البداية في توضيح الكفاية - ج ٤

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات هماى دانش
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-94105-2-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٣٣٣

يكون لنفس اليقين دخل في الحكم أصلا كما إذا قال المولى : إذا أيقنت بالخمر فلا تشربه ، فإنّ اليقين هاهنا ممّا لا دخل له في حرمة الشرب أصلا لأنّه ليس تمام الموضوع ولا جزئه ، إذ الحكم الواقعي ـ وهو الحرمة ـ مترتّب على نفس الخمر من حيث هو خمر إلّا أن اليقين به طريق إليه يتنجّز حكمه على المكلّف بسببه.

نعم ، قد يؤخذ مفهوم اليقين في لسان الدليل ويكون هو دخيلا في الحكم شرعا ، امّا بنحو تمام الموضوع وامّا بنحو جزء الموضوع كما إذا قال المولى : إن تيقّنت بنجاسة ثوبك فلا تصلّ فيه ، فإنّ عدم جواز الصلاة فيه مترتّب على اليقين بالنجاسة بنفسه وبوصفه لا على نفس النجاسة الواقعية بما هي هي.

ومن هنا إذا صلّى المكلّف في ثوب متنجّس واقعا ، والحال انّه لم يعلم بالنجاسة ثم انكشف ان الثوب كان نجسا واقعا صحّت صلاته ولا تعاد في الوقت ولا في خارجه.

فاليقين يؤخذ في موضوع الحكم تارة طريقا محضا بلا دخل له في موضوع ذلك الحكم ، بل تمام الموضوع هو ذات المتيقّن.

واخرى : يؤخذ في موضوعه موضوعا تمامه ، أو جزئه ، فضمير حكمه وفيه راجع إلى الموضوع ، وضمير دخله راجع إلى اليقين. وكلمة (ما) في فيما عبارة عن الموضوع ، أي ربّما يؤخذ اليقين في موضوع يكون لليقين دخل في الموضوع ، أو يكون اليقين جزء الموضوع ، أو يكون اليقين تمام الموضوع ، أو يؤخذ اليقين في الموضوع حال كونه تمام الدخل فيه بأن يكون اليقين الاستقلالي تمام الموضوع.

قوله : فافهم ...

وهو إشارة إلى ظهور كون لفظ اليقين في الاستقلالي لقرينة الترادف ، أي لأجل جعله عدلا ورقيبا بالشك في الرواية الشريفة فجعل اليقين مرآة للمتيقن خلاف الظاهر لأنّ الشك الرقيب يلحظ في الاستصحاب استقلاليا فكذا اليقين ، أو

٢٠١

إشارة إلى أن الاستصحاب على نحوين :

الأوّل : هو استصحاب الحكمي ، وذلك كاستصحاب وجوب صلاة الجمعة في عصر غيبة ولي الله المنصور (روحي له الفداء وجسمي له الوقاء).

الثاني : كاستصحاب حياة زيد بن أرقم بعد غيبته في المدّة الطويلة هو استصحاب الموضوعي.

دفع توهم اختصاص الاستصحاب بالموضوعات

قوله : ثمّ انّه حيث كان كل من الحكم الشرعي وموضوعه مع الشك ...

قال المحقّق الخراساني قدس‌سره : قد علم ممّا ذكرنا جريان حرمة نقض اليقين بالشك بحسب البناء والعمل في الأحكام الشرعية ، وذلك كاستصحاب وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة ، وفي الموضوعات الخارجية نحو استصحاب حياة زيد مثلا.

غاية الأمر يكون معنى عدم النقض ومعنى ترتيب آثار اليقين على المشكوك في ظرف الشك ، أي جعل المشكوك في ظرف الشك متيقّنا في الأحكام الشرعية هو الالتزام بمثله ، أي بمثل الحكم السابق في ظرف اليقين ، وفي الموضوعات الخارجية ، وهو الالتزام بمماثلة السابق حال اليقين فيترتّب حكمه السابق حال اليقين عليه وحال الشك لأنّ الموضوع المشكوك قد جعل متيقّنا فذكر اليقين في لسان الرواية الشريفة ولكن اريد منه المتيقن مجازا في الشبهات الموضوعية والحكمية ويكون المراد عدم نقض آثار المتيقّن وحرمته حال الشك وهذا الاستعمال شائع في العرف ، أي استعمال العلم في آثار المعلوم واستعمال القطع في آثار المقطوع به فاستعمال اليقين في آثار المتيقّن شائع ذائع.

وعليه فعلم عدم اختصاص الرواية بالموضوعات الخارجية وبالشبهات

٢٠٢

الموضوعية التي يكون منشأ الشبهة والجهل فيها اشتباه أمور خارجية ، وذلك كاشتباه الخمر والخل في الخارج وكاشتباه الاناء النجس بالطاهر و ...

وان اختص مورد الرواية الشريفة بالشبهة الموضوعية لأنّ المكلّف يعلم الحكم بحيث إذا نام فوضوؤه باطل قطعا ، وهذا معلوم له ، ولكنّه لا يعلم ان النوم هل يصدق على الخفقة والخفقتين ، أم لا.

وعليه فإذا كانت الامارة على نومه بالخفقة ، أو الخفقتين كما إذا حرّك إنسان أو حيوان في جنبه وهو لا يعلم فقد علم أنّه نام ويدل على التعميم المذكور أمران :

الأوّل : اطلاق لفظ اليقين في الرواية الشريفة وهو يشمل مطلق الشبهات سواء كانت حكمية ، أم كانت موضوعية فاطلاقه يدل على حجّية الاستصحاب في الاحكام والموضوعات معا.

الثاني : ان في الرواية الشريفة يعلّل عدم نقض الوضوء بأمر ارتكازي عقلائي وبتطبيق الصغرى والكبرى على المورد ، فيكون لازم هذا النحو من الكبرى الوجداني الارتكازي ومقتضاه عموم بحيث كلّما تحقّق اليقين السابق والشك اللاحق فيحرم نقض اليقين بالشك.

هذا مضافا إلى أن المورد ليس بمخصص غالبا ، ولأجل هذا التعميم قد استدل بهذا الحديث الشريف في غير هذا المورد على حكم المورد.

قوله : فتأمّل ...

وهو إشارة إلى أن المورد في الجميع مختص بالموضوع فقط وبالشبهات الموضوعية كما لا يخفى على أحد.

٢٠٣

الاستدلال برواية اخرى لزرارة قدس‌سره

ومن الروايات التي قد استدل بها على حجّية الاستصحاب صحيحة اخرى لزرارة بن أعين رضى الله عنه قال : قلت له أصاب ثوبي دم رعاف ، أو غيره ، أو شيء من المني فعلّمت أثره إلى أن اصيب له الماء ، أي إلى أن أغسل ثوبي واطهّره فحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئا وصلّيت ثم انّي ذكرت بعد ذلك ، أي بعد فعل الصلاة ، قال عليه‌السلام : تعيد الصلاة وتغسله. قلت : فإن لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنّه قد أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلما صلّيت وجدته؟ قال عليه‌السلام : تغسله وتعيد. قلت : فإن ظننت أنّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أر شيئا فصلّيت فرأيت فيه؟ قال عليه‌السلام : تغسله ولا تعيد الصلاة. قلت : لم ذلك؟ قال عليه‌السلام : لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا. قلت : فانّي قد علمت أنّه قد أصابه ولم أدر أين هو فأغسله؟ قال عليه‌السلام : تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنّه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك. قلت : فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شيء أن انظر فيه؟ قال عليه‌السلام : لا ، ولكنّك انّما تريد أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك. قلت : إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة؟ قال عليه‌السلام : تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته وإن لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنّك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك (١).

هذه الصحيحة المضمرة ثابتة لزرارة بن أعين قدس‌سرهما قد رواها المحقّق الكاشاني قدس‌سره في الوافي في أبواب الطهارة من الخبث في باب التطهير من المني ، ورواها الحرّ العاملي قدس‌سره في الوسائل مقطعة في أبواب متفرّقة من أحكام

وعلي أيّ حال فالعمدة بيان فقراتها وهي تشتمل على ستّ فقرات ، بحيث

__________________

١ ـ التهذيب ج ١ ص ٣٢١ الباب ٢٢ ح ٨ ، الاستبصار ج ١ ص ١٨٣ الحديث ١٣.

٢٠٤

يكون كل فقرة منها مسألة مستقلّة برأسها :

الف) قال : قلت أصاب ثوبي دم رعاف ، أو غيره ، أو شيء من المني فعلّمت أثره إلى أن اصيب له الماء وحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئا وصلّيت ثم انّي ذكرت بعد ذلك قال عليه‌السلام : تعيد الصلاة وتغسله.

ب) قلت : فإن لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنّه قد أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلمّا صلّيت وجدته؟ قال عليه‌السلام : تغسله وتعيد.

ج) قلت : فإن ظننته أنّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صلّيت فيه فرأيت فيه؟ قال عليه‌السلام : تغسله ولا تعيد الصلاة ، قلت : لم ذلك قال عليه‌السلام : لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا.

د) قلت : فانّي قد علمت أنّه قد أصابه ولم أدر أين هو فأغسله؟ قال عليه‌السلام : تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنّها قد أصابها حتّى تكون على يقين من طهارتك أو من طهارته.

ه) قلت : فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شيء أن انظر فيه؟ قال عليه‌السلام : لا ، ولكنّك انّما تريد أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك.

ي) قلت : إنّي رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة؟ قال عليه‌السلام : تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته وإن لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنّك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك.

قوله : وقد ظهر ممّا ذكرنا في الصحيحة الاولى تقريب الاستدلال ...

ولا يخفى ان ما ذكرنا فيها عبارة عن الفقرة الثالثة والسادسة ، إذ قد علّل الإمام عليه‌السلام عدم وجوب إعادة الصلاة في الفقرة الثالثة والسادسة باندراج اليقين والشك في المورد تحت القضية الكلّية المرتكزة في أذهان العقلاء وهذا يكشف عن

٢٠٥

إمضاء الشارع المقدّس ، ورضائه بها كما أنّه قد علّل عليه‌السلام في الصحيحة الاولى عدم وجوب الوضوء باندراج اليقين والشك في المورد تحت القضية الكلّية المرتكزة في الأذهان وهي غير مختصة بباب دون باب وهذا يكشف عن رضا الشارع المقدّس بها وامضائه إيّاها.

فإن قيل : إنّ اللام الداخلة على اليقين للعهد الذكري وهي إشارة إلى اليقين بالطهارة لا للجنس كي يثبت بهذه الفقرة حجّية الاستصحاب في جميع الموارد والأبواب من غير اختصاص بباب دون باب.

قلنا : ان العهد الذكري ينافي التعليل بالقضية الكلّية المرتكزة في الاذهان وهي غير مختصة بباب دون باب ، هذا أوّلا.

وثانيا : أنّه لو كان اللام للعهد الذكري لكان التعليل بأمر تعبّدي وهو ركيك والركيك سخيف.

هذا مضافا إلى عدم سبق اليقين بالطهارة في الفقرة السادسة كي يدعى العهد الذكري فيها كما سبق في الفقرة الثالثة ، فدعوى العهد الذكري في الفقرتين الثالثة والسادسة معا ممّا لا وجه له قطعا ، كما لا يخفى. بل التقريب هنا أظهر من التقريب السابق ، لان ظهور الرواية في التعليل ممّا لا ينكر كيف وهو مدلول اللام في لأنّك كنت على يقين من طهارتك.

قوله : نعم دلالته في المورد الأوّل على الاستصحاب مبنى ...

ولا يخفى عليك ان في لفظ اليقين في قول الإمام عليه‌السلام في المورد الأوّل لانّك كنت على يقين من طهارتك فشككت احتمالين :

أحدهما : أن يكون المراد منه هو اليقين بطهارة الثوب من قبل ظن الاصابة أو لأنك كنت على يقين من طهارة ثوبك قبل أن تظن الاصابة ثم شككت وظننت أنّه

٢٠٦

قد أصابه شيء فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا.

وعلى هذا الاحتمال يكون المورد من الاستصحاب ، وهذا هو الظاهر من الحديث الشريف.

ثانيهما : أن يكون المراد منه هو اليقين بالطهارة الحاصلة بالنظر في الثوب والفحص بعد الظن الزائل بالرؤية بعد الصلاة ، أي برؤية النجاسة بعد الصلاة حيث يحتمل أن تكون هي النجاسة التي قد خفيت عليه حين نظر ولم ير شيئا ، ويحتمل أن تكون هي حادثة بعد الصلاة بحيث وقعت الصلاة في الثوب الطاهر. وعلى هذا الاحتمال يكون المورد من قاعدة اليقين لأن الشك قد تعلّق بأصل ما تعلق به اليقين لا ببقائه ، ولكن هذا خلاف ظاهر قوله : ثمّ صلّيت فيه فرأيت فيه ، فانّ ظاهره أنّه رأيت النجاسة التي قد خفيت عليّ حين نظرت فلم أر شيئا بحيث علم وقوع الصلاة في الثوب المتنجّس بلا إشكال. ولهذا أمر الإمام عليه‌السلام بتغسيل الثوب.

وبتقرير آخر ؛ وهو أنّ قوله عليه‌السلام : فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك مذكور في موردين من الصحيحة الثانية :

الأوّل : بعد الجواب عن السؤال الثالث.

والثاني : بعد الجواب عن السؤال الأخير ، إذ تشتمل هذه الصحيحة على سؤالات وهي ستّة ، كما لا يخفى.

وأمّا المورد الثاني فلا إشكال في دلالته على حجّية الاستصحاب.

وأمّا المورد الأوّل فقد استشكل في دلالته على حجّية الاستصحاب بأن الإمام عليه‌السلام علّل عدم وجوب إعادة الصلاة بعدم نقض اليقين بالشك مع أن الإعادة لو كانت واجبة لما كانت نقضا لليقين بالشك ، بل نقضا لليقين باليقين ، لأجل العلم بوقوع الصلاة في الثوب المتنجّس.

وعليه فانقدح ان هذا التعليل لا ينطبق على المورد ، إذ هو نقض اليقين بالشك

٢٠٧

لا نقض اليقين باليقين.

ولا يخفى أن هذا الكلام بمكان من العجب من قائله لأنّ قاعدة اليقين قوامها انّما يكون بأمرين :

الأوّل : اليقين السابق.

والثاني : الشك الساري ، بمعنى سريان الشك إلى ظرف المتيقّن كما علمنا يوم الجمعة بعدالة زيد بن أرقم مثلا يوم الخميس ، ثم شككنا في عدالته يوم الخميس لاحتمال كون علمنا السابق جهلا مركّبا ، وكلا الأمرين مفقود في المقام.

امّا الشك ففقدانه واضح لأنّ المفروض هو العلم بوقوع الصلاة مع النجاسة فليس هناك شك.

وامّا اليقين فإن كان المراد اليقين بطهارة الثوب قبل عروض الظن بالنجاسة فهو باق على حاله ولم يتبدّل بالشك فإنّ المكلف في فرض السؤال يعلم بطهارة ثوبه قبل عروض هذا الظن.

وإن كان المراد هو اليقين بعد الظن المذكور بأن كان قد ظن بالنجاسة فقد نظر وفحص ولم يجدها فقد تيقّن بالطهارة. ولا ريب في أن هذا اليقين غير مذكور في الحديث الشريف ، ومجرّد النظر وعدم الوجدان لا يدلّان على أنّه تيقن بالطهارة.

وفي ضوء هذا فهذه الصحيحة أجنبية عن قاعدة اليقين وظاهرة في الاستصحاب كما لا يخفى ، ويمكن أن يقال في وجه التطبيق ان شرط الصلاة احراز الطهارة لا الطهارة الواقعية. ومقتضى احراز الطهارة بالاستصحاب عدم وجوب الإعادة ولو انكشف بعد الصلاة وقوعها مع النجاسة. ولكن لا يخفى أن عدم فهم التطبيق على المورد غير قادح في الاستدلال بها.

قوله : ثم أنّه أشكل على الرواية بأن الإعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة ...

ولا يخفى أن ظاهر قول الراوي : ثمّ صلّيت فيه فرأيت فيه أنّه قد رأى النجاسة

٢٠٨

التي قد خفيت عليه حين نظر فلم ير شيئا بحيث علم وقوع الصلاة في الثوب المتنجّس.

وعليه فإعادة الصلاة حينئذ بعد انكشاف وقوعها في النجاسة ليس نقضا لليقين بالطهارة بالشك بل باليقين بالنجاسة فتعليله عليه‌السلام عدم إعادة الصلاة باستصحاب الطهارة حين الصلاة حيث قال عليه‌السلام : تغسله ولا تعيد الصلاة ، قلت : لم ذلك؟ قال عليه‌السلام : لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا ممّا لا يكاد يصح ، أي عدم إعادة الصلاة بعد انكشاف وقوعها في النجاسة بالاستصحاب وبعدم نقض اليقين بالشك غير صحيح. نعم انّما يصحّ هذا التعليل لجواز الدخول في الصلاة.

فإذا سئل أنّه كيف جاز له الدخول في الصلاة والحال أنّه ظان بالنجاسة بنجاسة ثوبه فيعلّل الجواز بأنّه كان له استصحاب الطهارة فقد جاز له الدخول فيها حينئذ لتمامية أركان الاستصحاب وهي عبارة عن اليقين السابق والشك اللاحق ، هذا أوّلا.

وثانيا : لأنّ عدم جواز الدخول نقض لليقين بالشك فحرمة النقض تقتضي جواز الدخول في الصلاة.

قوله : ولا يكاد يمكن التفصّي عن هذا الإشكال إلّا بأن يقال ان الشرط ...

قال المصنّف قدس‌سره : انّه لا يمكن التفصّي عن الإشكال الوارد على الاستدلال بهذه الصحيحة إلّا بأن يقال : ان شرط الصلاة فعلا ، أي شرط الفعلي حين التفات المكلّف بالطهارة بحيث لا يكون غافلا عن الطهارة هو احراز الطهارة سواء كان احرازها بالأصل ، أي بالاستصحاب ، أو بقاعدة الطهارة لا الطهارة الواقعية.

وعليه إذا شك المكلّف في بقاء الطهارة المتيقّنة في ابتداء الصلاة ولا ريب في أن مقتضى استصحاب بقائها حين الشك في بقائها احرازها ، ولهذا دخل في الصلاة

٢٠٩

ولا يلزم عليه إعادة الطهارة وان كشف له وقوع الصلاة بتمامها في الثوب المتنجس فمقتضى احراز الطهارة بالاستصحاب من قبل الصلاة وحصول الشرط للصلاة هو عدم إعادتها بعدا ولو انكشف وقوعها في الثوب المتنجّس بتمامها فيطابق التعليل حينئذ مع السؤال.

ثم انّ الظاهر من قول المصنّف قدس‌سره حين الالتفات أن المكلف لو صلّى في الثوب المتنجّس غافلا لصحّت صلاته ، ولو كان الشرط احراز الطهارة مطلقا لكان اللازم هو البطلان لانّه لا احراز للطهارة حال الغفلة.

وعلى طبيعة الحال إذا كان الشرط لصحّة الصلاة احراز الطهارة كان عدم وجوب إعادة الصلاة في مورد السؤال في الرواية من آثار ثبوت الاستصحاب وحرمة نقض اليقين بالشك لأنّ المكلّف بالاستصحاب يحرز الطهارة ، أي طهارة الثوب فيتحقّق الشرط حينئذ وتصح الصلاة المشروطة بها ، فيصح تعليل صحّة الصلاة وعدم وجوب الإعادة بعدم جواز نقض اليقين بالشك.

كما ان إعادتها بعد الكشف تكشف عن جواز نقض اليقين بالشك وعن عدم حجّية الاستصحاب حال الصلاة فيصح حينئذ للإمام عليه‌السلام أن يجعل علّة عدم الإعادة للصلاة نقض اليقين بالشك وهو لا يجوز.

فإن قيل : هل الثمرة موجودة بين كون الشرط طهارة واقعية وبين كون الشرط احراز الطهارة بالاستصحاب ، أو باصالة الطهارة؟

قلنا : ان الثمرة بينهما تظهر في وجوب الإعادة وعدم وجوبها بعد كشف وقوع الصلاة في الثوب المتنجّس فعلى الأوّل تجب الإعادة وعلى الثاني لا تجب ، أي الشرط الذي هو عبارة عن احراز الطهارة حاصل قبل الشروع في الصلاة وفي أثنائها بوسيلة الاستصحاب.

فإن قيل : إذا كان احراز الطهارة بوسيلة الاستصحاب ، أو القاعدة ، أو اخبار ذي

٢١٠

اليد ، أو البيّنة كافيا في صحّة الصلاة فلم يتوقف عدم وجوب الاعادة على حرمة نقض اليقين بالشك ، بل يكفي فيه قاعدة الطهارة.

قلنا : ان قاعدة الطهارة لا تجري في مورد يجري فيه الاستصحاب كما سيأتي هذا المطلب إن شاء الله تعالى.

وعليه فمهما كان الاستصحاب جاريا لكان هو المستند في صحّة الصلاة لا غيره من قاعدة الطهارة كما لا يخفى.

قوله : فتأمّل جيّدا ...

وهو تدقيقي بقرينة تقييده بكلمة الجيّد ، كما مرّ هذا مرارا.

قوله : لا يقال لا مجال حينئذ لاستصحاب الطهارة ...

إذا كان شرط صحّة الصلاة والطواف احراز الطهارة لا نفس الطهارة الواقعية فقد امتنع جريان الاستصحاب لإثبات الطهارة ، إذ لا بدّ أن يكون المستصحب (بالفتح) حكما شرعيا ، وذلك كالوجوب والحرمة ، أو موضوعا لحكم شرعي كالعدالة والاجتهاد مثلا ، إذ يترتّب على الأوّل جواز الاقتداء مثلا ، وعلى الثاني جواز التقليد. والطهارة ليست بواحدة منهما ، امّا الأوّل فواضح لأنّ الفرض كون الشرط احراز الطهارة لا نفس الطهارة واحرازها ليس بحكم تكليفي ولا وضعي.

وامّا الثاني فلأنّه المفروض ، إذ لا يترتّب عليها وجوب الإعادة. وإذا امتنع جريان الاستصحاب لاثباتها لم يتحقق احراز الطهارة الذي هو الشرط على الفرض فاللازم بطلان الصلاة ولزوم الاعادة.

وفي ضوء هذا فيشكل تعليل عدم الإعادة بالاستصحاب في الرواية الشريفة. ولا يخفى أن هذا الاشكال يتوقّف على عدم أثر شرعي للطهارة غير شرطيتها للصلاة والطواف ، وإلّا كفى ثبوتها في جريان الاستصحاب ، ويتم تعليل عدم وجوب الإعادة بعد كشف وقوع الصلاة في الثوب المتنجّس بحرمة نقض اليقين بالشك.

٢١١

قلنا : أنّه ليس المقصود من قولنا شرط صحّة الصلاة احراز الطهارة ولو بالأصل لانفسها أن الأمر كذلك مطلقا ، بل المقصود ان الشرط الواقعي الأولي هو نفس الطهارة الواقعية.

غاية الأمر أنّه لو أخطأ الاستصحاب ولم يصادف ثبوتها واقعا لكان الشرط الفعلي حينئذ هو احرازها لانفسها ، وإذا كانت الطهارة الواقعية شرطا جاز جريان الاستصحاب لاثباتها. والداعي إلى الالتزام بذلك انّه وجه الجمع بين ما دل بظاهره على اعتبار الطهارة نفسها نحو قوله تعالى : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) ، أي عن النجاسات على تفسير نقله الطبرسي قدس‌سره (١) ونحو : لا صلاة إلّا بطهور ، وبين ما دل على صحّة الصلاة بفقدها إذا كانت الطهارة مجرى الاستصحاب كهذه الصحيحة. فصارت نفس الطهارة شرطا اقتضائيا ممّا يكفي في جواز استصحابها ، أي استصحاب بقائها شرعا ، هذا أوّلا.

وثانيا : أن الطهارة وإن لم تكن شرطا للصلاة بل كان الشرط هو احرازها ولو حين الالتفات إليها ، ولكن مجرّد كونها قيدا للشرط ممّا يكفي في جواز استصحابها والتعبّد ببقائها ويخرجه عن اللغوية والعبثية بلا كلام.

وعلى أيّ حال يجوز شرعا استصحاب الطهارة ونحرز به الطهارة بلحاظ ان الاحراز قيد الطهارة والطهارة شرط وعنوان المحرزية وصفها ، أي الطهارة المحرزة شرط والموصوف والوصف متّحدان مصداقا وإن كانا متغايرين مفهوما.

ومن الواضح ان الطهارة حكم وضعي فيصح استصحابها بلحاظ الاحراز حيث كان احرازها بخصوصها لا غير شرط. وعليه فينطبق التعليل به؟؟؟ لأنّك كنت على يقين من طهارتك على المورد.

فالنتيجة : ان المصنّف قدس‌سره صحّح بهذين الجوابين جريان الاستصحاب في

__________________

١ ـ سورة المدّثر آية ٤.

٢١٢

نفس الطهارة لأجل احرازها.

قوله : لا يقال سلّمنا ذلك لكن قضيته أن تكن علّة عدم الإعادة ...

فاستشكل المستشكل ثانيا بأنّا لو سلمنا كون شرط الصلاة للملتفت هو احراز الطهارة لا نفس الطهارة ، لكان اللازم أن يعلّل عدم وجوب الإعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة في الثوب المتنجس باحراز الطهارة بالاستصحاب ، أو باصالة الطهارة بأن يقول الإمام عليه‌السلام لا تجب الإعادة لأنّك أحرزت الطهارة حال الصلاة ولا يقول عليه‌السلام : لا تجب الإعادة لأنّك كنت على يقين من طهارتك.

وهذا الكلام ظاهر في ان الشرط هو الطهارة الواقعية التي أحرزها زرارة بن أعين قدس‌سرهما تعبّدا بالاستصحاب ، أي يكون الشرط هو الطهارة الواقعية المحرزة بالاستصحاب لا احرازها.

وبتقرير آخر ؛ وهو ان الامام عليه‌السلام علّل عدم الإعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة في الثوب المتنجّس بالصغرى وهي قوله : لأنّك كنت على يقين من طهارتك ، وبالكبرى وهي قوله عليه‌السلام : فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك وهما ينتجان كون الشرط نفس الطهارة لا احرازها لأنّ اليقين السابق في الاستصحاب طريق محض إلى الواقع فالمدار على الواقع الذي تعلّق به اليقين. والحال ان المفروض انكشاف خلافه فلا يبقى حينئذ مجال لاحراز الطهارة بالاستصحاب ، أو بالأصل.

فالمتحصّل ممّا ذكر ان التعليل بثبوت نفس الطهارة يكشف عن عدم صحّة جعل الشرط احراز الطهارة ، فلا جرم من ان يكون الشرط هو الطهارة الواقعية ، إذ نتيجة قول الإمام عليه‌السلام : لأنّك كنت على يقين من طهارتك ان المكلف الشاك كان متطهّرا واقعا وليس بظاهر في انّه مستصحب الطهارة كما لا يخفى على العاقل فضلا عن الفاضل.

٢١٣

الجواب عن الإشكال

قوله : فانّه يقال نعم ولكن التعليل انّما هو بلحاظ حال قبل انكشاف ...

أجاب المصنّف قدس‌سره عن هذا الإشكال بجوابين :

الأوّل : انّا سلّمنا كون الطهارة الواقعية شرطا لصحّة الصلاة بلحاظ مرحلة الاقتضاء ومرتبة الانشاء ، إذ في الطهارة الواقعية يكون اقتضاء الشرطية موجودا وكذا يصح انشاء الشرطية لها ولكن ليست بشرط فعلا ، إذ هي لا تكون موضوعة للشرط الفعلي ، فلا يقال : الطهارة الواقعية شرط للصلاة فعلا ولكن في مقام الجمع بين الأدلّة يقال : ان الطهارة الواقعية تكون شرطا واقعا ، ولكن الشرط الفعلي هو احراز الطهارة بالاستصحاب.

فالنتيجة : فلا يصح أن يقال : ان الطهارة الواقعية خارجة عن الشرطية وهي حكم وضعي يترتّب بتحققها تمام العبادة وصحّة الصلاة وبفقدها فساد العبادة المشروطة بها ، أي بالطهارة.

الثاني : سلمنا كون المستصحب لا بدّ امّا يكون حكما شرعيا ، وامّا يكون موضوعا ذا حكم شرعي ولكن لا بد من التحقيق والتوضيح في كون المستصحب موضوعا لحكم الشرعي ، وهو هل يشترط في كون المستصحب تمام الموضوع أم يكفي دخالته في موضوع الحكم وتأثيره فيه ، بل كفاية دخله فيه كاف في جريان الاستصحاب ، فيقال حينئذ إذا كان الموضوع مركّبا ونحرز جزئه بالوجدان وجزئه الآخر بالاستصحاب.

وعليه فلا يلزم أن يكون المستصحب تمام الموضوع للحكم الشرعي ، بل تكفي دخالته فيه بحيث يكون شرط الصلاة احراز الطهارة لا احراز شيء آخر ، وهذا المقدار يكفي في جريان الاستصحاب ، فالمستشكل يقول : انّا سلمنا منكم كون احراز الطهارة شرطا للصلاة لا نفس الطهارة.

٢١٤

امّا قولكم فلا يناسب ظاهر الرواية الشريفة بل ينافيه لأنّ زرارة بن أعين قدس‌سرهما سئل الإمام عليه‌السلام في الفقرة الثالثة من الرواية الشريفة عن علّة عدم لزوم إعادة الصلاة بقوله : لم ذلك؟ والإمام عليه‌السلام أجابه بقوله : لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا ، وهذا ظاهر في كون المكلف طاهر اللباس واقعا وليس بظاهر في كونه محرزا لطهارته بالاستصحاب.

أجاب المصنّف صاحب الكفاية قدس‌سره : نعم يكون ظاهر الرواية الشريفة بيان شرطية الطهارة الواقعية للصلاة لا احراز الطهارة ، لكن بشرط أن يكون تعليل الإمام عليه‌السلام بلحاظ حال الفراغ من الصلاة وإن كان السؤال عن علّة عدم لزوم الإعادة بعد الصلاة.

ولا يخفى عليك ان تعليل الإمام عليه‌السلام انّما يكون بلحاظ حالة زرارة قدس‌سره قبل الشروع في الصلاة وقبل كشف الخلاف تنبيها له على حجّية الاستصحاب وبين الإمام عليه‌السلام ضمنا نتيجة الاستصحاب وهي عبارة عن عدم الإعادة بعد كشف الخلاف ، إذ الاستصحاب حال الصلاة علّة عدم لزوم الإعادة بعدها.

هذا مضافا إلى تعليل عدم الإعادة بعد كشف الخلاف بالطهارة المستصحبة ممّا يستلزم كون السبب واقعا لعدم الإعادة بعد انكشاف الخلاف ، هو الاستصحاب الذي كان جاريا حال الصلاة لاحراز الطهارة لا نفس الطهارة ، وإلّا لكانت الإعادة بعد انكشاف الخلاف ثابتا من نقض اليقين باليقين ، وليس نقض اليقين بالشك.

وفي ضوء هذا فلا يتم التعليل حينئذ وهو كما ترى كما عرفت هذا المطلب في طي الإشكال.

فإن قيل : كيف يكون استصحاب الطهارة للباس حال الصلاة علّة عدم لزوم الإعادة بعدها وبعد انكشاف الخلاف.

قلنا : ان الطهارة الواقعية ليست بشرط ، بل انّما يكون احرازها بالاستصحاب

٢١٥

لهذا الفرد من المكلف ولكن لما كان استصحاب الطهارة حال الصلاة موجودا له فلا يلزم عليه الإعادة بعد كشف الخلاف لوجود الشرط حالها بالاستصحاب. والحال ان سائر الأجزاء والشرائط موجودة على الفرض.

قوله : ثم انّه لا يكاد يصح التعليل لو قيل باقتضاء الأمر الظاهري ...

فاستشكل المستشكل ثانيا : بأنّ التعليل المذكور في الرواية الشريفة ناقص ، امّا بيان ذلك فيقال : ان الأمر يكون على ثلاثة أنواع باعتبارات :

الأوّل : أمر واقعي أولي ، وذلك كالأمر بالصلاة مع الوضوء مثلا.

الثاني : أمر واقعي ثانوي ، وذلك كالأمر بالصلاة مع التيمّم عند فقدان الماء عند عدم الوصلة إليه ، أو عند الضرر من استعماله.

الثالث : أمر ظاهري يكون مفاد الامارات المعتبرة ، أو الاصول العملية والاستصحاب ، مثلا كان المكلف متوضئا يقينا قبل ساعتين وبعد انقضائهما شك في بقاء كونه متوضئا ، وهو يتمكّن من جريان الاستصحاب شرعا ومن الدخول في الصلاة.

والمصنّف قدس‌سره قد بحث في المجلّد الأوّل من الكفاية أن الأمر الاضطراري والظاهري هل يكفيان عن الأمر الواقعي الأوّلي ، أم لا ، وان الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري وبالأمر الاضطراري هل يجزيان عن المأمور به بالأمر الواقعي الأولي ، أم لا؟

مثلا إذا صلّى المكلّف مع التيمّم ثم زال اضطراره قبل انقضاء الوقت وهي هل تجزي عن الصلاة مع الوضوء والطهارة المائية ، أم لا؟

وكذا من صلّى مع استصحاب الطهارة ثم انكشف الخلاف حرفا بحرف. قال بعض الأصوليين (رض) بالاجزاء وقال أكثرهم بعدمه.

وفي ضوء هذا فالإمام عليه‌السلام في مقام التعليل لعدم الإعادة بعد انكشاف

٢١٦

الخلاف رتّب الأمر الظاهري وهو عبارة عن جواز الدخول في الصلاة بسبب استصحاب الطهارة بالإضافة إلى اللباس.

وحينئذ فلو قلنا بعدم لزوم الإعادة بعدها فلا بدّ من ضميمة المطلب الآخر به وهو عبارة عن اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء ، وإلّا فلا أثر لوجود الأمر الظاهري وهو استصحاب الطهارة في عدم لزوم الإعادة.

فالنتيجة ان عدم وجوب الإعادة للصلاة التي وقعت بالاستصحاب باستصحاب الطهارة يحتاج إلى مقدّمتين :

الاولى : حجّية استصحاب الطهارة حال الصلاة.

الثانية : ان الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري يجزي عن الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي.

وعليه فالتعليل في الرواية الشريفة ناقص جدّا ، إذ تكون العلّة في عدم وجوب الإعادة اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء وظاهر الرواية أن العلّة هو حرمة نقض اليقين بالشك أبدا لأنّ الإعادة نقض له به.

وفي ضوء هذا فلا بد أن تكون علّة عدم الإعادة كلا الأمرين معا ، كما لا يخفى.

قول المستشكل : اللهمّ إلّا أن يقال ان التعليل ...

أي العدول عن التعليل بقاعدة اجزاء الأمر الظاهري عن الأمر الواقعي إلى عدم جواز نقض اليقين بالشك للتنبيه على ما يكون علّة للأمر الظاهري ، وهذا الشيء الذي يكون علّة لتولّد أمر ظاهري استصحابا. ولمّا كان الاستصحاب علّة لانشاء الأمر الظاهري فقد صحّ التعليل بمنشإ الأمر الظاهري أعني منه الاستصحاب ، وإلّا فالعلّة لعدم وجوب الإعادة هي قاعدة الاجزاء في الأوامر الظاهرية ، فهناك قياس اقتراني حملي بحيث تكون كبراه هذه القاعدة وهيئته على هذا النهج وهو الاستصحاب أمر ظاهري وكل أمر ظاهري يقتضي الاجزاء

٢١٧

فالاستصحاب يقتضي الاجزاء.

وفي ضوء هذا ، فالتعليل لعدم لزوم الإعادة بعد انكشاف الخلاف بالاستصحاب يكون بما هو سبب العلّة كما لا يخفى.

فالإعادة ان كانت واجبة فقد لزم عدم اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء. والحال انّه اقتضاه شرعا كما إذا اشتمل المأتي به بالأمر الظاهري على مقدار من المصلحة التي تكون في الموضوعات مع كون ما بقي منها ممكن التدارك فالاجزاء حينئذ يكون بحكم الشرع ، أو عقلا ، كما إذا اشتمل المأتي به على تمام المصلحة أو اشتمل بمقدار منها بحيث لا يمكن استيفاء ما بقي منها. ولا ريب في أن الاجزاء انّما يكون بحكم العقل والشرع قد أمضى حكم العقل.

قوله : فتأمّل ...

وهو إشارة إلى ان الإعادة انّما تكون بأحد الوجهين : امّا عدم اجزاء الأمر الظاهري عن الأمر الواقعي ، وامّا جواز نقض اليقين بالشك شرعا حتّى تجب الإعادة ، ولكن لما فرضنا اجزاء الأمر الظاهري مفروغا عنه في الشرع فالتعليل بعدم جواز نقض اليقين بالشك في الرواية الشريفة انّما يكون بلحاظ الاجزاء المذكور.

وبملاحظة وضوحه ، أي وضوح اجزاء الأمر الظاهري عن الأمر الواقعي ولكن ليس وضوحه بحدّ ومرتبة بحيث يحسن التعليل من الإعادة بلزوم النقض المذكور كما لا يخفى ، أو إشارة إلى ورود الاستصحاب على قاعدة الطهارة ، إذ في مورد الاستصحاب لا محل لجريان القاعدة وإن كانت موافقة له.

قوله : ولعل ذلك مراد من قال بدلالة الرواية على اجزاء الأمر الظاهري ...

والضميمة لاقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء إلى استصحاب الطهارة مراد القائل بدلالة الرواية الشريفة على اجزاء الأمر الظاهري.

قال المصنّف قدس‌سره : هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه التعليل ...

٢١٨

وكل ما ذكر في توجيه الرواية الشريفة يكون غاية توجيهها للتعليل المذكور فيها. ولا يخفى أنّه إذا عجزنا عن جواب الاشكال الذي يرد على الاستدلال بالرواية فلا يوجب هذا العجز رفع اليد عن دلالتها على الاستصحاب فان الاشكال لازم عليها سواء كان مدلول الصحيحة قاعدة اليقين بناء على احتمال إرادة اليقين الحاصل بالنظر والفحص بناء على احتمال إرادة اليقين بالطهارة قبل الدخول في الصلاة ، أم كان قاعدة الاستصحاب.

والسرّ في ذلك ، أي في لزوم الإشكال عليها على كل تقدير أن الإعادة بعد انكشاف الخلاف وبعد حصول العلم بوقوع الصلاة في الثوب المتنجس تكون من نقض اليقين باليقين لا بالشك مع بداهة عدم خروج مفاد التعليل عن الاستصحاب أو قاعدة اليقين لأنّ نقض اليقين بالشك لا يتصوّر إلّا في قاعدة اليقين وفي قاعدة الاستصحاب ، إذ اليقين السابق امّا مرتفع بالشك اللاحق رأسا وامّا غير مرتفع به لأنّ الشك اللاحق يكون متعلّقا بالبقاء ، أي بقاء المتيقّن ولا يسري إلى الحدوث والأوّل قاعدة اليقين ، والثاني هو الاستصحاب ولا يمكن الشقّ الثالث في المقام كي يحمل التعليل عليه ليسلم من الاشكال والاشكال الوارد في هذا المقام عبارة عن عدم لزوم الإعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة في الثوب المتنجّس.

قوله : فتأمّل جيّدا ...

وهو تدقيقي بقرينة تقييدها بكلمة الجيّد إشارة إلى دقّة المطلب الطويل العريض.

قوله : ومنها صحيحة ثالثة لزرارة وإذا لم يدر في ثلاث هو ...

هذه الصحيحة رواها الكليني قدس‌سره عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه وعن محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أحدهما امّا الباقر وامّا الصادق عليهما‌السلام في حديث قال : إذا لم يدر في ثلاث هو ، أو في

٢١٩

أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها اخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنّه ينقض الشك باليقين ويتمّ على اليقين فيبنى عليه ولا يعتدّ بالشك في حال من الحالات (١).

ولا يخفى أن صدر الحديث عن أحدهما عليهما‌السلام قال : قلت له : من لم يدر في أربع هو ، أو في ثنتين وقد أحرز الثنتين قال عليه‌السلام : يركع ركعتين وتربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهّد ولا شيء عليه وإذا لم يدر .. الحديث ...

وامّا سند الحديث فحال الطريق الأوّل واضح. وامّا الطريق الثاني فمحمّد بن إسماعيل المذكور فيه ، فيه كلام مشهور من حيث اشتراكه بين الثلاث وانّه هل هو ابن بزيع ، أو البرمكي ، أو النيسابوري ، ولكن المحقّق في محلّه انّه النيسابوري تلميذ الفضل بن شاذان رضى الله عنه.

وعليه فقد عدّ العلّامة ومن تأخّر عنه خبره صحيحا ، وامّا الفضل بن شاذان رضى الله عنه فحاله في الجلالة أظهر من أن يذكر وأشهر من أن يسطر.

وامّا دلالته على حجّية الاستصحاب فمبتن على إرادة اليقين بعدم الإتيان بالركعة الرابعة سابقا والشك في إتيانها.

وامّا التفصيل فيقال : إنّ الإمام عليه‌السلام قال : إذا لم يعلم المصلّي أنّه في الركعة الثالثة ، أو في الركعة الرابعة حال كونه محرزا لركعة الثالثة فلا بدّ له من أن يقوم وأضاف إليها ركعة ولا شيء عليه من صلاة احتياط قائما ، أو جالسا ، ولا يجوز له أن ينقض اليقين بالشك ولا ينبغي له أن يدخل الشك في اليقين وأن يخلط أحدهما بالآخر ، بل يعمل باليقين بالإضافة إلى الثالثة وبالشك في الركعة الرابعة ، ولكن ينبغي له أن ينقض الشك باليقين ويتمّ العمل على حال اليقين لا على حال الشك ويبنى على يقينه ولا يجوز للمصلّي الاعتماد بالشك في حال من الحالات ، أي لا يتمّ

__________________

١ ـ الوسائل ج ٥ ص ٣٢١ الباب العاشر من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح ٣.

٢٢٠