البداية في توضيح الكفاية - ج ٥

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٥

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات هماى دانش
الطبعة: ١
ISBN: 964-8035-01-6
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٣٥٢

السبت منفصلا عن زمان يقينه ، وهو يوم الخميس وإن كان زمان حدوث الحادث يوم السبت كان زمان شكّه ، وهو يوم الجمعة متّصلا بزمان يقينه ، وهو يوم الخميس.

وحيث انّ هذا الاتصال لا يحرز فلا يجري الاستصحاب في مجهولي التاريخ لفقدان شرطه. ومن الواضح انّه إذا انعدم الشرط انعدم المشروط قهرا.

اتصال زمانيّ الشك واليقين

قوله : فانقدح أنّه لا مورد هاهنا للاستصحاب لاختلال أركانه لا أنّه مورده ...

أي فقد ظهر لك بما تقدّم أنّه لا مورد للاستصحاب في الصورة الرابعة ، وهي عبارة عمّا إذا كان الأثر المهم مترتّبا على العدم المحمولي ، أي كان الأثر لعدم أحدهما في زمان حدوث الآخر ، وذلك من جهة عدم احراز اتصال زمان شك المستصحب بزمان يقينه ، كما قد سبق تحقيق هذا مفصّلا آنفا ، وليس عدم جريانه فيها لأجل المعارضة بمثله في الحادث الآخر والتساقط بمقتضى القاعدة المشهورة بين المجتهدين العظام والاصوليين الكرام ، وهي الشيئان إذا تعارضا تساقطا ، كما قال بهذا الأساس الشيخ الأنصاري قدس‌سره في فوائده كي يختص عدم جريان الاستصحاب على هذا المبنى بما إذا كان الأثر مفروضا في كلا الطرفين والحادثين لا في الطرف الواحد والحادث المنفرد.

فتلخّص ممّا ذكر أنّه إذا كان سبب عدم جريان الاستصحاب في الصورة الرابعة من الصور الأربع هو المعارضة بالمثل كما قال به الشيخ الأنصاري قدس‌سره فلا مانع حينئذ عن جريانه فيما إذا كان الأثر الشرعي مفروضا في طرف واحد ،

٤١

كموت الولد ، وامّا إذا كان السبب لعدم جريانه هو عدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين فلا يجري الاستصحاب أصلا حتّى فيما إذا كان الأثر مفروضا في الطرف الواحد لأجل اختلال أركانه.

فيما إذا علم تاريخ أحد الحادثين دون الآخر

قوله : وامّا لو علم بتاريخ أحدهما فلا يخلو أيضا امّا يكون الأثر المهم ...

لما فرغ المصنّف قدس‌سره عن بيان أحكام مجهولي التاريخ شرع في بيان أحكام الحادثين إذا كان أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهول التاريخ وقال رحمه‌الله فالصور المتصوّرة هنا أيضا أربعة لأنّ الأثر الشرعي. تارة : يكون مترتّبا على وجود أحد الحادثين ، أو على وجود كليهما بنحو الخاص من التقدّم ، أو التأخّر ، أو التقارن على نحو مفاد كان التامة.

واخرى : يكون الأثر مترتّبا على الحادث المتّصف بالتقدّم ، أو التأخّر التقارن بنحو مفاد كان الناقصة.

وثالثة : يكون الأثر مترتّبا على الحادث المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر بنحو العدم المحمولي ، وهو مفاد ليس الناقصة.

ورابعة : يترتّب الأثر المهم على عدم أحد الحادثين في زمان حدوث الآخر فهاهنا صور أربع أيضا :

أمّا الصورة الاولى : فقد حكم المصنّف قدس‌سره فيها بجريان استصحاب عدم التقدّم أو باستصحاب عدم التأخّر ، أو باستصحاب عدم التقارن في الطرف الآخر إذا كان الطرف الآخر ذا أثر شرعي ولو لا المعارضة باستصحاب العدم المذكور في نفس

٤٢

هذا الطرف ، وقد سبق تحقيقه في الصورة الاولى من مجهولي التاريخ ، وسيأتي تحقيقه في تعارض الاستصحابين ، إن شاء الله تعالى.

امّا المعارضة باستصحاب العدم المذكور في نفس هذا الطرف فواضح فانّ الأثر المهم إذا كان لكل من تقدّم هذا وتأخّره وتقارنه فاستصحاب عدم كل يعارض باستصحاب عدم الآخر.

وامّا المعارضة باستصحاب العدم المذكور في الطرف الآخر فواضح أيضا ، ولكن تاريخ حدوث الطرف الآخر معلوم لنا ، امّا تقدّمه على الطرف ، أو تأخّره عنه أو تقارنه معه فغير معلوم لنا لفرض كون الطرف مجهول التاريخ بشرط أن يكون الأثر مفروضا في الطرف الآخر أيضا فيتعارض الأصلان حينئذ وحكمه هو التساقط مثلا كما إذا علمنا بوقوع الملاقاة في يوم الأحد ولكن لا نعلم ان الكرية هل تحقّقت يوم السبت حتى لا تؤثر الملاقاة في نجاسة الماء ، أم تحقّقت بعد يوم الأحد حتّى يكون الماء متنجسا؟

قال المصنّف قدس‌سره فلا إشكال في استصحاب عدم وجود الخاص على نحو التقدّم ، أو على نحو التأخّر ، أو على نحو التقارن فيترتّب على هذا الاستصحاب ، أي على المستصحب انتفاء أثره ، إذ الوجود الخاص على أنحائه الثلاثة مسبوق بالعدم. وفي حال الشك ببقائه وزواله يستصحب العدم السابق بشرط أن لا يكون الوجود الخاص للآخر ذا أثر شرعي ، وذلك كما كان الولد كافرا. كما تقدّم تحقيقه في مجهولي التاريخ.

فقوله قدس‌سره : فلا إشكال في استصحاب عدمه لو لا المعارضة إشارة إلى حكم الصورة الاولى.

٤٣

بيان حكم الصورة الثانية والثالثة

قوله : وامّا يكون مترتّبا على ما إذا كان متّصفا بكذا فلا مورد للاستصحاب ...

وهي عبارة عمّا إذا كان الأثر مترتّبا على الحادث المتّصف بالتقدّم ، أو بضدية هذه صورة الثانية وعمّا إذا كان الأثر المهم مترتّبا على الحادث المتّصف بالعدم المحمولي في زمان حدوث الآخر ، أي يكون اتصاف الآخر بالتقدّم ، أو التقارن ، أو التأخّر بنحو مفاد ليس التامّة هذه صورة الثالثة ، فلا يجري فيها الاستصحاب ، أي استصحاب عدم التقدّم وعدم التأخّر وعدم التقارن لا في مجهول التاريخ ولا في معلومه ، إذ اتصاف الحادث بوصف عدم التقدّم ، أو عدم التأخّر ، أو عدم التقارن ليس بمتيقن والتقارن ينتزع من نفس الوجود الخارجي فهو امّا واجد لمنشا انتزاعها من الأوّل والأزل ، أو ليس بواجد له كذلك لا أنّه ليس بواجد له من الأزل ثم يشك في اتصافه بها ليجري استصحاب عدم الاتصاف كما في موارد استصحاب العدم الأزلي مثل اصالة عدم القرشية مثلا لم تكن مريم قرشية قبل خلقة أبو البشر وقبل خلقة مريم وبعد خلقة أبو البشر ومريم نشك في كونها قرشية وعدم كونها قرشية فنحكم باستمرار عدم القرشية بعد الخلقة بواسطة استصحاب عدم القرشية.

وبعبارة اخرى فليس لنا يقين بعدم الاتصاف بوصف التقدّم ، أو التأخّر ، أو التقارن في الأزل ، إذ نحتمل أن يكون الاتصاف ثابتا في الأزل حتى نحكم باستمراره في ظرف الشك بواسطة استصحاب العدم فليس اليقين سابقا بالاتصاف بالعدم من الحادثين معلوم التاريخ ومجهول التاريخ. فقوله وامّا يكون مترتّبا على ما إذا كان متصفا بكذا ، إشارة إلى الصورتين الثانية والثالثة.

٤٤

وحكم الصورة الثانية قد بيّنت ، وإمّا حكم الصورة الثالثة وهي عبارة عمّا إذا كان الأثر المهم مترتّبا على العدم الذي يكون بنحو مفاد ليس التامّة فيقال أنّه يجري استصحاب العدم في مجهول التاريخ فقط ، إذ يتصل زمان الشك بزمان اليقين فيه ولكن لا يجري هذا الاستصحاب في معلوم التاريخ أصلا ، إذ لا وجود للشك اللاحق فيه في زمان من الأزمنة.

والتفصيل أنّ الأثر المهم مترتّب على عدم أحد الحادثين بحيث يكون موضوع الأثر هو الحادث الذي يكون في ظرف حدوث الحادث الآخر مقيّدا بالعدم فاستصحاب العدم في مجهول التاريخ إلى زمان حدوث الحادث الآخر في الخارج يجري ويترتّب عليه أثره.

وامّا معلوم التاريخ فلا يجري استصحاب العدم فيه لعدم وجود الشك فيه عدمه مشخص وحدوثه مشخص أيضا فلا مورد لاستصحاب العدم فيه أصلا.

نعم إذا لوحظ وجود الحادث المعلوم التاريخ مع الحادث الآخر فليس اعتبار زمان حدوث المعلوم التاريخ من حيث التقدّم والتأخّر والتقارن بمعلوم لنا تفصيلا ، وان نعلم إجمالا بتقدّم أحدهما ، أو تأخّره. وقد سبق في بحث مجهولي التاريخ عدم صحّة جريان الاستصحاب إذا لم يحرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، مثلا علمنا بملاقاة اليد المتنجسة في ساعة السبع من يوم الأحد ولكن لا نعلم تفصيلا ان الكرية هل تحقّقت في يوم السبت حتى لا تؤثر الملاقاة في نجاسة الماء ، أم تحقّقت بعد يوم الأحد كي يكون الماء متنجسا وعليه فقد علم ان الملاقاة لم تكن في يوم السبت وهي كانت في يوم الأحد فلا يكون الشك فيه من حيث تقدّمها على الكرية وتأخّرها عنها فيجري استصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة فيحكم بكونه متنجسا من باب ترتيب الأثر على ذي الأثر ، هذا بيان حكم الصورة الثالثة.

٤٥

بيان حكم الصورة الرابعة

قوله : وانّما الشك فيه بإضافة زمانه إلى الآخر ...

الصورة الرابعة عبارة عمّا إذا كان الأثر المهم مترتّبا على عدم أحد الحادثين في زمان حدوث الآخر بنحو مفاد ليس الناقصة.

أي وانّما الشك في الحادث المعلوم التاريخ لا يتصوّر إلّا بإضافة زمانه إلى الحادث الآخر الذي جهل تاريخه حيث انّه لم يعلم ان الإسلام الحادث في يوم الجمعة هل تحقّق قبل قسمة التركة ، أو تحقّق بعدها مثلا مات زيد الموروث يوم الأربعاء وله ولدان أحدهما كافر حين موت الوالد ولكن أسلم الكافر يوم الجمعة ، ولكن لا يعلم ان الاسلام هل تحقّق قبل القسمة فيرث أباه ، أو بعدها فلا يرثه.

وبالجملة ؛ فلم يذكر المصنّف قدس‌سره الصورة الرابعة صريحا بل انّما ذكرها بعنوان عام وهذا عبارة عن العدم المضاف إلى حادث آخر وهذا شامل للصورة الرابعة أيضا كما يشمل للصورة الثالثة لأنّ كلمة العدم وقعت مضافا إليه للفظ الاستصحاب عام شامل للعدم النعتي وهو مفاد ليس الناقصة وللعدم المحمولي وهو مفاد ليس التامة فالاولى ثابتة في الرابعة ، والثانية في الثالثة فإذا لوحظ هذا العدم محموليا بأن يكون عدمه بنحو خاص من التقدّم على الحادث الآخر ، أو من تأخّره عنه ، أو مقارنته معه موضوعا للحكم الشرعي جرى الاستصحاب في الحادثين لكن يسقط بالتعارض.

وإن لوحظ هذا العدم نعتيا بأن يكون عدم أحد الحادثين متّصفا بوصف التقدّم أو ضديه فلا يجري فيهما الاستصحاب ، أي استصحاب عدم التقدّم) واستصحاب عدم التأخّر ، واستصحاب عدم التقارن ، لعدم اليقين السابق بهذا الاتصاف.

٤٦

قوله : وقد عرفت جريانه فيهما تارة وعدم جريانه كذلك اخرى ...

أشار المصنّف قدس‌سره بهذا الكلام إلى أحكام صور الحادثين المعلوم تاريخ أحدهما دون الآخر.

وهي عبارة عن جريان الاستصحاب في الحادثين المعلوم تاريخ أحدهما فيما إذا كان الأثر مترتّبا على وجود كل من الحادثين محموليا ، والوجود المحمولي عبارة عن مفاد كان التامّة بنحو خاص من التقدّم ، أو التأخّر ، أو التقارن ، فالاستصحاب ، أي استصحاب عدم التقدّم ، أو استصحاب عدم التأخّر ، أو استصحاب عدم التقارن يجري فيهما لكنّه يسقط بالتعارض (وعن عدم جريانه فيهما فيما إذا كان الأثر مترتّبا على وجودهما نعتيا ، أو على عدمهما نعتيا والوجود النعتي عبارة عن مفاد كان الناقصة. والعدم النعتي عبارة عن مفاد ليس الناقصة وقد سبق تحقيق هذا في بحث مجهولي التاريخ ، فانّ عدم الجريان حينئذ انّما يكون لأجل عدم اليقين السابق بهذا الاتصاف ، وعليه فأوّل ركني الاستصحاب ، وهو اليقين السابق فيهما مفقود ، كما لا يخفى.

قوله : فانقدح أنّه لا فرق بينهما كان الحادثان مجهولي التاريخ ...

فذلكة البحث عن الحادثين من أوّله إلى آخره أنّه لا فرق بين الحادثين سواء كانا مجهولي التاريخ ، أم مختلفين بأن كان أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهوله إذا اعتبر في موضوع الاستصحاب خصوصية من عنوان التقدّم ، أو عنوان التأخّر ، أو عنوان التقارن.

وهذه الخصوصية ناشئة من إضافة أحد الحادثين إلى الحادث الآخر بحسب الزمان وشك في هذه الخصوصية ، إذ عناوين الثلاثة المذكورة تتصوّر ذهنا وتتحقّق خارجا بين الشيئين لا في الشيء الواحد كما لا يخفى.

والتفصيل ، وهو أنّه إذا كانت تلك الخصوصية الملحوظة في الموضوع بنحو

٤٧

الاتصاف على نحو النعتية وبنحو مفاد كان الناقصة لا يجري في هذه الخصوصية الاستصحاب وإن لم تكن بنحو الاتصاف على نحو النعتية جرى الاستصحاب ، وبعد اللتيا والتي.

ففرض المصنّف قدس‌سره من هذه العبارة بيان اختلاف وجه عدم جريان الاستصحاب في الحادثين معا ، أو في أحدهما من مجهولي التاريخ ومجهول التاريخ ومعلومه يكون أحد أمور ثلاثة :

أوّلها : اختلال أوّل ركني الاستصحاب أعني منه اليقين السابق فيما إذا كان الأثر مترتّبا على اتصاف الحادث بالعدم في زمان حدوث الحادث الآخر كما في الرابعة.

وثانيها : اختلال شرط الاستصحاب وهو عبارة عن احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، أي هذا الاتصال لم يحرز لنا فيما إذا رتّب الأثر المهم على وجود أحد الحادثين محموليا في زمان حدوث الآخر ، كما في الصورة الثانية والثالثة.

وثالثها : وجود المانع من جريانه وهو عبارة عن التعارض وهو فيما إذا لوحظ عدم أحد الحادثين محموليا بأن يكون عدمه بنحو خاص من التقدّم ، أو التأخّر ، أو التقارن موضوعا للحكم الشرعي ، إذ جرى الاستصحاب فيهما لتمامية أركانه في كل واحد منهما. وهي عبارة عن اليقين السابق والشك اللاحق هذا أوّلا.

وثانيا : يكون غرضه منهما تعريضا بالشيخ الأنصاري قدس‌سره لأنّه اقتصر في فوائده في الحادثين اللذين يكون تاريخ أحدهما مجهولا والآخر معلوما وقال بجريان الأصل والاستصحاب في مجهول التاريخ دون المعلوم تاريخا مع أنّك قد عرفت سابقا التفصيل بين ترتّب الأثر المهم على وجود خاص من التقدّم ومن ضديه محموليا ، وبين ترتّب الأثر المهم على الوجود الخاص من التقدّم والتأخّر والتقارن نعتيا بجريان الاستصحاب ، أي استصحاب عدم التقدّم واستصحاب عدم

٤٨

التأخّر واستصحاب عدم التقارن في الأوّل دون الثاني سواء كان الحادثين مجهولي التاريخ ، أم أحدهما مجهول التاريخ والآخر معلوم التاريخ.

تعاقب الحالتين

قوله : كما انقدح أنّه لا مورد للاستصحاب أيضا ...

هذا شروع في حكم تعاقب الحادثين المتضادّين كالطهارة والنجاسة من حيث جواز استصحابهما إلى ما بعد زمان حدوثهما وقد وقع النزاع بين المحقّقين قدس‌سرهم في جواز الاستصحاب في كل واحد منهما مع قطع النظر عن معارضته بالاستصحاب في الطرف الآخر وعدم جوازه. ولكن المشهور بينهم هو الأوّل. وذهب جمع إلى الثاني ومنهم المصنّف المحقّق الخراساني قدس‌سره لوجوه خمسة :

الأوّل : ما أشار إليه المصنّف قدس‌سره في المتن من عدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين لاحتمال انفصال زمان الشك عن زمان اليقين بواسطة زمان اليقين بحدوث الحالة الاخرى مثلا إذا طهر الثوب في ساعة السبع من يوم الجمعة مثلا وتنجّس في ساعة اخرى منه ولكن شك في المتقدّم والمتأخّر ، وعليه إذا أريد استصحاب الطهارة ، أي طهارة الثوب في الساعة الثالثة ، لم يحرز لنا اتصال الساعة الثالثة التي هي زمان الشك في المتقدّم منهما والمتأخّر بزمان اليقين بالطهارة لاحتمال انفصاله عنه بزمان اليقين بالنجاسة بأن تكون الطهارة في الساعة الاولى. والنجاسة في الساعة الثانية ، ومع هذا الاحتمال والشك لا مجال للتمسّك بدليل الاستصحاب لعدم احراز كونه من نقض اليقين بالشك وقد سبق هذا المطلوب مكررا.

فالنتيجة ليس الشرط والمقتضى بموجودين.

الثاني : ما ذكره بعض المحقّقين من أنّ منصرف دليل الاستصحاب كون

٤٩

الشك الذي لا يجوز نقض اليقين به شكّا في البقاء والارتفاع ، ولكن ليس هنا كذلك إذ الشك في المثال المذكور في بقاء الطهارة في الساعة الثالثة وارتفاعها في الساعة الثانية ، لأنّ الطهارة إن كانت واقعة في الساعة الثانية فهي باقية في الثالثة ، وإن كانت واقعة في الساعة الاولى فهي مرتفعة في الثانية لا في الثالثة فالساعة الثالثة ليست زمان الشك في الارتفاع بل يعلم بعدم الارتفاع فيها ، إذ الارتفاع للطهارة محتمل في الساعة الثانية لا غير.

الثالث : ما ذكره بعض المذكور أيضا من أنّ المنصرف من دليل الاستصحاب اتصال زمان الشك بزمان اليقين بحيث إذا انتقلنا من زمان الشك المتأخّر إلى ما قبله من الأزمنة على نحو القهقرى لعثرنا على زمان اليقين بالمستصحب ، ولكن ليس هنا كذلك لأنّ ما قبل الساعة الثالثة التي هي زمان الشك هو الساعة الثانية وهي ليست زمان اليقين بالطهارة ، أو النجاسة في المثال المتقدّم ، وما قبل الساعة الثانية وهو الساعة الاولى أيضا ليست بزمان اليقين بالطهارة ولا اليقين بالنجاسة لاحتمال كل منهما وقوعه فيها وفيما بعدها ، وحيث انّه ليس لنا زمان تفصيلي نتيقن فيه الطهارة أو النجاسة امتنع جريان الاستصحاب في كل منهما لانصراف الدليل عنه كما لا يخفى.

الرابع : ما ذكره أيضا بعض المتقدّمين من أن قوام الاستصحاب الشك في امتداد المستصحب. وليس هنا كذلك فان الحدث المجهول التاريخ في المقام إن كان سابقا على الزوال فهو مرتفع وليس له امتداد وإن كان لا حقا للزوال فهو باق وممتد فلا شك حينئذ في الامتداد بل انّما الشك في التقدّم والتأخّر لا غير.

الخامس : ما يختلج في الذهن من انّ البقاء تابع للحدوث من حيث التفصيل والاجمال والشك في البقاء تابع للعلم بالحدوث فإن كان الحدوث المعلوم بلحاظ الأزمنة التفصيلية ، أي كان الحدوث معلوما تفصيلا فالبقاء لا بد أن يكون كذلك يكون معلوما تفصيلا.

٥٠

وإن كان الحدوث بلحاظ الأزمنة الاجمالية ، أي يكون معلوما إجمالا فالبقاء لا بد أن يكون معلوما إجمالا.

وعليه فلا يصح اعتبار البقاء مع مخالفته للحدوث في الزمان بأن يكون الحدوث المعلوم بلحاظ الزمان التفصيلي ، أي يكون معلوما تفصيلا ؛ والبقاء بلحاظ الزمان الاجمالي ، أي يكون معلوما بالاجمال وكذا العكس ، إذ البقاء منتزع من وجود الحادث في الزمان المتصل بزمان حدوثه ، فإذا كان زمان حدوثه مردّدا بين آنين فالزمان الثاني المتصل به لا بدّ أن يكون أيضا مردّدا بين آنين وإلّا لم يكن متّصلا به. وكذا الحكم إذا كان زمان الحدوث معلوما تفصيلا فانّ البقاء لا بد أن يكون في الزمان المتصل به المعلوم تفصيلا ، وإذا كان الزمان الذي يقصد ابقاء الحادث فيه مردّدا بين آنين لم يكن متصلا به.

وعليه فإذا تردّد زمان الحدوث بين زمانين كيوم السبت ، أو كيوم الأحد ، وكان الأثر الشرعي مترتّبا على البقاء في الجملة بمعنى الثبوت في الزمان الثاني المتصل بزمان الحدوث صحّ استصحاب الحادث واثباته في الزمان الاجمالي ليترتّب عليه أثر بقائه كذلك ، امّا إذا كان الأثر مترتّبا على وجود الحادث في الزمان التفصيلي فامتنع استصحابه كي يترتّب عليه الأثر المذكور ، لأنّ ثبوته في الزمان التفصيلي يكون بمعنى بقائه مردّدا بين الزمانين ليمكن اثباته بالاستصحاب لاختصاص الاستصحاب باثبات البقاء لا غير. وهذا الوجه أمتن الوجوه ، وإن لم أعرف أحدا ذكره في هذا المقام.

ولا بد في هذا المقام من بيان الأمرين :

الأوّل : بيان الفرق بين حدوث الحادثين وبين تعاقب الحالتين.

الثاني : بيان الأقوال فيه ، امّا الأوّل : فهو من أمور الأوّل أنّه لا يمكن التقارن في الحالتين لجهة تضادهما بخلاف الحادثين كالملاقاة والكرية مثلا ، إذ يمكن

٥١

حدوثهما معا في زمان واحد وآن فارد.

الثاني : ان الحادثين لا تعرضان لمحل واحد كموت المتوارثين ، وذلك كموت الوالد وكموت الولد مثلا أمّا بخلاف الحالتين فانّهما تعرضان لمحل واحد كما في مثل الطهارة والحدث.

الثالث : ان الكلام في الحادثين وقع في استصحاب عدم أحدهما إلى زمان حدوث الآخر كاستصحاب عدم موت الوالد حين موت الولد ، أو كاستصحاب عدم موت الولد المسلم إلى زمان موت الوالد وفي الحالتين وقع استصحاب وجود إحداهما ، أو عدمهما إلى زمان خاص فالاستصحاب في الحادثين عدمي ، وفي الحالتين المتعاقبتين ، تارة وجودي ، واخرى عدمي.

وأمّا الثاني : فالأقوال في مسألة الحالتين المتعاقبتين أربعة :

الأول : هو التفصيل بين ما إذا كانتا مجهولتي التاريخ فيجري الاستصحاب في كليهما ، ولكن يتعارضان ثم يتساقطان ، وبين ما إذا كان أحدهما معلوم التاريخ فيجري فيه دون مجهول التاريخ على عكس ما سبق في الحادثين من جريانه في مجهول التاريخ دون معلوم التاريخ. وقد سبق هذا.

الثاني : هو مختار المصنّف قدس‌سره عبارة عن عدم جريانه مطلقا لا في مجهولي التاريخ ولا في المختلفين وأدلّته قد مرّت آنفا.

الثالث : هو مختار المحقّق النائيني قدس‌سره وهو عبارة عن جريان الاستصحاب في كلتا الصورتين ، أي سواء كانتا مجهولتي التاريخ ، أم كانتا مختلفتين ، أي كانت إحداهما معلومة التاريخ والاخرى مجهولة التاريخ.

واحتج الشيخ الأنصاري قدس‌سره على مدّعاه بانهما إذا كانتا مجهولتي التاريخ فيجري فيهما الاستصحاب من جهة تمامية أركان الاستصحاب في كلتيهما ولكن يتعارضان ويتساقطان مثلا كان زيد متيقّنا بالوضوء والحدث وشك في المتقدّم

٥٢

منهما والمتأخّر منهما وهذا سبب للشك في بقاء الوضوء وزواله ، وفي بقاء الحدث وزواله ، وكذا الأركان تامة في خصوص معلوم التاريخ دون مجهول التاريخ.

وذلك لأنّ أمر تعاقب الحالتين دائر بين ما هو معلوم الارتفاع وبين ما هو مشكوك الحدوث ، مثلا إذا علم زيد بأنّه توضأ عند الزوال وعلم أيضا بحدوث الحدث ، ولكن لا يعلم أن الحدث تحقّق قبل الزوال ، أو تحقّق بعد الزوال ، فلا يجري حينئذ استصحاب بقاء الحدث لأنّ هذا الحدث بالنسبة بما قبل الزوال معلوم الارتفاع ، إذ تحقّقت الطهارة عند الزوال على الفرض فلا شك فيه ، وامّا هو بالإضافة بما بعد الزوال فهو مشكوك التحقق ، فلا يقين حينئذ.

وعلى هذا الأساس لا يجري الاستصحاب في الحدث الذي جهل تاريخه ويجري في الوضوء الذي علم تاريخه ، فزيد محكوم بكونه متطهّرا في هذا الفرض ، هذا أوّلا.

وثانيا : لاحتمال انفصال زمان اليقين عن زمان الشك لأنّ الحدث إن وقع قبل الزوال فقد حصل الانفصال في عمود الزمان بين زمان المتيقن. وبين زمان المشكوك بتخلّل الوضوء عند الزوال ودخل في قوله عليه‌السلام : أنقضه بيقين آخر. وخرج عن قوله عليه‌السلام : لا تنقض اليقين بالشك ، فلا يكون الاتصال محرزا في عمود الزمان مع ان الاستصحاب عبارة عن استمرار عمر المستصحب (بالفتح) في عمود الزمان ، كما لا يخفى هذا على المتأمّل الصادق.

وأمّا أدلّة القول الثاني فقد مرّت آنفا وهو مختار المصنّف قدس‌سره ومن تبعه.

وأمّا دليل القول الثالث في المقام فهو بالنسبة إلى مجهولتي التاريخ ، قد مضى في ضمن قول الأوّل فلا حاجة إلى الإعادة ، وامّا بالنسبة إلى المجهول تاريخه ، وذلك كالحدث في المثال فهو يجري ، إذ دوران أمر الحدث بين كونه مقطوع الارتفاع بسبب الوضوء ، أو مشكوك الحدوث بعد الوضوء انّما يضرّ باستصحاب فرد من

٥٣

الحدث دون الكلّي منه.

وعليه ؛ فلا مانع عن جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ أيضا كما يجري في معلوم التاريخ وهو الطهارة في المثال ، وهذا القول مختار المحقّق النائيني قدس‌سره.

وأمّا القول الرابع ، وهو عبارة عن الأخذ بضد الحالة السابقة مثلا كان زيد محدثا في الساعة العاشرة من النهار قطعا وبعد الزوال شك في بقاء الحدث وارتفاعه ، فهو متطهّر وإذا كان متطهّرا في الساعة المذكورة من النهار وبعد ساعة شك في بقاء الطهارة لاحتمال حدوث الحدث قبل التوضؤ وفي زوالها لاحتمال حدوث الحدث بعدها ، فهو محدث.

فالوجه فيه هو القطع بارتفاع الحالة السابقة بسبب وجود ما هو ضدّها يقينا ولكن كان الشك في ارتفاع الضد لاحتمال وجوده بعد وجود الحادث الآخر الموافق للحالة السابقة ، فيكون الضد مجرى للاستصحاب لتمامية أركانه فيه.

قوله : وأنّه ليس من تعارض الاستصحابين ...

من جهة اختلال أركان الاستصحاب من أصلها لعدم احراز اتصال زمان اليقين بزمان الشك من جهة تخلّل الحالة الاخرى المعلومة إجمالا من حيث التقدّم والتأخّر بينهما مثلا كان زيد محدثا قبل الزوال ومتطهّرا قبله وكان الشك في المتقدّم منهما والمتأخّر منهما فكان زمان اليقين بالحدث والطهارة ساعة العشرة من النهار مثلا وامّا زمان الشك في بقائه وارتفاعه فيحتمل أن لا يتصل بزمان يقينه لاحتمال تخلّل الطهارة ، إذ بعد الزوال تيقّن بالحدث والطهارة والشك في المتقدّم حدوثا والمتأخّر وقوعا ، ويحتمل أن تكون الطهارة الثانية متخلّلة بين زمان الحدث المتيقّن من حيث التقدّم على الطهارة في الساعة العاشرة وبين الحدث المشكوك من حيث التقدّم على الطهارة ومن حيث التأخّر عنه. فافهم وتأمّل في المقام فانّه دقيق بل

٥٤

طويل عريض كما لا يخفى.

امّا وجه الدقّة فلأنّ الحكم بكونه محدثا بعد عدم جريان استصحاب بقاء الحدث وبقاء الطهارة ، وبعد الحكم بوجوب تحصيل الطهارة انّما هو فيما إذا لم يستفد الشاك من اتحاد الطهارة والحدث عددا ومن العلم بتعاقب أحدهما للآخر حكما آخر ، امّا إذا استفاد ذلك فلا يحكم بكونه محدثا.

بيان ذلك : أنّ المكلّف إذا تيقّن بصدور طهارة وحدث. وعلم تساويهما في العدد بأن كانت الطهارة واحدة والحدث واحدا ، أو كانت اثنتين والحدث اثنين ، أو كانت ثلاثة والحدث ثلاثا فاستفاد المكلّف من اتحادهما عددا ومن العلم بتعاقب أحدهما للآخر كونه متطهّرا للعلم بتعاقب الطهارة الحدث ، إذ يعلم ان طهارته الثانية ليست تجديدية فيستفاد من القرينة الخارجية كونه متطهّرا.

توضيح : وهو ان المكلّف لا يخلو من ثلاثة حالات :

الاولى : أن يكون متيقّنا في الطهارة وشاكّا في الحدث ، فهو متطهّر أخذا بالمتيقّن السابق عاملا باستصحاب الطهارة فالأخذ بالمتيقن السابق بمعنى استصحاب الطهارة واستمرارها في عمود الزمان.

الثانية : أن يكون متيقّنا بالحدث وشاكّا في الطهارة عكس الاولى فهو محدث لأصالة عدم الطهارة واستصحاب عدمها.

الثالث : أن يكون متيقّنا في الحدث والطهارة وشاكّا في المتقدّم والمتأخّر منهما ، وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأوّل : هو كونه محدثا لا لأجل استصحاب الحدث بل لأجل تساوي احتمال الوضوء والحدث ، أي يحتمل أن يكون الوضوء بعد الحدث ، ويحتمل أن يكون الحدث بعد الوضوء ، فهذان الاحتمالان يتساقطان فلا يحكم بكون هذا

٥٥

المكلف متطهّرا فلا بدّ له حينئذ من تحصيل الوضوء للدخول في الصلاة والطواف عقلا ونقلا ، امّا عقلا فواضح لأنّه يخرج عن عهدة التكليف الفعلي إذا دخل فيه مع الوضوء والعقل يحكم بالفراغ اليقيني بعد اشتغال اليقيني ، وامّا نقلا فواضح أيضا لأنّ المولى قال : صلّ مع الطهارة فالطهارة جعلت شرطا للصلاة. ومن الواضح ان المشروط لا يصح بلا شرطه ، والتفصيل التام في الفقه الشريف ، وهذا القول مشهور عند الفقهاء (رض).

والقولان الآخران قد سبقا مع دليلهما ، والحمد لله كما هو أهله.

٥٦

استصحاب الامور الاعتقادية

قوله : الثاني عشر أنّه قد عرفت أنّ مورد الاستصحاب لا بدّ أن يكون ...

قد علم ممّا سبق من بحث التنبيه العاشر وغيره من بحوث التنبيهات أن المستصحب لا بدّ أن يكون حكما شرعيا ، أو موضوعا ذا حكم شرعي ، إذ يمتنع تعبد الشارع (المقدّس) بما ليس حكما شرعيا ، أو موضوعا لحكم شرعي ، لأنّ ما لا يكون كذلك خارج عن حيطة تصرّفه بما هو شارع.

وعلى هذا الأساس ، فلا مجال لتعبّده به ، فالتعبّد الشرعي انّما يصحّ بشرطين :

أحدهما : أن يكون المستصحب بالفتح كذلك.

ثانيهما : أن يكون الحكم الشرعي الملحوظ في مقام التعبّد ممّا يترتّب عليه أثر عملي ، فلو لم يكن كذلك ـ كما إذا كان الموضوع ، أو الحكم خارجا عن محل ابتلاء المكلّف امتنع التعبّد به للغويته ، وامّا مع اجتماع الشرطين المذكورين يجري الاستصحاب سواء كان الحكم المستصحب من الأحكام الأصلية ، وذلك كمعرفة المبدأ الأعلى والنبوّة والمعاد ، أم الفرعية العملية كمعرفة الواجب والحرام وغيرهما من الأحكام الفرعية ، أم الاعتقادية الالزامية ، كالاعتقاد بتوحيد المبدأ مثلا ، أم اللاإلزامية كعدم الاعتقاد باثنينية المبدأ وعدم قدرته تعالى ، وسواء كان الموضوع المستصحب من الموضوعات العرفية كالبيع والاجارة ونحوهما ، أم الشرعية كالصلاة والصوم والحج ونحوها ، أم اللغوية كالصعيد في آية التيمّم مثلا ، أم الموضوعات الصرفة الخارجية إذا كانت اللغوية والموضوعات الصرفة ذات أحكام شرعية ، وامّا مثال اللغوية فقد مضى آنفا ، وامّا مثال الموضوع الخارجي فكخمرية المائع الخارجي وكالماء والتمر مثلا.

٥٧

قوله : الصرفة ...

أي التي ليس فيها شائبة الشرعية كالسماء والأرض والبحر والبر ولا مثل الطهارة والنجاسة ونحوهما من الوضعيات التي تكون موضوعات للأحكام ، ولكن تخصيص هذا القسم بالذكر لأجل كونه مظنة الإشكال والتوهّم.

قوله : وامّا الامور الاعتقادية التي كان المهم فيها شرعا هو الانقياد ...

ولا ريب أن الامور الاعتقادية نوعان :

الأوّل : ما كان الواجب فيه الاعتقاد فقط.

والثاني : ما كان الواجب فيه المعرفة واليقين.

امّا الأوّل ؛ فيجري فيه الاستصحاب موضوعا وحكما إذا اجتمعت فيه أركان الاستصحاب من اليقين بالوجود والشك في البقاء.

وعليه ، إذا شك في بقاء شيء يجب الاعتقاد به على تقدير بقائه استصحب بقائه ويترتّب عليه وجوب الاعتقاد به. وإذا شك في وجوب الاعتقاد بشيء مع العلم بوجوب الاعتقاد به سابقا استصحب ويترتّب عليه وجوب الاعتقاد به عقلا ، إذ لا فرق في الأثر الشرعي بين وجوب الاعتقاد وبين وجوب غيره كما لا فرق في العمل بين عمل الجوارح وعمل الجوانح ويدل على صحّة جريان الاستصحاب في الامور الاعتقادية الأمران الأوّل صحّة تنزيل المشكوك منزلة المتيقن يصح فيها ، الثاني ان عموم أدلّة الاستصحاب يشملها.

تكميل ؛ وهو ان الاستصحاب يكون حجّة من باب التعبّد الشرعي وليست حجّيته منوطا بإفادته الظن والتعبّد الشرعي به يتمّ مع وجود الشرطين :

الأوّل : أن يكون المستصحب حكما شرعيا ، أو موضوعا لحكم شرعي.

الثاني : أن يكون الحكم الشرعي ذا أثر عملي.

فالنتيجة أن كل موضوع ذي حكم شرعي سواء كان موضوعا خارجيا

٥٨

كالماء ، إذ قد يكون موضوعا للكثير كالكر مثلا ، وقد يكون موضوعا للقليل كما يكون دون الكر ولا يخفى أن كل واحد من الكرية والقلّة من الأحكام الوضعية ، أم موضوعا لغويا كلفظ الصعيد حكمه الشرعي وجوب التيمّم به عند فقدان الماء ، وكذا الامور الاعتقادية ، وقد سبق تحقيقها.

نعم ؛ صحّة ما ذكر من جريان الاستصحاب في الامور الاعتقادية تتوقف على مقدّمتين :

إحداهما : ان الاعتقاد غير اليقين ، إذ لو كان عينه لكان هذا القسم هو القسم الثاني الذي سيأتي حكمه إن شاء الله تعالى.

ثانيتهما : ان الاعتقاد بناء على مغايرته لليقين ليس من لوازم اليقين خارجا بل يمكن أن يتحقّق الاعتقاد مع الشك ، أو مع اليقين بالخلاف ، إذ لو كان من لوازمه خارجا لامتنع التعبّد بوجوب الاعتقاد في ظرف الشك بمتعلّق الاعتقاد لاستحالة وجوده وتحقّقه مع الشك ، إذ اليقين والشك متضادّان.

قوله : وكونه أصلا عمليا انّما هو بمعنى وظيفة الشاك تعبّدا ...

فإن قيل : إن الاستصحاب أصل عملي فيجب اجرائه في الفروع العملية ، ولذا قيل ان الاستصحاب عرش الاصول العملية وفرش الامارات المعتبرة ، ولا معنى لا جرائه في الامور الاعتقادية لأنّ الاعتقادية تقابل العملية.

قلنا : في دفعه ان معنى كونه أصلا عمليا أنّه وظيفة للشاك تعبّدا في ظرف شكّه وتحيره في قبال الامارات الحاكية عن الواقع الرافعة للشك ولو تعبّدا لا أنّه يختص بالفروع العملية ، كالأحكام التكليفية والوضعية التي يكون المطلوب فيها عمل الجوارح بل هو ممّا يعمّ الامور الاعتقادية التي يكون المطلوب فيها عمل الجوانح أيضا إذا تمّ فيها أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق فلا يكون المراد من العمل ما يقابل الاعتقاد.

٥٩

تتمّة بحث الامور الاعتقادية التي يجب فيها الاعتقاد فقط دون اليقين ، بأن نعتقد بما اعتقد به أئمّتنا عليهم‌السلام وأخبروا به كمسألة النكيرين في القبر وضغطته ووحشته وكونه روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النيران وكتفاصيل عالم البرزخ وكوائفه و ... وقد سبق انّه يجري فيها الاستصحاب الحكمي واستصحاب الموضوعي ، امّا الأول فكما إذا شك زيد في بقاء مسألة القبر في بعض بقاع الأرض لشرافة المدفون فيه كالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثلا كالمدينة المنوّرة مثلا فيجري الاستصحاب أي استصحاب بقاء المسألة في القبر ويترتّب عليه أثره وهو وجوب الاعتقاد به ، وكذا إذا شك في بقاء الضغطة والوحشة ، إذ لا فرق في الأثر الشرعي بين تعلّقه بعمل الجوارحي وبين تعلّقه بعمل الجوانحي بعد شمول دليل الاستصحاب لهما معا.

فالامور الاعتقادية على نوعين :

الأول : ما يجب فيه الاعتقاد والتسليم وعقد القلب كما في الامور المذكورة.

الثاني : ما يجب اليقين بها مضافا إلى الاعتقاد وذلك كوجود الصانع وكتوحيده وكالنبوة والمعاد الجسماني.

قوله : وامّا الامور التي كان المهم فيها شرعا وعقلا هو القطع بها ومعرفتها ...

ولا يخفى أنّه إذا كان موضوع وجوب الاعتقاد والتسليم أمور اعتقادية بحيث يجب اليقين بها ومعرفتها مضافا إلى الاعتقاد الجنائي والتسليم القلبي كوجود الصانع الحكيم (جلّ وعلى) وكتوحيده ووحدته (جلّت عظمته) وكالنبوّة والمعاد ، فالموضوع في هذه الامور معرفتها واليقين بها فلا يجري الاستصحاب الموضوعي فيها في ظرف الشك في بقاء المعرفة واليقين ، إذ موضوع وجوب الاعتقاد هو اليقين بها وهو لا يثبت بالاستصحاب ، وهذا ظاهر لا غبار عليه إلّا بناء على أمرين :

أحدهما : أنّه إذا قلنا بكفاية المعرفة الظنّية في الامور الاعتقادية التي يكون

٦٠