البداية في توضيح الكفاية - ج ٤

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات هماى دانش
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-94105-2-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٣٣٣

قطعا ، ولا ريب في اختصاص الجزئية والشرطية بحال الذكر بناء على هذا الاستدلال ولكن لو لا حديث الرفع وأمثاله وحديث لا تعاد ليحكم بوجوب الإعادة على المكلف الذي فعل الصلاة بلا حمد وبلا سورة نسيانا.

فإن قيل : لم رفعت اليد عن حكم العقل بوجوب الإعادة فيعلم منه ان الحمد والسورة جزءان للصلاة في حال الذكر وفي حال النسيان ، وعملت بحديث الرفع ولا تعاد فيما نحن فيه؟

قلنا : ان الأدلّة النقلية ، كحديث الرفع وحديث لا تعاد ، حاكمة على حكم العقل من باب تضييق دائرة الجزئية واختصاصها بحال الذكر.

إذ شأن الدليل الحاكم انّما يكون توسيع دائرة موضوع دليل المحكوم مثل الطواف بالبيت صلاة ، وهو حاكم على الدليل الذي دل على وجوب الصلاة نحو (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) وموسع لدائرة موضوعه ، أو تضييق دائرة موضوعه نحو : لا شك لكثير الشك ، وهو حاكم على الدليل الذي دل على البناء بالأكثر في الفريضة ، نحو قول المعصوم عليه‌السلام : «إذا شككت بين الثلاث والأربع فابن على الأربع» ، فالأصل الثانوي هو عدم وجوب الإعادة.

حكم ناسي الجزئية

كما أن لزوم الإعادة ثابت إذا ثبت شرعا جزئية الشيء للمأمور به ، أو شرطيته له ولو في حال النسيان من جهة الدليل الاجتهادي نحو : لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب ، ونحو : لا صلاة إلّا بالطهور ، ونحو : لا صلاة لمن لم يقم صلبه. فالأوّل يدل على جزئية الفاتحة للصلاة واطلاقه يدل عليها حال الذكر والعلم وحال النسيان والجهل ، والثانيان يدلّان على شرطية الطهارة مطلقا وعلى شرطية قيام الطلب مطلقا

٦١

ولو في حال النسيان ، أو من جهة الإجماع كتكبيرة الاحرام مثلا.

والفرق بين النص والدليل الاجتهادي والاجماع أن الأوّل دليل لفظي والثاني دليل لبي.

ولا يخفى أن حديث الرفع جار في الصلاة وغيرها من سائر العبادات والمعاملات ، اما بخلاف حديث لا تعاد فانّه مختص بالصلاة وهذا معنى قوله مطلقا.

قوله : ثم لا يذهب عليك أنّه كما يمكن رفع الجزئية ، أو الشرطية ...

ويمكن أن يستدل بالدليل الاجتهادي على نفي الجزئية والشرطية في حال نسيان الجزء ، أو الشرط وعلى تخصيص الجزئية ، أو الشرطية بحال الذكر فقط ، فكما نرفع جزئية شيء ، أو شرطيته للصلاة في حال النسيان بحديث الرفع ولا تعاد ، كذلك يمكن لنا رفعهما بالدليل الاجتهادي في حال النسيان بأحد الطرق الثلاثة :

أوّلها : ان الخطاب بالعمل الذي يكون خاليا عن الجزء المشكوك فيه ، أو عن الشرط المشكوك فيه وارد من قبل المولى على نحو يشمل الذاكر والناسي ولكن يرد من قبل الشارع المقدّس الدليل الآخر الذي يدل بالمطابقة على اختصاص الجزء والشرط في حق الذاكر.

وثانيها : ان الخطاب بالعمل متوجّه إلى الناسي بغير عنوان الناسي على نحو العام ، نحو : يا أيّها الرجل ، ونحو : يا أيّها الناس ، أقيموا الصلاة بلا سورة ، أو على نحو الخاص بالناسي نحو : يا أيّها البلغمي مثلا أقم الصلاة بلا سورة وبلا جلسة الاستراحة ، أو نحو : يا أيّها الضعيف الدماغ ، أو على نحو العناوين الأخر التي تختص بالناسي ولا تشمل الذاكر من نحو يا آكل الجبن ويا قارئ الواح القبور.

فإن قيل : لأي سبب لا يجوز خطاب الناسي بقول : يا أيّها الناسي أقم الصلاة بلا سورة؟

قلنا : ان هذا الخطاب في حق الناسي محال ، إذ يلزم من وجود النسيان عدمه

٦٢

لأنّه إذا قيل له : يا أيّها الناسي أقم الصلاة بلا سورة فيخرج عن كونه ناسيا ويصير ذاكرا.

وعليه لا يمكن أن يطالب منه العمل الذي يكون فاقدا للجزء ، أو الشرط لأنّ طلبه يختص بحال النسيان.

ومن المعلوم أن ما يلزم من وجوده عدمه محال فخطاب الناسي بعنوان الناسي محال.

وثالثها : ان الخطاب بالعمل الذي يكون واجدا لجميع الأجزاء ولتمام الشرائط مختص بالذاكر ، ولكن العمل الذي يكون خاليا عن الجزء المنسي واجب في حق الناسي وليس هذا بمستحيل عند المصنّف قدس‌سره وان زعم بعض الأعلام (رض) استحالة الخطاب بعنوان الناسي ، كما قرّر هذا آنفا ، أي زعم بعض منهم (رض) استحالة تخصيص الجزئية والشرطية بحال الذكر وايجاب العمل الخالي عن المنسي على الناسي.

قوله : فلا تغفل ...

وهو إشارة إلى قيام الدليل الاجتهادي على أن الجزء والشرط مختصان بحال الذكر. ولهذا إذا نسي المكلف قراءة الحمد والسورة في الصلاة المكتوبة لم تجب سجدتا السهو لنسيانهما بل تستحبّان.

والدليل الاجتهادي على هذا الأمر المذكور هو حديث : لا تعاد الصلاة إلّا من خمس الطهارة والوقت والقبلة والركوع والسجود ، وغيره من النصوص الواردة.

وعليه ، فالناسي وإن كان غير ملتفت إلى نسيانه إلّا انّه ملتفت إلى ان ما يأتي به هو المأمور به.

غاية الأمر ان الناسي يتخيّل أن ما يأتي به مماثل لما يأتي به غيره من الذاكرين وأن الأمر المتوجّه إليه هو الأمر المتوجّه إليهم ، وهذا التخيل لا يضر بصحّة

٦٣

العمل بعد وجود الأمر الفعلي في حقّه. ومطابقة المأتي به للمأمور به وإن لم يكن الناسي ملتفتا إلى كيفية الأمر.

وعلى ضوء هذا فيمكن توجيه الخطاب إلى الناسي والحكم بصحّة عمله ، وان كان مخطئا في التطبيق.

نعم الأمر بالأركان فيها مطلق بالنسبة إلى عامّة المكلّفين غير مقيّد بحال الذكر.

حكم الزيادة

وأمّا بقية الأجزاء والشرائط فالأمر بها مختص بحال الذكر بمقتضى حديث لا تعاد ، وغيره من النصوص الواردة في موارد خاصة.

وأمّا وجه عدم استحالة خطاب الناسي بعنوان النسيان عند المصنّف قدس‌سره فيقال : ان خطابات الشرعية إنّما تكون على نحو القضية الحقيقية من دون النظر إلى الافراد الخارجية كايجاب الحج على المستطيع الكلي.

ولهذا يقال : الحج واجب على المستطيع ولا يقال : الحج واجب على زيد المستطيع وعلى عمرو المستطيع و ... وكذا يقال : الصلاة واجبة على البالغ العاقل ، ولا يقال : الصلاة واجبة على زيد البالغ العاقل وعلى بكر البالغ العاقل ، وكذا ما نحن فيه ، فانّه يصح أن يقال : الصلاة الفاقدة للجزء ، أو الشرط واجبة على الناسي الكلّي ولا يصح أن يقال : الصلاة الفاقدة للجزء ، أو الشرط واجبة على زيد الناسي وعلى أحمد الناسي مثلا.

وعلى ضوء هذا فالاستحالة لخطاب الناسي بعنوان النسيان مختصة بمخاطبة الناسي الخارجي دون الناسي الكلّي على نحو القضية الحقيقية. وهذا ليس بمحال.

٦٤

في زيادة الجزء عمدا ، أو سهوا

قوله : الثالث أنّه ظهر ممّا حال زيادة الجزء إذا شك في اعتبار عدمها ...

اعلم ان الجزء المعتبر في المركب الاعتباري يمكن اعتباره على أحد وجوه :

فتارة : يعتبر بنحو صرف الوجود كتكبيرة الاحرام.

واخرى : يعتبر بشرط لا ، أي بشرط أن لا يتكرّر الوجود كالقراءة.

وثالثة : يعتبر بشرط شيء ، أي بشرط أن يتكرّر وجوده كالسجود.

ورابعة : بنحو يصدق على القليل والكثير ، كما في التسبيح في الركوع والسجود بناء على كون تمام التسبيح المتعدّد واجبا لا بناء على القول بأن الواجب واحدا والزائد عليه مستحب ، إذ لا يصدق الجزء الواجب على الكثير حينئذ ، وإذا تمهد هذه الوجوه الأربعة ، فاعلم ان عنوان زيادة الجزء إنّما يصحّ في الصورتين الأوليين دون الاخيرتين.

أمّا المصنّف قدس‌سره فقد قال : قد ظهر ممّا ذكر في التنبيه الثاني من حال جزئية الجزء وشرطية الشرط لحال الذكر والنسيان ، أو لحال الذكر فقط. حال زيادة الجزء إذا شك في اعتبار عدمها شرطا ، أو شطرا.

والفرق بين الشرط وبين الشطر أن التقيد داخل في المأمور به والقيد خارج عنه في الأوّل ، وذلك كاشتراط الصلاة بالطهارة ، لأنّ الصلاة المقيّدة بالطهارة واجبة ومطلوبة ، وتقيدها بها داخل في مطلوبيتها ، ولكن القيد الذي هو الطهارة خارج عن حقيقتها وماهيتها. ولهذا يقال في مقام بيان حقيقتها وماهيتها أوّلها التكبير وآخرها التسليم ولا يقال أوّلها الطهارة ، وان التقيّد والقيد داخلان في ماهية الصلاة المأمور بها على الثاني. وذلك كتكبيرة الاحرام والركوع ونحوهما من الأجزاء لأنّ الصلاة المقيّدة بالتكبيرة والركوع مطلوبة.

وعلى ضوء هذا يكون مفاد الأوّل هكذا من شرائط الصلاة عدم قراءة الحمد

٦٥

أو السورة مرّتين في الركعة الاولى ، أو الثانية كما ان من شرائطها عدم السكوت الطويل ، وعدم البكاء للدنيا مثلا. ويكون مفاد الثاني هكذا بأن كان عدم الزيادة جزءا من أجزاء الواجب. هذا.

قوله : مع عدم اعتباره في جزئيته وإلّا لم يكن من زيادته بل من نقصانه ...

أي يشترط في زيادة الجزء عدم كون الجزء من الجزء الذي اعتبر فيه عدم الزيادة ، وذلك كالركوع وان اعتبر فيه عدمها فتكون الزيادة نقصانا ومن نقيصة الجزء لا من الزيادة كمن ركع ركوعين في ركعة ، فيشترط في زيادة الجزء عمدا ، أو سهوا أن يكون الجزء مأخوذا في المركب الاعتباري بعنوان لا بشرط الوحدة ولا بشرط الزيادة.

قوله : وذلك لاندراجه في الشك في دخل شيء فيه جزء ، أو شرط ...

وليعلم أن صورة زيادة الجزء تكون من مصاديق الشك في دخل شيء بعنوان الجزء ، أو الشرط في الواجب ، أي يكون الشك في أخذ عدم الزيادة شطرا ، أو شرطا في الواجب مثل الشك في أخذ وجود الشيء شطرا ، أو شرطا فيه في جريان البراءة الشرعية فيه دون البراءة العقلية ، أي فلولا البراءة النقلية ، كحديث الرفع ونحوه ، لكان مقتضى الاحتياط العقلي ، أي الاحتياط الذي يحكم به العقل بطلان الواجب العبادي ولزوم إعادته أداء في الوقت وقضاء في خارجه ، ولكن لا تلزم الإعادة سواء أتى بالزيادة عمدا تشريعا ، أم أتى بها جهلا قصورا ، أو تقصيرا ، أو سهوا ، وان استقل العقل السليم لو لا النقل بلزوم الاحتياط والإعادة تحصيلا للفراغ اليقيني بعد اشتغال اليقيني ، وهذا معنى قول المصنّف قدس‌سره في طي التنبيه الثالث : أنّه ظهر ممّا مرّ حال زيادة الجزء.

توضيح : وهو إذا زاد المكلّف الجزء عمدا فلا إشكال في بطلان العبادة بالزيادة العمدية وإلّا لم يكن الجزء جزءا ، إذ المركب سواء كان حقيقيا ـ كالخلّ

٦٦

مثلا ـ أم كان مركبا اعتباريا ـ كالصلاة ـ ينتفي بانتفاء أحد أجزائه كما ينتفي بانتفاء جميع أجزائه ، وكذا الكلام في الشرط.

ثم الزيادة العمدية تتصوّر على وجوه :

أحدها : أن يزيد جزءا من أجزاء الصلاة بقصد كون الزائد جزءا مستقلّا كما لو اعتقد تشريعا أن الواجب في كل ركعة ركوعان كالسجود.

ثانيها : أن يأتي بالزائد بدلا عن المزيد عليه بعد رفع اليد عنه ، كما لو قرء سورة ، كالجحد مثلا ثم بدا له في الأثناء ، أو بعد الفراغ اختيار قراءة سورة اخرى كالكوثر مثلا لغرض دنيوي ، كالاستعجال ، أو لغرض ديني ، كالفضيلة ، كالقدر مثلا ، واما الايقاع الأوّل على وجه الفاسد.

والتفصيل ؛ اما الزيادة على الوجه الأوّل فلا إشكال في فساد العبادة بها إذا نوى ذلك قبل الدخول في الصلاة ، أو في الأثناء لأنّ ما أتى به وقصد الامتثال به وهو المجموع المشتمل على الزيادة غير ما أمر به وما أمر به وهو ما عدا تلك الزيادة من الأجزاء لم يقصد الامتثال به.

ثالثها : أن يأتي بالزائد بقصد كون الزائد والمزيد عليه جزءا واحدا فيرجع الشك في هذه الصورة الثالثة في كون الزائد والمزيد عليه هل تكونان جزءا واحدا أم لا إلى الشك في شرطية عدم الزيادة والبراءة تقتضي عدمها.

فالنتيجة أن الصلاة صحيحة فيها لكن مع اشتمالها على كراهة من أجل القران بين السورتين.

أمّا المصنّف قدس‌سره فقد حكم في كل هذه الصور الثلاث بالصحّة حيث قال : فتصح لو أتى بها مع الزيادة عمدا تشريعا ، أو جهلا قصورا ، أو تقصيرا ... الخ نظرا إلى كون المقام من الشك في جزئية عدم الزيادة ، أو شرطيته. فيندرج ما نحن فيه في الأقل والأكثر الارتباطيين فتجري البراءة الشرعية فيه دون العقلية منها على مسلكه

٦٧

الشريف المتقدّم فيهما إلّا في التشريع في الجملة ، فقد حكم فيه بالبطلان إذا كان المركّب عبادة. واما حكم نقيصة الجزء سهوا فقد سبق في طي التنبيه الثاني. أما حكم زيادة الجزء سهوا فقد ألحق من حيث الحكم بالنقيصة السهوية التي قد سبق حكمها في التنبيه الثاني.

قوله : نعم لو كان عبادة وأتى به كذلك على نحو لو لم يكن للزائد ...

هذا استدراك على قول المصنّف قدس‌سره فيصح لو أتى به مع الزيادة عمدا تشريعا ... الخ.

وخلاصته : أن الواجب إذا كان توصليا ففي جميع صور الزيادة يصح العمل الواجب ولا تكون الزيادة من حيث هي زيادة موجبة للبطلان.

نعم إذا كان الواجب عباديا فلا بدّ حينئذ من ملاحظة أن الزيادة هل توجب فقدان قصد القربة ، أم لا؟

والتفصيل أن العمل المأتي به إذا كان عباديا والمكلف أتى بالجزء الذي لا يعلم بجزئيته فيه فالأمر لا يخلو من حالين :

الأوّل : إذا قصد المكلّف كون الزيادة جزءا للواجب بحيث لو لم تكن جزءا له لما أتى بالواجب أصلا ، فالتشريع يكون على وجه التقييد حينئذ ، ولا ريب في بطلان العمل العبادي في هذا الفرض سواء كان للزيادة دخل واقعا ، أم لم يكن لها دخل في الواجب وذلك لعدم انبعاث هذا العمل عن أمر الشارع المقدّس ولفقدان قصد الامتثال والقربة في فرض عدم الدخل واقعا ، إذ مع عدم دخل الزائد في الواجب واقعا ليس الأمر من قبل المولى بموجود حتى يقصد امتثاله ويثبت هذا العمل عنه.

وعلى طبيعة الحال ؛ فالزائد امّا دخيل في الواجب واقعا ، واما ليس بدخيل فيه واقعا ، فعلى كلا التقديرين يكون العمل باطلا. امّا على الأوّل فلعدم انبعاث هذا العمل عن أمر الشارع المقدّس. بل هو منبعث عن كون الزيادة جزءا للواجب.

٦٨

وأمّا على الثاني فلفقدان قصد الامتثال والتقرّب ، أو يكون العمل باطلا في صورة عدم دخل الزائد في الواجب العبادي واقعا لعدم قصد الامتثال حينئذ ، إذ الأمر واقعا بالعمل المشتمل على الزائد كي يقصد امتثاله.

هذا ، مضافا إلى استقلال العقل بلزوم الاعادة مع الجهل بدخل الزيادة في الواجب واقعا وعدمه فيه واقعا.

ومن الواضح أنّه مع هذا الجهل يشك في الامتثال الذي هو شرط صحّة العبادة عقلا ، ولذا يحكم العقل بلزوم الإعادة لقاعدة الاشتغال وهي تقتضي الفراغ اليقيني وهو تتحقّق بالإعادة أداء ، أو قضاء.

فالنتيجة : أن الزيادة إمّا عمدية وإمّا سهوية ، وكذا النقيصة ، إمّا عمدية ، وإمّا سهوية.

أمّا بيان حكم هذه الصور الأربع : فيقال : ان حكم الزيادة العمدية والزيادة السهوية قد سبق في طي التنبيه الثالث ، وهو عبارة عن حكم العقل بلزوم الاحتياط والإعادة لقاعدة الاشتغال وجريان البراءة النقلية فيهما عند المصنّف قدس‌سره ومن تبعه ، ولهذا يحكم بصحّة العبادة والعمل. وأمّا حكم نقيصة الجزء سهوا فالعقل يحكم مستقلّا بالإعادة للإخلال بجزء الواجب ، أو شرطه ، ولكن حديث (الرفع) والحديث الشريف : (لا تعاد) يدلّان على عدم الإعادة في هذه الصورة.

وأمّا حكم نقيصة الجزء عمدا فلا إشكال في بطلان العبادة بها ، وإلّا لم يكن الجزء جزءا كما قد سبق هذا آنفا.

هذا حكم العمل الذي أوتي به بقصد جزئية الجزء بحيث لو لم يكن الجزء المذكور دخيلا في العمل المأتي به لما كان وجوبه داعيا للمكلف على إتيانه فيبطل العمل الذي أوتي به مطلقا ، أي سواء كان الزائد دخيلا في العمل شطرا ، أو شرطا ، أم لم يكن دخيلا فيه هكذا ، أو يبطل في خصوص المورد الذي لا يكون الجزء الزائد

٦٩

دخيلا فيه ، إذ ليس الامتثال حينئذ بمتصوّر على الفرض ، إذ ليس الأمر الواقعي داعيا للمكلف بإتيان العمل ، هذا مع حكم العقل مستقلّا بالإعادة في صورة اشتباه الحال أي مع الجهل بدخل الزيادة في العمل واقعا وعدم دخله فيه.

الحاصل : إن كان الداعي للمكلف من الإتيان بالعمل وجوبه وأمر المولى به ولكن فعل الصلاة مع السورتين بقصد الجزئية ، بحيث لو لم تكن السورة الزائدة جزء لما أتى بها ، وهو مشرع بهذا القصد ، إذ لا يعلم جزئية السورتين فلو كانتا جزءا واقعا لكانت صلاته صحيحة ، إذ أوجد الصلاة مع السورتين.

والحال لها أمر واقعا وهو فعلها بقصد أمرها ؛ وأمّا إذا لم تكن السورة الزائدة جزءا واقعا فصلاة هذا المشرع باطلة لأجل التشريع لأنّه لم يقصد إيجاد المأمور به لأمره ، والموجود في الخارج ليس له أمر فينطبق قانون ما وقع ليس بمأمور به وهو لم يقع في الخارج ، فيكون العمل المشرع باطلا على هذا الفرض ، إذ لم يمتثل أمر مولاه والعقل حاكم بخلاف فعله فيكون فعله خلاف العقل والشرع.

وأمّا إذا كان قصد المشرع إتيان الصلاة مع السورتين لأمرها بقصد الجزئية ولكن بحيث لو لم تكن السورة الزائدة جزءا لأوتي بها من جهة قصد أمرها فصلاته صحيحة سواء كانت الزائدة جزءا لها واقعا ، أم لم تكن جزءا. أمّا إذا كانت جزءا واقعا فهو قصد إتيان المأمور به واقعا ، وامّا إذا لم تكن جزءا واقعا فهو أوجدها بقصد أمرها ، وتشريعه خارج عن حقيقة الصلاة لأنّه فعلها بقصد الأمر بحيث يكون الداعي لايجادها أمرها لا كون الزائدة جزءا لها.

غاية الأمر قد أخطأ في تطبيق المأتي مع المأمور به ، وهو لا يضرّ بصحّة العمل إذا كان الداعي والمحرّك للمكلّف من إتيان الصلاة أمر المولى ، وإن كان اعتقاده فاسدا فتصح صلاته حينئذ. وأمّا في صورة الجهل والسهو والنسيان فتصح صلاته في جميع الحالات إذا تمشّى منه قصد القربة والتقرّب إلى ساحة المولى الجليل (جلّ جلاله).

٧٠

استصحاب الصحّة

قوله : ثم أنّه ربّما تمسّك لصحّة ما أتى به مع الزيادة باستصحاب الصحّة ...

قال المصنّف قدس‌سره : إنّه تمسّك بعض الأعلام (رض) لصحّة المركّب الاعتباري إذا أوجده المكلف مع الزيادة كما أتى بالصلاة بسورتين بعد الفاتحة في الأوليين باستصحاب الصحّة ، إذ قبل إيجاد الزيادة كانت الصحة متيقنة وبعد إيجادها نشك في بقاء الصحة وزوالها فنستصحب بقائها بعد إيجادها ليقين السابق وشك اللاحق.

ولا يخفى عليك أن هذا الاستصحاب يجري في الصورة التي لا يحتمل فيها البطلان في أوّل الأمر ، أي لا يكون المكلّف قاصدا من أوّل الشروع في الصلاة للزيادة ولا يكون مشرّعا في إيجاده.

وعليه فلو قصد في أول الصلاة زيادة السورة فيها لما كان المأتي به موافقا للمأمور به ، إذ ليس له أمر حينئذ فليست للصحة حالة سابقة متيقّنة.

نعم إذا لم يكن قاصدا من أوّل الصلاة زيادة السورة وفي الاثناء قصدها وزادها عمدا فللاستصحاب مجال واسع حينئذ ، إذ كانت للصحّة حالة سابقة متيقّنة كما زادها في الأثناء سهوا.

ولكن المصنّف قدس‌سره أشار إلى أن هذا الاستصحاب لا يخلو من نقض وابرام لأنّ استصحاب صحّة أجزاء السابقة لا ينفع لصحّة أجزاء اللاحقة ، إذ صحة أجزاء السابقة معلّقة بانضمام أجزاء اللاحقة إليها بشرط أن لا ينضم إلى اللاحقة مانع يتخلّل بينها فإذا انضم الزائد إليها فنشك في كونه مانعا عن الاتصال ، أم لا ، وهذا يوجب الشك في صحة اجزاء اللاحقة ، ولا ريب في أن الشك في صحّة اللاحقة يوجب الشك في صحّة السابقة ، إذ يحتمل أن يكون الزائد ، أي قاطعا لهيئة الاتصالية بين الاجزاء.

٧١

فإن قيل : ان اليقين بصحّة الاجزاء السابقة يكفي في رفع هذا الشك فلا يكون الزائد مانعا متخللا.

قلنا : ان اليقين بصحّة الاجزاء السابقة لا ينفع في رفع هذا الشك فضلا عن استصحاب صحّة السابقة لأنّ اليقين بصحّة الاجزاء السابقة مشروط بانضمام الاجزاء اللاحقة الصحيحة إليها ، وصحتها في أوّل الكلام لاحتمال كون السورة الزائدة متخلّلة بينها وبين السابقة فلا يقين بصحّتها على هذا الفرض ، لاحتمال انقطاع الهيئة الاتصالية بالسورة الزائدة كما تنقطع بالحدث في الأثناء وبالسكوت الطويل.

فإن قيل : ان مجموع السابقة واللاحقة ذو صحة متيقنة فنستصحب حينئذ بقاء هذه الصحة بعد تحقق السورة الزائدة في الأثناء ليقين السابق والشك اللاحق.

قلنا : ليس لمجموع السابقة واللاحقة حالة سابقة.

فإن قيل : انّا نستصحب قابلية الاجزاء السابقة للصحّة ، إذ قبل تحقّق الزيادة كانت القابلية للصحّة متيقنة وبعد تحقّقها نشك في بقاء القابلية وزوالها فنستصحب بقائها.

قلنا : هذا الاستصحاب لا يخلو من إشكال ، إذ ليس للصحّة المستصحبة حكم الشرعي إلّا على القول بالأصل المثبت ، إذ لازم العقلي للصحة الاجزاء وسقوط الإعادة والقضاء.

ولكن قال المصنّف قدس‌سره : ان النقض والابرام في أطراف هذا الاستصحاب خارجان عمّا هو المهم في هذا المقام ، لأنّ المهم لنا احراز صحّة العبادة مع زيادة السورة الكاملة بحيث يسقط بهذه العبادة المشتملة على الزيادة أمر المولى الجليل (جلّت عظمته).

ولا يخفى أن هذه الصحة لا تثبت بالاستصحاب ، إذ المراد منها هو الصحة

٧٢

الفعلية اليقينية وتثبت به الصحة الاحتمالية التقديرية كما لا يخفى. وسيأتي تحقيق هذا في مبحث الاستصحاب إن شاء الله تعالى.

الشك في اطلاق الجزء ، أو الشرط لحال العجز

قوله : الرابع أنّه لو علم بجزئية شيء ، أو شرطيته في الجملة ...

قال المصنّف قدس‌سره : التنبيه الرابع إذا علمنا إجمالا بجزئية القراءة للصلاة وبشرطية الستر لها من طريق الاجماع ، أو من الدليل المعتبر ، ولكن نشك في كون جزئيتها وشرطيته لها ثابتا في حال التمكن منهما وفي حال العجز عنهما ، أو ثابتا في حال التمكّن والقدرة فقط ، فيكون لازم الجزئية المطلقة والشرطية على كل حال سقوط الأمر بالمركب والمشروط بالمدة في حال العجز عنهما ، لأنّ المكلّف ليس بقادر على إتيان المأمور به وإيجاده.

ولا ريب في أن القدرة من شرائط التكليف كما يكون لازم الجزئية والشرطية في حال التمكن بقاء الأمر بالمركب والمشروط في حال العجز عن القراءة والستر لأنّ المكلف قادر على إيجاد المأمور به حينئذ لاختصاص الجزئية والشرطية في حال تمكّن المكلف عن القراءة والستر وفي حال العجز عنهما ليست القراءة بجزء ولا يكون الستر بشرط.

وعليه فقد تمكن المكلف من إتيان الصلاة بلا قراءة وبلا ستر ، وإذا شككنا في جزئية الشيء للمركب ، أو في شرطيته له بهذا النحو من الشك.

والحال انّه ليس الدليل الذي يعيّن الحال بموجود في البين وكذا ليس الدليل المطلق بموجود كي يعين أحد طرفي الاحتمال المذكور. اما لو كان اطلاق دليل اعتبار الشيء المردّد جزء موجودا ، أو شرطا ، أو إطلاق دليل المأمور به موجودا

٧٣

لتعينا جزئية القراءة وشرطية الستر على نحو الاطلاق بحيث يسقط التكليف بالمركب المشروط في حال العجز عنهما.

وامّا لو كان دليل الجزئية والشرطية إجماعا لتعين الجزئية والشرطية في حال التمكّن منهما لأنّ الاجماع دليل لبي لا لسان له فيؤخذ القدر المتيقّن منه وهو اعتبار القراءة والستر في المركب الاعتباري العبادي حال التمكن كما إذا كان دليل اعتبار الشيء المردّد مجملا ، أو مهملا فيؤخذ حينئذ القدر المتيقّن أيضا وهو اعتبار كل واحد منهما في حال التمكّن والقدرة.

أمّا لو لم يكن واحد من الامور المذكورة من إطلاق دليل اعتبار الشيء المردّد ومن اطلاق دليل المأمور به ومن الاجماع ومن إجمال دليل الاعتبار اهماله لكان مقتضى حكم العقل براءة ذمّة المكلف عن وجوب سائر الأجزاء إذا عجز عن القراءة والستر لأنّ المعلوم لنا هو الصلاة مع السورة والستر ، فالتكليف مقيّد بهما وإذا عجز عنهما فالتكليف لا بدّ أن يكون ساقطا لانتفاء المقيّد بانتفاء قيده ولانعدام المشروط بانعدام شرطه والتكليف بالصلاة الخالية عن السورة والستر مشكوك فيه وهو مجرى البراءة فإذا لم يعلم التكليف من قبل المولى الجليل بوجوب الباقي فالعقل يحكم بالبراءة وبعدم وجوب الباقي فالعقاب على ترك الباقي بلا بيان والمؤاخذة عليه بلا برهان وهما قبيحان عقلا لأنّهما ظلم على العباد والظلم لا يصدر من المولى الحكيم لأنّه قبيح كما ان العقل يحكم بقبح العقاب في جميع الشبهات البدوية.

الشك في اطلاق الجزئية والشرطية

قوله : لا يقال نعم ولكن قضية مثل حديث الرفع عدم الجزئية الشرطية ...

قد مرّ سابقا أنّه يستقل العقل بالبراءة عن وجوب الباقي في صورة العجز عن

٧٤

القراءة والستر ولكن زعم المتوهّم أن حديث الرفع يقتضي رفع الجزئية والشرطية في حال التعذّر والعجز.

وعليه فيجب الباقي كما إذا نشك في جزئية الشيء للمركب العبادي ، أو في شرطية الشيء له في حال الجهل والنسيان. فيقتضي حديث الرفع وحديث الحجب وحديث السعة عدم جزئيته وعدم شرطيته.

خلاصة التوهّم : انّه إذا عجز المكلف عن القراءة والستر فلا يحكم العقل بالبراءة عن وجوب الباقي بل يكون المقام من موارد اصالة الاشتغال لا أصالة البراءة العقلية ، إذ يقتضي حديث الرفع ان جزئية الشيء المردد كالقراءة وشرطيته كالستر تختصان بحال التمكن منهما.

وعليه إذا عجز المكلف عنهما فتسقط الجزئية والشرطية وحينئذ لا بد أن يأتي سائر الاجزاء والشرائط بحكم حديث الرفع ونحوه.

أجاب المصنّف قدس‌سره عنه بأنّه لا مجال لهذا التوهم في هذا المقام أصلا لأن حديث الرفع ونحوه في مقام الامتنان على العباد والأمّة والامتنان يقتضي رفع التكليف عنهم لا إثباته عليهم.

وعليه فلا يصح أن يثبت وجوب سائر الاجزاء والشرائط بحديث الرفع يكون المراد منه جملة (رفع ما لا يعلمون).

فإن قيل : لا يرتفع وجوب الباقي بنسيان الجزء بالاتفاق ، فكذا لا يرتفع بالعجز عن الجزء ، أو الشرط.

قلنا : فرق بين العجز والنسيان بأن أجراء الحديث حال التعذر عن الجزء الشرط في المقام موجب لوجوب فعل الباقي وهو موجب لكلفة المكلف وهي خلاف الامتنان وليس الأمر كذلك في النسيان في اجراء الحديث فيه بعد الالتفات إلى النسيان وهو موجب لنفي وجوب الإعادة وفي ذلك كمال الامتنان.

٧٥

واما فعل الناسي للناقص فليس مستندا إلى اجراء الحديث كي يقال انّه خلاف الامتنان ، بل هو مستند إلى قاعدة الميسور ، وإلى الدليل الآخر.

قوله : نعم ربّما يقال : بأن قضيّة الاستصحاب في بعض الصور وجوب الباقي ...

قال المصنّف قدس‌سره : انّ بعض أرباب التحقيق (رض) تمسّك في بعض الصور بكون الجزء المتعذر فيه قليلا بحيث يكون الباقي معظم الاجزاء بالاستصحاب.

أمّا بيانه فيقال : انّ كل الاجزاء قبل تعذر بعض الاجزاء كان واجبا قطعا وبعد تعذّر بعض الأجزاء نشك في بقاء وجوب الباقي وزواله فنستصحب وجوبه.

فإن قيل : يشترط في الاستصحاب بقاء الموضوع ، وفي المقام ليس الموضوع باقيا لأنّ كل الاجزاء غير معظم الاجزاء يدل على هذه المغايرة عدم صحّة حمل أحدهما على الآخر فلا يصح أن تقول كل جزء معظم الاجزاء وبالعكس.

قلنا : ان بقاء الموضوع انّما يكون بنظر العرف لا بدقة العقل ولا ريب في ان الموضوع باق بنظر العرف ، إذ يتحقّق في ضمن كل الأجزاء معظم الاجزاء ، والعرف لا يرى الفرق بينهما.

وبعبارة اخرى وهي ان عمل المركب كان قبلا واجبا والآن كما كان باقيا على وجوبه.

فاستشكل على جريان الاستصحاب بأن وجوب الاجزاء سابقا كان غيريا في حال التمكّن من جميع الاجزاء لأن تحصيل الاجزاء مقدّمة لتحصيل الكل ، وهو مسمّى الصلاة ، والمسمّى يكون مأمورا به. امّا الوجوب الذي يثبت بالاستصحاب فهو وجوب نفسي ، إذ ليس الكل بموجود كي يقال ان تحقّقها مقدّمة لتحقّقه.

فالنتيجة أن وجوب الغيري مرتفع من جهة العجز عن القراءة والستر يقينا والوجوب النفسي ليس له حالة سابقة ، فلا وجه للاستصحاب لأنّ السابق معدوم والموجود غير مسبوق بالحالة السابقة. ولهذا أشار المصنّف قدس‌سره بقوله : ولكنّه لا يكاد

٧٦

يصح إلّا بناء على صحّة القسم الثالث من استصحاب الكلي ، وهو عبارة عن وجود الكلّي في ضمن فرد معيّن قطعا كتحقّق الحيوان في ضمن الحمار مثلا. ولكن علمنا بارتفاع هذا الفرد ولكن احتملنا وجود فرد آخر مقارن مع وجود الفرد الأوّل أو مقارن مع ارتفاعه كما إذا علمنا بوجود حمار في الدار وعلمنا بخروجه عنها لكن احتملنا بقاء الحيوان في الدار لاحتمال دخول فرس فيها ولو مقارنا مع خروج الحمار عنها.

وكذا يقال فيما نحن فيه ان الصلاة كانت واجبة في ضمن فرد الخاص الذي هو الصلاة مع السورة ومع الستر ولكن يرتفع وجوب هذا الفرد الخاص بواسطة العجز عن القراءة والستر ، ولكن احتملنا وجوب الصلاة في ضمن الفرد الآخر وهو الصلاة بلا قراءة وبلا ستر مقارنا مع ارتفاع وجوب ذاك الفرد ، ولكن ثبت في محله ان هذا الاستصحاب ليس بحجّة. وعليه فلا فائدة في استصحاب بقاء الوجوب ، هذه وجه الأوّل لصحّة الاستصحاب.

واما الوجه الثاني لصحّة الاستصحاب في هذا المقام هو المسامحة في تعيين الموضوع في الاستصحاب.

أمّا بيانه فانّ أجزاء الباقية والصلاة التي تعذّر فيها بعض الاجزاء يعدّان شيئا واحدا عرفا ، فالموضوع بتسامح العرفي باق ويصح أن نستصحب الوجوب للباقي كما نستصحب بقاء كرية الماء إذا تلف بعض أجزائه ونقول : ان هذا الماء كان كرا قبل تلف بعض الأجزاء وبعد التلف نشك في بقاء كريته وزوالها فنستصحب بقاءها.

استصحاب الوجود

ولا يخفى عليك ان هذا الماء بعد تلف بعض أجزائه يكون غير الماء قبل تلف

٧٧

بعض الاجزاء بدقة العقلية ، ولكن بنظر العرف يكون هذا الماء عين ذاك الماء ، وكذا ما نحن فيه ، إذ يكون بنظر العرف باقي الاجزاء بعد تعذّر القراءة والستر عين الصلاة السابقة التي كانت قبل تعذرهما.

وعليه فيكون الاستصحاب مشروطا بأنّ تعذّر القراءة والستر غير موجب للمباينة بين الحالتين السابقة واللاحقة بحيث يكون الباقي عين الصلاة السابقة. ولكن لا يخفى عليك أنّه إذا تعذّر الركوع والسجود فلا يبعد أن لا يصدق البقاء ويكون الباقي غير الموجود سابقا.

وبالجملة يشترط في الاستصحاب بقاء الموضوع ولو كان ثابتا بتسامح العرفي.

خلاصة الكلام إذا صدق عرفا مع تعذّر كل واحد من القراءة ، أو الستر بقاء الوجوب لو قيل بوجوب الباقي ، إذ يرى العرف ان الموضوع السابق باق بعد تعذّر بعض الأجزاء والشرائط ولا يرى العرف أن الباقي أمر جديد حادث وارتفاع الوجوب للباقي لو قيل بعدم وجوب الباقي ، فبقاء الوجوب للباقي وارتفاعه على تقدير وجوب الباقي وعلى تقدير عدم وجوب الباقي يدلّان على ان بقاء الموضوع وعدم بقائه إنّما يكونان بنظر المسامحي أهل العرف وإلّا فيكون معظم الاجزاء غير كل الاجزاء بالدقّة العقلية.

ويأتي شرح أقسام استصحاب الكلّي وتحقيق الكلام في تعيين موضوع الاستصحاب وان المرجع في تعيينه هو نظر أهل العرف دون العقل ودون لسان الدليل في آخر مبحث الاستصحاب إن شاء الله تعالى.

ولا بأس بالإشارة الاجمالية إلى بيان أقسام استصحاب الكلّي وهي أربعة :

القسم الأوّل ما إذا علمنا بتحقّق الكلّي في ضمن فرد معيّن ثم شككنا في بقاء هذا الفرد وارتفاعه فلا محالة نشك في بقاء الكلّي وارتفاعه أيضا ، إذ تحقّقه بتحقّق

٧٨

الفرد وانعدامه بانعدامه فإذا كان الأثر الشرعي للكلّي ، فيجري فيه الاستصحاب. أمّا مثاله فإذا علمنا بوجود زيد في الدار فنعلم بوجود الإنسان فيها ثم شككنا في خروج زيد عنها فنشك في بقاء الإنسان فيها ، فلا إشكال في جريان الاستصحاب في بقاء زيد فيها إذا كان له أثر.

القسم الثاني ما إذا علمنا بوجود الكلي في ضمن فرد مردّد بين متيقّن البقاء ومتيقّن الارتفاع ، كما إذا علمنا بوجود إنسان في الدار مع الشك في كونه زيدا أو عمروا ، ولكن مع العلم بأنّه لو كان زيدا لخرج عنها يقينا ، ولو كان عمروا لبقى يقينا.

ومثاله في الحكم الشرعي ما إذا رأينا رطوبة مشتبهة بين البول والمني فتوضأنا فنعلم أنّه لو كان الحدث الموجود هو الأصغر لارتفع ، ولو كان هو الأكبر لبقى. فنجري الاستصحاب في الحدث الجامع بين الأكبر والأصغر ونحكم بترتّب أثره وذلك كحرمة مس كتابة القرآن وعدم جواز الدخول في الصلاة ، وكذا نستصحب بقاء الإنسان الجامع بين زيد وعمرو في الدار.

القسم الثالث ما إذا علمنا بوجود الكلّي في ضمن فرد معيّن ولكن علمنا بارتفاع هذا الفرد ، ولكن احتملنا وجود فرد آخر مقارن مع وجود الفرد الأوّل أو مقارن مع ارتفاعه كما إذا علمنا بوجود زيد في الدار وعلمنا بخروجه عنها لكن احتملنا بقاء الإنسان في الدار لاحتمال دخول عمرو فيها ولو مقارنا مع خروجه عنها ، وهذا المثال قد مضى.

القسم الرابع ما إذا علمنا بوجود فرد معيّن وعلمنا بارتفاع هذا الفرد ، ولكن علمنا بوجود فرد معنون بعنوان يحتمل انطباقه على الفرد الذي علمنا ارتفاعه ويحتمل انطباقه على فرد آخر.

وعليه فلو كان العنوان المذكور منطبقا على الفرد المرتفع فقد ارتفع الكلّي

٧٩

ولو كان منطبقا على غيره لكان الكلي باق.

مثاله ؛ إذا علمنا بوجود زيد في الدار وعلمنا بوجود متكلّم فيها ثم علمنا بخروج زيد عنها ، ولكن احتملنا بقاء الإنسان فيها لاحتمال أن يكون عنوان المتكلّم منطبقا على فرد آخر.

مثاله في الحكم الشرعي ما إذا علمنا بالجنابة ليلة الخميس مثلا واغتسلنا منها ثم رأينا المني في ثوبنا يوم الجمعة مثلا فنعلم بكوننا جنبا حين خروج هذا المني ، ولكن نحتمل أن يكون هذا المني من الجنابة التي اغتسلنا منها وأن يكون من غيرها ، هذه هي أقسام استصحاب الكلّي.

وامّا تفصيل الفرق بين كل واحد من الأقسام من القسم الآخر وكذا تفصيل جريان الاستصحاب فيها وعدم جريانه فيها فيأتيان في باب الاستصحاب إن شاء الله تعالى.

قاعدة الميسور

قوله : كما أن وجوب الباقي في الجملة ربّما قيل بكونه مقتضى ما يستفاد من قوله ...

واستدل لوجوب الباقي بعد حصول العجز عن المركب بتمامه بقاعدة الميسور المستفادة من الخبر النبوي وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» ، ومن الخبرين العلويين وهما قوله عليه‌السلام : «الميسور لا يسقط بالمعسور» و«ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» ، وكل واحد من هذه الروايات موجودة في كتاب غوالي اللئالي.

ولا يخفى أن دلالة الأوّل على المدعى مبنيّة على كون كلمة (من) للتبعيض

٨٠