البداية في توضيح الكفاية - ج ٥

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٥

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات هماى دانش
الطبعة: ١
ISBN: 964-8035-01-6
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٣٥٢

بواسطة اليقين بحجّة ودليل لا يكون بمنهي عنه ، فدليل حجّية الامارة موجب لخروج الموارد التي قامت فيها الامارة عن نقض اليقين بالشك خروجا تخصيصا عن تحت أدلّة الاستصحاب ، إذ الشك المأخوذ في دليل الاستصحاب يرفع وينعدم باليقين بحجّة ودليل.

ومن الواضح أنّ أحدهما لا يشمل الآخر كما لا يشمل العالم الجاهل وبالعكس.

وإذا قال المولى : أكرم العلماء ، يكون خروج الجهّال عن تحت العلماء خروجا موضوعيا وتخصصيا ، وكذا خروج الشك عن تحت اليقين يكون خروجا موضوعيا وتخصصيا وكذا إذا قامت الامارة على وفق الحالة السابقة حرفا بحرف.

قوله : لا يقال نعم هذا لو أخذ بدليل الامارة في مورده ولكنّه لم ...

إذا سلمنا ورود دليل الامارة على دليل الاستصحاب ، وعليه ليس العمل على طبق الامارة بنقض اليقين بالشك بل نقض اليقين باليقين بحجّة ودليل. وهذا واضح لا كلام فيه وانّما الكلام والبحث في وجوب الأخذ بدليل الامارة ولم لا يكون الأخذ بدليل الاستصحاب بلازم خصوصا على القول بكون الاستصحاب من الامارات ـ وقد سبق تحقيق هذا في أوائل بحث الاستصحاب ـ فقول المصنّف قدس‌سره : ويلزم عطف ، أي معطوف على قوله : لا يؤخذ لا على قوله : يؤخذ والوجه واضح لا يحتاج إلى التوضيح.

جواب المصنّف قدس‌سره عنه

قوله : فإنّه يقال ذلك انّما هو لأجل انّه لا محذور في الأخذ بدليلها ...

إذا عملنا بدليل الامارة في مورد الاستصحاب فيلزم التخصّص في أدلّة

١٠١

الاستصحاب ، إذ يلزم في مورد الحالة السابقة نقض اليقين بيقين بحجّة ودليل على خلافها لا نقض اليقين بالشك.

ومن الواضح أن هذا النقض يكون تخصصا وهو ليس خلاف الظاهر ولا خلاف القاعدة. أمّا بخلاف ما إذا عملنا بدليل الاستصحاب في مورد قيام الامارة فانّه يلزم حينئذ تخصيص دليل الامارة بسبب دليل الاستصحاب وهو خلاف الظاهر والقاعدة.

وعلى هذا الأساس إذا دار الأمر في كل موضع بين التخصيص والتخصص ، فالثاني أولى من الأوّل.

هذا ، مضافا إلى أنّه يستلزم تخصيص دليل الاستصحاب لدليل الامارة أحد الأمرين امّا تخصيصا بلا مخصّص وامّا دورا صريحا.

أمّا بيانه فانّه يقال : إذا كان دليل الاستصحاب مخصصا لدليل الامارة ، أي تكون واجبة الاتباع إلّا في مورد الاستصحاب ، فلا بدّ أن يكون الاستصحاب معتبرا بنظر الشارع المقدّس في مورد قيام الامارة المعتبرة على خلاف الحالة السابقة وهذا الاعتبار يتوقّف على تخصيص دليل الاستصحاب لدليل الامارة ، والتخصيص المذكور يتوقّف على الاعتبار المذكور ، أي اعتبار الاستصحاب في مورد قيام الامارة ، فلو خصّص دليل الامارة بواسطة دليل الاستصحاب للزم الدور ، وامّا لو خصّص بدونه للزم التخصيص بلا مخصّص وكلا الأمرين باطلان.

وعليه ؛ ففي مورد اجتماعهما لا بدّ من الأخذ بدليل الامارة دون دليل الاستصحاب لئلا يلزم محذور التخصيص بلا مخصص ، أو يلزم التخصيص على وجه دائر كما عرفته.

قوله : وأمّا حديث الحكومة فلا أصل له أصلا فانّه لا نظر لدليلها ...

وليس دليل الامارة حاكما على دليل الاستصحاب كما ادّعاه الشيخ

١٠٢

الأنصاري قدس‌سره ، إذ لا نظر لدليل الامارة إلى دليل الاستصحاب بحيث يتصرّف فيه سعة وضيقا إثباتا وإن كان دليل الامارة دالّا على الغاء الاستصحاب وسقوطه ثبوتا إذ يلزم من العمل بدليل الامارة مع الأخذ بدليل الاستصحاب تناف إذا كان دليل الاستصحاب مخالفا لدليل الامارة فلا يمكن الجمع بينهما معا.

وعلى هذا الأساس يكون دليل اعتبار الامارة من حيث لزوم العمل على طبقه طاردا لبّا وحقيقة للاستصحاب وساقطا له ، كما ان مقتضى دليل الاستصحاب الغاء الامارة واسقاطها ، إذ في صورة مخالفة الامارة مع الاستصحاب يكون كل واحد منهما في مقام بيان وظيفة الجاهل بالحكم الواقعي ، فلا جرم يكون كل واحد منهما طاردا للآخر ، ولهذا لا يمكن العمل بكليهما معا ، فلا مناص من العمل بأحدهما ومن طرد الآخر.

غاية الأمر يكون هذا الأمر بحسب الواقع وعالم الثبوت وليس في مقام الدلالة والاثبات ، وقد ثبت في محلّه كون الدليل الحاكم ناظرا إلى الدليل المحكوم بحسب عالم الاثبات والدلالة.

وعلى طبيعة الحال ليس تقديم الامارة على الاستصحاب من باب الحكومة ، بل من باب الورود بحيث يكون دليل الامارة منعدما لموضوع دليل الاستصحاب.

هذا مضافا إلى أن القول بالحكومة يستلزم في صورة موافقة الامارة مع الاستصحاب ، كما إذا قامت على وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة اعتبار الاستصحاب وحجّيته ولزوم العمل على طبقه ، ولا أظن القائل بالحكومة أن يلتزم بهذا الأمر ، فالقول بحكومة الامارات على الاستصحاب مردود من وجهين وقد قرّرا آنفا.

قوله : فافهم فانّ المقام لا يخلو من دقّة وتدقيق ...

وهو إشارة إلى أنّ دليل الامارة لا بدّ أن يكون دالّا على نفي الاستصحاب إذا

١٠٣

كان مقتضيا لخلاف الامارة إلّا ان هذه الدلالة لا توجب حكومتها عليه ، لأنّ هذه الدلالة ناشئة من تنافي المدلولين فانّه يقتضي أن يكون دليل أحدهما دالّا على نفي الآخر كما سيأتي هذا إن شاء الله تعالى في مبحث التعارض.

ومثلها لا تكون حكومة مهمّمة ولا مخصّصة وإلّا فهي حاصلة بدليل الاستصحاب أيضا ، فانّه يدل على نفي الامارة التي على خلافه بالالتزام ، ومع ذلك لا يكون الاستصحاب حاكما على الامارة بالاتفاق فالنفي لا يوجب حكومة كما لا يخفى ، ولأجل هذه اللطيفة والنكتة أمر المصنّف قدس‌سره بالدقّة والفهم بقوله : فافهم.

قوله : وأمّا التوفيق فان كان بما ذكرنا فنعم الاتفاق ...

أراد القائل بالتوفيق بين دليل الامارة ودليل الاستصحاب الجمع العرفي بينهما لا بنحو الورود ولا بنحو الحكومة.

ومنه لا يحسن قول المصنّف قدس‌سره : فإن كان بما ذكرنا ، إذ الذي ذكره هو الورود.

أمّا المصنّف قدس‌سره فقد قال : فان كان التوفيق بين دليل الامارة ودليل الاستصحاب بنحو الورود ، أي بنحو ورود دليل الامارة على دليل الاستصحاب فهذا نعم التوفيق.

وإن كان المراد منه هو التخصيص ، أي تخصيص دليل الاستصحاب بواسطة دليل الامارة كما خصّص العام بالخاص المتصل ، أو المنفصل من باب الجمع العرفي كما إذا قال المولى لعبده : أكرم العلماء ، ثم قال : لا تكرم الفسّاق من العلماء ، فيتعارضان في إكرام العلماء الفسّاق ، ويخصّص العام وهو العلماء بالخاص وهو العلماء الفسّاق من باب تقدّم الأظهر وهو الخاص على الظاهر وهو العام عند أهل العرف وهذا التقدّم يسمّى بالجمع العرفي.

وكذا قال المولى : لا تنقض اليقين بالشك ، ثم قال : إلّا إذا قامت الامارة على تعيين الحكم ، أو الموضوع ومع قيامها أنقض اليقين. ولكن قال المصنّف قدس‌سره : لا وجه

١٠٤

لهذا التخصيص أصلا ، إذ هو عبارة عن رفع اليد عن الحكم بلا تصرّف في الموضوع كما يرفع اليد عن وجوب إكرام العلماء الفسّاق مع كونهم علماء قطعا وليس الأمر هنا كذلك ، إذ في مورد الامارة المعتبرة يكون نقض اليقين بالدليل وبيقين بحجّة ودليل ـ كما علمته سابقا ـ وليس في موردها نقض اليقين بالشك بل نقض اليقين باليقين فمورد الامارة خارج عن مورد الاستصحاب موضوعا لا حكما ، فالمناسب هو التخصص لا التخصيص.

نعم لو كان تقديم الامارة على الاستصحاب من مصاديق نقض اليقين بالشك ومع ذلك نبادر إليه لكان التقديم من باب التخصيص ، إذ على هذا الفرض يكون موضوع الاستصحاب محفوظا ولكن تحدّد دائرة حكمه ، كما هو لازم التخصيص أمّا العمل على طبق الامارة فليس من باب نقض اليقين بالشك بل من باب نقض اليقين باليقين بحجّة ودليل.

ففي صورة ورود الامارة على الاستصحاب يغيّر موضوع الاستصحاب ويبدّل موضوعه بموضوع آخر ، إذ يقوم نقض اليقين باليقين مقام نقض اليقين بالشك وهذا ليس بتخصيص قطعا ، بل هو ورود.

فالنتيجة : انّه ليس دليل الامارة ودليل الاستصحاب كدليل لا تكرم العلماء واكرم العلماء العدول بل يكونان مثل : أكرم العلماء ، ولا تكرم الجهّال ، كما لا يخفى فالأخذ بدليل الامارة ليس من باب نقض اليقين بالشك ، وليس من باب كونه غير منهيّ عنه مع كونه من باب نقض اليقين بالشك كي يكون العمل بدليل الامارة تخصيصا لدليل الاستصحاب.

١٠٥

ورود الاستصحاب على سائر الاصول العملية

قوله : خاتمة لا بأس ببيان النسبة بين الاستصحاب وسائر الاصول العملية ...

ولا ريب في أن اعراب كلمة الخاتمة كاعراب كلمة التنبيه حرفا بحرف ، وهنا مقامان :

المقام الأوّل : النسبة بين الاستصحاب ؛ وبين سائر الاصول العملية كالنسبة التي تكون بين الامارة والاستصحاب ، فكما أن الامارة كانت واردة على الاستصحاب فكذلك الاستصحاب هو وارد على سائر الاصول العملية من أصالة البراءة والاشتغال والتخيير.

غاية الأمر أنّه وارد على البراءة الشرعية ورودا تعبّديا ، أي هو رافع للشك الذي أخذ في موضوع البراءة الشرعية رفعا شرعيا لا حقيقيا وذلك لبقاء الشك واقعا وهذا واضح ، ووارد على البراءة العقلية وقاعدة الاحتياط وأصالة التخيير العقلي ورودا حقيقيا جدّيا ، وذلك لارتفاع موضوعها بالاستصحاب واقعا فمع الاستصحاب يرتفع اللابيان ، الذي هو موضوع البراءة العقلية ، إذ ينقلب إلى البيان لأنّ الاستصحاب بيان تعبّدا ، ويرتفع أيضا عدم الأمن من العقوبة الذي هو موضوع قاعدة الاحتياط ، مثلا إذا علم إجمالا بكون أحد الإناءين خمرا والآخر خلّا فقد جرى الاستصحاب فيهما جميعا وانحل العلم الاجمالي من أصله وحصل الأمن من العقاب في مستصحب الحلية.

ويرتفع أيضا بواسطة الاستصحاب عدم الترجيح الذي هو موضوع حكم العقل بالتخيير في صورة دوران الأمر بين المحذورين وينقلب عدم الترجيح إلى الترجيح فإذا علم إجمالا أن صلاة الجمعة إمّا واجبة في عصر الغيبة ، وامّا محرّمة

١٠٦

فيه وكانت الحالة السابقة هي الوجوب ، إذ هي كانت واجبة في عصر ظهور الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام قطعا ونحن نشك في وجوبها في عصر الغيبة ونجري استصحاب وجوبها ولا يستقل مع الاستصحاب حكم العقل بالتخيير بين الفعل والترك أصلا ، ولكن قال الشيخ الأنصاري قدس‌سره بحكومة الامارات على الاستصحاب وبحكومة الاستصحاب على البراءة الشرعية.

وأمّا بالنسبة إلى الاصول العقلية الثلاثة البراءة العقلية وقاعدة الاحتياط وأصالة التخيير العقلي ، فيقول : بأنّ الاستصحاب وارد عليها ، إذ هو رافع لموضوعها من أصله ـ كما تقدّم تحقيق هذا في مختار المصنّف قدس‌سره ـ والأظهر مختار المصنّف قدس‌سره ، إذ لا نظر لأدلّة الاستصحاب إلى مدلول أدلّة البراءة الشرعية لا ضيقا ولا سعة أصلا ، والحال أنّه يشترط في الحكومة الشرح والنظر.

قوله : ولا مورد معه لها للزوم محذور التخصيص إلّا بوجه دائر في العكس ...

أي لا مورد مع الاستصحاب لسائر الاصول العملية أصلا لأنّه إذا أخذنا بدليل الاستصحاب لم يلزم منه شيء من الاشكال والمحذور سوى ارتفاع موضوع سائر الاصول العملية بسبب جريان الاستصحاب.

أمّا لو أخذنا بدليل سائر الاصول المذكورة دون الاستصحاب فيلزم من هذا أحد الأمرين :

إمّا التخصيص بلا مخصص ، لو رفعنا اليد عن الاستصحاب بلا دليل مخصص يخرج مورد الخاص عن تحت دليله ، أي دليل الاستصحاب.

وامّا لزوم الدور الصريح ، إن رفعنا اليد عن دليل الاستصحاب لأجل كون سائر الاصول العملية مخصصا لدليله.

واما بيان لزوم الدور في الصورة الثانية فيقال : ان مخصصيتها لدليل الاستصحاب يتوقف على مخصصيتها له ، وإلّا فيكون الاستصحاب واردا عليها

١٠٧

والمخصصية تتوقف على الاعتبار مع الاستصحاب فصار عنوان المخصصية موقوفا ؛ وعنوان الاعتبار موقوفا عليه.

وعنوان الاعتبار قد صار موقوفا وعنوان المخصصية موقوفا عليه ، فثبت كون الشيء الواحد موقوفا عليه وموقوفا وهذا مستحيل لاستلزامه تقدّم الشيء على نفسه وتأخّره عن نفسه ، وهذا محال قطعا ، فالمستلزم المحال محال كما قرّر هذا في الفلسفة والكلام.

ثم لا يخفى عليك إنّ هذا الإشكال إنّما يرد في خصوص تقدّم الاستصحاب على الاصول الشرعية كالبراءة الشرعية والاحتياط الشرعي والتخيير الشرعي. وامّا بالإضافة إلى الاصول العقلية فلا يرد هذا الإشكال أصلا لأنّ موضوع الاصول العملية العقلية يرتفع بالاستصحاب رفعا واقعيا حقيقيّا ، كما قال المصنّف قدس‌سره ، هذا في النقلية من الاصول العملية ؛ وامّا العقلية منها فلا إشكال في وجه تقديمه عليها ضرورة عدم الموضوع مع الاستصحاب للاصول العقلية ، وهذا واضح لا غبار عليه أصلا.

تزاحم الاستصحابين

قوله : وأمّا الثاني فالتعارض بين الاستصحابين إن كان ...

الأمر الثاني الذي يذكر في الخاتمة عبارة عن تعارض الاستصحابين ، وأمّا بيانه فيقال : إنّ التعارض بينهما إن كان من جهة عدم إمكان العمل بهما في زمان واحد ، وذلك كالغريقين اللّذين استصحب وجوب انقاذهما بعد عدم إمكان العمل بهما معا ، إذ قبل إمكان العمل بإنقاذهما يكونان واجبي الانقاذ يقينا وبعد عدم إمكان العمل به نشك في وجوب انقاذهما ونستصحب بقاء وجوبه بعد عدم إمكان انقاذهما معا ولا ريب في أنّ حالهما حال المتزاحمين بشرط عدم العلم بانتقاض الحالة

١٠٨

السابقة في أحدهما ويعمل بالأهم ملاكا إن كان موجودا في البين وإلّا ، أي وإن لم يكن الأهم بموجود ، أي كان موجودا في الواقع ولم يعلم المكلف فالتخيير بينهما ان لم يمكن انقاذهما معا.

قوله : كاستصحاب وجوب أمرين حدث بينهما التضاد ...

كما لو علم بوجوب الانفاق على والده ، وبوجوب الصدقة على الفقير بدرهم مثلا ثمّ شكّ في بقاء الوجوبين في زمان لا يتمكن المكلّف إلّا من درهم واحد فانه يستصحب وجوب الأمرين وهما : الانفاق والصدقة معا ولكن يتخير بينهما إن لم يكن أهم في البين وإلّا تعيّن اتيان الأهم عليه.

فان قيل : يعلم بعدم فعلية أحدهما بعد حدوث التضاد بينهما ، أي عدم امكان الاتيان بهما معا ، إذ فعلية التكليف فرع تمكّن المكلف من الاتيان بالمكلف به والغرض عدم امكان العمل بهما معا لحدوث التضاد بينهما في زمان جريان الاستصحاب.

قلنا : ان العلم المذكور لا يمنع في القيام من جريانه لان عدم فعلية المعلوم له انما هو لقصور في المكلّف لا في التكليف ، ومثله لا ينافي العلم بالوجوب فضلا عن استصحابه ، كما لا يخفى.

فان قيل : لا يترتب الأثر الشرعي على كل من الأمرين لعدم القدرة على كليهما كما هو المفروض. وعلى هذا الأساس فلا يجري الاستصحاب إلّا في أحدهما يكون مقدورا له. ويترتب الأثر الشرعي على ذلك.

قلنا : يكفي الأثر العملي كون المستصحب تخييريا بعد جريان الاستصحاب إما الانفاق على الوالد وإما الصدقة على الفقير.

فالنتيجة : إذا استصحب بقاء وجوب الأمرين المذكورين وثبت وجوبهما بالاستصحاب فيصير وجوبهما حينئذ من باب تزاحم الواجبين ويؤخذ بالاهم ملاكا

١٠٩

ان كان في البين وإلّا فيتخير.

ولا يخفى عليك ان الاستصحابين ليسا بمتعارضين لعدم العلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما ليكون خارجا عن تحت دليل الاعتبار رأسا وليكون أحدهما خاليا عن المناط ثبوتا وواقعا بل يكونان من باب تزاحم الواجبين وتجري فيهما قاعدة باب التزاحم لا القاعدة لباب التعارض كي يسقطان معا بعد التعارض. هذا كله إذا كان عدم العلم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما ، أي أحد الاستصحابين.

١١٠

في الأصل السببي والمسببي

قوله : وان كان مع العلم بانتقاض الحالة السابقة ...

وأما إذا كان تعارض الاستصحابين ثابتا بواسطة العلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة في أحد الاستصحابين كما إذا كان الاناءان طاهرين بواسطة الاستصحاب ولكن علم بوقوع النجاسة في أحدهما فهذا التعارض على نحوين :

أحدهما : أن يكون المستصحب ثابتا من الآثار الشرعية للمستصحب الآخر فيكون الشك في أحدهما مسببا عن الشك في الآخر ، كما إذا كان الثوب نجسا قد طهر بماء مشكوك الطهارة حال التطهير به معلوم الطهارة قبل ذلك ، أي التطهير بهذا الماء ، فان الشك في طهارة الثوب ونجاسته ناشئ من الشك في طهارة الماء ونجاسته لان طهارة الثوب من آثار طهارة الماء ، ولا يخفى ان الشك في الأثر ناشئ عن الشك في الموضوع فيجري في هذا المثال استصحاب طهارة الماء لتمامية أركانه فيحكم بطهارة الثوب ولكن لا يجري استصحاب نجاسة الثوب ، فالاستصحاب في ناحية السبب مقدم على الاستصحاب في ناحية المسبب ، أي لا مجال لرفع اليد عن الاستصحاب في السبب ، وهو طهارة الماء ، لاجتماع اركانه فيه من اليقين بالثبوت والشك في البقاء ، ومقتضاه هو الحكم بطهارة الثوب ولا مجال لمعارضته بالاستصحاب في المسبب الذي هو نجاسة الثوب مع اجتماع اركانه فيه أيضا من اليقين بالثبوت والشك في البقاء.

لان رفع اليد عن نجاسة الثوب ليس من قبيل نقض اليقين بالشك كي يكون ممتنعا بمقتضى أخبار الباب بل هو من قبيل نقض اليقين باليقين لان الحكم بطهارة الماء المغسول فيه يوجب اليقين بطهارة الثوب ظاهرا ، فنقض اليقين بالنجاسة لكان

١١١

بسبب اليقين بالطهارة الظاهرية لا بالشك ، كما لا يخفى.

فيكون المقام كما لو علم بنجاسة الثوب مثلا ، ثم قامت الامارة ، أي البينة على طهارته فانه لا ريب في لزوم الأخذ بالبينة ، لما تقدم في بحث حجية الاخبار وكذا لما تقدم في مبحث حكومة الامارة ، أو ورودها على الاستصحاب وعلى سائر الاصول العملية على اختلاف الرأيين من أن الامارة لما كانت موجبة لليقين بالطهارة الظاهرية لكان رفع اليد عن اليقين بنجاسة الثوب بسبب اليقين بالطهارة الظاهرية ، وهذا واضح.

فإن قيل : فلم يجر الاستصحاب في نجاسة الثوب ولا يجري في طهارة الماء؟

قلنا : يلزم تخصيص دليل الاستصحاب من غير مخصص وهو ممتنع.

فالنتيجة : ان الأخذ بجانب السببي لا يلزم منه محذور سوى نقض اليقين باليقين ، وهو ليس بممنوع ، بخلاف الأخذ بجانب المسببي ، فيلزم منه اما التخصيص بلا مخصص ، واما يلزم الدور ، وكلاهما ممنوعان ، ففي المثال المتقدم إذا أخذنا باستصحاب طهارة الماء وبنينا على طهارة الثوب المغسول به فلا يلزم منه شيء سوى نقض اليقين السابق بنجاسة الثوب باليقين بطهارته ، أي بطهارة الظاهرية الناشئة من استصحاب طهارة الماء ، ومن الواضح أن هذا ليس بممنوع أصلا ، وأما إن أخذنا باستصحاب نجاسة الثوب المغسول بماء قد شك في بقاء طهارته ، فان رفعنا اليد عن استصحاب طهارة الماء بدون ما يخرجه عن تحت دليل الاستصحاب فهذا تخصيص بلا مخصص ، أي لا تنقض اليقين بالشك إلّا إذا غسل به ثوب المتنجس ، وهذا الاستثناء ليس بموجود في أخبار الباب في طهارة الماء.

وإن رفعنا اليد عن استصحاب طهارة الماء لأجل كون استصحاب نجاسة الثوب مخصصا لاستصحاب طهارة الماء ، أي لا تنقض اليقين بالشك إلّا في صورة

١١٢

جريان الاستصحاب في بقاء نجاسة الثوب المغسول ، فهذا دور صريح.

أما بيانه : فلأن مخصصية الاستصحاب المسببي للاستصحاب السببي يتوقف على اعتبار المسببي مع السببي واعتباره معه يتوقف على مخصصيته له وإلّا لكان السببي واردا على المسببي كورود الامارات على الاصول العملية وعلى الاستصحاب كما تقدم هذا مفصلا.

هذا وجه تقديم الأخذ باستصحاب السببي كما لا يخفى ، فاللازم هو الأخذ بالاستصحاب السببي.

قوله : نعم لو لم يجر هذا الاستصحاب بوجه لكان الاستصحاب ...

نعم لو لم يجر استصحاب طهارة الماء لأجل كونه من أطراف العلم الاجمالي بالنجاسة فلا يجري حينئذ استصحاب الطهارة في هذا الماء ليجري استصحاب نجاسة الثوب المغسول به ، أو لجرى استصحاب طهارته إذا كان في السابق طاهرا. إذ لا محذور فيه حينئذ من تمامية أركان الاستصحاب فيه ومع عموم خطابه بحيث يشمل هذا المورد.

وبالجملة : إذا لم يجر الاستصحاب السببي لمانع يمنع عنه وهو كونه من أطراف العلم الاجمالي فتصل النوبة حينئذ بالاستصحاب المسببي سواء كان المسببي مخالفا مع السببي ، أو موافقا له. فالعلم الاجمالي بالنجاسة مانع عن جريان الاستصحاب ، مثلا إذا علمنا بنجاسة أحد الإناءين ، أو أحد الثوبين فلا نجري استصحاب الطهارة لا في هذا ولا في ذاك للعلم الاجمالي بنجاسة أحدهما لا بعينه.

هذا كله إذا كان المستصحب (بالفتح) في أحدهما من آثار المستصحب الآخر مثل كون طهارة الثوب المتنجس الذي غسل بالماء المشكوك طهارة من آثار طهارة الماء الذي استصحب طهارته.

١١٣

في تعارض الاستصحابين

قوله : وان لم يكن المستصحب في أحدهما من الآثار للآخر ...

لمّا فرغ المصنف قدس‌سره عن بيان تعارض الاستصحابين الطوليين وذلك كاستصحاب السببي واستصحاب المسببي ، شرع في بيان الاستصحابين المتعارضين العرضيين ، كاستصحاب طهارة الإناءين مع العلم بنجاسة أحدهما.

قال المصنّف قدس‌سره : الأظهر جواز جريان الاستصحاب في كليهما لوجود المقتضي اثباتا وفقد المانع عقلا ، أما الأول فلعموم دليل الاستصحاب وهو يشمل لاطراف العلم الاجمالي لكون كل واحد منهما معلوما سابقا من حيث الطهارة ومشكوكا لا حقا من حيث النجاسة فلا تلزم المخالفة العملية من جهة جريان الاستصحاب فيهما.

مثلا : إذا توضأ المحدث غفلة بمائع مردد بين الماء والبول فيجري استصحاب الحدث واستصحاب طهارة الاعضاء كاليدين والوجه والمقدم للرأس والرجلين إلى الكعبين ، لكون كل واحد منهما معلوما سابقا ومشكوكا لا حقا ، فيتم أركان الاستصحاب فيهما ، والحال أنه لا يلزم من جريان الاستصحابين مخالفة عملية لتكليف فعلي معلوم إجمالا ، أما جريان استصحاب طهارة الأعضاء فلأجل احتمال كون المائع ماء واقعا.

وعليه فالاعضاء باقية على طهارتها ، أي يتم فيها أركان الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق ، وأما جريان استصحاب الحدث فلأجل عدم العلم بارتفاعه ، وقاعدة الاشتغال تقتضي لزوم احراز الطهارة للصلاة والطواف وغيرهما من المشروط بالطهارة.

١١٤

وعلى طبيعة الحال لا يلزم من جريان الاستصحابين المذكورين مخالفة عملية بالاضافة إلى التكليف الفعلي المعلوم إجمالا كما لا يخفى.

وعلى ، أي حال لا يكون الشكان مسببين عن الشك الآخر بل هما يكونان عرضيين مسببين عن دوران المائع الذي توضأ به بين البول والماء ، وهو يوجب الشك في بقاء كل واحد من الحدث والطهارة مع العلم الاجمالي بانتقاض أحد المستصحبين ، لأجل ارتفاع طهارة الأعضاء لو كان هذا المائع بولا واقعا.

أو لأجل ارتفاع الحدث لو كان هذا المائع ماء ، ولكن هذا العلم الاجمالي غير مانع عن جريان استصحاب بقاء الحدث ، وعن جريان استصحاب بقاء طهارة الأعضاء ، إذ لا يلزم من جريانهما مخالفة عملية لتكليف فعلي معلوم اجمالا ، إذ لا تنافي بين اجتماع الحدث الذي هو قائم بالنفس وبين طهارة الاعضاء التي هي قائمة بالبدن لتعدد الاضافة ، إذ يقال حدث النفس وطهارة البدن ، فلا تناقض بينهما أصلا لاشتراط الوحدات الثمانية بل الوحدات التسعة في التناقض وهى على التوالي : وحدة الموضوع ووحدة المحمول ووحدة المكان ووحدة الزمان ووحدة الشرط ووحدة الاضافة ووحدة الجزء والكل ووحدة القوة والفعل ووحدة الحمل كما في المنطق والفلسفة.

فان قيل : يلزم التنافي والتناقض في لوازم بقاء الحدث وبقاء الطهارة ، إذ لازم بقاء الحدث كون المائع بولا ، ولازم الطهارة كونه ماء ، أو يقال يلزم التنافي بين بقاء الحدث وبقاء الطهارة ، إذ لازم بولية المائع المردد بقاء الحدث ولازم مائيته ارتفاع الحدث وبقاء طهارة الأعضاء. وعلى طبيعة الحال فلا يمكن الجمع بين بقاء الحدث وبين بقاء طهارة الأعضاء أصلا.

قلنا : ان المانع من جريان استصحاب بقاء الحدث واستصحاب بقاء طهارة الاعضاء هو لزوم مخالفة عملية لتكليف فعلي معلوم إجمالا لا التفكيك في اللوازم

١١٥

في مرحلة الظاهر.

فالنتيجة : ان المانع عن جريانهما وهو مخالفة عملية ، غير لازم واللازم من جريانهما وهو التفكيك في اللوازم غير مانع.

فان قيل : وان لم يلزم جريانهما مخالفة عملية ولكن يلزم منه مخالفة التزامية أي الالتزام والاعتقاد ببقاء الحدث والالتزام ببقاء طهارة الاعضاء.

قلنا : ان المخالفة الالتزامية ليست بمانعة لا عقلا ولا شرعا.

في اشكال الشيخ الانصاري قدس‌سره

قوله : فان قوله في ذيل بعض أخبار الباب ولكن تنقض ...

فاستشكل الشيخ الأنصاري قدس‌سره في هذا المقام بانه إذا علمنا بنجاسة أحد الإناءين الطاهرين فهذا العلم الاجمالي بالنجاسة لما كان خلاف اليقين بالطهارة السابقة وجب نقض اليقين بها باليقين بالنجاسة عملا بقوله عليه‌السلام : «اليقين لا ينقض بالشك» لكل واحد من الإناءين الطاهرين سابقا حيث ان كلا منهما متيقن الطهارة سابقا مشكوك الطهارة لا حقا كان ذلك تناقضا صريحا ، لان الاناء المعلوم بالاجمال من حيث النجاسة وهو الاناء الذي يجب البناء على طهارته بمقتضى صدر الحديث الشريف.

وعليه فلو شمل صدر خطاب لا تنقض اليقين بالشك أبدا كل واحد من أطراف العلم الاجمالي للزم التناقض بين الصدر وبين الذيل ، وهو قوله عليه‌السلام : «وانما ينقضه بيقين آخر» بعد حصول العلم الاجمالي بنجاسة أحد الاطراف ، أو أحد الطرفين لوضوح المناقضة والمنافرة بين السلب الكلي ، وبين الايجاب الجزئي ؛ لتحقق شرط التناقض بينهما ، وهو عبارة عن اختلاف القضيتين في الكيف والكم

١١٦

والجهة ، فيتحقق التناقض بين النهي عن النقض في جميع الاطراف ، وبين الامر بالنقض في أحد الأطراف الذي علم بالاجمال وهذا واضح. وقد أجاب المصنف قدس‌سره عن هذا الاشكال بجوابين :

الاول : لو سلمنا أن ذيل الحديث الشريف مانع عن عموم الصدر وعن شموله لموارد العلم الاجمالي ، إذ يلزم التناقض بين الصدر والذيل حينئذ ، ومع ذلك نقول ان هذا التناقض ليس بمانع عن عموم النهي وشموله لموارد العلم الاجمالي ، إذ تكون عدة من أخبار الباب خالية عن هذا الذيل فتكون عامة بحيث تشمل لأطراف العلم الاجمالي ، فان اجمال ذاك الخطاب المذيّل بهذا الذيل لا يسري إلى الخطاب الذي ليس فيه هذا الذيل ، وذلك لظهور الاخبار التي ليس فيها ذيل في العموم ، لان المفروض عدم اقترانها بالذيل الذي يكون مانعا عن ظهورها في العموم ، بحيث تشمل لموارد العلم الاجمالي.

هذا تمام الكلام في وجود المقتضي لجريان الاستصحاب في اطراف العلم الاجمالي مع عدم لزوم مخالفة عملية من جهة جريان الاستصحاب في الاطراف ، واما فقد المانع عن جريان الاستصحاب فيها فلأجل ان جريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي لا يوجب شيئا إلّا المخالفة الالتزامية ، وهذه ليست بمحذورة شرعا ولا عقلا كما قد سبق تحقيقه ، هذا فى طىّ جواب الاول عن اشكال الشيخ الأنصاري قدس‌سره.

الثاني : بأن قوله عليه‌السلام : «ولكن تنقضه بيقين آخر» ليس حكما شرعيا ظاهريا حتى يناقض تطبيقه على المعلوم بالاجمال تطبيق صدر دليل الاستصحاب على أطراف المعلوم بالاجمال لامتناع جعل الحكم الظاهري في ظرف العلم ، بل هو يجعل في ظرف الشك في الحكم الواقعي ، وفي حين الجهل به ، كما في موارد جريان الاصول العملية ، كالبراءة والاشتغال والتخيير والاحتياط ، بل مفاده حكم

١١٧

ارشادي محض إلى الحكم من باب طريقية العلم إلى متعلقه ومعلومه ، ومن باب كونه غاية لانقطاع حكم الاستصحاب.

ومقتضى ذلك عدم جريان الاستصحاب في المعلوم بالاجمال ، أي لا تنقض اليقين بالشك أبدا ، أي استصحب بقاء المتيقن في ظرف الشك في بقائه حتى تكون متيقنا في عدم بقائه.

قوله : ومنه قد انقدح عدم جريان الاستصحاب في أطراف ...

قد ظهر لك من جميع ما تقدم عدم جريان الاستصحاب في اطراف العلم بالتكليف الفعلي ، إذ نفس العلم به مانع عن جريانه للزوم المخالفة القطعية لو أجريناه في جميع الاطراف ، أو للزوم المخالفة الاحتمالية لو أجريناه في بعض الاطراف وهما ممنوعان عقلا ، فيمتنع جريانه لأنه ترخيص في المعصية ، كما لا يخفى.

فجواز اجراء الاستصحاب في اطراف العلم الاجمالي بالتكليف يكون في المورد الذي لا يلزم من اجرائه مخالفة عملية قطعية ، أو مخالفة عملية احتمالية ، كما إذا توضأ المكلف غافلا بمائع مردد بين الماء والبول ، فاستصحاب طهارة الاعضاء واستصحاب عدم طهارة الحدثية يجريان ولكن لا تلزم من جريانهما مخالفة عملية قطعية ، ولا مخالفة عملية احتمالية وهذا الأمر واضح لا غبار عليه أصلا.

واما في الموارد التي تلزم من اجراء الاستصحابين معا مخالفة عملية قطعية فلا يجوز إجراؤهما اصلا ، كما إذا علمنا اجمالا بنجاسة احد الإناءين كانا طاهرين سابقا ، فلو أجرينا استصحاب الطهارة في كليهما لقطعنا بمخالفة التكليف الفعلي الالزامي ، وهو عبارة عن وجوب الاجتناب عن الماء المتنجس ، وعلى طبيعة الحال لا يجوز جريان الاستصحاب في الاطراف ، أي اطراف المعلوم بالاجمال في هذه

١١٨

الموارد ، كما لا يخفى.

في تقدم التجاوز والفراغ واصل الصحة على الاستصحاب

قوله : تذنيب لا يخفى ان مثل قاعدة التجاوز في حال الاشتغال ...

وليعلم أن المراد من قاعدة التجاوز هو الحكم بوجود الشيء المشكوك بعد الدخول في غيره مما هو مترتب عليه وهي مستفادة من صحيح زرارة بن أعين رضى الله عنه ، قال : قلت لأبي عبد الله الصادق عليه‌السلام : رجل شك في الاذان وقد دخل في الاقامة. قال عليه‌السلام : «يمضي». قلت : رجل شك في الاذان والاقامة وقد كبر. قال عليه‌السلام : «يمضي». قلت : رجل شك في التكبير وقد قرأ. قال عليه‌السلام : «يمضي». قلت : رجل شك في الركوع وقد سجد. قال عليه‌السلام : «يمضي» ثم قال : يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء (١).

وكذا من معتبرة اسماعيل بن جابر رضى الله عنه : قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض وان شك في السجود بعد ما قام فليمض» قال عليه‌السلام : «كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» (٢).

وان المراد من قاعدة الفراغ هو الحكم بوجود الشيء المشكوك فيه بعد الفراغ عنه ، وهي مستفادة من موثقة ابن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو» (٣). وهي المعتضدة ببناء العقلاء على صحة ما شكّ في صحته من قبل نفسه وفعل غيره.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ج ٥ ، ص ٣٣٦ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الباب ٢٣ ، الحديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ج ٤ ، ص ٣٣٩ ، أبواب الركوع ، الباب ١٣ ، الحديث ٤.

٣ ـ وسائل الشيعة : ج ٥ ، ص ٣٣٦ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الباب ٢٣ ، الحديث ٣.

١١٩

ومن هنا يظهر لك الوجه في سند اصالة الصحة ، إذ سندها هو الآيات والاخبار ، ومن الآيات قوله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)(١) أي لا تقولوا إلّا خيرا ، وقوله تعالى : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)(٢) أي السوء إثم وإلّا لم يكن شيء من الظن إثما كما لا يخفى.

ومن الأخبار قول الصادق عليه‌السلام لمحمد بن الفضل رحمه‌الله : «يا محمّد كذّب سمعك وبصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسامة انه قال ، وقال لم أقل فصدّقه وكذّبهم» أي صحة عمل الغير هذا مضافا إلى ما ادعاه شيخنا الانصاري قدس‌سره من الاجماع القولي والعملي عليها ، وانه لولاها لاختل نظام المعاد والمعاش ، ولا يخفى ان الفرق بين قاعدة التجاوز وبين قاعدة الفراغ موردا هو ان الاولى تجري في حال الاشتغال ، فالمراد صحة جريانها حال الاشتغال في العمل ، والثانية تجري بعد الفراغ من العمل ، أو تكون الاولى اعم من الثانية ، إذ الاولى تجري حال الاشتغال وبعد الفراغ ، والثانية تجري بعد الفراغ فقط.

قوله : إلى غير ذلك من القواعد المقررة في الشبهات الموضوعية ...

كقاعدة اليد ، وقاعدة سوق المسلمين وقاعدة أرض المسلمين ، وقاعدة الطهارة ، وقاعدة الحلية وغيرها من القواعد المقررة في الشبهات الموضوعية الجارية فيها. وكل هذه القواعد تقدم على الاستصحاب الذي تكون في مواردها إلّا القرعة ، وسيأتي البحث فيها ان شاء الله تعالى.

مثلا : إذا شك المكلف في اتيان القراءة بعد الركوع ، فاستصحاب عدم اتيانها يقتضي فساد الصلاة ، إذ لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب ، ولكن قاعدة التجاوز عن محل تدارك المشكوك فيه تقتضي صحتها. وكذا إذا شكّ في اتيان الركوع بعد ما سجد

__________________

١ ـ سورة البقرة آية ٨٣.

٢ ـ سورة الحجرات آية ١٢.

١٢٠