التفسير الواضح - ج ١

دكتور محمّد محمود حجازي

التفسير الواضح - ج ١

المؤلف:

دكتور محمّد محمود حجازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١٠
الصفحات: ٩٣٢

المناسبة :

بعد ذكر هذه الأحكام العامة المتعلقة بالفرد والجماعة ، أراد القرآن الكريم أن يرشدنا إلى خطر تركها أو العمل ببعضها ، بالكلام على الأمم السابقة الذين أوتوا الكتاب فنسوا حظا منه وعملوا ببعض ما فيه فكان الخطر عليهم إذ الله بهم وبنا محيط.

المعنى :

ألم ينته علمك أيها المخاطب إلى الذين أوتوا جزءا من التوراة ، وأما بقية الكتاب فلإهمالهم أمر التدوين والحفظ ضاع شيء منه. وبتلبيس رجال الدين وإنقاصهم منه تبعا لأهوائهم وتحريفهم ضاع جزء آخر ، ولذا وصفهم القرآن بأنهم (أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) وبقوله : (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) وأما قوله في موضع آخر : (أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) فلتسجيل تقصيرهم ، وقيل : المراد جنس الكتاب.

ألم تر إلى الذين أوتوا جزءا من الكتاب ، يستبدلون الضلالة بالهدى ويأخذون الكفر بدل الإيمان ، ويريدون منكم أن تضلوا معهم الطريق المستقيم ، والله أعلم بأعدائكم أيها المؤمنون ، فامتثلوا أمره ، واحذروا أعداءكم من أهل الكتاب وكفى بالله وليّا يتولى أمركم ، وكفى به نصيرا ينصركم إن نصرتموه (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ).

ثم بين الله الذين أوتوا نصيبا من الكتاب وهم أعداؤنا فقال : من الذين هادوا نعم منهم قوم يحرفون الكلم الذي أنزله الله عليهم في التوراة عن مواضعه الأصلية بأن يزيلوه عن مواضعه أصلا أو يضعوه في غير مكانه ، وقيل : المراد يحرفونه عن معناه ، فيفسرونه بغير المراد تضليلا للناس وتلبيسا عليهم ، وقد فعل اليهود كل ذلك ، فغيروا وصف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والبشارة به وفسروا الكلام بغير معناه كما في آية الرجم.

وهم يقولون للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سمعنا وعصينا ، بدل قولهم : سمعنا وأطعنا.

وكانوا يقولون حسدا وحقدا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم واسمع غير مسموع لك دعاؤك أو غير مقبول منك ، ويحتمل واسمع غير سامع مكروها كما يقال : واسمع لا سمعت مكروها ، كانوا يخاطبون به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم استهزاء مظهرين إرادة المعنى الأخير وهم مضمرون في أنفسهم المعنى الأول.

٣٨١

وكانوا يقولون : راعنا ، وهو كلام أيضا كالذي قبله يحتمل : انظرنا وتمهل علينا ، ويحتمل أنه من الرعونة والحمق ، أو هي كالكلمة العبرانية (راعنا) وهي كلمة سب عندهم.

فهذه جرائم ثلاث كانوا يقولونها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تارة في مجلسه وتارة بعيدا عنه يفعلون هذا ليّا بألسنتهم وفتلا بها وصرفا للكلام عن إرادة الخير إلى إرادة الشر والسب وطعنا في الدين وقدحا فيه بالاستهزاء والسخرية.

وهذا منتهى الجرأة في الباطل والعدوان على الحق ، ولو أنهم قالوا عند ما سمعوا أمرا أو نهيا : سمعنا وأطعنا ، بدل : سمعنا وعصينا ، ولو أنهم قالوا : اسمع وانظرنا عند خطاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدل : اسمع غير مسمع ، وراعنا ؛ لو ثبت هذا لكان خيرا لهم ، وأهدى سبيلا ، ولكن لم يقولوا ذلك فخذلهم الله ولعنهم وطردهم من رحمته فهم لا يوفقون أبدا لخير ، ولذا فإنهم لا يؤمنون أبدا إلا إيمانا قليلا لا إخلاص فيه أو إلا قليلا منهم كعبد الله ابن سلام وأضرابه.

تهديد ووعيد لأهل الكتاب

يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٤٧) إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٨)

المفردات :

الطمس : الإزالة ، ومنه طمس الدار ، أزال معالمها. (وُجُوهاً) الوجه : تارة يراد به الوجه المعروف ، وتارة يراد به وجه النفس ، وهو ما تتوجه إليه من

٣٨٢

المقاصد ، قال تعالى : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ). (أَدْبارِها) : جمع دبر وهو الخلف والقفا. والارتداد : الرجوع إلى الوراء في المحسوسات وفي المعاني. قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ). (أَوْ نَلْعَنَهُمْ) أو نهلكهم ، وقيل : نمسخهم. (افْتَرى) : اختلق.

المعنى :

يا أيها الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى : آمنوا بالقرآن المنزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم المصدق لما معكم من التوراة والإنجيل ، وقد وصفهم القرآن بأنهم أوتوا الكتاب مع أنهم ضيعوا جزءا منه وحرفوا جزءا آخر تسجيلا عليهم بالتقصير واستحقاق العقاب.

والأديان السماوية متفقة في الأصول العامة كالتوحيد ونفى الشرك وإثبات البعث والدعوة إلى كريم الأخلاق والقرآن الكريم مصدق لموسى وعيسى بهذا المعنى ، ومعترف بهما وبغيرهما من الأنبياء والرسل ، فكيف لا يؤمن أهل الكتاب بالقرآن وبمحمد؟ مع أنه جاء مصدقا لما معهم وموافقا لملة إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ بل تراهم غيروا وصفه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبدلوا وأنكروا فقيل لهم : يا أهل الكتاب آمنوا بما أنزلنا من قبل أن نطمس وجوه مقاصدكم التي توجهتم إليها ، في كيدكم للإسلام وأهله ، ونردها خاسئة خاسرة إلى الوراء ، وذلك بإظهار الإسلام وإعلاء كلمته وافتضاح أمركم وكشف ستركم ، فالطمس والوجه والرد على الأدبار كلها أمور معنوية وقد تحققت ، أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت ، وقد ورد أن الله أهلكهم ، وقد تم ذلك وتحقق الوعيد في كل المعاصرين بإذلال بنى النضير وإجلائهم ، وإهلاك بنى قريظة ، وبعضهم فسر الطمس والوجه والارتداد على الأدبار على أنها أمور حسية ، وتأول في تحقيق ذلك والله أعلم بكلامه ، وأنتم تعلمون أن وعيده في الأمم السابقة قد تحقق وحصل فاحذروا وعيده وخافوا عقابه إن وعد الله كان مفعولا.

بعد أن وعد الله أهل الكتاب وهددهم إن لم يؤمنوا ، وكان وعده مفعولا لا محالة ، ساق هذه الآية لتأكيد ما مضى وتقريره ببيان استحالة المغفرة بدون الإيمان فإنهم كانوا يفعلون ما يفعلون ، ويقولون : (سَيُغْفَرُ لَنا) على أن المراد بالشرك في الآية مطلق

٣٨٣

الكفر الشامل لكفر اليهود وغيرهم ، وهو يظهر في اعتقاد المرء أن لغير الله تصريفا في الكون ، ودفعا للضر ، وجلبا للخير ، وفي أخذ الحلال والحرام في الدين عن غير الله وكتابه المنزل كما فعلت النصارى (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [سورة التوبة آية ٣١].

الشرك : هو الغطاء الكثيف الذي يمنع نور الإيمان من الوصول إلى القلب وهو منتهى ما تهبط إليه عقول البشر ، ومنه تتولد سائر الرذائل التي تهدم الأفراد والجماعات ولا غرابة في ذلك فالمشرك بالله يفهم في حجر أو بشر مثله أو جماد لا حياة فيه : له تأثيرا في الكون ، ويعبده ليقربه إلى الله زلفى ، وبالتوحيد والإيمان : الخلاص من كل ذلك والسمو بالنفس إلى عبادة الرب والاعتماد عليه وحده والتوكل عليه والإخلاص له وفي هذا نور القلب ، وصفاء الروح ، ونور البصيرة ، والعزة الكاملة ، والنص المحقق لهذا كله لا يغفر الله الشرك أبدا تغليظا لذنبه ، وامتيازا له عن سائر المعاصي ، ويغفر ما دون ذلك ، لأن نور الإيمان يسترها ، وإنما مغفرة المعاصي لمن يشاء من عباده الموفقين للتوبة والعمل الصالح (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) [سورة هود آية ١١٤].

وأما من يشرك بالله فقد اجترح إثما عظيما ، وأى إثم يقاس بجانب الشرك بالله؟

أهل الكتاب وجزاؤهم على أعمالهم

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (٥٠) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (٥١)

٣٨٤

أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (٥٢) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (٥٣) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٥٤) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (٥٥)

المفردات :

(يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) : يمدحونها. (يُظْلَمُونَ) الظلم : النقص وتجاوز الحد. (فَتِيلاً) : هو ما تكون في شق نواة التمر مثل الخيط. (بِالْجِبْتِ) المراد : الأصنام ، وأصله الرديء الذي لا خير فيه. (الطَّاغُوتِ) : مصدر بمعنى الطغيان والجبروت ، ويطلق على كل ما يعبد من دون الله ، وعلى الشيطان. (نَقِيراً) : هو النقرة التي تكون في ظهر النواة : ويضرب بها المثل في القلة والحقارة. (يَحْسُدُونَ) الحسد : تمنى زوال نعمة للغير.

المعنى :

ألم ينته علمك إلى هؤلاء الذين يزكون أنفسهم ، ويدّعون ما ليس فيهم. وأنهم أبناء الله وأحباؤه ، لا تمسهم النار مهما فعلوا ؛ لكرامتهم على الله : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) (١) وما علموا أن تزكية النفس تكون بالعمل الذي يجعلها زكية طاهرة ، وهذه التزكية محمودة عند الله والناس ، أما التزكية بالقول والادعاء والاعتماد على ما كان للآباء فهي مستهجنة عند الله والناس مبعثها الغرور الكاذب ، والجهل الفاضح ، ولذا يقول الله : (بل الله يزكى من يشاء) من عباده بتوفيقه للعمل الصالح ، ولا تنقصون شيئا من جزاء أعمالكم مهما كان بسيطا (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) (٢) فلا عبرة بتزكيتكم أنفسكم يا أهل الكتاب.

__________________

(١) سورة البقرة آية ١١١.

(٢) سورة النجم آية ٣٢.

٣٨٥

وعلينا نحن المسلمين ألا ندع لهذا الداء طريقا إلى قلوبنا أبدا وألا نغتر بأننا أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكتابنا خير كتاب ، ونبينا خاتم الأنبياء ؛ وأننا الأمة الوسط ، لا : اعملوا فسيرى الله أعمالكم : «اعملي يا فاطمة فلن أغنى عنك من الله شيئا».

انظروا أيها المسلمون كيف يختلقون على الله الكذب في دعواهم وتزكيتهم أنفسهم ، وكفى بهذا الافتراء على الله إثما مبينا واضحا.

روى عن عكرمة : أن كعب بن الأشرف انطلق إلى المشركين في مكة يؤلبهم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأمرهم أن يغزوه قائلا : إنا معكم نقاتله فقالوا : إنكم أهل كتاب مثله ولا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم ، فإن أردت أن تخرج معنا فاسجد لهذين الصنمين فسجد. ثم قالوا : نحن أهدى أم محمد؟ فنحن ننحر الكوماء (الناقة الضخمة) ونسقى الحاج ، ونقرى الضيف ، ومحمد قطع رحمه ، وخرج من بلده؟ فقال : بل أنتم أهدى سبيلا ، فنزلت تلك الآيات.

ألم ينته علمك إلى أولئك الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ومع هذا يؤمنون بالأصنام والطاغوت ويقولون في شأن الذين آمنوا للذين كفروا أى من أجل مخالفتهم : هؤلاء الكفار الجاهليون أهدى من الذين آمنوا سبيلا وأقوم طريقا ، يا عجبا كل العجب : يقول أصحاب الكتاب والرسل لمن لهم كتاب ورسول مصدق لما معهم مؤيد بكتبهم مبشر به عندهم مثل هذا القول.

أولئك الذين قضى عليهم الله بالطرد من الرحمة بسبب كفرهم وعصيانهم ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا أبدا.

بل ليس لهم نصيب من الملك ولو كان لهم نصيب منه فرضا ، فهم لا يؤتون غيرهم من الناس أحقر شيء وأبسطه ، وصدق الله فهم كذلك في حكمهم الزائل بفلسطين ، وما ذلك إلا لأنهم أنانيون مطبوعون على الأثرة وحب المادة والغرور الكاذب بأنه ليس أحد غيرهم يستحق شيئا.

بل هم يحسدون الناس كمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما آتاه الله من فضله كالنبوة والكتاب والحكمة ، ولا غرابة في هذا فقد آتى الله آل إبراهيم الكتاب والحكمة والنبوة وآتيناهم ملكا عظيما ، والعرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم ، واليهود من ولد إسحاق بن إبراهيم.

٣٨٦

فمن أسلافهم من آمن بما أعطى إبراهيم ، ومنهم من كفر ، وكذا شأن الناس دائما مع الأنبياء قديما وحديثا فلا تأس يا محمد.

والخلاصة : أن حال اليهود لا تخلوا من غرور كاذب أو خطأ فاضح لسجودهم للأصنام ، وشهادتهم أن الجاهليين خير من المؤمنين أو اعتقاد خاطئ في أنهم أصحاب الملك والنبوة فلا يعطى أحد مثلهم ، أو من حسد كامن للعرب على ما أعطاهم الله من الكتاب والحكمة والنبوة والملك الذي ظهرت آثاره على يد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وكفى بجهنم نارا مسعرة لهم وبئس المصير.

جزاء الكفر وثواب الإيمان

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (٥٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (٥٧)

المفردات :

(نُصْلِيهِمْ ناراً) : نشويهم بالنار. (نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) : احترقت وتلاشت. (ظِلًّا ظَلِيلاً) : وارفا دائما لا تنسخه شمس. ولا يصيب صاحبه حر ولا برد ، وقد يراد بالظل النعمة والعزة.

المعنى :

تقدم أن منهم من آمن ، ومنهم من كفر وكان جزاؤهم جهنم ، وهذا تفصيل لما تقدم.

٣٨٧

إن الذين كفروا بآياتنا الدالة علينا المنزلة على أنبيائنا وخاصة القرآن لأنه أظهر الآيات وأكملها ، هؤلاء سوف نصليهم ونحرقهم بالنار التي وقودها الناس والحجارة كلما احترقت جلودهم حتى لم تعد صالحة لإيصال الألم إلى مراكز الشعور والإدراك بدلناهم جلودا جديدة غيرها ، أو هذا تمثيل لدوام شعورهم بالعذاب شعورا كاملا ، ولا غرابة إن الله عزيز لا يغلبه غالب ، حكيم في كل صنعه ، ومن حكمته وعدله تعذيب العاصي بهذا وأمثاله ، وإثابة المؤمن بما يناسب عمله ، ومن ثم قرن ثواب المؤمن بجزاء الكافر حتى يظهر الفرق جليا فيكون ذلك أدعى للإيمان.

والذين آمنوا بالله إيمانا صحيحا ، وعملوا الصالحات من الأعمال سيدخلهم ربهم الجنة التي عرضها السموات والأرض ، والتي تجرى من تحتها الأنهار فلا تعب فيها ولا مشقة ، وهم فيها ماكثون وخالدون ، ولهم فيها أزواج مطهرة طهارة حسية ومعنوية من دنس الحيض والنفاس ، وكذا العيوب النفسية ، كأنهن الياقوت والمرجان ويدخلهم ربهم ظلا دائما لا حر فيه ولا برد ، ولا تنسخه شمس ، ولهم فيها العزة الدائمة والهناءة المستمرة ، ولا حرج على فضل الله ، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان : اللهم ارزقنا التوفيق والسداد حتى نكون منهم يا رب الأرباب.

السياسة العامة للحكمة الإسلامية

إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (٥٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٥٩)

٣٨٨

المفردات :

(الْأَماناتِ) : جمع أمانة ، وهي : ما يؤتمن عليها الشخص وتعم جميع الحقوق المتعلقة بذمته من حقوق لله أو للناس أو لنفسه. (بِالْعَدْلِ) : التساوي في الشيء والمراد به إيصال الحقوق إلى أربابها من أقرب الطرق. (تَأْوِيلاً) التأويل : بيان المآل والعاقبة.

سبب النزول :

روى أنها نزلت في عثمان بن طلحة بن عبد الدار ، وكان سادان الكعبة وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين دخل مكة يوم الفتح أغلق عثمان بن طلحة الكعبة وصعد إلى السطح ، وأبى أن يدفع المفتاح إليه وقال : لو علمت أنك رسول الله لم أمنعه ، فأخذه علي بن أبى طالب بالقوة ، وفتح الباب ودخل رسول الله وصلّى ركعتين ، فلما خرج سأله عمه العباس أن يعطيه المفتاح ويجمع له السقاية والسدانة فنزلت ، فأمر النبي عليًّا أن يرده إلى عثمان ويعتذر إليه ... هذا ما روى في سبب النزول : ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وعلى ذلك فهو أمر عام لكل مسلم في كل أمانة في ذمته أو تحت يده ، سواء كانت عامة للأمة أو خاصة للفرد.

وهذا رد على اليهود ـ الذين قالوا للكفار : أنتم أهدى من المؤمنين سبيلا ـ ببيان أسس الحكومة الإسلامية الصحيحة الموافقة للقرآن الكريم.

المعنى :

الأمانة كلمة عامة جامعة تشمل أمانة العبد مع ربه ، بمعنى أن الله عاهده على الامتثال للأوامر واجتناب النواهي. وأمانته مع الناس بأن يرد ودائعهم ويحفظ حقوقهم ، وغيبتهم ، وسرهم ، ولا يغشهم ، ويطيع الله فيهم ، وإن كان حاكما فالشعب أمانة في عنقه واجب عليه أن يحكم فيهم بما أنزل الله ، وأن يتقى الله فيهم بامتثال أمره والاهتداء بسنة المصطفى فلا يسند أمرا لغير أهله ولا يضيع حقا ، ولا يغش مسلما ، ولا يقبل رشوة ، ولا يأكل أموال الناس بالباطل ، ولا يدخر وسعا في السهر على المصلحة ، والإرعاء على الخلق ، وأن يعامل غيره بما يجب أن يعامله به لو كان محكوما.

٣٨٩

وإن كان عالما فالواجب عليه أن يرشد الناس إلى الخير ، ويهديهم إلى طريق الحق ويوقفهم على أسرار الشرع حتى يتمسكوا بأهداف الدين وإلا اعتبر مقصرا في واجبه إن لم يكن خائنا للأمانة. وأمانته مع نفسه بأداء ما طلب منه.

ألست معى أن الأساس الأول للحكومة الإسلامية هو (الأمانة) بل هي الدعامة لإقامة مجتمع طاهر ونظيف وأمة رشيدة؟

الأساس الثاني (العدل) نعم العدل أساس الملك وأصل من أصول الدين الإسلامى لأنه شريعة ودولة ودين ودنيا ، فالعدل واجب على الحكام والولاة حتى تصل الحقوق لأربابها كاملة غير منقوصة ، ولذا أمر الله به في كثير من الآيات (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى). [سورة المائدة آية ٨] (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) [سورة النساء آية ١٣٥].

وإذا كان هذا إرشاد الله ووعظه فنعم شيئا يعظكم به أيها المسلمون ، إن الله كان سميعا لكل مظلوم وصاحب حق وأمانة ، وبصيرا بكل خائن أو مقصر في واجبه أو متسبب في ضياع الحق بأى شكل ولون.

وعلى الشعب بالنسبة للحكام والقادة السمع والطاعة ما داموا قد أدوا الأمانة على خير وجه وحكموا بالعدل بين الناس ، يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله بتنفيذ أحكامه والعمل بكتابه ودستوره. وأطيعوا الرسول فهو الذي بين لنا دستور السماء (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (١) وأطيعوا أولى الأمر وهم أهل الحل والعقد في الأمة ، أى : السلطة التشريعية في البلد ، وهي تتكون من الحكام والولاة والنواب والشيوخ والعلماء والزعماء ، أطيعوهم متى أجمعوا على أمر من الأمور بشرط أن يكونوا أدوا الأمانة وأقاموا العدالة وأطاعوا الله ورسوله بتنفيذ دستور القرآن عند ذلك تجب طاعتهم على الناس وهذا هو المسمى بالإجماع في علم الأصول.

فإن تنازعوا في شيء فالواجب رده إلى نظيره ومثله في القرآن والسنة ، والذي يفهم هذا هم العلماء الأعلام العاملون المخلصون لله ولرسوله ، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر فاعملوا بهذه الوصايا وامتثلوا أمر الله فذلك خير لكم في الدنيا والآخرة ، وأحسن تأويلا ، ويؤخذ من الآية الكريمة أن أصول التشريع في الدين أربعة :

__________________

(١) سورة النحل آية ٤٤.

٣٩٠

١ ـ الكتاب : وهو القرآن الكريم فقد قال الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ).

٢ ـ السنة : وهي ما أتت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا فقد قال الله : (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ).

٣ ـ الإجماع : وهو إجماع أهل الحل والعقد من الأمة إذا اتبعوا الله ورسوله.

٤ ـ القياس : وهو عرض المسائل المتنازع فيها على القواعد العامة في الكتاب والسنة وذلك قوله : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ).

هؤلاء هم المنافقون وهذه أعمالهم

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (٦٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (٦١) فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (٦٢) أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (٦٣))

٣٩١

المفردات :

(يَزْعُمُونَ) الزعم في الأصل : القول حقا كان أو باطلا ، ثم كثر استعماله في الكذب. (صُدُوداً) : إعراضا عن قبول الحكم.

سبب النزول :

روى أن بشرا المنافق خاصم يهوديا فدعاه اليهودي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودعا المنافق إلى كعب بن الأشرف ، ثم إنهما احتكما إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقضى لليهودي فلم يرض المنافق بهذا الحكم ... إلخ ، ما جاء في رواية الزمخشري.

المعنى :

ألم ينته علمك إلى الذين يزعمون كذبا وبهتانا ، أنهم آمنوا بما أنزل إليك من القرآن ، وما أنزل من قبلك من الكتب. هؤلاء المنافقون من اليهود والنصارى يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ، قيل : هو كعب بن الأشرف سمى طاغوتا لإفراطه في الطغيان وعداوة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والبعد عن الحق ، وقد أمروا في القرآن أن يكفروا بالطاغوت ويجتنبوه (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (١) (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) (٢). هؤلاء الذين تدّعى ألسنتهم الإيمان بالله وما أنزله على رسوله ، وتدل أفعالهم على الكفر بهما والإيمان بالطاغوت وإيثار حكمه على حكم الشرع الشريف ، ويريد الشيطان ـ وما توسوس به نفوسهم ، وداعي الشر فيهم ـ أن يضلهم ضلالا بعيدا جدا عن الحق والصواب. وإذا قيل لهم : تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول فهو الصراط المستقيم : رأيت هؤلاء المنافقين يصدون عنك يا محمد وعن دعوتك صدودا مؤكدا بكل ما أوتوا من قوة وحجة ، والحامل لهم على ذلك هو اتباع شهواتهم ، فكيف يكون حال هؤلاء المنافقين إذا أصابتهم مصيبة افتضاحهم وظهور حالهم ، وانكشاف سترهم بما قدمته أيديهم ، كيف يكون حالهم؟

__________________

(١) سورة النحل آية ٣٦.

(٢) سورة البقرة آية ٢٥٦.

٣٩٢

ففي الآية نذير وقوع الخطر بهم حتما ، ثم جاءوك بعد ظهور حالهم ، يحلفون بالله ـ وهم الكاذبون ـ قائلين : ما أردنا بأعمالنا هذه إلا إحسانا في المعاملة وتوفيقا بين الخصوم بالصلح أو الجمع بين منفعة الخصمين.

أولئك الذين لعنهم الله وعلم ما في قلوبهم من الكيد والحقد والحسد ، جزاؤهم الإعراض عنهم وعدم مقابلتهم بالبشاشة والترحاب لعل هذا يجعلهم يفكرون في أمر أنفسهم ، ويقبلون نصحك ووعظك فأعرض عنهم ، وعظهم ، وقل لهم قولا بليغا يصل إلى شغاف قلوبهم ويؤثر في نفوسهم ، وهذه شهادة من الله للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنه صاحب القول البليغ والكلام المؤثر الدقيق «أوتيت جوامع الكلم» «أدبنى ربي فأحسن تأديبي» حديث شريف. وأما جزاؤهم في الآخرة فمعروف لا يجهلونه.

إرشادات وآداب للسلم والحرب

وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً (٦٤) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٦٥) وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (٦٦) وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ

٣٩٣

لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (٦٧) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٦٨) وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (٦٩) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً (٧٠)

المفردات :

(شَجَرَ بَيْنَهُمْ) : فيما اختلف بينهم من الأمور واختلط. (حَرَجاً) : ضيقا. (كَتَبْنا) : فرضنا عليهم. (تَثْبِيتاً) : تقوية ، والتثبيت : جعل الشيء ثابتا راسخا. (الصِّدِّيقِينَ) : جمع صديق ، وهو الصادق في قوله واعتقاده المبالغ فيه كأبى بكر الصديق وأمثاله من الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ. (وَالشُّهَداءِ) : جمع شهيد ، وهو من يشهد بصحة الدين بالحجة والبرهان ويقاتل في سبيله بالسيف والسنان حتى يقتل. (وَالصَّالِحِينَ) : من صلحت نفوسهم وغلبت حسناتهم سيئاتهم.

المعنى :

وما أرسلنا من رسول إلا وطاعته واجبة ، بإذن الله وأمره ، فالطاعة لله ، ولمن يأمر بطاعته ، ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ، ومن يعص الرسول فقد عصى الله. ثم ترشد العصاة والمذنبين ـ إذا وقع منهم ذنب ـ أن يبادروا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيستغفروا الله عنده ويبالغوا في التوبة وطلب المغفرة حتى يستغفر لهم الرسول فإنهم إن فعلوا ذلك تاب الله عليهم ؛ إنه هو التواب الرحيم ، وهكذا كل من يعصى الله ورسوله ثم يبادر بالتوبة يجد الله توابا رحيما.

روى أن الزبير بن العوام خاصم رجلا من الأنصار في شأن ماء ، فاختصما إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك. فغضب الأنصارى وقال : لأن كان

٣٩٤

ابن عمتك : فتغير وجه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ثم أرسل الماء إلى جارك.

كان قد أشار على الزبير أولا برأى فيه سعة له ولخصمه فلما أحفظ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم استوعب للزبير حقه في صريح الحكم الأخير ... إلخ ، ما جاء في أبى السعود فنزلت آية (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) وفيها يقسم الله ـ سبحانه وتعالى ـ بنفسه الكريمة المقدسة أنهم لا يؤمنون إيمانا كاملا حتى يحكموك في كل أمورهم وما يختلط عليهم من المشاكل ، فما حكمت به فهو الحق لا شك فيه ، ثم لا يجدون في أنفسهم حرجا ولا ضيقا من قضائك ويسلمون به تسليما.

وهكذا نحن ـ وربك ـ لا نؤمن بالله إيمانا كاملا حتى نحكّم الله ورسوله في كل أمورنا ومشاكلنا ، ثم نجد في أنفسنا ضيقا من حكم القرآن والسنة ، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون الفاسقون الظالمون.

لو أن الله ـ سبحانه ـ فرض على الناس أن يقتلوا أنفسهم كما أمر بنى إسرائيل قديما تكفيرا لهم عن خطيئتهم في عبادة العجل ، أو فرضنا أن كتب عليهم أن اخرجوا من أوطانكم في سبيل الله ما امتثل المأمور به إلا نفر قليل منهم ، ... ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به من الأوامر والنواهي التي تظهر معها الحكم وتقرن بالوعد والوعيد ، لكان خيرا لهم وأحسن وأشد تثبيتا في الدين وأرسخ ، وإذا لآتاهم الله من عنده أجرا عظيما لا يعرف كنهه إلا هو ، ولهداهم صراطا مستقيما.

روى عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ : جاء رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله إنك لأحب إلى من نفسي وإنك لأحب إلى من ولدي ، وإنى لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر أن آتى فأنظر إليك ، وإذا ذكرت موتى وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين ، وإنى إذا دخلت الجنة حسبت ألا أراك ، فلم يرد عليه المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى نزل جبريل بهذه الآية ، وروى : من أحب قوما حشر معهم.

كيف لا ترضون بحكم الله ورسوله؟ ومن يطع الله فيما أمر ونهى والنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما بشر وأنذر ، وبلغ عن ربه ، فأولئك يحشرون يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وكفاهم فخرا شهادة الله لهم أنهم من شدة المحبة وتمام الألفة وعدم الفرقة رفقاء ، وذلك الفضل من الله يؤتيه من يشاء ، وهو أعلم بمن اتقى!!

٣٩٥

إذا فليحذر المنافقون المراءون لعلهم يتذكرون فيثوبون إلى رشدهم وليثبت المؤمنون على حالهم ويطمئنوا على مصيرهم لعلهم ينشطون ويبالغون في الطاعة والبعد عن المعصية.

السياسة الحربية في الإسلام

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (٧١) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (٧٢) وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (٧٣) فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (٧٤) وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (٧٦)

٣٩٦

المفردات :

(حِذْرَكُمْ) الحذر والحذر بمعنى واحد ، وهو : التيقظ والاستعداد ، والمراد : احترسوا واستعدوا. (فَانْفِرُوا) النفر : الانزعاج عن الشيء وإلى الشيء ، والمراد : اخرجوا إلى الجهاد. (ثُباتٍ) : جمع ثبة ، وهي الجماعة ، أى : اخرجوا جماعة تلو جماعة. (لَيُبَطِّئَنَ) : ليثبطن غيره عن القتال ، أو ليبطئن هو ، أى : يتباطأ. (يَشْرُونَ الْحَياةَ) أى : يبيعونها ويأخذون بدلها نعيم الآخرة وثوابها. (الطَّاغُوتِ) تقدم تفسيره وقريبا. (كَيْدَ) الكيد : السعى في الإفساد على جهة الاحتيال.

المعنى :

بعد أن بين الله لنا السياسة الدينية والاجتماعية التي بينت لنا حدود التعامل مع الناس خاصة الأقارب واليتامى والمساكين وغيرهم ، وأحوالنا الشخصية من نكاح وإرث وزواج ... إلخ ، وأيد ذلك بضرب الأمثال بمن سبقنا من الأمم أخذ يذكر السياسة الحربية التي بها نحمى ذمارنا ونرد أعداءنا حتى تستوي دعوتنا قائمة وحتى يكون الدين كله لله ، وهذه السياسة تتلخص في وجوب الاستعداد للحرب ، وفي تنظيف الجبهة الداخلية ، وفي الحث على الجهاد ببيان جزائه ، وبذكر أحوال الضعفاء المستعبدين إخواننا في الدين!

وأن الواجب أن تكون الحرب لغرض شريف فقال ما معناه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) واحترسوا من عدوكم واستعدوا دائما لملاقاته ، فالاستعداد له قد يمنع الحرب ، ويكون بتنظيم الجيوش وإعداد العدة المناسبة في كل عصر وحين وبث العيون (المخابرات والجواسيس) ودراسة حاله وبلده وطرقه ... إلخ ما هو معروف في الأصول الحربية ، وإذا أخذتم حذركم فاخرجوا إليه جماعات إن اقتضى الحال ذلك ، وإلا فأعلنوا التعبئة العامة واخرجوا إليه مجتمعين وفي هذا إشارة إلى تنظيم الأمة عسكريا وتعليم شبابها الفنون العسكرية حتى إذا دعا داعي الوطن وجدنا الكل يحمل السلاح ، أما الجبهة الداخلية فلا تخلو أمة من الأمم من الجبناء الرعاديد والمنافقين الذين يثبطون الهمم ، ويعوقون عن القتال ويقعدون عنه لفرط حبهم للدنيا وانخلاع قلوبهم من الحرب لضعف إيمانهم وخور عزيمتهم ، فاعرفوهم وعالجوا ضعفهم ، ولذا يقول القرآن : وإن منكم لجماعة يثبطون الهمم ويقعدون عن الحرب فإن أصابتكم مصيبة في

٣٩٧

الحرب كالهزيمة أو القتل مثلا قالوا : قد أنعم الله علينا وتفضل حيث لم نكن معكم ، ولئن أصابكم فضل من الله وانتصار على العدو قالوا : يا ليتنا كنا معكم فأخذنا نصيبنا من الغنيمة ، كأنه لم تكن بينكم وبينهم مودة وصلة ؛ إذ الصلة والمودة التي يظهرونها تقتضي أن يكونوا معكم في السراء والضراء ، والله أعلم بقلوبهم وما عندهم من الحسد والحقد ، ولكنه سمى مودة تهكما بهم وبحالهم.

وإذا كان هذا واجبكم نحو العدو والاستعداد له وقد عرفتم أن فيكم المنافقين الجبناء الذين لا يخلو منهم زمان أبدا. فليقاتل في سبيل الله ولإعلاء كلمته ونصرة دينه ـ دين الحق والعدل والكرامة والقوة والمدينة ـ أولئك المسلمون المخلصون الذين باعوا دنياهم الفانية بالآخرة الباقية ونعيمها الدائم حتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى والله عزيز ذو انتقام ، والمقاتلون في سبيل الله ينتظرون إحدى الحسنيين إما الاستشهاد في سبيل الله وإما النصرة والغلبة على الأعداء ، وفي كلا الحالين سوف يؤتيهم الله أجرا حسنا ، وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله وفي سبيل هؤلاء المستضعفين من الرجال والنساء والولدان؟ وقد كان المسلمون الذين هم في مكة قبل الفتح ولم يتمكنوا من الهجرة في عذاب أليم وتعب مقيم فكانوا يلاقون من عنت الكفار الجبابرة الشيء الكثير ، وما قصص بلال وصهيب وعمار عنكم ببعيد!!.

وهؤلاء يقولون من شدة الألم : ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ، واجعل لنا من لدنك وليا يلي أمورنا ويحمى ذمارنا ، واجعل لنا من لدنك نصيرا ينصرنا فقد عز الناصر وقل المدافع وسدت الأبواب إلا بابك يا كريم يا قوى يا حكيم.

والقتال الذي يضع القرآن سياسته ليس قتال ظلم وتعد وتوسع في الملكية واستعباد للشعوب كما نرى الآن ، وإنما هو قتال في سبيل الله ولإعلاء كلمة الحق والإنصاف : إنصاف الشعوب والأمم ، ولذا كانت الحركة الإسلامية تزحف على الشعوب وتجرف الأمم كالسيل المنهمر ، وظل الحال كذلك حتى ابتعد المسلمون عن الدين. فابتعدوا عن المثل العليا وضعف فيهم الوازع الديني فطمع فيهم كل طامع وغلبهم كل مغلب.

ولذا يحدد القرآن الغاية من القتال في الإسلام بقوله : الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله ، وأما الذين كفروا فإنهم يقاتلون في سبيل الطاغوت الذي هو الظلم والجبروت والطغيان والتعدي على حقوق الأمم والأفراد ، فقاتلوا أيها المسلمون أولياء الشيطان

٣٩٨

ولا تغرنكم قوتهم وهم عدد ، فهي على غير أساس لأن وليهم الشيطان ووليكم الرحمن ، وهو ناصركم ما نصرتموه ، وكيد الشيطان للمؤمنين في جنب كيد الله للكافرين أضعف شيء وأوهنه ، ألا إن حزب الله هم الغالبون.

بعض ضعاف النفوس

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧٧) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (٧٨) ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٧٩)

المفردات :

(كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) : امنعوها عن العادات الجاهلية والحروب القديمة التي كانت بين القبائل. (فَتِيلاً) : شعرة بسيطة بين فكى النواة ، وهي مثل في البساطة والقلة. (بُرُوجٍ) : جمع برج ، وهو القصر أو الحامية التي يحتمي فيها الجند من العدو. (مُشَيَّدَةٍ) : عالية ، وقيل : مطلية بالجبس والجير. (يَفْقَهُونَ) : يفهمون.

٣٩٩

المعنى :

ألم ينته علمك إلى الذين قيل لهم لما دخلوا في الإسلام : كفوا أيديكم وامنعوا أنفسكم عن الحرب الجاهلية والإحن القبلية التي كانت تثار لأتفه الأسباب ، وأدوا الصلاة مقومة الأركان تامة بالخشوع والخضوع لله ، وأدوا الزكاة وغير ذلك من حدود الإسلام وتعاليمه التي ترفع صاحبها إلى مستوى المثل العليا.

من المسلمين الذين أمروا بالكف عن المنكرات والإتيان بالحسنات فريق كان يتمنى القتال لإرضاء شهوته في الاعتداء ، فلما فرض عليهم قتال المشركين بعد الهجرة إذا فريق منهم يخشون المشركين كخشيتهم لله أو أشد ، ويفرون من الحرب كأنهم مساقون إلى الموت ويقولون : ربنا لم فرضت علينا القتال؟ لولا تركتنا نموت حتف أنوفنا ولو بعد أجل قريب. أليس هذا عجبا؟ وأى عجب؟

قل لهم يا محمد : ما لكم تقعدون عن القتال حبا في الدنيا ، ومتاعها قليل فان والآخرة متاعها باق دائم لا كدر فيه ولا تعب؟ وهي لمن خاف الله وامتثل أمره وأخذ لنفسه الوقاية من عذابها فأنتم محاسبون على أعمالكم إن خيرا فخير وإن شرّا فشر ولا تظلمون فتيلا. وإن كان مثقال حبة من خردل لأى إنسان أتينا بها وكفى بنا حاسبين. ما لكم تخافون الحرب؟ أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في قصور عالية وبروج مشيدة ؛ فملك الموت لا تحجزه الحواجز ولا تعوقه العوائق ، وكم من محارب نجا ، وقاعد عن الحرب مات حتف أنفه ، فلا نامت أعين الجبناء.

وأعجب العجب مقالة أولئك المنافقين إذا أصابتهم حسنة من غنيمة أو خصب أو رزق قالوا : هذه من عند الله ومن فضله وإحسانه ليس لأحد دخل فيها ، وإن أصابتهم سيئة من هزيمة أو جدب قالوا ـ لعنهم الله ـ : هذه من شؤم محمد ، كما حكى القرآن عن قوم موسى (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ) [سورة الأعراف آية ١٣١].

قل لهم : كل من الحسنات والسيئات والسراء والضراء من عند الله فإنه موجد وخالق للكل ، فما لهؤلاء القوم لا يقربون من فهم حديث من الأحاديث؟ ما الذي دهاهم في عقولهم حتى وصلوا إلى هذا الفهم السقيم؟ فقد ربطت الأسباب بمسبباتها

٤٠٠