البداية في توضيح الكفاية - ج ٥

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٥

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات هماى دانش
الطبعة: ١
ISBN: 964-8035-01-6
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٣٥٢

هذا مضافا إلى ان الأدلة الحاكمة تكون ناظرة إلى أدلة المحكوم بنحو لو لم تكن الاحكام الشرعية مجعولة من قبل الشارع المقدس لكان نحو (لا ضرر ولا ضرار ، ولا حرج) وغيرها لغوا. وعلى هذا فلو لم تكن الاحكام للشك مجعولة لكان نحو (لا شك لكثير الشك) لغوا. وأما بنحو (صدّق العادل) فليس له نظر إلى أدلة الاصول بحيث لو لم تكن الاحكام للبراءة والاحتياط والتخيير والاستصحاب مجعولة لكان نحو (صدّق العادل) لغوا ، وليس الأمر كذلك.

نعم تكون الامارات مجعولة في موارد الاصول الشرعية ، وهذا ليس بدخيل بنظر احد الدليلين إلى الدليل الآخر ، وبكون أحدهما مفسرا للآخر.

نعم ينفي أحدهما الآخر عقلا بحيث لا يمكن العمل بالامارة والأصل معا في مورد واحد ومحل فارد وليس المراد بالحكومة هذا النفي.

فان قيل : ان الامارات تتعرض لبيان احكام موارد الاصول كما إذا دل الخبر الواحد على عدم وجوب الدعاء عند رؤية الهلال ، أو دل على وجوب السورة في الصلاة ، أو على وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة ، فهذا الأمر يوجب كون الامارات ناظرة إلى الاصول الشرعية وشارحة لها ، فالنتيجة حكومتها عليها ثابتة.

قلنا : ان محض تعرض الامارات لبيان احكام موارد الاصول الشرعية لا يوجب نظرها اليها وشرحها لها ، لأن مجرد التعرض المذكور لو كان سببا لحكومة الامارات على الاصول ليقال ان ادلة الاصول العملية تدل بالدلالة الالتزامية العقلية على ان مورد الاجتماع والتعارض انما يكون على طبق الاصل لا الامارة ، وهذا مستلزم عقلا لنفي مقتضى الامارة في هذا المورد ، وبهذا الترتيب يمكن ان يقال بحكومة الاصول الشرعية على الامارات. والحال لم يقل بها أحد من الاعلام (رض).

١٤١

توضيح : في طي الدلالة الالتزامية العقلية

وهو ان التنافي بين الاحكام الظاهرية يوجب دلالة دليل كل منها بالالتزام العقلي على نفي ما عداه بلا فرق بين دليل الاصل ودليل الامارة. مثلا : لو دل الاصل على البراءة من وجوب الدعاء عند رؤية الهلال وقام الخبر على وجوبه فاصالة البراءة تدل مطابقة وصراحة على براءة ذمة المكلف عن التكليف الالزامي من الوجوب والحرمة ، وتدل بالالتزام على عدم وجوب المؤدى فيتعارض الاصل والامارة من حيث الدلالة الالتزامية والدلالة المطابقية.

فالنتيجة : ان اصالة البراءة تدل بالالتزام على نفي مقتضى الامارة ، والامارة تدل مطابقة على نفي مؤدى الأصل من دون دلالة للامارة على نفي مقتضى الأصل لفظا. والحال ان الحكومة عبارة عن تنافي الدليلين بحسب الدلالة اللفظية ، لا بحسب الدلالة العقلية ، بحيث يكون أحدهما ناظرا إلى الدليل الآخر وشارحا له ، كما قد سبق هذا.

ويدل على عدم الدلالة اللفظية المذكورة أن نفس الامارة لا دلالة لها على شيء إلّا على الحكم الواقعي ، ومقتضى حجيتها شرعا ليس إلّا لزوم العمل على وفق الامارة شرعا ، وهذا اللزوم ينافي للزوم العمل على خلاف مقتضى الامارة ، وهو عبارة عن مقتضى الاصل ، وهذا معنى حجية الامارة ، وأين هذا من نظارتها اليها.

قوله : هذا مع احتمال أن يقال انه ليس قضية الحجية ...

قال المصنّف قدس‌سره : يحتمل أن يكون مقتضى حجية الامارات شرعا العمل على وفقها عقلا ، بحيث إذا صادفت الواقع يكون الواقع منجزا وإذا خالفته فلا يكون منجزا ، ومن الواضح ان هذا المعنى الذي ذكر آنفا لحجية الامارات ليس له نظر إلى

١٤٢

مضمون الأصل أبدا.

وكيف كان معنى جعل الحجية للامارات سواء كان بمعنى جعل الحكم الظاهري في مؤدياتها ، أم جعل المنجزية عند الاصابة والمعذرية عند الخطأ ، أم جعل حكم المماثل فيها وليس معناه الغاء احتمال الخلاف تعبدا حتى يكون الحال مختلفا في الامارات والاصول بحيث يكون مضمون (صدّق العادل) الغاء احتمال الخلاف حتى تكون الامارة ناظرة إلى الاصل الذي يكون مؤداه مخالفا لمؤدى الامارة بحيث يكون مفاد دليل الاعتبار في الامارات نفي حكم الاصول العملية نظرا إلى أن حكم الاصل هو حكم احتمال الخلاف ، أي حكم الشك ، فاذا ألغى الاحتمال بواسطة دليل الامارة فقد ألغى الحكم الثابت للأصل.

أما بخلاف مفاد دليل الاعتبار في الاصول ، فلا ينفى حكم الثابت للامارة لان حكم الامارات هو الحكم الواقعي ، والواقعي ليس حكم الاحتمال كي يلغى بدليل الاصل ، مثلا : إذا قام خبر العدل على نجاسة العصير العنبي كان مضمون (صدّق العادل) الغاء احتمال الخلاف ، والخلاف عبارة هنا عن طهارة العصير المذكور ، أي ألغ احتمال الطهارة التي تكون مفاد اصالة الطهارة ولكن ليس مفاد (صدّق العادل) وجوب الغاء احتمال الخلاف تعبّدا كي يختلف الحال في مفاد الامارات والاصول. بحيث يكون مفاد دليل اعتبار الامارات نفي حكم الاصل بالدلالة اللفظية.

لان حكم الأصل حكم احتمال الخلاف يدل دليل اعتبار الامارات على الغائه بخلاف مفاد دليل اعتبار الأصول إذ هو لا يدل على الغاء حكم الامارات لانه ليس مضمون رفع ما لا يعلمون الغاء احتمال الخلاف كي يقال ان الحكم المستفاد من دليل اعتبار الامارات احتمال الخلاف أيضا ، إذ ليس الحكم الواقعي الذي هو مفاد الامارات حكم احتمال خلاف الأصل ولكن ليس الأمر كذلك لان دليل اعتبار الامارات لا يدل على الغاء احتمال حكم الاصول كما لا يدل دليل اعتبار الاصول

١٤٣

العملية على احتمال الحكم الذي يستفاد في المقام من الامارات المعتبرة كي يكون دليل الامارات حاكما على دليل الأصول ، أو بالعكس ، أي يكون دليل الاصول حاكما على دليل الامارات.

فان قيل : ان دليل الامارات تدل على نفى حكم الأصول عقلا ، إذ مفادهما ربما يكون متنافيا ومتضادا ، كدلالة الخبر على حرمة الشيء ، واصالة الحل تدل على حليته مثلا قام الخبر المعتبر كخبر العدل ، أو الثقة على حرمة الفقاع واصالة الحل تدل على حليته وعلى هذا الاساس كيف قال المحقق الخراساني قدس‌سره بعدم دلالة دليل اعتبار الامارات على نفي حكم الاصول الشرعية.

قلنا : ان مراده قدس‌سره من عدم دلالته على نفيه عدم الدلالة لفظا لا عدم دلالته عليه عقلا فان دلالته عليه عقلا لا اشكال فيه كما لا يخفى ولأجل هذا الأمر ذهب المصنف قدس‌سره إلى ورود الامارات على الاصول العملية لارتفاع موضوع الاصول وهو الشك في الحكم الواقعي بسبب قيام الامارات المعتبرة على الاحكام الظاهرية ولو تعبدا لا وجدانا لبقاء الشك على حاله في الاحكام الواقعية غالبا مع قيام الامارات لكونها ظنية من حيث الدلالة كما لا يخفى.

فالنتيجة ذهب الشيخ الأنصاري في فرائده إلى حكومة الامارات على الاصول الشرعية وقال صاحب الكفاية قدس‌سره بورودها عليها وضمير فيه وضمير احتماله راجعان إلى الحكم الواقعي وقد سبق دليل صاحب الفرائد في آخر بحث الاستصحاب.

قوله : فافهم وتأمل جيدا ....

وهو تدقيقي لوجهين : الأول : لظهور كلمة فافهم في التدقيق. الثاني : لتعقيبه بكلمة تأمل مقيدة بكلمة الجيد.

قوله : فانقدح بذلك أنه لا يرتفع غائلة المطاردة ...

١٤٤

قال المصنف قدس‌سره فانقدح لك من جهة ورود الامارات على الأصول عدم المعارضة والمطاردة بين الامارات والاصول أصلا كما اشار إلى الورود في آخر بحث الاستصحاب وآنفا ، أي في بحث التعادل والتراجيح فلا تغفل عن الورود ولا تمش إلى الحكومة أما استدلال المصنف قدس‌سره فقد سبق ، واما استدلال الشيخ الأنصارى قدس‌سره فسيأتي ان شاء الله تعالى

قوله : ولا تعارض أيضا إذا كان أحدهما قرينة على التصرف ...

قد قسم الجمع بين الدليلين المتنافيين إلى أقسام ثلاثة :

الأول : ما يتوقف على التصرف في كليهما جميعا وهذا قد سبق.

الثاني : ما يتوقف على التصرف في أحدهما غير المعين وسيأتي هذا إن شاء الله تعالى.

الثالث : ما يتوقف على التصرف في أحدهما المعين وقد اشار اليه قبلا.

قال المصنف قدس‌سره : فقد ظهر مما سبق أن غائلة التعارض بين الامارة والأصل لا يرتفع أصلا إلّا بالورود وهو عبارة عن ارتفاع موضوع الأصل بسبب قيام الامارة أما بخلاف الحكومة ، أي حكومة الامارة على الأصل فان موضوع الأصل لا يرتفع بالامارة بل يوسع موضوع الامارة دليل الأصل ، أو يضيّقه ومع بقاء الموضوع يجري الأصل وإذا أجرى الاصل فيتحقق التنافي بين مدلول الامارة وبين مدلول الأصل إذا كانا خلافين بحسب المدلول.

قال المصنف قدس‌سره : من الموارد التي لا تعارض بين الدليلين فيما إذا كان أحد الدليلين قرينة على التصرف في الدليل الآخر كما إذا كان أحدهما نصا والآخر ظاهرا ، أو كان أحدهما أظهر والآخر ظاهرا وذلك كالعام والخاص والمطلق والمقيد ، أو مثلهما مما كان أحدهما نصا ، أو أظهر والآخر ظاهرا حيث ان بناء العرف على كون النص أو الأظهر قرينة على التصرف في الآخر كما إذا قال المولى لعبده : (اكرم

١٤٥

العلماء) ثم قال : (ولا تكرم الفساق منهم) ، أو قال : (إن ظاهرت فاعتق رقبة) و (ان ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة) حيث انها متعارضات بحسب المدلولات في (العالم الفاسق) و (في الرقبة الكافرة) ، أو قال : (اغتسل للجمعة) ولا باس بتركه حيث ان الأول يدل على الوجوب ظاهرا وهو ظاهر فيه والثاني يدل على الاستحباب.

ولكن بناء العرف على حمل العام على الخاص وحمل المطلق على المقيد وحمل الظاهر على النص بحيث يكون مراد المولى من العام هو الخاص ومن المطلق هو المقيد ومن الظاهر هو النص.

وليس التعارض بينها بحسب الدلالة وفي مقام الاثبات بحيث تبقى أبناء المحاورة متحيّرة ويكون التعارض بملاحظة مجموع الأدلة كما إذا كان أحد الدليلين أمرا كافعل والآخر نهيا ك (لا تفعل ذاك) ، أو بملاحظة بعضها كما في مثل اغتسل للجمعة ولا بأس بتركه ، يتصرف في الجميع عرفا بحيث يحمل الأمر على الاستحباب والنهي على الكراهة ، أو يتصرف في البعض عرفا بحيث يحمل الأمر فقط على الاستحباب لملاءمته مع جملة لا بأس بالترك. وحينئذ ترتفع بهذا التصرف العرفي المنافاة التي تكون في البين.

قال : إنه لا فرق في موارد الجمع العرفي بين أن يكون السند في الأدلة قطعيا من حيث الصدور في جميعها ، أو ظنيا فيه ، أو يكون السند مختلفا بحيث يكون في بعضها قطعيا وفي البعض الآخر ظنيا.

وعلى هذا الاساس فيقدم النص ، أو الأظهر على الظاهر ، وان كان بحسب السند والصدور ظنيين وكان الظاهر بحسب السند قطعيا وليس في هذه الموارد المذكورة تعارض أصلا ، وانما يكون التعارض في غير هذه الصورة المذكورة آنفا من الأدلة التي يكون التنافي بينها بحسب الدلالة وفي مرحلة الاثبات ، كما لو كان أحد الدليلين بلفظ يجب والآخر بلفظ يحرم ، أو كان أحدهما بلفظ يستحب والآخر

١٤٦

بلفظ يكره.

قوله : الدليلان الظنيان لا يتعارضان إلّا بحسب السند وانما يكون التعارض بحسب السند فيما إذا كان كل واحد منها قطعيا دلالة وجهة ، أو ظنيا ...

ولا يخفى عليك أن الدليلين الظنيين إذا تنافيا مدلولا فلا يتعارضان إلّا بحسب السند فقط ، سواء كانا قطعيين دلالة وجهة بان كانا خبرين متواترين ، أم كانا ظنيين من حيث الدلالة ومن حيث جهة الصدور بان كانا خبرين عدلين ، أو موثقين.

أما الاستدلال على الأول فواضح فان الدليلين المتنافيين إذا كانا قطعيين دلالة وجهة فلا يقبلان الحمل والتصرف بارادة خلاف الظاهر في أحدهما ، أو بصدور احدهما تقية ، أو لمصلحة أخرى لا لبيان الواقع لكونهما قطعيين دلالة وجهة الصدور وعلى طبيعة الحال يحصل القطع بكذب أحدهما فيقع التعارض بينهما سندا لا دلالة وجهة.

واما دليل الثاني فلانهما تقبلان الحمل والتصرف لكون الدلالة والجهة فيهما ظنيين وعليه فيمكن ارادة خلاف الظاهر في أحدهما ، أو صدور أحدهما لا لبيان الحكم الواقعي بل يحتمل أن يصدر لتقية فلا يحصل لنا العلم الاجمالي بكذب أحدهما من أصله ولكن لا يمكن التعبد بصدور كليهما معا بمقتضى اطلاق دليل اعتبار الدليلين مثلا إذا دل خبر العدل ، أو الثقة على وجوب اقامة صلاة الجمعة في عصر الغيبة ودل الخبر المعتبر الآخر على حرمة اقامتها فيه ونعلم أن كل واحد منهما صدر لبيان الحكم الواقعي ولم يصدر أحدهما تقية فلا محيص من أن نرجع في هذه الموارد إلى المرجحات السندية ونقدم قطعي السند على ظني السند ، إذ لا يمكن لنا أن نلتزم بسند كليهما لدوران الأمر حينئذ بين المحذورين هما الوجوب والحرمة.

فقد تحصل مما ذكر أن التعارض بين الدليلين اللّذين يكون أحدهما نصا أو أظهر ويكون الآخر ظاهرا وذلك كالعام والخاص والمطلق والمقيد مثلا وان كان

١٤٧

التعارض بحسب المدلول والمضمون ولكن لا يكون التعارض بينهما بحسب الدلالة والاثبات بحيث يتحير أهل المحاورة في مقام الجمع بينهما بل يجمع بينهما بحمل العام على الخاص والمطلق على المقيد والظاهر على النص ، أو الأظهر ويحكم بأن المراد من العام هو الخاص ومن المطلق هو المقيد ومن الظاهر هو النص ، أو الأظهر وفي هذه الموارد التي ذكرت آنفا لا فرق فيها بين أن يكون السند في الجميع قطعيا ، أو ظنيا أو يكون في بعضها قطعيا وفي البعض الآخر ظنيا.

وإذا امكن الجمع الدلالي بين الدليلين اللّذين يكون بينهما تنافيا بدويا بحيث يرتفع بالجمع الدلالي العرفي فلا تصل النوبة بالمرجحات السندية بحيث تعبدنا الشارع بسند الجميع ، أو البعض وعلى هذا الاساس يقدم الخاص على العام والمقيّد على المطلق والنص ، أو الأظهر على الظاهر وان كان سند الخاص والمقيد والظاهر قطعيا وسند العام والمطلق والنص ، أو الأظهر ظنيا وأن التعارض بحسب السند فقط انما يكون فيما إذا كان الدليلان من حيث الدلالة ومن حيث جهة الصدور قطعيين بان كانا آيتين ، أو متواترين ، أو ظنيين بان كانا خبرين الواحدين المعتبرين كخبري العدل ، أو كخبري الثقة وفي هذه الموارد التي لا يمكن فيها الجمع من حيث الدلالة والجمع الدلالي يرجع إلى المرجحات من حيث السند حينئذ كما لا يخفى.

اصالة التساقط

قوله : فصل التعارض وان كان لا يوجب إلّا سقوط أحد ...

ولا يخفى ان التعارض بين الدليلين يوجب سقوط أحدهما عن الحجية رأسا إذ نفس التعارض يوجب الكذب بصدور أحد المتعارضين وعليه يحصل لنا القطع بكذب أحدهما وبصدق الآخر بحيث لا يمنع عن حجيته مانع ولكن من حيث عدم

١٤٨

العلم بكذب أحدهما متعينا فلا يمكن لنا أن نبيّن الصادق منهما على التعيين بل نحتمل أن يكون كل واحد منهما كاذبا وهذا الاحتمال يوجب أن لا يكون حجة في مؤداهما وعليه فيكون حكم التعارض عدم حجية كل واحد من المتعارضين بحسب الظاهر وليس العمل بكل واحد منهما بصحيح وأن نحتمل أن يكون أحدهما صادقا ومطابقا للواقع واقعا وحجة في الواقع.

هذا مقتضى القاعدة الاولية في الخبرين المتعارضين بناء على مسلك الطريقية ، واما بناء على مبنى السببية فسيأتي الكلام فيه ان شاء الله تعالى.

قوله : نعم يكون نفي الثالث باحدهما لبقائه على الحجية ...

قال المصنف قدس‌سره : نعم يمكن نفي حكم الثالث بواسطة أحد المتعارضين لا بكليهما لان الفرض حجية واحدة منهما واقعا وبهذا يصلح أحدهما نفي حكم الثالث في البين وان كان الصالح غير متعين لنا هذا ، أي التساقط في صورة التعارض يكون على مسلك حجية الامارات من باب الطريقية كما انها تكون حجة من جهة كونها طرقا إلى الواقع وهذا مختار صاحب الكفاية قدس‌سره ولكونها طرقا إلى الواقع حصل لنا العلم بكذب أحد المتعارضين وهذا يكون مانعا عن حجية أحدهما كما لا يخفى هذا على العاقل فضلا عن الفاضل.

في القاعدة الاولية في الخبرين على السببية

قوله : واما بناء على حجيتها من باب السببية فكذلك لو كانت الحجة ...

قال المصنف قدس‌سره : وأما بناء على حجية الامارات من باب السببية والموضوعية بمعنى كون قيام الامارة سببا لحدوث مصلحة ، أو مفسدة في المتعلق وهما موجبتان لجعل الحكم الشرعي على طبق الامارة مثلا إذا قامت الامارة على وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة فقيامها موجب لحدوث المصلحة في صلاة الجمعة وهذه المصلحة موجبة لجعل الوجوب لصلاة الجمعة في اللوح المحفوظ

١٤٩

على طبق الامارة وان لم يجعل الوجوب لها قبل قيامها فيه هذا معنى كون حجية الامارات على السببية والموضوعية وعلى ضوء هذا هل يكون مقتضى القاعدة الاولية في الخبرين المتعارضين هو التساقط والرجوع إلى الأصل كما على مبنى الطريقية ، أو هو التزاحم فيتخير بينهما عقلا إذا لم يكن أحدهما أهم ، أو محتمل الأهمية وإلّا فيتعين الأهم ، أو محتمل الاهمية في باب التزاحم.

قال المصنف قدس‌سره : ان قلنا بسببية الامارات في خصوص ما لم يعلم كذبه من الخبرين المتعارضين بأن لا يكون ما علم كذبه سببا لحدوث مصلحة ، أو مفسدة في المتعلق ومن الواضح أن حال الخبرين المتعارضين حينئذ كحالهما بناء على الطريقية من حيث اقتضاء القاعدة الاولية التساقط والرجوع إلى أصل من الأصول الشرعية وأما إذا قلنا بالسببية مطلقا سواء لم يعلم كذبه ، أم علم كذبه فالمتعارضين يكونان حينئذ من تزاحم الواجبين كتزاحم انقاذ الغريقين ، أو الحريقين إذا كانا مؤديين إلى وجوب الضدين ، أو لزوم المتناقضين فيتخيّر بينهما عقلا لو لم يكن أحدهما معلوم الاهمية ، أو محتمل الأهمية وإلّا فيتعين الأهم ، أو محتمل الأهمية.

واما الفرق بين الضدين والمتناقضين فيقال ان الأول يتحقق بين الأمرين الوجوديين كما إذا قام الخبر بوجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة وقام خبر الآخر بوجوب صلاة الظهر فيه يوم الجمعة : والثاني يتحقق بين الأمر الوجودي وبين الأمر العدمي وذلك كوجوب شيء ووجوب تركه وفي الأول يمكن الجمع بين الأمرين الوجوديين وفي الثاني لا يمكن ولكن الأظهر أن قدر المتيقن من دليل اعتبار غير السند يكون في الدليل الذي لا يكون معلوم الكذب.

كما أن بناء العقلاء بما هم عقلاء في اعتبار اصالة الظهور واصالة الصدور لا للتقية يكون في الدليل الذي لا يكون معلوم الكذب وكذا ظهور دليل اعتبار السند في خصوص الدليل الذي لم يعلم كذبه لو كان دليل اعتبار السند هو الآيات الشريفة

١٥٠

والاخبار المباركة ، أو يكون ظاهر دليل اعتبار السند من الآيات والروايات في خصوص ما إذا حصل الظن منه أو الاطمينان وكذا يكون قدر المتيقن من دليل اعتبار السند في خصوص الدليل الذي لم يعلم كذبه لو كان دليل اعتبار السند هو بناء العقلاء.

فالنتيجة : ان في حجية الامارات على السببية تفصيلا : وهو : أنه إذا كانت الامارة الموجبة لحدوث مصلحة في المؤدى إذا دلت على وجوب شيء ، أو استحبابه ، أو لحدوث مفسدة فيه إذا دلت على حرمة شيء ، أو كراهته منحصرة في خصوص ما لم يعلم كذبه فحكمها هو التساقط كحجيتها على مسلك الطريقية إذ المفروض أن ما يقتضي الحجية من الخبرين وهو ما لم يعلم كذبه ليس في كلا المتعارضين مع العلم بكذب أحدهما حتى يندرجا في المتزاحمين فلا بد من اجراء حكم التعارض عليهما دون التزاحم.

واما إذا كانت حجية الامارة الموجبة لحدوث مصلحة ، أو مفسدة في المؤدى والمتعلق غير منحصرة في خصوص ما لم يعلم كذبه فيتصور في هذا المقام ثلاث صور :

أحداها : أن يكون مدلول الامارتين متضادين كما إذا قام احدهما على وجوب الازالة وقامت الاخرى على وجوب الصلاة وحكم هذه الصورة حكم باب التزاحم من التخيير إن لم يكن أحدهما أهم والوجه في ذلك وجود المقتضي للوجوب في كليهما وهو عبارة عن قيام الامارة على طبق كل واحد منهما وعجز المكلف عن امتثال الخطابين معا لا يوجب سقوط الخطاب بل يقيد وجوب كل واحد منهما بترك الآخر على التخيير ان لم يكن أحدهما أهم.

ثانيتها : ان تكون الامارتان في موضوع واحد وكان مؤداهما حكمين الزاميين كما إذا دلت احدهما على وجوب التسبيحات الاربع ثلاث مرات ودلت

١٥١

الاخرى على وجوب واحدة منها في الاخيرتين من المكتوبة اى الصلاة الفريضة والحكم فيها هو التخيير أيضا إن لم يكن أحدهما أهم كما هو حكم المتزاحمين في جميع مواردهما.

ثالثتها : أن تكون الامارتان في موضوع واحد ولكن كان مؤدى احداهما حكما الزاميا ، ومؤدى الاخرى غير الزامي كما إذا دلت احداهما على حرمة العصير الزبيبي والاخرى على حليته واباحته وحكمها هو الاخذ بالالزامي وطرح غير الالزامي لعدم التعارض بين المقتضي وبين اللامقتضي ، إذ الالزامي ناش عن المقتضي أما بخلاف غير الالزامي فانه ليس بناش عن المقتضي ، إذ يكفي فيه عدم تحقق مقتضي الالزام كما لا يخفى.

قوله : إلّا أن يقال بأن قضية اعتبار دليل غير الالزامي ...

اما إذا كان الحكم غير الالزامي ناشئا عن المقتضي والمصلحة كالالزامي فيندرجان في باب التزاحم فيزاحم بغير الالزامي حين كونه ثابتا عن المقتضي مع مقتضي الحكم الالزامي فيقدم غير الالزامي على الالزامي ولا يزاحم بمقتضاه ما يقتضي غير الالزامي ، أي لا يزاحم مقتضي الالزامي غير الالزامي لأجل عدم تمامية علة الالزامي في الحكم بغير الالزامي ، إذ يكفي في عدم تأثير مقتضي الحكم الالزامي الالزامي تحقق مقتضى الحكم غير الالزامي وعدم تمامية مقتضي الحكم الالزامي يكفي في عدم تحققه وفي فعلية غير الالزامي مثلا إذا كانت حرمة عصير الزبيبي ناشئة عن مصلحة واباحته ناشئة عن مصلحة أيضا فلا تتم حينئذ علة الالزامي لوجود المانع وهو عبارة عن تحقق مقتضي الحكم غير الالزامي فلا يؤثر مقتضي الحكم الالزامي لوجود المانع عن تأثيره في المقتضى بالفتح.

قوله : نعم يكون باب التعارض من باب التزاحم مطلقا ...

قال المصنف قدس‌سره : يمكن أن يندرج في باب التزاحم الذي يكون حكمه

١٥٢

التخيير إذا لم يكن الأهم بموجود المورد الذي يكون مؤدى أحد المتعارضين حكما غير الزامي ومؤدى الآخر حكما الزاميا والدخول لا يختص باثبات الوجوب والحرمة والاباحة فقط بل الدليل الاعتبار يقتضي وجوب الموافقة الالتزامية بالمؤدى أيضا كما تجب الموافقة العملية به وان لم يكن مؤداه حكما الزاميا وحينئذ يتعذر الالتزام بكليهما ، إذ يدل احدهما على حرمة شيء والآخر على اباحته فلا محيص عن الالتزام بأحدهما تخييرا وهكذا حكم المتزاحمين وحكم جميع المتعارضين بناء على وجوب الموافقة الالتزامية.

قوله : مطلقا ...

أي الموافقة الالتزامية واجبة في صورة التعارض سواء كان المؤدى حكما الزاميا ، أم غير الزامي كالاستحباب مثلا.

فالنتيجة ان مقتضى اعتبار الامارات هو لزوم البناء والالتزام بالمؤدى من الاحكام الشرعية الالزامية وغير الالزامية وليس مقتضاه مجرد العمل على وفق المؤدى بل لزوم الالتزام بالمؤدى فكون المتعارضين من قبيل تزاحم الواجبين حين وجوب الموافقة الالتزامية واضح لا يحتاج إلى تجشم الاستدلال واقامة البرهان ضرورة عدم امكان الالتزام بحكمين متضادين في موضوع واحد ومحل فارد وذلك كعدم امكان الالتزام بحرمة العصير الزبيبي وحليته هذا كله صحيح مقبول.

إلّا انه لا دليل نقلا ولا عقلا على وجوب الموافقة الالتزامية للاحكام الواقعية فضلا للاحكام الظاهرية التي تكون مؤديات الامارات المعتبرة كما مرّ تحقيقه في بحث القطع.

قوله : وحكم التعارض بناء على السببية فيما كان ...

فقد ردّ المصنف قدس‌سره عدم وجوب الموافقة الالتزامية بوجهين الأول لعدم الدليل العقلي ، أو النقلي على وجوبها الثاني أنه بعد تسليم وجوبها في الاحكام

١٥٣

الواقعية والظاهرية ليس التخيير العقلي حكم المتزاحمين في جميع الموارد بل يكون التخيير ثابتا في المورد الذي لم يكن فيه احدهما أهم ولو احتمالا فلو كان أحدهما كذلك لزم الأخذ به فقط ولا تجب حينئذ الموافقة الالتزامية بالاضافة إلى المهم أصلا كما لا يخفى.

قوله : في الجملة ...

اعلم أن الفرق بين في الجملة وبين بالجملة ان مفاد الاولى هو الموجبة الجزئية ومفاد الثانية هو السالبة الكلية وعليه فالترجيح بالأهمية في باب التزاحم ثابت بشرط أن لا يكون المرجح الآخر في طرف المهم وذلك كتقدم المهم على الأهم من حيث الزمان وكعدم البدل للمهم وغيرهما كما سيأتي تفصيل المرجحات ان شاء الله تعالى كما فصّلها المنصف قدس‌سره في مسألة الضد ، وان كان أحد المتزاحمين أهم فيؤخذ به تعيينا.

وحكم التعارض في المورد الذي لم يكن فيه باب التزاحم هو لزوم الأخذ بمؤدى الامارة التي تدل على الحكم الالزامي كما إذا دل احدى الامارتين على وجوب شيء كوجوب التسبيحات الاربع ثلاث مرات ودلت الاخرى على استحبابها ووجه عدم كون هذه الصورة من باب التزاحم عدم صلاحية ما لا اقتضاء فيه كالاستحباب ، أو الاباحة لمعارضة ما فيه الاقتضاء كالوجوب أما اذا كان في الحكم الآخر اقتضاء كما هو كذلك واقعا ، إذ جميع الاحكام الالهية من الالزامي وغير الالزامي تابع للمصالح والمفاسد فلا بأس بأخذه والعمل على طبقه.

كما اشار المصنف قدس‌سره إلى وجه الأخذ بغير الالزامي من عدم تمامية علة الحكم الالزامي في فعلية حكم غير الالزامي ، إذ العلة التامة عبارة عن وجود المقتضي وتحقق الشرط وعدم المانع ومع تحقق المقتضي لغير الحكم الالزامي يتحقق المانع عن فعلية الحكم الالزامي فيتقدم عليه ويؤخذ به كما تقدم هذا.

١٥٤

قوله : فافهم ...

وهو اشاره إلى ان وجه تقديم أحد المتزاحمين على الآخر انما يكون بواسطة قوة الملاك وعليه لا ريب في قوة ملاك الحكم الالزامي بالاضافة إلى ملاك الحكم غير الالزامي وعلى هذا الاساس يضعّف تقديم غير الالزامي على الحكم الالزامي وعليه لا محيص عن تقديمه عليه في جميع الموارد.

قوله : هذا هو قضية القاعدة في تعارض الامارات ...

ما تقدم من أول الفصل الثاني إلى هنا في تعارض الدليلين والامارات من التساقط في المدلول المطابقي وبقاء احدهما لا بعينه على حجيته في نفي الثالث انما يكون لأجل المعارضة فاذا دل دليل على وجوب شيء والآخر على حرمته فهل يصح الالتزام بحكم ثالث بعد تساقط الدليلين فيحكم بالاباحة لاصالة عدم الوجوب ولاصالة عدم الحرمة بعد التساقط.

وليعلم أن محل الكلام انما هو فيما إذا لم يعلم بكون أحد المتعارضين مطابقا للواقع وإلّا فنفس هذا العلم كاف في نفي الثالث والتساقط يكون بناء على الطريقية وكذا بناء على السببية بالنحو الأول وهو عبارة عن السببية في خصوص امارة لم يعلم كذبها بأن لا يكون ما علم كذبه سببا لحدوث مصلحة في المتعلق وعليه فمع العلم بكذب أحد المتعارضين اجمالا يسقط كلاهما عن الحجية فالحكم هو التساقط أيضا على هذا المبنى.

وأما على السببية بالنحو الثاني فحكم المتعارضين هو التخيير والنحو الثاني عبارة عن كون الامارة سببا لحدوث مصلحة في المؤدى ، أو لحدوث مفسدة فيه ولو مع العلم بكذب المتعارضين اجمالا فهذا يكون حكم المتعارضين بمقتضى القاعدة الاولية لا الجمع بينهما بالتصرف في أحد المتعارضين ، أو في كليهما ، أي ليس مقتضى القاعدة الاولية هو الجمع بينهما وهو يتحقق بالتصرف في أحدهما كما إذا

١٥٥

قال المولى : (اغتسل للجمعة ولا باس بتركه) بحمل الأمر الظاهر في الوجوب على الندب وحينئذ يجمع بينهما عرفا لملاءمة الندب مع لا بأس ، أو يتحقق بالتصرف فيهما معا كما إذا قال المولى : (افعل هذا الشيء ولا تفعل هذا) بحمل صيغة الأمر ظاهرة في الوجوب على الاباحة وبحمل صيغة النهي ظاهرة في الحرمة على الكراهة لملاءمة الاباحة مع الكراهة كما هو مقتضى الجمع بين افعل ولا تفعل إذا كان الموضوع فيهما واحدا.

قوله : ما قيل من أن الجمع مهما أمكن أولى من الطرح الكلام حول القضية المشهورة ...

واستدل عليه بعدم الدليل العقلى والنقلى على أرجحية الجمع من التساقط في المورد الذي لا يساعد فيه العرف على الجمع نعم يساعد عليه في المورد الذي يكون مجموع المتعارضين فيه قرينة على التصرف فيهما معا ، أو أحدهما قرينة عليه بعينه كما عرفت هذا المطلب في تعارض العام والخاص والمطلق والمقيد والنص والظاهر والأظهر والظاهر هذا أولا وثانيا مع أن في الجمع بالتصرف في كليهما ، أو في أحدهما طرحا أيضا للامارة ، أو الامارتين ضرورة سقوط اصالة الظهور الذي توافق آراء العقلاء بحجيته في كليهما إذا كان التصرف فيهما معا ، أو في أحدهما إذا كان التصرف في أحدهما مع هذا الجمع المذكور وهذا واضح لا غبار عليه.

قوله : وقد عرفت أن التعارض بين الظهورين ...

ولا يخفى أن موضوع التعارض إما يكون في الدلالة كما إذا كان المتعارضان من حيث السند قطعيين ، واما يكون في السند كما إذا كانا ظنيين ويدل على أن مقتضى القاعدة في باب التعارض هو التساقط لا الجمع عدم الدليل العقلي ، أو النقلي على الجمع في الموارد التي لا يحكم العرف بالتصرف في أحد المتعارضين ، أو في كليهما هذا مضافا إلى ان التعارض بين الظهورين انما يكون فيما إذا كان سنداهما قطعيين وبين السندين فيما إذا كان سنداهما ظنيين ومقتضى التعارض أن

١٥٦

المتعارضين ساقطان في خصوص الحكم الذي يكون مؤداهما.

وعلى هذا لا بد أن لا يبقى كل واحد من المتعارضين على حجيتهما في المدلول المطابقي وبناء على الجمع لا بد لنا ان نتصرف في أحدهما ، أو في كليهما يبقى سندهما على الحجية والحال لا يساعد على التصرف المذكور ، أو بقاء السند على الحجية دليل من العقل ، أو النقل وحينئذ لا محيص من التساقط لا الجمع بهذا المعنى المذكور وعلى هذا الاساس لا يبعد أن يكون المراد من امكان الجمع بين المتعارضين امكان الجمع عرفا كالجمع بين العام والخاص والمطلق والمقيد والعناوين الاولية والعناوين الثانوية والأمر ولا بأس بتركه والنهي ولا بأس بفعله.

فان قيل : ان الجمع العرفي بين المتعارضين لازم على نحو التعيين وليس بأولى من الطرح وعليه لا يلائم حمل الجمع على الجمع العرفي في قول الجمع مهما أمكن أولى من الطرح قلنا : ليس المنافاة بين الحمل المذكور والقول المذكور ، إذ كلمة أولى في القول المذكور وصفي ليس بافعل التفصيل يدل على تفضيل المفضل على المفضل عليه في المبدأ ، أي مبدأ الاشتقاق والوصفي يدل على التعيين والوجوب نظير آية الشريفة أولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، أي اولو الارحام بعضهم كالطبقة الاولى متعين في التوارث عن البعض (١) وعليه لا اشكال في البين كما لا يخفى

في مقتضى القاعدة الثانوية في المتعارضين

قوله : فصل لا يخفى أن ما ذكر من قضية التعارض ...

ولا يخفى أن ما تقدم في الفصل السابق من التساقط في المتعارضين انما هو

__________________

١ ـ سورة الانفال آية ٧٥.

١٥٧

بملاحظة القاعدة الاولية ولكن الاجماع والاخبار العلاجية قائمان على عدم سقوط المتعارضين بل لا بد فيهما من العمل بأحدهما إما تعيينا ، واما تخييرا كما سيأتي هذا إن شاء الله تعالى. هذا شروع في مقتضى القاعدة الثانوية.

قوله : ولا يخفى أن اللازم فيما إذا لم تنهض حجة على التعيين ...

ولا يخفى عليك ان التساقط هو مقتضى القاعدة الاولية في الترجيح ولكن مع قطع النظر من هذه القاعدة أدعى الاجماع على عدم سقوط المتعارضين إذا كان من جنس الاخبار ويدل عليه كثير من الأخبار كما سيأتي إن شاء الله تعالى في محله وعلى هذا الاساس إذا كان الدليل على حجية أحد المتعارضين تعيينا ، أو تخييرا فهو وإلّا مقتضى القاعدة هو الاكتفاء بالراجح منهما سندا ، أو دلالة ، إذ نقطع بحجية الراجح من باب التخيير ، أو من باب التعيين أما بخلاف الدليل المرجوح فانه لا نقطع بحجيته هذا مضافا إلى ان الأصل عدم حجيته في ظرف الشك في حجيته وعدمها بل أدعى بعض الاعلام قدس‌سره الاجماع على حجية خصوص الراجح منهما.

في الوجوه التي استدل بها لوجوب الترجيح

قوله : واستدلّ عليه بوجوه أخر احسنها الاخبار وهي على طوائف ...

وانما يكون أحسن الوجوه هو الاخبار لمردودية الوجوه الأخر كما ستأتي عن قريب ان شاء الله تعالى وأما الاخبار فهي خالية عن الردّ والاشكال وهي على طوائف أربع :

الطائفة الاولى : ما دل على التخيير مطلقا.

أي سواء كان الترجيح موجودا ، أم لم يكن بموجود. وذلك كخبر الحسن بن حجم عن الرضا عليه‌السلام قال : قلت للرضا عليه‌السلام تجيئنا الاحاديث عنكم مختلفة فقال :

١٥٨

(ما جاءك عنا فقس على كتاب الله عزوجل وأحاديثنا فان كان يشبههما فهو منا وان لم يكن يشبههما فليس منا). قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيّهما الحق. قال (فاذا لم تعلم فموسع عليك بأيّهما أخذت) (١).

ومنها خبر الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : (إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم عليه‌السلام فتردّ اليه) (٢).

ومنها مكاتبة عبد الله بن محمّد إلى أبي الحسن عليه‌السلام : اختلف اصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في ركعتي الفجر فروى بعضهم صلّ في المحمل وروى بعضهم لا يصليها إلّا في الارض فوقّع عليه‌السلام : (موسّع عليك بايّة عملت) ولكن روى هذا الخبر في الوسائل بهذا النحو أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج في جواب مكاتبة محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى صاحب الزمان عليه‌السلام : يسألني بعض الفقهاء عن المصلّي إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبّر ، فان بعض اصحابنا قال : لا يجب عليه التكبير ويجزيه أن يقول بحول الله وقوته أقوم وأقعد؟ فكتب عليه‌السلام في الجواب : (أن فيه حديثين أما أحدهما فانه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير وأما الآخر فانه روى إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبّر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير وكذلك التشهد الأول يجزي هذا المجرى وبأيّهما أخذت من جهة التسليم كان صوابا) (٣).

إلى غير ذلك من الاطلاقات التي ذكرت في الكافي الشريف وفقه الرضا عليه‌السلام

__________________

١ ـ وسائل الشيعة ج ٨ ، ص ٨٧ ، أبواب صفات القاضي ، الباب ٩ ، الحديث ٤٠.

٢ ـ المصدر نفسه ، ابواب صفات القاضي ، الباب ٩ ، الحديث ٤١.

٣ ـ وسائل الشيعة ، ج ٤ ص ٩٦٧ ، أبواب السجود ، الباب ١٣ ، الحديث ٨.

١٥٩

والمراد من الاطلاقات هو الحكم بالتخيير سواء كان الترجيح بينهما موجودا ، أم لم يكن بينهما بموجود.

الطائفة الثانية : ما دل على التوقف مطلقا.

ومن الاخبار التي في علاج تعارض الاخبار هي الاخبار التي تدل على التوقف عملا في صورة تعارض الخبرين وتلك كخبر سماعة عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قلت يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به ، والآخر ينهانا عنه ، أي عن الاخذ به قال عليه‌السلام : (لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله) (١).

ومنها : مكاتبة محمّد بن علي بن عيسى إلى علي بن محمّد عليهما‌السلام يسأله عن العلم المنقول الينا عن آبائك واجدادك عليهم‌السلام قد اختلف علينا فيه فكيف العمل به على اختلافه والرد اليك فيما اختلف فيه؟ فكتب عليه‌السلام : (ما علمتم أنه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردوه الينا) (٢).

الطائفة الثالثة : ما دل على ما هو الحائط منهما.

ومنها : حديث جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث قال انظروا أمرنا وما جاءكم عنا موافقا فردّوه وان اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردّوه الينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا (٣) وغيره من الروايات التي قد دلت على الاحتياط في مطلق الشبهات سواء كان منشأ الشبهة فقدان النص ، أو اجمال النص ، أو تعارض النصين.

الطائفة الرابعة : ما دل على الترجيح بمزايا مخصوصة.

ومن الطائفة الرابعة هي الاخبار التي تدل على الترجيح بمزايا مخصوصة

__________________

١ ـ الوسائل ج ١٨ ، ص ٨٨ ، أبواب صفات القاضي ، الباب ٩ ، الحديث ٤٢.

٢ ـ جامع احاديث الشيعة : ص ٦٦ ، أبواب المقدمات ، الباب ٦ ، الحديث ٣٣.

٣ ـ الوسائل ج ١٨ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ح ٣٧ ص ٨٦.

١٦٠