البداية في توضيح الكفاية - ج ٤

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات هماى دانش
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-94105-2-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٣٣٣

قال المصنّف قدس‌سره : ان ترتّبه على كل واحد من الامور المذكورة ليس بترتّب شرعي من قبيل ترتّب الحرمة على شرب الخمر ، بل يكون ترتّبه عليها ترتّبا عقليّا كترتّب المعلول على علّته ، ولهذا لا مجال للاستصحاب في القسم الأوّل من الوضع إذا شك في بقائها.

قوله : فافهم ...

وهو إشارة إلى أن ترتّب الوجوب على الدلوك الذي هو سبب التكليف وعلى العقل الذي هو شرط التكليف انّما يكون هذا الترتّب ترتّبا شرعيا من جهة ان وضع الوجوب انّما يكون بيد الشارع المقدّس ولذا يستصحب نفس السبب والشرط والمانع والرافع بلا إشكال.

وكذا ترتّب منع التكليف على الحيض الذي هو مانع عن التكليف ، أو ترتّب رفع التكليف على الحيض الطارئ في أثناء الوقت والحيض الكذائي يكون رافعا للتكليف.

ومن هنا ظهر الفرق بين المانع وبين الرافع ، إذ عنوان الأول يكون قبل الوقت والثاني في أثناء الوقت.

قال المصنّف قدس‌سره : انّه لا إشكال في جريان الاستصحاب في الوضع المستقلّ بالجعل والانشاء حيث انّه كالتكليف في استقلال الجعل فكما يجري الاستصحاب في الأحكام التكليفية وكذا يجري في القسم الثالث من الأحكام الوضعية من الحجّية والقضاوة والولاية والنيابة والحرية والرقية والزوجية والملكية ونحوها.

قال المصنّف قدس‌سره : كذا يجري الاستصحاب في القسم الثاني من الوضع الذي كان مجعولا بالتبع من انتزاع عنوان الجزئية لما هو جزء المأمور به كالفاتحة مثلا وعنوان الشرطية لما هو شرط المأمور به كالطهارة مثلا ، وعنوان المانعية لما هو مانع المكلف به ، وعنوان القاطعية لما هو قاطع المكلف به من حيث الاتصال وعلّله

٢٦١

بقوله : فانّ أمر وضعه ورفعه بيد الشارع المقدّس ولو بتبع منشأ انتزاعه.

فإن قيل : انّه لا تطلق الأحكام الشرعية على مثل الجزئية والشرطية والمانعية والقاطعية ، وهذا يكفي في عدم جريان الاستصحاب في هذا القسم الثاني.

قلنا : انّا لا نسلم عدم اطلاق الأحكام الشرعية على هذه الامور المذكورة ، لأنّ الأحكام الشرعية على نحوين :

الأوّل : تكليفية.

والثاني : وضعية.

وهذه الامور وإن لم تكن أحكاما تكليفية ولكنّها أحكام وضعية ، هذا أولا. وثانيا : لو سلّمنا عدم إطلاق الأحكام الشرعية عليها لما يضر هذا في جريان الاستصحاب ، إذ مناط جريانه في الأمر الذي يكون تصرّف الشارع المقدّس فيه بحيث إذا شاء أن يضعه وإذا شاء أن يرفعه كعنوان الجزئية مثلا ، إذ للشارع المقدّس أن يجعل عنوانها لجزء المكلّف به وان يرفعه له ، مثلا يمكن للشارع المقدّس أن يجعل أمره متعلّقا بالصلاة التي تكون لها عشرة أجزاء ومن جملتها تكون سورة بعد الحمد ووضع عنوان الجزئية لها.

وان يجعل أمره متعلّقا بالصلاة التي تكون لها تسعة أجزاء فلا تكون السورة من جملتها ورفع حينئذ عنوان الجزئية عن السورة بعد الفاتحة. وكذا في عنوان الشرطية والمانعية والقاطعية حرفا بحرف.

وفي ضوء هذا فالاستصحاب يجري في القسم الثاني من الوضع بلا إشكال.

قوله : نعم لا مجال لاستصحابه لاستصحاب ...

فالنتيجة أنّه لا مانع من جريان الاستصحاب في المجعول التبعي من الوضع ، ولكن لا تصل النوبة به في هذا القسم لوجود الأصل الحاكم هنا ، وهو عبارة عن استصحاب الحكم التكليفي الذي تنتزع عنه الجزئية ، والشرطية ، والمانعية ،

٢٦٢

والقاطعية.

خلاصة الكلام : انّ شكّنا في الأحكام الوضعية التبعية سببي ومسببي والاستصحاب انّما يجري في السبب دون المسبّب فلا يصحّ استصحاب المسبب لأنّ الاستصحاب الجاري في سببه وهو نفس الحكم حاكم عليه كما سيأتي هذا في الأصل السببي والمسببي إن شاء الله تعالى ، مثلا : إذا شككنا في جزئية السورة بعد الفاتحة للصلاة المأمور بها فهذا الشك مسبّب عن الشك في تعلّق الأمر بالصلاة مع السورة ، أو بدونها وفي وجوبها معها ، أو بدونها فإذا أجرينا الاستصحاب ، أي استصحاب عدم وجوب السورة ، إذ قبل وجوب الصلاة لم تكن السورة واجبة قطعا وبعد وجوبها نشك في وجوبها ، أي وجوب السورة فنجري استصحاب عدم وجوبها ، وكذا استصحاب عدم جزئيتها حرفا بحرف ، فهذا الاستصحاب الجاري في السبب يرفع الشك الذي كان في تعلّق الأمر بها وفي وجوبها. ومن الواضح أنّه مع جريان الأصل الحاكم لا يجري الأصل المحكوم.

قوله : فافهم ...

وهو إشارة إلى أنّه يمكن أن يستشكل في جريان الاستصحاب في الامور الاعتبارية المحضة مثل القسم الثاني من الوضع لأنّها لما كانت اعتبارية محضة امتنع أن تكون ذوات الآثار ، فالآثار في الحقيقة ثابتة لمنشا الانتزاع لأنّه أمر حقيقي واقعي موضوع للمصلحة والمفسدة وغيرهما من علل الأحكام. فمنشأ الآثار من المثوبة والعقوبة والقرب بساحة المولى والبعد عن محضره هو السورة بعنوان أنّها جزء للمأمور به لا جزئيتها من حيث هي هي وكذا أخواتها من الشرطية والمانعية والقاطعية حرفا بحرف.

٢٦٣

تنبيهات الاستصحاب

قوله : ثمّ ان هاهنا تنبيهات : الأوّل أنّه يعتبر في الاستصحاب ...

لمّا فرغ المصنّف قدس‌سره من الاستدلال بالأخبار على حجّية الاستصحاب مطلقا شرع في تنبيهات الاستصحاب وشروطه فقال يعتبر في جريان الاستصحاب كون اليقين والشك فعليين ولا يكفي الوجود التقديري لهما.

وتوضيح التنبيه الأوّل : انّ المكلّف إذا تيقّن الحدث في زمان معيّن ثم غفل وصلّى ، فهنا صورتان :

الاولى : أن يعلم المكلف بعدم حصول الطهارة له ولا إشكال في بطلانها بطلان الصلاة حينئذ.

الثانية : أن يحتمل حصول الطهارة له ، وهذه الصورة على نحوين :

الأوّل : أن لا يحدث له الشك في الطهارة إلّا بعد الفراغ من الصلاة بأن تستمر غفلته عن الطهارة إلى أن يفرغ من الصلاة ثم يشك بعدها أنّه تطهر قبل الصلاة ، أم لا ، والحكم فيه الصحّة لأنّ الشك التقديري لما لم يكن موضوعا للاستصحاب لم يكن المصلّى محكوما بالحدث الاستصحابي إلى ما بعد الفراغ فتصحّ صلاته ، امّا بعد الفراغ فلا مجال لاستصحاب الحدث حال الصلاة وإن حصل له الشك الفعلي لحكومة قاعدة الفراغ على الاستصحاب.

الثاني : أن يحدث له الشك في الطهارة قبل الصلاة ، ثم يغفل فيصلّي فيتجدّد له الشك بعد الفراغ ، وهذا أيضا على نحوين :

الأوّل : أن يحتمل أن يكون قد تطهّر بعد الشك والحكم فيه الصحة أيضا ، ليس الشك بأصعب حكما من اليقين وقد عرفت في النحو الأوّل أن حكمه هو الصحّة.

الثاني : أن لا يحتمل الطهارة بعد الشك ، بل يحتمل الطهارة قبل الشك الأوّل

٢٦٤

فيكون شكّه المتجدّد بعد الفراغ وهو الشك الأوّل بعينه ؛ والحكم فيه هو البطلان لأنّ الشك لما حدث قبل الصلاة كان محكوما في زمان حدوثه بأنّه محدث فتكون صلاته بالحدث الاستصحابي فتبطل كما لو كان المكلّف حال الصلاة بالحدث الواقعي ولا مجال لقاعدة الشك بعد الفراغ لأنّ موردها حدوث الشك بعد الفراغ فلا تشمل صورة حدوثه قبل الفراغ ومثله لو شك قبل الصلاة وبقي شاكّا إلى ما بعد الفراغ.

وفي ضوء هذا لا فرق في جريان الاستصحاب بين أن يكون المتيقّن سابقا والمشكوك فيه فعليا كما إذا علمنا بعدالة زيد سابقا ولكن شككنا في بقائها فعلا. أو يكون المتيقّن فعليا والمشكوك فيه استقباليا كما إذا علمنا بعدالة زيد الآن وشككنا في بقائها إلى اليوم الآتي مثلا ويسمّى بالاستصحاب الاستقبالي ومورد بعض أدلّة الاستصحاب وإن كان هو القسم الأوّل بالخصوص كما في قوله عليه‌السلام : لأنّك كنت على يقين من طهارتك ، إلّا أن عموم التعليل في بعضها يقتضي عدم الفرق بين القسمين ، إذ قوله عليه‌السلام : ان اليقين لا ينقض بالشك ، يدل على ان ملاك الاستصحاب هو عدم جواز نقض اليقين بالشك ، بلا فرق بين كون المتيقّن فعليا والمشكوك فيه استقباليا.

نعم ، لا بدّ في جريان الاستصحاب الاستقبالي من الثمرة الفعلية ، ففي مثال العلم بعدالة زيد بن أرقم الآن مع الشك في بقائها إلى اليوم الآتي لا مجال لجريان الاستصحاب لعدم ترتّب ثمرة فعلية على عدالته في اليوم الآتي مع عدالته الآن يقينا ، فجريان الاستصحاب الاستقبالي مختص بموارد الثمرة الفعلية.

فالنتيجة أنّه يشترط في الاستصحاب أن يكون اليقين والشك فعليين.

وعلى هذا إذا غفل المكلّف عن يقينه السابق ، والحال انّه ليس بشاك فعلا فلا يجري في حقّه الاستصحاب لعدم تمامية أركانه ، إذ لا يتحقق الشك الفعلي حال الغفلة.

٢٦٥

ولكن لو فرض أنّه يشك في الطهارة إذا التفت إلى حالته السابقة لأنّ الاستصحاب وظيفة الشاك فعلا لا الغافل ، ولا ريب في أنّه مع الغفلة لا يتحقّق الشك أصلا والشك التقديري الذي هو منوط بالالتفات ليس بمصحّح للاستصحاب في الغافل لأنّ الإنسان الغافل ليس له شك بالفعل ولا يقين سابقا كي يتم اركان الاستصحاب ثم يجري في حقّه ، فللإنسان الغافل ليس اليقين ولا الظن ولا الشك بشيء بموجود أصلا.

والتفصيل فلو أحدث المكلّف ثم غفل عنه ودخل في الصلاة وفعلها وشك في الطهارة بعد الفراغ فيحكم بصحّة صلاته لقاعدة الفراغ ولأنّه لم يكن بشاك في تحصيل الطهارة قبل الدخول في الصلاة.

والحال انّه غافل في أثناء الصلاة فلا محل للاستصحاب الحدثي والحال قد حصل له الشك بعد فعل الصلاة فتجري قاعدة الفراغ ، وهي تقتضي صحّة صلاته بخلاف ما إذا كان ملتفتا بكونه محدثا قبل الصلاة وشك في الطهارة ثم غفل عدّ حدثه وصلّى فيحكم بفساد صلاته ، إذ استصحاب بقاء الحدث بعد الشك في تحصيل الطهارة يكلف المكلف بتحصيل الطهارة فلا جرم يكون هذا الاستصحاب المذكور مقتضيا لفسادها وإن لم يحصل له اليقين بعدم تحصيل الطهارة فليس في هذا الفرض مجرى لقاعدة الفراغ.

ولا يخفى أنّ الحكم ببطلان الصلاة في الفرض الثاني مشروط بحصول اليقين بعدم الطهارة بعد الشك الذي يعرض المكلف بعد الصلاة لكونه محدثا قبل الصلاة بحكم الاستصحاب ، هذا مع القطع بعدم رفع حدثه الاستصحابي.

فإن قيل : أيّ فرق بين الفرض الأوّل ، وبين الفرض الثاني كي يحكم بصحّة الصلاة في الأوّل وبفسادها في الثاني. والحال انّ المكلّف محدث في الصورتين.

غاية الأمر انّه غافل قبل الصلاة وفي أثنائها عن حدثه في الأوّل وهو ملتفت

٢٦٦

قبلها بحدثه وشك في الطهارة والوضوء ثم غفل عن كونه محدثا بحكم الاستصحاب وصلّى.

قلنا : ان الفرق بينهما ظاهر لأنّ المكلّف قبل الصلاة صار بحكم الاستصحاب مع هذا الشك الفعلي محدثا فقد فعل الصلاة حال كونه محدثا بحكم الاستصحاب ومع جريان الاستصحاب تبطل صلاته لعدم جريان قاعدة الفراغ هنا وبدون الشك الفعلي قبل فعل الصلاة تصحّ الصلاة لجريان قاعدة الفراغ في هذا المقام بلا إشكال. لأنّ المانع عنه هو الاستصحاب قبل الصلاة.

ومن الواضح عدم جريانه في صورة عدم تحقق الشك الفعلي ، هذا معيار الفرق بين الصورتين.

ولا يخفى عليك ان قاعدة الفراغ تتقدّم على الاستصحاب من باب تقدّم الدليل الحاكم على الدليل المحكوم.

فالنتيجة أنّه في كل مورد يجري الاستصحاب لا تجري فيه قاعدة الفراغ وفي كل مورد تجري فيه القاعدة المذكورة لا يجري فيه الاستصحاب فالأوّل في الثاني والثاني في الأوّل على طريق اللفّ والنشر المشوش.

قوله : لا يقال نعم ولكن استصحاب الحدث في حال الصلاة ...

فاستشكل المستشكل على صحّة الصلاة في الفرض الأوّل بأن استصحاب الحدث قبل الصلاة وإن لم يكن جاريا لأجل عدم تحقّق الشك الفعلي ولكن هو يجري بعدها لتحقّق الشك الفعلي بعدها فيتم أركان الاستصحاب وهي اليقين السابق والشك الفعلي اللاحق وهو يقتضي بطلانها ، إذ مقتضاه كونه محدثا قبل الصلاة وفي أثنائها.

وعليه فلا فرق بين الصورتين من هذه الناحية أصلا ، أي في بطلان الصلاة

٢٦٧

وفي عدم جريان قاعدة الفراغ فلا يصح التفكيك بينهما.

قلنا : ان المانع عن بطلانها في صورة تحقّق الالتفات قبل الصلاة هو جريان قاعدة الفراغ وهي مقتضية لصحّة الصلاة وهي مقدّمة على اصالة فسادها وهي مقتضى استصحاب الحدث وتقدّمها عليه من باب حكومتها عليه ، كما سيأتي هذا المطلب إن شاء الله تعالى.

والمقصود من أصالة الفساد استصحاب الفساد كما ان المنظور من الفساد سبب الفساد وهو عبارة عن عدم التطهير.

قوله : الثاني أنّه هل يكفي في صحّة الاستصحاب الشك في بقاء شيء على تقدير ثبوته ...

اعلم انّه إذا قامت الامارة ، كخبر العدل على ثبوت حكم من الأحكام في زمان فلا إشكال في أنّ مقتضى دليل الحجّية وجوب العمل على طبق ذلك الحكم في ذلك الزمان ولو شك في الحكم فيما بعده من الأزمنة فان كان مفاد الامارة ثبوت الحكم في الزمان الأخير أيضا كانت هي المرجع ، وإن لم تكن دالّة على الثبوت المذكور بأن لا تكون متعرّضة إلّا لمجرّد الثبوت فلم تكن هي المرجع ضرورة ، وفي جواز الرجوع حينئذ إلى الاستصحاب ليثبت به بقاء الحكم إشكال لعدم اقتضاء الامارة اليقين بثبوت مؤداها حتى يكون الشك في بقائه ، بل انّما تقتضي احتمال ثبوت مؤداها فلا يقين بالثبوت ولا شك في البقاء فلا مجال للاستصحاب لاختلال ركنيه معا فلا ينبغي الإشكال في أن مقتضى أدلّة الاستصحاب هو اعتبار اليقين والشك الفعلي.

وعليه فهل يكفي في صحّة الاستصحاب ثبوت التقديري بحيث لو ثبت شيء في الماضي لشككنا في بقائه في الحال وان لم يحرز ثبوته لنا بالفعل ، وجهان ؛ فلو كفى هذا الثبوت لجرى الاستصحاب وتترتّب على المستصحب الآثار الشرعية

٢٦٨

والآثار العقلية ، أم لا يكفي هذا المقدار من الثبوت لأنّ الثبوت إذا لم يكن محرزا لنا فلا يقين لنا سابقا بوجود الشيء وثبوته ، والحال انّه أحد أركان الاستصحاب فيكون تحقّقه أمرا ضروريا ، بل يمكن أن يقال : ان الشك لا يكون بموجود ، إذ تحقّقه متفرّع على الثبوت والثبوت في الماضي منتف فيكون الشك منتفيا أيضا قهرا ، إذ تحقق الشك متفرّع على عدم الثبوت واقعا وثبوته واقعا.

فالنتيجة انّه لا محل للاستصحاب إذا فقد اليقين والشك معا ، كما انّه لا صلاة إذا فقد الركوع ، أو السجدتان معا للاختلال بالركن فلا يكفي الاستصحاب التقديري هذا وجه الأوّل.

الاحتمال الثاني : ان اشتراط اليقين السابق في الاستصحاب انّما يكون لإمكان التنزيل الشرعي ، أي لتنزيل المشكوك منزلة المتيقن وهذا مبتن على تحقّق المتيقّن وتحقّقه متفرّع على تحقّق اليقين من دون النظر إلى الحدوث فالتنزيل انّما يكون في البقاء لا في الحدوث فالتعبّد انّما يكون في مرحلة البقاء فقط دون الثبوت لأنّ أدلّة الاستصحاب تجعل الملازمة بين ثبوت شيء وبين بقائه وإن لم يحرز الثبوت وجدانا ولا تعبّدا ، إذ صدق القضايا الشرطية لا يتوقّف على صدق الطرفين أي المقدّم والتالي نحو : لو كان لله تعالى ولد فأنا أوّل العابدين ، ولو قلنا لله تعالى ولد أنا أوّل العابدين فلا ريب في كذب الطرفين.

وعليه إذا ثبت الملازمة بينهما ، والحال أنّه أحرز بقاء الشيء بالاستصحاب ، والامارة قائمة على ثبوته فيكون نفس الامارة حجّة على الثبوت فهي حجّة على البقاء لأنّ الدليل إذا قام على ثبوت أحد المتلازمين فهذا دليل على المتلازم الآخر كما إذا قامت الامارة على نجاسة شيء كالعصير العنبي مثلا ، فهي تدل على نجاسة ملاقيه قطعا ، إذ نجاسة شيء ونجاسة ملاقيه متلازمان.

غاية الأمر انّ الملازمة فيما نحن فيه تعبّدية ، والملازمة بين طلوع الشمس

٢٦٩

ووجود النهار وجدانية عقلية إذا قام الدليل الشرعي على الطلوع.

قوله : فيما رتّب عليه أثر شرعا ، أو عقلا ...

الأوّل : في استصحاب الموضوع كاستصحاب عدالة زيد مثلا ، والثاني : في استصحاب الحكم لأنّه يترتّب في استصحاب الموضوع حكم شرعي كترتّب جواز الائتمام ونفاذ قضائه وقبول شهادته على عدالة زيد مثلا كما يترتّب على استصحاب الحكم حكم عقلي ، مثلا : إذا استصحبنا وجوب شيء فيحكم العقل بوجوب مقدّمته نحو استصحاب وجوب الحج على زيد المستطيع. إذا زالت استطاعته فيجب قطع المسافة عقلا.

وفرّع الشيخ الأنصاري قدس‌سره على اعتبار اليقين والشك الفعلي في جريان الاستصحاب فرعين وتبعه صاحب الكفاية رحمه‌الله :

الفرع الأوّل : انّه إذا كان شخص محدثا وغفل وصلّى ثم شك في أنّه تطهّر قبل الصلاة ، أم لا ، فيجري استصحاب الحدث بالنسبة إلى الأعمال الآتية ، وامّا بالنسبة إلى الصلاة التي فعل بها فلا يجري استصحاب الحدث في حقّه لأنّه كان غافلا قبل الصلاة ولم يكن له الشك الفعلي حتّى تكون صلاته واقعة مع الحدث الاستصحابي وبعد الصلاة وإن كان الشك موجودا إلّا أن قاعدة الفراغ حاكمة على الاستصحاب أو مخصّصة له على ما يأتي بحثه في آخر بحث التنبيهات إن شاء الله تعالى.

فالنتيجة يحكم بعدم وجوب الإعادة على هذا الشخص المذكور.

الفرع الثاني : أنّه إذا التفت قبل الصلاة ثم غفل وصلّى فتكون صلاته باطلة لتحقّق الشك الفعلي قبل الصلاة فقد وقعت مع الحدث الاستصحابي ، والتكرار انّما يكون لزيادة التوضيح من باب كلّما كرّر قرّر. فإذا لم يؤخذ اليقين في أدلّة الاستصحاب موضوعا بل انّما أخذ طريقا إلى الثبوت حتّى يترتّب عليه الشك في البقاء الذي هو مورد التعبّد الشرعي.

٢٧٠

وفي ضوء هذا فدليل الاستصحاب يدل على جعل الملازمة بين الثبوت الواقعي والبقاء ، ولكن قد عبّر عن الثبوت باليقين مع عدم دخله في الحكم بالبقاء من أجل كونه أكمل الطرق المحرزة للثبوت.

وعليه فلا مانع من جريان الاستصحاب في البقاء على تقدير الثبوت ، وبسببه ـ أي بسبب هذا الوجه الثاني ـ يمكن أن يدفع ما في استصحاب الأحكام الشرعية التي قامت الامارة المعتبرة على مجرّد ثبوتها ، وقد شك في بقائها على تقدير ثبوتها من الاشكال.

امّا تقرير الإشكال فيقال : ان الامارات المعتبرة إذا قامت على ثبوت الأحكام الشرعية من غير تعرّض لاستمرارها وبقائها.

وعليه إذا شككنا في بقائها فلا يجري الاستصحاب في هذه الموارد ، إذ ليس اليقين بحكم الواقعي. والحال انّه ليس في مورد الامارة حكم فعلي آخر بحيث يحصل القطع واليقين بعد قيام الامارة عليه بناء على ما هو التحقيق عند المصنّف قدس‌سره من أن اقتضاء الحجّية ، أي حجّية الامارة ليس إلّا تنجّز التكليف فعلا ، أو تركا مع الاصابة ، والعذر مع الخطأ ، كما أنّ كل واحد من التنجّز والعذر يكون مقتضى حجّة معتبرة عقلا كالقطع والظن في حال الانسداد بناء على الحكومة لا الكشف وليس مقتضاها بانشاء أحكام شرعية ظاهرية على طبقها.

وعلى هذا فقيام الامارات المعتبرة على تنجّس الثوب أوّل الصبح مثلا ، ولكن شككنا أوّل الظهر مثلا في بقاء نجاسته فهل يجري الاستصحاب في هذا المورد لا؟ ويقال : انّه لا يجري قطعا لأنّ قيام الامارات لا يوجب اليقين بمؤداها فلا جرم يختل أحد ركني الاستصحاب وهو اليقين السابق بل يختل ركن آخر وهو الشك اللاحق الذي يكون متعلّقه بقاء واستمرار الحالة السابقة ، إذ ليس رسم ولا عين بموجود للحالة السابقة المتيقّنة حين قيام الامارات المعتبرة على ثبوت الاحكام.

٢٧١

وقد دفع المصنّف قدس‌سره بأن بعد قيام الامارة على ثبوت حكم من الأحكام نحن نحكم بكون مدلولها حكما واقعيا ، إذ نحتمل مصادفة الامارة بالواقع فيكون مفادها حكما واقعيا وصار حكما فعليا ، فنحكم بحكم الاستصحاب ببقائه على تقدير ثبوته فالامارة إذا قامت على ثبوته فهو واجب العمل بحكم الامارة سابقا فهو يكون واجب العمل لاحقا بحكم الاستصحاب ، وفي ظرف الشك فهو محكوم بالبقاء بسبب الاستصحاب. فتكون الحجّة على ثبوت الحكم حجّة على بقائه تعبّدا لأجل الملازمة بين بقاء الحكم وبين ثبوته واقعا.

وانّما قال المصنّف قدس‌سره : والظن في حال الانسداد على الحكومة لأنّ الظن في حال انفتاح باب العلم ليس بحجة ، وامّا الظن في حال الانسداد بناء على الكشف فهو حجّة حال كونه كاشفا عن جعل الشارع المقدّس إيّاه دليلا على الحكم الواقعي فليست حجّيته على مبنى الكشف بمحض المنجزية والمعذرية مع قطع النظر عن الحكم الواقعي ، وهذا ظاهر.

وبالجملة ؛ وجود الحكم الواقعي المحتمل مثل الحكم الواقعي المتيقّن في صحّة جريان الاستصحاب.

قوله : إن قلت كيف وقد أخذ اليقين بالشيء ...

كيف يمكن أن نحكم بالاستصحاب ببقاء حكم الواقعي المحتمل الذي هو مفاد الامارة والحال أنّه قد أخذ في اخبار الاستصحاب اليقين بالموضوع ، أو الحكم فلا يشمل الحكم بالبقاء هذا المورد لعدم اليقين.

قوله : قلت نعم ولكن الظاهر أنّه أخذ كشفا عنه ...

سلّمنا أخذ اليقين في اخبار الاستصحاب ولكن الظاهر أن اليقين في أخبار الاستصحاب لم يؤخذ موضوعا ، بل أخذ كشفا عن متعلّقه ومرآتا لثبوته ليمكن

٢٧٢

التعبّد في بقائه.

ومن الواضح ان التعبّد بشيء مع ثبوته بحجّة سواء كانت يقينية ، أم غير يقينية انّما يكون في مرحلة البقاء دون الثبوت.

وبعبارة اخرى وهي أن أخذ اليقين في اخبار الاستصحاب انّما يؤخذ بعنوان كاشفيته عن ثبوت المتيقّن حتّى يمكن التعبّد في البقاء فالتعبّد مع فرض الثبوت انّما يكون في البقاء فقط ، وهذا معنى الاستصحاب.

قوله : فافهم ...

وهو إشارة إلى أنّ المصنّف قدس‌سره قد أنكر في بحث القطع قيام الطرق والامارات مقام القطع المأخوذ موضوعا بما هو كاشف كما انّها لا تقوم مقام القطع المأخوذ موضوعا بما هو صفة.

وعليه فكيف يلتزم المصنّف قدس‌سره هاهنا بقيامها مقام القطع المأخوذ موضوعا بما هو كاشف وكيف يتخلّص بذلك عن الإشكال الوارد عليه؟

امّا بيان الإشكال الوارد على المصنّف قدس‌سره فهو أنّ اعتبار اليقين بالثبوت في الاستصحاب من البدهي لا يقبل الانكار. وامّا إذا قامت الامارة المعتبرة على ثبوت شيء أوّل النهار ثم شككنا أوّل الظهر ببقائه ، والمصنّف قدس‌سره ذهب إلى جريان الاستصحاب في هذا المورد والحال أنّه ليس اليقين السابق بالثبوت عند قيام الامارة بموجود والمصنّف قدس‌سره قال بقيام الحجّة المعتبرة مقام اليقين ، فكما إذا أحرز الشيء باليقين الوجداني وإذا شك في بقائه يبنى على بقائه ، فكذلك إذا أحرز بالحجّة المعتبرة إذا شك في بقائه يبنى على بقائه. وبهذا المقال دفع الإشكال الوارد على نفسه ، والحال انّه ملتفت إلى عدم دفعه بهذا الكلام والمقال ولهذا أمر بالفهم بقوله : فافهم.

ولكن الانصاف ان اليقين المعتبر في الاستصحاب أعم من اليقين الوجداني

٢٧٣

واليقين التنزيلي ، فدليل الاستصحاب ناطق بأعلى صوته باعتبار اليقين في الاستصحاب ، ودليل اعتبار الامارة ينزل الامارة منزلة اليقين.

وعلى هذا فيكون دليل اعتبار الامارة حاكما على دليل الاستصحاب وموسعا لدائرته فكما يستصحب الأمر المحرز لنا باليقين الوجداني فكذا يستصحب الأمر المكشوف باليقين التنزيلي هذا واضح لا يحتاج إلى مزيد النقض والابرام.

أقسام الاستصحاب الكلّي

قوله : الثالث أنّه لا فرق في المتيقّن السابق ...

والمقصود من عقد هذا التنبيه بيان أقسام الاستصحاب الكلّي ، أي لا فرق في المتيقن السابق بين أن يكون هو خصوص الوجوب ، أو الحرمة ، أو الاستحباب ، أو الكراهة ، أو الاباحة ، أو الصحّة ، أو البطلان و ... أو الرجحان المشترك بين الوجوب والاستحباب ، أو الجواز المشترك بين الوجوب والاستحباب والاباحة والكراهة ، فالجواز يكون أمرا عامّا كليّا يشمل أربعة من الأحكام التكليفية.

القسم الأوّل من استصحاب الكلّي

قوله : فإن كان الشك في بقاء ذاك العام من جهة ...

القسم الأوّل ما إذا علمنا بتحقّق الكلّي في ضمن فرد معيّن ثم شككنا في بقاء هذا الفرد وارتفاعه فلا محالة نشك في بقاء الكلّي وارتفاعه أيضا ، فإذا كان الأثر للكلّي فيجري الاستصحاب فيه مثاله المعروف ؛ ما إذا علمنا بوجود زيد في الدار فنعلم بوجود الانسان فيها ثم شككنا في خروج زيد عنها فنشك في بقاء الإنسان

٢٧٤

فيها فلا إشكال في جريان الاستصحاب في بقائه إذا كان له أثر شرعي.

التوضيح للعبارة : وهو انّ الشك في بقاء العام إذا كان من جهة الشك في بقاء الخاص وارتفاعه ، ولا ريب في أن العام يتحقّق في ضمن الخاص كتحقّق الحيوان في ضمن الإنسان مثلا وكتحقّق الإنسان في ضمن زيد مثلا فاستصحاب هذا العام المشكوك البقاء والارتفاع يكون مثل استصحاب الخاص في عدم الاشكال لتمامية أركان الاستصحاب فيهما ، أي في الخاص والعام ، وامّا إذا كان الشك في بقاء العام وارتفاعه من جهة تردّد الخاص بين الخاص الذي يكون باقيا وبين الخاص الذي يكون مرتفعا قطعا فلا إشكال حينئذ أيضا في استصحاب الكلّي ويترتّب عليه جميع الاحكام واللوازم الفعلية والشرعية ؛ وليعلم ان المراد من اللازم العقلي هو ما يترتّب على المستصحب عقلا وذلك كوجوب الإطاعة المترتّب على وجوب صلاة الجمعة أو الظهر بعد استصحاب الوجوب الكلّي.

كما ان المراد من اللازم الشرعي هو ما يترتّب على المستصحب شرعا ، وذلك كوجوب المقدّمة بناء على القول بوجوبها شرعا أيضا كما انّها واجبة عقلا. وكذا حرمة الضد الخاص على القول باقتضاء الأمر بالشيء على نحو الايجاب حرمته ، وكذا حرمة المسّ المترتّب على استصحاب الحدث ، وهذه الامور من اللوازم الشرعية.

القسم الثاني من استصحاب الكلّي

قوله : وتردّد الخاص الذي يكون الكلّي موجودا في ضمنه ...

ويكون وجود الكلّي بعين وجود الخاص لأنّ وجود الكلّي الطبيعي في الخارج بعين وجود أشخاصه ولكن تردد الخاص بين متيقّن الارتفاع وبين مشكوك

٢٧٥

الحدوث غير ضائر باستصحاب الكلّي المتحقّق في ضمن الخاص.

هذا مضافا إلى أن تردّد الخاص غير مخل باليقين السابق والشك اللاحق بل هما يكونان مصونين من الخلل ، مثاله ؛ ما إذا علمنا بوجود الكلّي في ضمن فرد مردّد بين متيقّن البقاء وبين متيقّن الارتفاع ، كما إذا علمنا بوجود إنسان في الدار مع الشك في كونه زيدا ، أو عمروا مع العلم بأنّه لو كان زيدا لخرج عنها يقينا ولو كان عمروا لبقي يقينا فيجري الاستصحاب في هذا الفرض بل يجري فيما إذا كان الفرد مردّدا بين متيقّن الارتفاع ومحتمل البقاء هذا قسم الثاني.

ومثال القسم الثاني في الحكم الشرعي ما إذا رأينا رطوبة مشتبهة بين البول والمني فتوضأنا فنعلم انّه لو كان الحدث الموجود هو الاصغر فقد ارتفع بسبب الوضوء ، ولو كان هو الأكبر فقد بقى ، وكذا لو اغتسلنا في المثال فنعلم أنّه لو كان هو الاكبر فقد ارتفع بالغسل ، وان كان هو الاصغر لبقى لعدم ارتفاعه بالغسل فنجري الاستصحاب في الحدث الجامع بين الأكبر والأصغر ، أي نستصحب بقاء الحدث المطلق من غير تقييده بالأكبر ، أو الأصغر ونحكم بعد جريان الاستصحاب بترتّب أثر الحدث الكلّي كحرمة مسّ كتابة القرآن الكريم وعدم جواز الدخول في الصلاة ، وهذا هو القسم الثاني من استصحاب الكلّي.

قوله : وتردّد ذاك الخاص الذي يكون الكلّي موجودا في ضمنه ...

فإن قيل : كيف يستصحب الحيوان في مثال البق والفيل مع تردّد الفرد الذي كان الحيوان متحقّقا في ضمن ذاك الفرد بين ما هو متيقّن الارتفاع ـ وهو البق ـ وما هو مشكوك الحدوث من الأوّل وهو الفيل ، فإن كان الفرد بقّا فلا شك في عدم بقائه وإن كان فيلا فلا يقين بحدوثه من الأوّل والأصل يقتضي عدمه.

قلنا : انّ هذا الإشكال انّما يرد باستصحاب نفس البق ، أو الفيل لعدم اليقين السابق في شيء منهما بالخصوص ، بل ولا الشك اللاحق أيضا في شيء

٢٧٦

منهما المفروض أن الحيوان إن كان بقا فهو مقطوع الارتفاع ، وإن كان فيلا فهو مقطوع البقاء. وعليه فأين الشك اللاحق؟

وأمّا استصحاب القدر المشترك بينهما فلا يكون المانع عن استصحابه ، وذلك لتحقّق أركان الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق وبقاء الموضوع واتحاد القضيتين المتيقّنة والمشكوكة موضوعا ومحمولا ونحو ذلك من الامور المتقدّمة في صدر بحث الاستصحاب.

قوله : وانّما كان التردّد بين الفردين ضائرا ...

نعم انّما يكون التردّد بين الفردين ضائرا باستصحاب أحد الخاصين الذي كان أمره مردّدا بين مشكوك الحدوث ومتيقّن الارتفاع لاخلال هذا التردّد باليقين السابق الذي هو أحد ركني الاستصحاب كما لا يخفى.

وأمّا القسم الثالث فسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى قريبا.

قوله : نعم يجب رعاية التكاليف المعلومة إجمالا ...

قال المصنّف قدس‌سره : ان آثار كل واحد من الفردين لا تترتّب على كل واحد منهما في القسم الثاني من استصحاب الكلّي ولكن مع ذلك نلتزم بترتّب التكاليف التي قد علمت إجمالا على الفردين في المورد الذي يكون فيه التكليف في البين ، كما في مورد خروج بلل مشتبه بين البول والمني ، إذ خروجه حينئذ امّا يكون سببا لوجوب الوضوء ، وامّا يكون سببا لوجوب الغسل وخروجه موجب لحرمة المس وعدم جواز الدخول في الصلاة والطواف.

قوله : وتوهّم كون الشك في بقاء الكلّي الذي في ضمن ذاك المردّد ...

وتوهّم المتوهّم بأن الشك في بقاء الكلّي الذي هو ثابت في ضمن الفرد المردّد بين مشكوك الحدوث وبين متيقّن الارتفاع مسبّب عن الشك في حدوث الفرد الذي يكون مشكوك الحدوث.

٢٧٧

ومن الواضح أن حدوث هذا الفرد بتوسط اصالة عدم الحدوث محكوم بعدم الحدوث فلا يبقى حينئذ مجال للشك في بقاء الكلّي وعدم بقائه ، إذ مع جريان الأصل في ناحية السبب فلا تصل النوبة بالشك في جانب المسبّب لأنّه لا يبقى فيه أصلا ، وهذا ظاهر.

مثاله : خروج البلل المشتبه بين البول والمني والمراد من الفرد المشكوك الحدوث هو المني كما انّ المراد من الفرد المتيقّن الارتفاع هو البول ، إذ الفرض تحقّق الوضوء من المكلف بعد خروج البلل المذكور ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

قال المصنّف قدس‌سره : انّ هذا التوهّم فاسد قطعا من وجوه :

الأوّل : أن بقاء الحدث وارتفاعه لا يكونان من لوازم حدوث المني وعدم حدوثه كي يقتضي الأصل عدم حدوث المني وحتى يثبت ارتفاع الحدث بسبب التوضؤ بل هما يكونان من لوازم كون الحادث المعلوم بالاجمال هو ذاك المني المتيقّن بقائه قبل الاغتسال ، أو البول المتيقّن ارتفاعه بسبب الوضوء.

والحال أنّه ليس الأصل الذي يعيّن لنا حال الحادث المعلوم إجمالا انّه كان منيا ، أو بولا فيبقى الشك في بقاء الحدث وارتفاعه بعد التوضؤ بحاله فيجري الاستصحاب في بقاء الحدث ويحكم بكون هذا المكلف محدثا ويترتّب جميع الآثار الشرعية على المستصحب من حرمة المس واللبث في المساجد وعدم جواز الدخول في الصلاة والطواف ونحوها.

الثاني : ان بقاء القدر المشترك الكلّي انّما هو بعين بقاء الخاص الذي في ضمنه وليس بقاء القدر المشترك ـ وهو الحدث الكلّي ـ من لوازم الفرد الخاص كي يقال : ان الشك في بقاء الحدث الكلّي مسبّب عن الشك في حدوث الفرد الذي يكون محكوما بأصالة عدم الحدوث بعد الحدوث فليس الشك حينئذ في بقاء الحدث الكلي كما لا يخفى.

٢٧٨

الثالث : لو سلّمنا ان بقاء الحدث الكلّي يكون من اللوازم العقلية. والحال أنّه لا يترتّب بأصالة عدم الحدوث للفرد إلّا ما هو من لوازم المستصحب وأحكامه شرعا ، مثلا إذا استصحبنا حياة زيد الذي كان غائبا مدّة ثمانية سنوات مثلا ، ولم يعلم حياته ولا مماته فنجري الاستصحاب ونحكم ببقاء حياته ، فيترتّب على المستصحب الذي هو عبارة عن الحياة أحكامه الشرعية ، كعدم جواز تبعل زوجته ان كانت موجودة ووجوب الانفاق من ماله على عيالاته ان كانوا معسرين وعدم جواز قسمة الوراث أمواله بينهم ولا يترتّب عليه آثاره العقلية وتلك كيقظته ونومه وأكله وشربه وتحيّره في الامور ، ولا العادية كالانبات للحيته وسبيله مثلا.

القسم الثالث من استصحاب الكلّي

قوله : وامّا إذا كان الشك في بقائه من جهة الشك ...

لمّا فرغ المصنّف قدس‌سره عن بيان القسمين الأوّل والثاني من استصحاب الكلّي شرع في بيان القسم الثالث من استصحاب الكلّي وقال : انّه يكون الشك في بقاء الكلّي من جهة الشك في وجود فرد آخر بعد القطع واليقين بارتفاع الفرد الأوّل الذي كان الكلّي متحقّقا في ضمنه.

وهذا يتصوّر على نحوين :

الأوّل : أن يقع الشك في وجود فرد آخر مقارن لوجود الفرد الأوّل.

الثاني : أن يقع الشك في وجود فرد آخر مقارن لارتفاع الفرد الأوّل. مثاله كما إذا علم بوجود الحيوان في الدار في ضمن زيد ثم حصل القطع بخروج زيد عنها ولكن شك في وجود عمرو فيها مقارنا لوجود زيد في الدار ، أو مقارنا لخروجه عنها.

ثم انّ في جريان الاستصحاب في كلا القسمين ، أو عدم جريانه في شيء

٢٧٩

منهما ، أو التفصيل فيجري في الأوّل دون الثاني وجوه ؛ فاختار الشيخ الأنصاري قدس‌سره التفصيل ؛ واختار المصنّف قدس‌سره عدم جريان الاستصحاب في شيء منهما.

واستدلّ المصنّف على مدعاه بأنّ المقصود من الكلّي في المقام هي الحصّة من الكلّي المتحقّقة في ضمن الفرد. وهذه الحصّة عبارة عن الحصّة التي إذا انضمت إليها الخصوصيات الفردية لكانت فردا خارجيا.

ومن المعلوم ان الحصّة المتحقّقة في ضمن هذا الفرد هي غير الحصّة المتحقّقة في ضمن ذاك الفرد.

وعلى طبيعة الحال فما تيقنّا به من الحصّة في ضمن كلا القسمين من القسم الثالث ممّا لم يبق فعلا ، لأنّ المفروض ارتفاع الفرد الذي كان الكلّي متحقّقا في ضمنه ، وما نحتمله فعلا من الحصّة المتحقّقة في ضمن الفرد المقارن لوجود الفرد الأوّل ، أو المقارن لارتفاعه لم نتيقّن به في السابق فيخل هذا الاحتمال بأحد ركني الاستصحاب وهو اليقين السابق.

ومن هنا فقد انقدح ان وجود الكلّي الطبيعي متعدّد حسب تعدّد أفراده ، وجود الكلّي الطبيعي في ضمن فرد هو غير وجوده في ضمن فرد آخر فهو متعدّد حسب تعدّد أفراده كما لا يخفى.

قوله : بنفسه ، أو بملاكه كما إذا شك في الاستحباب بعد القطع ...

والمصنّف قدس‌سره قد أضاف إلى قسمي القسم الثالث من استصحاب الكلّي قسمين آخرين فصار هذا القسم أربعة أقسام :

الأوّل : أن يكون الشك في بقاء الكلّي من جهة الشك في وجود فرد آخر مقارنا لوجود الفرد الأوّل الذي كان الكلّي متحقّقا في ضمنه.

الثاني : أن يكون الشك في وجود الكلّي من جهة الشك في وجود فرد آخر مقارنا لارتفاع الفرد الأوّل الذي كان الكلّي متحقّقا في ضمنه وفي كل من هذين

٢٨٠