكون نبيا مرسلا ، يا قوم : الله أعلم حيث يجعل رسالته ، وقد أرسلنى لكم وآتاني رحمة من عنده خاصة بي فوق رحمته العامة للناس جميعا ، ولكنها عمّيت عليكم بالجبر والإلجاء! لا. إنه لا إكراه في الدين أبدا من قديم الزمان ، وهذا رد على شبهتهم (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا).

ويا قوم لا أسألكم على دعائي لكم مالا ولا أجرا. ولست أطلب ملكا ولا جاها حتى تخشوا منى ، وتنفقوا على ، ما أجرى إلا على الله وحده ، وهكذا كل رسول.

انظر إلى قول الله على لسان محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [سورة الشورى آية ٢٣].

وماذا أفعل فيمن تسمونهم الأراذل؟!! وما أنا بطارد الذين آمنوا أبدا سواء أكانوا أغنياء أم فقراء ، لاحتقاركم لهم فأنتم تحتقرونهم لفقرهم وضعفهم ، وأنا أجلهم وأكرمهم لأنهم آمنوا واعتزوا بالله وبرسوله ، ويظهر أن هذه عادة مجرمى الكفار والأشرار من الناس قديما وحديثا اقرأ معى قوله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) [سورة الأنعام الآية ٥٢] فهذا نهى للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

١١٨

قال نوح : أنا لا أطرد من آمن بالله. إنهم سيلاقون ربهم وسيحاسبهم على أعمالهم كما أنه سيحاسبكم على أعمالكم ، ما على إلا البلاغ فقط ، ولكني أراكم قوما تجهلون الحقائق.

ويا قوم : من ينصرني من عذاب الله إن طردتهم؟ أفلا تتذكرون وتتعظون؟ فهذا رد على شبهتهم الثانية (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا).

ولا أقول لكم : عندي خزائن الله ، ولا أعلم الغيب ، ولا أقول : إنى ملك.

نفى نوح ـ عليه‌السلام ـ هذه الثلاث ، فإن الكفار مع الأنبياء جميعا كانوا يعتقدون لنظرتهم المادية للأشياء أن الأنبياء لا بد أن يكونوا أغنياء موسرين ، يعلمون الغيب ، ويجب أن يكونوا من الملائكة لا من البشر وإلا كانوا كسائر البشر لا فضل لهم فكيف يدعون النبوة؟!!.

فالمعنى (لا أَقُولُ لَكُمْ) بادعائى النبوة : إنى أملك خزائن الله وأرزاق الناس ، ولست أعلم الغيب إلا ما علمني الله مما يتصل بالرسالة وهذا من إمام الأنبياء يقول الله عنه : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) [سورة الأعراف الآية ١٨٨].

يا عجبا لكم!! كيف تطلبون أن يكون الرسول ملكا؟ ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا حتى يمكن التفاهم معه وللبسنا عليهم ما يلبسون.

ولا أقول للذين تزدريهم أعينكم ، وتحتقرونهم لفقرهم وضعفهم : لن يؤتيهم الله خيرا وسعادة في الدنيا والآخرة ، لا أقول هذا أبدا الله أعلم بما في نفوسهم وسيجازيهم عليه ، إنى إذا قلت ذلك لأكونن من الظالمين لأنفسهم لا من الأنبياء والمرسلين.

اشتداد الحال حتى استعجلوا العذاب

(قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قالَ

١١٩

إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥))

المفردات :

(جادَلْتَنا) الجدل اشتداد الخصومة مشتق من الجدل وهو شدة القتل ومنه قيل للصقر : أجدل ، والجدل في الدين محمود فهو وظيفة الأنبياء ، وأما الجدال فهو المخاصمة بما يشغل عن ظهور الحق فهو باطل ومذموم (نُصْحِي) النصح : قصد الخير للمنصوح والإخلاص فيه قولا وعملا (يُغْوِيَكُمْ) الإغواء الإيقاع في الغي والفساد حسيا كان أو معنويا ، وقيل : هو المرض أو الهلاك.

بذل نوح غاية جهده في نصح قومه ، واجتهد في أن يتبعوه في الإيمان بالله والبعد عن عبادة الأصنام ، مكث على ذلك ألف سنة إلا خمسين عاما ، ولكن ما زادهم ذلك إلا فرارا ، وعتوا واستكبارا حتى ضاقوا به ذرعا ، وضاق بهم ذرعا ، وكبر عليهم مقامه وبلغ السيل الزبى : اقرأ إن شئت قوله ـ تعالى ـ في سورة نوح الآيات من ١ ـ ٢٤ وقوله ـ تعالى ـ : في سورة يونس (يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ). آية : ٧١.

المعنى :

قالوا يا نوح قد خاصمتنا وحاججتنا فأكثرت جدالنا ، ولم تدع لنا حجة إلا أبطلتها ورددتها حتى سئمنا ومللنا .. فائتنا بما تعدنا به من العذاب في الدنيا أو الآخرة إن كنت من الصادقين في قولك : إنى أخاف عليكم عذاب يوم كبير.

فرد نوح عليهم بقوله : إن الذي أعدكم به وأخاف عليكم منه بيد الله لا بيدي ، وأمره إلى الله فقط إن شاء أنزله فورا وإن شاء أجله على أنكم لستم بمعجزين الله هربا

١٢٠