البداية في توضيح الكفاية - ج ٥

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٥

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات هماى دانش
الطبعة: ١
ISBN: 964-8035-01-6
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٣٥٢

المطلوب فيها المعرفة.

وثانيهما : حجّية الاستصحاب من باب إفادته الظن ، ودون اثباتهما خرط القتاد.

وامّا الاستصحاب الحكمي فلا مانع عن جريانه فيها.

وعلى هذا الأساس فإذا شك زيد في وجوب تحصيل اليقين بتفاصيل القيامة الكبرى فيجري فيها الاستصحاب ، أي استصحاب بقاء الوجوب لتحصيل اليقين ، إذ كان قاطعا ومتيقّنا في الزمان السابق وشك في اللاحق فيتمّ أركانه ويجري ويترتّب عليه وجوب تحصيل اليقين بها.

فالنتيجة كل من قال بالتحسين العقلي والتقبيح العقلي كالعدلية والمعتزلة قال بوجوب معرفة المبدأ الأعلى (جلّت عظمته) عقلا وشرعا ، وكل من لم يقل بالتحسين والتقبيح العقليين ، كالأشاعرة قال بوجوب معرفة الباري (عزّ اسمه) وبمعرفة صفاته الكمالية شرعا فقط.

قوله : وامّا لو شك في حياة إمام زمان مثلا فلا يستصحب لأجل ...

إذا لم يجر الاستصحاب الموضوعي في القسم الأوّل من الامور الاعتقادية فلا يجري الاستصحاب في حياة مولانا المهدي الموعود إمام الزمان (روحي له الفداء) إذا شك في حياته ، إذ لا يثبت الاستصحاب إمامة الإمام عليه‌السلام ومعرفته كي يترتّب عليها حكمها ولازمها أعني منه وجوب المعرفة ، بل لا بدّ من تحصيل اليقين بموت الإمام عليه‌السلام ، أو حياته مع إمكان تحصيل بأحدهما ، ولا يخفى أن في التمثيل بحياة الإمام عليه‌السلام مسامحة ، إذ لا يجب تحصيل القطع واليقين بحياته كما لا يجب في حياة النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل يجب تحصيل اليقين بإمامة الإمام عليه‌السلام كما يجب تحصيله بنبوّة النبي سواء كان حيّا ، أم ميّتا.

قوله : إلّا إذا كان حجّة من باب إفادته الظن وكان المورد ممّا يكتفى به ...

٦١

أي إلّا إذا كان الاستصحاب حجّة من باب إفادته الظنّ والحال أنّه كان المورد ممّا يكتفى فيه بالظن الخاص ، ودون اثباتهما خرط القتاد. كما تقدّم هذا آنفا.

وليعلم انّ الاستثناء متصل ومنقطع الأوّل هو عبارة عن خروج المستثنى عن حكم المستثنى منه حقيقة نحو جاءني القوم إلّا زيدا والثاني عبارة عن خروج المستثنى عن حكم المستثنى منه حكما نحو جاءني القوم إلّا حمارا.

ومن هنا ظهر لك انّ الاستثناء في كلام المصنّف قدس‌سره أعني منه قول : إلّا إذا كان منقطع لا متصل لأنّ الكلام في القسم الأوّل من الاعتقادات لا في القسم الثاني. ومن الواضح عدم كفاية الظن فيه ، بل يجب تحصيل اليقين فيه بالإجماع ولهذا لا يجوز التقليد عن الغير في القسم الأوّل.

وعلى طبيعة الحال ؛ فالاعتقاديات ثابتة كسائر الموضوعات الخارجية والشرعية لا بدّ في جريانه فيها من أن يكون في مورد الاستصحاب أثر شرعي ، هذا أوّلا. ويتمكّن المكلّف من موافقة هذا الأثر.

ثانيا : لأنّ الاستصحاب أصل عملي مع بقاء الشك فيه ، أي في ذاك الأثر الشرعي كالشك في بقاء وجوب الشيء مثلا.

ثالثا : وإذا اجتمع شروط الثلاثة فيجري في الاعتقاديات في القسم الثاني منها وغيرها ، ولا إشكال فيه سواء كان الأثر الشرعي متعلّقا بعمل الجوارح ، أم متعلّقا بعمل الجوانح كما لا يخفى.

قوله : وقد انقدح بذلك أنّه لا مجال في نفس النبوّة ...

قال المصنّف قدس‌سره فقد علم ممّا سبق أنّه لا مجال للاستصحاب في نفس النبوّة إذا كانت النبوّة عبارة من كمال النفس بمثابة يوحى من جانب المبدأ الفيّاض المطلق إلى النفس الكاملة. والحال كانت النبوّة لازمة لبعض مراتب كمال النفس ولا يجري الاستصحاب في نفس النبوّة لأحد امور ثلاثة :

٦٢

الأوّل : لأجل عدم الشك في بقائها وزوالها بعد حصولها وتحقّقها في إنسان كامل كما لا يتفق ذلك في الخارج أصلا مثلا كان زيد بن أرقم نبيّا سابقا فشك في بقاء منصب النبوّة وزواله فيه ، وهذا لم يتفق في الخارج في جميع الأعصار والأمصار أصلا لأن النبوّة منصب إلهي يعطى لمن يشاء من عباده الصالحين. والمولى الجليل إذا أعطى شيئا فلم يسترده أصلا بل استرداده محال عليه جلّ وعلى لأنّ المحل إذا قابل منصب النبوّة فاسترداده بخل وإذا لم يكن قابلا له فهو جهل تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.

الثاني : أنّ الاستصحاب يكون دليلا تنزيلا وجعليا ، أي نزّل الشارع (المقدّس) المشكوك منزلة المتيقّن وجعل الشك منزلة اليقين.

وعلى طبيعة الحال لا محيص عن أن يكون المستصحب قابلا للتنزيل والجعل المذكورين ، امّا النبوّة فهي لا تكون قابلة لهما ، إذ هي من الصفات الخارجية ، وهي تحصل لإنسان كامل مكمل بواسطة كمال النفس وارتقائها.

ومن الواضح أنّ هذا النوع من الصفات ليس بقابل للجعل والتنزيل ولهذا لا تشملها أدلّة الاستصحاب بعمومها.

الثالث : أنّ الاستصحاب انّما يجري في الامور التي كان لها أثر شرعي ، كما عرفته سابقا ، حتى يترتّب بواسطة الاستصحاب أثر المستصحب عليه ، لأنّ الأثر المهم الذي يترتّب على بقاء النبوّة امّا عبارة عن وجوب الاعتقاد بنبوّة زيد مثلا ، وامّا عبارة عن وجوب تصديقه فيما أتى به ، وامّا عبارة عن بقاء شريعته.

ومن الواضح عدم ترتّب ما عدا الأوّل ، فإنّ التعبّد بنبوّته فعلا ، تعبّد بوجوب الاعتقاد بها فعلا ، وامّا تصديقه فإن كان فيما أتى به فهو من آثار نبوّته في حال حياته لا من آثار بقاء نبوّته بعد موته وإن كان فيما يأتي به فهو في فرض موته غير معقول.

فوجوب الاعتقاد بنبوّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثابت قبل الاستصحاب فلا معنى لجريان

٦٣

الاستصحاب في نفس النبوّة ، وامّا بقاء شريعته فانّه ليس من آثار بقاء نبوّته فانّه لا تزول شريعة نبي عليه‌السلام بموته بل ولا بمجيء نبي لا حق ، بل بمجيء نبي صاحب الشريعة.

فالنتيجة انّه ليس بقاء شريعته من آثار بقاء نبوّته كي يترتّب على استصحاب بقاء نبوّته.

ولو فرض الشك في بقاء النبوّة بسبب احتمال انحطاط النفس الكاملة عن مرتبة كمالها وعدم بقاء النفس بحدّ الكمال الذي تليق النفس البشري بسببه منصب النبوّة كما أنّ هذا الانحطاط شأن سائر الصفات الكمالية ، كالعدالة ، والتواضع مثلا ، والملكات الحسنة التي تحصل بالرياضات والمجاهدات وهي موجبة لشرافة الإنسان وكرامته ، كالورع ، والانصاف وو ... ويدل على هذا الانحطاط تحقّقه في الخارج لبعض الأشخاص لما يجري الاستصحاب في نفسها لعدم ترتّب أثر شرعي مهم عليها باستصحابها.

فإن قيل : كيف لا يكون لها أثر شرعي مع أنّ وجوب العمل بأحكام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من آثارها؟

قلنا : وجوب العمل بالأحكام ليس من آثار النبوّة بهذا المعنى ، إذ لو علم ببقائها بهذا المعنى لا يجب العمل بالأحكام مع العلم بحدوث شريعة اخرى لنبي عليه‌السلام بعده ، أي بعد هذا النبي عليه‌السلام.

ومع أنّ وجوب الالتزام والاعتقاد بالنبوّة مشروط بالعلم بها والاستصحاب لا يفيد العلم بها كي يترتّب على المستصحب أثره.

قوله : نعم ، لو كانت النبوّة من المناصب المجعولة وكانت كالولاية ...

فاستدرك المصنّف قدس‌سره عن قوله وقد انقدح بذلك أنّه لا مجال الخ. وقال : نعم لو كانت النبوّة من المناصب المجعولة ، أي منصب النبوّة لإنسان ليس بواسطة كمال النفس وارتقائها بل هو من الامور التي يعطى من ناحية المبدأ الأعلى لمن يشاء

٦٤

كالولاية والاجتهاد والعلم مثلا ، وإن كان لا بدّ في اعطاء الله تعالى من يشاء من عباده من أهلية وخصوصية يستحق الشخص بهما للنبوة ، وتلك كرقّة القلب وخشوعه مثلا ، لكانت بنفسها موردا للاستصحاب فيترتّب على النبوّة آثارها ولو كانت عقلية كوجوب العمل بأحكام شريعته ، وهو آثارها العقلية.

ولكن يحتاج إلى إجراء الاستصحاب حينئذ إلى دليل غير منوط بتلك النبوّة غير مأخوذ من الشرع (الأنور) وإلّا ، أي وإن لم يكن كذلك فيلزم الدور الصريح امّا بيانه فلأن بقاء النبوّة السابقة يتوقّف حينئذ على اعتبار ذلك الدليل الذي دل على اعتبار استصحاب بقاء النبوّة واعتبار ذلك الدليل يتوقّف على بقاء النبوّة السابقة ، وهذا دور ، إذ الشيء الواحد قد صار موقوفا عليه وموقوفا ، والموقوف عليه من حيث هو هو مقدّم والموقوف من حيث هو هو مؤخّر ، وقد سبق أنّه مستلزم لتقدّم الشيء على نفسه وتأخّره عن نفسه.

وهذا الكلام ؛ لدى الحقيقة دليل ثان لعدم جريان الاستصحاب في نفس النبوّة في قبال الدليل الأول ، وهو عبارة عن عدم الشك في بقائها ، أو عدم كونها مجعولة كما لا يخفى.

قوله : واما استصحابها بمعنى استصحاب بعض أحكام شريعة من اتصف بها ...

وامّا استصحاب النبوّة بمعنى استصحاب بعض أحكام شريعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي قد اتصف بالنبوّة ، فلا إشكال في هذا الاستصحاب كما تقدّم هذا في التنبيه السادس من عدم نسخ بعض أحكام الشرائع السابقة كوجوب الصلاة وردّ الأمانات إلى أهلها مثلا ، فالنبوّة بهذا المعنى قابل لجريان الاستصحاب.

٦٥

عدم جواز استصحاب الكتابي

قوله : ثم لا يخفى أنّ الاستصحاب لا يكاد يلزم به الخصم إلّا إذا اعترف ...

ولا يخفى انّ التمسّك بالاستصحاب ، تارة : يكون لإثبات الدعوى وإقناع النفس مثلا ادعى زيد اجتهاد عمرو بقاء وأنكر بكر بقاء اجتهاده واتفقا عليه في السنة الماضية ثم احتجّ زيد المدعى بالاستصحاب لأجل اليقين السابق والشك اللّاحق لإثبات دعواه ، هذا مثال لإثبات الدعوى.

وأمّا مثال لإقناع النفس فكاستصحاب بقاء الطهارة عند الشك في بقائها وزوالها ؛ واخرى يكون لالزام الخصم وقطع اللجاج ، ولا يخفى انّه يعتبر في كلا الاستصحابين امور :

الأوّل : اليقين بالثبوت والشك في البقاء.

الثاني : كون المستصحب حكما شرعيا ، أو موضوعا ذا حكم شرعي.

الثالث : العلم بحجّية الاستصحاب من طريق الدليل المعتبر وبالتنزيل.

وبهذه الامور الثلاثة يعلم أنّه لا مجال لتمسّك اليهود باستصحاب بقاء نبوّة موسى (على نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام) لا إلزاما للمسلم بها ولا إقناعا لنفسه.

امّا الأول الذي هو عبارة عن الالزام فلا مجال له لانتفاء الأمر الأوّل والثاني فيه إذا كان المراد بها كمال النفس وارتقائها أعلى درجات الكمال لعدم الشك في بقائها بالإضافة إلى موسى الكليم عليه‌السلام بهذا المعنى ، ولعدم كونها بهذا المعنى ذا أثر شرعي ، إذ وجوب العمل بأحكام التوراة منوط باليقين ببقاء نبوّته وهو مفقود لأنّ الاستصحاب لا يفيد اليقين بكون المستصحب ثابتا في الواقع كي نعمل بها.

وامّا إذا اريد بها الشريعة الخاصة فينتفي حينئذ الشك في بقائها للعلم بنسخها بالشريعة الإسلامية ، وعليه فلا يكون المسلم شاكّا في البقاء والارتفاع كي يجري

٦٦

الاستصحاب ببقاء شريعته ، وامّا الثاني الذي هو عبارة عن الاقناع فلا مجال له أيضا إذ لو اريد بالنبوّة منصب إلهي فلا يجري فيها الاستصحاب للزوم تحصيل اليقين بهذا المنصب لشخص بالنظر إلى المعجزات الباهرات واستصحاب بقائها بهذا المعنى لا يوجب اليقين.

وامّا إذا اريد بالنبوّة الشريعة الخاصّة فاليهودي وإن كان متيقّنا بها وشاكّا في بقائها ، ولكن جريانه منوط بوجود الدليل على حجيته.

والتفصيل وهو الدليل عليها امّا يكون من نفس تلك الشريعة ، وامّا يكون من غيرها ، فلو كان من نفسها للزم الدور ، امّا بيانه فلأنّه يلزم توقّف بقائها على اعتبار الاستصحاب فصارت الشريعة موقوفة وصار الاستصحاب موقوفا عليه ، وكذا يلزم توقّف اعتبار الاستصحاب على الشريعة السابقة فصار موقوفا وصارت موقوفة عليها.

فالنتيجة يصير الشيء الواحد موقوفا عليه وموقوفا ، وهذا مستلزم لتقدّم الشيء على نفسه وتأخّره عن نفسه ، وهذا محال عقلا ، فالدور محال أيضا ، إذ هو مستلزم المحال ، ومستلزم المحال محال ، كالمحال.

وامّا من غيرها فليس الدليل المفيد للعلم بموجود غير دليل لا تنقض وهو يفيد الظنّ لأنّه خبر الواحد ، فالدليل الدالّ على بقاء شريعة موسى الكليم على نبيّنا وآله وعليه‌السلام بعد طلوع الاسلام الحنيف من طريق العلم ليس بموجود في عالم الإثبات.

وعلى طبيعة الحال ، فبالاستصحاب لا يلزم به الخصم المسلم إلّا إذا اعترف بأنّه على يقين سابقا وعلى شك لا حقا فيما صح هناك التعبّد كما إذا كانت النبوّة المستصحبة بمعنى احكام شريعة من الشرائع الإلهية لا بمعنى كونها ناشئة من كمال النفس ولا بمعنى كونها صفة كمالية قائمة بنفس شخص الكليم عليه‌السلام ، إذ هي بهذين المعنيين من الاعتقاديات التي يجب بحكم العقل تحصيل اليقين بها ، وفيما صح

٦٧

التنزيل ، كأن لا يكون المستصحب من الاعتقاديات ودل على التنزيل الدليل المعتبر إثباتا.

فالنتيجة لا يصح التعبّد والتنزيل في الاعتقاديات ثبوتا.

وكذا لا يصحّ أن يقنع المستصحب (بالكسر) بالمستصحب (بالفتح) إلّا مع اليقين السابق والشك اللاحق فيما صح التعبّد بالعمل بالشك والتنزيل للمشكوك منزلة المتيقّن مع دلالة الدليل على التنزيل كأن لا يكون المستصحب (بالفتح) من الامور الاعتقادية.

قوله : ومنه انقدح أنّه لا موضع لتشبث الكتابي باستصحاب نبوّة موسى ...

قال المصنّف قدس‌سره : قد ظهر لك من عدم جريان الاستصحاب في أحكام شريعة موسى الكليم ، أو عيسى روح الله (على نبيّنا وآله وعليهما الصلاة والسلام) أنّه لا موقع لتشبّث الكتابي باستصحاب نبوّة موسى بن عمران على نبيّنا وآله وعليه‌السلام أصلا لا إلزاما للمسلم لوجهين :

الأوّل : لعدم الشك في بقاء النبوّة بمعنى الصفة الكمالية الناشئة من كمال النفس وارتقائها بل نعلم ببقائها ، إذ هي قائمة بنفسه المقدّسة الطيبة.

الثاني : لعدم ترتّب أثر الشرعي عليها حتى تستصحب بقاء ، واما إذا اريد بها الشريعة فلا يجري الاستصحاب فيها أيضا للعلم واليقين بنسخ شريعة الكليم بسبب شريعة الإسلام وإن لم يكن المسلم متيقّنا بالنسخ فهو لا يكون بمسلم ، مع أنّه لا يكاد يلزم المسلم باستصحاب بقاء شريعة الكليم عليه‌السلام لأنّه يكون قاطعا بنسخها ما دام لم يكن المسلم معترفا بأنّه على يقين بالثبوت وشك في البقاء كي يمكن إلزام المسلم بهذا الاستصحاب ، والحال أنّه قاطع بالارتفاع لأجل كونه متيقّنا بنسخها بواسطة شريعة الإسلام الحنيف المستمرّ إلى يوم القيامة. ولا إقناعا لنفسه مع الشك في البقاء

٦٨

لوجهين أيضا :

الأوّل : لأنّ النبوّة ممّا يجب تحصيل المعرفة واليقين بها الحاصلين بالنظر إلى حالاته ومعجزاته ، أي حالات النبي من حيث الصدق في الأقوال ومن حيث ردّ الأمانات إلى أهلها ومن حيث الاجتناب عن غير الملائمات لطبع البشر ، مثل كثرة الضحك والمزاح مثلا ، أي معجزات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أي النظر إلى أفعاله التي يعجز البشر عن الإتيان بمثلها ، ولا يخفى أن هذا النظر واجب عقلا حتى تثبت نبوّته بالقطع واليقين والاستصحاب لا يفيد القطع واليقين بالمستصحب (بالفتح).

الثاني : لعدم الدليل من قبل المقنن (المقدّس) على التعبّد بشريعة الكليم عليه‌السلام لا عقلا ولا شرعا لأنّ الاستصحاب ، أي استصحاب بقاء النبوّة لا يكون دليلا إلزاميا ولا إقناعيا للخصم المسلم ولنفس الشخص إلّا مع الشروط الثلاثة :

الأوّل : هو الاعتراف بثبوت اليقين سابقا وحصول الشك لاحقا.

الثاني : أن يكون المستصحب بالفتح قابلا للتعبّد والتنزيل.

الثالث : أن يكون الدليل على التعبّد والتنزيل.

ولكن ليس الدليل بموجود لا عقلا ولا شرعا ، امّا الأوّل فلأنّ البناء على الحالة السابقة المتيقنة عند الشك في بقائها ليس من المستقلّات العقلية الصرفة ، كوجوب إطاعة المولى وحرمة معصيته ، وكحسن العدل وقبح الظلم ، كي يحكم العقل بالتعبّد والتنزيل.

فإن قيل : قد استقرّت على البناء المذكور سيرة العقلاء وهي تدل على اعتبار التنزيل والتعبّد.

قلنا : هي منوطة بإمضاء الشرع الأنور فترجع هذه السيرة إلى الدليل الشرعي.

وعليه ؛ فإن كان الامضاء من الشرع السابق فاستصحاب النبوّة السابقة يتوقّف على ثبوتها ، أي ثبوت النبوّة وثبوتها يتوقّف على استصحابها على الفرض ، وهذا

٦٩

دور صريح.

وإن كان الإمضاء من الشرع اللاحق لزم الخلف ، إذ يلزم حينئذ من ارتفاع النبوّة السابقة بسبب نسخ بالنبوّة اللاحقة ثبوتها بواسطة الإمضاء ، واما الثاني فهو عين ما ذكر في دليل إمضاء بناء العقلاء من الدور ، أو الخلف.

قوله : والاتكال على قيامه في شريعتنا لا يكاد يجديه إلّا على نحو محال ...

ولا ريب في أن الاعتماد على قيام الدليل على التعبّد بشريعة الكليم عليه‌السلام لا ينفع الكتابي إلّا على نحو المحال.

وتقرير المحال : انّا لو تمسّكنا بالتعبّد بشريعة الكليم عليه‌السلام بالدليل المأخوذ عن شرع الإسلام الحنيف فيستلزم هذا خلفا ومحالا ، إذ الاستدلال المزبور ، يتوقّف على صدق شريعة الإسلام وثبوته ومن الواضح أن لازم صدقها وثبوتها حصول العلم بارتفاع شريعة الكليم عليه‌السلام وتحقّق اليقين بزوالها وبعد حصول ذاك العلم واليقين كيف يجوز التعبّد بشريعة الكليم عليه‌السلام.

فالنتيجة : أنّه يلزم من التعبّد بهذه الشريعة المذكورة عدم التعبّد بها ، وهذا محال لأنّه يلزم من وجود الشيء عدمه وهو جمع بين المتناقضين.

قوله : ووجوب العمل بالاحتياط عقلا في حال عدم المعرفة ...

هذا عطف ، أي معطوف على قوله للزوم المعرفة ، أي معرفة النبي عقلا بالنظر إلى حالاته ومعجزاته إذا أمكنت المعرفة للمكلف ، ولوجوب الاحتياط عقلا الذي يتحقّق بمراعاة الشريعتين السابقة واللاحقة إذا لم تمكن المعرفة.

فالنتيجة : أن الاستصحاب المذكور لا ينفع الكتابي لا من حيث الاعتقاد ولا من حيث العمل ولكن لا يخفى عليك ان الاحتياط بالعمل على طبق الشريعتين واجب عقلا في صورة عدم تمكّن المعرفة للنبي عليه‌السلام متى لم يلزم من الاحتياط اختلال النظام كما هو شأن الاحتياط في كل مورد العلم الاجمالي ، فكذا ما نحن فيه

٧٠

إذ حصل للمكلّف العلم الاجمالي بثبوت إحدى الشريعتين امّا السابقة وامّا اللاحقة.

قوله : إلّا إذا علم بلزوم البناء على الشريعة السابقة ما لم يعلم الحال ...

أي لا يجب الاحتياط بمراعاة الشريعتين إذا علم المكلف بلزوم البناء على الشريعة السابقة إلى أن يعلم خلاف البناء المذكور ولكن هذا الادعاء ليس بثابت فعلم ان استصحاب نبوّة موسى ، أو عيسى (على نبيّنا وآله وعليهما الصلاة والسلام) لا ينفع للكتابي في قبال المسلمين أصلا لا إلزاما ولا إقناعا ، أي لا إلزاما للمسلم ولا إقناعا لنفسه.

توضيح : وهو أنّه ليس لنا علم بنبوّة موسى (على نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام) إلّا باخبار نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنبوّته وهو كما يخبر بها يخبر بارتفاعها. وعلى هذا الأساس فلا مجال لاستصحاب بقاء نبوّته إلى زماننا هذا ، ومع فرض حصول اليقين بنبوّته من غير هذا الطريق على الفرض ليس لنا شك في بقائها بل نعلم بارتفاعها فانّ المسلم لا يكون مع الشك في بقاء نبوّة موسى بن عمران ، أو عيسى بن مريم البتول عليهما‌السلام فلا يمكن الكتابي إلزام المسلم باستصحاب النبوّة لعدم تمامية أركانه من اليقين سابقا والشك لا حقا وعليه فانقدح لك عدم تمامية لزوم البناء على الشريعة السابقة من حيث العمل وعدم وجوب الاحتياط عقلا بمراعاة الشريعتين والله تعالى ولي التوفيق.

٧١

استصحاب حكم المخصص

قوله : الثالث عشر أنّه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب ...

ولا يخفى أنّ التنبيه الثالث عشر في جريان استصحاب حكم المخصص مع العموم الازماني وعدمه مثلا إذا ورد حكم عام ثم خرج عنه بعض الافراد في بعض الأزمنة ولكن شك في حكم هذا الفرد بالنسبة إلى ما بعد ذلك الزمان فهل يرجع إلى العموم ، أو إلى استصحاب حكم المخصص ، ذهب إلى كل جماعة.

قال الشيخ الأنصاري قدس‌سره : ان العموم الازماني ، تارة يكون على نحو العموم الاستغراقي ويكون الحكم متعدّدا على حسب تعدّد الافراد الطولية ، وعلى هذا الأساس يكون كل حكم غير مرتبط بالآخر امتثالا ومخالفة وذلك كوجوب الصوم ثلاثين يوما كما انّ الأمر في الأفراد العرضية كذلك فانّه إذا قال المولى أكرم العلماء مثلا يكون الحكم متعدّدا بتعدّد أفراد العلماء الموجودين في زمان واحد ، ولكل فرد إطاعة ومعصية وامتثال ومخالفة.

واخرى : يكون على نحو العموم المجموعي ويكون هناك حكم واحد مستمر ، وذلك كوجوب الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى المغرب فانّه لا يكون وجوب الإمساك تكليفا متعدّدا بتعدّد آنات هذا اليوم الذي يجب الإمساك فيه.

والتفصيل فإن كان العموم من قبيل القسم الأوّل فالمرجع بعد الشك هو العموم ، إذ بعد خروج أحد الافراد عن العموم لا مانع من الرجوع إليه لاثبات الحكم لسائر الأفراد التي لم تخرج عن تحت العام.

وإن كان من القسم الثاني ، فالمرجع هو الاستصحاب لأنّ الحكم واحد على

٧٢

الفرض ، وقد انقطع يقينا بسبب التخصيص وإثباته بعد الانقطاع يحتاج إلى دليل ، والحال انّ مقتضى الاستصحاب بقاء حكم المخصّص ، هذا ملخّص كلامه.

امّا المصنّف صاحب الكفاية قدس‌سره فقال : إنّ مجرّد كون العموم الازماني من قبيل العموم المجموعي لا يكفي في الرجوع إلى الاستصحاب بل لا بدّ من ملاحظة الدليل المخصّص أيضا فان أخذ الزمان فيه بعنوان الظرفية ، كما ان الزمان بطبعه ظرف لما يقع فيه كالمكان ولهذا عرفهما النحاة بأنّه ما وقع فيه الفعل فلا مانع حينئذ من التمسّك بالاستصحاب وإن كان الزمان مأخوذا على نحو القيدية فلا يمكن التمسّك بالاستصحاب لأنّه مع فرض كون الزمان قيدا للموضوع يكون إثبات الحكم في زمان آخر من قبيل اسراء الحكم الثابت لموضوع إلى موضوع آخر وهذا قياس محرّم فلا بدّ حينئذ من الرجوع إلى أصل آخر من البراءة ، أو الاشتغال حسب ما يقتضيه المقام.

هذا كلّه على تقدير كون العموم على نحو العموم المجموعي : وامّا إذا كان العموم على نحو العموم الاستغراقي فالمتعيّن هو الرجوع إلى العام إن لم يكن له معارض وإلّا فيتمسّك بالاستصحاب إن كان الزمان في الدليل المخصص مأخوذا بنحو الظرفية وإن كان مأخوذا بنحو القيدية فلا يمكن التمسّك بالاستصحاب أيضا ، فلا بدّ من الرجوع إلى أصل آخر من البراءة ، أو الاشتغال على حسب ما يقتضيه المقام فتكون الصور المتصوّرة على ما ذكره المصنّف قدس‌سره أربع :

الاولى : أن يكون العام من قبيل العموم الاستغراقي مع كون الزمان مأخوذا في دليل التخصص بنحو الظرفية.

الثانية : هي الاولى بعينها لكن مع كون الزمان مأخوذا على نحو القيدية للموضوع ، وحكمها الرجوع إلى العام مع عدم المعارض له ، وإلّا فيرجع إلى الاستصحاب في الصورة الاولى ، وإلى أصل آخر من البراءة ، أو الاشتغال في

٧٣

الصورة الثانية.

الثالثة : أن يكون العموم من قبيل العام المجموعي مع كون الزمان ظرفا لحكمه.

الرابعة : هي الثالثة مع كون الزمان قيدا ، وحكمهما هو الرجوع إلى الاستصحاب في الثالثة وإلى أصل آخر من البراءة ، أو الاشتغال في الرابعة وتشتركان في عدم إمكان الرجوع إلى العام فيهما إلّا فيما إذا كان التخصيص من الأوّل كخيار المجلس مع قطع النظر عن النص الدال بلزوم البيع بعد الافتراق وهو قوله عليه‌السلام : «فإذا افترقا وجب البيع» فيصحّ في مثله الرجوع إلى العام لعدم كون التخصيص في هذه الصورة قاطعا لاستمرار الحكم حتّى يكون إثبات الحكم بعده محتاجا إلى الدليل فيرجع إلى استصحاب حكم خاص ، وليس الأمر كذلك ، بل التخصيص يوجب كون استمرار الحكم بعد هذا الزمان فيتعيّن الرجوع إلى العام بعد زمان التخصيص بخلاف ما إذا كان التخصيص في الوسط كخيار الغبن على ما هو المعروف بين الفقهاء العظام (رض) من كون مبدأه زمان الالتفات إلى الغبن فانّ التخصيص قاطع للاستمرار واثبات الحكم بعده يحتاج إلى دليل وهو مفقود ظاهرا كما لا يخفى.

فملخّص الكلام في هذا المقام أن الزمان تارة يكون ظرفا لثبوت حكم العام لموضوعه فيكون مفاد العام استمرار الحكم ودوامه نحو اكرم كل عالم دائما والحكم في هذا المثال وجوب الاكرام متعلّقه والعالم موضوعه ، فوجوب الاكرام ثابت لكل عالم في جميع الأزمان.

واخرى : يكون الزمان قيدا لموضوع الحكم بحيث علمنا من الخارج ان يوم الجمعة في المثال المذكور قيد لزيد العالم وعلى ، أي تقدير امّا يكون العموم بنحو العام الاستغراقي ، وامّا يكون بنحو العام المجموعي فيحصل من ضرب الاثنين وهما

٧٤

الاستغراقي والمجموعي في الاثنين وهما ظرفية الزمان للحكم وقيديته للموضوع أربعة أقسام ، امّا بيان أحكام الأقسام فيبيّن ذيلا.

امّا حكم القسم الأوّل ، وهو عبارة عن كون الزمان ظرفا لثبوت حكم العام والخاص ، فقد حكم المصنّف قدس‌سره فيه باستصحاب حكم الخاص في غير مورد دلالة الخاص ، أي في غير يوم الجمعة ، وهو يوم السبت نظرا إلى عدم دلالة العام على حكم زيد في يوم السبت لعدم دخوله في موضوع العام ثانيا بعد خروجه عنه بالتخصيص وبعد انقطاع استمرار حكم العام عن زيد بالخاص الدال على حرمة إكرامه في يوم الجمعة من دون تعرّض لاكرامه في يوم السبت بعد فرض كون الزمان ظرفا لحكمه لا قيدا لموضوعه ، هذا حكم القسم الأوّل مثاله نحو : أكرم كل عالم ولا تكرم زيد العالم يوم الجمعة.

وامّا حكم القسم الثاني : وهو عبارة عن كون الزمان قيد الموضوع الخاص وكان العام له عموما ازمانيا ، فقد حكم المصنّف قدس‌سره فيه بالتمسّك بالعام في غير يوم الجمعة ، وذلك لدلالة العام بعمومه الازماني على حكم زيد في يوم السبت ولا دلالة للخاص على خلاف العام ، مثاله نحو اكرم كل عالم في كل يوم من الأيّام ولا تكرم زيدا المقيّد بيوم الجمعة.

وامّا بيان حكم القسم الثالث : وهو عبارة عن كون مفاد العام على النحو الأوّل والخاص على النحو الثاني ، أي كان الزمان ظرفا لثبوت حكم العام ، وقيدا لموضوع الخاص ، فقد حكم المصنّف قدس‌سره فيه بالرجوع إلى سائر الاصول بالنسبة إلى يوم السبت ، ولا يرجع إلى العام ولا إلى الاستصحاب ، أي استصحاب بقاء حكم الخاص في غير مورد دلالة الدليل الخاص ، أي يوم السبت.

امّا عدم الرجوع إلى العام فلأنّ المفروض عدم العموم الازماني للعام ، وامّا عدم الرجوع إلى الاستصحاب بالإضافة إلى غير مورد دلالة الخاص فلأنّ

٧٥

المفروض أن الزمان قيد لموضوع الخاص.

وعليه ؛ فالحرمة متعلّقة بزيد المقيّد بيوم الجمعة فكيف يمكن انسحابها وجريانها إلى موضوع آخر والموضوع الآخر عبارة عن زيد المقيّد بيوم السبت.

مثاله : نحو اكرم كل عالم في جميع الأيام ولا تكرم زيد العالم المقيّد بيوم الجمعة.

وامّا بيان حكم القسم الرابع : وهو عبارة عن كون مفاد العام على النحو الثاني والخاص على النحو الأوّل ، أي كان العام ممّا له عموم أزماني والخاص كان الزمان ظرفا لثبوت حكمه ، فقد حكم فيه بالرجوع إلى العام ، امّا لو لم يكن للعام عموم أزماني لكان المرجع هو استصحاب حكم الخاص في غير مورد دلالته ، إذ المفروض كون الزمان ظرفا لثبوت حكمه لا قيدا لموضوعه كي يمنع عن جريان الاستصحاب ، وهذا واضح.

وعلى ضوء هذا فقوله : إنّ مفاد العام تارة يكون بملاحظة الزمان ....

إشارة إلى القسم الأوّل من قسمي العام.

وقوله : واخرى على نحو جعل كل يوم من الأيام فردا لموضوع ذاك العام ...

إشارة إلى القسم الثاني من قسمي العام.

وقوله : وكذلك مفاد مخصصة تارة يكون على نحو أخذ الزمان ظرف ...

إشارة إلى القسم الأوّل من قسمي الخاص.

وقوله : واخرى على نحو يكون مفردا ومأخوذا في موضوعه ...

إشارة إلى القسم الثاني من قسمي الخاص.

ولا يخفى انّه تترتّب ثمرة فقهية على هذا التنبيه ، وهي مسألة فورية خيار الغبن وهي مختار المحقّق الثاني قدس‌سره مثلا قال المولى الجليل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وهو

٧٦

يدل على وجوب الوفاء بالعقود في كل آن آن ، أي يلزم العقود في كل آن ، ولكن خرج منه أن الالتفات إلى الغبن فإذا لم يفسخ المغبون في ابتداء آن الالتفات إلى الغبن ثم شك في بقاء خيار الغبن في الآنات الآتية يحكم بسقوطه لعموم (أَوْفُوا) على مبنى الفورية ، وامّا على مبنى عدم الفورية فيستند إلى استصحاب بقاء حكم الخاص ، أي بقاء الخيار.

فلا شبهة في عدم جريان الاستصحاب في مقام مع دلالة مثل العام على الحكم لكونه دليلا اجتهاديا والاستصحاب دليلا فقاهتيا الاول حاكم ، أو وارد على الثاني على اختلاف الرأيين ، كما سيأتي هذا إن شاء الله تعالى ، ومن الواضح ان دليل المورود ، أو المحكوم لا يجري مع وجود الدليل الحاكم ، أو الدليل الوارد في المقام.

وقوله : فإن كان مفاد كل من العام والخاص على النحو الأوّل ...

إشارة إلى حكم القسم الأوّل من الأقسام الأربعة السابقة ، كما لا يخفى.

قوله : نعم لو كان الخاص غير قاطع لحكمه كما إذا كان مخصّصا له ...

هذا استدراك عن حكم المصنّف قدس‌سره في القسم الأوّل باستصحاب حكم الخاص في غير مورد دلالته كما قد حقّق هذا آنفا ، أي نعم لو كان الخاص غير قاطع لاستمرار حكم العام كما إذا كان الخاص مخصّصا للعام من الأوّل لما ضرّ هذا الخاص بالتمسّك بالعام حينئذ في غير مورد دلالة الخاص بل يكون أوّل زمان استمرار حكم العام بعد زمان دلالة الخاص.

وعليه ؛ إذا قال المولى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ولكن خصّص أوله بخيار المجلس على نحو تردّد الخيار بين أن يكون هو في المجلس الحقيقي عينا ، أو فيه وما يقرب من المجلس الحقيقي صح التمسّك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لإثبات لزوم العقد في غير المجلس الحقيقي ولو كان ممّا يقرب منه.

وهكذا ؛ إذا خصّص أوّله بخيار الحيوان ، وتردّد بين أن يكون هو إلى ثلاثة

٧٧

أيّام مع لياليها ، أم ثلاثة أيّام مع ليلتين في خلالها دون غيرهما فهنا صح التمسّك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وهذا كلّه بخلاف ما إذا قال (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ولكن قد خصّص وسطه بخيار العيب وتردّد بين الزمان القليل ، أو الزمان الأكثر فلا يصح التمسّك حينئذ بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لإثبات اللزوم بعد انقضاء الزمان الأقل ، وذلك لانقطاع استمرار حكم العام بالخاص ، هذا أوّلا.

وثانيا : لعدم دخول الزمان المشكوك ثانيا تحت العام ، بل يستصحب حكم الخاص من الخيار وعدم اللزوم إلى الزمان الثاني.

قوله : فافهم ...

وهو إشارة إلى جواز الرجوع إلى العام بلا فرق بين كون الاستمرار راجعا إلى الحكم ، أو راجعا إلى المتعلّق ، فالفرق بينهما غير تام في نفسه كما ذكره المحقّق النائيني قدس‌سره.

وامّا مثال تعلّق الاستمرار بالمتعلّق فكتعلّق استمرار الحرمة بالشرب ، ففي مثل ذلك يكون الاستمرار راجعا إلى متعلّق الحكم ، إذ الحكم عبارة عن الحرمة والمتعلّق عبارة عن الشرب والموضوع عبارة عن الخمر ، ولهذا يقال في الفرق بينهما ان المتعلّق مقدور للمكلف والموضوع غير مقدور له.

وامّا مثال تعلّق الاستمرار بالحكم فكتعلّق اللزوم بالملكية مثلا ، وهي من الامور الاعتبارية ، ويكون الاستمرار في مثل ذلك راجعا إلى نفس الحكم الوضعي.

وعلى ضوء هذا إذا خرج من هذا الاستمرار والعموم الازماني فرد كما إذا قال المولى : لا بأس بشرب الخمر حال المرض مثلا ، ثم شككنا بعد البرء فلا مانع من التمسّك بالعموم والحكم بحرمة شرب الخمر ، وكذا إذا دلّ على استمرار الحكم الوضعي ثم خرج منه فرد فلا مانع من الرجوع إلى العام في غير هذا الفرد الخارج سواء كان العموم مستفادا من نفس الدليل الدال على الحكم ك (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)

٧٨

أو من الدليل الخارج بلا فرق بين العموم الاستغراقي والمجموعي.

وقوله : وإن كان مفادهما على النحو الثاني فلا بد من التمسّك بالعام بلا كلام ...

هذا شروع في بيان حكم القسم الثاني من الأقسام الأربعة وعلّة التمسّك بالعام قد سبقت آنفا ولا بأس بالإشارة إليها مثلا إذا قال المولى لعبده اجلس في كل آن في المسجد ولكن خرج منه بالتخصيص بعض الآنات المعيّنة فالمفروض فردية ما بعد هذه الآنات المخرجة للعام فللعام دلالة على حكم ما بعد زمان الخاص. والحال ان الخاص لا يدل على خلاف العام.

وقوله : وإن كان مفاد العام على النحو الأوّل والخاص على النحو الثاني ...

هذا شروع في بيان حكم القسم الثالث من الأقسام الأربعة المتقدّمة فلا مورد للاستصحاب ، وعلّة عدم مورده قد مرّت مفصّلا فلا حاجة إلى التكرار.

وقوله : وإن كان مفادهما على العكس كان المرجع هو العموم ...

كان المرجع هو العام هذا شروع في بيان حكم القسم الرابع من الأقسام الأربعة المتقدّمة وعلّة الرجوع إلى العام قد مرّت لا حاجة إلى الإعادة ، إذ هي تكرار.

قوله : فتأمّل تعرف أن اطلاق كلام شيخنا العلّامة أعلى الله تعالى مقامه ...

قد عرفت فيما سبق أنّ الشيخ الأنصاري قدس‌سره اختار التفصيل بين ما إذا كان للعام عموم أزماني فلا يرجع فيه إلى استصحاب بقاء حكم المخصص بل إلى عموم العام ؛ وبين ما إذا لم يكن له عموم أزماني فيرجع فيه إلى استصحاب بقاء حكم المخصص في غير مورد دلالته ، وامّا المصنّف قدس‌سره فقد فصل هنا بنحو آخر وجعل في هذا المقام أقساما أربعة.

٧٩

فإطلاق كلام الشيخ صاحب الفرائد والمكاسب في هذا المقام نفيا وإثباتا في غير محلّه ، لأنّ الشيخ المذكور قد نفى حجّية العام في القسم الثاني ، وهذا ليس بصحيح على الإطلاق ، بل هو صحيح إذا لم يكن التخصيص من الأوّل ، وكذا نفيه جريان الاستصحاب في القسم الأوّل على الإطلاق ، إذ قد عرفت جريانه فيه إذا لم يكن الزمان قيدا لموضوع الخاص. ولأنّه قد أثبت التمسّك بالاستصحاب فيما لم يكن للعام عموم أزماني ، وهذا الاثبات في غير محلّه على الاطلاق لما عرفته من عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الأقسام الأربعة المتقدّمة على حسب تحقيق المصنّف قدس‌سره مع أنّه لا عموم أزماني للعام فيه أصلا بل لا يجري الاستصحاب في القسم الأوّل أيضا إذا كان الخاص غير قاطع لاستمرار حكم العام. وعلى ضوء هذا فانقدح لك أن اطلاق كلام الشيخ الأنصاري قدس‌سره إثباتا ونفيا في غير محلّه.

جريان الاستصحاب حتّى مع الظن بالخلاف

قوله : الرابع عشر الظاهر أنّ الشك في أخبار الباب ...

وتوضيح هذا التنبيه ؛ أن الاستصحاب امّا أن يعتمد في اعتباره على بناء العقلاء فقط ، أو عليه وعلى الأخبار المستفيضة معا ، أو على الأخبار المستفيضة فقط. فإذا اعتمدنا في اعتباره على بناء العقلاء فقط كما هو مختار القدماء (رض) فيعتبر في جريان الاستصحاب الظن الشخصي بالوفاق لأنّ بنائهم على العمل على طبق الحالة السابقة يكون بملاك الوثوق والاطمينان بها. ومن الواضح أنّه لا معنى للتعبّد في أمر العقلاء بما هم عقلاء بلا ملاك ولا موجب.

وأمّا إذا اعتمدنا في اعتباره على بناء العقلاء والأخبار المستفيضة جميعا أو اعتمدنا في اعتباره على الأخبار المستفيضة فقط ، كما هو مختار الشيخ

٨٠