البداية في توضيح الكفاية - ج ٥

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٥

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات هماى دانش
الطبعة: ١
ISBN: 964-8035-01-6
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٣٥٢

قوله : فتدبّر ...

وهو اشارة إلى أن مراد الشيخ الأنصاري قدس‌سره من عدم البيان هو عدم البيان في مقام التخاطب في انعقاد أصل الظهور للمطلق في الاطلاق والمراد من عدم البيان إلى الأبد هو عدم البيان في حجية الظهور من حيث البقاء لا من حيث الانعقاد للظهور فالمطلق كالعام ، إذ انعقاد ظهور العام في العموم يتوقف على عدم المخصص في مقام التخاطب وأما حجيته فتتوقف على عدم المخصص إلى الأبد كالمخصص المنفصل. وكذا انعقاد ظهور المطلق في الاطلاق يتوقف على عدم البيان عند التخاطب ، وأمّا حجيته فتتوقف على عدم بيان التقييد إلى الأبد كالمقيّد المنفصل.

في دوران الأمر بين التخصيص والنسخ

قوله : ومنها ما قيل فيما إذا دار بين التخصيص والنسخ ...

إذا ورد العام والخاص المتخالفان في الكلام حال كونهما منفصلين عن الآخر فيتصور فيهما اربع صور :

الاولى : ان يكون الخاص بعد العام قبل حضور وقت العمل بالعام.

الثانية : أن يكون الخاص بعد العام وبعد حضور وقت العمل بالعام.

الثالثة : أن يكون العام بعد الخاص قبل حضور وقت العمل بالخاص.

الرابعة : أن يكون العام بعد الخاص وبعد حضور وقت العمل بالخاص.

ولا خلاف في كون الخاص مخصّصا للعام في الصورة الاولى ، وفي الصورة الثالثة ، وانما الخلاف بين الاعلام (رض) في الصورة الثانية ، وفي الرابعة وهما عبارتان عما إذا كان ورود الخاص بعد العام ، وبعد حضور وقت العمل به وإذا كان ورود العام بعد ورود الخاص وبعد حضور وقت العمل بالخاص.

ففي الاولى يدور الأمر بين كون الخاص المتأخر عن العام مخصصا للعام أو

٢٠١

ناسخا له ، وفي الثانية يدور الأمر بين كون الخاص المتقدم مخصصا للعام المتأخر وبين كون العام المتأخر ناسخا للخاص المتقدم.

ولكن اختار المصنف قدس‌سره في الاولى كون الخاص المتأخر ناسخا للعام إذا كان العام المتقدم واردا لبيان الحكم الواقعي وأما إذا كان الخاص المتأخر مخصصا للعام المتقدم فيلزم حينئذ تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو لا يجوز فلا بد من المصير إلى كونه ناسخا له.

واختار في الثانية كون الخاص المتقدم مخصصا للعام المتأخر وليس العام المتأخر بناسخ للخاص المتقدم نظرا إلى شيوع التخصيص وندرة النسخ في الشريعة.

فالمصنّف قدس‌سره ذكر في هذا المقام صورتين من الصور الاربع وهما الثانية والرابعة ، ولا يخفى ان الناسخ رافع لاستمرار حكم المنسوخ ودوامه أما بخلاف التخصيص فانه رافع للحكم عن بعض افراد العام ومصاديقه.

قوله : ولا يخفى أن دلالة الخاص ، أو العام على الاستمرار ...

فقد شرع المصنّف قدس‌سره في اختيار عدم ترجيح التخصيص على النسخ في الصورتين المذكورتين وقال : حال كونه مستشكلا على الوجه المذكور بأن دلالة الخاص ، أو العام على استمرار الحكم ودوامه مستندة بالاطلاق لا بالوضع ولهذا بناء على الوجه العقلي في تقديم التقييد على التخصيص في صورة دوران الخاص بين أن يكون مخصّصا للعام وبين أن يكون العام ناسخا للخاص ، هذا إذا ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص وفي صورة دوران الأمر بين أن يكون الخاص مخصّصا للعام ، أو ناسخا له ، أي للعام ذاك إذا ورد الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام يجب تقديم النسخ على التخصيص وأما غلبة التخصيص على النسخ فتكون موجبة لاقوائية ظهور الكلام في الاستمرار والدوام من ظهور العام في العموم إذا كانت الغلبة مرتكزة في أذهان أهل المحاورة بحيث تعد من القرائن المحفوفة بالكلام وإذا

٢٠٢

لم تكن الغلبة مرتكزة في اذهان أهل المحاورة بحيث تعدّ من القرائن المحفوفة بالكلام ، فهذه الغلبة وان كانت تفيد الظن بالتخصيص ولكن هذه الغلبة لا توجب اقوائية الظهور وهي تكون ملاك تقديم التخصيص على النسخ كما لا يخفى.

توضيح في طيّ الوجه العقلي

أولا وثانيا في كلمة أيضا تكون مذكورة في كلام المصنف قدس‌سره ، وهو انه عبارة عن كون ظهور العام في العموم تنجيزيا غير معلق على عدم البيان وعن كون ظهور المطلق في الاطلاق وعدم التقييد تعليقيا ، أي معلّق على عدم البيان هذا الأمر الأول والثاني في طي كلمة أيضا ، وهو كما أن التقييد مقدّم على التخصيص في صورة دوران الأمر بينهما كما في الصورة الاولى وكذا يقدم النسخ على التخصيص في صورة دوران الأمر بينهما كما في الصورة الثانية التي قد ذكرت في هذا الكتاب الشريف.

قوله : ثم انه بناء على اعتبار حضور وقت العمل في التخصيص ...

ويعتبر في التخصيص عدم حضور وقت العمل بالعام لانه إذا حضر وقت العمل بالعام ولم يصدر الخاص من المولى لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو قبيح وعلى هذا الاساس يشترط في كل الخاص الذي يكون مخصّصا للعام أن يصدر من المولى قبل حضور وقت العمل بالعام وإذا صدر الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام فلا محيص من أن يكون ناسخا للعام ولا يكون بمخصّص ومن هذه القاعدة يتولّد الاشكال.

بالاضافة إلى الأخبار الخاصة الصادرة عن ائمّة الهدى عليهم‌السلام إذ هي صادرة عنهم بعد حضور وقت العمل بعمومات الكتاب المجيد والسنة الشريفة فيرد الاشكال في تخصيص عمومات الكتاب المجيد وفي تخصيص عمومات السنة الشريفة المروية عن الرسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نظرا إلى صدورها بعد حضور وقت

٢٠٣

العمل بالعام والعمومات ولزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة.

وعليه فيدور الأمر حينئذ في المخصصات الواقعة في أخبارهم عليهم‌السلام بين وجوه ثلاثة :

الأول : يحتمل أن يكون الخاص ناسخا للعام بمعنى ان الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أودع عندهم عليهم‌السلام علم أجل الحكم وأمده فهم يبيّنون غاية الحكم وأمده بعد حلول أجله وأمده.

الثاني : ان يكون صدور الخاص عنهم بعد حضور وقت العمل بالعام كاشفا عن وجود قرينة مع العام على التخصيص قد خفيت علينا فلا يلزم حينئذ تأخير البيان عن وقت الحاجة والعمل.

الثالث : أن يكون تأخيره عن وقت العمل بالعام لمصلحة أهم من قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة وكان من الواضح ان قبح التأخير المذكور ثابت فيما إذا لم يكن هناك مصلحة في اخفاء الخصوصات ، أو مفسدة في إبدائها واظهارها وأما إذا كانت المصلحة في الاخفاء ، أو كانت المفسدة في الابداء والاظهار فلا قبح في تأخير البيان عن وقت الحاجة حينئذ كما تقتضي المصلحة والمصالح اخفاء التكاليف الكثيرة في الصدر الأول وفي أوائل البعثة وعلى ضوء هذا فلا بأس بالالتزام بكون الأخبار الصادرة عنهم عليهم‌السلام مخصصات لعمومات الكتاب الكريم ولعمومات السنة الشريفة ، والوجه الثالث من هذه الوجوه يكون أقوى عند المصنف قدس‌سره تبعا للعلّامة الأنصاري قدس‌سره في الفوائد كما لا يخفى.

قوله : واستكشاف أن موردها كان خارجا عن حكم العام واقعا ...

وهذا يكون مفسرا لما قبله ، أي لا بأس باستكشاف أن مورد الأخبار المروية عنهم عليهم‌السلام كان خارجا عن حكم العمومات التي تكون موجودة في الكتاب المجيد والسنة الشريفة لاجل الالتزام بمخصصيتها لها وان كان موردها داخلا في حكم

٢٠٤

العمومات ظاهرا لوجهين :

الأول : لأجل اصالة العموم واصالة عدم التخصيص.

الثاني : لوجود المصلحة في اخفاء الخصوصات ، أو لوجود المفسدة في إبدائها واظهارها مثل اخفاء كثير من الاحكام والتكاليف في الصدر الأول.

ثم قال المصنف قدس‌سره ولأجل استكشاف كون الأخبار الصادرة عنهم مخصّصات للعمومات التي تكون في الكتاب المجيد والسنة الشريفة لا بأس بالالتزام بالنسخ ونقول ان الخصوصات الصادرة عن الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام تكون ناسخة لها بمعنى رفع اليد عن ظهور تلك العمومات باطلاقها في الاستمرار والدوام أيضا ، وليعلم ان النسخ هنا يكون في الحكم الظاهري بالخصوصات الصادرة عنهم التي هي احكام واقعية.

فالنسخ كما يكون في الحكم الواقعي كذلك يكون في الاحكام الظاهرية ، وأن الاطلاق يكون على نحوين احدهما الاطلاق الافرادي بمعنى شمول الحكم لكل فرد فرد نحو اكرام العلماء اطلاق العلماء يشمل لكل فرد من افراد العلماء سواء كان زيد العالم ، أم عمرو العالم وو وسواء كان زيد العالم عادلا ، أم فاسقا وثانيهما هو الاطلاق الازماني الاحوالي نحو التوجّه الى بيت المقدس وهو باطلاقه يقتضي استمرار التوجه في جميع الازمان والاحوال وإذا جاء الناسخ نحو قوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(١) فلا بد من رفع اليد حينئذ بسبب الناسخ عن ظهور التوجه إلى بيت المقدّس باطلاقه في الاستمرار الازماني والدوام الاحوالي أيضا.

فالنتيجة أنه لا بأس بالالتزام بتخصيص عمومات الكتاب المجيد والسنة الشريفة بتلك الروايات الصادرة عنهم عليهم‌السلام وكذا لا بأس بالالتزام بناسخيتها

__________________

١ ـ سورة البقرة آية ١٤٤.

٢٠٥

لعمومات الكتاب الشريف والسنة الشريفة.

قوله : فتفطّن ...

وهو اشارة إلى ان النسخ بالمعنى المذكور يكون تخصيصا حقيقة لان التخصيص على قسمين :

الأول : ان يكون افراديا نحو اكرام العلماء إلّا زيدا فوجوب الاكرام يختص بالافراد الذين هم غير زيد العالم ونحو لا تكرم العراقيين إلّا العدول منهم فحرمة الاكرام تختص بفساقهم.

الثاني : ان يكون التخصيص أزمانيا كاختصاص التوجه إلى بيت المقدّس بما قبل النسخ وبما قبل وجوب التوجه حال الصلاة إلى الكعبة المكرّمة.

في انقلاب النسبة

قوله : فصل لا اشكال في تعيين الأظهر لو كان في البين ...

وإذا تعارض الدليلان وكان أحدهما أظهر من الآخر فلا اشكال في تعيين الأظهر منهما من حيث العمل ، إذ يحمل الظاهر عليه ، وأما إذا تعارض اكثر من الدليلين كما إذا تعارض عام واحد وخاصان ففي هذا المورد يشكل تعيين الأظهر لانه إذا لاحظنا العام بعد كونه مخصّصا بأحد الخاصين مع المخصص الآخر فربما تنقلب النسبة إلى نسبة أخرى ، أي تنقلب نسبة عموم المطلق إلى العموم من وجه.

مثلا إذا ورد اكرم العلماء ولا تكرم فسّاقهم ثم ورد دليل آخر نحو ولا تكرم النحويين منهم فنسبة هذين الخاصين إلى العام عموم مطلق ، إذ كل عالم فاسق عالم وليس كل عالم بعالم فاسق ، وكذا كل النحاة عالم وليس كل عالم بنحوي ، هذا قبل تخصيص العام بهما معا والخاص أظهر من العام.

٢٠٦

وأما إذا لوحظ العام بعد تخصيصه بأحدهما فتنقلب النسبة من عموم مطلق إلى عموم من وجه فنسبة عالم العادل إلى نسبة العالم النحوى عموم من وجه ، إذ بعد التخصيص يصير العام علماء غير الفساق ، أو علماء غير النحاة مادة اجتماعهما ، أي اجتماع العالم العادل والعالم النحوي في العالم العادل النحوي.

ومادة الافتراق عن جانب العالم في العدول من العلماء غير النحوي منهم كالمحدث والمنطقي مثلا : ومادة الافتراق عن جانب النحوي في الاديب الماهر غير العالم بالفقه الشريف وبعلوم الرياضيات مثلا. هذا كله إذا خصّص العام بالمخصّص الأوّل وهو عبارة عن لا تكرم فساقهم ، وأما إذا خصّص بالثاني فتكون النسبة بين العام والخاص الأوّل أيضا عموما من وجه مادة اجتماع العالم غير النحوي والفاسق في المنطقي الفاسق مثلا ، ومادة الافتراق في المحدّث وفي الفاسق الجاهل.

توضيح المقام

وهو ان النسبة بين الأدلة الثلاثة المتعارضة إما متحدة ، وأما متعددة ، وأما إذا كانت متعدّدة فسيأتي الكلام فيه ان شاء الله تعالى.

وأما إذا كانت متّحدة فاما أن تبقى النسبة على حالها بعد ملاحظة بعضها مع بعض الآخر ، وأما أن تنقلب إلى نسبة أخرى بعد علاج التعارض مثال بقاء النسبة على حالها ما إذا ورد نحو اكرم الأمراء ولا تكرم الفساق ويستحب اكرام الفقهاء فالنسبة بين الأول وبين كل واحد من الفساق والفقهاء عموم من وجه سواء لوحظ الأمراء مع الفساق ، أو مع الفقهاء ، أم لم يلاحظ مع أحدهما ، إذ بين الأمراء وبين الفساق عموم من وجه مادة اجتماعهما في الامير الفاسق ومادة افتراقهما في الامير العادل ، وفي الفاسق المأمور ، وكذا نسبة الامير العادل مع الفقهاء عموم من وجه مادة اجتماعهما في الامير العادل الفقيه ومادة افتراقهما في الامير العادل غير الفقيه وفي

٢٠٧

الفقيه غير الامير فالنسبة بين الأول والثاني والثالث قبل التخصيص للاول بالثاني ، أو بالثالث عموم من وجه وكذا بعد تخصيص الأول بالثاني بين الأول والثالث عموم من وجه وكذا تخصيص الأول بالثالث تكون النسبة بين الأول والثاني عموما من وجه ففي هذا المورد تكون النسبة باقية على حالها.

مثال : انقلاب النسبة إلى نسبة أخرى بعد العلاج ما إذا ورد نحو اكرم الأمراء ولا تكرم فساقهم ويكره اكرام الأمراء البغداديين مثلا والنسبة بين الأول وبين كل واحد من الاخيرين من النسب الاربع عموم مطلق كالنسبة بين الانسان والحيوان وأما بعد تخصيص الأول بالثاني فتنقلب النسبة بين الأول وبين الثالث من عموم مطلق إلى عموم من وجه ، مادة اجتماعهما في الأمير العادل البغدادي ومادة افتراقهما في الأمير العادل الطهراني ، كسيّدنا الاعظم مرجع الانام الخامنئي العزيز (دام بقائه الشريف).

وفي الأمير البغدادي الفاسق وإذا تنقلب النسبة فتلاحظ النسبة الجديدة لا القديمة ففي مادة الاجتماع يقدم الراجح من العام ، أو من الخصوصات ، أو التخيير بين العام : وبين الخصوصات لو لم يكن هناك راجح في البين لا تقديم الخصوصات على العام مطلقا ، أي سواء بقيت النسبة بحالها بعد تخصيص العام بأحد الخاصين ، أم لم تبق بحالها بعده.

نعم إذا كانت بعد التخصيص باقية على حالها فتقدم الخصوصات على العام حينئذ هذا بيان الاشتباه الذي وقع فيه بعض الاعلام (رض) والمراد من بعض الاعلام في هذا المقام هو الفاضل النراقي قدس‌سره صاحب المستند.

وخلاصة الكلام إذا كان هناك عام وخاصان وقد خصّص بأحدهما كان اللازم ملاحظة النسبة بين العام وبين الخاص الذي لم يخصّص العام به بعد تخصيص العام باحد الخاصين فلا بد عند الفاضل المذكور من ملاحظة النسبة

٢٠٨

الحادثة بعد التخصيص لا النسبة القديمة.

قوله : وفيه أن النسبة انما هي بملاحظة الظهورات ...

قال المصنّف قدس‌سره : ان النسبة بين الدليلين المتعارضين ، أو الأدلة المتعارضة انما هي بملاحظة ظهوريهما ، أو بملاحظة ظهوراتها وعليه فالمعيار هو الظهور بحسب المتفاهم العرفي ، أي ظهور أحد الدليلين ، أو ظهور أحد الأدلة بحسب فهم أهل العرف بالاضافة إلى المتفاهم عن الدليل الآخر ، وعليه إذا خصّص العام بمخصّص منفصل قطعي فهذا التخصيص لا يصادم بأصل ظهور العام في العموم وانما يصادم بحجيته بالنسبة إلى مورد الخاص لأجل تحكيم النص ، أو الأظهر على الظاهر.

فالنتيجة إذا قال المولى اكرم العلماء ثم قال ولا تكرم فساق العلماء وثم قال ولا تكرم النحويين فظهور العام في العموم مضبوط محفوظ على حاله لا ينثلم بقوله ولا تكرم فساق العلماء وان انثلم به حجية العام بالنسبة إلى فساقهم فاذا كان ظهور العام محفوظا على حاله ولو بعد تخصيصه بلا تكرم فساق العلماء كانت النسبة بين العام وبين لا تكرم النحويين عموما مطلقا كما قبل التخصيص وحينئذ يعامل معهما معاملة العام والخاص لا معاملة العامين من وجه.

فالنتيجة تلاحظ النسبة القديمة لا النسبة الجديدة هذا خلاصة جواب المصنّف قدس‌سره عن هذا الاشتباه الذي وقع فيه بعض الاعاظم قدس‌سره فتكون النسبة دائما عموما مطلقا فيلاحظ العام مع جميع المخصصات قبل التخصيص ويكون الخاص مقدما على العام دائما عند ابناء المحاورة واهل العرف ، ولهذا الظهور يكون العام حجة في الباقي بعد التخصيص.

وبناء على جواب المصنف قدس‌سره عنه تكون النسبة بين العام وبين المخصص الثاني هي العموم المطلق كما تكون كذلك قبل تخصيصه بالاول.

قوله : لا يقال ان العام بعد تخصيصه بالقطعي لا يكون ...

٢٠٩

واستشكل على كون العام ظاهرا في العموم بأن المخصص إذا كان قطعيا من حيث الصدور فيحصل القطع حينئذ بعدم استعمال العام في العموم وعليه فكيف يكون ظاهرا فيه وكيف لا ينثلم بهذا المخصص القطعي ظهور العام في العموم.

ويقال في الجواب عنه بان المخصّص المنفصل القطعي يكون قرينة على عدم ارادة العموم من العام ثبوتا وفي عالم الواقع ولا يكون قرينة على عدم استعماله فيه بل يمكن استعماله فيه لافادة القاعدة الكلية ليعمل بها في صورة الشك في التخصيص وقد مضى هذا كله في مبحث العام والخاص.

فالنتيجة إذا كان المخصص منفصلا فهو لا يمنع عن استعمال العام في العموم بل من الممكن استعمال العام في العموم مع المخصص المنفصل قاعدة وضربا للقانون وكون الخاص المنفصل مانعا عن حجيّة ظهور العام في العموم من جهة تقديم النص ، أو الأظهر على الظاهر وهو ليس بمانع عن أصل ظهوره فيه كما لا يخفى على العاقل فضلا عنن الفاضل.

قوله : وإلّا لم يكن وجه في حجيّته في تمام الباقي ...

أي ولو كان المعلوم عدم استعمال العام في العموم في صورة كون المخصّص منفصلا لما كان وجه في حجيّة العام في تمام الباقي بعد ما خرج منه مقدار مخصوص بالتخصيص وذلك لامكان جواز استعماله في تمام الباقي ، أو في كل واحد من مراتب الخصوص مثلا إذا كان أفراد العلماء تسعين نفرا وقد خرج من تحت العام بسبب التخصيص عشرون نفرا فيمكن أن يجوز استعمال العام في السبعين ، أو في الستين ، أو في الخمسين ، أو في الاربعين و ...

ولكن تعيّن استعماله في تمام الباقي بعد التخصيص من باب القاعدة ، وهي عبارة عمّا إذا تعدّدت الحقيقة وتعدّدت المجازات ، فأقرب المجازات إلى الحقيقة أولى بالارادة. واحتج النافي لحجية العام في تمام الباقي بعد التخصيص بالاجمال

٢١٠

لتعدد المجازات على حسب مراتب الخصوصات فتعيّن تمام الباقي من بينها بلا معيّن ترجيح بلا مرجح ، الجواب عنه قد سبق آنفا ولمقدار انتهاء التخصيص عقد الاصوليون العظام (رض) فصلا آخر ، كما في المعالم والقوانين.

فان قيل : انا نقول بحجّية العام في تمام الباقي بعد التخصيص الأول لأجل اصالة عدم مخصّص آخر وعليه يكون مستعملا فيه وظاهرا فيه.

قلنا : ان اصالة عدم مخصّص آخر لا توجب انعقاد الظهور للعام في تمام الباقي ولا في غيره من مراتب الخصوص لوجهين :

الأول : لعدم وضع العام لاحد المراتب كي يعيّنه.

والثاني : لعدم القرينة المعيّنة لمرتبة من مراتب الخصوصات ولكن لم ينصب المولى قرينة على مراده ، لأنه اراد ان يكون لا يطلع على مراده أحد نعم ربّما يكون عدم نصب قرينة على المراد مع كون العام في مقام البيان لا في مقام الاجمال والاهمال قرينة على ارادة تمام الباقي وكون قرينية عدم النصب على ارادة تمام الباقي يكون غير ظهور العام في العموم في كل مقام ومورد بنفسه بلا قرينة ، إذ ظهور العام في تمام الباقي بنفسه غير ظهور العام فيه بسبب عدم نصب قرينة على ارادة مرتبة من المراتب ، إذ ظهور العام في تمام الباقي يكون بلا قرينة ، وظهوره في تمام الباقي بعد التخصيص انما يكون من باب القاعدة.

قوله : فانقدح بذلك أنه لا بد من تخصيص العام بكل واحد من الخصوصات ...

فقد ظهر بما تقدّم من أن النسبة بين العام والخاص بملاحظة الظهورات ومن أن تخصيص العام بمخصص منفصل لا ينثلم به ظهور العام في العموم أنه لا بد من ملاحظة ظاهر كل دليل مع ظاهر آخر وعلى هذا الاساس فلو كان هناك عام واربع خصوصات مثلا فلا بد حينئذ من تخصيص العام بكل واحد من الخصوصات ولو كان بعضها قطعيا موجبا للقطع بعدم كون العام مستعملا في العموم لا أن العام

٢١١

يخصّص أولا ببعض الخصوصات فاذا انقلبت النسبة من عموم مطلق إلى عموم من وجه التي تكون بين العام وبين باقي الخصوصات كان المدار على النسبة المنقلبة لا القديمة وحتى يعامل مع العام وسائر الخصوصات معاملة العامين من وجه من الترجيح في مورد الاجتماع ان كان ومن التخيير ان لم يكن ما لم يلزم من تخصيص العام بكل واحد من الخصوصات اشكال تخصيص الأكثر ، إذ هو مستهجن عرفا.

فانتهاء التخصيص إلى الحدّ الذي لا يجوز الانتهاء اليه عرفا قبيح ولو لم يكن هذا التخصيص مستوعبا لجميع أفراد العام ، إذ الملاك في تشخيص اكثرية التخصيص نظر أهل العرف فضلا عما إذا كان التخصيص مستوعبا لتمام افراده ومصاديقه وان لزم محذور تخصيص الأكثر فلا بد حينئذ من معاملة التباين بين العام وبين مجموع الخصوصات ومن ملاحظة الترجيح بين العام وبين الخصوصات ومن ملاحظة عدم الترجيح بينهما.

توضيح في طي بيان كيفية معاملة التعارض التبايني مع العام والخصوصات

وهو أنه لو رجح جانب الخصوصات لأجل رجحانها بالاضافة إلى العام ، أو اختير جانبها من غير الترجيح من باب التخيير بين المتعارضين فيسقط العام عن الاعتبار فلا مجال للعمل به أصلا لعدم بقاء مورد له كي يمكن العمل به.

أما بخلاف ما لو رجّح العام ، أو قدّم عليها تخييرا فلا يطرح حينئذ من الخصوصات المتعددة إلّا الخاص الذي يلزم من تخصيص العام به محذور تخصيص الأكثر لان التباين إنما كان بين العام وبين مجموع الخصوصات من حيث المجموع لانه المعارض مع العام وليست المعارضة بين العام وبين كل واحد من الخصوصات حتى يجب طرح جميعها فاللازم حينئذ طرح المجموع وتخصيص العام بالخاص الذي لا يلزم من تخصيص العام به محذور تخصيص الأكثر وطرح الخاص الذي

٢١٢

يلزم من التخصيص به ذلك المحذور المذكور.

ولا بد هنا من ذكر المثال كي يتّضح الممثّل وهو عبارة عن قول المولى يجب اكرام العلماء ويحرم اكرام فساق العلماء ويكره اكرام عدول العلماء فتخصيص العام بهما معا يبقى العام بلا مورد فحكم ذلك حكم المتباينين لان مجموع الخاصين مباين للعام والحكم هنا تخصيص العام بالخاص الأول وطرح الخاص الثاني حتى لا يبقى العام بلا مورد.

فالنتيجة يجب اكرام العلماء العدول فقط وإذا لم يطرح جميع الخصوصات بل يخصّص العام ببعضها فربما يقع التعارض بين الخصوصات فيخصّص العام ببعض الخصوصات ترجيحا ، أو تخييرا فالترجيح ثابت فيما كان لبعض الخصوصات مرجح كأن يكون قطعيا والآخر ظنيا ، أو يكون مشهورا والتخيير ثابت فيما لم يكن له مرجّح ، أو التخيير ثابت إذا قلنا به مطلقا ، كما اختاره المصنّف قدس‌سره في مقام التعارض.

هذا فيما إذا كانت النسبة بين المتعارضات متّحدة كما إذا قال المولى اكرم الأمراء ، ولا تكرم الكوفيين منهم ولا تكرم البصريين منهم فان النسبة بين كل واحد من الخاصين مع العام أخص مطلقا مادة الاجتماع في الأمير الكوفي ، أو البصرى ومادة الافتراق عن جانب الأعم في الأمير النجفي مثلا فالنسبة بينها متحدة قبل التخصيص بأحدهما وبعد التخصيص به ، إذ النسبة بين الامير غير الكوفي وبين الأمير البصري عموم مطلق مادة الاجتماع في الامير البصري مادة الافتراق في الأمير النجفي كما ان قبل التخصيص العام بالكوفي كانت النسبة بينهما عموما مطلقا كما لا يخفى ، فلا تغفل هذا ، أي قول فلا تغفل ذكر للتنبيه فقط.

قوله : وقد ظهر منه حالها فيما كانت النسبة بينها متعددة ...

لما فرغ المصنف قدس‌سره من بيان حكم المتعارضات التي تكون النسبة بينها

٢١٣

متّحدة شرع في بيان حكم المتعارضات التي تكون بينها متعددة كما إذا ورد نحو اكرم الأمراء ولا تكرم فساقهم ويستحب اكرام العدول فان النسبة بين العام وبين الخاص الأول عموم مطلق فيخصص العام به بلا ريب وارتياب تحكيما لتقديم الأظهر على الظاهر فنتيجة هذا التخصيص وجوب اكرام الأمراء العدول فقط ، واما النسبة بين العام والخاص الثاني فعموم من وجه ، مادة الاجتماع في الأمير العادل مادة الافتراق في الأمير الفاسق وفي العادل غير الأمير ، فيعامل في مورد الاجتماع وهو الأمير العادل تقديم احدهما على الآخر تعيينا ، أو تخييرا ولكن لا تنقلب نسبة العموم من وجه إلى الأخص المطلق بأن يخصّص اكرم الأمراء بلا تكرم فساقهم لتكون النتيجة بعد هذا التخصيص وجوب اكرام الأمراء العدول ثم تلاحظ نسبة الأخصية المطلقة إلى استحباب اكرام العدول حتى يجب اكرام الأمير العادل ويستحب اكرام العادل غير الأمير وليس الأمر كذلك ، إذ تلاحظ النسبة التي كانت بين العام وهو العلماء وبين الخاص الثاني وهو يستحب اكرام العدول قبل التخصيص ، أي تخصيص اكرام الأمراء بلا تكرم فساقهم من العموم من وجه.

خلاصة الكلام أن النسبة بين المتعارضات قبل العلاج لا تنقلب إلى نسبة أخرى بعد العلاج ، إذ تلحظ النسبة دائما قبل علاج التعارض.

ولا يخفى عليك أن النسبة بين اكرم الأمراء وبين لا تكرم فساق الأمراء عموم وخصوص مطلقين وأما النسبة بين اكرم الأمراء وبين يستحب اكرام العدول عموم من وجه ولا اشكال في تقديم الخاص المطلق على العام المطلق من باب تقديم النص ، أو الأظهر على الظاهر ولكن يعامل مع العامين من وجه وهما عبارة عن نحو اكرام الأمراء ونحو يستحب اكرام العدول معاملة العامين من وجه من الترجيح لاحدهما على الآخر في مادة الاجتماع ، أو التخيير بينهما في مادة الاجتماع وهو الأمير العادل.

٢١٤

وأما إذا رجّحنا نحو اكرم الأمراء فنقول بوجوب اكرام الأمير العادل ، إذ بعد تخصيصه ب (ولا تكرم فساق الأمراء) ينحصر وجوب الاكرام بعدول الأمراء وأما إذا رجّحنا نحو يستحب اكرام العدول فيقال باستحباب اكرام الأمراء العدول وان انقلبت النسبة بين اكرام الأمراء وبين يستحب اكرام العدول بعد تخصيص اكرم الأمراء ب (ولا تكرم فساق الأمراء) من عموم من وجه إلى عموم مطلق ، إذ الأمير العادل يكون أخص مطلق من مطلق العادل لما عرفته قبلا من أنه لا وجه إلّا لملاحظة النسبة قبل العلاج كما هو مختار المصنّف قدس‌سره في هذا المقام خلافا للفاضل النراقي قدس‌سره لانه يلاحظ النسبة بعد العلاج ، وتحقيق هذا المطلب قد سبق مفصّلا.

نعم إذا خصّص أحد العامين من وجه بالخاص المطلق وذلك مثل تخصيص اكرم الأمراء بنحو لا تكرم فساق الأمراء فتكون الافراد الباقية تحت العام ثابتة بمقدار لا يصح اطلاق عنوان العام عليها مجازا لأجل استهجان هذا التخصيص يكون هذا التخصيص بعيدا عن انظار أهل العرف وأبناء المحاورة وعلى هذا لقدّم نحو اكرم الأمراء في المثال على نحو يستحب اكرام العدول وتكون نتيجة التقديم وجوب اكرام الأمراء العدول.

ولا يخفى عليك ان تقديم العام الأول على العام الثاني ليس لاجل انقلاب النسبة بين العامين من وجه من عموم من وجه إلى عموم مطلق بعد تخصيص العام الأول ب ولا تكرم فساقهم ، إذ الأمير الأوّل أخص مطلقا من العادل المطلق بل التقديم المذكور انما يكون ثابتا لأجل يكون العام المخصّص نصا في الباقي لقلة أفراده ومصاديقه والعام الآخر يكون ظاهرا في الباقي بسبب عمومه مثلا إذا قلّ افراد الأمراء العدول بسبب التخصيص ب ولا تكرم فساقهم بكون العام الأول نصا في العدول من الأمراء لقلة أفراد العدول من الأمراء ويستحب اكرام العدول وهو ظاهر في افراد الأمراء العدول ويشملها بعمومه ويقدّم النص على الظاهر كتقدّم الخاص

٢١٥

على العام والوجه في ذلك ان دلالة العام المخصّص على الباقي بالمطابقة ودلالة العام الآخر على الباقي تحت العام المخصّص بالتضمن ولا ريب في أن دلالة المطابقية أقوى وأظهر من الدلالة التضمنية كما لا يخفى.

٢١٦

أقسام المرجّح

قوله : فصل : لا يخفى أن المزايا المرجّحة لاحد المتعارضين الموجبة للأخذ به وطرح الآخر ، بناء على وجوب الترجيح وان كانت على انحاء مختلفة ...

إذا كان الأخذ بالترجيح في مقام التعارض واجبا فيكون مرجّح أحد الخبرين المتعارضين على الآخر متعددا وذا انواع مختلفة على حسب الموارد وهذا الترجيح يوجب الأخذ بذي المرجّح وطرح الآخر.

الأول : عبارة عن المرجّحات الراوي وتلك كوثاقته وفقاهته وأعدليته وأورعيته مثلا.

الثاني : عبارة عن المرجحات لنفس الخبر وتلك كشهرة الخبر وعمل الاصحاب (رض) على طبقه وهذا العمل يسمى بالشهرة الروائية.

الثالث : عبارة عن المرجحات لجهة صدور الرواية وتلك كمخالفة مضمون الخبر لفتاوى العامة.

الرابع : عبارة عن المرجحات لمتن الخبر وتلك كفصاحة الفاظ الخبر وكلماته.

الخامس : عبارة عن المرجحات لمضمون الخبر وتلك كموافقة مضمونه للكتاب الكريم والقرآن العظيم ولفتاوى الاصحاب (رض) وهذا يسمى بالشهرة الفتوائية.

وغير ذلك من المزايا التي توجب مزية ذي المزية وترجيح احد أطراف التعارض في موارده سيّما إذا قلنا بالتعدي من المرجحات المنصوصة إلى غيرها من

٢١٧

كون راوي أحد الخبرين أضبط من راوي الآخر ومن كون النقل باللفظ في احدهما والنقل بالمعنى في الآخر ولكن الترجيح وان كان على انواع مختلفة مع اختلاف مواردها من حيث راوي الخبر ومن حيث نفس الخبر ومن حيث جهة صدور الخبر ، ومن حيث متن الخبر ، ومن حيث مضمون الخبر. إلّا انها ترجع بالاخرة إلى السند وتوجب قوته ورجحانه وتوجب سقوط الآخر عن الحجيّة وبدل على هذا الرجوع المذكور الأخبار العلاجية وتلك كالمقبولة والمرفوعة وغيرهما من الأخبار العلاجية لانها تدل على تقديم رواية ذات مزية في أحد اطراف الرواية ونواحيها على الآخر ، والمراد من النواحي والاطراف هو المرجّحات المذكورة.

فالنتيجة أن جميع المذكورات ، يعدّ حقيقة وواقعا من مرجّحات السند إذ جميعها يوجب رجحان احد السندين وحجيّته فعلا وسقوط الآخر عن الحجيّة رأسا وكذا الخبر الذي يوافق التقيّة فان التقية توجب رجحان أحد السندين وان كان موردها هو جهة الصدور وطرح الآخر رأسا.

خلاصة الكلام أنه لا بد من أن يكون جميع المرجّحات المذكورة وغيرها يكون من مرجحات سند أحد المتعارضين على الآخر وليس جميعها بمرجّح دلالي ولا غيره من المضموني والخارجي ، مثلا إذا كان أحد المتعارضين موافقا للتقية والآخر مخالفا لها فالتقية توجب أيضا ترجيح سند الخبر الذي يوافق التقيّة إذا كانت المصلحة في التقية فتشملها أخبار العلاجية هذا مضافا إلى أنه لا معنى للتعبد بسند لا ثمرة له عملا فان التعبد ليس إلّا بملاحظة العمل وعلى هذا الاساس إذا كان التعبد من حيث العمل على طبق الخبر الموافق للتقية وليس التعبد من حيث العمل على طبق الخبر المخالف لها فيرجّح الأول من حيث السند على الثاني.

قوله : وكونها في مقطوعي الصدور متمحّضة في ترجيح الجهة ...

وزعم المتوهم بانه إذا كان هناك الخبران المقطوعان صدورهما ولكن كان

٢١٨

احدهما أرجح من الآخر من حيث الدلالة ، أو من حيث الجهة ، أو من حيث المتن ، أو من حيث المضمون مثلا. فان هذه المرجّحات لا توجب سقوط سند الآخر ، لفرض كونه مقطوعا فهذا وان لم يعمل به مع وجود المرجح في الطرف الآخر ولكن لا يطرح سنده.

وعليه فلا بد من أن يكون الأمر كذلك في الخبرين الظنيين من حيث الصدور ولا يطرح سند المرجوح مع تحقّق الرجحان في الطرف الآخر.

فالنتيجة إذا كان الصدور والسند مقطوعين فلا جرم تمحض المزية في مزية الجهتي فلا يجوز الحكم بكون المرجحات من المرجحات السندية.

اجاب المصنّف قدس‌سره عنه : بان كون المرجّحات في مقطوعي الصدور متمحّضة في ترجيح الجهتي بحيث لا تتعدى إلى ترجيح السندي وهذا لا يوجب كونها متمحّضة فيه في مظنوني الصدور لان القطع بالسند في المقطوعين صدورا مع تحقّق المرجّحات المذكورة في أحدهما محفوظ باق على حاله وان لم تعمل بدلالة المرجوح لسقوطها.

ولكن ليس الآمر كذلك في مظنوني الصدور ضرورة أن الخبر الذي يتعيّن حمله على التقية لا يصح التعبد بسنده ولا يجوز الحكم باعتباره بحيث تجعل المرجّحات المذكورة متمحّضة في الجهة صدورا فقياس الظنين بالمقطوعين مع الفارق لانه إذا كان السند قطعيا فيصحّ ان تجعل المزايا ممحضة في ترجيح جهة الصدور ، وأما إذا كان السند ظنيا فلا تجعل المرجحات من المرجحات السندية لكون السند ظنيا دائما ، ولا يجوز جعلها متمحضة في ترجيح جهة الصدور وهذا الفرق ثابت بينهما ، أي بين المقطوعين والمظنونين دائما.

٢١٩

لا وجه لمراعاة الترتيب بين المزايا لو قيل بالتعدي

قوله : ثم انه لا وجه لمراعاة الترتيب بين المرجحات ...

قال المحقّق صاحب الكفاية قدس‌سره : إذا قلنا بالتعدي من المزايا المخصوصة والمرجحات المنصوصة إلى كل مزية واناطة الترجيح بالظن بالصدور ، أو بالاقربية إلى الواقع ، فلا وجه لمراعاة الترتيب بينها ضرورة أنه إذا كان مناط الترجيح ظنا بالصدور ، أو كون الخبر أقرب إلى الواقع فلا بد من ترجيحه على الآخر ، وإذا كان الخبران المتعارضان متساويين فيكون التخيير من حيث الأخذ والعمل بينهما.

فعلى هذا المبنى لا وجه لملاحظة التقديم والتأخير بين المرجّحات بل لا بد من ملاحظة كون ايهما مظنون الصدور ، أو أقرب إلى الواقع ، أو كونهما متساويين ، ولا فائدة مهمّة في ملاحظة الترتيب في نفسه على هذا المبنى إلّا إذا وصلنا بواسطة ملاحظة الترتيب إلى مناط الترجيح يكون عبارة عن الظن بصدور أحد الخبرين المتعارضين أو عن الظن باقربيته إلى الواقع في صورة التعارض.

نعم لو قلنا بعدم التعدي من المرجحات المنصوصة إلى غيرها لكان لمراعاة الترتيب وجه وجيه لأجل ذكرها مرتّبة في المقبولة والمرفوعة ، وقد مرّا مفصلا ، مع امكان أن يقال ان الظاهر كون المقبولة والمرفوعة في مقام بيان المرجحات فقط كسائر اخبار الترجيح والعلاج من دون نظر إلى الترتيب بينها.

فلا يكون ذكر المرجّحات مرتّبة فيهما دليلا على اعتبار الترتيب شرعا بين المرجّحات في صورة تعارض الخبرين لا سيما مع اختلافهما في ذكرها من حيث الترتيب ، إذ في المقبولة قد ذكرت صفات الراوي أولا وفي المرفوعة ذكرت الشهرة أولا وهذا الاختلاف يشعر بعدم لزوم مراعاة الترتيب بينها ولذا اكتفى في غير واحد من اخبار العلاج بذكر مرجح واحد وهو يدل على عدم اعتبار الترتيب بينها ، إذ

٢٢٠