البداية في توضيح الكفاية - ج ٤

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات هماى دانش
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-94105-2-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٣٣٣

أمّا بخلاف ما لو حمل هذا الكلام على المعنى الأوّل فانّه يدل على علّة الحكم وعلى ثبوت الكبرى الكلّية المطردة في باب الوضوء الذي هو يكون مورد الرواية وتتحقّق الصغرى والكبرى في هذا المقام.

إذ قوله عليه‌السلام فانّه على يقين من وضوئه بمنزلة الصغرى ، وقوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين بالشك أبدا بمنزلة الكبرى. ويقال في ترتيبهما هكذا فالرجل على يقين من وضوئه (هذه صغرى) وكل يقين لا ينقض بالشك (هذه كبرى) فالرجل لا ينقض يقينه بالشك أبدا (فهذه نتيجة).

قوله : وقد انقدح بما ذكرنا ضعف احتمال اختصاص قضية ...

وقد ظهر من حمل جملة فانّه على يقين من وضوئه على التعليل للجزاء المقدر في نظم الكلام ضعف اختصاص قضية لا تنقض اليقين بالشك باليقين والشك في باب الوضوء فقط لأنّ الإمام عليه‌السلام لم يعلّل بأمر تعبّدي كي يختص اليقين والشك المذكوران في متن الحديث باليقين والشك في باب الوضوء ، بل يعلّل الامام عليه‌السلام عدم وجوب إعادة الوضوء على الرجل الذي عرض عليه الخفقة ، أو الخفقتان بأمر ارتكازي عقلي وهو عبارة عن اليقين والشك بكل شيء ولا يختص الأمر الارتكازي باليقين في باب الوضوء وبالشك فيه ، بل يعمّ جميع موارد اليقين والشك فاختصاصهما في باب الوضوء وظهور التعليل في الأمر الارتكازي متنافيان الاختصاص يقتضي كون التعليل تعبّديا لا ارتكازيا وظهور التعليل يقتضي كونه ارتكازيا لا تعبّديا وما هذا إلّا تناف ظاهر وتناقض صريح.

ويؤيّد كون التعليل ارتكازيا لا تعبّديا تعليل الحكم بالمضي مع الشك في غير الوضوء من الطهارة والنجاسة وأمثالهما في غير هذه الرواية بهذه القضية الكلية ، أو بما يرادفها من نحو لا ترفع اليد عن يقينك بالشك ولا تترك قطعك السابق بترديدك اللاحق مثلا للحكم بالمضي والعمل باليقين مع الشك في غير الوضوء فهو يعلّل

١٨١

باليقين والشك ويستفاد من هذا التعليل في غير الوضوء عدم اختصاص هذه الصغرى والكبرى بباب الوضوء.

فإن قيل : ان الألف واللام يحتمل أن يكون للعهد الذكرى وهو إشارة إلى اليقين بالوضوء المذكور في قوله عليه‌السلام : فانّه على يقين من وضوئه ، كما ان الألف واللام في الرسول في نحو : (فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) إشارة إلى الرسول الذي ذكر في قوله تعالى : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً) فحكمه كحكم ضمير الغائب تقدّم ذكره لفظا ، أو معنى ، أو حكما ، فكذا لا بدّ أن يذكر معهوده سابقا لفظا أو معنى أو حكما ، فسبق يقين الوضوء ربّما يوهم كونه للعهد الذكرى بحيث لو فرض إرادة خصوص يقين الوضوء من قوله عليه‌السلام : ولا تنقض اليقين بالشك أبدا ، لم يكن بعيدا عن سياق الكلام.

وعلى هذا فيكون المستفاد من الصحيحة المذكورة قاعدة كلّية مختصّة بباب الوضوء فقط لا قاعدة كلّية ارتكازية غير مختصة بباب دون باب كما هو المطلوب في المقام.

قلنا : ان ظاهر التعليل ، وهو عبارة عن قول الإمام عليه‌السلام : فانّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشك أبدا ، هو التعليل باندراج اليقين والشك في مورد السؤال في القضية الكلّية المرتكزة في أذهان العقلاء من عدم نقض اليقين بالشك أبدا ، ولو كان اللام للعهد الذكري لكان تعليلا باندراجهما في القضية التعبّدية وهي عبارة عن عدم نقض اليقين بالوضوء بالشك ، إذ ليس خصوص عدم نقض اليقين بالوضوء بالشك قضية مرتكزة في أذهان العقلاء كما لا يخفى.

قوله : مع انّه لا موجب لاحتماله ...

أي مع أنّه لا موجب لاحتمال الاختصاص بباب الوضوء إلّا احتمال كون اللام للعهد الذكري مع ان الظاهر كون اللام للجنس لأنّه أصل فيه لوضعه له ابتداء.

١٨٢

قوله : فتأمّل جيّدا ...

وهو تدقيقي ، بقرينة تعقيبه بكلمة الجيّد.

هذا ، مضافا إلى ان ظهور التعليل بأمر ارتكازي هو أقوى من ظهور اللام في العهد الذكري. وعلى طبيعة الحال إذا اريد من اللام الجنس فلا ركاكة في الحديث الشريف.

وأمّا إذا اريد العهد الذكري من اللام وكان التعليل بأمر تعبّدي فيكون الحديث ركيكا جدّا نظير تكأكأتم وافرنقعوا عني لأنّ عدم نقض اليقين بالوضوء بالشك فيه غير مأنوس في الأذهان وغير مرتكز في أذهان العقلاء ، بل المرتكز في أذهانهم هو عدم نقض اليقين بطور الكلي بالشك.

هذا مضافا إلى ان الظاهر ان اللام للجنس لا للعهد الذكري ولا للتزيين ، وسبق فانّه على يقين من وضوئه من حيث الذكر لا يكون قرينة دالّة على كون اللام للعهد الذكري مع كمال الملاءمة مع الجنس أيضا.

فالنتيجة انّ مجرّد سبق المدخول لا يكون قرينة لفظية على كون اللام للعهد الذكري في صورة ملائمة الكلام من حيث المعنى كما فيما نحن فيه ، أي جنس اليقين لا ينقض بالشك أبدا لا اليقين بالوضوء لا ينقض بالشك ، وامّا سائر اليقين فينقض بالشك ، وهذا المعنى ممّا يضحك به الثكلى.

نعم يكون سبق المدخول قرينة لفظية دالّة على كون اللام للعهد الذكري إذا لم تكن الملاءمة في الكلام من حيث المعنى مع كونها للجنس كما في قوله تعالى : (فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)(١) ، إذ عصيان فرعون اللعين انّما يكون للمعهود الرسول الذي أرسل إليه لهدايته وإرشاده ، وهو موسى بن عمران على نبيّنا وآله وعليه أفضل الصلاة وأتم السلام ولا يتحقّق العصيان منه بالإضافة إلى جنس الرسول أبدا ، وهذا

__________________

١ ـ سورة المزمّل آية ١٦.

١٨٣

ظاهر.

وعلى طبيعة الحال فصار اليقين بالوضوء من أفراد اليقين وصغرى من صغرياته.

فإن قيل : لم جعل المصنّف قدس‌سره هذا الوجه تأييدا للمدعى لا دليلا عليه؟

قلنا : انّه يحتمل أن يكون لسان التعليل للعهد الذكري كما في الصحيحة الآتية إن شاء الله تعالى ، فلا بد حينئذ من قرينة اخرى لإثبات كون اللام للجنس غير الملاءمة مع الجنس ولكن هي موجودة في المقام وهي عبارة عن كون الأصل في التعليل أن يكون ارتكازيا لا تعبّديا والارتكازية تناسب مع الجنس لا العهد. وأمّا الفرق بين الدليل وبين التأييد فقد سبق مكرّرا فلا حاجة إلى الإعادة.

قوله : فافهم ...

وهو إشارة إلى أن الملاءمة ، أي ملائمة التعليل مع الجنس لا تمنع عن كون اللام للعهد الذكري ، إذ الملاءمة تكون مع العهد الذكري أيضا.

وعليه فالعمدة في منع العهد الذكري ظهور التعليل في ادخال المورد ، أي مورد اليقين بالوضوء والشك فيه في القضية الكلّية الارتكازية غير المختصة بباب واحد فقط.

وعليه فالجملة فانّه على يقين من وضوئه ، وجملة «ولا ينقض اليقين بالشك» تشكّلان الصغرى والكبرى بهيئة الشكل الأوّل بهذا الترتيب بحيث يكون اليقين المطلق حدّا وسطا في متن القياس. ويقال لا يجب على المكلف الوضوء فانه على يقين من وضوئه ، هذه الجملة صغرى. وكل يقين لا ينقض بالشك ، هذه الجملة كبرى ، فالوضوء لا ينقض بالشك هذه الجملة نتيجة.

ويقال في مقام بيان علّة عدم وجوب إعادة الوضوء في صورة عدم التيقّن بالنوم بواسطة الخفقة ، أو الخفقتين ، فإنّه كان ثابتا من طرف وضوئه على يقين

١٨٤

ولا ينقض اليقين بالشك أبدا.

ومن الواضح ان قضية الكبرى ظاهرة في عموم اليقين وعموم الشك لا سيما إذا لوحظ تطبيقهما في الأخبار الأخر في غير الوضوء أيضا.

الحاصل ان هذا الخبر بلحاظ صدره وذيله وبملاحظة سائر الاخبار التي تشتمل على تطبيق الكبرى على الصغرى ظاهر في ان المناط هو اليقين والشك وخصوص الوضوء مورد. ومن المعلوم ان المورد لا يكون مخصصا ولا معمّما وهو ليس بدخيل في الحكم.

فان قيل : لم سمي الجار والمجرور بالظرف والحال ان الظرف امّا مكان كالمدرسة مثلا وامّا زمان كيوم الجمعة مثلا وهما ليسا باحدهما.

قلنا : ان التسمية انّما تكون باعتبار الغالب ، إذ غالبا يكون المجرور ظرفا نحو في الدار وفي الأمس وحمل الأقل على الأغلب فكأنّه يكون المجرور ظرفا كلا فسمّى الجار والمجرور معا ظرفا من باب تسمية الكل باسم الجزء ، هذا أوّلا.

وثانيا عبّر عنهما به تشبيها لهما به من حيث احتياج كل واحد من الجار والمجرور والظرف إلى المتعلق (بالفتح) ولهذا عبّر عنهما بالظرف كما قد يعبّر عن الرجل الشجاع بالأسد ، ويقال هذا أسد لمشابهته له في وصف الشجاعة والجرأة.

بقي في المقام توضيح امور :

الأوّل : بيان معنى اللغوي للخفقة وتوضيحه فيقال : الخفقة حركة الرأس بسبب النعاس ، يقال : خفق برأسه خفقة ، أو خفقتين إذا أخذته حركة من النعاس برأسه فمال برأسه دون سائر جسده.

الثاني : في بيان توضيح أفعال العموم وهي أربعة : الكون والثبوت والوجود والحصول وسائرها خصوص.

الثالث : في توضيح وجه التسمية للافعال المذكورة ويقال كلّما تحقّق فعل من

١٨٥

الأفعال في الخارج تحقّق الكون والوجود وغيرهما وليس كلّما تحقّق الكون والوجود تحقّق الضرب ، أو القتل ، إذ يتحقّق الكون في ضمن فعل من الأفعال.

قوله : مع انّه غير ظاهر في اليقين بالوضوء ...

وليعلم ان الظرف على قسمين :

أحدهما : ظرف مستقر ، وهو عبارة عن الظرف الذي حذف متعلّقه سواء كان من أفعال العموم وأسماء العموم ، أم كان من أفعال الخصوص وأسماء الخصوص.

وثانيهما : ظرف لغو ، وهو عبارة عن الظرف الذي ذكر متعلّقه في نظم الكلام سواء كان من أفعال العموم ، أم كان من أفعال الخصوص وسواء كان من أسماء العموم أم كان من أسماء الخصوص. وفي ضوء هذا انّا نقول : ان الأصل في اللام أن يكون بمعنى الجنس.

ومن الواضح انّه متى أمكن استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي وإذا لم تقم قرينة على استعماله في المعنى المجازي فلا يصار إلى المجاز لأنّه خلاف الأصل.

فإن قيل : انّ هذا الكلام صحيح إذا لم تكن قرينة على المجاز ، ولكن ذكر جملة فانّه على يقين من وضوئه في الكلام قرينة على ان المراد من اللام في اليقين للعهد الذكري.

قلنا : ان إرادة المعنى الحقيقي من اللفظ متى أمكن وكان مناسبا مع مورد الرواية فلا موجب حينئذ لإرادة المعنى المجازي.

هذا مضافا إلى ان اللام في اليقين لو كان للعهد الذكري ولا يكون معهوده اليقين بالوضوء ، بل يكون مطلق اليقين ، إذ كلمة من وضوئه تكون جارا ومجرورا متعلّق بكائن ، أو ثابت فتكون ظرفا مستقرّا ، إذ متعلّقه محذوف من نظم الكلام فيكون تقدير الحديث هكذا وإلّا فإنّه كان ثابتا من ناحية وضوئه على يقين ولا ينقض اليقين الكلّي بالشك الكلّي ، أي وإن لم يستيقن أنّه قد نام فلا يجب عليه

١٨٦

إعادة الوضوء فإنّه كان ثابتا من جهة وضوئه على يقين.

تفصيل الشيخ رحمه‌الله بين الشك في المقتضى والشك في الرافع

قوله : ثم لا يخفى حسن اسناد النقض وهو ضد الابرام إلى اليقين ...

استشكل الشيخ الأنصاري قدس‌سره تبعا للمحقّق الخوانساري قدس‌سره في دلالة الأخبار على ثبوت الاستصحاب إذا كان الشك في البقاء مستندا إلى الشك في المقتضى فلا يكون الاستصحاب حجّة فيه. وامّا إذا كان الشك في البقاء مستندا إلى الشك في الرافع فيكون حجّة فيه ، إذ في الأخبار التي تمسّك الأصوليون (رض) بها على حجّية الاستصحاب جاءت كلمة لا تنقض اليقين بالشك ، ويستفاد منها اقتضاء المستصحب البقاء والدوام.

والشك في البقاء انّما يكون من جهة حصول الرافع ، إذ حقيقة النقض الذي هو ضد الابرام فك الفتل ورفع الهيئة الاتصالية كما في نقض الحبل ، وهذا لا يمكن في صورة تعلّق النقض باليقين ، إذ ليس له هيئة اتصالية فلا بد من إرادة المعنى الأقرب إليه ، وهذا معنى حقيقي له ، ومعنى مجازي وهو رفع اليد عن الأمر المستحكم الذي فيه اقتضاء الثبوت والاستمرار والبقاء ، وهذا أقرب إلى المعنى الحقيقي ومعنى مجازي آخر وهو عبارة عن مطلق رفع اليد عن الشيء وترك العمل به ولو لعدم المقتضى له وهذا أبعد منه إلى المعنى الحقيقي.

وفي ضوء هذا إذا تعذّر المعنى الحقيقي في المقام وتعدّد المعنى المجازي فيتعيّن أقربه إليه ، وهو المعنى المجازي الأوّل فيختص اليقين حينئذ بما إذا كان متعلّقه أمرا ثابتا مستحكما فيه اقتضاء الثبوت والدوام وذلك كالعدالة والملكية ونحوهما ممّا يحتاج رفعه إلى وجود رافع وتحقق مزيل دون ما ليس فيه اقتضاء الثبوت والدوام والاستمرار بل يرتفع بنفسه من دون الاحتياج إلى وجود رافع وذلك

١٨٧

كالآنات والساعات والليل والنهار مثلا واشتعال السراج إذا شك في بقائه للشك في استعداده للدوام والاستمرار.

ولا بأس بذكر المثال لتوضيح الممثل حتّى يتبيّن الشك في الرافع والشك في المقتضى إذا أشعلنا السراج ساعة قبل مثلا وبعد مضي الساعة من اشتعاله حصل لنا الشك في بقاء اشتعاله وعدمه.

وحصول الشك المذكور بسبب أحد الأمرين :

الأوّل : انّا نحرز استعداد بقاء اشتعاله إلى عشر ساعات مثلا ، ولكن نحتمل تحقّق الرافع لاشتعاله وذلك كالريح العاصف الذي يوجب اطفائه فيكون الشك حينئذ في الرافع.

الثاني : انّا لم نحرز استعداد بقاء اشتعاله إلى ثمانية ساعات من حين اشتعاله ويكون الشك حينئذ في المقتضى مثلا لا نعلم مقدار دوام اشتعاله من جهة عدم علمنا بمقدار دهن السراج المشتعل.

فالشيخ الأنصاري قدس‌سره استفاد حجّية الاستصحاب إذا كان الشك في الرافع دون ما إذا كان الشك في المقتضى من كلمة (نقض) ومن جملة (ولا تنقض اليقين بالشك) ، إذ حقيقة النقض عبارة عن رفع الهيئة الاتصالية. وذلك كالطناب الذي غزل من صوف ، أو شعر ، أو قطن فإذا رفع الإنسان هيئة اتصاله تحقّق النقض والنقض يكون بهذا المعنى في صورة الشك في الرافع لا الشك في المقتضى.

جواب المصنّف قدس‌سره عنه

فمحصل كلامه في الجواب عنه : ان النقض ضد الابرام فلا بدّ من أن يكون متعلّق النقض أمرا محكما مستحكما ، وذلك مثل البيعة والعهد وأمثالهما لكن نفس

١٨٨

اليقين في نظر العرف يكون ذا استحكام وابرام بحيث يصدق في نقضه كسر امّا بخلاف الظن والشك فانّه ليس لهما استحكام وابرام في نظر العرف. ولهذا لا يقال : نقضت الظن والشك ، كما يقال : نقضت اليقين سواء كان متعلّقا بالشيء الذي ليس له مقتضى للدوام والاستمرار ، وذلك كالسراج الذي اشتعل ثم شك في بقاء اشتعاله إلى هذه الساعة من جهة نفاد دهنه وتمامه وهو مقتض لاشتعاله ويكون هذا الشك في المقتضى ويصدق نقض اليقين بالاشتعال وإن كان الشك في المقتضى.

فالنتيجة : ان حسن اسناد النقض إلى اليقين بعد تعذّر إرادة المعنى الحقيقي ليس لليقين هيئة اتصالية كي ترفع وتنقض ليس بملاحظة متعلّقه ، أي المتيقّن حتى يوجب تخصيصه بالمتيقن الذي يكون من شأنه الثبوت والاستمرار لأجل ما يتخيّل في اليقين من الاستحكام والابرام سواء كان متعلّقا بما فيه اقتضاء الثبوت والاستمرار ، أم تعلّق بما فيه عدم اقتضاء الثبوت والدوام والاستمرار. اما بخلاف الظن فانّه ليس فيه إبرام واستحكام.

وعلى طبيعة الحال يكون الاستصحاب حجّة سواء كان في مورد الشك في الرافع ، أم كان في مورد الشك في المقتضى ، إذ المراد من جملة : ولا تنقض اليقين بالشك نقض نفس اليقين لا نقض المتيقّن كي يختص النقض بالمتيقّن الذي له اقتضاء الثبوت والدوام وحتى يكون الشك في الرافع والمزيل لا في المقتضى ، فتفصيل الشيخ الأنصاري قدس‌سره بين الشك في الرافع وبين الشك في المقتضى فاسد لأنّ الشارع المقدّس أمر بحرمة نقض اليقين بالشك في كل موضع كان فيه اليقين والشك ، فعلم في ان اليقين استحكاما وابراما. ولذا يصح نقضه والظن لا يصح نقضه إذ ليس فيه استحكام وابرام وان كان متعلّقا بما فيه اقتضاء البقاء والاستمرار.

وفي ضوء هذا يصح اسناد النقض إليه ويقال : نقضت اليقين.

قوله : وإلّا لما صحّ أن يسند إلى نفس ما فيه المقتضى له ...

١٨٩

لمّا فرغ المصنّف قدس‌سره عن بيان الشاهد الأوّل الذي يصحّح اسناد النقض إلى اليقين وهو عبارة عن صحّة قول نقضت اليقين كما قد سبق هذا شرع في بيان الشاهد الثاني وقال : وإن لم يكن مصحّح النقض ما في اليقين من الابرام والاستحكام بل كان المصحّح للنقض ما في المتيقن من اقتضاء الدوام والبقاء لكان استعمال النقض فيما فيه مقتضى البقاء والاستمرار صحيحا حسنا مع عدم حسنه وصحّته لركاكة قولنا : نقضت الحجر من مكانه ، ولا ريب في ان الحجر لو خلى وطبعه يقتضي بقائه في مكانه لأجل ثقالته فالحجر لا ينفصل عن مكانه إلّا برافع. ولكن يصح أن يقال : نقضت الحجر بمعنى كسرته لأنّ الحجر في نفسه لا يخلو من نوع من الابرام والاستحكام بين أجزائه كالحديد مثلا ، كما يصح أن يقال : نقضت البناء إذا أزلته عن مكانه لأنّ كونه في مكانه لا يخلو من ابرام واستحكام أيضا.

والغرض من ذكر هذين المثالين توضيح اسناد النقض إلى الشيء الذي له ابرام واستحكام وذلك كالحجر والبناء ، وكذا اليقين.

امّا بخلاف الظن والشك فانّه لا يصح اسناد النقض إليهما لعدم الابرام والاستحكام فيهما.

فالنتيجة : وان لم يحسن اسناد النقض إلى اليقين إلّا إذا كان متعلّقا بما فيه اقتضاء البقاء والاستمرار لصح اسناد النقض إلى نفس ما فيه اقتضاء البقاء والاستمرار كما في نقضت الحجر من مكانه.

ولمّا صح اسناد النقض إلى اليقين المتعلّق بما ليس فيه اقتضاء البقاء والاستمرار كما في انتقض اليقين باشتعال السراج فيما إذا شك في بقاء الاشتعال للشك في استعداده مع انّه يصحّ اسناده إليه مثل ما يصح اسناده إلى اليقين المتعلّق بما فيه اقتضاء البقاء والاستمرار ، وذلك كاليقين بالطهارة والنجاسة والزوجية والملكية وأمثالها.

١٩٠

هذا كلّه يدللنا إلى حسن اسناد النقض إلى اليقين ليس بملاك تعلّقه بما فيه اقتضاء البقاء والاستمرار ، بل يكون بملاك كون نفس اليقين ممّا يتخيّل فيه الابرام والاستحكام.

وامّا بيان وجه ركاكة المثال المذكور ، فانّما هو بلحاظ لفظة من مكانه وهي دالّة على إرادة رفع الحجر ، أو نقله من مكانه من لفظ النقض وهو غير مناسب مع المعنى الحقيقي الذي هو عبارة عن رفع الهيئة الاتصالية كما تقدّم هذا ، لأنّه لا بد في الاستعمال المجازي من العلاقة المصحّحة للتجوّز وليست بين المعنى الحقيقي للنقض والرفع ، أو النقل من المكان ، إذ ليست بينهما علاقة المشابهة ولا علاقة الكل والجزء ولا علاقة الملازمة ولا علاقة السببية والمسببية ولا علاقة المجاورة ولا علاقة الحالية والمحلية و ....

وامّا إذا اسند النقض إلى الحجر وحده من دون كلمة من مكانه كما يقال : نقضت الحجر ، لصح الاسناد وحسن كما في قولك : نقضت البناء. والوجه ان الابرام والاستحكام ثابتان في الحجر والبناء.

احتجاج الشيخ الأنصاري

واستدل الشيخ الأنصاري قدس‌سره لمدّعاه بأنّ النقض لا بدّ أن يتعلّق بأمر مبرم مستحكم والشك انّما يكون في رافعه ومتى تعذّرت الحقيقة ، إذ ليس في موارد اطلاق النقض في الاخبار أمر مبرم مستحكم كي يرفع اتصاله فلا بد أن يراد من لفظ النقض أقرب المجازات وهو عبارة عن تعلّق النقض بالشيء الذي يقتضي البقاء والاستمرار والشك انّما يكون في رافعه ومزيله لا في المقتضى.

وامّا ردّه فقد علم ممّا سبق آنفا فلا حاجة إلى التكرار لأنّه ممل وكل ممل ليس بمستحسن ، فهذا ليس بمستحسن.

١٩١

قوله : مثل ذلك الأمر ...

أي بعد تعذّر إرادة مثل ذاك الأمر المبرم المستحكم ، أي بعد تعذّر إرادة المعنى الحقيقي للفظ النقض حقيقة ، وهو عبارة عن ما يصح اسناد النقض إليه حقيقة.

قوله : فإن قلت نعم ولكنّه حيث لا انتقاض لليقين في باب الاستصحاب ...

نعم انّما يكون حسن اسناد النقض إلى اليقين بملاحظة نفسه وذاته ، إذ فيه ابرام واستحكام لا بملاحظة المتيقن (بالفتح) لكن لا انتقاض لليقين في باب الاستصحاب حقيقة والانتقاض حقيقة انّما يكون في قاعدة اليقين ، وسيأتي الفرق بين الاستصحاب وبين قاعدة اليقين في محلّه إن شاء الله تعالى مفصّلا.

وامّا خلاصة الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين أن كلا من اليقين والشك في الاستصحاب قد تعلّق بغير ما تعلّق به الآخر.

وفي قاعدة اليقين قد تعلّق كل واحد منهما بعين ما تعلّق به الآخر فيتّحد متعلّقهما فيها. ولا بد من ذكر المثال هنا وهو (فإذا تيقّن) بالوضوء في أوّل النهار ولكن شك في الوضوء في وسط النهار فهذا مجرى الاستصحاب ولا انتقاض حقيقة هنا فإن ما تعلّق به اليقين السابق وهو الوضوء في أوّل النهار لم يتعلّق به الشك اللّاحق وما تعلّق به الشك اللّاحق ـ وهو الوضوء في وسط النهار ـ لم يتعلّق به اليقين السابق.

وامّا إذا تيقّن بالوضوء في أوّل النهار وشك في وسط النهار في أصل وضوئه في أوّل النهار فهذا مجرى قاعدة اليقين ، وفيه انتقاض اليقين السابق حقيقة.

وعليه فإذا لم يكن انتقاض لليقين في باب الاستصحاب حقيقة فإن كان المتيقّن ممّا ليس فيه اقتضاء البقاء والاستمرار لم يصح اسناد النقض إلى اليقين ولو مجازا ، وإن كان فيه اقتضاء البقاء والاستمرار صحّ اسناد النقض إليه ولو مجازا ، فإنّ اليقين كانه تعلّق بأمر مستمر باق قد انقطع هذا الأمر المستمرّ بسبب الشك في

١٩٢

الرافع ، أي فان اليقين مع اقتضاء المتيقن للبقاء والاستمرار تعلّق بأمر مستمر قد انحل وانفصم بسبب الشك في الأمر المستحكم من جهة الشك في رافعه ومزيله دون الشك في مقتضى بقاء المتيقّن.

فالخلاصة أن المستشكل يقول : ان تفصيل الشيخ الأنصاري قدس‌سره تام مقبول إذ اسناد النقض إلى المتيقن صحيح إذا كان في المتيقن استعداد البقاء والدوام ، وعليه فتختص حجّية الاستصحاب بما إذا كان الشك في الرافع دون المقتضى.

جواب المصنّف عن الإشكال

قوله : قلت الظاهر أن وجه الاسناد هو لحاظ اتحاد متعلّقي اليقين والشك ذاتا ...

ولا ريب في أن عدم انتقاض اليقين في باب الاستصحاب حقيقة انّما يكون لأجل تعدّد متعلّقي اليقين والشك ، وهذا الأمر انّما يكون على المداقة العقلية ، وامّا على المسامحة العرفية وعدم ملاحظة تعددهما زمانا فالانتقاض محقّق عرفا فكأن الشك اللاحق قد تعلّق بعين ما تعلّق به اليقين السابق.

وعليه فإذا لم يعامل معاملة اليقين في ظرف الشك صدق عليه عرفا أنّه قد نقض اليقين بالشك فيكون اسناد النقض إليه حسنا عرفا ولو مجازا بتخيّل ما فيه من الابرام والاستحكام من غير فرق بين كون متعلّقه ممّا فيه اقتضاء البقاء والاستمرار ، أم لا.

نعم ان الاسناد إليه مع اقتضاء البقاء والاستمرار في المتيقّن هو أقرب اعتبارا ولكنّه ليس ممّا يوجب تعيّنه عرفا لأنّ المتّبع في الأقربية إلى المعنى الحقيقي هو نظر أهل العرف وفهم أهل اللسان لا على الاعتبار والاستحسان ، كما لا يخفى.

توضيح : في طي قول المصنّف قدس‌سره فلا موجب لإرادة ما هو أقرب إلى الأمر المبرم ، أو أشبه بالمتين المستحكم.

١٩٣

وهو أنّه لا ريب في ان اليقين كالبيعة والعهد في حسن اسناد النقض إلى كل واحد من اليقين والبيعة والعهد باعتبار نفس كل واحد منها لا بلحاظ متعلّق كل واحد منها ، أي المتيقن (بالفتح) والواقعة التي وقعت البيعة وتحقّقت لأجلها ، والمعهود عليه فيقال نقضت البيعة ونقض العهد فكذا يقال : نقض اليقين ونقضته.

وفي ضوء هذا فلا موجب موجود لإرادة المعنى الذي هو أقرب من غيره إلى الأمر المبرم الذي هو معنى حقيقي لليقين الذي وقع الكلام حال كونه متعلّقا للنقض في لسان الروايات حتى يستعمل النقض في معناه الحقيقي الذي هو عبارة عن رفع اتصال أجزاء الشيء الذي له ابرام واستحكام وهذا متعذّر ، لأن النقض مأخوذ من نقضت الحبل فيلزم أن يكون في متعلّق النقض وهو اليقين الابرام محرزا ومسلّما حتّى يصح ادخال كلمة النقض عليه.

ومن الواضح أن في عبارة لا تنقض اليقين بالشك ليس الابرام والاستحكام بمحرزين ، إذ ورد اليقين في لسان الأخبار في باب الوضوء.

فلا جرم يدور الأمر بين الأمرين ، اما أن يستعمل لفظ النقض في لسان الروايات بمعنى رفع اليد عن الشيء وإن كان له مقتض للبقاء والاستمرار.

وامّا أن يستعمل لفظ النقض في لسان الاخبار بمعنى رفع اليد عن الشيء الذي ليس له مقتض للبقاء والاستمرار ، وحيث كان معنى الأوّل أقرب إلى المعنى الحقيقي للنقض فهو أولى بالإرادة بمقتضى القاعدة المعروفة وهي عبارة عن قول إذا تعذرت الحقيقة وتعدّدت المجازات فأقرب المجازات إلى الحقيقة المتعذّرة أولى بالإرادة هذا الاستعمال يكون مجازيا.

أو شبه اليقين بالشيء الذي ليس له إبرام واستحكام وذلك كاليقين بالوضوء أو كاليقين بالعقد الانقطاعي بين بكر وهند مثلا باليقين بالشيء الذي له ابرام وبقاء على سبيل الاستعارة ، وذلك كاليقين بالعقد الدائم بين الزوجين زيد وكلثوم مثلا ،

١٩٤

لأجل تحقّق وجه الشبه بينهما. ثم اللفظ الذي وضع للمشتبه به استعمل في المشبه ، ويقال : زيد أسد على سبيل الاستعارة ، وكذا ما نحن فيه. ويقال : اليقين بالوضوء وبالعقد الانقطاع يقين ، وهذا مراد من قول ، أو أشبه بالمتين المستحكم.

وامّا الفرق بين الاستعارة والتشبيه ان في الأوّل لم تذكر أداة التشبيه أصلا نحو : زيد أسد.

وفي الثاني ذكر أداة التشبيه في نظم الكلام مثل : زيد كالأسد. وتفصيل بحثهما موكول في علم البيان.

امّا المصنّف قدس‌سره فيقول في ردّ هذه المقالة : ان اليقين حقيقة لم يكن مقتضيا للبقاء والدوام ، ولكن يتخيّل انّه من الامور المستحكمة التي تقتضي البقاء والاستمرار لو خلى وطبعه. فلهذا يصح دخول كلمة النقض عليه وإن كان المتيقّن لا يقتضي البقاء والاستمرار ، إذ نفس تخيّل الاستمرار والبقاء في نفس اليقين يوجب حسن اسناد النقض إليه بخلاف الظن والشك ، إذ ليس البقاء والاستمرار بموجودين فيهما.

وعلى طبيعة الحال فيستفاد من قضية لا تنقض اليقين بالشك أبدا كون الاستصحاب حجّة في مطلق الأشياء سواء كان لها مقتض للبقاء والاستمرار ويكون الشك مستندا إلى الرافع ، أم كان الشك ناشئا عن وجود المقتضى للبقاء والاستمرار ، والمثال قد مضى في اشتعال السراج. هذا كلّه في المادّة ، أي مادّة النقض.

بيان الهيئة

قوله : وامّا الهيئة فلا محالة يكون المراد منها النهي عن الانتقاض ...

ولا ريب في أن أمر الشارع المقدّس قد تعلّق بأمر مقدور للمكلّف ، فالأمر

١٩٥

بغير المقدور محال عقلا وصدوره قبيح وهو لا يصدر عن المولى الحكيم جلّ وعلى وكذا نهى الشارع المقدّس حرفا بحرف فنقض اليقين بوسيلة الشك منهي عنه وكل منهي عنه بالنهي التحريمي حرام فنقضه به حرام.

فإن قيل : ان نقض اليقين بالشك ليس باختياري لأنّ اليقين الذي هو عبارة عن اعتقاد الجازم الراسخ المطابق للواقع يزول قهرا بعروض الشك وينقض به فيكون نقض اليقين بالشك أمرا غير اختياري حتى ينهى الشارع المقدّس عنه بقوله : لا تنقض اليقين بالشك أبدا.

وعليه فلا بد من أن يكون المراد عدم نقض اليقين بالشك بحسب البناء والعمل ، أي اعمل أيّها المكلّف الشاك عمل المتيقّن (بالكسر) ولا تعتن بشكك أبدا ، مثلا إذا كنت متيقنا بحياة زيد بن أرقم مثلا في السنة الماضية وتكون شاكّا في حياته في السنة الحاضرة فرتب آثار يقينك من وجوب نفقة أهله من ماله وعدم قسمة أمواله بين ورثته و ....

إذ نقض الحقيقي بعد عروض الشك غير مقدور لأنّ صفة اليقين ترتفع بمجرّد عروض الشك قهرا فليس اليقين بموجود كي ينتقض بالشك ، فلا جرم من أن يكون المراد من عدم النقض لليقين بالشك بحسب البناء والعمل سواء كان المراد عدم نقض نفس اليقين كما هو ظاهر قضية لا تنقض اليقين بالشك ، أم كان عدم نقض المتيقّن الذي هو متعلّق اليقين ، أم كان عدم نقض آثار المتيقن.

فالقضية تكون هكذا : لا تنقض آثار المتيقّن بالشك ، فهي تكون من باب المجاز في الحذف باضمار المضاف وحذفه ، أي أن يكون اليقين بمعنى المتيقن مجازا ، تكون من باب المجاز في الكلمة ، وعلى التقدير الثاني تكون من الثاني كما انّها على التقدير الاول تكون من الأوّل.

وعلى التقديرين يكون نقض الحقيقي محالا ، إذ بمجرّد عروض الشك يرتفع

١٩٦

اليقين ، أو المتيقّن ، أو آثار المتيقّن قهرا ، فيكون المراد عدم النقض بحسب البناء والعمل لا عدم نقض الحقيقي ، فإذن لا يتفاوت الحال بين كون متعلّق اليقين مقتضيا للدوام والاستمرار وبين عدم كونه مقتضيا لهما ، وكان الشك في المقتضى للبقاء والاستمرار.

وفي ضوء هذا فلا وجه للالتزام بكون متعلّق اليقين مقتضيا للدوام والاستمرار ، وكذا ولا وجه لانصراف الرواية عن ظاهرها في نفس نقض اليقين بالشك إلى نقض المتيقن بالشك من باب المجاز في الكلمة وهو عبارة عن استعمال اليقين بمعنى المتيقّن ، أو إلى نقض آثار المتيقن من باب المجاز في الحذف والمجاز في الاعراب ، وهو عبارة عن حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقام المضاف وأخذه اعراب المضاف نحو : جاء ربّك ، أي أمر ربّك ، أو حكم ربّك ، ونحو : واسأل القرية ، أي اسأل أهل القرية لاستحالة مجيء الربّ ، ولأنّ السؤال عن القرية ليس عقلائيا وان قدر الله (عزوجل) على انطاقها. وفي المقام هكذا : لا تنقض آثار المتيقن بالشك أبدا ، أو آثار اليقين بالشك أبدا كي يكون نقض اليقين أمرا اختياريا قابلا لتعلّق النهي به ، فلا وجه لهذا التصرّف على خلاف الظاهر ولا ملزم له كما لا وجه لتوهّم ان اليقين إذا كان بمعنى المتيقّن ، أو بمعنى آثار اليقين يكون النقض حينئذ حقيقيا ويكون تعلّق النهي بأمر اختياري ، إذ قد علم ممّا سبق ان نقض اليقين بالشك ليس بحقيقي في الحالتين ، فيكون المراد عدم نقض التعبّدي وترتيب آثار اليقين في حال الشك.

وعلى طبيعة الحال فالرواية باقية على ظاهرها ، وهو عبارة عن نقض نفس اليقين بالشك.

فالنتيجة انّه لا مجوّز لذلك التصرّف المذكور في الرواية الشريفة. فضلا عن الملزم لذاك التصرّف على أحد النحوين ، كما توهّم شيخنا الأنصاري قدس‌سره هذا التصرّف.

١٩٧

المراد من نقض اليقين

توضيح : وهو ان الاحتمالات المتصوّرة في هيئة الحديث الشريف أربعة :

الأوّل : ان يراد من نقض اليقين نقض نفس اليقين.

الثاني : أن يراد منه نقض أحكامه.

الثالث : أن يراد منه نقض متعلّق اليقين.

الرابع : أن يراد منه نقض أحكام المتيقّن ولكن الجميع ممتنع لو اريد النقض الحقيقي.

أمّا في الثاني والرابع فواضح ، إذ الأحكام ليست من فعل المكلّف ليمكنه نقضها ، هذا مضافا إلى أنّه لا معنى لنقضها بالشك أصلا كما لا يخفى.

وأمّا في الثالث فلأنّه ليس من أفعاله الاختيارية لا حدوثا ولا بقاء.

وامّا الأوّل ؛ فلأنّه إن اريد من حرمة نقض اليقين بالشك وجوب البقاء على اليقين حقيقة فممتنع ، إذ قد لا يكون حصول اليقين اختياريا كي يصح النهي عن انتقاضه.

ولا ريب في أن هذا التفصيل توضيح لما سبق من الاحتمالين في الحديث المبارك على مذهب الشيخ الأنصاري قدس‌سره.

قوله : لا يقال لا محيص عنه فانّ النهي عن النقض بحسب العمل ...

ولا بدّ من حمل الحديث الشريف على إرادة نقض المتيقّن لأنّ الحمل على إرادة نقض اليقين عملا ينافي مورد الرواية ، إذ الحكم المترتّب في الرواية الشريفة على حرمة النقض صحّة الصلاة والطواف والمس لخطوط القرآن الكريم وأسماء الله تعالى ، وذلك من أحكام الطهارة المشكوكة لا اليقين بها.

١٩٨

وعليه فلا محيص عن التجوّز في الكلمة ، أو إضمار المضاف في نظم الحديث الشريف.

فصار تقدير الحديث الشريف هكذا : لا تنقض المتيقّن كالطهارة بالشك ، أو لا تنقض آثار المتيقن. وتلك كجواز الدخول في الصلاة والطواف ونحوهما به.

وبتقرير آخر : وهو أن مورد الرواية المباركة اليقين والشك اللذان قد تعلّقا بالوضوء والأثر ، وهو جواز الدخول في الصلاة ونحوها ، مترتّب على صرف وجود الوضوء لا على اليقين به ، فلا يكون لوصف اليقين أثر شرعي في مورد الرواية ، فإذن لا يصح اسناد النقض ولو بحسب العمل إلى نفس اليقين.

نعم إذا كان لوصف اليقين أثر شرعي كما إذا نذر الناذر أن يتصدّق كل يوم بدرهم ما دام كونه متيقّنا بحياة زيد بن خالد فيصحّ حينئذ النهي عن نقض اليقين بسبب الشك عملا بمعنى النهي عن عدم ترتيب أثره عليه بالشك.

جواب المصنّف عنه

أجاب المصنّف قدس‌سره عنه : بأنّ تصوّر اليقين على نحوين :

الأوّل : أن يتصوّر على نحو الموضوعية والنفسية.

الثاني : أن يتصوّر على نحو الآلية والطريقية.

وعليه يصح قول القائل بالتجوّز ، أو الاضمار في الحديث الشريف ، إذا لوحظ اليقين نفسيا ومستقلا وبنفسه وبالنظر الاستقلالي.

وامّا إذا لوحظ على نحو الآلية والطريقية وبنحو المرآتية وبالنظر الآلي كما هو الظاهر في مثل قضية : لا تنقض اليقين بالشك عرفا وبمقتضى الفهم العرفي فلا يصح فصار اليقين كالقطع ، إذ كما هو موضوعي وطريقي ، فكذا اليقين حرفا بحرف.

١٩٩

وحرمة نقض اليقين بالشك ملزوم ولازمه هو البناء والعمل بالتزام حكم مماثل للمتيقّن تعبّدا ، إذا كان حكما ، أو بالتزام المماثل مع حكم المتيقن إذا كان المتيقّن موضوعا ذا حكم على نحو الكناية التي هي عبارة عن ذكر الملزوم وإرادة اللّازم مع جواز إرادة الملزوم أيضا على مبنى المشهور خلافا لصاحب المفتاح السكاكي لأنّه ذهب إلى ان الكناية عبارة عن ذكر اللازم وإرادة الملزوم مع جواز إرادة اللازم أيضا.

وتظهر الثمرة بين المذهبين فيما إذا كان اللازم أعم من الملزوم فعلى المشهور يجوز إرادة اللازم الأعم في صورة ذكر الملزوم ، ولكن لا يجوز من ذكر اللازم الأعم إرادة الملزوم الأخص على مذهب صاحب المفتاح والمثال واضح ، إذ لا ينتقل الذهن من الأعم إلى الأخص ، ولكن ينتقل من الأخص إلى الأعم. وفي الكناية لا بد من الانتقال.

وفي ضوء هذا إذا حصل اليقين بشيء لوحظ بعنوان المرآتية للشيء المتيقن لا تنقضه بالشك ، ولهذا إذا كان متعلّق اليقين نفس الحكم وفي ظرف الشك لا بد أن نلتزم بحكم مماثله تعبّدا ، وإذا كان المتيقّن موضوعا ذا حكم وفي ظرف الشك يصير معنى قضية لا تنقض لا بد أن نلتزم بحكم المماثل مع حكم المتيقن ، وليس معنى قضية لا تنقض لزوم العمل بآثار نفس اليقين بما هو يقين بمعنى الالتزام بحكم مماثل لحكمه شرعا.

قوله : وذلك لسراية الآلية من اليقين الخارجي إلى مفهومه الكلّي ...

ولا ريب في ان اليقين الخارجي القائم بالنفس الذي هو مصداق من مصاديق اليقين كما أنّه آلة ومرآة للمتيقن (بالفتح) ، إذ لا يرى المتيقن (بالكسر) سوى الأمر المتيقن (بالفتح) فكذلك مفهومه الكلّي قد يكون آلة ومرآة للمتيقن (بالفتح) فيؤخذ مفهوم اليقين في لسان الدليل ، ويكون المقصود منه هو المتيقن (بالفتح) من دون أن

٢٠٠