التفسير الواضح - ج ١

دكتور محمّد محمود حجازي

التفسير الواضح - ج ١

المؤلف:

دكتور محمّد محمود حجازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١٠
الصفحات: ٩٣٢

حَوْلِكَ) : لتفرقوا من حولك. (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) التوكل : الاعتماد عليه. (يَغُلَ) الغل : الأخذ خفية كالسرقة ، ثم شاع في الأخذ من الغنيمة قبل التقسيم. (السّخط) : الغضب العظيم. (مَأْواهُ) : مصيره من : تفضل وأنعم. (أَنْفُسِهِمْ) : جنسهم. (يُزَكِّيهِمْ) : يطهرهم من أدران الوثنية وزائف العقائد.

المناسبة :

نعمة تتلوا نعمة ، وفضل يتلو فضلا من الله ورحمة ، فقد عفا عنهم وتاب عليهم ووفقهم لما فيه خير الدنيا والآخرة ، وبرحمته وفضله كانت أخلاق المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحسن معاملته للناس وإرشادهم إلى الخير والفلاح.

المعنى :

خطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إثر خطاب المؤمنين ، فبرحمته ـ تعالى ـ وهدايته كنت سهلا في معاملتهم ، لينا في إرشادهم وهدايتهم وقبول عذرهم ، فيما فرط منهم.

وهكذا كان الرسول مثلا أعلى للرئيس الحكيم والزعيم الموفق.

ولو كنت (لا قدر الله) سيّئ الخلق ، ضيق العقل ، فظا جافى القلب ، غليظ الكبد ما اجتمعوا حولك ، وما تعلقت قلوبهم بك وكيف هذا؟ وقد أرسلت رحمة للعالمين وشهد لك القرآن (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) سورة القلم آية ٤٢

وإذا كنت ـ يا رسول الله ـ بهذا الوصف فاعف عنهم ، وتجاوز عما يبدر منهم واطلب لهم المغفرة من الله إنه هو الغفور الرحيم ، وشاورهم في أمور الدولة ونظام الجماعة في الحرب والسياسة والاقتصاد والاجتماع (أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ).

أما أمور الدين فالقرآن هو الحكم وقد شهد لك بأنك لا تنطق عن الهوى ، ولذا كانوا جميعا يقفون عند رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والوحى في الدين وأحكامه ، والمراد : ذم على ما أنت عليه كما فعلت في بدر وأحد من مشاورة أصحابك ، وإن حصل خطأ في بعض

٣٠١

الآراء فهو قليل إذ رأيان خير من رأى ، والاستشارة من كمال العقل وبعد النظر وحسن السياسة.

ولذا كان رسول الله دائم الاستشارة في الأمور كلها.

فالحكومة الإسلامية حكومة شورية عادلة دستورها القرآن وهاديها المصطفى وسنته ، وليست الحكومات العباسية والأموية وغيرها دليلا عليها بل هي ملك عضوض وحكومات مادية استبدادية لم تحكّم القرآن في كل مشكلاتها.

فإذا محص الرأى وظهر فانزل على حكم الأغلبية واعزم وسر على بركة الله واعتمد عليه وحده ، فإن الإنسان مهما بعد نظره وحصف رأيه لا يرى من حجاب الغيب شيئا ، وعلى الله فليتوكل المؤمنون فإنه هاديهم إلى الصراط المستقيم.

والتوكل على الله يكون بعد البحث والنظر واستقصاء الجزئيات التي مرت ، فأنت مكلف بطرق الأسباب الظاهرة والطرق المنتجة غالبا وبعد هذا لا تعتقد أن هذه الأسباب مؤثرة بطبعها وأنك واصل قطعا إلى ما تحب ، لا ، اعتقد أن هناك قوة فوق القوى وإرادة فوق كل إرادة هي إرادة الله ـ سبحانه وتعالى ـ فتوكل عليه واطلب منه التوفيق والسداد.

فالله إن ينصركم فلا غالب لكم أبدا : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) (١).

وإن يخذلكم الله فمن ذا الذي ينصركم من بعده؟ لا أحد ، وعلى الله وحده فليتوكل المؤمنون لأنه لا ناصر لهم سواه.

روى الكلبي ومقاتل : أنه قيل للرماة الذين تركوا أماكنهم يوم أحد : لم تركتم أماكنكم؟ فقالوا : نخشى أن يقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أخذ شيئا من مغنم فهو له وألا يقسم الغنائم كما لم يقسمها يوم بدر ، فقال لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألم أعهد إليكم ألا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمرى؟ فقالوا : تركنا بقية إخواننا وقوفا ، فقال لهم : بلى ظننتم أننا نغل ولا نقسم.

إن الله قد عصم أنبياءه ورفع درجاتهم عن سفساف الأمور التي يترفع عنها متوسطو الناس ، فما يصح ولا يليق بمكانة النبوة التي رفعها الله أن يأخذ نبي شيئا من الغنائم

__________________

(١) سورة محمد آية ٧.

٣٠٢

وكيف يكون ذلك؟ وهم المثل العليا في الخلق الكامل والأدب العالي ، وهم يعرفون أن من يأخذ شيئا في الدنيا بغير حق يأثم يوم القيامة وقد تمثل له كأنه حاضر أمامه وشاهد عليه وعلى عمله (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ) [سورة لقمان آية ١٦].

ومعنى الإتيان : أن الله يعلمها حق العلم ضرورة أن من يأتى بالشيء يعرفه.

وبعض المفسرين يرى أن معنى الإتيان أن الذي غل يأتى يوم القيامة وقد حمل المسروق في عنقه واستدلوا على ذلك بعدة روايات يمكن تأويلها.

ثم توفى كل نفس يوم القيامة ما كسبت من خير أو شر وهم لا يظلمون (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) [سورة الكهف آية ٤٩].

وإذا كانت كل نفس توفى أجرها كاملا من خير وشر فهل يعقل أن يسوى بين المحسن والمسيء؟ (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) (١)؟ أفمن اتبع رضوان الله وعمل عملا صالحا وابتعد عن الغل والفحش والمنكر حتى كأن رضوان الله أمامه.

وقائده فلا يرى إلا حيث يرضى الله ، ولا يكون حيث يغضب الله ، أهذا يكون كمن رجع بغضب من الله يوازيه ويساوى ذنبه وجرمه ، واتخذ غضب الله مكانا يبوء إليه ولا يتركه؟؟

أظن لا يسوى الله بين هذا وذاك!! إن كلا ممن اتبع رضوان الله من المؤمنين ومن باء بغضب الله الشديد لهم درجات ومنازل عند ربهم يوم القيامة ؛ فأعلى الدرجات : الرّفيق الأعلى درجة النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأسفلها الدرك الأسفل : درك أولئك المنافقين والمشركين والكافرين ، ولا غرابة فالله بصير بما يعملون.

وكيف تظنون بنبيكم المصطفى هذه الظنون؟

ولقد منّ الله وتفضل به على الناس أجمع إذ أرسله رسولا ورحمة للعالمين ومنّ عليكم أنتم إذ أرسله من أنفسكم وجنسكم فهو عربي من ولد إسماعيل ، وإذا كان كذلك كنتم أدرى الناس به وبخلقه وصدقه وطبعه ولسانه ، وعلى هذا كنتم السابقين إلى الإسلام

__________________

(١) سورة السجدة آية ١٨.

٣٠٣

والتصديق به صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهذا هو وجه المنة عليهم ، وفي قراءة : من أنفسهم ، أى : من أشرفهم.

وهو يتلوا عليكم آياته الدالة على قدرته ووحدانيته وعلمه وكمال نعمته (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) [آل عمران آية ١٩٠].

وهو يزكيكم ويطهركم من كل دنس ورجس ، فقد أخرج من العرب الجاهليين أمة لها نظام وحكم وسياسة وإدارة حكمت أقوى الأمم من الفرس والروم.

ويعلمكم الكتاب والقرآن والكتابة والحكمة ، حتى كان منكم الكتاب والعلماء والحكماء والقادة في جميع العلوم والمعارف وقد كانوا من قبل بعثته لفي ضلال مبين.

بعض قبائح المنافقين وأعمالهم

أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٦٥) وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (١٦٦) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (١٦٧) الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٦٨)

٣٠٤

المفردات :

(مُصِيبَةٌ) : ما أصابهم يوم أحد من الهزيمة وقتل سبعين من المسلمين. (أَنَّى هذا) أى : من أين لنا هذا؟ وهو تركيب يفيد التعجب (الْجَمْعانِ) : جمع المسلمين وجمع المشركين. (فَادْرَؤُا) : فادفعوا عن أنفسكم ...

لما حكى الله قولهم واتهامهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المعصوم من كل عيب وخطأ أردف هذا ببيان خطئهم فيما قالوا وفعلوا يوم أحد!

المعنى :

يقول ـ سبحانه وتعالى ـ منكرا لقولهم هذا رادّا لفعلهم وأنه لا يليق : أفعلتم ما فعلتم وفشلتم وتنازعتم وعصيتم أمر رسولكم ، ولما أصابتكم مصيبة في أحد قد أصابهم ضعفاها يوم بدر ـ وذلك أنهم قتل منهم في أحد سبعون ، وقد قتلوا يوم بدر من المشركين سبعين وأسروا سبعين ـ قلتم أيها المنافقون حين هزمتم في أحد : من أين لنا هذا؟!! تعجبا ، أى : من أين جاءت لنا هذه المصائب كأنهم فهموا أن النصر دائما في جانب المسلمين مهما خالفوا وعصوا أوامر الدين.

وللأسف توجد فئة من المسلمين يفهمون مثل هذا الفهم ويعتقدون أن الله ناصر المسلمين وإن خالفوه وعصوا رسوله ؛ فالله ـ سبحانه ـ ينكر عليهم تعجبهم قائلا : إن كنتم هزمتم في أحد فقد هزمتم المشركين في بدر على أن هزيمتكم في أحد أنتم سببها (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) واعلموا (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فلم يكن هناك شيء خارج عن قدرته ولكنه ـ سبحانه ـ لحكم هو يعلمها ـ وقد صرح القرآن ببعضها ـ أراد لكم هذا المصير في غزوة أحد ، وما أصابكم يوم التقى الجمعان في أحد ، فبإذن الله وإرادته وتقديره لأن كل شيء في الوجود خاضع لإرادته وحكمته.

وقد حصل هذا ، ليعلم الله المؤمنين ، ويتميزوا عن غيرهم فيعرفوا أنفسهم ، والمراد : تحقيق إيمان الذين آمنوا وظهوره في الخارج.

وكذا يتحقق نفاق الذين نافقوا منكم فقد كانوا حينما خرجوا من المدينة إلى أحد ألف مقاتل ثم رجع عبد الله بن أبىّ ومن معه من المنافقين في الطريق وكانوا ثلاثمائة

٣٠٥

رجل ، فبهذا عرفوا وعرف حقيقتهم في الإيمان ؛ ولا تنس من ترك مكانه من الرماة وخالف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولو لا غزوة أحد ما ظهر هذا كله.

إن هؤلاء الذين نافقوا قيل لهم : تعالوا قاتلوا في سبيل الله وجاهدوا للدفاع عن الدين والحق والعدل ابتغاء مرضاة الله لا ابتغاء مكسب أو عرض دنيوى ، أو : تعالوا قاتلوا على أنه دفاع عن النفس والأهل والوطن فإن هزيمة المسلمين هزيمة لسكان المدينة وضياع لكرامتها ، فما كان من هؤلاء المنافقين إلا أنهم زاغوا وقعدوا وتكاسلوا قائلين : لو نعلم أنكم تلقون قتالا في غزوتكم هذه لاتبعناكم وسرنا معكم ولكننا نعلم أنكم لا تقاتلون.

وقيل في معنى كلامهم : لو نعلم أنكم ذاهبون لقتال لذهبنا معكم ولكنكم ذاهبون لهلاك محقق فنحن لا نذهب معكم ؛ هؤلاء الناس يوم أن قالوا هذه المقالة وتخلفوا عن جيش المسلمين هم يومئذ للكفر أقرب منهم للإيمان ، فقد ظهرت حقيقتهم ، فبعد أن كانوا مستورين يطلق عليهم لفظ الإيمان أصبحوا لا ينطبق عليهم الوصف وصاروا أقرب إلى الكفر فإن من يقعد عن الجهاد في سبيل الله والدفاع عن الأوطان لا يصح أن ينطبق عليه وصف المؤمنين : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [سورة الحجرات آية ١٥].

هؤلاء يقولون : نحن مؤمنون ـ بأفواههم فقط ـ وهذا ديدن المنافقين يقولون ما ليس في قلوبهم ، وهل يخلو نفاق من كذب وبهتان؟ والله أعلم بما يكتمون من الكفر والعداوة للمسلمين وتمنى هزيمتهم وزوالهم.

هذه مقالتهم عن القتال (لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ) ولهم مقالة أخرى بعد الموقعة أشد خطرا وضررا.

إنهم قالوا لأجل إخوانهم ومن على شاكلتهم في الجنس والدين والجوار وقعدوا عن القتال وتخلفوا عن شرف الجهاد ، قالوا في شأن إخوانهم : لو أطاعونا ولم يسيروا مع المسلمين ما قتلوا كأنهم حصروا أسباب الموت والهلاك في ذهابهم إلى ساحة القتال!

تبّا لهؤلاء الجبناء الرعاديد!! ألم يعلموا أن كثيرا ممن يذهب إلى القتال ينجو ومن يتخلف يموت وهل سبب الموت القتال فقط؟!

٣٠٦

إن كانوا صادقين في هذا الزعم الفاسد فليدفعوا عن أنفسهم الموت وهم أينما يكونوا يدركهم الموت ولو كانوا في بروج مشيدة؟!

المستشهدون والمجاهدون في سبيل الله وجزاؤهم

وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (١٧١) الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٢) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (١٧٤) إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥)

المفردات :

(يَسْتَبْشِرُونَ) الاستبشار : السرور الحاصل بالبشارة. (لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ

٣٠٧

خَلْفِهِمْ) المراد بهم : المقاتلون في سبيل الله ولم يستشهدوا. (الْقَرْحُ) : الألم الشديد ، والمراد به : ما حصل يوم أحد. (أَحْسَنُوا) الإحسان : إتقان العمل على أكمل وجه. (وَاتَّقَوْا) أى : أخذوا الوقاية من عذاب الله وخافوا الإساءة والتقصير في العمل. (حَسْبُنَا اللهُ) : كافينا. (الْوَكِيلُ) : الذي توكل إليه الأمور. (فَانْقَلَبُوا) : فرجعوا بسرعة. (الشَّيْطانُ) هل هو إبليس؟ أو هو نعيم بن مسعود؟

سبب النزول :

روى الإمام أحمد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوى إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش ، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن منقلبهم ، قالوا : يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا؟» فقال الله تعالى : «أنا أبلغهم عنكم» فنزلت هذه الآية.

والآيات مرتبطة بما قبلها ؛ إذ بعد أن ذكر الله مقالة المنافقين في القتال وقولهم لإخوانهم : لو قعدتم معنا ما قتلتم. أردف هذا بما يلاقيه المقاتلون في سبيل الله خاصة المستشهدين حتى لا يلقوا بالا لأقوال المنافقين ؛ وليكون ذلك حثّا للمؤمنين على الجهاد وتربية لهم على نصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله.

المعنى :

ولا تحسبن أن الذين جاهدوا في سبيل الله وقاتلوا وقتلوا أمواتا لا يبعثون ولا يجازون على ما قدموا ، لا : بل هم أحياء بعد استشهادهم مكرمون عند ربهم مختصون بتلك المكانة العليا التي استأثروا بها (فالعندية هنا) عندية مكانة وتشريف لا عندية مكان وحدود. هم أحياء عند ربهم حياة مؤكدة ثابتة بدليل قوله : (يُرْزَقُونَ) والحياة التي عناها القرآن وأكدها حياة غيبية الله أعلم بها ، وليس من الخير البحث في أنها حياة مادية أو روحية بل نؤمن بما جاء به القرآن تاركين التفصيل والجدل فيما لا يجدي.

٣٠٨

هؤلاء الشهداء فرحون ومغتبطون بما رأوه من نعيم مقيم وفضل كبير وإكرام جليل من الله لهم ، وهم مسرورون بإخوانهم المجاهدين الذين لم يحظوا بعد بشرف الاستشهاد حينما رأوا ما أعد من الجزاء الأوفى لهم ، وهو حياة أبدية ونعيم دائم لا يكدره خوف من وقوع مكروه ولا حزن على فوات محبوب.

وهم يستبشرون ويفرحون بما يتجدد لهم من نعمة الحياة عند ربهم ورزقه لهم ويفرحون بما آتاهم الله من فضله.

الخلاصة : أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ ذكر الشهداء وأنهم أحياء عنده يرزقون ، وأنهم فرحون بما حباهم الله من فضل وكرامة ، وهذا الفضل مجمل ، تفصيله ما بعده ، أى : فضل يعود على إخوانهم في الحرب وفضل يعود عليهم أنفسهم وهو الخاص بهم في دار الكرامة وقد كرر للتأكيد ، وفرحون بمن يجاهد في سبيل الله ولم يستشهد بعد ، وهم من خلّفوهم في الحرب هؤلاء المجاهدون لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وأنهم (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) ليذهب الخيال في تصورهما كل مذهب ثم ختم الآية بالكلام على إخوانهم في الجهاد ، بقوله : وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ، فالمراد بهم : المجاهدون الذين لم يستشهدوا بعد ، وقد وصفهم بقوله :

الذين استجابوا لله وللرسول من بعد ما أصابهم من الجراح والألم الشديد في غزوة أحد ولبوا نداء الرسول حينما طلبهم للقاء أبى سفيان في غزوة حمراء الأسد (١) الذين أحسنوا منهم العمل وأتقنوه واتقوا عاقبة تقصيرهم في العمل ، وخافوا الله زيادة على ما هم عليه من الألم ، أجر عظيم يتناسب مع عملهم وجهودهم ، الذين قال لهم الناس ـ وهم نعيم بن مسعود كما ورد في بعض الروايات ـ : إن الناس ـ وهم قريش ـ قد

__________________

(١) غزوة حمراء الأسد : وهي متصلة بأحد ، روى أن أبا سفيان وأصحابه لما رجعوا من أحد فبلغوا الروحاء (موضع بين مكة والمدينة) ندموا على تركهم بقايا المسلمين ، وهموا بالرجوع ليستأصلوا ما بقي من المؤمنين بعد أحد فبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأراد أن يرهبهم ويريهم من نفسه وأصحابه قوة ، فندب أصحابه للخروج في أثر أبى سفيان وقال : لا يخرجن معنا إلا من حضر يومنا بالأمس (القتال في أحد) فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في جماعة من أصحابه حتى بلغوا حمراء الأسد ـ موضع على ثمانية أميال من المدينة ـ (وكان بأصحابه القرح والألم) فتحاملوا على أنفسهم حتى لا يفوتهم الأجر ، وألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا إلى مكة مسرعين ، فنزلت الآية.

٣٠٩

جمعوا لكم جموعهم فاخشوهم ولا تخرجوا إليهم ، وكان ذلك في غزوة بدر الصغرى (بدر الموعد) (فَزادَهُمْ إِيماناً) أى : فزادهم قول الناس لهم إيمانا وثقة به ويقينا في دينه ، من حيث خافوه ولم يخافوا الناس واعتمدوا على نصره وعونه وإن قل عددهم ؛ فإنه هو العزيز القوى (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) [سورة الأحزاب آية ٢٢].

(وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) : كافينا الله ونعم الوكيل ، فهو على كل شيء قدير ونعم المولى ونعم النصير. وفي الحديث : «إذا وقفتم في الأمر العظيم فقولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل» وفي رواية : للبخاري عن ابن عباس : قالها إبراهيم الخليل حين ألقى في النار ، وقالها محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قال لهم الناس : إن الناس قد جمعوا لكم.

لما فوضوا أمورهم إليه ، واعتمدوا بقلوبهم عليه أعطاهم من الجزاء أربعة : النعمة ، والفضل ، وصرف السوء ، واتباع الرضا ، فرضّاهم عنه ورضى عنهم وذلك هو الفوز العظيم ، وفي هذا إشارة إلى الخسارة الفادحة التي لحقت بالقاعدين المتخلفين المنافقين وذلك معنى قوله تعالى : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) (الآية).

إنما ذلك الشيطان ـ وهو نعيم بن مسعود ـ المثبط للمسلمين يخوف أولياءه الذين قعدوا عن رسول الله ، وقيل : المعنى إنما ذلك قول إبليس الملعون يخوفكم أولياءه من صناديد الكفار كأبى سفيان ، فلا تخافوهم وخافوني فاتبعوا أمرى وجاهدوا مع رسولي ، سارعوا إلى ما يأمركم به إن كنتم مؤمنين حقا.

ما يؤخذ من الآية :

١ ـ أن المؤمن القوى لا يكون جبانا ، بل الجبن لا يجتمع مع الإسلام الكامل.

٢ ـ مكانة الاستشهاد في سبيل الله وجزاؤه عند الله.

٣ ـ أن الخوف يجب أن يكون من الله فقط لا من الأعداء مهما كانوا.

٤ ـ على المؤمن أن يعالج أسباب الخوف فلا يسترسل فيها حتى على تلك العادة الرذيلة.

٣١٠

تسلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبيان بعض الحكم

وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٧٦) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٧) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٧٨) ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٩)

المفردات :

(وَلا يَحْزُنْكَ) حزن يحزن ، وأحزن يحزن : بمعنى يكدرك ويؤلمك. (حَظًّا) : نصيبا. (اشْتَرَوُا الْكُفْرَ) : أخذوا الكفر بدلا من الإيمان بفعل المشترى يعطى شيئا ويأخذ بدله. (نُمْلِي) : نمهل ، والإملاء : الإمهال والتملية بين الإنسان وشأنه يفعل ما يشاء ، مأخوذ هذا من قولهم : أملى لفرسه : إذا أرخى لها الحبل لترعى ما تشاء .. (لِيَذَرَ) : ليترك. (يَمِيزَ) أى : من مازه بمعنى ميّزه. (الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) المراد بهما : المؤمن والمنافق. (يَجْتَبِي) : يختار.

لما أظهر الكافرون والمنافقون ما كانوا يضمرونه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أمثال قولهم : لو كان

٣١١

محمد نبيا ما قتل ولا هزم وأسرعوا في نصرة الكفار وتثبيط المؤمنين عن القتال ، كل هذا كان يؤلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويحزنه ، فنزلت هذه الآيات تسلية وتثبيتا لقلبه.

المعنى :

ولا يحزنك يا محمد الذين يسارعون في نصرة الكفر والسعى في إعلاء كلمته ويبذلون المال والرجال في خدمته كأبى سفيان وغيره من صناديد الكفار واليهود والمنافقين.

ولا يحزنك هؤلاء لأنهم يحاربونك فيضرونك إنما يحاربون الله القوى القدير ، فهم إذا لا يضرون إلا أنفسهم والعاقبة عليهم. وقيل : المعنى إنهم لن يضروا حزب الله من المؤمنين لأن الله ناصرهم ؛ فهم إذا لا يضرون إلا أنفسهم ، وقد بين الله ذلك بقوله : يريد الله ألا يجعل لهم نصيبا في الآخرة من الثواب لأن طبيعتهم قد فسدت ، وميلهم دائما إلى الشر والضرر ، وهكذا سنة الله وإرادته مع أمثالهم ، ولهم عذاب في الدنيا والآخرة (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) (١) عذابا عظيما هائلا يستحقونه لمساعدتهم في نصرة الكفر وتأييده ، وهل هذا الجزاء للمسارعين في نصرة الكفر فقط؟ لا. بل كل من اختار الكفر وآثره على الإيمان ظنا منه أنه ربح في هذا الاستبدال لن يضر الله شيئا من الضرر ، بل الضرر عليهم ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ولهم عذاب أليم مؤلم للغاية في الدنيا والآخرة.

وإذا كان هذا حال الكفار فكيف ترى أن الله يمد لهم في الدنيا ويملى لهم في أعمالهم؟ ولذا أجاب الله بقوله : (ولا يحسبن الذين كفروا) أن إملاءنا لهم خير ؛ فإن الإملاء يكون خيرا إذا كان صاحبه يستغله في عمل الخير له ، وهؤلاء يملى لهم الله فتكون عاقبتهم أنهم يزدادون إثما على إثم ويبالغون في الباطل والبهتان ، فلهم عذاب مهين ، وإنما نملي لهم ليتوبوا ، ويقلعوا عما هم فيه فيكون الإملاء خيرا ، ولكن جرى في علم الله أن بعضهم لن يعود إلى الخير ويؤوب إلى الرشد فهؤلاء لهم عذاب مهين ، وأى إهانة أشد من هذا؟؟

وما كان الله ليترك المؤمنين على حالهم فلا يميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب ، فإن هذا يضر جماعة المسلمين ، فإنه لا بد للجماعة من أن تعرف قوتها الحقيقية فتسير

__________________

(١) سورة التوبة آية ١٠١.

٣١٢

عليها ، ولا تغتر ، على أن الفرد قد يغتر بنفسه ، فإذا ما امتحن عرف إيمان نفسه ، وما سبيل التمييز بين هذا وذاك إلا بالاختبار بالشدائد والامتحان بالمصائب (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) [سورة محمد آية ٣١] وقد اختبر الله الناس بغزوة أحد كما مضى ، وما كان الله ليعلمكم حقيقة أنفسكم بطريق الغيب ، فإنه خلق الإنسان وقدر له أن يصل إلى ما يريد بالعمل الكسبي الذي ترشده له الفطرة وهدى الدين.

ولذلك جرت سنة الله أن يميز بالابتلاء (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) [سورة الأحزاب ٦٢] ولكن الله يختار من يشاء من رسله لأن مرتبة الاطلاع على الغيب مرتبة عليا (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) [سورة الجن آية ٢٦ و ٢٧] فالرسول يطلعه الله على بعض الغيب فيخبر ببعضه عباده فيكون منهم الذين يؤمنون بالغيب ، ولذا ختم الآية بقوله : فآمنوا بالله وما يخبر به رسوله. وإن تؤمنوا بذلك وتتقوا الله فلكم أجر عظيم وثواب جزيل. وفقنا الله لأن نكون من هؤلاء.

البخل شر يوم القيامة

وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٨٠) لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (١٨١) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٨٢) الَّذِينَ قالُوا إِنَّ

٣١٣

اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٨٣) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (١٨٤)

المفردات :

(سَيُطَوَّقُونَ) : إما من الطاقة ، فالمعنى : سيكلفون ذلك يوم القيامة. (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) (١) أو : من الطوق ، فالمعنى سيلزمون إثمه في الآخرة كما يلزم الطوق الرقبة فلا يجدون عنه مصرفا. (مِيراثُ) : ما يتوارثه أهلهما من مال وغيره. (سَنَكْتُبُ ما قالُوا) : سنسجل ما قالوه ، والمراد : إننا سنعاقبهم عليه. (ذُوقُوا) : أصل الذوق : إدراك المطعومات بالفم ، ثم أريد به هنا إدراك المحسوسات مطلقا. (الْحَرِيقِ) : المحرق والمؤلم ، والمراد : عذاب هو المحرق والمؤلم. (عَهِدَ إِلَيْنا) : أمرنا به في التوراة. القربان : ما يتقرب به إلى الله. (الزُّبُرِ) : جمع زبور ، وهو الكتاب. (الْمُنِيرِ) الذي ينير الطريق ، والمراد الإنجيل.

كان ما مضى من التحريض على بذل النفس في الحرب وجزاء الاستشهاد ، وهنا علاج لمرض من أخطر الأمراض وهو البخل ، إذ حياة الأمم متوقفة على بذل النفس والمال. وإلى هنا انتهى الكلام عن غزوة أحد وما يتعلق بها.

المعنى :

ولا يظن أحد أن بخل الذين يبخلون بما حباهم الله من فضله خير لهم كما يتوهمون أن كنز المال ينفع في الملمات وأن الجود يفقر ، والإقدام قتّال ، لا : بل هو شر مستطير

__________________

(١) سورة القلم آية ٤٢.

٣١٤

وخطر جسيم على الأمة والفرد ، والظاهر أن المراد بالبخل البخل بالقدر من الزكاة المحددة والصدقة المطلقة ؛ إذ لم يأمرنا الدين بالإنفاق لكل ما نملك.

أما خطره في الدنيا فظاهر في الحملات الشعواء على الأغنياء الجشعين وشيوع الأفكار الهدامة للنظم الاجتماعية العامة ، وأما شره في الآخرة فما عبر القرآن الكريم بأنهم سيلزمون عاقبة بخلهم إلزام الطوق في العنق فلا يجدون عنه صرفا ولا محيلا.

وفي بعض الروايات عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مانع الزكاة. يطوق بشجاع أقرع ، وروى بشجاع أسود ، وقيل : يجعل ما بخل به حية يطوقها في عنقه يوم القيامة تنهشه من قرنه إلى قدمه وتنقر رأسه وتقول : أنا مالك أنا كنزك.

وكيف تبخلون بالمال أو الجاه أو العلم؟ لأن هذا كله مما آتاه الله ، والآية مطابقة يدخل فيها كل ذلك وإن كان دخول المال فيها دخولا أوليا؟

وكيف تبخلون بالمال وتكنزونه للولد والوارث؟ ولله ـ سبحانه ـ ما في السموات والأرض مما يتوارثه أهلوها من مال وغيره فما لهم يبخلون بملكه وقد طلبه منهم؟ (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) [الحديد ٧] (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) [البقرة ٣] وفي الآية إيماء إلى أن كل ما منحه الله للإنسان من مال أو جاه أو قوة أو علم هو عرض زائل وعارية مستردة ، وصاحبه فان غير باق ، ولله تصريف الأمور ، فربما جمعت المال ليرثه ابنك حتى يكون غنيا والله لم يقدر له ذلك فيضيع ما جمعت ، ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير لا تخفى عليه منكم خافية. روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أتت اليهود رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أنزل (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَنا) [البقرة ٢٤٥ الحديد ١١] فقالوا : يا محمد؟ أفقير ربك؟ يسأل عباده القرض ونحن أغنياء؟ فأنزل الله : لقد سمع الله ... الآية ، وفي رواية وقع نقاش بين أبى بكر ـ رضى الله عنه ـ وفنحاص اليهودي في هذا الموضوع فلطمه أبو بكر فشكا إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال لأبى بكر : لم فعلت؟ قال : يا رسول الله ، إن عدو الله قال : إن الله فقير ونحن أغنياء فأنكر فنحاص ذلك فنزلت الآية تأييدا لكلام أبى بكر وتسجيلا على فنحاص ، والمعنى : سنحفظ عليهم مقالتهم ونحصيها عليهم فيعاقبون على ما قالوا أشد العقوبة.

ولا غرابة في ذلك فهم اليهود الذين مرنوا على النفاق ومردوا على السوءات ؛ فهم الذين قتلوا الأنبياء قديما بغير حق ولا ذنب إلا أنهم يقولون : ربنا الله ، ونسبة القتل

٣١٥

لليهود الأحياء مع أنهم لم يباشروه لأنهم راضون عنهم وهم سلفهم ومن أمتهم ، والأمة تؤخذ بذنب أفرادها لأنهم بين فاعل القبح وتارك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فيكون مشتركا بالقوة لا بالفعل.

وهؤلاء اليهود حاولوا مرارا قتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وما حادثة أكلة خيبر ببعيدة).

وجزاء هؤلاء أن الله سينتقم منهم أشد الانتقام ويقول لهم إهانة وتنكيلا بهم وتعذيبا : ذوقوا عذابا هو الحريق المؤلم ؛ فإنكم أهل له كما أذقتم المؤمنين سابقا عذاب الدنيا وألمها.

هذا العذاب الأليم لهم بما قدمته أيديهم وجنته جوارحهم ، وذكر الأيدى للتغليب وللتأكيد بأنهم فعلوا ما فعلوا بأنفسهم.

ولأن الله هو الحكم العدل وليس بذي ظلم للعبيد (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (١)! أفنجعل المسلمين كالمجرمين؟ ما لكم كيف تحكمون!!؟ فما ترك عقاب المسيء مساواة بينه وبين المحسن ، ولا شك أن هذا وضع للشيء في غير موضعه ، سبحانه وتعالى عما يشركون!!

هؤلاء اليهود لهم السوءات الكبيرة فهم البخلاء بالمال ، المانعون للزكاة ، القاتلون للأنبياء ، الظالمون في كل عمل ، القائلون كذبا : إن الله عهد إلينا ألّا نؤمن برسول أيا كان حتى يأتينا بقربان نتقرب به إلى الله فتأكله النار ، وكانوا يفترون على الله الكذب ويذيعون أن الله أوحى إليهم في التوراة هذه المقالة.

فرد الله عليهم أن هذه معجزة ، والمعجزة سيقت لتأكيد الرسالة وإثبات صدق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المبعوث ، وقد أرسلت لكم المعجزات وأتتكم الرسل بالبينات الواضحات الدالات على صدقهم فلم كذبتموهم ولم تصدقوهم؟ ولم قتلتموهم إن كنتم صادقين؟

فإن كذبوك يا محمد بعد هذا كله فقد كذبت رسل قبلك كثيرة جاءوا بالبينات المعجزات وأيدوا بالكتب خاصة الكتاب المنير وهو الإنجيل ، وهذه تسلية للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) سورة الجاثية آية ٢١.

٣١٦

نهاية كل حي والابتلاء في الدنيا

كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (١٨٥) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٨٦)

المفردات :

(تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ) : تعطونها وافية غير منقوصة. (زُحْزِحَ) : نحّى عنها وأبعد. (مَتاعُ) : ما يتمتع وينتفع به. (الْغُرُورِ) : مصدر غره ، أى : خدعه. (لَتُبْلَوُنَ) البلاء : الاختبار ، والمراد : لتعاملن معاملة المختبرين حتى تظهر حالكم على حقيقتها. (أَذىً كَثِيراً) كالطعن في الدين والكذب على الله ورسوله. والصبر : حبس النفس على ما تكره ، ومقاومة الجزع بالتقوى والرضا. (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) : من معزومات الأمور ، أى : مما يجب العزم عليه من الأمور ، أو مما عزمه الله أن يكون بمعنى مما حتم أن يكون.

المعنى :

ما مضى كان في تسلية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببيان حال الناس مع الأنبياء قديما وحديثا .. وهنا تسلية عامة للنبي وأصحابه.

٣١٧

كل حي إلى ممات ؛ وكل نفس إلى فوات ، وكل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون ، وكلكم تموتون ، فمن كان منكم مسيئا كالكفار فإساءته محدودة موقوته فلا تضجروا منها ولا تألموا فسيجازون عليها الجزاء الأوفى.

وأنتم لا تيأسوا ولا تحزنوا من ضر أصابكم أو ألم حاق بكم ؛ فكل نفس ذائقة الموت ، وإنما تأخذون حقكم وجزاءكم وافيا كاملا غير منقوص يوم القيامة ، يوم الجزاء والوفاء ، يوم القسطاس والميزان ، يوم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.

فمن نحّى عن النار وأبعد عنها وأدخل الجنة فقد فاز فوزا عظيما ، وهذا التعبير فيه إشارة إلى أن أعمال الناس في مجموعها تدعو أصحابها إلى النار لأن الإنسان فيه معاني الحيوانية والشهوة أكثر بكثير من معاني الخير ، فكأن كل شخص مشرف عليها ، وأن مجرد الزحزحة عنها فوز وأى فوز؟! فالمزحزحون عن النار : من غلبت صفاتهم الروحانية على صفاتهم الحيوانية فأخلصوا أو اتجهوا لله ـ سبحانه وتعالى ـ.

وما الحياة الدنيا ـ والمراد منها حياتنا هذه ومعيشتنا الحاضرة التي نشغلها باللذات الجسمانية كالأكل والشرب أو المعنوية كالجاه والمنصب والسيادة ـ هذه الحياة متاع الغرور لأن صاحبها دائما مغرور بها مخدوع.

شبه الدنيا بصفقة خاسرة اشتراها صاحبها من النفس والشيطان والهوى وقد غشه فيها البائع وغره ودلس عليه ، فلما انتهى الأمر تبين فسادها ورداءتها.

فالواجب على العاقل ألا يغتر بها وألا يسرف في حبها ويترامى في أحضان مظاهرها وإلا أصابه شررها ، والويل له عند فراقها.

وبعد هذا سلّى الله نبيه المصطفى بتسلية عامة في الحرب والسلم : وهي كما لقى من الكفار يوم أحد ما لقى!! سيلقى أذى كثيرا في النفس والمال.

والمقصود من هذا توطين النفس وتربيتها على تحمل الأذى والشدائد.

والابتلاء من الله في الأموال يكون بطلب البذل في جميع وجوه الخير والبر وفيما يعرض من الحوائج والآفات ، والابتلاء في النفس يكون بطلب الدفاع والجهاد في سبيل الله والقتل في الحرب والموت العادي في الأهل والأولاد.

٣١٨

لتسمعن أيها المسلمون من المشركين واليهود والنصارى أذى كثيرا وطعنا في الدين والقرآن والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ولكن العلاج الوحيد والدواء الرباني لكل ما مضى هو الصبر والتقوى ونعم هذا الدواء لكل داء.

إن تصبروا وتتقوا يؤتكم أجرين من رحمته وذلك هو الفوز العظيم.

بعض قبائح أهل الكتاب

وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (١٨٧) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨٨) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩)

المفردات :

(مِيثاقَ) : هو العهد المؤكد الذي أخذ على أهل الكتاب بوساطة الأنبياء. (لَتُبَيِّنُنَّهُ) : لتظهرن جميع ما فيه من الأحكام والأخبار حتى يعرفه الناس على وجهه الصحيح. (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) : هذه العبارة مثل في ترك الأمر ، ويقتضيها وضع الأمر نصب أعينهم. (أَتَوْا) : فعلوا. (بِمَفازَةٍ) : فوز من العذاب.

المناسبة :

إيذاء أهل الكتاب للنبي كثير ، والعجيب أن يطعنوا في الدين وهم قد أمروا بأن

٣١٩

يشرحوا للناس ويبينوا حقيقة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصفته التي في كتبهم ، ولكنهم ـ اليهود والنصارى ـ فرحوا بما أوتوا وكتموا ما أنزل عليهم.

المعنى :

واذكر يا محمد وقت أن أخذ الله العهد المؤكد بوساطة الأنبياء على أهل الكتاب ، وأقسم عليهم ليبينن الكتاب للناس ويظهرونه ولا يحرفونه عن موضعه حتى يفهمه الناس ولا يضطربون فيه.

وقد نبذ أهل الكتاب التوراة والإنجيل وراءهم ظهريا.

فكان منهم أمة يحملون الكتاب كما يحمل الحمار الأسفار فلا يعرفون منه شيئا ، ومنهم الذين يحرفون الكلم عن موضعه ويغيرون ويبدلون ويشترون به ثمنا قليلا ، ومنهم الذين لا يعلمون منه إلا أمانى يتمنونها ومشتهيات يشتهونها.

واشتروا به ثمنا قليلا من حطام الدنيا الفانية كالرياسة الكاذبة والمال الزائل ، فكانوا مغبونين في هذا البيع والشراء الذي فيه العرض الفاني بدل النعيم الباقي ؛ فبئس ما يشترون.

روى الشيخان أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سأل اليهود عن شيء في كتبهم فكتموا الحق وأخبروه بخلافه وأروه أنهم قد صدقوه واستحمدوا إليه وفرحوا بما فعلوا ، فأطلع الله رسوله على ذلك وسلاه بما أنزل من وعيده لهم ، وروى الشيخان من حديث أبى سعيد الخدري أن رجالا من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإذا قدم اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، فنزلت هذه الآية وهي تحتمل المعنيين ... والقرآن الكريم بين فيها حالا أخرى لأهل الكتاب حتى لا نكون مثلهم ؛ وهي أنهم كانوا يفرحون بما أوتوا من التأويل والتحريف للكتاب ويرون لأنفسهم شرفا فيه وفضلا بأنهم قادة وأئمة يهتدى بهم ، وهذا فرح باطل وغرور كاذب ، وكانوا يحبون أن يحمدوا بأنهم حفاظ الكتاب وعلماؤه وهم لم يفعلوا شيئا من ذلك وإنما فعلوا نقيضه ، وهؤلاء قد اشتبه أمرهم على الناس فهم يحسبون أنهم أولياء الله وأنصار دينه ، وهم الذين حرفوه وغيروه فلا تحسبنهم بمفازة ومنجاة من العذاب بل لهم عذاب أليم غاية الألم في الدنيا والآخرة.

٣٢٠