البداية في توضيح الكفاية - ج ٤

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات هماى دانش
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-94105-2-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٣٣٣

يحصل الحدث الأصغر للمكلف من اسبابه من خروج الغائط والبول والريح ومن النوم الغالب على السمع والبصر بحيث لا يسمع ولا يبصر والجنون والسكر ويحصل الخبث له بواسطة سببه وهو ملاقاة النجس لبدن المكلف ، أو لثوبه ، أو ملاقاتهما للنجس بشرط الرطوبة في الملاقي بالكسر أو في الملاقى بالفتح فالحدث والخبث يكونان مقابلين للطهارة الحدثية والخبثية.

ولا يخفى ان هذه الامور من الطهارة والحدث والخبث إذا حصلت وتحقّقت لا يكون الشك في بقائها إلّا من جهة الرافع لها ، إذ هي لا ترفع بعد الثبوت إلّا برافع وليس الشك في بقائها من جهة تأثير أسبابها من حيث الزمان قصرا ، أو طولا ، أو ليس الشك في بقائها من حيث الشك في المقتضى.

وعلى طبيعة الحال إذا علم وجودها فيستصحب بقائها حتى يعلم بوجود الرافع لها سواء كانت هذه الامور من الامور الواقعية ، أم من الامور الاعتبارية التي كانت لها آثار شرعية ، أم من الامور الانتزاعية ، أم قلنا بالتفصيل بين هذه الامور بحيث يكون بعضها من الواقعيات وبعضها من الاعتباريات وبعضها الآخر من الانتزاعيات على ، أي حال وتقدير بعد حصولها يكون الشك في بقائها شكّا في الرافع فيستصحب بقائها حتى يعلم الرافع منها.

وعلى ضوء هذا فليس المدرك الكامل والأصل التام بموجودين لاصالة عدم جعل الوضوء سببا للطهارة الحدثية بعد خروج المذي ، أو لاصالة عدم جعل الملاقاة سببا للنجاسة بعد الغسل مرّة للمتنجس ، وإن قال بها الفاضل النراقي قدس‌سره في المناهج إذ بعد حصول الطهارة عن الحدث بسبب التوضؤ يستصحب بقائها بعد خروج المذي لعدم التيقّن برافعية المذي للطهارة وللعلم بسببية الوضوء للطهارة والشيء إذا ثبت فلا يرتفع إلّا برافع وكذا الكلام في ثبوت النجاسة في اللباس حرفا بحرف ، إذ نحتمل أن لا يكون الغسل مرّة رافعا للنجاسة في اللباس بل يلزم تعدّد الغسل.

٣٠١

وعلى طبيعة الحال لا يكون في هذا المقام أصل بموجود إلّا اصالة الطهارة في الوضوء واصالة النجاسة في الملاقاة ، أي نستصحب بقاء الطهارة بعد خروج المذي وبقاء النجاسة في الثوب بعد الغسل مرّة.

امّا الفرق بين الامور الاعتبارية وبين الامور الانتزاعية فان في الأوّل لا يعتبر منشأ الاعتبار ، وفي الثاني يعتبر منشأ الانتزاع.

الاستصحاب التعليقي

قوله : الخامس أنّه كما لا إشكال فيما إذا كان المتيقّن ...

هذا شروع في بيان جواز استصحاب الاحكام المشروطة سواء كانت تكليفية كما إذا قيل العنب يحرم إذا غلى ، فيشك في حرمة الزبيب إذا غلى ، أم وضعية كما إذا قيل : ينجس العنب إذا غلى فيشك في نجاسة الزبيب إذا غلى.

واحتج على جواز استصحاب بقاء الأحكام المشروطة المعلّقة كالأحكام المطلقة الفعلية انّها مجعولات شرعية يشملها دليل الاستصحاب عند الشك في بقائها وحيث أنّه لا مخصص له فيجب الأخذ به ، أي بدليل الاستصحاب فيتم ركني الاستصحاب وهما عبارة عن اليقين السابق بوجود حكم والشك اللاحق ببقائه في الأحكام المطلقة والمشروطة فتكونان متساويتين من هذه الناحية. فلو شك في مورد لأجل طروء بعض الحالات مثل صيرورة العنب زبيبا في المثال المتقدّم في بقاء أحكامه ، أي أحكام العنب في الزبيب لجرى الاستصحاب وثبت حكم المشروط للمشكوك ، إذ لا فرق في المستصحب بين أن يكون حكما مطلقا فعليا ، وبين أن يكون حكما مشروطا لتمامية أركان الاستصحاب من اليقين السابق ثبوتا والشك اللاحق بقاء.

٣٠٢

قوله : وتوهّم أنّه لا وجود للمعلّق قبل وجود ما علّق عليه ...

فزعم صاحب المناهل قدس‌سره انّه لا فعلية لحكم المشروط قبل حصول شرطه ، إذ لم يتحقّق بعد شرط وجوده فليس اليقين بحكم المشروط بموجود امّا بخلاف المطلق فلوجود اليقين بحكم سابقا فيختل في الاستصحاب التعليقي أحد ركني الاستصحاب وهو يقين بحكم فعلي سابقا فلا يجري الاستصحاب في الأحكام المشروطة.

الجواب عنه

قال المصنّف قدس‌سره : ان هذا التوهم فاسد جدّا لأنّ كل موجود بنحو وجوده قابل للاستصحاب سواء كان وجود المستصحب فعليا ، أم انشائيا ولا يعتبر في كل استصحاب خصوص الوجود الفعلي.

وعليه إذا كان المستصحب موجودا إنشائيا وكانت فعليته منوطة بشرط غير حاصل بعد وشك في بقائه بسبب طروء حالة على الموضوع وذلك كصيرورة العنب زبيبا جاز استصحابه لكون الوجود الانشائي من الموجودات الاعتبارية التي يصح استصحابها إذا شك في بقائها بعد اليقين بثبوتها سابقا فالحكم المعلق قد انشئ ولكن لم يصل إلى مرتبة الفعلية قبل وجود ما علق هذا الحكم عليه كتعليق حرمة العصير الزبيبي على الغليان. ويشهد بكون الحكم المعلّق موجودا جواز نسخه وجواز ابقائه في لسان الدليل.

غاية الأمر ان الحكم يكون مطلقا تارة ، واخرى يكون مشروطا والخطاب الشرعي يتوجّه إليهما ولا يضرّ اختلاف كيفية وجودهما في جريان الاستصحاب وفي صحّته.

فإذا دل الدليل على ثبوت الحكم لموضوع سواء كان مطلقا ، أم مشروطا فهو

٣٠٣

باق بمقتضى الاستصحاب في الموارد التي يكون الدليل بالنسبة إليها مهملا ، أو مجملا مثلا نحكم في حال صيرورة العنب زبيبا بجميع أحكام ثابتة للعنب سواء كانت مطلقة كملكية الزبيب لزيد مثلا ، أم مشروطة كنجاسته إذا غلى كما يكون حكمه المطلق مستصحبا يكون حكمه المشروط مستصحبا بلا تفاوت أصلا.

وعلى طبيعة الحال إذا غلى ماء الزبيب صار نجسا كماء العنب إذا غلى في وصف النجاسة ، فذكر الاجمال بعد الاهمال من قبيل ذكر الخاص بعد العام لشدّة الاهتمام بالخاص وهو متعارف في الكلام وعند الفصحاء والبلغاء.

قوله : وبالجملة يكون الاستصحاب متمّما لدلالة الدليل على الحكم ...

ولا ريب في أن استصحاب بقاء الاحكام المشروطة المعلّقة عند الشك في بقائها متمّم ومكمّل لدلالة الدليل على حكم المجمل ، أو على حكم المهمل سواء كان الحكم مطلقا فعليا ، أم معلّقا مشروطا فببركة الاستصحاب يعمّم الحكم بحيث يشمل المطلق والمعلّق. وللحالة العارضة اللاحقة كالحالة السابقة ، وذلك كتعميم الحرمة بحيث تشمل العصير العنبي والعصير الزبيبي.

ولهذا قال المصنّف قدس‌سره يقال : بأن العصير الزبيبي يكون على ما كان عليه سابقا في حال عنبيته من أحكامه المطلقة ومن جملتها ملكية العصير العنبي لمالكه وأحكامه المعلّقة كحرمة العصير العنبي إذا غلى وهذه الأحكام ثابتة للعصير في حال زبيبيته على تقدير غليانه.

وامّا الفرق بين الاهمال والاجمال فيقال ان الاهمال عبارة عن مجرّد ترك البيان ، والاجمال عبارة عن ترك البيان لمصلحة مقتضية لذلك وقد سبق هذا الفرق بينهما في الجزء الأوّل.

قوله : إن قلت نعم ولكنّه لا مجال لاستصحاب المعلّق ...

نعم يكون الأمر كذلك ، أي استصحاب الأحكام المعلّقة يجري ولكن هذا

٣٠٤

الاستصحاب يبتلى دائما بالمعارض الذي يكون ضدّه ، إذ استصحاب الحرمة المعلّقة على الغليان للعصير الزبيبي يعارض باستصحاب حليّته المطلقة لأنّ العصير الزبيبي حلال فعلا ، وبعد الغليان شك في حرمته وفي ارتفاع حليته بالغليان فنستصحب بقاء حرمته في صورة الشك فيها لأنّه حال عنبيته إذا غلى حرام قطعا وهو حرام حال زبيبيته في صورة الغليان أيضا ، ولكن هذا معارض باستصحاب حلّيته الفعلية المطلقة قبل الغليان.

مثلا نقول في المثال المتقدّم : إذا جف ماء العنب وصار زبيبا وأجرينا استصحاب حرمة العصير في صورة الغليان ونقول : ان العصير الزبيبي إذا غلى حرام أيضا كما أنّه حرام حال عنبيته إذا غلى ويكون في عرض هذا الاستصحاب استصحاب حلية العصير حال عنبيته وهذا الاستصحاب غير معلّق بشيء وهو يعارض مع الاستصحاب التعليقي ونفس هذا التعارض مانع عن اجراء استصحاب حكم التعليقي.

الجواب عنه

قوله : قلت لا يكاد يضر استصحابه على نحو كان قبل عروض ...

أجاب المصنّف قدس‌سره بأن استصحاب حكم الفعلي لا يضرّ باستصحاب حكم التعليقي بحيث لا يصلح هذا الاستصحاب للمانعية لاجراء استصحاب حكم التعليقي.

توضيح المراد

ان العنب قبل أن يصير زبيبا كان له حرمة معلّقة على الغليان ويلازم ثبوت هذه الحرمة المعلّقة ثبوت حلية مغياة بالغليان ، أي ماء العنب حلال إذا لم يغل ،

٣٠٥

والوجه هو تضاد الحكمين وهما الحرمة والحلية وهذا التضاد موجب لتلازم إناطة أحدهما بشيء وإناطة الآخر بنقيضه.

وعلى هذا فإذا كان للعنب حرمة منوطة بالغليان كانت له حلية منوطة بعدم الغليان فإذا صار العنب زبيبا وشك في بقاء الحرمة المنوطة بالغليان شك أيضا في بقاء الحلية المنوطة بعدم الغليان أعني منها الحلية المغياة بالغليان.

وعلى طبيعة الحال كما يصح استصحاب الحرمة المذكورة يصح استصحاب الحلية المذكورة ولا تعارض بين الاستصحابين لعدم العلم بمخالفة أحدهما ، بل يجوز مطابقتهما معا للواقع. وكيف يكون بينهما تعارض مع تلازم مؤداهما.

وبتقرير آخر وهو أنّه لا يضرّ استصحاب الحلية المطلقة على نحو كانت ثابتة في حال العنبية فانّها وإن كانت مطلقة غير معلّقة بالغليان في تلك الحالة ، ولكنّها كانت مغيّاة بعدم الغليان ، إذ قال المولى : العصير العنبي حلال ما دام لم يغل ؛ ومن الواضح ان الحلية المغياة بعدم الغليان لا تنافي الحرمة المعلّقة على الغليان وإن كانت الحلية الكذائية ثابتة في حال الزبيبية بالقطع واليقين فضلا عمّا إذا كان ثبوتها فيه بالاستصحاب.

فالنتيجة ان الحلية المطلقة والحرمة المعلّقة بالغليان ثابتتان في حال العنبية بالقطع ، فكذلك تكونان ثابتتين في حال الزبيبية بالاستصحاب من دون تضاد بينهما أصلا وبلا تناف أبدا ، إذ مقتضى عدم التنافي بينهما انتفاء حكم المطلق بمجرّد تحقّق الغليان فتكونان في حالتين ، أي الحلية تكون في حال عدم الغليان والحرمة تكون في حال الغليان ، فالغليان كما كان شرطا للحرمة كان غاية للحلية في نحو العصير العنبي حلال إذا لم يغل امّا إذا غلى فهو حرام.

قوله : فيكون الشك في حليته ، أو حرمته فعلا بعد عروضها ...

أي يكون الشك في حلية العصير ، أو حرمته فعلا بعد عروض الحالة الزبيبية

٣٠٦

متّحدا خارجا مع الشك في بقاء العصير على ما كان عليه من الحلية والحرمة في حال العنبية وهما عبارة عن الحلّية المغيّاة بالغليان والحرمة المعلّقة به ، أي حلية العصير العنبي قبل الغليان متّحد خارجا مع حلّية العصر الزبيبي قبله وحرمة العصير العنبي بعد الغليان متّحد خارجا مع حرمة العصير الزبيبي بعده ، إذ الاتحاد المذكور يكون مقتضى نحو ثبوت الحلية والحرمة ، أي الحلية الفعلية المطلقة المغياة والحرمة المعلقة سواء كان ثبوتهما بدليلهما كما في حال العنبية ، أم كان بدليل الاستصحاب كما في حال الزبيبية ، إذ حلية عصير الزبيبي ثبتت بالاستصحاب كما ان حرمته ثبتت بالاستصحاب ايضا ، إذ عصير العنبي حلال يقينا لوجود الدليل المعتبر على حليته وإذا جف العنب وصار زبيبا فقد نشك في حرمة عصيره إذا غلى فنستصحب حرمته واستمرها لأن العصير في حال العنبية إذا غلى حرام قطعا لوجود الدليل المعتبر على حرمته بل على نجاسته وإذا نشك في بقاء الحرمة وزوالها إذا غلى عصير الزبيبي فالاستصحاب حاكم على بقاء الحرمة.

والحال ان العنب والزبيب يعدّان شيئا واحدا بنظر أهل العرف وهو ملاك في جريان الاستصحاب كما تقدّم هذا في ضمن التنبيه الثالث ، لا الدقة العقلية.

وعلى طبيعة الحال فانقدح لك ممّا تقدّم ثبوت التلازم بين استصحاب حرمته أي حرمة العصير الزبيبي ، واستصحاب حليّته المغياة بالغليان كما لا يخفى هذا بأدنى التفات على ذوي الألباب ، أي لا يخفى هذا التلازم على العقلاء بما هو عقلاء.

قوله : فالتفت ولا تغفل ...

وهو إشارة إلى ان اتحاد الشك في الحرمة والحلية الفعليتين مع الشك في بقاء الحرمة المعلّقة والحلية المغياة بالغليان يكون أولى من دعوى اتحاد حكم العصير في حال العنبية وفي حال الزبيبية بعد تبدّل العنبية إلى الزبيبية ، إذ الشك في حرمة عصير الزبيبي بعد الغليان مسبّب عن الشك في بقاء الحرمة المعلّقة بالغليان ، أي

٣٠٧

الحرمة التعليقية كما تكون في ماء العنب فلو كانت في ماء الزبيب فلا محالة ترتفع الحلّية بسبب الغليان.

وعلى هذا يكون الشك في الحرمة المعلّقة سببا للشك في ارتفاع الحلية بواسطة الغليان في ماء الزبيب. فالأصل السببي مقدّم على الأصل المسببي فاستصحاب الحرمة التعليقية مقدّم على استصحاب الاباحة والحلية ، مثلا إذا غلى ماء الزبيب فقد حصل لنا الشك في حرمته وحليته لفقد النص الدال على احداهما. فنستصحب حرمته ونقول : ان ماء العنب إذا غلى فهو حرام قطعا وكذا ماء الزبيب إذا غلى فهو حرام أيضا للاستصحاب ولا يجري استصحاب حليته ونقول : ان ماء العنب قبل الغليان حلال قطعا وكذا ماء الزبيب حرفا بحرف والوجه ما تقدّم آنفا.

استصحاب الحكم من الشرائع الماضية

قوله : السادس لا فرق أيضا بين أن يكون المتيقّن ...

قال المصنّف قدس‌سره : لا فرق في حجّية الاستصحاب بين أن يكون المتيقّن من أحكام الشريعة الإسلامية ؛ ومن أحكام الشريعة الماضية ، مثلا : إذا شككنا في بقاء الحكم الذي ثبت في الشريعة السابقة وارتفاعه لأجل نسخه في الشريعة الغرّاء الإسلامية فيجري استصحاب بقائه ، إذ عموم أدلّة الاستصحاب يقتضي ذلك الاستصحاب ؛ ولفساد توهّم اختلال أركان الاستصحاب فيما كان المتيقّن من أحكام الشريعة السابقة.

وامّا بيان توهّم اختلال أركان الاستصحاب فلا بدّ من أن يكون أحد الأمرين :

الأوّل : انّه لا يكون لنا يقين بثبوت أحكام الشرائع السابقة في حقّنا وإن كان ثبوتها في حق أفراد الامم الماضية معلوما.

٣٠٨

فالنتيجة إذا لم يكن اليقين بالثبوت فلم يكن الشك في البقاء أصلا بل هو منتف قهرا ، بل يكون الشك في ثبوت مثل تلك الأحكام في حقّنا لا في بقائها في حقّنا ، إذ لازم عدم اليقين بثبوتها في حقّنا هو عدم كون الشك في بقائها في حق المكلّفين بالأحكام الاسلامية ، كما لا يخفى على الناقد البصير.

الثاني : لليقين بارتفاع أحكام الشرائع الماضية بسبب نسخها بالشريعة الأحمدية. وعلى طبيعة الحال فلا شك لنا في بقائها حين ارتفاعها بالنسخ.

وفي ضوء هذا فلا شك في بقائها وإن سلمنا ثبوتها في حقّنا على نحو اليقين ، ولكن وجه فساد أوّل الاختلال وهو عدم اليقين بثبوت احكام الشرائع السابقة في حقّنا.

ان الحكم الثابت في الشرائع السابقة لم يكن ثابتا لخصوص الأفراد الموجودين في الخارج بنحو القضية الخارجية نحو البصريون قد جاءوا إلى كربلاء المعلى ، والكوفيون قد ذهبوا من النجف الأشرف إلى قم المقدّسة مثلا ونحوهما من القضايا الخارجية كي يقال : ان الحكم الثابت في حق جماعة من الامم الماضية لا يمكن اثباته في حق آخرين وتلك كأفراد الامّة الإسلامية لأجل تغاير الموضوع ، بل الحكم كان ثابتا لعامّة الأفراد إلى يوم القيامة كانوا موجودين في زمان جعل الحكم والقانون ، أم كانوا مفروضين من حيث الوجود بنحو القضية الحقيقية مثل قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) و (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) ونحوهما ممّا كان الحكم فيه شاملا لجميع الأفراد إلى لقاء الباري (عزّ اسمه).

وعليه فإن كان الأفراد موجودين حين صدور الحكم وجعل القانون الإلهي كان الحكم الثابت لهم فعليا ، وان كانوا مقدرين مفروضين من حيث الوجود كان الحكم الثابت لهم تقديريا ، أي كما لو وجد الشيء في الخارج وكان إنسانا فهو على تقدير وجوده في الخارج لفي خسر وطغيان. امّا بخلاف الحكم في القضية

٣٠٩

الخارجية فانّه مختص بالأفراد الخارجية المحقّقة في الخارج دون غيرها كاختصاص المجيء والذهاب في المثال المتقدّم بالأفراد المحقّقة في الخارج.

وعليه إذا شك في بقاء الحكم بالإضافة إلى أفراد الامّة الإسلامية لأجل احتمال نسخه بسبب الشريعة الغراء الإسلامية فيستصحب لتمامية أركانه ، إذ قبل الشريعة الإسلامية أحكام الشرائع السابقة ثابتة في حقّنا قطعا وبعدها نشك في بقائها وارتفاعها لأجل احتمال نسخها بسبب الشريعة الأحمدية فيتمّ اليقين السابق والشك اللاحق.

وإلى هذا أشار المصنّف قدس‌سره بقوله : وذلك لأنّ الحكم الثابت في الشريعة السابقة.

ثمّ أيّد المصنّف قدس‌سره دعواه هذا بقوله : وإلّا لما صح الاستصحاب في الأحكام الثابتة في هذه الشريعة الإسلامية المقدّسة ولا النسخ بالنسبة إلى غير الموجود في زمان ثبوتها.

أي لو كان الحكم في القضايا الشرعية لخصوص الأفراد الموجودين في الخارج بنحو القضية الخارجية لم يصح استصحاب الحكم أصلا في شرع الإسلام نظرا إلى تغاير الموضوع ، مثلا : إذا قال الشارع المقدّس تجب صلاة الجمعة على المكلّفين فلو وجبت على الافراد الموجودين حين صدور الحكم فلم تكن واجبة على الأفراد المقدرين وجودا.

وحينئذ لا يصح استصحاب بقاء وجوبها في حق المعدومين حين الجعل في صورة الشك في البقاء لعدم اليقين بالثبوت في حقّهم لتغاير الموضوع. بل ولا يصح النسخ ، أي نسخ الحكم ، بالنسبة إلى غير الموجودين في زمان صدور الحكم وجعل القانون الأساسي لأجل تغاير الموضوع جدّا ، فإنّ المكلف الفعلي لم يكلّف بذلك الحكم حتّى يصح نسخه في حقّه ، وهذا واضح لا غبار عليه.

٣١٠

فالنتيجة كان الحكم في الشريعة السابقة ثابتا لعامة أفراد المكلف ممّن وجد في زمان الصدور والجعل ، أو يوجد إلى قيام يوم الدين والجزاء فكان الشك في بقائه كالشك في بقاء الحكم الثابت في هذه الشريعة المقدّسة في صحّة جريان الاستصحاب لغير من وجد في زمان ثبوت الحكم وصدوره كما لا يخفى.

وجه فساد اختلال الثاني

قوله : والشريعة السابقة وإن كانت منسوخة ...

أي نمنع كون الشريعة السابقة منسوخة بتمامها بهذه الشريعة اللاحقة الإسلامية كي لا يمكن لنا استصحاب حكم من أحكام تلك الشريعة الماضية. ضرورة أن مقتضى نسخ الشريعة السابقة باللاحقة ليس ارتفاعها بأسرها وتمامها ، بل يكون مقتضاه عدم بقائها بتمامها.

فإن قيل : العلم الاجمالي بارتفاع بعض أحكام الشريعة الماضية انّما يمنع عن استصحاب ما شك في بقائه منها ، أي يمنع العلم الاجمالي المذكور عن استصحاب الحكم الذي شك في بقائه من أحكام الشريعة السابقة لاحتمال نسخه بها. وعلى طبيعة الحال فلا يجري الاستصحاب في بقاء أحكامها.

قلنا : العلم الاجمالي المذكور يمنع عنه إذا كان المشكوك من أطراف العلم الاجمالي المذكور آنفا ولا يمنع عنه فيما إذا لم يكن من أطرافه أصلا ، كما إذا نعلم تفصيلا بمقدار ما علم نسخه إجمالا نحو عشر أحكام مثلا ، أو نعلم كون العلم الاجمالي بالنسخ في موارد خاصة ليس المشكوك بقاء منها.

وفي ضوء هذا ليس المانع بموجود عن جريان الاستصحاب بالإضافة إلى أحكام الشريعة السابقة.

٣١١

قوله : وقد علم بارتفاع ما في موارد الاحكام الثابتة ...

والعلم الاجمالي بارتفاع بعض الأحكام الثابتة في الشريعة السابقة انّما يمنع عن استصحاب ما شك في بقائه منها إذا كان مشكوك البقاء من أطراف العلم الاجمالي ، واما إذا لم يكن من أطرافه كما إذا علم تفصيلا بمقدار ما علم إجمالا ارتفاعه وانحل العلم الاجمالي من أصله إلى العلم التفصيلي بمقدار المعلوم بالاجمال والشك البدوي في غيره ، أو كان العلم الاجمالي بالارتفاع في موارد خاصة لم يكن ما شك في بقائه منها فلا يكاد يمنع عن استصحاب المشكوك بقاء.

والمقام من قبيل الثاني ، فانّ العلم الاجمالي بالارتفاع انّما هو في موارد الاحكام الثابتة في هذه الشريعة الاسلامية بالأدلّة الاجتهادية من الآيات القرآنية والأخبار المروية عن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام.

ففيها نعلم إجمالا بارتفاع بعض أحكام الشريعة الماضية لا في غيرها ففي موارد العلم الاجمالي بالارتفاع والنسخ لا حاجة لنا إلى استصحاب الحكم من الشريعة السابقة ، إذ المفروض ثبوت الحكم فيه في شرعنا بالدليل الاجتهادي وفيما نحتاج إلى استصحاب الحكم من الشريعة السابقة لا علم إجمالي لنا بالارتفاع كي يمنع هذا العلم عن استصحاب الحكم وبقائه.

استصحاب الشرائع السابقة

فالنتيجة أنّه قد علم تفصيلا بارتفاع الحكم الذي يكون في موارد الأحكام الثابتة في هذه الشريعة.

وعليه فلا يحصل العلم الاجمالي بالنسخ والارتفاع للمنع عن جريان

٣١٢

الاستصحاب في المشكوك بقاء كما لا يخفى.

قوله : ثم لا يخفى أنّه يمكن إرجاع ما أفاده شيخنا العلّامة ...

قال المصنّف قدس‌سره : يمكن ارجاع ما أفاده شيخنا العلّامة (أعلى الله تعالى في الجنان مقامه) في الجواب عن الإشكال الأوّل الذي هو عبارة عن نفي اليقين السابق بثبوت احكام الشرائع السابقة في حقّنا من جهة تغاير الموضوع من الوجه الثاني لأنّ الشيخ الأنصاري قدس‌سره أجاب في فوائده عن إشكال نفي اليقين بجوابين :

الأوّل : انّا نفرض كون الشخص مدركا للشريعتين ، وذلك كسلمان الفارسي رضى الله عنه فلا مانع حينئذ من أجراء الاستصحاب في حقّه ، إذ لهذا الشخص يقين سابق بثبوت حكم الشريعة السابقة في حقّه والشك اللاحق ببقائه لاحتمال نسخه بسبب الشريعة اللاحقة.

ويمكن أن يبقى بعض أهل الشريعة السابقة حين طلوع الشريعة اللاحقة ولا ينعدم بالمرّة. وأمّا الأفراد الذين لم يدركوا الشريعة السابقة فيثبت أحكام الشريعة الماضية في حقّهم بأدلّة الاشتراك ، أي اشتراك كل الأفراد في التكليف إلى يوم القيامة ، ولا تثبت في حقّهم بالاستصحاب كي يرد إشكال اختلال ركن الاستصحاب كما سبق بيان الاختلال.

ولكن المصنّف قدس‌سره قد اعترض بهذا الجواب وقال : ان هذا الجواب تام مقبول في حق المدرك للشريعتين معا ، ولكن هو ليس بتام في حق الأفراد الذين لم يدركوهما معا بل أدركوا صورة اتحاد الاشخاص في الأوصاف والعناوين والشرائط.

وامّا إذا كانوا مختلفين فيهما ولم يتّحدوا فلا تجري أدلّة الاشتراك في حقّهم كالبالغ العاقل والبالغ المجنون فلا تجري أدلّة الاشتراك في حق البالغ المجنون لعدم اتحاده مع العاقل في الأوصاف والشرائط وكذا ما نحن فيه لوجود اليقين السابق

٣١٣

والشك اللاحق للمدرك ولعدم تحقّقهما لغير المدرك ، إذ ليسوا من أهل الشريعة السابقة ، وسيأتي توضيح ذلك.

وامّا بيان الجواب الثاني عن الإشكال المذكور فانّ المستصحب هو الحكم الكلّي الثابت للجماعة على وجه لا مدخل لأشخاصهم فيه كما ان الملكية ثابتة للكلّي في باب الزكاة والوقف العام فوزان جعل الأحكام والقوانين للمكلّفين وزان جعل الزكاة للفقراء والمساكين مثلا وجعل الوقف للعناوين الكلية والجهة العامة كالعلماء والزوّار مثلا ، فإنّ الملحوظ فيها هو الكلّي دون الأشخاص والأفراد.

فالنتيجة يكون ثبوت المحمولات لموضوعاتها في الشريعة الإلهية من قبيل القضايا الحقيقية لا على نحو ما يوهمه ظاهر كلام الشيخ الأنصاري من كون الأحكام الشرعية ، أي ثبوت المحمولات لموضوعاتها من قبيل القضايا الطبيعية التي تكون موضوعاتها نفس الطبائع بما هي هي ، ومحمولاتها المعقولات الثانوية ، وتلك كالجنسية والنوعية والكلّية نحو الإنسان نوع والحيوان جنس والفرس كلّي ففيها الحكم ثابت لنفس الطبيعة بما هي هي ولا يسري إلى الأفراد والأشخاص أصلا ، إذ أفراد الإنسان كزيد وعمر وبكر ونحوها ليست بنوع حقيقي ولا بنوع إضافي ، وافراد الحيوان كالإنسان والفرس ونحوهما لا تكون بجنس أصلا ، بل هي أنواع مختلفة بالحقيقة وافراد الفرس كفرس زيد وفرس بكر مثلا لا تكون كليّة بل هي جزئيات متباينات.

توضيح في طي الوقف

وهو ان الوقف على نوعين العام والخاص ، والأوّل قد مضى ، والثاني كالوقف للأولاد كما إذا وقف زيد داره لأولاده فقد حصل الملك لأشخاص الأولاد وليست الملكية للكلّي مع قطع النظر عن خصوص الأفراد والأشخاص ولا يكون غرض

٣١٤

الشيخ الأنصاري قدس‌سره ما يوهمه ظاهر كلامه من كون القضايا الشرعية من قبيل القضايا الطبيعية ضرورة ان التكليف والبعث في الأوامر والزجر في النواهي لا يكاد يتعلّق بالكلّي على نحو القضايا الطبيعية بحيث لا يكون للأشخاص دخل في التكليف والبعث والزجر ، بل لا بدّ من تعلّقه بالأشخاص والأفراد ، وكذا الثواب والعقاب المترتّبان على الطاعة والمعصية مربوطان بالأشخاص والأفراد. ولهذا يقال : زيد المطيع مستحق للثواب ، ويزيد العاصي مستحق للعقاب. وامّا إذا قيل : إنسان مطيع يستحق الجنان وعاص النيران فالمراد منه الافراد والأشخاص لا الطبائع لأنّها غير موجودة في عالم الخارج. والحال ان ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له في الخارج.

وعلى ضوء هذا الأساس فلا بد من أن يكون غرض الشيخ الأنصاري قدس‌سره من عدم دخل الأشخاص في الأحكام الإلهية عدم دخل خصوص الأشخاص الموجودين في زمان جعل أحكام الشرائع الماضية ، إذ برّ الوالدين ولزوم ردّ الأمانة ومراعاة الوفاء بالعهود والايمان والاخلاص والخلوص بالعبادة و ... ثابتة لعامّة المكلّفين في كل زمان وعصر إلى قيام الساعة.

قوله : فافهم ...

وهو إشارة إلى ان لحاظ الكلّي بما هو كلّي في باب الزكاة والوقف العام لا يخلو عن مناقشة ، إذ لوحظ الكلّي في هذه الموارد باعتبار وجوده في ضمن الأشخاص والأفراد لا بما هو هو ، إذ الكلي بما هو هو غير قابل للمالكية. وهذا الأمر واضح لمن له أدنى تحقيق وتدقيق.

قوله : وامّا ما أفاده من الوجه الأوّل فهو وإن كان ...

فهو وإن كان وجيها بالنسبة إلى جريان الاستصحاب في خصوص المدرك للشريعتين ، إلّا أن ما أفاده غير مجد في حق غير المدرك للشريعتين من المعدومين

٣١٥

حين جعل الشريعة السابقة ، ولا يكاد شمول أحكام الشريعة السابقة للمعدومين بسبب ضرورة اشتراك الكل في التكليف واشتراك أهل الشريعة الواحدة في الأحكام الواقعية والظاهرية جميعا ، لأنّ الاشتراك انّما يكون مع اتحاد الموضوع. وعلى هذا فكما ان استصحاب من أدرك الشريعتين يتوقّف على كونه متيقّنا بثبوت الحكم له سابقا شاكّا في بقائه لا حقا ؛ فكذا استصحاب من لم يدرك الشريعتين حرفا بحرف ، فقضيّة اشتراك أهل الزمان الواحد في الشريعة الواحدة ليست إلّا ان الاستصحاب يكون حكم كل الأشخاص الذين كانوا على يقين بثبوت الحكم سابقا فشكّوا في بقائه لا حقا وليس مقتضى الاشتراك في التكليف بأن الاستصحاب يكون حكم الكل ولو من لم يكن على يقين بثبوت الحكم سابقا وعلى شك في بقائه لاحقا كالمعدومين غير المدركين للشريعتين معا للاختلال بيقين السابق كما سبق تحقيق هذا والتكرار انّما يكون لزيادة الايضاح ، إذ كلّما كرّر قرّر في عالم الذهن.

الأصول المثبتة

قوله : السابع لا شبهة في أن قضية أخبار الباب هو إنشاء ...

البحث في تحقيق حال الاصول المثبتة ، قال المصنّف قدس‌سره : انّ مقتضى نهي الشارع المقدّس عن نقض اليقين بالشك وعن تعبّد الشرعي ببقاء المستصحب في مثل استصحاب وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة هو انشاء وجوب للصلاة المذكورة في ظرف الشك حال كونه مماثلا لوجوبها في السابق. وفي مثل استصحاب خمرية المائع الخارجي هو إنشاء حرمة للمائع في ظرف الشك حال كونها مماثلة لحرمته في السابق غير ان وجوب الصلاة ، أو حرمة المائع في السابق كان كل واحد منهما حكما واقعيا ، وهذا الحكم المنشأ بالاستصحاب حكم ظاهري.

٣١٦

قوله : كما لا شبهة في ترتيب ما للحكم المنشأ بالاستصحاب ...

إذا فرضنا أن لوجوب صلاة الجمعة ، أو لحرمة المائع أثر شرعي كوجوب التصدّق بدرهم مثلا مترتّب على وجوبها بنذر ، أو عهد ، أو يمين بأن قال المكلف : لو كانت صلاة الجمعة واجبة في عصر الغيبة لنذرت لله تعالى أن أتصدّق بدرهم مثلا ، وكذا الكلام في شبهه ، أو قال : لو كان هذا المائع الخارجي خمرا لعاهدت بالله تعالى أن أتصدّق بدرهمين مثلا. فيجب ترتيب هذا الأثر على المستصحب عند استصحاب وجوب صلاة الجمعة ، أو عند استصحاب خمرية المائع الخارجي.

وكذا يترتّب على الحكم المنشأ بالاستصحاب من وجوب ، أو حرمة أثره العقلي من وجوب موافقته وحرمة مخالفته واستحقاق العقوبة على عصيانه فانّهما وإن كانت لوازم عقلية للمستصحب ولكنّها لوازم مطلق المستصحب وسيأتي توضيح ذلك إن شاء الله تعالى في طي التنبيه السابع.

وعليه فترتّب على المستصحب الآثار الشرعية والآثار العقلية كما رأيت هذا آنفا.

قوله : وانّما الإشكال في ترتيب الآثار الشرعية ...

فقد شرع المصنّف قدس‌سره في تحقيق حال الاصول المثبتة ، وتوضيح المقام : انّ الإشكال في أن الاستصحاب كما يثبت به نفس المستصحب ، وذلك كوجوب الصلاة وحرمة المائع الخارجي ، فترتّب عليه آثاره الشرعية فهل يثبت به لوازم المستصحب سواء كان عقلية ، أم عادية.

وعلى هذا فإذا شككنا في حياة زيد مثلا واستصحبنا بقاء حياته فكما يثبت بالاستصحاب حياته وترتّب عليها آثارها الشرعية من حرمة التصرّف في أمواله بالقسمة وغيرها ؛ وحرمة العقد على زوجاته ووجوب الانفاق من ماله على عياله بشرط اعسارهم ويساره. وهذا لا إشكال فيه.

٣١٧

فهل يترتّب على حياته إنبات لحيته وأكله وشربه ونومه مثلا ، وإذا استصحبنا بقاء حياة زيد فهل يترتّب عليها كونه متحيّزا متحرّكا ، أو ساكنا ، وإذا استصحبنا بقاء النهار فهل يترتّب عليه ملزومه كطلوع الشمس ، أو ملازمه كضياء العالم ويترتّب على الملزوم أثره الشرعي كوجوب الإمساك وإتيان الظهرين أداء ، وعلى الملازم أثره الشرعي لو كان له على الفرض ، أم لا.

وقال بعض بالترتيب لهذه الآثار على المستصحب بالفتح وذهب الأكثر إلى عدم جواز ترتيبها عليه. وهذا النزاع معروف بالأصل المثبت ، ومن أراد الاطّلاع على موارد الأصل المثبت فليراجع الرسائل للشيخ الأنصاري قدس‌سره.

قوله : ومنشؤه أن مفاد الأخبار هل هو تنزيل ...

وتوضيح المراد : أن دليل الاستصحاب يحتمل بدوا معاني يختلف مقتضى هذه المعاني من حيث حجّية الأصل المثبت وعدم حجيته.

الأوّل : التعبّد بالمستصحب بلحاظ أثره بلا واسطة لا غيره مثل التعبّد بالطهارة الحدثية المشكوكة بلحاظ جواز مس كتابة القرآن الكريم مثلا.

الثاني : التعبّد به بلحاظ أثره ولو بواسطة مثل التعبّد بوجود النار بلحاظ أثر احراق حطب الغير ليترتّب عليه ضمانه بمقتضى القاعدة المشهورة وهي : من أتلف مال الغير فهو له ضامن.

الثالث : التعبّد بالمستصحب من حيث البقاء وبأثره غير الشرعي ليترتّب الأثر الشرعي لأثره ؛ فيكون معنى : لا تنقض اليقين بوجود النار ، هو التعبّد ببقاء النار والاحتراق معا ، فيترتّب الأثر الشرعي للاحتراق كما يترتّب الأثر الشرعي للنار لأنّ ضمان حطب الغير ، أو خشبه أثر الاحتراق ، والاحتراق أثر النار فالضمان أثر النار لأنّ أثر الأثر أثر وإذا استصحبنا بقاء النار فيترتّب على المستصحب الذي هو بقاء النهار أثره وهو الاحتراق ويترتّب عليه الضمان فيترتّب الضمان على بقاء النار لأنّ

٣١٨

أثر الأثر أثر والضمان يكون أثرا شرعيا والاحتراق أثرا عقليا.

وإذا كان مفاد اخبار الباب تنزيل نفس المستصحب فقط والتعبّد به وحده بلحاظ آثاره الشرعية المترتّبة عليه بلا واسطة فيقتصر حينئذ على ترتّب آثار نفس المستصحب وحده بلا واسطة ؛ وامّا إذا كان مفادها تنزيل المستصحب منزلة الواقع مع أطرافه من اللازم العادي واللازم العقلي والملازم ، أي كان مفادها تنزيل المستصحب بلحاظ مطلق ما له من الأثر الشرعي ولو بواسطة اللازم العادي والعقلي ، أو الملزوم والملازم ، فتترتّب آثار الأطراف جميعا أيضا ، فالاحتمالات ثلاثة كما قد سبقت آنفا.

قوله : كما هو الحال في تنزيل مؤديات الطرق والامارات ...

سيأتي تفصيل الحال في تنزيل مؤدّيات الطرق والامارات لدى قول المصنّف قدس‌سره ثم لا يخفى وضوح الفرق بين الاستصحاب وسائر الاصول التعبّدية ، وبين الطرق والامارات إن شاء الله تعالى.

فالنتيجة إذا كان مفاد أخبار الباب تنزيل الشيء وحده بلحاظ أثر نفسه فلم يترتّب عليه ما كان مترتّبا على لوازمه العادية والعقلية لعدم احرازها بالعلم ولا بالأخبار.

وهذا بخلاف ما إذا كان تنزيل الشيء المستصحب بلوازمه ، أو بلحاظ ما يعمّ آثار لوازمه فانّه حينئذ يترتّب باستصحابه ما كان بواسطة لوازمه أشار المصنّف قدس‌سره إلى الاحتمال الأوّل بقوله : لو كان تنزيل الشيء وحده.

وإلى الاحتمال الثاني بقوله : بخلاف ما لو كان تنزيله بلوازمه.

وإلى الاحتمال الثالث بقوله : أو بلحاظ ما يعمّم آثار الواسطة.

ولا يخفى عليك الفرق بين الاحتمال الثاني والاحتمال الثالث. وأمّا توضيح الفرق بينهما فيقال : انّه على الاحتمال الثاني يترتّب على المستصحب آثاره

٣١٩

الشرعية والعقلية والعادية ولا تترتّب آثار آثار المستصحب ، وهذا بخلاف الاحتمال الثالث فانّه تترتّب آثار آثاره ، مثلا إذا استصحبنا بقاء النهار فيترتّب عليه أثره الشرعي وهو وجوب الامساك مثلا ، وأثره العقلي وهو طلوع الشمس ، وأثره العادي وهو ضياء العالم ، ولكن لا يترتّب على الطلوع أثره وهو نمو النباتات ولا على الضياء أثره وهو الاستغناء عن المصباح مثلا هذا على الاحتمال الثاني. وامّا على الاحتمال الثالث فترتّب هذه الآثار على لوازم العقلي والعادي

قوله : والتحقيق ان الأخبار انّما تدل على التعبّد بما كان ...

وقد شرع المصنّف قدس‌سره في تعيين الاحتمال الأوّل وتوضيح ذلك أنّه لا مجال للمصير إلى الاحتمال الثاني لأنّ اليقين في قول المعصوم عليه‌السلام : لا تنقض اليقين بالشك لما كان ملحوظا عبرة إلى نفس المتيقّن لم ينقض إلّا التعبّد به ظاهرا عند الشك في بقائه ، واما الواسطة العقلية والعادية وكذا ملازمات المستصحب وملزومه فهي أجنبية عن هذا التعبّد فكيف يصح استفادة التعبّد بها من الدليل وأخبار الباب.

فإن قيل : لا فرق بين الواسطة غير الشرعية والواسطة الشرعية ، فكما ان مقتضى التعبّد بشيء التعبّد بأثره الشرعي فليكن مقتضى التعبّد به التعبّد بأثره غير الشرعي من الأثر العقلي والعادي.

قلنا : الفرق هو ان دليل الاستصحاب كسائر أدلّة الأحكام الظاهرية والواقعية لما كان واردا في مقام احداث الداعي إلى العمل ، والحال ان العمل لا يترتّب على نفس الموضوع بل انّما يترتّب على الحكم ، وذلك كترتّب إقامة الصلاة على وجوبها لا على نفس الصلاة بما هي صلاة ، وكذا الامساك يترتّب على وجوب الصوم لا على نفس الصوم بما هو صوم.

وعليه كان التعبّد بالموضوع بقرينة هذا المطلب ظاهرا في التعبّد بحكمه ، مثلا : إذا تعبّدنا الشارع المقدّس ببقاء كرية الماء الفلاني باستصحاب كريته فقد

٣٢٠