البداية في توضيح الكفاية - ج ٥

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٥

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات هماى دانش
الطبعة: ١
ISBN: 964-8035-01-6
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٣٥٢

بحجية أحد الخبرين المتعارضين تخييرا هو مستفاد من أدلة التخيير.

الرابع : ان التخيير مطلقا ، أو في خصوص المتكافئين على الخلاف بين الاعلام (رض) هل هو بدوي بمعنى ان المكلف إذا اختار أحد الخبرين في زمان فلا يجوز له الأخذ بالآخر في وقت آخر ، أم استمراري بحيث يجوز له الأخذ باحدهما في زمان والأخذ بالآخر في زمان آخر فيه وجوه اربعة :

الأول : كونه بدويا مطلقا وهو مختار شيخنا العلامة الأنصاري قدس‌سره.

الثاني : كونه استمراريا مطلقا وهو مختار المصنف قدس‌سره.

الثالث : كونه بدويا إلّا مع قصد الاستمرار.

الرابع : كونه استمراريا إلّا مع قصد كونه بدويا فقصد الاستمرار دخيل في كون التخيير استمراريا وكذا قصد ابتدائية التخيير له دخل في كونه بدويا.

واستدل المصنف قدس‌سره على مدعاه بوجهين : أحدهما هو الاستصحاب ، وثانيهما هو اطلاقات اخبار التخيير.

أما بيان الاستصحاب فهو ان التخيير ثابت قبل الأخذ باحد الخبرين المتعارضين قطعا وبعد الأخذ باحدهما يصير مشكوكا فيه لاحتمال كون الأخذ باحدهما رافعا للتخيير فتتم حينئذ أركان الاستصحاب ويحكم ببقائه.

وأما بيان الاطلاقات فان الاطلاقات غير مقيدة بالزمن الأول وغير تقييدها به يقتضي ثبوت التخيير في الزمن الثاني بلا فرق بين الزمانين ولا يخفى ان التمسك بالاستصحاب يكون مع قطع النظر عن اطلاقات أدلة التخيير إذ لا يجوز التمسك بالأصل مع وجود الدليل الاجتهادي وتوهّم المتوهم في المقام بان أخبار التخيير ثابت في حق المتحير في الحكم وبعد الأخذ لأحدهما والعمل به يرتفع التحير قهرا ولا يكون الموضوع باقيا ،.

إذ التخيير يرتفع بارتفاع المتحيّر كي يستصحب بقاء التخيير بعد الأخذ

١٨١

باحدهما واجيب عنه بان الموضوع في أخبار التخيير هو من تعارض عنده الخبران ولا يكون الموضوع بمتحيّر.

وعليه فالموضوع باق على حاله بعد الأخذ باحدهما فمن تعارض عنده الخبران يكون موضوعا للتخيير وهو باق بعد الأخذ بأحدهما ولا يكون الموضوع متحيرا كما لا يخفى.

فالنتيجة أن التحيّر بمعنى تعارض الخبرين باق على حاله ولو بعد الأخذ بأحدهما ، وأما بمعنى آخر لم يقع في خطاب موضوعا للتخيير أصلا. والمراد من المعنى الآخر معناه اللغوي ، وهو عبارة عن الشخص الذي يمشي في البراري والصحاري طلبا لمقصوده.

هل القول بالترجيح يقتصر على المرجحات المنصوصة؟

قوله : فصل هل القول بالترجيح يقتصر فيه على المرجحات ...

هل القول بوجوب الترجيح في تعارض الخبرين يكتفى بالمرجحات المخصوصة المنصوصة التي قد ذكرت في روايات الباب؟ أو يتعدى منها إلى الأمور التي توجب مزية الخبر ، أو الظن باقربية الخبر إلى الواقع؟

فيه قولان : قال المشهور بعدم التعدي وقال بعض به واستدل بأمور ثلاثة :

الأول : ان الترجيح بمثل الأصدقية والاوثقية والاورعية والافقهية يدل على المناط في الترجيح بهذه الأمور المذكورة آنفا هو الاقربية إلى الواقع والاقربية متحصل بالأمور التي توجب أقربية الخبر إلى الواقع فكل خبر إذا كان أقرب إلى الواقع فهو أرجح من الآخر.

الثاني : أنه يدل على التعدّي ترجيح المشهور في بعض أخبار الباب على

١٨٢

الشاذ النادر بان المجمع عليه مما لا ريب فيه وهذا يدل على أن المناط في الترجيح قلة الشك وندرة خلاف الواقع في الخبر ، إذ ليس الخبر المشهور مما لا ريب فيه حقيقة بل يكون بالاضافة إلى الخبر الذي ليس بمشهور مما لا ريب فيه فعلم ان كل خبر يكون فيه احتمال خلاف الواقع أقل من الخبر الذي يعارضه فهو مقدم على الآخر وراجح عليه ولو كان فيه الف ريب مثلا.

الثالث : أنه يدل تعليل ترجيح الروايات التي تخالف العامة بأن الرشد في خلافهم ويستفاد من هذا التعليل ترجيح كل خبر يكن أقرب إلى الواقع من الآخر بالتعدي فالقائل قد استدل بهذه الوجوه الثلاثة على مدعاه.

قوله : ولا يخفى ما في الاستدلال بها ...

لمّا اختار المصنف قدس‌سره التخيير الاستمراري في صورة تعارض الخبر فقد شرع في ردّ الوجوه التي قد استدل القائل بالتعدي عن المرجحات المنصوصة إلى غيرها. وقال : ان هذه الوجوه محل اشكال.

وأما بيان اشكال الوجه الأول فهو ان كون الأصدقيّة والاوثقية ونحوهما مرجحا يكون من جهة كونها طريقة إلى الواقع وكاشفة عنه وهذا يوجب توهم كون كل شيء يكون أقرب إلى الواقع مرجحا ويكون مقدما والحال أنه لا شك في ان مجرد كاشفية شيء عن الواقع ومجرد أقربيته اليه لا يوجبان ترجيحا ، إذ نحتمل احتمالا قويا ان تكون الأصدقيّة والاوثقية دخيلين في الكاشفية والاقربية ولكن لا يكون غيرهما مرجحا ، إذ ليس لهذا الغير خصوصية في الأصدقيّة والاورعية.

وبالجملة مجرد جعل الأصدقيّة في المقبولة ، والاوثقية في المرفوعة مرجحا مما لا يوجب القطع بأن المناط في جعلهما مرجحا هو محض الاقربية إلى الواقع حتى يتعدى منهما إلى كل ما يوجب الاقربية إلى الواقع وكي يرفع اليد عن اطلاقات التخيير بحيث تحمل على صورة التساوي من جميع الجهات ومن تمام

١٨٣

المرجّحات من المنصوصة وغير المنصوصة معا وإذا لم تحرز المناط على نحو القطع فاطلاقات التخيير محكمة ولا بد حينئذ من الاقتصار في تقييدها على القدر المتيقن وهو مورد المرجحات المنصوصة دون غيرها.

فالنتيجة أن الأصدقيّة والاوثقية ليسا بحد يوجبان القطع بان الملاك فيهما جهة الإراءة والطريقية للواقع وإلى الواقع وذلك الاحتمال دخل عنوان الصداقة والوثاقة في مرجحية الخبر الاصدق والخبر الاوثق على غيرهما لا سيّما قد ذكر في المرجحات ما لا يحتمل الترجيح به إلّا تعبدا كالاورعية والافقهية والقرينتان تدلان على أن المناط فيهما ليس إراءتهما وكشفهما كي يتعدى منهما إلى كلّ مرجّح يكون كشفه كاملا الثانية احتمال كونهما مرجحين تعبدا ومن حيث التعبد لأجل قرينة الترادف ، إذ مقتضى الفصاحة كونهما مرجّحين تعبدا كالاورعية والافقهية. وعليه فكيف يتعدى منهما إلى كل مزية موجبة لا قربية الخبر إلى الواقع.

قوله : فافهم ...

وهو اشارة إلى أن الاورعية والافقهية ليسا من مرجحات الخبر كي يصح أن يقال ان الأصدقيّة والاوثقية يكونان من مرجحات الخبر بل هما من مرجحات الحكم كما اشار الامام عليه‌السلام بقوله في المقبولة الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقهما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ومن الواضح أن الاورعية والافقهية في الحاكم الشرعي مما توجبان كون حكمه أقرب إلى الواقع وقضائه أقرب إلى الصواب والحق سواء كانا يوجبان اقربية الخبر إلى الواقع ، أم لا يوجبان الاقربية وهذا لا اشكال فيه.

في الاشكال على الثاني

قوله : وأما الثاني فلتوقفه على عدم كون الرواية المشهورة ...

١٨٤

وقد اعترض عليه بان المراد من لا ريب فيه عدم الريب وقلة الاحمال بالاضافة إلى الخبر الآخر وليس المراد منه عدم الريب مطلقا فوجه ضعف الاستدلال بهذا الوجه ان صحته يتوقف على ان لا يكون المراد من الرواية المشهورة مما لا ريب فيه ما لا ريب فيه بنفسه وبذاته بل يكون المراد منها ما لا ريب فيه يحتمل فيه التحيّر ويمكن فيه الترديد والشك إذ لو كان المراد منها ما لا ريب فيه بنفسه لما تحقق التعارض بينها وبين الشاذ والحال أن ارادة هذا المعنى منها ليس بصحيح لان الشهرة في الصدر الأول بين الرواة قدس‌سرهم وبين اصحاب الائمّة عليهم‌السلام توجب الاطمينان والوثوق بصدورها بحيث يصدق عرفا أنها مما لا ريب فيه وعليه فكيف يتعدّى إلى كل مزية لا توجب اقربية الخبر إلى الواقع بالاضافة إلى معارضه ورقيبه لم توجب الاطمينان والوثوق بصدور ذي المزية بل يتعدّى منها إلى مزية توجب الاطمينان بالصدور والاقربية إلى الواقع.

في الاشكال على الوجه الثالث

قوله : وأما الثالث فلاحتمال أن يكون الرشد في نفس المخالفة ...

قال المصنف قدس‌سره أما وجه ضعف الاستدلال على التعدّي بهذا الوجه الثالث فلاحتمال أن يكون الرشد والصلاح في نفس المخالفة مع القوم ، إذ المخالفة معهم حسن في الأصول والفروع فتكون الخاصية في المخالفة وهي لا تكون في المزية الأخرى وعلى هذا فكيف نقول بالتعدي منها إلى غيرها كما لا يخفى فلا نسلّم كون المخالفة مع العامة سببا لاقربية الخبر المخالف إلى الواقع كي يتعدى منها إلى كل مزية توجب اقربية ذي المزية إلى الواقع.

ولو سلّمنا كون المخالفة سببا للترجيح والأقربية إلى الواقع وإلى الصواب

١٨٥

ومع هذا فلا بد من أن نقول إذا تعارض الموافق والمخالف فيقدم الثاني على الأول ولأجل الوثوق والاطمينان بان الخبر الموافق يكون بالنظر إلى أصل الصدور ، أو بالنظر إلى جهة الصدور ذا خلل وعليه فلا بدّ من أن يطرح في جنب الخبر المخالف من جهة احتمال التقية في الموافق.

فاذا كان الخبران موثوقان بصدورهما معا بحيث يحصل الوثوق بأن الموافق صادر تقية ومع هذا الوثوق يسقط الموافق عن الحجّية وإذا كان أمر المخالف كذلك فلا بأس بالتعدي منه إلى كل مزية توجب الاطمينان بالصدور لبيان الحكم الواقعي ولكن لا يجوز التعدي إلى كل مزية لا توجب الاقربية إلى الواقع كما هو مدعى القائل بالتعدي كما مرّ هذا المطلب آنفا في طيّ الاشكال على الوجه الثاني كما لا يخفى.

قوله : ومنه انقدح حال ما إذا كان التعليل لأجل انفتاح باب التقية ...

ولا ريب في أن علّة تقديم المخالف مع العامة على الموافق لهم تكون ثابتة بكون الرشد والهداية في خلافهم ويحتمل هذا الكون ثلاث احتمالات :

الأول : أن يكون وجه التقديم مطابقة المخالف غالبا مع الواقع. إذ العامة غالبا تكون بعيدة عن الواقع.

الثاني : أن يكون نفس مخالفة العامة رشدا وهداية فلا جرم إذا دار الأمر بين موافقة العامة وبين مخالفتهم فتكون المخالفة حسنا ذاتا.

الثالث : ان يكون وجه تقديم المخالف على الموافق انفتاح باب التقية وعلى هذا يكون صدور خبر الموافق للعامّة تقية ولهذا ليس الامام عليه‌السلام في مقام بيان الحكم الواقعي.

أما بخلاف خبر المخالف فان الامام عليه‌السلام بيّن الواقع ولأجل هذا الأمر يكون الرشد في العمل بخبر المخالف فخبر الموافق في جنب الخبر المخالف يكون ساقطا عن درجة الاعتبار والحجية ، إذ في صدوره يكون خللا ، أو يكون الخلل في جهة

١٨٦

صدوره وبكل تقدير فهو ليس بجامع لاسباب الحجية وهي عبارة عن أصل الصدور عن الامام المعصوم عليه‌السلام وعن جهة الصدور وعن الدلالة بالمطابقة ، أو التضمن ، أو الالتزام على الحكم الشرعي.

وعلى طبيعة الحال يصح أن يقال ان الخبر الموافق الذي جعل في جنب الخبر المخالف الذي عدّ من المرجحات يكون في مقام تشخيص الحجة عن اللاحجة وإذا كان التعليل لأجل انفتاح باب التقية في الموافق فيتحقّق كمال الوثوق بصدور الموافق تقية لو لا القطع بالصدور تقية في الصدر الأول الذي هو عبارة عن زمان حضور الائمّة عليهم‌السلام لأجل قلة الوسائط بين الراوي والمروي عنه ولأجل معرفة الوسائط وهذان الأمران يوجبان الوثوق بصدور الموافق تقية هذا.

في الوجه الثاني لعدم التعدي

قوله : مع ما في عدم بيان الامام عليه‌السلام للكلية ...

ولا يخفى أنه لو وجب التعدي عن المرجّحات المنصوصة إلى كل مزية توجب أقربية ذيها إلى الواقع لبيّن الامام عليه‌السلام من المرحلة الاولى الضابطة الكلية بهذا الشكل يجب الأخذ بالأقرب من الخبرين المتعارضين إلى الواقع من دون حاجة إلى ذكر تلك المرجحات المخصوصة الطويلة واحدا بعد واحد كي يحتاج السائل إلى اعادة السؤال مرة بعد مرة كما هو واضح لمن راجع الرواية وهذا واضح لا غبار عليه.

وهذه الوجوه الثلاثة تدلنا على عدم جواز التعدي من المرجحات المنصوصة والمزايا المخصوصة إلى غيرها ولكن الوجه الثالث سيأتي ان شاء الله تعالى.

١٨٧

في الوجه الثالث لعدم التعدي

قوله : وما في أمره عليه‌السلام بالارجاء بعد فرض التساوى ...

قال المصنف قدس‌سره أنه لو وجب التعدي عن المرجّحات المنصوصة إلى كل مزية توجب أقربية ذيها إلى الواقع كما أمر الامام عليه‌السلام في آخر المقبولة بعد فرض السائل تساوي الخبرين المتعارضين في جميع المرجحات المنصوصة بالارجاء حتى تلقى امامك بل ينبغي أن يأمره الامام عليه‌السلام بالترجيح بسائر المرجّحات التي توجب الاقربية إلى الواقع. والحال انه عليه‌السلام لم يأمره به وهذا واضح أيضا كما لا يخفى.

هل القول بالتعدي يتعدى إلى خصوص المزية الموجبة للظن الشأني دون الفعلي ، أو بالعكس ، أو إلى كل مزية؟

قوله : ثم أنه بناء على التعدي حيث كان في المزايا المخصوصة ...

قال المصنف قدس‌سره : لو قلنا بجواز التعدي من المرجحات المنصوصة والمزايا المخصوصة إلى كل مزية لما كان وجه لانحصار المرجحات بالتي توجب أقربية الخبر إلى الواقع ، أو توجب الظن بالواقع لانه قد ذكر في المرجحات مثل الأورعية والافقهية اللتين لا يكون لهما دخل باقربية الخبر إلى الواقع ، إذ لا توجب أورعية الراوي الظن باقربية خبره إلى الواقع وكذا لا دخل بأقربية الخبر إلى الواقع وكذا لا توجبان الظن بالواقع إذا كان سبب التورع والفقاهة الاجتناب عن الشبهات والجهد في العبادات هذا في الاورعية وكثرة التتبع في المسائل الفقهية والمهارة في القواعد الاصولية ، هذا في الأفقهية.

فلا وجه في الافقهية حينئذ للاقتصار على التعدي إلى خصوص المرجحات

١٨٨

التي توجب الظن بالواقع ، أو توجب الاقربية اليه بل يتعدى منها إلى كل مزية وان لم تكن بموجبة لأحدهما كما لا يخفى.

في التوهم المخدوش

قوله : وتوهم أن ما يوجب الظن بصدق أحد الخبرين ...

وزعم المتوهم أن الظن بالواقع في احد الخبرين المتعارضين يكون مرجحا بلحاظ كون هذا الظن سببا لكذب خبر المعارض الآخر فالمرجح لو فرض كونه موجبا للظن الفعلي بصدق احد الخبرين دون الظن الشأني فهذا يوجب للظن الفعلي بكذب الآخر فيسقطه عن درجة الاعتبار والحجية وتخرج المسألة حينئذ قهرا عن تعارض الخبرين بل عن تعارض الحجتين.

أجاب المصنف قدس‌سره عنه : بان هذا التوهم تام إذا كان حجية الأخبار من باب الظن الشخصي ، أو كانت حجيتها مشروطة بعدم الظن على الخلاف ، أي خلاف الأخبار. ولكن تكون حجة من باب الظن النوعي لا من باب الظن الشخصي.

وأما الظن على الخلاف فلا يعتبر في اعتبار الأخبار لا في جانب صدورها ولا في طرف ظهورها ولا في جهة صدورها فالظن على الخلاف لا يقدح في حجيتها أصلا هذا مضافا إلى أن حصول الظن بالكذب يختص بالمورد الذي نعلم فيه كذب احدهما لا يصدر عن الامام المعصوم عليه‌السلام قطعا ، وأما إذا لم نعلم بكذب احدهما فلا يوجب الظن بصدق أحدهما ظنا بكذب الآخر ، إذ من الممكن أن يصدرا معا عن الامام عليه‌السلام ولكن ليس ظهور أحدهما ، أو ظهور كليهما بمراد ، أو اراد الامام عليه‌السلام ظهورهما معا من باب التقية.

فالنتيجة أن جهة الصدور إذا كان قطعيا ، أو كانت الدلالة قطعية فيلزم حينئذ

١٨٩

من الظن بصدق أحدهما الظن بعدم صدور الآخر كما لا يخفى.

قوله : نعم لو كان وجه التعدي اندراج ذي المزية ...

قال المصنف قدس‌سره سابقا : لو قلنا بالتعدي عن المرجحات المخصوصة إلى غيرها لما كان وجه للاقتصار على التعدي إلى خصوص المرجح الذي يوجب الظن بالواقع ، أو يوجب الاقربية اليه بل نتعدى إلى مطلق المزية وان لم تكن موجبة لأحدهما ولكن استدرك ، أي دفع التوهم عما اختاره آنفا ، بانه لو كان وجه التعدي من المزايا المنصوصة في المقبولة والمرفوعة وغيرهما إلى غيرها اندراج ذي المزية في تحت أقوى الدليلين يجب العمل به عقلا لوجب الاقتصار حينئذ في التعدي إلى مزية توجب قوة ذيها من حيث الطريقية إلى الواقع ولا يجوز التعدي إلى كل مزية كالشهرة في الفتوى وكالأولوية الظنية وغيرهما.

فان مثل هذه المزايا وان كان موجبا لاقوائية ذيها مضمونا ثبوتا ولكن المتبادر من قاعدة أقوى الدليلين ، أو المتيقن منها هو الاقوى من حيث الطريقية والدليلية إلى الواقع لا الاقوائية من حيث المضمون ثبوتا وواقعا.

قوله : فافهم ...

وهو اشارة إلى ان المرجحات في باب التعارض وفي باب التعادل والتراجيح على نحوين : داخلية وخارجية فالاول يوجب أقوائية ذي المزية من حيث الدليلية والطريقية والثاني يوجب أقوائية ذي المزية من حيث المضمون ثبوتا ولكن هذا غير صحيح لان الشهرة الفتوائية والاولوية الظنية كانتا من المرجحات الخارجية.

والحال أنهما توجبان اقوائية أحد الخبرين الذي كانت الشهرة الفتوائية على طبقه ، أو كانت الاولوية الظنية على طبقه من حيث الدليلية والطريقية إلى الواقع وعليه لا فرق بين الداخلية والخارجية من هذه الناحية أصلا.

١٩٠

موارد التخيير والترجيح

هل التخيير ، أو الترجيح يختص بغير موارد الجمع العرفي ، أم لا؟

قوله : فصل قد عرفت سابقا أنه لا تعارض في موارد الجمع ...

فقد علم سابقا ان التعارض لا يكون في موارد الجمع العرفي كما في العام والخاص نحو أكرم العلماء ونحو لا تكرم فساقهم والمطلق والمقيد مثل أعتق رقبة ونحو أعتق رقبة مؤمنة فسقوط أحد المتعارضين لا يشملها ، إذ يحمل العام على غير الخاص والمطلق على المقيد فيكون المراد من العام غير الخاص ويكون المقصود من المطلق هو المقيد فلا اصطكاك بينها ولا تعارض في البين ولا يشملها قانون التعارض من سقوط أحدها رأسا ، أو سقوط كل واحد من المتعارضين في خصوص مضمونه بحيث لم يكونا في البين أصلا. فيقال هل التخيير والترجيح يختص بغير موارد الجمع العرفي ، أو يعمّان غيرها؟ هنا قولان : الأول هو المشهور.

والثاني : غير مشهور.

قال المصنف قدس‌سره : وقصارى ما يقال في وجه المشهور ، أي نهاية القول في استدلال رأي المشهور ان الظاهر من الأخبار العلاجية كالمقبولة : والمرفوعة وغيرهما من الأخبار التي قد فصّلت سابقا : ومن السؤال المكرّر والجواب المكرّر فيها أن التخيير والترجيح إنما يكونان في موارد التحيّر بحيث لا يكون مراد المتكلم بمعلوم لنا ولا يكونا في الموارد التي نستفيد فيها مراده ولو بواسطة الجمع بين المتعارضين لان الجمع المذكور يكون أحد انواع طرق الاستفادة للمقصود من كلام المتكلم عند أبناء المحاورة.

قوله : ويشكل بان مساعدة العرف على الجمع والتوفيق وارتكازه ...

١٩١

واستشكل المستشكل على مبنى المشهور بان مساعدة العرف على الجمع والتوفيق بين العام والخاص والمطلق والمقيّد لا توجب اختصاص السؤالات العديدة التي تدل على تحيّر السائل بغير موارد الجمع العرفي ، إذ يكون التحيّر في موارده أيضا لان السائل يسأل عن الامام عليه‌السلام عن علاج كل المتعارضين سواء ساعد العرف على التوفيق بينهما ، أم لم يساعد عليه وان كان التحيّر يزول في مقام وجود الخارجي العام والخاص والمطلق والمقيّد فموارد الجمع العرفي يكون داخلا في مقام السؤال ، إذ يكون التحيّر البدوي في الجملة في موارد الجمع عرفا أيضا.

وعليه فالاخبار العلاجية تشمل موارد الجمع العرفي. وبتقرير أوضح وهو ان مورد السؤال فيها يكون عن حال كلى الخبرين المتعارضين ، إذ في جميع أقسام المتعارضين يكون التحيّر موجودا فيصح السؤال حينئذ.

نعم يزول التحيّر في موارد الجمع العرفي بعد التأمل في زمان تحققها خارجا وعرضها على اهل العرف هذا مضافا إلى أن تحيّر السائل يمكن أن يكون بلحاظ الحكم الواقعي مثلا في شرب التبغ ورد الخبران المتعارضان بحيث يدل أحدهما على الحرمة والآخر على الاباحة فالسائل يسأل عن الحكم الواقعي الثابت في اللوح المحفوظ له.

وعليه يكون السؤال عن موارد الجمع العرفي وعن غيرها مع امكان أن يكون السؤال بلحاظ احتمال السائل ردع الشارع المقدس عن هذه الطريقة المتعارفة بين أبناء المحاورة في موارد الجمع العرفي والسائل يسأل الامام عليه‌السلام عن موارد الجمع العرفي وعن غيرها.

فخلاصة الكلام أن سبب سؤال الرواة هو جهلها في موارد الجمع العرفي والحال ان الفاظ الأخبار العلاجية سؤالا وجوابا تكون عاما بحيث تشمل موارد الجمع العرفي وغيرها وعلى ضوء ما ذكر فكيف نختصّها بغير موارد الجمع والحال

١٩٢

أن جلّ العناوين المأخوذة في السؤالات لو لا كلها يشمل موارد الجمع العرفي.

ولكن الانصاف ان هذا الاشكال مما لا وجه له ، فان مساعدة العرف على الجمع العرفي وارتكازه في الاذهان على وجه قوي يوجب انصراف الأخبار العلاجية من حيث السؤال والجواب إلى غير موارد الجمع العرفي ، وهو عبارة عمّا فيه التحيّر ، كقوله يجئنا الاحاديث عنكم مختلفة ، أو يجيئنا الرجلان بحديثين ، أو يأتي عنكم الخبران ، أو الحديثان وغيرها فراجع هناك.

وأما صحة السؤال في موارد الجمع العرفي بملاحظة التعارض البدوي الذي يزول بأدنى تأمل وتفكّر لا يمنع عن انصراف الأخبار العلاجية إلى غير الجمع العرفي وعلى ضوء هذا فيكون قول المشهور صحيحا.

فان قيل : إنا ادّعينا وجود القدر المتيقن في موارد اطلاقات السؤالات والاجوبة وهو عبارة عن غير موارد الجمع العرفي ومع وجود القدر المتيقن لا يصح التمسك باطلاق الفاظ الأخبار العلاجية سؤالا وجوابا بحيث يشمل موارد الجمع العرفي.

قلنا ان هذه الدعوى فاسدة لان كون القدر المتيقن مانعا عن التمسك بالاطلاق إذا كان في مقام التخاطب لا القدر المتيقن في مقام الخارجي وإلّا يكون لكل مطلق قدر المتيقن الخارجي.

وعليه لا يجوز التمسك باطلاق كل مطلق وغير موارد الجمع العرفي يكون قدر المتيقن خارجا عن هذه الاسئلة والأجوبة في مقام التخاطب بحيث يكون قرينة على خلاف الاطلاق فهذا ممنوع غاية المنع ولهذا يكون عدم تحقق القدر التيقن في مقام التخاطب احدى مقدمات الحكمة.

١٩٣

الجمع العرفي

قوله : مع امكان أن يكون لاحتمال الردع شرعا عن هذه ...

واعترض على مبنى المشهور :

أولا : بان التحيّر ثابت في موارد الجمع العرفي أيضا كثبوته في غيرها وان كان بدويا فيها بحيث يزول بأدنى تأمل.

وثانيا : يمكن أن يكون التحيّر في الحكم الواقعي وان لم يكن التحيّر في الحكم الظاهري فالتحير في الحكم الواقعي يكون في موارد تعارض العام والخاص والمطلق والمقيّد والنص والظاهر والأظهر والظاهر وفي غيرها.

وثالثا : يمكن أن يكون عموم السؤال لموارد الجمع العرفي لأجل احتمال السائل والراوي منع الشارع المقدس عن الجمع العرفي وهذا يصحّح السؤال عن موارد الجمع العرفي وعن غيرها مما يتحيّر العرف في الجمع بين الدليلين المتعارضين فالقول المشهور مردود كما لا يخفى.

قوله : وبذلك ينقدح وجه القول الثاني ...

أي بالاشكالات التي ترد على القول المشهور يظهر لك دليل القول الثاني وهو عبارة عن عدم اختصاص التخيير والترجيح في غير موارد الجمع العرفي بل تشملان موارد الجمع العرفي وغيرها. ذهب إلى هذا القول الشيخ الطوسي والمحقق القمّي صاحب القوانين قدس‌سرهما.

قوله : اللهمّ إلّا أن يقال ان التوفيق في مثل الخاص ...

وقد شرع المصنّف قدس‌سره بتصحيح القول المشهور من غير طريق انصراف الأخبار العلاجية سؤالا وجوابا إلى غير موارد الجمع العرفي وحاصل هذا الطريق المصحّح أن السيرة القطعية من زمان حضور الائمة الهدى عليهم‌السلام كانت ثابتة على

١٩٤

الجمع العرفي في مواردها. فهذه السيرة تكشف عن اختصاص الأخبار العلاجية بغير موارد الجمع العرفي ولا يخفى عليك أن حجية السيرة مشروطة بأمور :

الأول : أن تكون السيرة من المتدينين.

الثاني : أن تكون متصلة بزمان المعصوم عليه‌السلام.

الثالث : أن لا يمنع المعصوم عليه‌السلام عن هذه السيرة ودون اثباتها خرط القتاد ولهذا قال اللهمّ كي يعمى المخالف ولم يلتفت إلى هذه الشرائط الثلاثة.

فالسيرة القطعية قبل زمان حضور الائمة عليهم‌السلام وفي زمان حضورهم وبعد زمان حضورهم قائمة على الجمع العرفي بين العام والخاص والمطلق والمقيّد والنص والظاهر والأظهر والظاهر فلو أدعى ظهور الأخبار العلاجية في العموم بحيث يشمل موارد التوفيق العرفي ليقال :

أولا : انه لا ظهور لها أصلا.

وثانيا : لو فرض لها ظهور ليقال باختصاص هذا الظهور بغير موارد الجمع العرفي بسبب هذه السيرة المذكورة من الموارد التي يكون العرف متحيّرا في كشف المراد ، أو أدعى الاجمال ، أي إجمال هذه العمومات الثابتة في الأخبار العلاجية بواسطة هذه السيرة بحيث يساوي احتمال الشمول لموارد الجمع العرفي واحتمال التخصيص بغيرها لانّه إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال بالاخبار العلاجية لفساد مبنى المشهور ، وإذا عرض الاجمال على عمومات الأخبار ومطلقاتها بواسطة السيرة القطعية فلم يثبت العموم للأخبار ولم يثبت المنع عن السيرة بواسطة الأخبار العلاجية فالمتبع في مورد التعارض هو السيرة لا الأخبار العلاجية.

قوله : ولا ينفيها مجرد صحة السؤال لما لا ينافي العموم ...

وزعم المتوهم أن صحّة السؤال عن مطلق التعارض بحيث يشمل موارد الجمع العرفي تكشف عن العموم فدعوى السيرة المذكورة تنافي العموم ، إذ العموم

١٩٥

يصلح للمانعية عنها ، أي عن السيرة التي قد ذكرت آنفا.

وأجيب عن هذا التوهم بان قولك أيّها المتوهم صحيح مقبول ، ولكن التنافي بينهما منوط بظهور اللفظ في العموم كي يصلح هذا العموم للرادعية والمانعية عن السيرة وأما مجرد السؤال عن مطلق التعارض سواء كان التحيّر موجودا بين المتعارضين ، أم لم يكن بموجود بينهما لا يدل على العموم ، إذ صحة السؤال عن مطلق التعارض أعم من احتمال العموم ، لأجل كفاية احتماله في صحة السؤال.

ولكن احتمال العموم لا ينافي السيرة ولا يردع عنها فضمير (لا) ينافيها في قوله : يحتمل أن يكون راجعا إلى دعوى الاختصاص أو إلى دعوى الاجمال. ولكن النتيجة واحدة كما لا يخفى.

وعلى طبيعة الحال فلم يثبت باخبار العلاج ردع عما عليه بناء العقلاء بما هم عقلاء وسيرة العلماء (رض) من التوفيق العرفي بين العام والخاص ، والمطلق والمقيّد ، من جهة حمل الظاهر على الأظهر ، وحمل العام على الخاص ، وحمل المطلق على المقيّد ، إذ دلالة العام على خصوص الخاص بالتضمن ، ودلالة الخاص على خصوص الخاص بالمطابقة ، ودلالة المطلق على خصوص المقيّد تكون بالتضمن ، ودلالة المقيّد على خصوص المقيّد بالمطابقة. ولا ريب في أن دلالة المطابقية أظهر من الدلالة التضمنية.

فالنتيجة ان حمل العام على الخاص وحمل المطلق على المقيّد يكون من باب حمل الظاهر على الأظهر ولهذا يكون صدورهما معا قرينة على هذا التصرف والحمل مثلا إذا قال المولى لا تصم يوم العاشوراء ثم قال صم يوم العاشوراء فصدورهما معا قرينة على التصرف بحيث يحمل الأول على الكراهة والثاني على الرخصة ، إذ لا يلائم ظاهرهما لان ظاهر الأول هو الحرمة وظاهر الثاني هو الوجوب فلا بد من التصرف المذكور ، إذ تلائم الكراهة مع الرخصة كما يلائم

١٩٦

الاستحباب مع الترك.

قوله : فتأمل ...

وهو اشارة إلى أن أخبار العلاج أما ظاهرة في خصوص التعارض الذي يوجب التحيّر وذلك كالتعارض بين العامين من وجه كما إذا قال المولى : (اكرم العلماء ولا تكرم الشعراء) وأهل العرف يتحيّر في وجوب اكرام العالم الشاعر وفي حرمته ، وأما مجملة والقدر المتيقن منها غير موارد الجمع العرفي ، وأما عامة بحيث تشمل موارد الجمع العرفي أيضا.

وعلى جميع التقادير الثلاث تكون موارد الجمع العرفي خارجة عن حريم الأخبار العلاجية أما تخصّصا كما في الأول ، إذ لا تحيّر أصلا ، وأما تيقنا كما في الثاني ، إذ مع كون الأخبار العلاجية مجملة يؤخذ القدر المتيقن منها وهو غير موارد التوفيق العرفي.

وأما تخصيصا كما في الثالث لكون السيرة القطعية مخصصة لعموم الأخبار العلاجية كالمقبولة والمرفوعة وغيرهما من اخبار الباب ، أو هو اشارة إلى منع العموم في الأخبار العلاجية لأجل ظهورها في خصوص غير موارد التوفيق العرفي ، كما يستفاد هذا الاختصاص من سياقها ومن كثرة الاسئلة والأجوبة. وعلى هذا الاساس لا يكون الدليل القوي بموجود على الردع عن هذه السيرة المذكورة.

في ذكر جملة من المرجحات النوعية

قوله : فصل قد عرفت حكم تعارض الأظهر والظاهر ...

قد عرفت في طي الفصل السابق حال تعارض الظاهر والأظهر وحمل الأول على الثاني وقد علمت سابقا أنه لا يرجع في تعارضهما بدوا إلى الأخبار العلاجية بل يحمل الظاهر على الأظهر ويجمع بينهما جمعا عرفيا وهذا الحكم ثابت في

١٩٧

المورد الذي قد علم الظاهر والأظهر مثل العام والخاص والمطلق والمقيّد غالبا.

وأما إذا اشتبها بحيث لا يتميّز أحدهما عن الآخر كما اذا تعارض العام والمطلق ، وذكر بعض المحقّقين قدس‌سره في موارد اشتباههما وجوها لتميز الأظهر عن الظاهر وهي لا تخلو عن مناقشة فلا عبرة بها أصلا ولكن لا بأس بالاشارة إلى جملة منها والاشارة إلى ضعفها وفسادها.

قال المصنف قدس‌سره : منها : ما قيل في ترجيح ظهور العموم على الاطلاق وفي تقديم التقييد على التخصيص فيما إذا دار الأمر بين تقديم ظهور العام على ظهور المطلق وبين تقديم ظهور المطلق على ظهور العام وإذا قدّم ظهور العام على ظهور المطلق فاللازم حينئذ هو تقييد المطلق وإذا قدّم ظهور المطلق على ظهور العام فلا بد حينئذ من تخصيص العام فالأمر يدور حقيقة بين تخصيص العام وتقييد المطلق.

وقد استدل لترجيح ظهور العام على ظهور المطلق ولتقديم التقييد على التخصيص بكون ظهور العام في العموم تنجيزيّا غير معلّق على شيء لأجل استناد عموم العام إلى الوضع الذي يقتضي الظهور ، أي ظهور اللفظ فيما وضع له.

أما بخلاف ظهور المطلق في الاطلاق فانه معلّق على عدم البيان ، إذ دلالة المطلق على الاطلاق انما تكون بمقدمات الحكمة ولكن العام يصلح للبيانية ولهذا يقدّم العام على المطلق والتقييد على التخصيص ، إذ لا يكون مقتضى الاطلاق بتام مع وجود العام فلا جرم ليس الوجه بموجود للأخذ بالاطلاق أما بخلاف العكس ، أي تقديم المطلق على العام وتخصيص العام به فهو أما بلا وجه ، إذ رفع اليد عن وضع العام للعموم بواسطة مقدمات الحكمة يدل المطلق على الاطلاق بسببها كرفع اليد عن اليقين بسبب الظن ، إذ

مقدمات الحكمة تفيد الظن بالمراد بخلاف الوضع فانه يفيد القطع به وهو يستلزم ترجيح المرجوح على الراجح وهذا قبيح.

١٩٨

وإما يستلزم الدور فان تخصيص العام بالمطلق يتوقف على تمامية مقدمات الحكمة وعلى عدم كون العام بيانا للمطلق وتمامية المقدمات المذكورة تتوقف على التخصيص فتخصيص العام يتوقف على تخصيص العام وهذا مستلزم لتوقف شيء على نفسه وهذا التوقف مستلزم لتقدّم الشيء على نفسه وتأخره عن نفسه وهذا محال فالدور محال هذا أولا.

وثانيا : يكون وجه تقديم العام على المطلق أغلبية التقييد على التخصيص في المحاورات والمخاطبات والظن يلحق الشيء المشكوك بالأعم الأغلب وعليه فلا بد في صورة دوران الأمر بين رفع اليد عن ظهور العام وعن ظهور المطلق من رفع اليد عن ظهور المطلق في الاطلاق.

مثلا : إذا قال المولى : (اكرم العالم ولا تكرم الفساق) فالأمر يدور عند تعارض المطلق والعام في اكرام العالم الفاسق ، إذ الدليل المطلق يدل على وجوب اكرامه ، والدليل العام يدل على حرمة اكرامه ، فالعام مقيد للمطلق بالعالم العادل ، وبين كون المطلق مخصصا للفساق العام بغير العالم ولكن ظهور العام في العموم يكون أقوى من ظهور المطلق في الاطلاق في مقام التعارض ، إذ مقتضى ظهور العام في العموم موجود تام وهو الوضع أما بخلاف المطلق فان مقتضيه غير تام ، إذ تكون احدى مقدمات الحكمة عدم البيان والحال ان الفرض كون العام بيانا له فالعام يكون مقيّدا للمطلق أما بخلاف المطلق فانه ليس بمخصص للعام والوجه قد سبق آنفا.

في فساد هذا الوجه

قوله : وفيه ان عدم البيان الذي هو جزء المقتضي في مقدّمات ...

ردّ المصنف قدس‌سره هذا الوجه بان عدم البيان يكون جزء لمقتضي مقدمات

١٩٩

الحكمة عبارة عن عدم البيان في مقام التخاطب لا عدم البيان إلى الأبد.

وعلى هذا الاساس ينعقد الظهور للمطلق في الاطلاق ، إذ ليس في مقام التخاطب بالمطلق بيان إذ الفرض كون العام الذي يصلح للبيانية منفصلا عن المطلق نعم إذا كان العام متصلا بالمطلق ، فيكون العام حينئذ كالقرينة المتصلة باللفظ.

ومن الواضح عدم انعقاد الظهور للمطلق في الاطلاق ، كما لا ينعقد الظهور للفظ الأسد في الحيوان المفترس مع اتصال قرينة يرمي به نحو رأيت أسدا يرمي ، ولكن إذا كان معارض المطلق منفصلا فينعقد الظهور للمطلق التنجيزي فيكون العام والمطلق مثلين.

وعلى طبيعة الحال لا يصلح كل واحد منهما تصرفا في الآخر ولو فرض تصرف العام في المطلق بالتقييد لكان هذا ترجيحا بلا مرجّح نعم لو كان المراد عدم البيان في الدليل المنفصل الآخر لنسلّم هذا الادعاء وذاك الوجه.

ومن هنا انقدح فساد تخصيص بلا وجه ، أو على وجه دائر ، إذ تماميتهما تتوقف على كون ظهور العام تنجيزيا وعلى كون ظهور المطلق تعليقيا.

وأما الوجه الثاني فيقال ان غلبة التقييد على التخصيص ممنوعة أولا. وثانيا لو سلّمنا هذه الغلبة لما توجب القطع بظهور العام في العموم وأظهريته بالاضافة إلى المطلق بل يحصل الظن بظهور العام في العموم منها ، أي من الغلبة وهذا الظن ليس بحجة لعدم الدليل على حجيّته فهذا الوجه ليس بتمام أيضا وعلى هذا فلا بد لنا في كل مورد وقضية من ملاحظة خصوصيتها ومن ملاحظة قرائن المقامية وإذا علم منها كون أحدهما أظهر من الآخر فهو مطلوب وإلّا يرجع إلى قواعد باب التعارض من التساقط ، والرجوع إلى الأصول العملية ومن التخيير على ما سيأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى.

٢٠٠