البداية في توضيح الكفاية - ج ٥

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٥

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات هماى دانش
الطبعة: ١
ISBN: 964-8035-01-6
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٣٥٢

لا ترتيب في المرجّح الواحد.

فلو اعتبر الترتيب بينها لكان اللازم ذكر جميع المرجحات المذكورة في مقام البيان كما ذكرت في المقبولة وان لم يكن ظاهر المقبولة والمرفوعة بيان تعداد المرجحات ببيان ان هذا مرجّح وذلك مرجّح ولزم تقييد جميع أخبار العلاج على كثرتها كما تظهر هذه الكثرة من مراجعة الوسائل والكافي والتهذيب بما في المقبولة والمرفوعة وهذا التقييد بعيد جدا لانه مستلزم لكثرته من جهة كثرة أخبار العلاج وكثرة التقييد مثل كثرة التخصيص في الاستهجان والقبح.

هذا ، مضافا إلى فرض كون المولى في مقام البيان ، فاذن لا بدّ له من ذكر التقييد والحال انه لم يذكره في مقام البيان ، وعلى اعتبار عدم الترتيب بين المرجّحات فمتى وجد في احد الخبرين المتعارضين مرجّح واحد وذلك كموافقة الكتاب الكريم مثلا وفي الآخر مرجح آخر من المرجحات وذلك كمخالفة القوم مثلا فقد تحقّق التزاحم بينهما كان المرجع حينئذ اطلاقات اخبار التخيير ان لم يكن اقوى مصلحة ومناطا في البين وليس الأمر كذلك بناء على لزوم اعتبار الترتيب بين المزايا والمرجّحات ، أي لا يرجع إلى اطلاقات التخيير بل لا بدّ من ملاحظة الترتيب بينها إلّا إذا كانا في عرض واحد بحيث لا يرجّع أحدهما على الآخر فيرجع حينئذ إلى اطلاقات التخيير وهذا واضح لا سترة فيه.

قوله : وانقدح بذلك ان حال المرجح الجهتي حال سائر المرجحات ...

أي قد ظهر بما تقدم من عدم مراعات الترتيب بين المرجّحات ومن اناطة الترجيح بالظن بالصدور ، أو بالاقربية إلى الواقع حال المرجح لجهة الصدور وذلك كمخالفة العامة انه يرجع إلى المرجّح السندي أيضا فحاله كحال سائر المرجحات المذكورة.

وعلى طبيعة الحال إذا كان مرجح الجهتي في طرف وكان مرجح الصدوري

٢٢١

في طرف آخر فلا بد حينئذ من ملاحظة ان أيهما موجب للظن الفعلي بصدق الرواية ، أو الاقربية إلى الواقع فيقدم هو دون الآخر ، وأما إذا تساويا في المناطين المذكورين فتخيّر بينهما بمقتضى اطلاقات اخبار التخيير.

وعليه فلا وجه لترجيح جهة الصدوري على سائر المرجّحات ولتقديمها عليه كما نقل هذا عن الوحيد البهبهاني قدس‌سره مثلا إذا كان الخبر الموافق للتقية بما له من المزية ككون رواية أفقه وأعلم واورع مساويا للخبر المخالف للتقية في المناطين المذكورين فلا بد حينئذ من التخيير بين الخبرين في مقام الأخذ والعمل.

وعلى هذا الاساس فلا وجه لتقديم المرجح الجهتي على سائر المرجحات ، إذ المدار في تقديم أحد المرجح على المرجح الآخر على افادة الظن الفعلي بالصدق والصدور ، أو الاقربية إلى الواقع كما أصرّ صاحب البدائع قدس‌سره بتقديم المرجح الجهتي وذلك كمخالفة العامة على سائر المرجحات تبعا للوحيد البهبهاني قدس‌سرهما ، واما العلامة الأنصاري قدس‌سره فانه قدّم المرجح السندي والمرجح المضموني على المرجح الجهتي في صورة التعارض والمعارضة فالاقوال هنا ثلاثة :

أحدها : تقديم المرجّح الجهتي على غيره من المرجحات وهو مختار الوحيد البهبهاني والمحقّق الرشتي قدس‌سرهما.

ثانيها : تقديم المرجح الصدوري كموافقة الكتاب الكريم على المرجح الجهتي وهو مذهب الشيخ الأنصاري قدس‌سره.

ثالثها : عدم تقديم بعضها على بعض إلّا باقوائية الملاك والمناط الذي هو عبارة عن الظن بالصدق ، أو عن الاقربية إلى الواقع ومع تساوي الخبرين المتعارضين في الملاك فيرجع حينئذ إلى اطلاقات التخيير وهذا مختار صاحب الكفاية قدس‌سره ومن تبعه ولذا قال المصنّف قدس‌سره فلا وجه لتقديم المرجح الجهتي على غيره وهذا اشارة إلى فساد مذهب الأول ولا لتقديم غير المرجح الجهتي من المرجح

٢٢٢

السندي والمرجح المضموني على المرجح الجهتي مطلقا ، أي في جميع الموارد وهذا اشارة إلى فساد القول الثاني وهو قول شيخنا الأنصاري قدس‌سره.

قوله : قال أما لو زاحم الترجيح بالصدور الترجيح من حيث جهة الصدور بان كان الارجح صدورا موافقا للعامة ...

قال الشيخ الأنصاري قدس‌سره إذا تزاحم الخبر الذي يكون ذا ترجيح بواسطة أصل الصدور والسند مع الخبر الذي ذا ترجيح بواسطة جهة الصدور فيقدم ذو المرجّح السندي والمضموني على المرجّح الجهتي مثلا إذا كان الخبر الارجح من حيث الصدور والسند موافقا مع العامة والخبر الذي يكون مرجوحا صدورا مخالفا للعامة فالظاهر أن يقدّم الأرجح سندا وصدورا على المرجوح صدورا وسندا وان كان المرجوح مخالفا للعامة والراجح موافقا للعامة وهذا المطلب مبتن على كون العلة في ترجيح المخالف للعامة على الموافق للعامة احتمال التقية في الخبر الموافق للعامة ، إذ مزية المخالفة مع العامة تكون ملحوظة إذا كان صدور الخبرين المتعارضين الموافق للعامة والمخالف للعامة قطعيا كما في الخبرين المتواترين يكون الصدور فيها قطعيا.

فهذا الترجيح ملحوظ إذا كان الصدور قطعيا ، كالخبرين المذكورين ، أو كان الصدور تعبّديا كما في الخبرين المتعارضين بحيث لا يمكن لنا التصرف في سندهما بنحو يؤخذ أحدهما ويطرح الآخر والمرجّح الجهتي كالمخالفة العامة بالاضافة إلى الموافقة للقوم انما يعمل بعد كون الصدور قطعيا تعبديا وعلى هذا الاساس من الواضح أنه إذا تحقّق المرجّح السندي وذلك كالاعدلية والاوثقية والاضبطية فلا تصل النوبة بجهة الصدور.

إذ يمكن لنا التصرف في سند الخبرين بنحو تؤخذ رواية الاعدل الاوثق الاضبط ، ويطرح خبر العادل الموثق الضابط فمخالفة العامة تكون مزية ومرجّحة

٢٢٣

إذا لم يمكن التصرف في السند وفيما نحن فيه إذا كان أحدهما أرجح صدورا من الآخر فيمكن التعبد بصدور احدهما ونحكم بمقتضى أدلة الترجيح من حيث الصدور بصدور الخبر الارجح صدورا ونحكم بعدم صدور المرجوح عنه عليه‌السلام وعليه فلا محل في هذا المورد لمرجّح الجهتي كما لا يخفى.

قوله : ان قلت ان الأصل في الخبرين الصدور ...

قال الشيخ الأنصاري قدس‌سره مستشكلا على نفسه : ان مقتضى القاعدة وادلة حجية خبر الواحد صدور الخبرين المتعارضين وكونهما حجّتين وعدم ورود التخصيص والتقييد عليهما.

وعلى طبيعة الحال إذا قدّمنا المرجّح الجهتي على المرجح السندي والمضموني فلا يرد التقييد في ادلة حجيّة الخبر ونحكم بكون صدور الخبر الموافق للقوم تقية عن المعصوم عليه‌السلام وهذا الحكم بصدور الموافق للعامة تقية يكون مقتضى امضاء صدورهما عن الامام المعصوم عليه‌السلام كما ان مقتضى امضاء المذكور أن نحكم في أضعف الخبرين صدورا بارادة خلاف الظاهر من حيث الجمع الدلالي بينه وبين الأظهر بقرينة الأظهرية.

إذ هو يكون قرينة على ارادة خلاف الظاهر من الخبر الظاهر وكذا ما نحن فيه لان المخالف للعامة قرينة على ان صدور الموافق للقوم يكون تقية وهذا التوجيه لا يصادم باصل حجية الأخبار أما بخلاف تقديم المرجح لاصل الصدور فانه مستلزم لطرح احد الخبرين رأسا وتخصيص أدلة حجية الأخبار الآحاد.

فالنتيجة قد علم من هذا البيان ومن هذا الاشكال ان مرجّح الجهتي كالمرجح الدلالي في التقديم على اصل الصدور.

أجاب الشيخ الأنصاري قدس‌سره عن هذا الاشكال بقوله : أنه فرق واضح بين تعارض الظاهر والأظهر ، وذلك كتعارض العام والخاص والمطلق والمقيّد ، وبين

٢٢٤

تعارض الراجح سندا وصدورا والراجح جهة ، فان المتعارضين إذا أمكن بينهما جمع العرفي فيعقل التعبد بصدورهما معا ويؤخذ بالاظهر ويحمل الظاهر عليه ، كما في العام والخاص والمطلق والمقيّد ، ولا يطرح الظاهر رأسا ، وقد سبق تحقيق هذا في بحث العام والخاص وفي بحث المطلق والمقيّد.

أما بخلاف ما إذا لم يكن بينهما جمع العرفي فلا يعقل التعبد بصدورهما معا إذ لا معنى محصل للتعبد بالخبر الموافق للعامة لان الخبر الذي صدر تقية يكون في حكم المعدوم والمعدوم ليس بشيء كي يصح التعبد بلحاظ العمل به ، وقال الشيخ الأنصاري قدس‌سره بعد جملة من الكلام فمورد ترجيح الجهتي تساوي الخبرين المتعارضين من حيث الصدور أما علما كما في الخبرين المتواترين ، وأما تعبدا كما في الخبرين المتكافئين.

وأما المورد الذي يجب فيه التعبد باحدهما المعين دون الآخر كما إذا كان راوي احدهما المعيّن أعدل وأوثق وأورع وأضبط من راوي الآخر ، فلا وجه لاعمال المرجّح الجهتي في هذا المقام ، بل يعمل بالمرجّح الصدوري ، لان جهة الصدور متفرعة على اصل الصدور كتفرع النقش والانتقاش على تحقق العرش خارجا. انتهى موضع الحاجة من كلامه زاد الله في علوّ مقامه.

قوله : وفيه مضافا إلى ما عرفت ان حديث فرعية جهة الصدور ...

قال المصنّف قدس‌سره : يرد الاشكال في كلام الشيخ الأنصاري قدس‌سره ان كون الجهة للصدور متفرعا على أصل الصدور يصحّ إذا لم يكن المرجّح من حيث الجهة من مرجّحات أصل الصدور بل نحكم بكون المرجّح الجهتي ثابتا من مرجّحات جهة الصدور فقط ، وأما إذا كان المرجّح الجهتي ثابتا من مرجّحات أصل الصدور بمناط الظن بالصدق ، أو بمناط الاقربية إلى الواقع.

فاي فرق بين المرجّح الجهتي وبين سائر المرجّحات من المرجّح الصدوري

٢٢٥

والمضموني والمتني وغيرها فكل مرجّح أوجب كون ذي المرجّح مظنون الصدق ، أو كونه أقرب إلى الواقع كان سببا لتقديم ذيه على غيره سواء كان هذا المرجّح مرجّحا جهتيا ، أو صدوريا ، أو متنيا ، أو مضمونيا.

والحال لم يقم الدليل العقلي ، أو النقلي بعد في الخبرين المتعارضين على وجوب التعبد بصدور الراجح منهما من حيث غير الجهة ، أي من حيث الصدور مع كون الخبر الآخر راجحا بحسب الجهة.

مثلا إذا كان راوي احدهما أعدل وأفقه وأضبط وكان الخبر الذي يكون راويه عادل فقيه وضابط مخالفا للعامة فلا يجب تقديم الأول على الثاني بل يكون هذا التقديم أول الكلام بين المصنّف قدس‌سره : وبين الشيخ الأنصاري قدس‌سره هذا مضافا إلى عدم الدليل على تقديم بعض المرجّحات على بعض لأنّ المقبولة والمرفوعة وغيرهما تكون بصدد تعداد المرجّحات فقط كما لا يخفى.

فالنتيجة ان قول الشيخ الأنصاري قدس‌سره مردود من وجهين احدهما هو ما عرفته سابقا من عدم لزوم الترتيب بين المرجّحات المنصوصة سواء قلنا بالتعدي منها إلى غيرها أم قلنا بعدم التعدي وثانيهما أن المرجّح الجهتي كسائر المرجّحات فلا فرق أصلا بينه وبينها ، أي بين المرجحات الأخر.

وعليه فلا محيص من ملاحظة الراجح صدورا ، أو جهة ، أو مضمونا ، أو متنا بحسب الظن بالصدق ، أو بحسب الاقربية إلى الواقع ، أو لا محيص حينئذ من دلالة اخبار العلاج على تقديم بعض المرجّحات على بعضها الآخر بحسب الترتيب الذي ذكر في الأخبار العلاجية كي يتم قول الشيخ بتقديم المرجح السندي على المرجح الجهتي والحال انها لا تدل على لزوم التقديم المذكور وعلى حكم تزاحم المرجّحات بعضها مع البعض الآخر ، فعدم دلالة الأخبار العلاجية على الترجيح باحد المرجّحين الصدوري والجهتي في صورة تزاحمهما لا يخلو من أحد وجهين :

٢٢٦

الأول : انه ، أي عدم الدلالة ثابتة ، لأجل كونها في مقام تعداد الترجيح من حيث هو ترجيح بتلك المرجّحات ولا تكون بصدد بيان الترتيب بين المرجّحات المنصوصة ، ولا بصدد بيان تقديم بعضها على بعض.

الثاني : انه محقق لأجل عدم تعرض الأخبار العلاجية حكم مزاحمة المرجّح الجهتي مع غيره لمزاحمة الخبر الذي يوافق الكتاب الكريم مع الخبر الذي يخالف العامة.

وعليه فلا جرم من الرجوع إلى اطلاقات التخيير في صورة مزاحمة المرجّح الجهتي مع غيره من المرجّحات الأخر فينبغي ان تلحظ الأخبار العلاجية لحاظا عميقا حتى يتبيّن الحال ان شاء الله تعالى.

قوله : فلا تغفل ...

من عدم لزوم مراعات الترتيب بين المرجّحات المنصوصة ومن رجوع جميع المرجّحات إلى السند كما تقدم تحقيق هذا الرجوع آنفا.

قوله : وقد أورد بعض اعاظم تلاميذه عليه ...

واستشكل علي الشيخ الأنصاري قدس‌سره المحقق الرشتي صاحب البدائع قدس‌سره بانه إذا لم تعقل حجّية الخبرين اللذين يكونان مختلفين من حيث السند بأن يكون راوي احدهما أعدل وأوثق أفقه أضبط من راوي الآخر في الصورة التي يحمل فيها الخبر الموافق للعامة على التقية كما قال به الشيخ الأنصاري طاب ثراه وحينئذ لا يعقل التعبد بصدور كلا الخبرين الموافق للعامة والمخالف لها معا بل تعبدنا الشارع المقدس بالمخالف فقط ، إذ الموافق يحمل على التقية.

وعليه إذا كان الخبران المتعارضان متساويين من حيث السند والصدور فلا يعقل التعبد بحجّيتهما معا ، إذ يحمل الموافق على التقية تعبدا ولا معنى للتعبد بكون الموافق حجة وعلى هذا الاساس إذا كانت حجيتهما معا معقولا تعبدا في

٢٢٧

صورة تخالفهما من حيث السند فهي معقولة في صورة تساويهما سندا وصدورا وإذا كانت الحجيّة ممنوعة فهي ممنوعة في الصورتين معا ، أي في صورة تساوي الخبرين المتعارضين سندا وصدورا وفي صورة تخالفهما فيهما ، بلا فرق بينهما من هذه الناحية ولكن اتفق الاصوليون العظام (رض) في جريان الترجيح في صورة تساوي الخبرين من حيث السند فيؤخذ بالراجح ويطرح المرجوح سندا.

فالنتيجة ، أي نتيجة الاشكال ، انه إذا حمل الموافق على التقية فلا يعقل التعبد بصدور الخبرين يكونان متخالفين من حيث السند وكذا لا يعقل التعبد بصدورهما معا إذا كانا متكافئين من حيث السند ، إذ لا يعقل التعبد بصدور الموافق للعامة لان الحمل على التقية يوجب الغاء الموافق للعامة رأسا فقول الشيخ الأنصاري قدس‌سره فمورد هذا الترجيح تساوي الخبرين من حيث الصدور فاسد عند المحقق الرشتي قدس‌سره.

في جواب المصنف قدس‌سره على هذا الاشكال

قوله : وفيه ما لا يخفى من الغفلة وحسبان انه التزم ...

قال المصنّف قدس‌سره : ان الغفلة عن الحق موجود في كلام المحقق الرشتي قدس‌سره لانه زعم ان الشيخ الاعظم قدس‌سره في مورد الترجيح بحسب الجهة قد التزم في صورة تساوي الخبرين المتعارضين من حيث الصدور إما علما كالمتواترين وإما تعبدا بصدورهما فعلا ولكن ليس مبنى الشيخ الأنصاري قدس‌سره كذلك حتى يرد عليه اشكال المحقّق الرشتي قدس‌سره. إذ غرض العلامة الأنصاري (طاب ثراه) من تساوي الخبرين من حيث الصدور بحسب التعبد تساويهما بحسب الدليل للتعبد بالصدور.

ومن الواضح ان دليل التعبد والحجية للخبر لا يكون مقتضيا للتعبد الفعلي بالمتعارضين معا.

٢٢٨

ففرضه ان للمتعارضين في مورد الترجيح بحسب الجهة اثبات الحجية الانشائية لا الحجية الفعلية ، إذ ليس الدليل بقائم على ثبوت الحجة الفعلية ، إذ لا تدل عليها ادلة اصل الحجية ولا الأخبار العلاجية وعلى ضوء هذا فكيف نلتزم الشيخ الأنصاري قدس‌سره عليها ، أي على الحجية الفعلية حتى يجعل كلامه مورد الاشكال والاعتراض.

فالنتيجة ليست الحجية الفعلية للمتساويين ولا للمتخالفين على كل تقدير لأنه في المتكافئين ليسا بحجتين فعلا ، إذ دليل الحجية لا يشملهما في صورة المعارضة والحال أن مقتضى أخبار العلاج ليس إلّا التعبد باحد الخبرين المتعارضين تعيينا على مبنى الشيخ الأنصاري قدس‌سره ، أو تخييرا على مبنى المصنف قدس‌سره.

قوله : والعجب كل العجب انه رحمه‌الله تعالى لم يكتف ...

قال المصنّف قدس‌سره : ان المحقق الرشتي قدس‌سره لم يكتف بالنقض المذكور بل ادعى استحالة تقديم المرجحات السندية على المرجّح الجهتي وقد ارتكب تجشم الاستدلال على مدعاه بان امر الخبر الموافق للعامة في حال المعارضة مع الخبر المخالف للعامة يدور بين عدم صدوره أصلا عن المعصوم عليه‌السلام وبين صدوره تقية.

وعلى أيّ حال وتقدير ، فهو ليس بحجة ، وعلى ضوء هذا فكيف يقدم هذا الخبر على المخالف للعامة إذا كان سند الموافق أرجح من سند المخالف بل يستحيل تقديمه عليه لانه من قبيل تقديم اللاحجة على الحجة ، وعلى هذا فلا بد ان يقدم المرجّح الجهتي على سائر المرجّحات فالخبر الموافق للعامة يدور أمره دائما بين عدم الصدور أصلا وبين الصدور تقية سواء كان قطعيا صدورا ، أم ظنيا صدورا بل الأمر في الظني الصدور أسهل من الأمر في القطعي الصدور لاحتمال عدم صدوره أصلا بخلاف القطعي الصدور.

ثم قال المحقق الرشتي قدس‌سره تأييدا لنقضه ان احتمال تقديم المرجّحات

٢٢٩

السندية على المخالفة العامة مع نص الامام عليه‌السلام في طي الأخبار العلاجية على طرح موافقهم من الغرائب التي لم تعهد من الصدر الأول إلى زماننا هذا من ذي مسكة وشعور فضلا عمن هو تالى العصمة علما وعملا ، أي فضلا ، أي الشيخ الاعظم الأنصاري (طاب ثراه).

ثم قال المحقّق الرشتي قدس‌سره ليت شعري ، أي أتمنى علم الأمر الذي صدر من شيخنا العلامة (اعلى الله تعالى درجته) من تقديم المرجّحات السندية على المرجّح الجهتي والحال انه قدس‌سره في جودة النظر وفي الفكر الصائب ، أي بواسطة كونه جيّد النظر ذا ذهن سريع ذا فكر صائب يطرح في ضمن درسه المبارك وجلسته الشريفة المطالب والمسائل تقربان بشق القمر وتشبهان به كما ان شق القمر في افق السماء ليس بمقدور لاحد من الناس غير الرسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغير أوصيائه بالحق عليهم‌السلام. وكذا مطالبه التي يطرح في ضمن تدريسه ليست بمقدورة لآحاد الناس إلّا لامثال المحقّق الخراساني والمحقق الرشتي والمرزا الكبير الشيرازي والمحقق سيدنا الحكيم والمدقق سيدنا الشاهرودي والعلامة الثاني البروجردي والمحقق النائيني والمحقق الكمپاني والمحقق استاذنا الاعظم القائد الخميني الكبير والمحقق الحائري واستاذنا الاصولي الشهير الخوئي قدس الله تعالى اسرارهم اللهمّ احشرنا معهم آمين.

قوله : وانت خبير بوضوح فساد برهانه ضرورة ...

ومن المعلوم فساد برهان المحقّق الرشتي قدس‌سره ، إذ أمر الخبر الموافق للعامة ليس بدائر بين صدوره تقية لا لبيان الحكم الواقعي وبين عدم صدوره أصلا بل يدور أمره بين الاحتمالات الثلاث : الأول والثاني : قد بيّنا آنفا.

والثالث : يحتمل صدوره لبيان حكم الله الواقعي والخبر المخالف للعامة الذي يعارض الموافق يحتمل عدم صدوره لانه ليس بقطعي الصدور على الفرض

٢٣٠

وبواسطة الاحتمال الثالث في الموافق تشمله أدلة الحجية ونحكم بحجيته فعلا ، إذ يكفي في شمول أدلة الحجية احتمال الصدق إذ المانع عنها هو العلم بالكذب ، واما في الخبرين القطعيين من حيث السند ومن حيث الدلالة.

فلا محيص في هذا المورد من أن يكون الخبر الموافق للعامة صادرا عن تقية وليس الاحتمال الآخر فيه حينئذ بموجود ، وأما إذا لم تكن دلالة الخبر المخالف للعامة قطعيا فيحتمل في الخبر الموافق حينئذ ان يصدر لبيان حكم الله الواقعي ويحتمل أن يراد من الخبر المخالف للعامة خلاف ظاهره فقياس الموافق للعامة الذي يكون ظني السند وظني الدلالة بالموافق الذي يكون قطعي السند وقطعي الدلالة يكون مع الفارق لان الخبرين الموافق والمخالف إذا كانا قطعيين من حيث السند ومن حيث الدلالة فلا يحتمل في الموافق إلّا صدوره تقية.

واما إذا كانا ظنيين صدورا ودلالة فيحتمل في الموافق ثلاث احتمالات :

الأول : عدم صدوره رأسا.

الثاني : صدوره تقية.

الثالث : صدوره لبيان حكم الله الواقعي.

ولكن يحتمل أن يراد من المخالف حينئذ خلاف ظاهره فدوران احتمال الاثنين الأول والثاني فيما إذا كان المخالف قطعيا صدورا وجهة ودلالة ، وأما إذا لم يكن المخالف قطعيا صدورا وجهة ودلالة فيكون أمر الموافق دائرا بين الاحتمالات الثلاثة المذكورة.

فالنتيجة انه لا يمكن ان يقال بتقديم المرجّحات السندية على المرجّح الجهتي ، أو بالعكس ان كان احدهما اقوى وإلّا فالرجوع إلى أدلة التخيير.

قوله : ومنه قد انقدح إمكان التعبد بصدور الموافق القطعي ...

قد انقدح لك مما تقدم امكان التعبد بصدور الخبر الموافق للعامة إذا كان

٢٣١

قطعي الصدور والامام عليه‌السلام كان بصدد بيان حكم الله الواقعي ، كما يمكن التعبد بصدور الخبر المخالف للعامة نعم لا يمكن التعبد بصدور الموافق للعامة ، إذا كان الخبر المخالف للعامة الذي يعارض الموافق للعامة قطعيا سندا وجهة ودلالة ، إذ يعيّن حمل الموافق حينئذ على التقية وبعد الحمل لا يكون للتعبد به محل ، إذ التعبد انما يكون من حيث العمل على طبق المتعبد به ولا يجوز العمل على طبق الخبر الذي صدر تقية.

قال المصنف قدس‌سره : اني اقسم بروحي ان هذا المطلب المذكور أوضح من أن يخفى على مثل المحقق الرشتي الذي هو علم في التدقيق والتحقيق ، ولكن الخطأ والنسيان صارا كالطبيعة الثانية للانسان ولهذا قد اختفى هذا المطلب على المحقق المذكور ، عصمنا الله تعالى من زلل الاقدام والاقلام في كل ورطة ومقام آمين آمين.

قوله : ثم ان هذا كله انما هو بملاحظة ان هذا المرجح مرجح من حيث الجهة ...

ثم ان الابحاث المتقدمة من كون المخالفة العامة مرجحا جهتيا ومن تقدمها على المرجح الصدوري كما قال به الوحيد البهبهاني قدس‌سره ، أو من تقدم المرجح الصدوري على المرجح الجهتي كما ذهب اليه الشيخ الأنصاري قدس‌سره ، أو من انه لا فرق بينهما وهو مختار المصنّف قدس‌سره لكون المعيار في التقدم هو حصول الظن بالصدق والصدور ، أو حصول الاقربية إلى الواقع انما هي بملاحظة كون المخالفة للعامة من المرجحات الجهتية.

وأما بملاحظة كونها من المرجّحات الدلالية نظرا إلى ما في الموافق للعامة من احتمال التورية وهذا الاحتمال يوجب لضعف ظهوره ودلالته والمخالف للعامة يكون أقوى من الموافق دلالة وظهورا بعدم احتمال التورية فيه أصلا فالمخالفة للعامة مقدمة على جميع المرجّحات الصدورية لما عرفت سابقا من تقدم

٢٣٢

المرجّحات الدلالية كلا على غيرها.

ولكن هذه الكبرى مسلمة مقبولة وهي عبارة عن تقدم المرجحات الدلالية على جميع المرجحات ، وأما كون المخالفة للعامة من المرجحات الدلالية محل نظر فالصغرى ممنوعة بل هي من المرجّحات الجهتية فان مجرد كون الخبر موافقا للعامة ومجرد جريان احتمال التورية فيه دون بيان الواقع لا يخلّ بظهور الموافق للعامة كي يكون المخالف للعامة أقوى ظهورا من الموافق للعامة ولذا قال المصنّف قدس‌سره.

اللهمّ إلّا ان يقال ان باب احتمال التورية وان كان مفتوحا في الخبر الموافق للعامة إلّا أن هذا الاحتمال حيث كان بالتأمل والنظر وليس هذا الاحتمال ، أي احتمال التورية في الموافق بواضح ولهذا لم يوجب هذا الاحتمال أن يكون معارضه أظهر منه بحيث يكون قرينة على التصرف عرفا في الموافق كاظهرية الخاص بالاضافة إلى العام وكالمقيد بالاضافة إلى المطلق ولذا يكون الخاص قرينة على التصرف في العام والمقيد على التصرف في المطلق ومن هذه الجهة يحمل العام على غير الخاص والمطلق على المقيد ولكن المخالف للعامة ليس باظهر من الموافق للعامة ولهذا لا يكون المخالف قرينة على التصرف في الموافق لعدم أظهريته بالاضافة إلى الموافق.

قوله : فتدبر ...

وهو اشارة إلى أن الظهور متبع عند العقلاء إذا لم تكن قرينة على خلاف الظاهر أما إذا كانت على خلافه احتمال التورية ، أو احتمال التقية إذا كان هذا الاحتمال احتمالا عقلائيا فيكون المخالف اظهر من الموافق في مفاده فقول اللهمّ إلّا ان يقال إلى الاخير مردود.

وينبغي التوضيح في طي التورية وهي عبارة عن ذكر اللفظ الذي له معنيان احدهما قريب إلى الذهن ، وثانيهما بعيد عنه ، والمتكلم أراد المعنى البعيد عن الذهن

٢٣٣

تورية ، ولكن المخاطب تخيّل ان المتكلم اراد المعنى القريب. مثلا إذا اكره شخص على سب مولانا ، وامامنا علي عليه‌السلام فهذا الشخص يسبّه دفعا للاكراه ولكن اراد من لفظ علي المسمى الآخر بعلي بحيث يجوز لعنه لكونه كافرا مثلا ، وهي تعدّ من المحسّنات البديعية كالطباق والجناس والايهام والاستخدام والكنايات مثلا.

في المرجحات الخارجية

قوله : فصل موافقة الخبر لما يوجب الظن بمضمونه ...

وينبغي ان يعلم ان المرجّحات على قسمين داخلية وخارجية :

فالاولى : عبارة عن كل مزية ترجع إلى الصدور تارة وتلك كاعدلية الراوي مثلا ، واخرى ترجع إلى جهة الصدور وتلك كمخالفة العامة ، إذ الخبر المخالف لم يصدر تقية وثالثة ترجع إلى المضمون ، وتلك كالنقل باللفظ بالنسبة إلى النقل بالمعنى ، ورابعة ترجع إلى الفاظ الخبر وكلماته وتلك كفصاحة الفاظ الخبر.

الثانية : الخارجية فهي على ثلاثة أقسام : الاولى : ما تكون غير معتبرة ولكن تكون متعاضدة لمضمون أحد الخبرين ، وتلك كالشهرة الفتوائية والاجماع المنقول ، الثابتين على طبق مضمون أحدهما ولكن ليستا بحجتين. والثانية : ما تكون معتبرة ومعاضدة لمضمون أحدهما ، وذلك كالكتاب الكريم والسنة الشريفة. الثالثة : لا تكون معاضدة لمضمون أحد الخبرين كالاصل ، أي اصالة الصدور بناء على عدم اعتباره من باب الظن بل اعتباره يكون من باب التعبد المحض ، وعليه لا تكون معاضدة لمضمون أحدهما.

فالمرجّحات الخارجية ثلاثة اقسام ، فاذا توافق مضمون الخبر مع الشهرة الفتوائية ، أو مع الاجماع المنقول ، سواء كان التوافق المذكور يفيد الظن الفعلي

٢٣٤

بصدق الخبر ، أم يفيد الظن الشأني بصدقه ، فلا يوجب هذا التوافق ترجيح أحدهما. على الآخر ولهذا قال المصنف قدس‌سره : ولو نوعا.

أما قوله : في الجملة ، فهذا احتراز عن مثل القياس المستنبط العلة فليس موافقة الخبر لمثل القياس من المرجّحات وبناء على هذا التوافق المذكور إذا وجب الترجيح التعدي من المرجّحات المنصوصة إلى كل مزية فيقدم هذا الخبر الذي يوافق مضمونه مع الامارة ، ولو كانت غير معتبرة على الخبر الآخر لانه يكون ذا مزية وكذا يقدم هذا الخبر على الخبر الآخر إذا وجب العمل بأقوى الدليلين إذ الخبر الموافق للشهرة الفتوائية ، أو الاجماع المنقول يكون أقوى من الآخر الذي يخالفهما فالموافق يقدم على المخالف للامارة المذكورة أو الشهرة الفتوائية أو الاجماع المنقول.

ولكن قد عرفت سابقا ضعف وجوب ترجيح ذي الترجيح على فاقده وضعف لزوم التعدي من المرجّحات المنصوصة إلى كل مزية ، إذ ليس الدليل العقلي ولا النقلي بموجودين عليهما وأما اقامة البرهان عليهما من قبل القائل بوجوب الترجيح في صورة التعارض وبلزوم التعدي فمردود عند المصنف قدس‌سره وقد مرّ جوابه.

وأما العمل باقوى الدليلين فهذا مسلّم مقبول ولكن الكلام انما يكون في الصغرى وهي هل تكون موافقة الخبر للشهرة الفتوائية ، أو الاجماع المنقول توجب اقوائية الخبر من حيث الدلالة ، أم لا بل اختلاف بين الاعلام (رض) في هذا الأمر والمطلب قال الأكثر (رض) بان هذا التوافق لا يوجب اقوائية الخبر من حيث الدليلية.

نعم إذا كانت الشهرة الفتوائية كاشفة عن القرينة في الكلام بحيث تدل على صدق الخبر فهذه القرينة توجب اقوائية الخبر وإلّا فلا توجب الموافقة للشهرة الفتوائية أو الاجماع المنقول أقوائيته من حيث الدليلية وكذا لا توجب هذه الموافقة

٢٣٥

الظن بضعف خبر المعارض من حيث الدليلية من جهة التقية وغيرها من المحامل ومن حيث السند والصدور.

وقد عرفت في الفصل الرابع ان التعدي من المرجّحات المنصوصة في الأخبار العلاجية إلى غيرها محل نظر بل محل منع لأجل فساد الوجوه الثلاثة التي اقامها الشيخ الأنصاري قدس‌سره على التعدي ، وقد عرفت في آخر الفصل الرابع ان الظاهر من القاعدة المشهورة وهي عبارة عن لزوم العمل بأقوى الدليلين ما كان الاقوائية من حيث الدليلية والكشفية عن الواقع ومجرد كون مضمون أحد الخبرين مظنون الصدق لأجل مساعدة امارة ظنية عليه لا يوجب قوة في أحدهما من هذه الحيثية ، أي من حيث الدليلية والكشفية بل هو باق على ما هو عليه لم ينقلب منه إلى غيره أصلا بواسطة هذا التوفيق فكأن المساعدة وعدمها مثلان بلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلا. فلا يندرج الخبر الموافق للامارة غير المعتبرة في تحت أقوى الدليلين كما لا يخفى.

ومطابقة أحد الخبرين للامارة غير المعتبرة لا يكون لازم المطابقة المذكورة تحقق الظن القوي بوجود خلل في الخبر الآخر أما من حيث الصدور ، وأما من حيث جهة الصدور كي لا نعمل به كيف يوجب مجرد المطابقة لامارة غير المعتبرة الظن بالخلل في صدور المعارض ، أو في جهة صدوره بحيث ما صدر أصلا عن المعصوم عليه‌السلام ، أو صدر تقية لا لبيان الحكم الواقعي ، والحال انا نقطع بوجود جميع شرائط الحجية في الخبر المخالف للشهرة لو لا ابتلائه بمعارضة الخبر الموافق للشهرة ، أو الاجماع المنقول.

ومن الواضح ان مجرد موافقة الموافق من حيث المضمون لامارة غير معتبرة لا يوجب أصلا وهن المخالف صدورا ، أو جهة مع القطع بوجود جميع شرائط الحجية فيه.

٢٣٦

فان قيل انه يحصل لنا الظن بالخلل في حجيّة المخالف بسبب موافقة مضمون الموافق للشهرة الفتوائية ، أو الاجماع المنقول.

قلنا ان هذا مبتن على اعتبار الصدق الواقعي في حجية الأخبار الآحاد وعلى مانعية الكذب الواقعي عن حجيتها ولكن هذان الأمران ليسا بشرط فيها حتى يكون الظن بكذب الآخر واقعا موجبا للظن بخلل في حجيته بل شرط حجية الأخبار هو احتمال الصدق واقعا وهو موجود في الخبر المخالف للشهرة ، أو الاجماع المنقول ، إذ لو كان الصدق الواقعي شرطا في حجية الأخبار لما يمكن الأخذ باكثرها فالصدق الواقعي لا يعتبر في حجيتها كما لا يعتبر العلم بعدم الكذب واقعا في حجيتها بل يعتبر احتمال الصدق واقعا واحتمال عدم الكذب واقعا في حجية الأخبار فاللازم فيها عدم العلم بالكذب واقعا والسلام.

قوله : فافهم ...

وهو اشارة إلى المنع عن كون مطابقة احد الخبرين المتعارضين لامارة خارجية غير معتبرة موجبا للظن بخلل في الخبر الآخر الذي يخالف الامارة غير المعتبرة من حيث المضمون لا في صدوره ولا في جهة صدوره كيف ونحن نقطع بوجود جميع ما اعتبر في حجية المخالف للامارة الخارجية لو لا معارضته بالموافق لها فكيف يجتمع القطع المذكور مع الظن بالخلل في المخالف إما في صدوره وإما في جهة صدوره.

وما ذكر من الابحاث المتقدمة هو حال مطابقة احد المتعارضين للامارة الخارجية غير المعتبرة لأجل عدم الدليل على اعتبارها وتلك كالشهرة الفتوائية والاجماع المنقول.

أما ما ليس بمعتبر بالخصوص لاجل الدليل على عدم اعتباره بالخصوص وذلك كالقياس فهو وان كان ثابتا كالخبر المعتبر لعدم الدليل على اعتباره بمعنى ان

٢٣٧

القياس الذي ليس بمعتبر لاجل الدليل على عدم اعتباره بالخصوص يكون ثابتا كالشهرة الفتوائية وكالاجماعات المنقولة اللتين ليستا بمعتبرتين لأجل عدم الدليل على اعتبارهما لا عقلا ولا نقلا في وجوب الترجيح بسبب موافقة الخبر من حيث المضمون للقياس بناء على القول بالتعدي أما لاستفادته من الفقرات الخاصة من الأخبار العلاجية ، أو لدخول الخبر الراجح في القاعدة التي قد انعقد الاجماع عليها وهي وجوب العمل باقوى الدليلين المتعارضين بناء على دخول مظنون المضمون في اقوى الدليلين.

إلّا ان الأخبار الناهية عن العمل بالقياس و (ان السنة إذا قيست محق الدين) (١) و (أن أول من قاس ابليس) وغيرهما من الروايات المتكثرة مانعة عن ترجيح الخبر الموافق للقياس على المخالف له ، ضرورة ان استعمال القياس بعنوان كونه مرجّحا لاحد الخبرين المتعارضين على الآخر يكون نحو استعمال له في المسألة الشرعية الاصولية والحال أن حظر القياس فيها ليس بأقل من استعماله في المسألة الشرعية الفرعية.

إذ استعماله في الفروع وفي الاحكام الفرعية موجب لمحق الدين واضمحلاله كذا استعماله في الأصول وفي المسائل الاصولية يوجب لمحقه واضمحلاله ولا فرق في البين من هذه الناحية أصلا مثلا إذا قيس صوم الحائض بصلاتها فيقال ان الصلاة ساقطة عنها مع كونها عمود الدين ومعراج المؤمن. وعليه فلا بدّ أن يكون الصوم ساقطا عنها بطريق أولى ، فهذا القياس يوجب اضمحلال الصوم عن الدين وكذا إذا قيس الخبر الموافق للقياس بالخبر المخالف له ويقدم الموافق على المخالف ويستنبط الفقيه حكما على طبق الموافق له فهذا الاستنباط يوجب لاضمحلال الدين ، إذ ربما يكون الموافق مخالفا للواقع والمخالف مطابقا له

__________________

١ ـ الوسائل ج ١٨ ص ٢٥ ، ابواب صفات القاضي ، الباب ٦ ، الحديث ١٠.

٢٣٨

(كما لا يخفى).

قوله : وتوهم ان حال القياس هاهنا ليس في تحقق الاقوائية ...

إذا توافق أحد الخبرين مع الكتاب الكريم والسنة الشريفة ، فلو كان الخبر المخالف للكتاب المجيد والسنة المباركة متباينا معهما ، أو مع احدهما فيقال أن هذا الخبر المخالف ليس بحجة أصلا وان لم يكن له معارض بل هو زخرف وباطل فيتعيّن العمل على طبق الخبر الموافق للكتاب الكريم والسنة الشريفة ، وأما إذا كان الخبر المخالف لهما بالعموم والخصوص المطلقين كما إذا كان احدهما موافقا لعام الكتاب والآخر مخالفا له.

فمقتضى القاعدة والأخبار العلاجية ملاحظة الترجيح بين الخبرين إذا كان أحدهما أرجح من الآخر فيؤخذ به ويطرح المرجوح وإذا لم يكن أحدهما ارجح من الآخر لا من حيث الصدور والسند ولا من حيث الجهة ولا من حيث المضمون فيكون التخيير بينهما.

وعليه فان أخذ الخبر الموافق لهما فهو حسن وان أخذ الخبر المخالف لهما فيخصص عموم الكتاب الكريم وعام السنة الشريفة بالخبر الواحد هذا بناء على القول بجواز تخصيص عام الكتابي بالخبر الواحد.

ولكن لا يخفى عليك ان الأخبار التي تدل على أخذ الأخبار الموافقة للكتاب الكريم والسنة القطعية وعلى طرح الخبر المخالف لهما تشمل هذا المورد تصدق المخالفة على مخالفة العموم والخصوص بحيث يكون الكتاب عاما والخبر خاصا ، أو بالعكس ، إذا كانت هذه الأخبار في مقام ترجيح احد المتعارضين على الآخر وهذا الترجيح فرع حجيتهما ويؤخذ بالموافق.

أما إذا قيل بان هذه الأخبار التي تأمرنا بطرح المخالف وبأخذ الموافق فتكون في صدد تميز الحجّة عن اللاحجّة بحيث لا يكون المخالف حجة أصلا كما

٢٣٩

نزّلها المصنف قدس‌سره على تميز الحجة عن اللاحجة فلا تشمل حينئذ هذه الصورة أصلا وقد سبق ان هذا المورد خارج عن تحت الأخبار العلاجية.

ويؤيد كونها في صدد تميز الحجة عن اللاحجة الأخبار التي تدل على عرض الأخبار المتعارضات على الكتاب الكريم والسنة القطعية فاذا كان الموافق لهما ، أو لاحدهما موجودا فخذوه ، وإذا كان مخالفا فاطرحوه ولا ريب في أن هذه الأخبار ظاهرة في ان المخالف ليس بحجة أصلا فالمخالف لم يكن حجة سواء كان مخالفته لهما ، أو لاحدهما على نحو التباين بحيث يدل الكتاب الكريم على حلية الشيء والخبر على حرمته ، أو بالعكس ، أم كان مخالفته على نحو العموم والخصوص فاللازم حجية الموافق وعدم حجية المخالف.

وعليه فيتعين الأخذ بالموافق ولا يجوز الترجيح ولا التخيير ، أي ترجيح المخالف على الموافق بسائر المرجّحات ، إذ على هذا المبنى ليس المخالف بحجة أصلا فأخبار العرض على الكتاب الكريم وأخبار العلاج تفرغان عن لسان واحد بدلالتهما على تميز الحجة عن اللاحجة ، أي يدلان معا على ان المخالف للكتاب ليس بحجة أصلا.

وعلى هذا الاساس لا وجه لحمل المخالفة في الأخبار العلاجية على خلاف المخالفة في اخبار العرض بان تحمل المخالفة في الاولى على الترجيح وفي الثانية على تعيين الحجة عن اللاحجة بل ينبغي أن تحمل في كليهما على معنى واحد وهو تميز الحجة عن اللاحجة.

فالنتيجة ان اخبار العلاج تدل على أخذ الموافق للكتاب ، أو السنة القطعية لهما معا فهذه يكون بمعنى عدم كون المخالف حجة ، وان اخبار العرض تدل على عدم حجية المخالف أصلا فهما تفرغان عن لسان واحد.

وعليه لا وجه للتفكيك بينها بحمل المخالفة في اخبار العلاج على ترجيح

٢٤٠