البداية في توضيح الكفاية - ج ٤

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات هماى دانش
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-94105-2-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٣٣٣

القسمين امّا يكون وجود الفرد الآخر بنفسه ، وامّا يكون بملاكه لا بنفسه فهذه أربعة أقسام ، امّا مثال القسم الثالث والرابع فكما إذا شك في الاستحباب بعد القطع بارتفاع الايجاب ، أو في الكراهة بعد القطع بارتفاع الحرمة امّا بملاك مقارن للايجاب مندك في ملاكه ، أو بملاك مقارن لارتفاعه.

وقد أشار المصنّف قدس‌سره إلى عدم جريان الاستصحاب في جميع الأقسام بقوله ففي استصحابه اشكال الأظهر عدم جريانه. قوله بملاك مقارن ، أو حادث.

فالأول كما إذا شك في الاستحباب بملاك مقارن لوجود الوجوب. والثاني كما إذا شك في الاستحباب بملاك حادث مع حدوث الفرد بحيث يكون كل من الاستحباب وملاكه حادث بعد ارتفاع الوجوب رأسا ، والوجه قد سبق آنفا فلا حاجة إلى الإعادة.

قوله : لا يقال الأمر وإن كان كما ذكر إلّا أنّه حيث كان التفاوت ...

قال المستشكل : ان عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث يكون ثابتا للوجه الذي ذكرته ايّها المصنّف (قدّس سرّك).

ولكن انّما يصحّ قولكم في غير الايجاب والاستحباب ، أو الحرمة والكراهة فان التفاوت بينهما ليس إلّا بشدّة الطلب وضعفه كالسواد الشديد والضعيف عينا لأنّ الوجوب عبارة عن طلب الشديد فعلا ؛ والاستحباب عبارة عن طلب الضعيف فعلا. ولأن الحرمة عبارة عن طلب الشديد تركا والكراهة عبارة عن طلب الضعيف تركا ، إذ الشارع المقدّس لا يرضى بترك الواجب وفعل الحرام. وامّا بترك المستحب وفعل المكروه فقد أجازهما.

وعليه إذا تبدّل الوجوب بالاستحباب مع عدم تخلّل العدم بينهما فهذا التبدّل يكون مساويا مع اتصال وجود الكلّي الطبيعي في ضمن فردين.

وبعبارة اخرى وهي ان الكلّي الواحد قد تحقّق في ضمن فردين يكون

٢٨١

التفاوت بينهما بالشدّة والضعف فإذا تحقّق الطلب في ضمن الفرد الشديد كما تحقّق في ضمن الفرد الضعيف فهو واحد وإذا ارتفع الطلب الشديد وبقي الطلب الضعيف فلا ينقطع وجود الكلّي ، وهو الطلب بالكلية بل يكون موجودا بالدقّة العقلية.

غاية الأمر زالت شدّته فقط بعد ارتفاع الوجوب.

وعلى ضوء هذا فيصح استصحاب مطلق الطلب الذي هو قدر مشترك بين الوجوب والاستحباب والحرمة والكراهة ، إذ لا يقين لنا بارتفاع الكلّي بعد ارتفاع الوجوب ، أو الحرمة.

والحال انّه لا فصل بموجود بالعدم بين وجود الكلّي المتحقّق في ضمن الفردين.

وعلى طبيعة الحال لا إشكال في جريان الاستصحاب في بقاء الكلّي لليقين السابق بتحقّقه في ضمن الوجوب ، أو الحرمة والشك اللاحق في زواله فأركانه تامّة فلا مانع من جريان الاستصحاب في القسم الثالث من استصحاب الكلّي إذا ارتفع فرد من الطلب وتحقّق الفرد الآخر مقارنا لارتفاع الفرد الأوّل لأنّ الشك في تبدّل فرد بفرد آخر موجب للشك في بقاء الطلب وارتفاعه ولا يوجب هذا التبدّل الشك في حدوث وجود آخر بحيث يكون متفاوتا مع وجود الكلّي الذي قد تحقّق في ضمن الفرد قبلا كي يستلزم هذا التفاوت عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من استصحاب الكلّي.

فالنتيجة أن الشك في تبدّل المرتبة إلى مرتبة اخرى شك في الحقيقة وفي بقاء ما يتيقّن به لا في حدوث فرد آخر مقارن لارتفاع الفرد الأوّل.

قوله : فانّه يقال الأمر وإن كان كذلك إلّا ان العرف ...

نعم كان الأمر والمطلب في الحقيقة كذلك ، ولكن العرف يرى الايجاب والاستحباب فردين متباينين لا فردا واحدا مستمرّا قد تبدّلت شدّته إلى الضعف ، كما

٢٨٢

في السواد الشديد والضعيف.

ومن المعلوم أن العبرة في وجود القضيتين المتيقّنة والمشكوكة موضوعا ومحمولا هو نظر العرف لا الدقّة العقلية كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.

وعليه فلا مجال للاستصحاب في مثل الايجاب والاستحباب ، أو الحرمة والكراهة أصلا وإن صح في مثل السواد الشديد والضعيف لكونهما أمرا واحدا حقيقة وعرفا ، وكذا الحرمة والكراهة حرفا بحرف فلا يستصحب الاستحباب ولا الكراهة بعد القطع بارتفاع الوجوب ، أو الحرمة لأجل عدم بقاء الموضوع.

بيان علّة عدم الجريان

قوله : وذلك لما مرت الإشارة إليه ويأتي ...

أي لمّا مرّت الإشارة إليه في صدر مبحث الاستصحاب وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في بحث تتمّة الاستصحاب من اعتبار وحدة القضيتين المتيقّنة والمشكوكة في جريان الاستصحاب موضوعا ومحمولا على نحو كان الشك في الآن اللاحق صادقا في البقاء لا في الحدوث.

والحال أنّه كان رفع اليد عن اليقين في محل الشك نقضا لليقين بالشك وهدما له بسبب الشك ؛ وإنّ مقتضى أخبار الباب هو كون العبرة في وحدتهما موضوعا ومحمولا هو نظر العرف ، وأن يكون النقض صادقا في نظر أهل العرف وإن لم يكن نقض موجودا دقّة وواقعا لأجل تبدّل الموضوع ، أو المحمول حقيقة ، كما في استصحاب الامور التدريجية كاستصحاب وجود الليل ، أو النهار ، أو سيلان الدم ونبع الماء ونحو ذلك ، بل وكاستصحاب الامور القارة. كاستصحاب سواد الجسم ، أو بياضه مثلا بناء على القول بتجدّد الأمثال فانّ المستصحب (بالفتح) في الآن السابق على هذا المبنى والاساس غير المستصحب في الآن اللاحق بل هو مثله يتجدّد

٢٨٣

الامثال شيئا فشيئا.

ففي جميع ما ذكر يجري الاستصحاب لوحدة القضيتين بنظر أهل العرف ولأجل صدق نقض اليقين بالشك في نظرهم ، وان لم يكن نقض دقّة وواقعا لتبدّل الموضوع في أمثلة الامور التدريجية لمغايرة الآن اللاحق والآن السابق ولتبدّل المحمول في الامور القارة.

وإذا انعكس الأمر ، أي لم تكن القضيتان متّحدتين بنظر العرف ولم يصدق النقض بنظرهم فلم يجر الاستصحاب أبدا ؛ وإن كان هناك نقض دقّة وواقعا لوحدة الموضوع أو المحمول حقيقة وواقعا كما في الايجاب والاستحباب والحرمة والكراهة فانّها وإن كانت متّحدات حقيقة بحيث لا تفاوت بينها إلّا بشدّة الطلب وضعفه ، كما تقدّم مفصّلا. ولكن العرف حيث يراها امور متباينة فلا يستصحب الاستحباب ولا الكراهة بعد القطع بارتفاع الوجوب ، أو الحرمة. وهذا واضح لا غبار عليه.

قوله : وممّا ذكرنا في المقام يظهر أيضا حال الاستصحاب ...

المقصود من استصحاب متعلّقات في الشبهات الحكمية هو ما إذا شك في بقاء موضوع الحكم بنحو الشبهة الموضوعية كما إذا شك في بقاء السفر شرعا عند مشاهدة الجدران بحيث لم يعلم أن السفر هل هو ينتهي بمشاهدة الجدران ، أم يبقى إلى سماع الاذان ، هذا مثال الشبهة الحكمية.

وأمّا مثال الشبهة الموضوعية هو ما إذا شك في بقاء السفر شرعا بنحو الشبهة الموضوعية ، كما إذا علم أن السفر قد انتهى شرعا بمشاهدة الجدران لا محالة ، ولكن لم يعلم أن هذه هي جدران البلد قد انتهى السفر شرعا بمشاهدتها ، أم لا؟

ولا يخفى عليك ان المثال للشبهة الحكمية لا ينحصر فيما ذكر ، بل لها أمثلة ؛ ومنها ما إذا شك في ان الواجب في الكفارة مد ، أو مدّان فباعطاء المد للفقير يشك

٢٨٤

في وجوب المدّ الآخر أيضا ، ولكن لا يجوز استصحابه لأنّه من هذا القسم الثالث من استصحاب الكلّي والمختار عند المصنّف قدس‌سره عدم جريانه فيه كما سبق وجه هذا وغيره من الأمثلة.

وكذا للشبهة الموضوعية أمثلة ، ومنها ما إذا شك في فوات فريضة الصبح مرّة أو مرّتين فبقضاء الصبح مرّة يشك في وجوبها مرّة ثانية قضاء عليه. ولا يخفى عليك أن المراد من متعلّقات هو موضوعات الاحكام.

وعليه فاستصحاب الكلّي لا يختص بالأحكام بل يجري في موضوعاتها أيضا ، لانّ الموضوع الكلّي امّا يتحقّق في ضمن فرد معيّن ، ثم شككنا في بقاء هذا الفرد وارتفاعه وإمّا يتحقّق في ضمن حكم معيّن ثم شككنا في بقائه وارتفاعه. وتفصيل القسمين الثاني والثالث فقد مضى مع مثالهما ، فلا حاجة إلى الإعادة.

وأمّا الفرق بين الشبهة الحكمية والموضوعية فقد مضى في الجزء الأوّل فراجع هناك.

قوله : فلا تغفل ...

وهو إشارة إلى أن جريان استصحاب الكلّي في متعلّقات الأحكام ليس كجريانه في نفس الأحكام في الوضوح ضرورة أن جريان الاستصحاب في بعض المتعلّقات مستلزم لبقاء التكليف مع انّه مورد جريان الأصل النافي للتكليف قطعا ، كما في نحو فريضة فائتة فالاستصحاب يقتضي وجوبها مرّة ثانية بعد قضائها مرّة في صورة الدوران بين فوات فريضة الصبح مرّة ، أو مرّتين من يوم واحد ، أو يومين ، ولكن الأصل الأوّلي يقتضي عدم وجوبها مرّة ثانية ، وحينئذ لا بد من التفصيل بين الشبهات الحكمية بجريانه في بعضها دون بعض لا الحكم بجريانه في جميع الموارد.

٢٨٥

ولا بأس بذكر الشبهة العبائية في هذا المقام وهي منسوبة إلى سيّدنا الصدر قدس‌سره ، ومبنى هذه الشبهة هو القول بطهارة الملاقي لأحد أطراف الشبهة المحصورة وملخّص هذا الإشكال : أنّه إذا علمنا إجمالا بنجاسة أحد طرفي العباء ثم غسلنا أحد الطرفين ، فلا إشكال في أنّه لا يحكم بنجاسة الملاقى لهذا الطرف المغسول للعلم بطهارته بعد الغسل اما بالطهارة السابقة ، وامّا بالطهارة الحاصلة بالغسل ، وكذا لا يحكم بنجاسة الملاقى لأحد أطراف الشبهة المحصورة ثم إذا لاقى شيء مع الطرفين من العباء فلا بدّ من الحكم بعدم نجاسته أيضا لانّه لاقى طاهرا يقينا وأحد طرفي الشبهة. والمفروض أن ملاقاة شيء منهما لا توجب النجاسة ، مع أن مقتضى استصحاب الكلّي هو الحكم بنجاسة الملاقي للطرفين.

وعليه فلا بد من رفع اليد عن جريان الاستصحاب في الكلّي ، أو القول بنجاسة الملاقى لأحد أطراف الشبهة المحصورة لعدم إمكان الجمع بينهما في المقام.

الجواب عنها موكول في الدرس الخارج لأنّ ذكره في هذا المقام يوجب التطويل.

استصحاب الامور التدريجية

قوله : الرابع أنّه لا فرق في المتيقّن بين أن ...

قال المصنّف قدس‌سره : لا فرق في المتيقّن السابق بين أن يكون من الامور القارة الثابتة كالطهارة والقيام والعلم ونحوها وأن يكون من الامور غير القارة التي تتحقّق في الخارج حال كونها تدريجية الحصول كالتكلّم والقراءة والزمان وأمثالها بحيث

٢٨٦

يتحقّق جزء منها في زمان بعد انعدام الجزء السابق وانصرامه ويكون الموجود الثاني غير الموجود الأوّل.

لكن قد تحقّق سابقا أن المعيار في باب الاستصحاب صدق نقض اليقين بالشك وصدق البقاء عرفا ، إذ يستفاد من الأخبار وغيرها عدم جواز نقض اليقين السابق بالشك اللاحق عرفا.

وعليه ففي هذه الأشياء المذكورة وإن كان متعلّق اليقين غير متعلّق الشك بحسب الدقّة العقلية ، إذ المتيقّن يكون جزءا من التكلّم والقراءة والزمان والمشكوك جزءا آخر من كل واحد منها بحيث يكون الموجود اللاحق جزءا على حدة ، ولكن لما لم يفصل العدم بين وجودات الامور المذكورة على الفرض ولو فصل بينها فلم يكن مضرّا بالاتصال عرفا فيعدّ أهل العرف تكلّم شخص واحد موجودا متّصلا واحدا ، وكذا القراءة والليل والنهار والآنات حرفا بحرف.

وعلى ضوء هذا إذا رفعنا اليد عن آثار هذه الامور المترتّبة عليها شرعا بواسطة الشك في بقائها فيعدّ أهل العرف هذا الرفع نقضا لليقين السابق بالشك اللاحق ، فلهذا تشمل أخبار الاستصحاب هذه الامور ويجري الاستصحاب فيها.

هذا مع أن كون هذه الامور تدريجية الحصول إنّما يكون بملاحظة الحركة القطعية الثابتة لها وهي عبارة عن كون الشيء في كل آن في حدّ خاص ومكان خاص لا بملاحظة الحركة التوسطية وهي عبارة عن كون الشيء بين المبدأ والمنتهى ، إذ الامور التدريجيات تكون بملاحظة الحركة التوسطية ثابتة مستقرّة مجتمعة الأجزاء.

وبعبارة اخرى وهي ان مثل التكلّم والقراءة والزمان والليل والنهار والحركة ونحوها يكون لها الملاحظتان تارة يلحظ مجموع أجزائها بملاحظة مبدئها ومنتهاها مثلا حركة الشمس والقمر إذا لوحظت بحسب أجزائها فلا بد أن تكون الحركة في

٢٨٧

آن غير الحركة في آن سابق عليه ؛ وان تكون في مكان غيرها في مكان آخر ، وامّا إذا لوحظت بلحاظ المبدأ الذي هو عبارة عن جانب المشرق والمنتهى الذي هو عبارة عن جانب المغرب فيكون مجموع الحركة حينئذ حركة واحدة بين الحدّين. وكذلك التكلّم والقراءة بحيث يكون التكلّم من أوّل ساعة العاشر إلى ساعة الحادي عشر مثلا شيئا واحدا وتكلّما فاردا ، وكذا القراءة من أوّل سورة الأنعام مثلا إلى آخرها قراءة واحدة وشيء واحد وفعل واحد مستمر.

وبالجملة إذا لم تكن أفعال التدريجية شيئا واحدا عقلا فهي تكون شيئا واحدا عرفا وبالمسامحة العرفية.

وعليه فيجوز استصحاب بقاء الليل إذا شك في بقائه ويترتّب عليه أثره الشرعي من جواز الأكل في شهر الصيام واستصحاب بقاء النهار إذا شك في بقائه ويترتّب عليه ، أي على بقاء النهار ، حرمة الافطار ووجوب الامساك ، وكذا استصحاب بقاء التكلّم والقراءة إذا شك في بقائهما.

ففي كل هذه الامور يجري الاستصحاب مثلا من قرء صيغة الصلح ، أو النكاح مثلا إذا شك في بقاء قراءتهما فيجري الاستصحاب ويحكم ببقاء القراءة ويترتّب على المستصحب أثره الشرعي وهو عدم التصرّف في مال المتصالح عليه وحرمة الاستمتاع من المعقودة عليها.

فالمصنّف قدس‌سره ذهب إلى جريان الاستصحاب في الزمان كالليل والنهار ، وفي الزماني الذي لا استقرار له ، أي لوجوده بل يتجدّد شيئا فشيئا كالتكلّم ونبع الماء وسيلان الدم والمشي والكتابة ونحوها.

وتوضيح المقام يحتاج إلى تمهيد مقدّمتين :

الاولى : ان الحركة تتوقّف على أمور ستّة :

الأوّل : ما منه الحركة.

٢٨٨

الثاني : ما إليه الحركة.

الثالث : ما به الحركة.

الرابع : ما له الحركة.

الخامس : ما فيه الحركة.

السادس : الزمان الذي يقع فيه الحركة ثم ان الحركة على أربعة أقسام :

الأوّل : حركة الكمية كحركة الأجسام النامية.

الثاني : حركة الكيفية كحركة الماء من البرودة إلى الحرارة ، أو كحركة التفاح الأخضر إلى الاحمرار.

الثالث : حركة الأينية هي عبارة عن انتقال الجسم من مكان إلى مكان آخر.

الرابع : حركة الوضعية وهي عبارة عن انتقال الجسم من حال القيام إلى حال الجلوس ومن حال الجلوس إلى حال النوم ، ولكن الحركة الوضعية تستلزم الحركة في الاين كما قال به العلّامة الحلّي قدس‌سره.

الثانية : ان الحركة الاينية على قسمين :

الاولى : قطعية.

الثانية : توسطية ، مثلا إذا سافر زيد من البصرة إلى الكوفة فكونه في كل آن في مكان حركته القطعية وكونه بين البصرة والكوفة حركته التوسطية.

فإذا عرفت هاتين المقدّمتين فيقال : ان الانصرام والتدرج في الوجود شيئا فشيئا المانع عن جريان الاستصحاب انّما هو في الحركة القطعية وهي كون الشيء في كل آن في حدّ كما في الحركة الوضعية والكمية والكيفية ، أو مكان كما في الحركة الاينية لا التوسطية وهي كونه بين المبدأ والمنتهى فانّها بهذا المعنى أمر مستمرّ قارّ بالذات كما لا يخفى.

وعليه فلا مجال للإشكال في استصحاب الليل ، أو النهار فانّ الليل عبارة عن

٢٨٩

كون الشمس تحت الأرض بين المغرب والمشرق ؛ والنهار عبارة عن كونها على وجه الأرض بين المشرق والمغرب ، فإذا شك في بقاء الليل ، أو النهار فمرجعه إلى الشك في وصول الشمس إلى المنتهى ، أو انّه يكون في البين فيستصحب عدم وصولها إلى المنتهى ففي نحو خروج زيد ماشيا من البصرة إلى الكوفة إذا شك في بقاء مشيه من جهة الشك في انتهاء حركته التوسطية ووصوله إلى الكوفة فيستصحب عدم وصوله إليها وأنّه بعد في البين.

نعم إذا شك في بقاء مشيه للشك في استعداد زيد للمشي إلى هذا الحد ، أو للشك في طرو مانع قد منعه عن المشي إلى هذا الحد والمكان فهذا شك في حركته القطعية وحينئذ فيجري الإشكال المتقدّم في استصحابه ولكنّك قد عرفت ان مجموع الحركات من البدو إلى الختم في نظر العرف أمر واحد مستمر فلا مانع عن استصحابه أصلا ، وهذا ظاهر.

قوله : وأمّا إذا كان الشك في كمّيته ومقداره ...

قال المصنّف قدس‌سره : قد يكون الشك في بقاء الأمر التدريجي الزماني من جهة الشك في الرافع مثلا إذا تيقّنا بجريان الماء من عين من العيون وعلمنا استعداده من حيث البقاء ولكن حصل لنا الشك في بقاء جريانه إلى الآن من جهة احتمال تحقق المانع عن الجريان فيجري استصحاب بقاء الجريان بلا إشكال لتمامية اركان الاستصحاب على نحو الكامل وهي عبارة عن اليقين السابق والشك اللاحق.

وقد يكون الشك في بقاء الأمر التدريجي الزماني من جهة الشك في كمّيته ومقداره ، أي يكون الشك في المقتضى مثلا انّا نعلم جريان الماء من عين وسيلان الدم من رحم ولكن حصل لنا الشك في جريان الماء وسيلان الدم من جهة الشك في مقدار الماء والدم في المنبع والرحم بحيث يكونان جاريين إلى الآن ، أم لا يكونان كذلك ، أي احتملنا تمامية الماء والدم عن النبع والرحم فليسا بموجودين

٢٩٠

إلى الآن فهل يجري الاستصحاب في هذا المثال ، أم لا؟

ذهب بعض الأعلام قدس‌سرهم إلى عدم جريان الاستصحاب إذا كان الشك في بقاء الجريان والسيلان من جهة الشك في المقتضى لأنّ الشك ليس في الجريان والسيلان ، أي ليس الشك في الوصف بل الشك في حدوث الموصوف ووجوده وهو الماء والدم فلا تتمّ أركان الاستصحاب لأنّ الجريان والسيلان اللّذان يكونان متيقنين سابقا ليسا بمشكوكين ، بل يكون الشك في الآن اللاحق في وجود الماء في المنبع والدم في الرحم وأمّا إذا كانا موجودين في المنبع والرحم فالجريان والسيلان مسلّمان.

وفي ضوء هذا فليس متعلّق اليقين ومتعلّق الشك بمتّحدين ، إذ المتيقّن هو الجريان والسيلان والمشكوك هو وجود الماء في المنبع والدم في الرحم فلا يجري الاستصحاب في صورة كون الشك في المقتضى بالكسر لأن الماء الحادث والدم الحادث في التدريجيات والزمانيات يكونان غير الماء السابق والدم السابق فيكون المشكوك غير المتيقّن والجزء اللاحق غير الجزء السابق كما هو واضح.

أمّا توضيح كلام المصنّف قدس‌سره ولكنّه يتخيّل بأنّه لا يختل به ما هو الملاك في الاستصحاب.

ولكن اختلاف الأجزاء في التدريجيات والزمانيات بدقة العقلية ولا يقدح في صدق النقض والبقاء في نظر العرف ولا يضرّ بما هو ملاك الاستصحاب بحسب تعريفه من اتحاد القضيتين المتيقّنة والمشكوكة موضوعا ومحمولا ، إذ تعدّد الماء والدم بالدقة العقلية لا يوجب تعدّد الجريان والسيلان بنظر العرف ، إذ اتصال الجريان والسيلان بسبب عدم فصل بين الاجزاء ، أو بسبب قلّة الفصل بحيث لا يضر بالاتصال عرفا موجب لوحدة الاجزاء بنظر أهل العرف والوحدة العرفية كافية في البقاء وصدق نقض اليقين بالشك كما عرفته سابقا.

٢٩١

قوله : ثم انّه لا يخفى ان استصحاب بقاء الأمر التدريجي ...

استظهر الشيخ الأنصاري قدس‌سره كون استصحاب الأمر التدريجي كالتكلّم والكتابة والحركة والمشي ونبع الماء وسيلان الدم من الرحم من قبيل القسم الاول من استصحاب الكلي.

ولكن يقول المحقّق الخراساني قدس‌سره : أنّه يمكن عقلا تصوير استصحاب الأمر التدريجي بتمام أنواع الاستصحاب من استصحاب الشخصي والكلّي بأقسامه الثلاثة المتقدّمة.

والتفصيل ؛ انّه إذا شك في أن السورة المعيّنة التي قد شرع زيد فيها كسورة الانفال مثلا ، هل هي قد تمّت ووصلت إلى الانتهاء ، أم هي بعد باقية فيستصحب بقاء شخص تلك السورة المعيّنة. ويكون من استصحاب الشخص ويستصحب أيضا الطبيعي الذي كان متحقّقا في ضمن السورة المعيّنة ، مثلا ؛ إذا علمنا بقراءة السورة المعيّنة ثم نعلم بوجود القراءة ثم شككنا بانقضاء قراءة السورة المعيّنة فنشك في بقاء القراءة الكلّية فلا إشكال في جريان الاستصحاب في بقائها إذا كان لها أثر شرعي ويكون من القسم الأوّل من استصحاب الكلّي.

وإذا شك في بقاء قراءة السورة بعد الشروع فيها من جهة تردّدها بين القصيرة وبين الطويلة كالتوحيد والبقرة فتستصحب قراءة السورة الكلّية التي تكون قدر المشترك بين القصيرة والطويلة ويكون هذا الاستصحاب من قبيل القسم الثاني من استصحاب الكلّي ؛ وإذا شك في بقاء قراءة السورة إلى الآن من جهة الشك في شروع المكلف في سورة اخرى بعد القطع بانقضاء قراءة السورة الاولى فنستصحب بقاء قراءة كلي السورة حينئذ لو قلنا به. ويكون هذا الاستصحاب من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلّي كما لا يخفى. فتمام ما ذكر من المباحث الماضية يكون في أطراف الزمان وسائر الامور التدريجيات.

٢٩٢

استصحاب المقيّد بالزمان

قوله : وامّا الفعل المقيّد بالزمان فتارة يكون الشك ...

وأمّا حكم الفعل المقيّد بالزمان كصوم رمضان المبارك وافطار يوم العيد ، إذ الأوّل مقيّد بيوم شهر رمضان المبارك والثاني مقيّد بيوم العيد ، فلا يخلو من حالين في الخارج :

الأوّل : ان يكون الشك في ثبوت حكم المقيّد بالزمان لأجل الشك في بقاء نفس الزمان سواء كانت الشبهة موضوعيّة كما لو شك في هلال شوّال المكرّم ، أم حكمية كما لو شك بانتهاء النهار بغياب القرص.

الثاني : أن يكون في ثبوته لأجل الشك في ثبوت نفس الحكم مع القطع بانتفاء قيده وهو الزمان الذي أخذ قيدا لموضوعه ، كما إذا وجب الجلوس في المسجد مثلا في النهار فقد انقضى النهار فشك في بقاء وجوب الجلوس في الليل ، لاحتمال كون زمان الليل موجبا لمصلحة ملزمة فيه ، أو لاحتمال كون الجلوس مطلوبا في النهار بنحو تعدّد المطلوب بأن يكون في ذات الجلوس مصلحة ملزمة ، وبخصوصية كونه في النهار مصلحة اخرى غير المصلحة القائمة بالجلوس بذاته.

فإن كان الشك على النحو الأوّل جاز الرجوع إلى استصحاب نفس الزمان المأخوذ قيدا للحكم فيثبت به المقيّد ويترتّب عليه حكمه الشرعي من وجوب الامساك ؛ كما جاز استصحاب نفس المقيّد فيقال : كان الإمساك في النهار فهو على ما كان فيجب. هذا.

أو يقال : ان الامساك من تناول الطعام وغيره من المفطرات كان واجبا قبل هذه اللحظة قطعا ، والآن كان واجبا للاستصحاب ، أي لاستصحاب بقاء وجوبه في

٢٩٣

الآن الحاضر.

وليعلم حاصل كلام المصنّف قدس‌سره هنا وهو أن الفعل المقيّد بالزمان ؛ تارة يقع الشك في حكمه من جهة الشك في بقاء الزمان. واخرى يقع الشك في حكمه مع القطع بارتفاع الزمان.

والثاني على قسمين : فتارة يكون الزمان مأخوذا في الدليل ظرفا للحكم. واخرى يكون الزمان مأخوذا قيدا لموضوع الحكم. والثاني أيضا على قسمين : فتارة يعلم ان الزمان قيد للفعل بنحو وحدة المطلوب بمعنى كون القيد قيدا لأصل المطلوب ، واخرى يحتمل كون الزمان قيدا للفعل بنحو تعدّد المطلوب بمعنى كون القيد قيدا لتمام المطلوب لا لأصله فهذه أقسام أربعة.

أمّا القسم الأوّل فهو ما إذا شك في حكم الفعل المقيّد بالزمان من جهة الشك في بقاء الزمان ، فقد حكم فيه باستصحاب الزمان وترتيب أثره عليه ، فإذا شك في وجوب صوم يوم الخميس لأجل الشك في بقاء نهار يوم الخميس فيستصحب بقاء نهاره لتمامية أركان الاستصحاب لأنّ بقاء نهاره قبل هذه اللحظة والساعة كان متيقّنا والآن كان باقيا لأجل استصحاب بقاء نهاره ، ويترتّب عليه حكمه من وجوب الصوم ولزوم الإمساك وحرمة استعمال المفطرات ما لم يعلم بدخول الليل.

وقد أشار المصنّف قدس‌سره إلى هذا القسم الأوّل بقوله : فتارة يكون الشك في حكمه من جهة الشك في بقاء قيده. بل ويجوز استصحاب كون الامساك قبل هذا الآن في النهار كان واجبا بنحو مفاد كان الناقصة فالآن كما كان.

وأمّا القسم الثاني فهو ما إذا شك في حكم الفعل المقيّد بالزمان مع القطع بارتفاع الزمان ، ولكن الزمان ظرف للحكم لا قيدا له ، كما إذا قال المولى : ان الجلوس في يوم الجمعة يجب عليك فقد شك في وجوب الجلوس في يوم السبت ، فقد حكم فيه باستصحاب الحكم. والسرّ فيه هو عدم تعدّد الموضوع عرفا فانّ

٢٩٤

الجلوس كان واجبا في يوم الجمعة قطعا فالآن يكون كذلك بالاستصحاب.

وقد أشار المصنّف قدس‌سره إلى هذا القسم الثاني بقوله : وان كان من الجهة الاخرى فلا مجال إلّا لاستصحاب الحكم ، أي وان كان الشك في حكم الفعل المقيّد بالزمان من حيث تحقّق المصلحة المقتضية لبقاء الحكم بالاستصحاب حتّى مع العلم بانقضاء الزمان وانصرامه.

ولكن لا يخفى عليك أن هذا القسم خارج لدى الحقيقة موضوعا من مقسم المصنّف فانّ المقسم في كلامه الشريف هو الفعل المقيّد بالزمان. وامّا الزمان الذي أخذ ظرفا للحكم لا يكون الفعل مقيّدا بالزمان بحيث ينتفي الحكم بانتفاء الزمان ويتحقّق بتحقّقه.

فالفرق بين أخذ الزمان قيدا للحكم وبين أخذه ظرفا للحكم ان الحكم يتحقّق بتحقّق الزمان وينتفي بانتفائه في الأوّل ، وفي الثاني يتحقّق الحكم بتحقّق الزمان ولا ينتفي بانتفائه.

وامّا القسم الثالث فهو ما إذا شك في الحكم مع القطع بارتفاع الزمان والزمان قيد لمتعلّق الحكم ، كما إذا قال المولى : يجب عليك جلوس يوم الجمعة ، فلو شك في وجوب جلوس يوم السبت فقد حكم باستصحاب العدم دون الوجود نظرا إلى تعدّد الموضوع حينئذ ، فانّ المتيقّن هو وجوب جلوس يوم الجمعة ، والمشكوك هو وجوب جلوس يوم السبت فلا يكون الشك في بقاء ما كان سابقا ، بل في ثبوت أمر حادث.

وقد أشار إلى هذا القسم الثالث بقوله : لا قيدا مقوّما لموضوعه وإلّا فلا مجال إلّا لاستصحاب عدمه فيما بعد ذاك الزمان. هذا فيما إذا علم وحدة المطلوب.

قوله : في خصوص ما لم يؤخذ الزمان فيه إلّا ظرفا لثبوت الحكم ...

أي ينظر بنظرة العميق لا بنظرة السطحي إلى دليل الحكم فان كان الزمان قيدا

٢٩٥

للموضوع نحو : أكرم العلماء الجائين يوم الجمعة امتنع جريان الاستصحاب والحكم ببقاء الحكم في غير ذاك الزمان لأنّ ذات الموضوع مع عدم القيد والزمان مباينة للموضوع مع القيد.

وعليه فإثبات الحكم حينئذ لا يكون ابقاء لثبوته للموضوع المقيّد بالزمان ، بل يكون إحداثا للحكم في موضوع آخر ، ولازم ذلك امتناع جريان الاستصحاب أيضا إذا أخذ الزمان قيدا للمحمول لعين الوجه المتقدّم نحو العلماء العدول يجب عليك إكرامهم يوم الجمعة.

نعم إذا أخذ الزمان في لسان الدليل قيدا للنسبة لجاز الاستصحاب مع انتفاء الزمان وانصرامه لاتحاد الموضوع والمحمول في القضيتين المتيقّنة والمشكوكة ، وهذا الاتحاد موجب لكون الشك في البقاء الذي هو تمام موضوع الاستصحاب.

وامّا القسم الرابع فهو ما إذا شك في الحكم مع القطع بارتفاع الزمان وانصرامه ، والزمان قيد لمتعلّق الحكم ، أي لموضوعه ، ولكن مع احتماله بنحو تعدّد الموضوع ، فقد حكم باستصحاب الحكم كما في القسم الثاني حرفا بحرف بدعوى عدم تعدّد الموضوع في القضية المتيقّنة والمشكوكة.

وحكم المصنّف قدس‌سره أيضا بكون هذا القسم من قبيل ما إذا شك في بقاء المرتبة الضعيفة بعد القطع بارتفاع المرتبة الشديدة فيما إذا رأى العرف الحادث المشكوك على فرض حدوثه مع المتيقّن السابق أمرا واحدا مستمرّا كما في السواد الضعيف والشديد لا مبائنا معه كما في الاستحباب والوجوب على ما تقدّم تفصيله في التنبيه السابق.

وعليه ففي المقام نشك في بقاء المرتبة الضعيفة من الطلب الوجوبي بعد القطع بارتفاع المرتبة الشديدة منه قطعا بسبب ارتفاع الزمان المأخوذ قيدا للفعل فيستصحب الطلب الوجوبي ويحكم ببقائه.

٢٩٦

وقد أشار إلى هذا القسم الرابع بقوله : نعم لا يبعد أن يكون بحسبه أيضا متّحدا وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.

قوله : لا يقال ان الزمان لا محالة يكون من قيود الموضوع ...

فاستشكل المستشكل بأن الزمان وإن أخذ ظرفا لثبوت الحكم تحسب الظاهر ولكن هو يكون واقعا وحقيقة من قيود الموضوع ، إذ من البديهي ان الزمان من ملاك الحكم ومناطه.

وعليه فيجري بعد ارتفاع الزمان وانصرامه استصحاب عدم الحكم ولا يجري استصحاب ثبوته بعد انقطاعه ، أي ثبوت الحكم بعد انقطاع الزمان وإن أحرزنا من الخارج كون الزمان المأخوذ في الموضوع ظرفا للحكم ، إذ ليس الزمان حينئذ غير دخيل في الحكم. وعليه فلا يثبت الحكم في غير ذاك الزمان.

وعلى طبيعة الحال فلا يجري الاستصحاب في الفعل المقيّد بالزمان سواء كان الزمان قيدا للحكم ، أم كان ظرفا له ، أم كان غير معلوم الهوية بل يجري استصحاب عدم الحكم في غير ذاك الزمان.

قوله : بأنّه يقال نعم لو كانت العبرة في تعيين الموضوع ...

نعم لا يكون مورد الاستصحاب في الفعل المقيّد بالزمان إذا كان الملاك في تعيين الموضوع وفي اتحاد المتيقّن والمشكوك هو النظر الدقي العقلي ؛ وامّا إذا كان المعيار فيهما فهو النظر المسامحي العرفي في باب الاستصحاب.

وعليه فالزمان إذا كان ظرفا للحكم فهو يكون ملغى بنظر أهل العرف ، واكرم العلماء في يوم الجمعة وفي يوم السبت شيئا واحدا بنظر العرف فيجري الاستصحاب في بقاء وجوبه في يوم السبت ، إذ يكون وجوب الاكرام في يوم الجمعة متيقّنا وفي يوم السبت مشكوكا وأركان الاستصحاب تامّة وشرائطه موجودة فلا مانع عن جريانه ، إذ يصدق نقض اليقين بالشك حينئذ ، هذا مضافا إلى أن الزمان

٢٩٧

لو كان دخيلا في الحكم وجودا وعدما لما جرى الاستصحاب في جميع الموارد أصلا كما لا يخفى.

الإشكال الثاني

قوله : لا يقال فاستصحاب كل واحد من الثبوت والعدم ...

فاستشكل المستشكل ، وهو الفاضل النراقي قدس‌سره في المناهج بأنّه إذا كان البناء على اتباع نظر العرف في بقاء الموضوع فيجري الاستصحابان معا فيتعارضان ثم يتساقطان. والمراد من الاستصحابين في هذا المقام استصحاب ثبوت الحكم بعد ارتفاع الزمان واستصحاب عدم الحكم بعده ، امّا الثبوت فلوحدة الموضوع في نظر العرف ، وامّا العدم فلتعدّد الموضوع في نظر العقل.

قوله : فانّه يقال انّما يكون ذلك لو كان في الدليل ما ...

أجاب المصنّف قدس‌سره عنه بأنّه ليس في دليل الاستصحاب ما بمفهومه المطابقي أو التضمّني ، أو الالتزامي يشمل كلا النظرين نظر العرف ونظر العقل معا كي يجري الاستصحابان ويتعارضان ، بل لا بد أن يكون دليل الاستصحاب امّا مسوقا بنظر العرف وامّا بنظر العقل ، ولكن المستفاد من أخبار الباب هو اتباع نظر العرف فقط ، وحيث ان الموضوع في نظر العرف في هذا المقام واحد فيجري استصحاب ثبوت الحكم قهرا لتمامية أركانه ولصدق بقاء الموضوع فيصدق النقض فيشمله أخبار الباب ولا يجري استصحاب العدم أصلا وهذا واضح.

علّة عدم جريان الاستصحابين

قوله : لعدم إمكان الجمع بينهما لكمال المنافاة بينهما ...

لأنّ في الجمع بين النظرين تناقضا في المدلول حيث انّه بملاحظة أحدهما

٢٩٨

يكون رفع اليد عملا عن حكم المقيّد نقضا لليقين بالشك ؛ وبملاحظة الآخر لا يكون نقضا.

والأوّل يستتبع الحرمة ، والثاني يستتبع عدمها ، أي بملاحظة نظر العرفي يكون رفع اليد عن وجوب إكرام العلماء في يوم السبت عملا نقضا محرما وبملاحظة نظر العقلي لا يكون رفع اليد عملا نقضا محرما ، والمحرم وعدم المحرم نقيضان ولا يعقل حكاية الدليل عنهما معا ، أي عن المحرم وعدم المحرم لامتناع اجتماعهما.

فالنتيجة إذا أخذ الزمان ـ وهو يوم الجمعة ـ ظرفا للحكم بحيث يتحقّق الحكم بتحقّقه ولا ينتفي بانقطاعه وانصرامه فيجري استصحاب الثبوت ، وإذا أخذ في لسان الدليل قيدا له بحيث يتحقّق الحكم وهو وجوب الإكرام بتحقّقه وينتفي بارتفاع الزمان ، فيجري حينئذ استصحاب العدم ، أي عدم وجوب الاكرام.

والوجه ان الفعل وهو الإكرام في يوم السبت متّحد مع الفعل قبل يوم السبت بنظر العرف وهو متعدّد بالنظر العقلي ضرورة ان الفعل المقيّد بزمان خاصّ يكون غير الفعل في زمان آخر ولو بالنظر المسامحي العرفي فضلا عن الدق العقلي والدقة العقلية.

وقوله : ولو بالنظر المسامحي إشارة إلى تعميم التعدّد بمعنى ان الفعلين الصادرين في زمانين متعدّدان عرفا كما هما متعدّدان عقلا ، ولكن العرف يتسامحون ويرونهما فعلا واحدا.

قوله : نعم لا يبعد أن يكون بحسبه أيضا متّحدا ...

يعني إذا احتمل أن يكون ثبوت الحكم للفعل المقيّد بالزمان الخاص بنحو تعدّد المطلوب بحيث تكون في الفعل مصلحتان ؛ احداهما قائمة بذات المقيّد. والاخرى قائمة بنفس التقييد بالزمان.

٢٩٩

وعليه فيكون ثبوت الحكم في الزمان الثاني كوجوب الإكرام يوم السبت ناشئا عن مصلحة قائمة بذات المقيّد مطلقا سواء كان مع وجود القيد ، أم مع عدم القيد فيكون الحكم مع عدم القيد من مراتب الحكم الأوّل ، أي يكون وجوب الاكرام في يوم السبت من مراتب وجوبه في يوم الجمعة بنحو التعدّد المطلوبي بحيث يكون للمولى طلبان يكونان في مرتبتين مثلا يكون المطلوب الأوّل في المرتبة الاولى كالصلاة في الوقت الخاص ، واحتملنا أن يكون المطلوب الثاني في المرتبة الثانية كالصلاة في خارج الوقت المعيّن بعد مضي الوقت الأوّل. غاية الأمر ان الطلب الأوّل يكون شديدا تاما ، والطلب الثاني يكون ضعيفا ناقصا.

وعلى هذا إذا انقضى الطلب الشديد بانقضاء وقته واحتملنا بقاء الطلب الضعيف للصلاة ولا يحتمل أن يكون هذا الطلب الضعيف أمرا حادثا ، إذ الملاك هو نظر العرف وهو يحكم ببقاء الطلب بعد زوال قيد الحكم وزمانه فيجري الاستصحاب في بقاء المرتبة الضعيفة للمستصحب لصدق البقاء عرفا ولتحقّق النقض فيستصحب وجوب الصلاة خارج الوقت.

قوله : فتأمّل جيّدا ...

وهو تدقيقي بقرينة كلمة الجيد إشارة إلى دقّة المطالب المذكورة.

قوله : ازاحة وهم لا يخفى ان الطهارة الحدثية والخبثية ...

يقع الكلام في دفع التوهّم الذي أورده في المقام الفاضل النراقي قدس‌سره وخلاصته : ان محصل الطهارة الحدثية الوضوء والغسل مطلقا ، أي سواء كان واجبا كغسل الجنابة مثلا ، أو مندوبا كغسل الجمعة على مبنى سيّدنا الخوئي قدس‌سره ، والمراد من الحدث هو مطلق الحدث سواء كان أكبر كالجنابة مثلا ، أو أصغر كخروج البول مثلا ، ومحصل الطهارة الخبثية الغسل بالماء المطلق الطاهر ، أو مطهر آخر غيره من الشمس والأرض وأمثالهما من المطهّرات التي قد بيّنت في الفقه الشريف ، وكذا

٣٠٠