البداية في توضيح الكفاية - ج ٥

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٥

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات هماى دانش
الطبعة: ١
ISBN: 964-8035-01-6
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٣٥٢

وكون حياة الولد موضوعا للارث انّما تكون حال وفاة الوالد ، وزمان موت الوالد زمان الشك في حياة الولد فحياة الوالد في زمان اليقين بها لم تكن ذات أثر شرعي وصارت في زمان الشك فيها ذات أثر شرعي.

وكذا عدم التذكية في حال اليقين به وهو حال حياة الحيوان المأكول اللحم لا حكم له ولا أثر له إلّا بعد زهوق روح الحيوان ، إذ نشك حينئذ في تذكيته وعدم تذكيته فالأصل عدم التذكية لأنّ الحيوان حال الحياة وقبل زهوق الروح غير مذكى قطعا وبعد زهوق روحه نشك في تذكيته وعدم تذكيته فنستصحب عدم التذكية لتمامية أركان الاستصحاب في هذا المورد وهي اليقين السابق والشك اللاحق.

وكذا الكلام في الاعدام الأزلية كعدم القرشية بالنسبة إلى المرأة المعينة ، وعدم الكرية و ... أو كان للموضوع حكم ولكن لم يكن حكمه فعليا وله حكم فعلي بقاء ، وذلك كطهارة الثوب والبدن قبل وقت الصلاة وقبل حلول زمان الطواف فانّ فعلية شرطية الطهارة المذكورة انّما تكون بعد وقتها وهذه البعدية تكون زمان الشك في بقائها لأنّ الطهارة المذكورة متحقّقة قبل دخول وقت الصلاة يقينا وبعد دخول الوقت نشك في بقائها فنحكم ببقائها بواسطة الاستصحاب لأنّ المعيار في صحّة جريان الاستصحاب على ما يستفاد من أخبار الباب وهي عمدة الأدلة في اعتبار الاستصحاب من صدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عن الحالة السابقة فالمتحصل ممّا ذكرنا ان المعتبر في جريان الاستصحاب أن يكون المستصحب في ظرف البقاء أثرا شرعيا ، أو ذا أثر شرعي.

قوله : والعمل كما إذا قطع بارتفاعه يقينا ...

أي لصدق نقض اليقين بالشك على العمل بنحو كان المكلّف قاطعا بارتفاع اليقين فلا يعمل حينئذ على طبق الحالة السابقة ، أي حين القطع بارتفاع اليقين. فلو

٢١

لم يعمل على طبق الحالة السابقة في المقام حال الشك لصدق نقض اليقين بالشك.

وعليه فلا محيص عن العمل على طبق الحالة السابقة لوضوح عدم دخل أثر الحالة السابقة ثبوتا وفي حال اليقين في صدق النقض المذكور وفي تنزيل الحالة السابقة بقاء منزلتها ثبوتا فلا بد من العمل على طبق الحالة السابقة بقاء ، وفي حال الشك لئلّا يلزم صدق النقض المذكور.

مثلا كان المال لزيد ولكن ألقى في البحر ثم أخرج عنه وقبل كونه في اليم كان ملك زيد ثابتا على هذا المال وبعد كونه فيه حصل لنا الشك في بقاء الملكية وارتفاعها فنجري الاستصحاب ونثبت به بقاء الملكية فانقدح لك عدم كون المال ذا أثر شرعي في زمان كونه في اليم ولكنّه ذو أثر شرعي من وجوب ردّه إليه وحرمة التصرّف فيه بغير اذنه في حال الشك وزمان الاستصحاب ، وهذا يكفي في صحّة جريان الاستصحاب.

وعلى ضوء هذا فتوهّم عدم صحّة جريان الاستصحاب من جهة عدم كون المستصحب ذا أثر شرعي في حال اليقين وفي حال الثبوت فاسد قطعا ، إذ يكفي في صحّة الجريان كونه ذا أثر شرعي حال الشك وهو حال التعبّد والاستصحاب.

قوله : فتدبّر جيّدا ...

وهو إشارة إلى أنّه يمكن التنافي بين قول المصنّف قدس‌سره في هذا المقام وهو عبارة عن كون المستصحب حكما شرعيا تكليفيا كان ، أم وضعيا ، أو ذا حكم بقاء لا ثبوتا. وبين قوله في التنبيه السابع وهو عبارة عن جعل حكم المماثل للمستصحب لأنّه إذا لم يكن للحدوث حكم للمستصحب فلا معنى لجعل مماثل له بقاء ، كما لا يخفى.

٢٢

الشك في التقدّم والتأخّر

قوله : الحادي عشر : لا إشكال في الاستصحاب فيما كان الشك في أصل تحقّق حكم ...

لا خلاف في جريان الاستصحاب إذا شك في أصل حدوث الحادث سواء كان حكما شرعيا ، أم موضوعا ذا حكم كما إذا شككنا في تبديل الماء القليل كرّا ، أو لا هذا مثال الشك في حدوث الموضوع.

أو إذا شككنا في ارتفاع الوجوب أولا هذا مثال الشك في حدوث الحكم فلا إشكال في جريان استصحاب بقاء قلّة الماء حال الشك وفي جريانه بالإضافة إلى بقاء نفقة الزوجة في ذمّة الزوج لأنّ الماء كان قليلا قبل ساعتين يقينا وبعدهما نشك في صيرورته كرّا فنستصحب بقاء قلّته في حال الشك ولأن نفقة الزوجة كان واجبا قبل سنتين مثلا يقينا لكونها مطيعة لزوجها وبعدهما نشك في بقاء وجوب النفقة فنجري الاستصحاب ونقول ببقاء وجوب النفقة.

وأمّا إذا شك في تقدّم كل واحد من الحكم والموضوع وتأخّر كل واحد منهما بعد القطع بتحقّقه وحدوثه في زمان من الأزمنة.

وبعبارة أخرى : وهي إذا علم خلاف الحالة السابقة ولكن كان الشك في تقدّم حدوث الحادث وتأخّره مثلا قد علم تبديل ماء القليل بكرّ وبماء كثير وارتفاع وجوب النفقة ولكن ليس تاريخ الحدوث بمعلوم لنا هل هو سابق ، أو هو قبل يومين فلو كان التبديل والارتفاع سابقين فلا بد من أن يكون لهذا التبديل أثر ، وهو عبارة عن عدم تنجّسه ، أي عدم تنجّس هذا الماء بملاقاة النجس لأنّه صار كرّا ؛ وكل كر عاصم ؛ فهذا عاصم ؛ وكذا إذا أزال وجوب النفقة في السابق بواسطة النشوز مثلا فلا شيء في ذمّة الزوج ، وامّا إذا كان التبديل قبل يومين فهذا الماء صار متنجسا

٢٣

بملاقاة النجس وكذا إذا ارتفع وجوب النفقة قبل يومين فالنفقة ثابتة في ذمّة الزوج ، أي نفقة شهر السابق.

ففي هذه الصورة التي نقطع بالتبدل والارتفاع نجري الاستصحاب في الأزمنة المشكوكة حتّى يحصل لنا اليقين بالتبدّل والارتفاع ونقول : إنّ الأصل بقاء القلّة للماء وبقاء وجوب النفقة في الأزمنة المشكوكة فتترتّب لا محالة آثار عدم كرية هذا الماء وقلّته وآثار بقاء وجوب النفقة في الأزمنة المشكوكة.

وعليه فقد لوحظ الشك بالإضافة إلى أجزاء الزمان ، أي لوحظ الشك في تقدّم الحادث وتأخّره لا في أصل حدوثه كما هو المفروض أولا فلا إشكال في استصحاب عدم تحقّق الحادث ، وهو التبدّل والارتفاع في الزمان الأوّل كما إذا علم أن زيدا ميّت ولكن لم يعلم انّه مات يوم الخميس ، أو مات يوم الجمعة ، أو علم ان الماء القليل قد تبدّل بالكثير والكرّ ولكن لم يعلم أنّه قد تبدّل به في رجب ، أم في شعبان والملاقاة كان في الزمان الثاني فنجري استصحاب بقاء القلّة في الزمان الأوّل وهو شهر رجب المرجب ، وكذا نجريه في حياة زيد في يوم الخميس ويترتّب على المستصحب أثره الشرعي من عدم جواز قسمة أمواله بين ورثته وحرمة التصرّف في أمواله وحرمة التزويج مع امرأته ونجاسة الماء بالملاقاة ففي جواز اجراء الاستصحاب لا بد من ملاحظة الحادث بالاضافة إلى أجزاء الزمان ، وهذا اللحاظ على نحوين :

فتارة : يلاحظ تقدّمه وتأخّره بالنسبة إلى أجزاء الزمان كما علمنا انّ الماء القليل قد صار كرّا ولم يعلم ان تبديل القليل كرا كان في يوم الخميس ، أو في يوم الجمعة والملاقاة مع النجس كان في الزمان الثاني ، وهو يوم الجمعة.

واخرى : يلاحظ تقدّم الحادث وتأخّره بالنسبة إلى حادث آخر قد علم بحدوثه أيضا ، كما إذا علم بموت متوارثين على التعاقب ولم يعلم المتقدّم منهما من

٢٤

حيث الموت عن المتأخّر ، فهاهنا مقامان من الكلام ؛ وامّا المقام الثاني فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى عند قول المصنّف قدس‌سره وان لوحظ بالإضافة إلى حادث آخر ...

واما المقام الأوّل : فخلاصة الكلام فيه أنه لا إشكال في استصحاب عدم تحقّق الحادث في الزمان الأوّل ، وكذا لا إشكال في ترتيب آثار عدم الحادث فيه وتفصيل الآثار قد سبق مكرّرا : ولا آثار تأخّره عن الزمان الأوّل. ولا آثار حدوثه في الزمان الثاني ، أي لا تترتّب آثار تأخّر الحادث عنه ولا تترتّب آثار حدوثه في الزمان الثاني.

إذا ترتّب الآثار بالنسبة إلى عنوان التأخّر وعنوان الحدوث يكون أصلا مثبتا يعني لا يجوز أيضا باستصحاب عدم الحدوث يوم الخميس ترتيب آثار حدوثه يوم الجمعة ، كما لا يجوز باستصحابه فيه ترتيب آثار تأخّره لو كان لتأخّره عن يوم الخميس آثار شرعية.

والسرّ في ذلك : ان الحدوث عبارة عن أوّل الوجود في يوم الجمعة فهو ملازم عقلا لعدم الوجود في يوم الخميس فلا يثبت بالأصل ترتّب آثار الحدوث في الزمن الثاني ، لأنّه مثبت مثلا إذا استصحبنا عدم حدوث موت زيد يوم الخميس فلا يترتّب أثر تأخّره عن يوم الخميس من انتقال أمواله إلى ورّاثه مثلا ، وكذا لا يترتّب آثار حدوث الموت في الزمان الثاني ، وهو يوم الجمعة ، إذ تأخّر الموت عن يوم الخميس لازم عقلي لعدم حدوثه فيه لأنّ الموت قد تحقّق قطعا ، وكذا حدوث الموت يوم الجمعة لازم عقلي لعدم حدوث الموت يوم الخميس.

قوله : إلّا بدعوى خفاء الواسطة ، أو عدم التفكيك بين عدم تحقّقه ...

أي إذا كان الأثر مترتّبا على واسطة خفية بنحو يكون خفاؤها موجبا لأن يكون الأثر في نظر العرف أثرا للمستصحب ، فلا يبعد دلالة دليل الاستصحاب على

٢٥

وجوب ترتيب الأثر المذكور حينئذ ، إذ يعد أثر الواسطة أثرا للمستصحب بنظر العرف ، والمثال قد تقدّم في طي بحث التنبيه السابع ، أو بدعوى عدم إمكان التفكيك عرفا بين عدم تحقّق الحكم ، أو الموضوع ، أي بين عدم تحقّق كل واحد من الحكم أو الموضوع إلى زمان كيوم الخميس وبين تأخّر كل واحد منهما عن الزمان المذكور عرفا ، أي وصلت الواسطة في الوضوح حدّا لا يمكن التفكيك عرفا بين التعبّد بالواسطة وبين التعبّد بالمستصحب وعليه إذا دل الدليل على التعبّد بالمستصحب دل على التعبّد بها بالالتزام فيترتّب أثرها حينئذ وذلك كالمتضايفات كالابوة والبنوة مثلا فإن التعبّد بابوّة زيد لعمرو ملازم عرفا للتعبّد ببنوة عمرو لزيد ، وقد سبق هذا أيضا هنا كما لا تفكيك بينهما واقعا ، وكذا ما نحن فيه فإنّ عدم إمكان التفكيك بين عدم تحقّق موت زيد يوم الخميس وبين تأخّر الموت عن اليوم المذكور ثابت عرفا كما لا تفكيك بينهما واقعا ، وكذا لا يترتّب آثار حدوث الموت في الزمان الثاني ، وهو يوم الجمعة عليه وهو انتقال أموال زيد الذي مات إلى ورّاثه ووجوب حفظ عدّة الوفاة على زوجته فانّ الحدوث في الزمان الثاني وهو يوم الجمعة نوع وجود خاص ، وهو عبارة عن أوّل الوجود ، فهو ملازم عرفا بل عقلا لعدم وجود الموت يوم الخميس فاستصحاب عدم وجود الموت يوم الخميس لا يثبت وجود الموت وحدوثه بمعنى أوّل الوجود كي يترتّب على الحدوث يوم الجمعة آثاره إلّا على القول بالأصل المثبت.

فالنتيجة أنّه ليس الأصل المثبت الذي هو عبارة عن لازم عقلي المستصحب أو لازم عادي المستصحب بحجّة إلّا في الموردين :

أحدهما : أن تكون الواسطة خفية.

وثانيهما : أن تكون جلية واضحة وتفصيلهما قد سبق مفصّلا.

قوله : نعم لا بأس بترتيبها بذاك الاستصحاب بناء على أنّه عبارة ...

٢٦

فاستدرك المصنّف قدس‌سره عدم ترتّب آثار حدوثه في الزمان الثاني ، أي يترتّب آثار حدوث الحادث يوم الجمعة بواسطة استصحاب عدم حدوث الموت يوم الخميس ، هذا بناء على كون الحدوث من الموضوع المركب لا المقيّد من الوجود في الزمان اللاحق وعدمه في الزمان السابق ، وحينئذ يكون الأثر ثابتا لمجموع الجزءين الثابت أحدهما بالأصل وهو عبارة عن عدم وجود الموت يوم الخميس ؛ والآخر بالوجدان ، وهو عبارة عن وجود الموت وتحقّقه يوم الجمعة فليس هذا الأصل بهذا الأساس مثبتا.

فهذا يكون نظير ترتّب الحرمة والضمان على الغصب الذي هو مركب من الاستيلاء على مال الغير بغير اذنه ؛ ومن عدم إذن المالك فترتّب هذين الأثرين على الغصب الذي أحرز أحد جزءيه أعني منه الاستيلاء على مال الغير بالوجدان والجزء الآخر أحرز لنا بالاستصحاب ، أي باستصحاب عدم اذن المالك ، إذ قبل الاستيلاء والغصب لم يأذن المالك في التصرّف قطعا وبعد الغصب نشك في الاذن وعدمه ، فالأصل عدم الاذن فباستصحاب عدم الاذن يترتّب الحرمة والضمان أيضا ، هذا تمام الكلام في المقام الأوّل.

المقام الثاني : من الشك في التقدّم والتأخّر

قوله : وان لوحظ بالإضافة إلى حادث آخر علم بحدوثه أيضا ...

هذا لبيان المقام الثاني من الشك في التقدّم والتأخّر ، وهو ما إذا لوحظ تقدّم الحادث وتأخّره بالنسبة إلى حادث آخر قد علم بحدوثه أيضا ، كما إذا علم بموت متوارثين على التعاقب ولم يعلم المتقدّم منهما عن المتأخّر ، وهاهنا مقامان من الكلام :

٢٧

المقام الأوّل : ما إذا كان كل واحد من الحادثين مجهول التاريخ.

المقام الثاني : ما إذا كان أحدهما معلوم التاريخ ، والآخر مجهول التاريخ اما لو علم تاريخهما معا فلا يعقل الشك حينئذ في التقدّم والتأخّر.

اما المقام الثاني ، فسيأتي الكلام فيه ، واما المقام الأول فخلاصة الكلام فيه ان الأثر الشرعي في مجهولي التاريخ. تارة يكون لتقدّم أحدهما ، أو لتأخّر أحدهما لتقارن أحدهما بنحو مفاد كان التامة ، أي كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاص من التقدّم ، أو التقارن ، أو التأخّر.

واخرى : يكون الأثر الشرعي للحادث المتّصف بالتقدّم ، أو التأخّر ، أو التقارن بنحو مفاد كان الناقصة.

وثالثة : يكون الأثر الشرعي للعدم النعتي ، أي يكون للحادث المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر بنحو مفاد ليس الناقصة.

ورابعة : يكون الأثر الشرعي للعدم المحمولي ، أي يكون الأثر لعدم أحدهما في زمان حدوث الآخر بنحو مفاد ليس التامّة ، فهاهنا صور أربع.

والتفصيل على سبيل الايجاز : أنّ كل حادث أضيف إلى حادث آخر ، امّا أن يكون الحادث متقدّما على حادث آخر ، أو متأخّرا عنه ، أو مقارنا له ، وحينئذ إمّا أن يكون كل واحد من العناوين المذكورة من التقدّم والتأخّر والتقارن موضوعا لأثر شرعي يصح بلحاظه التعبّد بالاستصحاب ، وامّا أن يكون بعض العناوين موضوعا للأثر الشرعي دون بعض الآخر ، وكذا الحال في الحادث الآخر بالاضافة إلى هذا الحادث فإنّه يكون له هذه الأقسام بعينها فصار الأقسام المتصوّرة ثمانية الحاصلة من ضرب الأربعة في الأربعة.

وشرع المصنّف قدس‌سره في بيان أحكامها ولوازمها بقوله : فتارة كان الأثر الشرعي ومحصّله : أن العنوان الذي يكون موضوعا للأثر الشرعي. تارة : يكون ملحوظا بنحو

٢٨

مفاد كان التامّة كأن يقال : ان الموت المتقدّم للأب على موت الابن كذا. واخرى : يكون العنوان ملحوظا بنحو مفاد كان الناقصة كأن يقال : إذا كان موت الأب متقدّما على موت الابن فكذا.

وحكم هذه الأقسام : أنّه إذا كان الأثر الشرعي ثابتا لبعض العناوين المذكورة لأحد الحادثين بعينه دون تمامها ودون عناوين الحادث الآخر ؛ وكان العنوان ملحوظا بنحو مفاد كان التامّة ولكن قد شك في تحقّق ذلك العنوان الذي يكون ذا أثر شرعي جرى أصالة عدم ذلك العنوان مثلا إذا قيل موت الأب المتقدّم على موت ولده مورث للولد ؛ وإذا شك في تقدّم موت الأب على موت الولد وعدم تقدّمه عليه فإنّه يرجع حينئذ إلى أصالة عدم الموت المتقدّم ، أي الأصل عدم تقدّم موت الأب على موت الولد فينتفي أثر الموت المتقدّم تعبّدا.

فإن قيل : موت الأب معلوم الوجود ومحقّق الثبوت فكيف يجري أصالة عدم تقدّم موت الأب على موت الولد.

قلنا : انّ المعلوم الوجود ومحقّق الثبوت هو الموت في الجملة ، واما الموت المتقدّم فغير معلوم لنا ، وحيث ان الموت حادث زمانا ، أي هو مسبوق بالعدم لم يكن مانع من اجراء اصالة عدم تقدّم موت الأب على موت الولد.

هذا ، حكم العنوان الذي لوحظ بنحو مفاد كان التامّة ، والمراد من العنوان هو موت الأب.

وأمّا حكم العنوان الذي قد لوحظ بنحو مفاد كان الناقصة كما لو قيل : إن كان موت الأب متقدّما على موت الابن فقد ورثه الابن فقد يشكل جريان الاستصحاب في هذه الصورة ، ولو كان الأثر مفروضا في طرف واحد دون الآخر من أجل عدم اليقين السابق فيها ، إذ موت الأب قد وقع في الخارج يقينا ، اما عدم تقدّمه على موت الولد قبل موت الولد فليس بمتيقن لنا ، إذ يحتمل أن يكون موت الأب قبل موت

٢٩

الولد وأن يكون بعده.

هذا إذا كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما ، أي لوجود موت الوالد متقدّما على موت الولد (وهو عبارة عن ارثه منه ، أو متأخّرا عن موت الولد فيرثه والده ولا يكون الأثر الشرعي للوجود الخاص من التقدّم ، أو التقارن ، أو التأخّر للحادث الآخر وهو موت الولد ، لكون الولد كافرا فتقدّم موته على موت والده بلا أثر شرعي.

ولا يكون الأثر الشرعي للحادث المذكور أولا بنحو آخر من أنحاء وجوده الثلاثة وذلك كموته في الليل ، أو اليوم ، أو يوم الأحد ، أو يوم الخميس فلا أثر شرعي لهذه الأنحاء من الوجود ، وإذا تمّ الشرط وهو وجود الحادث على نحو من أنحاء وجوده من التقدّم ، أو التأخّر ، أو التقارن فاستصحاب عدم تقدّم موت الوالد على موت الولد قد صار بلا معارض فيجري ، إذ لا يجري الاستصحاب المذكور في جانب موت الولد الكافر لعدم ترتّب الأثر الشرعي على هذا الاستصحاب لكونه كافرا وهو لا يرث من أبيه المسلم.

وهذا واضح لمن أمعن النظر ، بعد ما علم من عدم جريان الأصل في الحادث الآخر حتّى يعارض ذلك الأصل الاستصحاب الذي يجري في الحادث الذي يترتّب عليه الأثر فاستصحاب بقاء عدم تقدّم موت الأب على موت الابن بلا معارض فهذا الاستصحاب يجري في جانب موت الأب لترتّب الأثر الشرعي عليه وهو ارثه من ابنه سواء كان الأب مسلما ، أم كافرا ، ولا يجري في جانب موت الولد لعدم ترتّب الأثر الشرعي عليه لكونه كافرا والولد الكافر لا يرث عن أبيه مطلقا ، أي سواء كان الوالد مسلما ، أم كافرا ، أمّا إذا كان الأثر الشرعي لوجود كل من الحادثين بنحو خاص من التقدّم ، أو التأخّر ، أو التقارن كما إذا كان الوالد والولد مسلمين معا فلا يجري استصحاب عدم التقدّم في واحد منهما لأجل المعارضة باستصحاب عدم

٣٠

التقدّم في الحادث الآخر لتحقّق أركان الاستصحاب في كل من الحادثين ، إذ لنا يقين بعدم تقدّم موت الوالد على موت الولد حال حياتهما.

وكذا لنا يقين بعدم تقدّم موت الولد على موت الوالد حين حياتهما معا وبعد موتهما حصل لنا الشك في تقدّم أحدهما على الآخر وتأخّره عنه فنستصحب عدم تقدّم موت الوالد على موت الولد وكذا نجري الاستصحاب المذكور بالإضافة إلى موت الولد فهما يتعارضان ثم يتساقطان وكذا الكلام إذا كان الأثر لكل أنحاء وجود كل من الحادثين من التقدّم ، أو التقارن ، أو التأخّر حرفا بحرف.

وهذا إشارة إلى الصورة الثالثة ، وهي عبارة عن ترتّب الأثر على كل من الحادثين بجميع أنحاء وجوده من التقدّم والتقارن والتأخّر.

ثم إنّ الحادثين المعلوم حدوثهما والمشكوك تقدّم أحدهما على الآخر تارة يكون تاريخ حدوث كليهما مجهولا.

واخرى : يكون تاريخ أحدهما معلوما والآخر مجهولا ، فيقع البحث في مقامين :

امّا المقام الأوّل فأقسامه أربعة لأنّ الأثر الشرعي امّا يترتّب على الوجود المحمولي ، أو الوجود النعتي ، أو العدم المحمولي ، أو العدم النعتي فيقال ان الوجود المحمولي هو نفس الوجود المحمول الأولي على الماهية وهو مفاد كان التامّة وهل البسيطة.

فمعنى كان زيد يكون انّه وجد ويقابله العدم المحمولي وهو مفاد ليس التامّة وهو عبارة عن حمل المعدوم على الماهية نحو زيد معدوم في الخارج ، والوجود النعتي عبارة عن مفاد كان الناقصة الداخلة على المبتدأ والخبر وهو من الأفعال النواسخ نحو كان زيد قائما لأنّ القيام المحمول على زيد في هذا المثال أمر زائد على وجود زيد ، إذ ثبوت القيام لزيد فرع ثبوت زيد في الخارج ؛ ويقابله العدم

٣١

النعتي وهو عبارة عن مفاد ليس الناقصة نحو زيد ليس بقائم ، إذ مدلوله سلب ربط اتصاف زيد بوصف القيام.

إذا علم هذا فلا بدّ من الشروع ببيان أحكام هذه الأقسام الأربعة وأمثلتها ، ويقال : إذا ترتّب الأثر الشرعي على وجود أحد الحادثين بنحو خاص من التقدّم ، أو التأخّر ، أو التقارن.

امّا الأوّل فكتقدم العيب على عقد البيع ، إذ تقدّمه عليه يوجب الخيار للبائع ، أو المشتري فلا أثر شرعا لحدوث العيب في المبيع بعد عقد البيع ، واما الثاني فكملاقاة الثوب المتنجس للماء فإنّ طهارته مترتّب على تأخّرها عن كون الماء كرا فطهارته الذي يكون أثر الملاقاة مترتّب على تأخّرها عن كرية الماء.

وامّا الثالث فكتقارن عقدي الاختين زمانا لرجل واحد ، إذ بطلانهما مترتّب على تقارنهما زمانا ، إذ مع اختلافهما زمانا يحكم بصحّة المتقدّم منهما وبفساد المتأخّر منهما وكذا عقدي المرأة وبنتها لرجل واحد. وكذا محاذاة الرجل والمرأة في الصلاة بشرط اتحاد الشروع من حيث الزمان ، وإلّا يحكم بصحّة المتقدّم فقط. هذا لبيان الصورة الاولى من موت المتوارثين ، وكذا حكم عروض حكمين على موضوع واحد ولم يعلم السابق من اللّاحق كي يكون العمل على طبق اللاحق الناسخ لا على طبق السابق المنسوخ حرفا بحرف فجريان استصحاب عدم تقدّم موت الوالد وعدم تقارنه مع موت الولد وعدم تأخّره عنه إذا كان الأثر المهم الشرعي مترتّبا على وجود الخاص أحد الحادثين على نحو مفاد كان التامّة وهل البسيطة ، أي ما وجد الموت المتقدّم وما وجد الموت المتقارن وما وجد الموت المتأخّر هذا كلّه بالإضافة إلى موت الأب لا بالإضافة إلى موت الابن لعدم جريان هذه الاستصحابات الثلاثة بالإضافة إلى موته لعدم ترتّب الأثر الشرعي عليها.

والحال أنّه لا بدّ أن يكون المستصحب حكما شرعيا ، أو موضوعا ذا حكم

٣٢

شرعي ، والموت ليس بحكم شرعي ولا موضوعا ذا حكم شرعي لكونه كافرا على الفرض ، وهو لا يرث أباه أصلا ، فاستصحاب العدم في جانب موت الوالد بلا معارض ، بخلاف ما إذا كان الأثر الشرعي لوجود كل من الحادثين بنحو خاص من التقدّم ، أو التأخّر ، أو التقارن فلا يجري حينئذ استصحاب عدم تقدّم موت الأب على موت الابن ولا استصحاب عدم تأخّر موت الأب عن موت الابن ولا استصحاب عدم تقارن موت الأب مع موت الابن لأجل معارضة هذه الاستصحابات مع الاستصحابات في جانب موت الابن كما سبق تحقيق هذا قبلا ليترتّب الأثر الشرعي على الاستصحابات المذكورة الجارية في الحادثين وهما موت الوالد ، وموت الولد لكونهما مسلمين على الفرض.

حكم الصورة الثانية

قوله : وامّا إن كان مترتّبا على ما إذا كان متصفا بالتقدّم ...

لمّا فرغ المصنّف قدس‌سره عن بيان حكم الصورة الاولى من الصور الأربع شرع في بيان حكم الصورة الثانية منها ، وقال : انّه لا يجري استصحاب عدم التقدّم وعدم التقارن وعدم التأخّر بالإضافة إلى موت الوالد إذا كان الأثر مترتّبا على اتصاف الحادثين بالتقدّم ، أو التأخّر ، أو التقارن لاختلال أحد ركني الاستصحاب ، وهو اليقين السابق ، إذ اتصاف موت الأب بكونه متقدّما على موت الابن بأن يقال الموت المتقدّم للأب غير متيقّن سابقا كي يستصحب عند الشك في بقائه وارتفاعه فعدم اليقين السابق في هذه الصورة بلا ارتياب من أحد ، هذا حكم الصورة الثانية.

قوله : واخرى كان الأثر الشرعي مترتّبا لعدم أحدهما في زمان الآخر ...

إذا كان الحادثان مجهولي التاريخ فهما يتصوّران على نحوين :

٣٣

أحدهما : أن يكون الأثر مترتّبا على وجود أحدهما بنحو خاص. وتفصيل هذا قد سبق.

وثانيهما : أن يكون الأثر الشرعي مترتّبا على عدم أحد الحادثين في زمان وجود الحادث الآخر وفي هذا الفرض يتصوّر على نحوين :

أحدهما : أن يكون الأثر المهم مترتّبا على عدم أحد الحادثين في زمان وجود الحادث الآخر.

ثانيهما : أن يكون الأثر المهم مترتّبا على وجود أحد الحادثين في زمان اتصاف الحادث الآخر بالعدم.

أمّا حكم صورة الاولى : فيقال إنّه لا مورد للاستصحاب فيها ، إذ من شروط جريان الاستصحاب اتصال زمان الشك بزمان اليقين.

امّا في هذه الصورة فليس هذا الاتصال بمحرز لنا ، إذ نسلم كوننا متيقنين بعدم حدوث الحادث الذي له أثر شرعي قبل زمان اليقين بحدوث الحادث الآخر ، ولكن لم يحرز لنا اتصال زمان الشك في بقاء العدم بزمان اليقين بالعدم ، إذ نحتمل بواسطة حدوث الحادثين انفصال زمان الشك عن زمان اليقين وعلى هذا الاحتمال لا محل لاستصحاب بقاء عدم أحد الحادثين في زمان وجود الحادث الآخر كي يترتّب الأثر الشرعي المهم على عدم أحدهما.

قوله : لعدم احراز اتصال زمان شكّه وهو زمان حدوث الآخر بزمان ...

توضيح المراد : أنّه إذا علم بموت الوالد وولده غير مقترنين ، غاية الأمر انّ المتقدّم ، أو المتأخّر غير معلوم لنا وشككنا في المتقدّم منهما والمتأخّر فهناك آنات ثلاثة ، وليفرض الآن الأوّل يوم الخميس ، وهو الزمان الذي يعلم بحياتهما فيه ، والآن الثاني يوم الجمعة ، وهو الزمان الذي يعلم بحدوث موت أحدهما فيه إجمالا امّا الوالد وامّا الولد ، والآن الثالث يوم السبت ، وهو الزمان الذي يعلم بموت الآخر فيه

٣٤

إجمالا ، امّا الوالد وامّا الولد أيضا وهذا الزمان يعلم بتحقّق موتهما فيه ، وهذه الأزمنة الثلاثة تفصيلية ولكن هناك زمانان إجماليان :

أحدهما : زمان موت الوالد يحتمل انطباقه على كل من الجمعة والسبت على البدل.

وثانيهما : زمان موت الولد يحتمل انطباقه على كل من اليومين على البدل أيضا.

وعلى طبيعة الحال يكون هذان الزمانان الاجماليان متباينين خارجا ولهذا لا يحمل أحدهما على الآخر فلا يقال الجمعة سبت ولا يقال السبت جمعة وتباينهما يكون بحيث إذا انطبق أحد الموتين على الجمعة مثلا انطبق موت الآخر على السبت وبالعكس.

وحينئذ نقول : إذا استصحبنا عدم موت الوالد المعلوم يوم الخميس ، إذ فرض حياته فيه إلى زمان موت الولد يحتمل أن يكون زمان موت الولد يوم السبت ويلزمه احتمال أن يكون موت الوالد يوم الجمعة فيكون زمان الشك ، وهو زمان موت الولد المنطبق على يوم السبت منفصلا عن زمان اليقين ، وهو يوم الخميس بواسطة زمان اليقين بموت الوالد ، وهو يوم الجمعة فيكون على هذا التقدير ، من نقض اليقين باليقين ، إذ موتهما متيقن لنا لا بالشك أصلا ولا يخفى أنّه مع هذا الاحتمال يمتنع التمسّك بعموم دليل الاستصحاب كي يشمل هذا المورد لأنّ التمسّك بالعموم فرع احراز انطباق عنوانه على المورد ، وهو مشكوك.

قوله : باتصال حدوثه به ...

الجار والمجرور متعلّقان بانفصال والباء للسببية ، أي الانفصال المحتمل بين زمان اليقين وزمان الشك يكون بسبب اتصال زمان حدوث الحادث المعلوم ، وهو موت الولد وهو الذي استصحب عدمه بزمان اليقين بعدمه ، أي يحتمل أن يكون زمان موت الولد يوم الجمعة وزمان موت الوالد يوم السبت (فيفصل يوم الجمعة بين

٣٥

زمان حدوث الحادث يوم السبت ، وهو زمان الشك في موت الوالد ، وبين زمان اليقين بحياة الوالد ، وهو يوم الخميس.

وبالجملة كان بعد ذاك الآن ، أي بعد يوم الخميس الذي هو ثابت قبل زمان اليقين بحدوث أحد الحادثين ، إذ لنا يقين إجمالي بحدوث موت الوالد ، أو موت الولد في يوم الجمعة زمانان أحدهما زمان حدوث أحد الحادثين ؛ امّا موت الوالد ، وامّا موت الولد ، وهو يوم الجمعة في المثال ، والآخر زمان حدوث الحادث الآخر ، وهو يوم السبت في المثال وثبوت زمان الحادث الآخر يكون ظرفا للشك في انّ زمان الحادث الآخر في يوم السبت ، أو زمان الحادث الآخر قبل يوم السبت ، وهو يوم الجمعة في المثال ، ولكن حيث شك في أن ، أي الحادثين ، وهما موت الوالد وموت الولد مقدّم وأيّهما مؤخّر ، أي ليس لنا علم بحدوث موت الوالد يوم الجمعة ، وبحدوث موت الولد يوم السبت ، أو بالعكس بل كنّا شاكّين في تقدّم أيّهما وتأخّر أيّهما فلم يحرز لنا احرازا تامّا اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، وهو من شروط جريان الاستصحاب.

ومع عدم احراز الاتصال لا مجال للاستصحاب حيث لم يحرز مع عدم احراز الاتصال المذكور كون رفع اليد عن اليقين بعدم حدوث الحادث يوم الخميس في المثال.

بهذا الشك في حدوث الحادث يوم الجمعة ، أو يوم السبت نقض اليقين بالشك ، وهو موضوع دليل الاستصحاب لاحتمال كون رفع اليد عن اليقين السابق من نقض اليقين بعد ثبوت الحادث يوم الخميس باليقين بثبوت الحادث ، وهذا أجنبي عن موضوع الاستصحاب ، كما لا يخفى.

هذا تفصيل حكم الصورة الاولى ، وهي أن يكون الأثر المهم مترتّبا على عدم أحد الحادثين في زمان وجود الآخر كالتوارث الذي يترتّب على عدم موت الوالد في زمان موت الولد ، أو كعدم تنجس الملاقى بالكسر مع حدوث عنوان الكرية في

٣٦

الماء القليل.

وامّا تفصيل حكم الصورة الثانية فيقال : انّه لا يجري الاستصحاب كي يثبت بواسطته وجود أحد الحادثين ، وهو موت الولد مثلا في زمان اتصاف الحدوث الآخر بالعدم ، وهو عبارة عن اتصاف حياة الوالد بالعدم ، إذ اجراء هذا الاستصحاب يتوقّف على يقين سابق ، أي اليقين بكونه متّصفا بالعدم في وقت ، أي كان لنا اليقين بعدم موت الوالد في وقت موت الولد ثم يشك في بقائه على ما كان من الاتصاف المذكور ، ولكن هو لا يتعيّن ، إذ الوجود من الأزل غير معلوم الاتصاف بالعدم لأنّه إن كان وجد متأخّرا عن زمان حدوث الآخر كان متّصفا بالعدم المذكور وإن كان متقدّما عليه ، أو مقارنا له فهو غير متصف بالعدم ، وحيث لم يعلم أنّه متأخّر أولا فقد شك في اتصافه بالعدم في جميع الأزمنة.

وعلى هذا الأساس يختل أحد ركني الاستصحاب ، وهو اليقين السابق مثلا كان الوالد والولد حيين يوم الخميس يقينا كما كانا ميتين يوم السبت قطعا ، ولكن لا نعلم أن موت الوالد كان متأخّرا عن موت ولده بحيث مات الولد في الساعة السابعة من يوم الجمعة ومات والده في الساعة العاشرة منه ، أو كان متقدّما عليه ، أو كان مقارنا معه ، وهذا ليس بمعلوم لنا.

وعلى هذا ، فكيف لنا اليقين بحياة الوالد في زمان موت الولد كي نستصحب عدم موت الوالد حين موت الولد إذا حصل الشك في بقاء حياته زمان موت الولد وزواله.

فالنتيجة : أنّه لا يجري الاستصحاب في الصورتين ، أي استصحاب بقاء حياة الوالد زمان موت الولد لعدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين إذا كان الأثر المهم مترتّبا على عدم موت الوالد في زمان موت الولد لانفصال يوم الجمعة بين زمان اليقين بحياة الوالد وهو يوم الخميس في المثال وزمان الشك في تقدّمه عليه تقارنه

٣٧

معه ، أو تأخّره عنه ، أي تقدّم موت الوالد على موت الولد ، أو تقارن موت الوالد مع موت الولد من حيث الزمان ، أو تأخّر موت الوالد عن موت الولد زمانا ولعدم اليقين سابقا بحياة الوالد في زمان موت الولد لاحتمال أن يكون موته متقدّما على موته مقارنا معه فليس حين الشك اللاحق اليقين السابق فيختل أحد ركني الاستصحاب.

قوله : لا يقال لا شبهة في اتصال مجموع الزمانين بذاك الآن ...

اعترض المعترض على مدعى انفصال زمان الشك عن زمان اليقين بالعدم بسبب زمان اليقين بحدوث مستصحب العدم ، أي انفصل زمان الشك في تقدّم أحد الحادثين على الآخر ، أو تقارنه معه ، أو تأخّره عن الآخر ، وهو يوم السبت عن يوم الخميس ، وهو زمان اليقين بعدم حدوث موت الوالد فيه ، بواسطة زمان اليقين بحدوث موت الوالد ، أو موت الولد فيه ، وهو يوم الجمعة بأن زمان الشك منطبق على مجموع الزمانين ، وهما يوم الجمعة ويوم السبت ، ومجموعهما متصل بزمان اليقين بالعدم ، إذ أجزاء الزمان عبارة عن الآنات المتصلة فمجموع آنات يوم السبت ويوم الجمعة متصل ب آنات يوم الخميس ، وعلى هذا الأساس فقد أحرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين مجموع الزمانين بتمامه وزمان الشك في حدوث الحادث وهو موت الوالد لاحتمال تأخّر هذا الحادث عن الحادث الآخر وهو موت الولد. مثلا إذا كان الشخص على يقين من عدم حدوث واحد من الحادثين في ساعة معيّنة من يوم السبت وصار على يقين من حدوث أحد الحادثين بلا تعيين في ساعة اخرى منه بعد الساعة الاولى ، وعلى يقين في حدوث الحادث الآخر في ساعة ثالثة.

كان زمان الشك في حدوث كل من الحادثين تمام الساعتين الثانية والثالثة لا خصوص أحدهما ، أي الساعة الثالثة فقط كي يقال بانفصال زمان الشك عن زمان اليقين بواسطة الساعة الثانية.

٣٨

مثلا كان الوالد والولد حيين في الساعة السابعة من يوم الجمعة مثلا ، ولكن مات أحدهما بلا تعيين في الساعة التاسعة منه ، ولكن مات الآخر بلا تعيين أيضا في الساعة الحادية عشرة منه كان مجموع الساعة التاسعة والحادية عشر من يوم الجمعة زمان الشك في حدوث موت الوالد ، أو الولد فيه لاحتمال تقدّم موت الوالد على موت الولد كما لا يخفى. وكذا بناء على فرض ثلاثة أيام.

مثلا : كانا يوم الخميس حيين يقينا ، ولكن مات أحدهما بلا تعيين في يوم الجمعة ومات الآخر في يوم السبت بلا تعيين أيضا كان زمان الشك مجموع اليومين لا خصوص أحدهما ، وهو يوم السبت لاحتمال تقدّم موت الوالد على موت الولد وتأخّره عنه لأن فرض الكلام في الحادثين حال كونهما مجهولي التاريخ كما لا يخفى.

قوله : فانّه يقال نعم ولكنّه إذا كان بلحاظ إضافته إلى ...

أجاب المصنّف قدس‌سره عنه : بأنّ الأثر الشرعي ، تارة : يكون مترتّبا على عدم أحد الحادثين في الزمان التفصيلي مثل يوم الجمعة ، أو مثل يوم السبت.

واخرى : يكون مترتّبا على عدمه في الزمان الاجمالي مثل ما نحن فيه أعني العدم في زمان حدوث الآخر ، فإن كان مترتّبا على النحو الأوّل أمكن استصحابه في مجموع الزمانين وترتيب أثره عليه.

امّا إذا كان مترتبا على النحو الثاني فلا يتم لأنّ زمان حدوث أحدهما الذي هو زمان الشك لا ينطبق إلّا على أحدهما على البدل ويمنع انطباقه عليهما معا.

وعلى هذا الأساس ، فلا يكون زمان الشك إلّا أحدهما ومع احتمال انطباقه على الثاني دون الأوّل يكون ممّا لم يحرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ويرجع الإشكال.

وبتقرير أوضح : هو أن هذا الإشكال وارد إذا لوحظ موت زيد بالنسبة إلى

٣٩

أجزاء الزمان فيستصحب عدم موت زيد من زمان اليقين بعدم موته وهو عبارة عن يوم الخميس إلى الجمعة ويكون موته مشكوكا يوم السبت لاحتمال حدوثه يوم الجمعة.

فخلاصة الكلام : إذا كان زمان أحد الحادثين ، وهو موت الابن وهو زمان الشك أحد الزمانين على البدل امّا يوم الجمعة وامّا يوم السبت في فرض المثال. وليس زمانه زمانين معا قطعا لأنّه إذا مات يوم الجمعة فلم يمت يوم السبت قطعا وإذا مات يوم السبت فلم يمت يوم الجمعة يقينا ، إذ ليس له موتان بل له موت واحد فيتردّد موته بين التقدّم على موت الأب وبين التأخّر عن موته ومع هذا التردّد والاحتمال كيف يدعى اتصال زمان الشك بزمان اليقين ومتى لم يحرز الاتصال فلم يجر الاستصحاب ، أي استصحاب عدم الموت إلى حين موت الأب فيرجع الإشكال حينئذ.

والمفروض أنّ حدوث الحادث ، وهو موت الابن بلحاظ إضافته إلى الحادث الآخر ، وهو موت الأب ، أي موت الولد يحتمل أن يكون متقدّما على موت الوالد أو مقارنا معه ، أو متأخّرا عنه ولا شبهة في أنّ زمان شك حدوث الحادث بلحاظ إضافته إلى الحادث الآخر لا بالإضافة إلى أجزاء الزمان انّما هو خصوص ساعة حدوث الآخر وثبوته لا الساعتين ، أي لا مجموع الزمانين اللّذين تحقّق فيهما الحادثان ، وهما موت الوالد وموت الولد ، وذلك لأنّ الشك بلحاظ الحادث الآخر من حيث التقدّم والتقارن والتأخّر لا يحدث إلّا في الزمان الثاني ، وهو يوم الجمعة يوم السبت في المثال لا يوم الخميس فإذا كان زمان الشك خصوص يوم الجمعة ، أو يوم السبت لا مجموعهما من حيث التقدّم والتأخّر فلا يتصل زمان الشك وهو أحد اليومين بزمن اليقين وهو يوم الخميس.

وعليه فان كان زمان حدوث الحادث يوم الجمعة كان زمان شكّه ، وهو يوم

٤٠