التفسير الواضح - ج ١

دكتور محمّد محمود حجازي

التفسير الواضح - ج ١

المؤلف:

دكتور محمّد محمود حجازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الجيل
الطبعة: ١٠
الصفحات: ٩٣٢

اليمين الذي لا قصد فيه ، كقولك تأكيدا لكلامك : لا والله ، وبلى والله ، من غير قصد ، وعند أبي حنيفة : أن يحلف على شيء يعتقد أنه حصل خلافه ، فذاك لغو اليمين.

المعنى :

قد يتسرع الإنسان فيحلف أنه لا يفعل كذا من بر أو صدقة أو صلح بين الناس ، أو يفعل شيئا هو شر عليه ، والله ـ سبحانه ـ يرشدنا إلى ما هو خير لنا وينهانا أن نجعل اسمه الكريم مانعا من الخير أو داعيا إلى الشر إذا حلفنا على فعله ، بل من حلف ألا يفعل خيرا أو يفعل شرا فليحنث في يمينه وليكفر عنه ، فقد ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا مّنها فليأت الّذي هو خير وليكفّر عن يمينه»

وقوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا) [سورة النور آية ٢٢].

وقيل : المعنى : ولا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم ، جمع يمين ، تبذلونه بكثرة الحلف وذلك لأن الحلاف مجترئ على الله غير معظّم له (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) [سورة القلم آية ١٠] ، وهذه المؤاخذة إنما تتجه إلى المؤكدة المقصودة المنوية بالقلب ، فهذه فيها الحرمة إذا حنث فيها وعلى صاحبها الكفارة وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، فمن لم يجد بأن كان فقيرا فصيام ثلاثة أيام.

أما اليمين اللغو التي تخرج من اللسان لا من القلب ، تخرج بلا قصد : كبلى والله ، ولا والله ، فلا حنث فيه ولا كفارة ، وكذا من حلف على شيء يظنه حصل فبان خلافه عليه (عند الأحناف).

الإيلاء وحكمه

لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٧)

١٤١

المفردات :

(يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) : يحلفون ، والإيلاء : أن يحلف الرجل أنه لا يقرب امرأته أربعة أشهر فأكثر. (تَرَبُّصُ) : انتظار. (فاؤُ) : رجعوا.

المعنى :

غالبا ما يكون عند النزاع بين الرجل والمرأة أن يحلف الرجل ألا يقربها مدة ، وفي هذا امتهان للمرأة ، وهضم لحقوقها وجفوة لها ، والحلف على المرأة بهذا الشكل لا يرضاه الله ورسوله ؛ لما فيه من الضرر اللاحق للزوجة وقطع التراحم بينهما.

ولمن يفعل هذا الفعل انتظار أربعة أشهر فقط ؛ لأنها أقصى مدة تستغني فيها المرأة العفيفة عن زوجها.

والحكم : أن الزوج بعد الأربعة الشهور إما أن يفيء إلى زوجته ويحنث في يمينه ويكفر عنها وذلك معنى قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لما ارتكب (رَحِيمٌ) بخلقه ، وإن لم يفيء طلق ، فإن أبى الطلاق طلق عليه الحاكم ، وهذا معنى قوله : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لما يدور من الأحاديث (عَلِيمٌ) بكل فعل.

براءة الرحم في الطلاق وبعض أحكامه

وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨)

المفردات :

(يَتَرَبَّصْنَ) : ينتظرن ويصبرون. (قُرُوءٍ) : جمع قرء ، وهو الطهر عند الشافعى ، والحيض عند أبى حنيفة. (وَبُعُولَتُهُنَ) : جمع بعل ، المراد به : الزوج الذي طلق.

١٤٢

المعنى :

المرأة المطلقة وهي ممن تحيض ، أى : ليست صغيرة ولا كبيرة يائسة من الحيض وهي حرة غير حامل. عدتها ثلاثة أقراء ، أما من لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر ، والحامل عدتها بوضع الحمل ، وسيأتى هذا بنص القرآن ، والأمة عدتها قرءان ، وانظر إلى التعبير القرآنى يتربصن بأنفسهن ، أى : يحملن أنفسهن على الصبر والانتظار حتى تنقضي العدة ؛ فإن النساء تواقة إلى سرعة انقضاء العدة.

ولا يحل لهن أن يكتمن شيئا مما في أرحامهن من حمل أو حيض إن كنّ من المؤمنين بالله واليوم الآخر إيمانا صادقا كاملا ، فالمرأة أمينة على رحمها فإن لم تكن مؤمنة كاملة أضلت غيره وحيرته.

وأزواجهن في الطلاق الرجعى أحق بردهن وإرجاعهن إلى بيت الزوجية ، فالشارع الحكيم حريص على بقاء رباط الزوجية ، وليس أبغض عند الله من الطلاق وإن يكن حقّا حلالا للزوج ، والإشارة (بأحق) إلى أن الزوجة لها حق كذلك في الرجعة ، ولكن كلام الزوج هو المعول عليه ، وعليها أن تستجيب إلى طلبه بشرط أن يكون المقصود بالرجعة الإصلاح والخير للزوجين. أما إذا كان المراد الانتقام والتعويق عن الزواج من الغير فليس من الدين أن يعطل الزوج مطلقته ويلحق بها الضرر.

النساء وحقوقهن في الزوجية

قانون عام ودواء ناجع للناس مع وجازته ، وتعبير مرن يصلح لكل زمان ومكان وجماعة ، للنساء حقوق وعليهن واجبات مثل الرجال لهم حقوق وعليهم واجبات ؛ إذ كل من الرجال والنساء مخلوق له عقل وشخصية وتفكير ورغبات.

ومناسبة الآية لما قبلها تقتضي تخصيص الحقوق والواجبات بالزوجية والمعاشرة ، وأما قوله ـ تعالى ـ : (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) فتلك الدرجة هي المفسرة بقوله ـ

١٤٣

تعالى ـ : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) (١) فالدرجة هي القوامة عليهن والولاية والنفقة لهن فهو تكليف للرجال أكثر من تكليفهن ، أما تحديد الحقوق والواجبات فمتروك للعرف ما لم يحل حراما ويحرم حلالا ، وانظر إلى تقييد ذلك في القرآن بقوله بالمعروف والإحسان ، وليس المراد المماثلة بالعين والشخص لا ، ولكن على المرأة واجبات تقتضيها طبيعتها ، ولها حقوق كذلك توجبها طبيعتها إذ ليس من العقل أن نقول : إن الرجل يتساوى مع المرأة في الخليقة والطبيعة ، بل هي خلقت للبيت وما يشمل والرجل خلق للكفاح والعمل ، وهذا هو حكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين على وفاطمة إذ جعل فاطمة في البيت تديره وترعاه وعليّا خارج البيت عليه الجهاد والكفاح والبحث عن الرزق.

وليس في هذا إهمال لشأن المرأة أو طعن في كفايتها وعقلها وعلمها لا ، لا ، ولكنه تشريف لها وتكريم حيث تصان وتحفظ ، لا على أنها دمية في البيت ، بل عملها كثير وكثير ومهمتها في المنزل شاقة وشاقة. أليس عليها تربية النشء وإعداد الطفل؟ بناء الأسرة وتكوين الأمة؟ فالوطن أسرة كبيرة ، وإذا كانت هي سيدة البيت فهل يبقى بعد هذا شيء؟ لقد صدق الشاعر حيث يقول :

الأم مدرسة إذا أعددتها

أعددت شعبا طيب الأعراق

واشتغالها ببعض الأعمال والوظائف إذا اقتضت ضرورة العيش ذلك فلا مانع بشرط مراعاة الدين والخلق وعدم الفتنة للشباب (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (سورة الأحزاب : ٣٢).

__________________

(١) سورة النساء آية رقم ٣٤.

١٤٤

بعض أحكام الطلاق

الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩) فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢٣٠)

المفردات :

(تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) أى : إرسال لهن بدون رجعة. (حُدُودَ اللهِ) : أحكامه وقوانينه. (تَعْتَدُوها) : تجاوزوها.

المعنى :

كان الرجل قبل نزول هذه الآية يطلق امرأته فإذا قاربت انتهاء العدة راجعها ، وهكذا فلا هو يمسكها بالمعروف ولا هو يطلقها بالمعروف ؛ فنزلت هذه الآية قطعا لهذه الفوضى ، وحدّا لحرية الرجعة والطلاق ، وأنت تراها مخصصة لقوله ـ تعالى ـ : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) على معنى عدد الطلاق الذي تصح فيه الرجعة مرتان ، أى : اثنتان ، وبعدها إمساك لها بالمعروف والمعاشرة الحسنة ، أو تسريح لها بإحسان ، بمعنى أن تتركها حتى تتم العدة من الطلقة الثانية ولا تراجعها ، وقيل : المراد من التسريح

١٤٥

الطلقة الثالثة ، فقد سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أين الطلقة الثالثة؟ فقال : أو تسريح بإحسان» ولأن التسريح من ألفاظ الطلاق ، والإحسان في الآية المقصود منه أن ينفحها بجزء من المال جبرا لخاطرها ، وهو ما يسمى بالمتعة عند بعض الفقهاء.

ومن آداب الطلاق حرصا على مصلحة الزوجة وحدا لطغيان الرجل أن يطلقها في الطهر لا في الحيض ، وأن يكون مرة بعد مرة لا دفعة واحدة ، ولعل هذا هو السر في التعبير بقوله : مرتان لا اثنتان.

وهل الطلاق الثلاث يقع طلقة واحدة أم ثلاثا؟

الظاهر الذي عليه النظم الكريم من قوله : مرتان ، أن الطلاق الثلاث يقع طلقة واحدة ، ولحديث ابن عباس : «كان الطلاق على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخلافة أبى بكر وصدر من خلافة عمر : الطلاق الثلاث واحدة. فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضينا عليهم ، فأمضاه عليهم».

والجمهور على أنه ثلاث كما رأى عمر الفاروق ، وذهب طائفة من العلماء إلى أنه واحدة خلافا للجمهور.

فلقد شدد عمر ومن بعده من جمهور العلماء على الناس لما استباحوا الطلاق ورجع كثير من العلماء إلى الرأى الأول (قبل رأى عمر) أخذا بظاهر الآية وتخفيفا على الناس في مسألة الطلاق وفرارا من المحلل أو الوقوع في المحظور.

ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أعطيتموه للمرأة في الصداق شيئا بحال من الأحوال في نظير الطلاق إلا في حالة ما إذا خفتم ألا تقام حدود الله في الحياة الزوجية ، فإن خفتم ألا تقام حدود الله وأحكامه فإن كان السبب من الزوج والبغض منه لا تتفق وروح الإسلام ولا تقام حدود الله بينها فله أن يسرحها بإحسان وليس له أن يأخذ منها شيئا بل عليه النفقة ، وليعلم أنه ارتكب إثما إذ إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق ، ولم يشرع إلا للضرورة القصوى.

وإن كان من قبلها كأن أبغضته لا تستطيع معه الصبر وخافت أن يقع منها نشوز ومخالفة لأمر الله وحكمه فلا جناح عليها أن تفتدى نفسها منه بإعطائه شيئا من المال الذي دفعه صداقا ، ولا جناح عليه أن يأخذه لأن السبب منها.

١٤٦

وهذا ما يسمى بالخلع في كتب الفقه الإسلامى.

روى البخاري عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أن جميلة بنت عبد الله بن سلول كانت امرأة ثابت بن قيس بن شماس فأتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : لا أطيق زوجي بغضا ، وأكره الكفر بعد الإسلام (أى : كفر نعمة العشير وخيانته في فراشه) فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أتردين عليه حديقته؟» (كان أصدقها حديقة) قالت : نعم .. قال للزوج : اقبل الحديقة وطلقها (١) : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).

ومن أحكام الخلع أنه لا تصح الرجعة بعده إلا بأمر الزوجة بخلاف الطلاق الرجعى.

أما الطلاق البائن بينونة كبرى وهو المشار إليه بقوله ـ تعالى ـ (فَإِنْ طَلَّقَها) ، أى : بعد الطلقتين السابقتين واختار تسريحها فلا يحل له أبدا حتى تتزوج من آخر زواجا شرعيا صحيحا غير محدود بزمن ولا مشروط فيه أى شرط يضر العقد ، وحتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها ، فإن طلقها الزوج الثاني ، وانقضت المدة فلا مانع من الرجوع إلى الزوج الأول إن ظنا أنهما يقيمان حدود الله وما أمر به من المعاشرة الحسنة ، وانظر إلى إطلاق حدود الله على المعاشرة الطيبة الخالية من السوء والنشوز.

وهذه حدود الله يظهرها بأجلى بيان وأحسن عرض ولا يعقلها إلا العالمون ، نعم لا يعقل سرها إلا العقلاء الفاهمون فقديما كنا نسمع نقدا شديدا لأحكام الدين في الزواج والطلاق ، فما بال الغربيين رجعوا اليوم وشرعوا الطلاق ورأوه ضرورة لبناء الأسرة وكيان الأمة؟؟

أمن الدين بل من العقل أن تبقى امرأة رأيت سلوكها معوجا ولم يمكنك إقامة الدليل على ذلك؟ ماذا تفعل لو لم تجد الطلاق مشروعا؟ ألا أيها القوم تعقلوا فتلك حدود الله بينها لقوم يعقلون ، ولا يضر الدين الإسلامى إساءة استعمالنا هذا الحق في الطلاق!!

__________________

(١) كتاب الطلاق باب الخلع حديث رقم ٥٢٧٣.

١٤٧

آداب الطلاق ومعاملة المطلقة

(وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٣١) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢٣٢))

المفردات :

(فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) : قاربن انقضاء عدتهن. (ضِراراً) أى : يقصد الإضرار بها.

(الْحِكْمَةِ) : السنة الشريفة ، وقيل : هي الإصابة في القول والعمل.

(تَعْضُلُوهُنَ) العضل : الحبس والتضيق والمنع.

المعنى :

يقول المولى ـ جل شأنه ـ ما معناه : وإذا طلقتم النساء وقاربن انتهاء العدة فالواجب عليكم أحد أمرين : إما إمساك لها بالمعروف ، أى : تراجعها لعصمتك بالمعروف وعدم الإيذاء ، أو فراق بمعروف من غير إلحاق ضرر بالمطلقة ، ولا تراجعوهن لقصد إلحاق

١٤٨

الضرر بهن والإيذاء لهن لتلجئوهن إلى الفدية ودفع المال لكم ، ولا شك أن هذا اعتداء منكم عليهن ، ومن يفعل هذا الفعل المنهي عنه بأى أسلوب وعلى أى شكل فقد ظلم نفسه وعرضها لعذاب الله وغضبه.

ولا تتكاسلوا في امتثال أمر الله ـ سبحانه ـ وجدّوا في العمل بآيات الله فإنكم إن تكاسلتم ولم تمتثلوا أمر الله كنتم كمن يستهزئ بالله وأمره ، واذكروا نعم الله عليكم التي لا تحصى وأهمها الإسلام وكتابه المحكم الآيات وهدى رسوله خاتم الأنبياء ، فإنهما الدستور الذي يبنى لكم الأسرة على أحسن نظام وأكمله ، والدواء الناجع لكل داء ، واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء تفعلونه أو تعزمون عليه عليم فمجازيكم عليه. لا يليق بكم جميعا أيها الأولياء والحكام والأزواج ، ومن له شأن أن يمنع المرأة المطلقة إذا انتهت عدتها من أن تنكح زوجها السابق أو زوجا آخر إذا حصل التراضي بينهما والتوافق ، وفي قوله : بينهما إشارة إلى أن الرجل يخطب المرأة إلى نفسها ولا يصح منعها من الزواج إذا تراضوا بالمعروف شرعا وعرفا بأن لم يكن هناك محرم ولا محظور شرعا ، وكانت الكفاءة بين الزوجين ومهر المثل. وعندي أن المهر والتغالى فيه لا يصلح سببا للمنع ، ورب فقير كريم الخلق شريف النسب خير من غنىّ سيّئ الخلق كثير المال ، وذلك الذي تقدم من الأحكام والحدود يؤمن به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فهم الذين يتقبلونه قولا حسنا ويمتثلونه. ذلكم أزكى لكم وأطهر من دنس الوقوع في المحرم ، وهو أزكى نظام وأطهره فإن عدم منع النساء من الزواج أزكى وأطهر للأعراض والبيوت وأنمى للشرف والكمال ، والله يعلم كل هذا فامتثلوا أمره والله يعلم وأنتم لا تعلمون.

١٤٩

بعض أحكام الرضاع

وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٣)

المفردات :

(حَوْلَيْنِ) الحول : العام والسنة. (وُسْعَها) : جهدها وطاقتها.

(فِصالاً) : فطاما لأنه يفصل الولد عن أمه. (وَتَشاوُرٍ) : مشاورة.

مناسبة الآيات :

شرع في أحكام الرضاع بعد أحكام الطلاق ، وكلاهما من الأحكام المتعلقة بالبيوت والعائلات.

المعنى :

والوالدات المطلقات ـ لأن الكلام فيهن ـ يرضعن أولادهن إرضاعا على سبيل الندب أو الوجوب إن امتنع الطفل عن الرضاع من غيرها أو لم يجد الوالد من يرضع لفقر أو لغيره ، وهن بهذا الوصف أدعى للامتثال ، يرضعن أولادهن عامين كاملين وذلك لمن أراد إتمام الرضاع للطفل.

١٥٠

ويجب على الوالد الذي ينسب إليه الابن وعنده غريزة حب الولد أن يرزقهن ويكسوهن أجرة لهن على الإرضاع. واستئجار الأم غير جائز ما دامت في النكاح أو العدة ويجوز عند الشافعى ـ رضى الله عنه ـ مطلقا ، وتقدير الأجرة موكول لظروف كل من الوالد والمرضعة حسب اليسار والفقر.

ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

ولا تضار الوالدة بسبب ولدها بأن تمنع من الرزق والكسوة أو يؤخذ منها ولدها قهرا ، أو تكره على إرضاعه ، ولا يضار والده بأن يطلب منه ما ليس في طاقته من رزق أو كسوة ، أو تستغل الأم عاطفة الأبوة فتفرط في شأن الولد وغير ذلك من المعاكسات ، والمراد : لا يحصل ضرر منها بسبب الولد.

وعلى الوارث الذي يرث الأب مثل ذلك من النفقة والكسوة ، وقيل : تؤخذ النفقة من مال الصبى فهو الوارث لأبيه ، فإذا لم يكن له مال تؤخذ ممن يرث الطفل لو مات ، وعلى كل فاللفظ يحتمل هذا.

مدة الرضاع الكاملة حولان ، فإذا أراد الوالد والمرضعة فطاما له دون الحولين برضاهما وتشاورهما في مصلحة الطفل فلا إثم عليهما في ذلك حيث اقتضت المصلحة العامة هذا.

وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم من المراضع الأجنبيات بسبب حمل أو مرض أمّ أو عدم اتفاق فلا جناح عليكم ولا إثم ، بشرط أن تسلم المرضعة أجرها بالمعروف ، فإن ذلك أدعى للغاية والمحافظة على الولد ، وهذا خطاب للأب والأم على سبيل التغليب للإشارة إلى أنه من الذوق والأدب أن تكون الأم مشتركة مع الأب ومستشارة في الاسترضاع لأنه ولدها ، واتقوا الله في كل شيء خصوصا الأحكام المذكورة واعلموا أن الله بما تعملون خبير وبصير فمجازيكم على أعمالكم.

١٥١

عدة المتوفى عنها زوجها

وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤)

المفردات :

(يَذَرُونَ) : يتركون. (بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) : انقضت عدتهن.

المعنى :

العدة في الشرع الشريف جعلت لبراءة الرحم ، أو للحداد على الزوج ؛ ولذلك جعلت عدة المطلقة ثلاثة أقراء ، أما المتوفى عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشرا ما لم تكن حاملا فعدتها بوضع الحمل ولو بعد الوفاة بيوم أو ساعة ، والرأى عند الأحناف أن عدة الحامل أبعد الأجلين للحداد على الزوج ، والشرع لم يندب الحداد على غير الزوج من أخ أو قريب أكثر من ثلاثة أيام.

وفي الوفاة لا فرق بين الصغيرة والكبيرة والمدخول بها وغير المدخول بها لأن العدة للحداد وبراءة الرحم تبعا ، فإذا انتهت العدة وانقضت أيامها فلا جناح عليكم أيها الأولياء والمشرفون على النساء فيما فعلن في أنفسهن من الزينة والخروج من البيت والتعرض لخطبة الرجال بالمعروف شرعا ، أى : من غير مخالفة للشرع ، والله بما تعلمون خبير وبصير.

ويؤخذ من هذه الآية حيث نفى الحرج عن الأولياء والحكام فيما لو فعلت النساء شيئا بالمعروف الشرعي : أن الحكام والأولياء وكل من له شأن مؤاخذ ومعاقب على خروج النساء وتهتكها وفعلها على المعروف شرعا فإن ذلك مما يقوض الأمة ويفنى الجماعة.

١٥٢

ألا ترى إلى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ) [الأحزاب ٥٩] حيث أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك ولم يأمر النساء ، وهذا مما يؤيد أننا ـ نحن الرجال ـ مؤاخذون بعمل نسائنا.

خطبة المتوفى زوجها وآدابها

وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥)

المفردات :

(عَرَّضْتُمْ) التعريض : أن تفهم المخاطب المقصود بلفظ لم يوضع له وهذا المقصود يحتمله الكلام على بعد بقرينة. (خِطْبَةِ) الخطبة : من الخطاب ، أو الخطب : وهو الشأن العظيم ، وهي طلب الرجل المرأة للزواج بالوسيلة المعروفة بين الناس. (أَكْنَنْتُمْ) الإكنان : الإضمار في النفس. (سِرًّا) : نكاحا. (وَلا تَعْزِمُوا) العزم : القصد الجازم ، والنهى عن العزم نهى عن الفعل من باب أولى ، والمراد : لا تقربوا عقد عقدة النكاح.

المعنى :

المرأة المطلقة طلاقا رجعيا لا يصح مطلقا التعريض لها بالخطبة لأنها في عصمة زوجها ما دامت في العدة ، أما المرأة المتوفى عنها زوجها ـ ويقاس عليها المطلقة طلاقا بائنا ـ

١٥٣

فقد أباح الشرع الشريف أن يعرّض الرجل لها بأمر الزواج تعريضا لا صراحة فيه ، أو يضمر في نفسه أمر زواجه بها ؛ لأن هذا أمر طبيعي في النفس ولذلك قرنه الله بما يبين وجه الرخصة حيث قال : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَ) في أنفسكم وضمائركم ويشق عليكم أن تتموا مثل هذا فاذكروهن ، ولكن لا تواعدوهن النكاح صراحة ، فهو مما يضر ولا يليق بكم أدبيّا وذوقيّا في حال من الأحوال إلا في حالة أن تقولوا قولا معروفا غير منكر شرعا ، وهو ما يعهد مثله بين الناس المهذبين من القول العف والإشارة الخفية كما فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع أم سلمة بعد وفاة زوجها حيث ذكر لها منزلته عند الله.

ولا تعزموا على عقدة النكاح حتى يبلغ المكتوب أجله ، فقد كتب الله وفرض على المرأة العدة لزوجها أربعة أشهر وعشرا ، واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم من السر وأخفى فاحذروه ، واعلموا أن الله غفور رحيم لما فرط منكم من الذنب ، حليم لا يعجل بالعقوبة.

ما يؤخذ من الآية :

(أ) لا يصح التصريح بالزواج للمعتدة.

(ب) حرام العقد عليها قبل استيفاء العدة مراعاة لحقوق الزوجية ولطهارة الرحم.

١٥٤

المطلقة قبل الدخول وما يجب لها

لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٧)

المفردات :

الجناح : الإثم ، والمراد : لا شيء عليكم. (تَمَسُّوهُنَ) : تجامعوهن. (تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) أى : فرضا وهو المهر. (الْمُوسِعِ) : الغنى. (الْمُقْتِرِ) : الفقير. (قَدَرُهُ) : مقداره.

سبب النزول :

روى أنها نزلت في رجل من الأنصار تزوج امرأة ولم يسم لها صداقا ثم طلقها قبل أن يمسها ، فنزلت هذه الآية ، فقال له النبي : «أمتعها ولو بقلنسوتك».

المعنى :

أيها الأزواج إن طلقتم النساء قبل الدخول بهن وقبل أن تحددوا لهن صداقا فلا شيء

١٥٥

عليكم من الصداق ومهر المثل ، ولكن يجب عليكم المتعة : وهي عطاء يعطيه الزوج للمطلقة جبرا لخاطرها ، أما مقدارها فيرجع إلى حالة الزوج من غنى وفقر ، والمتعة عند بعض الفقهاء حق واجب للمرأة التي يجب لها شيء من الصداق ، وتستحب لسائر المطلقات بالوجه الذي يحسن في الشرع والمروءة ، وهذا الحق على الذين يحسنون المعاملة.

وإذا طلقت المرأة قبل الدخول بها وقد سمى لها صداق فيجب لها نصفه تأخذه في كل حال إلا أن تعفو المطلقات أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وهو الولي ، وعفوكم أقرب للتقوى ؛ وقيل المراد : إلا أن يعفو الذي بيده عقدة النكاح وهو الزوج ، والمراد بعفوه : أن يتنازل عن نصف الصداق الذي أعطاه للزوجة قبل الدخول بها عند العقد. ولا تنسوا الفضل بينكم بالإحسان والمعاملة الطيبة ، وأن العفو خير لكم جميعا والله بما تعملون بصير فيجازى كلا على حسب نيته وعمله.

المحافظة على الصلاة

حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (٢٣٨) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (٢٣٩)

المفردات :

(حافِظُوا) : داوموا عليها بإتقان. (الْوُسْطى) : المتوسطة ، أو الفضلى ، والمراد بها : صلاة العصر على الأصح. (قانِتِينَ) : ذاكرين الله في القيام مداومين على الضراعة والخشوع.

المعنى :

الصلاة عماد الدين والركن العملي الأول الذي يكرر في اليوم خمس مرات لما لها من الأثر

١٥٦

الفعال في تطهير النفس ، وهي كالبئر يغتسل منه المصلى خمس مرات في اليوم والليلة فهل يبقى عليه من درن؟

ولهذا كله أمرنا بالمحافظة عليها ، ووضعها بين الأحكام التي تتعلق بالبيوت والأسر إشارة إلى أنه يجب ألا تشغلنا البيوت وما فيها ولا أنفسنا عن الصلاة ، وللإشارة إلى أن الصلاة والاتصال بالله مما يصفى الروح ويزيل كدرتها التي كثيرا ما تكون سببا في أزمات تقع في الأسرة (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) حافظوا على الصلاة مطلقا تحفظكم من كل هم وغم وتحفظكم من الفحشاء والمنكر خاصة الصلاة الوسطى وهي العصر لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الأحزاب : «شغلونا عن الصلاة الوسطى : صلاة العصر».

ووقت صلاة العصر كما يقولون وقت وسط بين وقتى الظهر والمغرب فهي متوسطة بهذا المعنى. وقوموا لله خاشعين ذاكرين لله دون سواه.

وللإشارة إلى خطر الصلاة وأنه لا يصح لمسلم أن يتركها لعذر قيل ما معناه : لا عذر في ترك الصلاة حتى في حال الخوف على النفس أو المال أو العرض ، بل صلوا على أى كيفية راكبين أو ماشين سائرين أو واقفين على أى وضع كان ، فإذا زال الخوف فاذكروا الله في الصلاة كما علمكم ما لم تكونوا تعلمونه من فريضة وكيفية الصلاة في حال الأمن والخوف.

حق المتوفى عنها زوجها

وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٤٠) وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢٤٢)

١٥٧

المعنى :

والذين يشرفون منكم على الموت ويتركون أزواجا يجب عليهم أن يوصوا وصية لأزواجهم متاعا مستمرا إلى نهاية الحول ، على معنى أنه يجب على الورثة من باب الأدب والذوق ألا يخرجوا المتوفى عنها زوجها قبل مضى السنة ، وعلى ذلك فلها سنة ينفق عليها من مال زوجها المتوفى ، فإن خرجت بعد مضى العدة من نفسها فلا جناح عليكم يا أيها الورثة فيما تفعله في نفسها من الخروج والزينة ما دام لا يتنافى مع الشرع ، والله عزيز لا يغالب ، حكيم في كل أمر.

وللمطلقات مطلقا المتعة ، وهي ما اتفق عليه الزوجان على حسب قدرتهما ، فإن اختلفا قدرها القاضي ، وهذا حكم يشمل المطلقات المدخول بهن وغير المدخول بهن.

وإن اختلف من حيث الوجوب والندب وهذا حق على المتقين لله ، مثل ذلك البيان السابق يبين الله لكم آياته المحكمة التي تدفعنا إلى الخير في الدنيا والآخرة لعلنا نتدبر ونتعقل.

كيف تحيا الأمم

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٢٤٣) وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٤٤) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥)

١٥٨

المفردات :

(أَلَمْ تَرَ) : استفهام تعجيب وتشويق ؛ إذ الاستفهام الحقيقي محال على الله.

(حَذَرَ الْمَوْتِ) : خوفه. (يُقْرِضُ اللهَ) المراد : يتصدق لوجه الله. (فَيُضاعِفَهُ لَهُ) : يضيف له مثله ومثله.

المعنى :

ألم ينته علمك إلى الذين خرجوا من ديارهم وأوطانهم لما لحقهم العدو وحاربهم؟ خرجوا وهم كثرة تعد بالألوف حذر الموت وهوله ، ما دفعهم إلى هذا إلا الجبن والخور وعدم الإيمان بالله ورسله ، ولما خرجوا فارين قال لهم : موتوا ، حيث مكن للعدو منهم فأذلهم ، وما كان تمكين العدو فيهم إلا بسبب جبنهم ، ولقد أذاقهم العدو العذاب وأحسوا بخطئهم الفاحش فكان هذا داعيا إلى تكتلهم وإقبالهم على قتال عدوهم متعاونين باذلين النفس والنفيس ، فهم قد ماتوا زمنا ثم أحياهم الله ، وهكذا سنة الله في الأمم ولن تجد لسنة الله تبديلا.

إن الله لذو فضل على الناس بابتلائهم بالعدو والشدائد التي تصهرهم وتميز الطيب من الخبيث منهم فحقّا «الحوادث تخلق الرجال» والحوادث تخلق الأمم ، ولكن أكثر الناس لا يشكرون الله على ذلك بل يعدون هذا نقمة عليهم.

وتشير الآية الكريمة إلى أن موت الأمم غالبا له سببان : الجبن وضعف العزيمة. والثاني : البخل وعدم الإنفاق ، ولذلك قرن الله ـ سبحانه وتعالى ـ الآية السابقة بقوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) ولقد رغب الله في الإنفاق ، إذ عبر بالقرض عن الإنفاق ، من يقرض الله الذي له خزائن السموات والأرض والذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، يضاعف له في ثوابه أضعافا كثيرة لا يعلم عددها إلا الله ومن أصدق من الله حديثا.

والله ـ سبحانه ـ يوسع في الرزق لمن يشاء مهما أنفق في سبيل الله ، ويضيق في الرزق على من يشاء مهما أمسك عن الإنفاق ؛ فأمر المال والدنيا في يده وإليه المرجع والمآب ، فاعملوا أيها المؤمنون فسيرى الله عملكم ورسوله وستردون إلى عالم الغيب والشهادة.

١٥٩

قصة طالوت وجالوت

أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٢٤٦) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٤٧) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٤٨) فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ

١٦٠