البداية في توضيح الكفاية - ج ٣

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ دانش
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-8-5
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٦٢٠

عشرة افراد. فالحكم وهو وجوب الاكرام لم يتعلق بفرد مخرج بالاستثناء ، وهو زيد العالم ، فلا يلزم التناقض واقعا ، إذ لم يتعلق الحكم الثبوتي أوّلا بالفرد المخرج به كي يلزم التناقض واقعا ، وكذا لا يلزم التناقض واقعا في تخصيص العمومات على القول بأن المراد من العموم ، وهو العلماء ، ليس معناه الحقيقي ، وهو الاستغراق ، بل المراد منه هو معناه المجازي ، وهو من عدا زيد العالم ، وعليه فالحكم ، وهو وجوب الاكرام ، تعلق من الأول بالافراد التي تكون غير زيد العالم فلا يلزم التناقض واقعا على هذا القول أيضا وهو رأي أكثر المتأخرين من الأصحاب رضي الله عنهم.

فتحصّل ممّا ذكر : كون العموم أي عموم العام صوريا لا واقعيا ولهذا لا يلزم من حيث التخصيص إلّا تناقضا صوريا على جميع الأقوال الثلاثة في جواب إشكال الشيخ ابن الحاجب في الكافية على الاستثناء وعلى تخصيص العمومات بالاستثناء ، هذا أولا ، أي عدم قابلية حكم العقل للتخصيص هو الاشكال الأول.

وأما الاشكال الثاني ، على ما قرّره الشيخ الأنصاري قدس‌سره في الرسائل : يكفي العقل عن الاستقلال بحجية سائر الظنون ، إذ يحتمل العقل أن ينهى الشارع المقدّس عن اتباعه كما نهى عن العمل على طبق الظن القياسي فإذا أمكن عقلا نهى الشارع المقدّس عن العمل بظن من الظنون.

والحال : أنه ليس الرافع لهذا الاحتمال بموجود في كل الظن إلّا أن يقال بقبح نهي الشارع المقدّس عن العمل على طبق الظن في حال الانسداد كما يقبح نهيه عن العمل على طبق العلم في حال الانفتاح ، إذ لا يجامع حكم العقل بكون الظن مناطا للاطاعة. وللمعصية كالعلم على طبق حكومة العقل أي توجب موافقة الظن حصول الاطاعة والامتثال لأمر المولى جلّت عظمته ، ومخالفته توجب العصيان والطغيان ، هذا من ناحية.

ومن ناحية اخرى : يقبح على الآمر التعدي من الظن إلى الشك ، أو الوهم حال

٤٢١

الانسداد كما يقبح تجاور المأمور عنه ـ أي عن الظن ـ إلى غيره ـ أي إلى غير الظن ـ حاله أي حال الانسداد مع نهي الشارع المقدّس عن العمل بالقياس إذا حصل منه الظن ، أو حصل منه الاطمئنان.

ومع عدم تجويز الشارع المقدّس العمل على طبقه فإن المنع عن العمل بالشيء الذي قد أمضاه العقل من الظن ، أو خصوص الاطمئناني من الظن لو فرض ممكنا لجرى المنع في غير القياس فلا يكون العقل مستقلا بحجية الظن ، أو الاطمئناني من الظن في حال الانسداد ، إذ من الممكن أن ينهى الشارع المقدّس عن العمل على طبق الأمارة الكذائية كما نهى عن العمل على طبق الظن الحاصل من القياس ، ولكن اختفى نهيه علينا وليس الدافع بموجود عن هذا الاحتمال إلّا كون النهي عن اتباع الظن ، أو عن اتباع الاطمئناني منه قبيحا عليه ، إذ احتمال صدور ممكن بالذات عن الحكيم تعالى شأنه ، لا يرتفع عقلا إلّا بقبحه أي بقبح ممكن بالذات مثلا ، عقاب غير المذنبين أمر ممكن ذاتا عن الحكيم المطلق والقادر المطلق ولكن قبحه مانع عن صدوره من المولى الجليل جلّ جلاله ، لأنه ظلم عليهم.

وعليه : فإذا لم يكن المنع عن العمل على طبق الظن القياسي قبيحا فلم يكن المنع عن العمل على طبق مطلق الظن غير الظن القياسي قبيحا فلو فرضنا القبح عن المنع على طبق الظن غير القياسي لفرضنا القبح عن النهي على طبق الظن القياسي.

والحال إن النهي عن العمل على طبق الظن القياسي ليس بقبيح أصلا فليس المنع عن العمل على طبق الظن غير القياسي بقبيح ، إذ ينتج رفع التالي رفع المقدم كما في نحو لو كان هذا الشيء إنسانا لكان حيوانا لكنه ليس بحيوان فينتج إنه ليس بانسان ، كما لا يخفى.

والسّر في هذا القول هو القاعدة المشهورة بين الفلاسفة والمتكلمين رحمهم‌الله إن حكم العقل غير قابل للتخصيص ، أما ما نحن فيه فيكون من مصاديق هذه القاعدة

٤٢٢

فلا جرم ليس الفرق بموجود بين الظن القياسي وبين الظن غير القياسي ، فالفرق بينهما تحكم.

فالنتيجة فلا محل لحكم العقل باعتبار الظن مع وجود العلم ، أو العلمي انتهى موضع الحاجة من كلامه وهو توضيح الاشكال المذكور زيد في علو مقامه.

في جواب المصنف قدس‌سره عنه

قوله : وأنت خبير بأنه لا وقع لهذا الاشكال بعد وضوح كون حكم العقل ...

وأنت أيها المعلم الكرام والمتعلم العزيز مطلع أنتما بأنه لا وقع ولا مورد لهذا الاشكال بعد وضوح كون حكم العقل بحجية الظن بسبب دليل الانسداد معلّقا على عدم نصب الشارع المقدّس طريقا واصلا لنا إلى الأحكام وبعد عدم حكم العقل باعتبار الظن في المورد الذي وجد فيه منصوب ، من الطريق ، من قبل الشارع المقدّس سواء كان الطريق المنصوب من قبله أمارة أم كان أصلا وتعليق حكم العقل باعتباره الظن بدليل الانسداد بعد تماميتها ـ أي تمامية مقدّمات الانسداد ـ بعدم نصب الطريق الواصل ، وعدم حكمه باعتبار به فيما وجد الطريق المنصوب واضحان لكل أحد بداهة إن من جملة مقدمات دليل الانسداد ومن جملة مقدمات حكم العقل باعتبار الظن انسداد باب العلم وباب العلمي في عصر غيبة ولي الله العظيم بالأحكام الشرعية الفرعية. فاذا وجد المنصوب من قبل المولى لبيان الحكم فلا ينسد باب العلمي بالاحكام.

وفي ضوء هذا : كان مورد حكم العقل باعتبار الظن خصوص الوقائع التي لم يكن فيها طريق علمي على ثبوت التكليف ، أو على نفيه فالوقائع التي قام من قبل الشارع الأقدس فيها الطريق على ثبوت التكليف ، أو على نفيه خارجة عن موضوع دليل الانسداد وعن حكم العقل بحجية الظن واعتباره.

٤٢٣

وعلى طبيعة الحال ، فالنهي عن اتباع الظن الحاصل من سبب خاص. وذلك كالقياس يكون بمنزلة نصب الطريق وبمنزلة جعل الأمارة على الحكم الشرعي الفرعي بل إذا وجد الأصل الشرعي في مورد الظن المنهي عنه ، وذلك كالظن القياسي ، فيكون نصب الطريق من لازم النهي عن العمل بالظن الحاصل من سبب خاص كالقياس.

وفي ضوء هذا : فلا يكون معنى النهي المذكور رفع حكم العقلي عن موضوع حكم العقل كي يلزم التخصيص في حكم العقل بل بسبب النهي المذكور يرتفع موضوع حكم العقل فلا حكم للعقل أصلا.

وليعلم أن حال النهي عن سبب مفيد للظن وذلك السبب المنهي كالقياس ، يكون مثل حال الأمر بشيء لا يفيد الظن ففي صورة أمر الشارع المقدّس بالسبب الذي لا يفيد الظن لا حكومة للعقل أصلا فكذا لا حكومة للعقل في صورة نهي الشارع الأقدس ، فلا حكومة للعقل في مورد أمر الشارع المقدس بالشيء وإن كان هذا الشيء لا يفيد الظن ، فكذا لا حكومة للعقل في مورد نهيه عن السبب الذي يفيد الظن بالحكم الشرعي الفرعي كالقياس ، كما لا يرد الاشكال في أمر الشارع المقدس باتباع الأمارة الكذائية وتلك كخبر الثقة مثلا بلحاظ حكم العقل ، فكذا لا يرد الاشكال بلحاظ حكم العقل في نهي الشارع المقدّس ففي الصورتين لا يمكن أن يجعل حكم العقل ملاك الاعتراض ومناط الاشكال ، كما لا يخفى هذا على المتأمل الدقيق.

فإشكال تخصيص حكم العقل من جهة النهي عن العمل بالظن الحاصل من القياس إذا لم يكن حكم العقل من ، أول الأمر مقيدا بعدم نصب الشارع في مورد الظن أمارة اخرى تعبدا وكذا لم يكن مقيدا بعدم نهي الشارع المقدّس عن اتباع الظن وأما إذا كان حكمه باعتبار الظن مقيدا من ، أول الأمر بعدم النهي فلا يلزم

٤٢٤

الاشكال المذكور أصلا ، إذ يرتفع موضوع حكم العقل عن مورد نصب الطريق وعن مورد النهي عن الظن الحاصل من سبب خاص ، وذلك كالقياس ، فلا يلزم في هذا المورد تخصيص في حكم العقل أصلا.

كما لا يستشكل أحد في مورد الظن إذا نصب الشارع المقدس أمارة تعبدا فكذا لا يستشكل أحد إذا نهى عن اتباع الظن الحاصل من سبب خاص ، للوجه الذي ذكر آنفا.

أما بخلاف حكم العقل بحجية العلم فإنه ليس معلقا بعدم نصب الأمارة تعبدا على خلافه ولا معلقا بعدم نهي الشارع المقدّس عن اتباع العلم اما بخلاف حكمه ، أي حكم العقل ، بحجية الظن بدليل الانسداد فإنه معلق بأحدهما كما علم سابقا.

والسّر في ذلك المطلب : أن حجية العلم ذاتية لن تنالها يد الجعل لا إثباتا ولا نفيا ، كما برهن هذا في بحث القطع ، وإن حجية الظن تعبدية وتناله يد الجعل إثباتا ونفيا كما مرّ هذا في مبحث الظن.

ولا يخفى إن في عبارة المصنف قدس‌سره من كلمة بل هو إلى كلمة بلحاظه علقة لكثرة الضمائر فيها وهي تبلغ ثمانية عشرة ضميرا مع كون بعضها مستترا ولا بأس بتوضيحها وتعيين مراجعها فيقال هو ، والضمير المستتر في يستلزمه راجعان إلى النهي والضمير المفعولي راجع إلى نصب الطريق ، والضمير في مورده راجع إلى النهي والضمير في نهيه راجع إلى الشارع المقدّس والضمير في عنه راجع إلى الظن الحاصل من القياس والضميران المجروران الثابتان في كلمة لحكمه وموضوعه راجعان إلى العقل ، والضمير المجرور في كلمة به راجع إلى النهي ، والضمير المجرور في كلمة موضوعه راجع إلى حكم العقل ، والضمير المستتر الفاعلي في كلمة لا يفيده عائد الموصول والضمير البارز المفعولي عائد إلى الظن ، والضمير في كلمة معه الأولى راجع إلى الأمر أي أمر الشارع المقدس ، والضمير في كلمة له راجع إلى

٤٢٥

العقل ، والضمير في كلمة معه الثاني راجع إلى النهي ، والضمير في كلمة بلحاظه راجع إلى العقل ، والضمير المجرور في كلمة فيه عائد إلى أمر الشارع المقدّس والضمير في كلمة فيه يرجع إلى نهي الشارع المقدّس والضمير في كلمة بلحاظه يعود إلى حكم العقل ، تعرضت هذا المطلب لتسهيل الأمر على بغاة العلم.

قوله : نعم لا بأس بالاشكال فيه في نفسه ، كما أشكل فيه برأسه ...

أي نعم لا بأس بالاشكال في النهي عن الظن الحاصل من القياس في نفس النهي عنه مع قطع النظر عن دليل الانسداد ومع قطع النظر عن حكم العقل بحجية مطلق الظن بسبب دليل الانسداد بعد تماميته كما استشكل ابن قبة (رض) في أمر الشارع المقدس ونصبه برأسه عند البحث عن إمكان التعبد بالأمارات غير العلمية وبأخبار الآحاد المجردة عن القرينة الدالة على صدقها لأن التعبد بها يستلزم المحاذير التي قد تقرّرت سابقا ، وتقرر الجواب عنها.

غاية الأمر : إن تلك المحاذير كانت تلزم في إمكان التعبد بغير العلم عند خطأ الأمارة غير العلمية عن الواقع وفي المقام تلزم المحاذير الثلاثة من إجماع الضدين ، ومن الأمر بالمتناقضين ومن تفويت المصلحة ومن الالقاء في المفسدة عند إصابة القياس المنهي عنه للواقع.

أما بيان لزوم المحاذير عند إصابة القياس المنهي عنه ، فيقال : إن القياس إذا أدى إلى وجوب شيء وقد أصاب القياس الواقع وكان هذا الشيء واجبا واقعا فيلزم من جهة النهي عن القياس اجتماع الضدين وهما الوجوب والحرمة في شيء واحد أما الحرمة فلتحريم العمل بالقياس الكذائي.

وأما الوجوب فلفرض إصابة القياس للواقع وكذا يلزم في هذا الفرض من النهي عن العمل على طبق القياس تفويت المصلحة على العباد ، وإذا أدى القياس إلى حرمة شيء وقد أصاب الواقع وكان هذا الشيء حراما واقعا فيلزم من النهي عن

٤٢٦

القياس الأمر بالمتناقضين وهما حرمة ذاك الشيء وحرمة تركه أما الأول فلاصابة القياس للواقع.

وأما الثاني فلحرمة العمل على طبق القياس ، وكذا يلزم من العمل على وفق القياس الالقاء في المفسدة لأجل كون الشيء الذي أدى القياس إلى حرمته حراما واقعا وإذا أدى القياس إلى وجوب ضد الحرام وقد أصاب الواقع وكان ضد الحرام واجبا واقعا فيلزم من النهي عن القياس تحريم الضدين معا أما حرمة الضد الذي أدى القياس إلى وجوبه فلحرمة العمل على طبق القياس وأما حرمة الضد الآخر فلفرض إصابة القياس الذي أدى إلى وجوب ضد الحرام.

نعم : محذور اجتماع المثلين كان يلزم عند إصابة الأمارة غير العلمية والطريق المنصوب من قبل الشارع المقدّس الواقع وفيما نحن فيه يلزم اجتماع المثلين عند خطأ القياس المنهي عنه مثلا إذا أدى القياس إلى وجوب شيء حرام واقعا فيلزم من النهي عنه اجتماع الحرمتين في هذا الشيء الحرمة الواقعية والحرمة الناشئة من جهة تحريم العمل بالقياس.

أما الاولى فلفرض خطأ القياس من جهة أدائه إلى وجوب ما هو الحرام واقعا.

وأما الثانية فلحرمة العمل على طبق القياس ، وإذا عرفت ما ذكر فقد علمت إن هاهنا إشكالا آخر في صحة النهي عن الظن مع قطع النظر عن حكم العقل بوجوب اتباع الظن بدليل الانسداد. بل الاشكال ثابت بالنظر إلى النهي نفسه فيقال كيف يصح النهي عن الظن مع إنه ربما يصيب الواقع فيكون النهي عنه موجبا لتفويت المصلحة ، أو الالقاء في المفسدة ، وهذا نظير الاشكال في الأمر بالظن الذي توهمه ابن قبة رضى الله عنه غاية الأمر ، إن الاشكال في النهي يختص بصورة الاصابة. وفي الأمر بصورة الخطأ ، والتكرار في المقام لزيادة توضيح الاشكال.

٤٢٧

قوله : من الواضح لا دخل لذلك في الاشكال ...

أي لا يرتبط الاشكال في كون المحاذير في الطريق المنهي عنه في مورد الاصابة في الاشكال على دليل الانسداد بخروج القياس عن عموم النتيجة ضرورة انه بعد الفراغ عن صحة النهي عن القياس مع قطع النظر عن حكم العقل بحجية مطلق الظن بدليل الانسداد بناء على الحكومة قد أشكل في عموم النهي لحال الانسداد بملاحظة حكم العقل أم لا.

فإشكال خروج القياس إشكال في صحة النهي عن القياس من ناحية حكم العقل الذي ينافي لهذا النهي وليس الاشكال في خروجه عن عموم نتيجة دليل الانسداد من ناحية صحة النهي في نفسه وذاته.

فالنتيجة : ان الاشكال على دليل الانسداد بخروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد بناء على الحكومة إشكال في صحة النهي من حيث حكم العقل ومن حيث منافات حكم العقل للنهي لا من حيث صحة النهي في نفسه وذاته ، والاشكال في كون المحاذير المذكورة في الطريق المنهي عنه ، وهو القياس ، في صورة إصابته للواقع إنما يكون من حيث النهي بما هو هو لا من حيث حكم العقل بحجية الظن فالجهة متعددة ، وتعددها موجب لتعدد ذي الجهتين.

فالاشكال متعدد لا يرتبط أحدهما بالآخر ، كما ذكر هذا آنفا ، ولكن قد عرفت فساد الاشكال بخروج القياس وإنه ليس بوارد ، إذ يكون من جملة مقدمات الانسداد انسداد باب العلم وانسداد باب العلمي بالأحكام ولكن الروايات التي تدل على حرمة العمل بالقياس أدلة علمية توجب حرمة العمل على طبق القياس الذي هو عبارة عن الحكم على معلوم بمثل الحكم الثابت لمعلوم آخر لاشتراكهما في علة الحكم فموضع الحكم الثابت يسمى أصلا ومقيسا عليه ، وموضع الآخر يسمى فرعا ومقيسا كما يقال النبيذ حرام لكون الخمر حراما.

٤٢٨

والحال : إن النبيذ يشترك مع الخمر في وصف الاسكار ، فخروج القياس عن تحت عموم النتيجة بناء على الحكومة يكون خروجا موضوعيا لا حكميا.

قوله : واستلزام إمكان المنع لاحتمال المنع عن أمارة اخرى ...

قال الشيخ الأنصاري قدس‌سره فإذا أمكن المنع عن العمل بالظن الذي يقتضي العقل بدليل الانسداد حجيّته فيمكن المنع عن العمل بأمارة اخرى ولكن قد اختفى منعه بها علينا ، وهذا الامكان يوجب عدم استقلال العقل في حكمه بحجية الظن.

والحال : إن فرض الكلام يكون في حكومة العقل بحجية الظنون ، هذا ، أولا. وثانيا : إن الظن حال الانسداد يكون مثل العلم حال الانفتاح فكما لا يمكن المنع عن العمل بالعلم فكذا لا يمكن المنع عن العمل بالظن فقد ، أورد الشيخ الأنصاري قدس‌سره في هذا المقام إشكالين : احدهما المنع عن العمل بالقياس ، وثانيهما امكان المنع عن العمل بامارة اخرى غير القياس فيلزم التخصيص في حكم العقل ويتطرق فيه.

في جواب المصنف قدس‌سره عنهما

قد أجاب المصنف قدس‌سره بأنا سلّمنا قولكم أيها الشيخ المعظم إمكان المنع عن القياس مستلزم لاحتمال المنع عن أمارة اخرى وهذا الاحتمال يستلزم عدم استقلال العقل في حكمه بحجية الظنون بدليل الانسداد.

ولكن مع ذلك يقال إن احتمال المنع عن أمارة اخرى غير القياس ثابت إذا كانت الأمارات التي لا يحتمل المنع فيها بقدر الكفاية بحيث لا يوجب المنع عن الأمارة المذكورة ترك التكاليف الواقعية وبحيث لا يلزم الخروج عن الدين بسبب احتمال المنع عن الأمارة المذكورة.

أما إذا كان احتمال المنع عن الأمارة المذكورة مستلزما لترك التكاليف

٤٢٩

الواقعية وللخروج عن الدين فالمنع عن القياس ، أو عن أمارة اخرى مع فرض استقلال العقل في الحكم بحجية الظن بدليل الانسداد بناء على الحكومة لا يستلزم المنع عن الامارات الأخر ، إذ من البديهي إن العقل في حكمه لا يستقل مع وجود المانع عن حكمه.

والمانع هنا عبارة عن الخروج عن الدين وعن ترك التكاليف الواقعية بسبب احتمال المنع عن أمارة اخرى ، كما سيأتي تحقيق هذا المطلب في مبحث الظن المانع والظن الممنوع ، إن شاء الله تعالى.

فإن قيل : إن حكم العقل بحجية العلم حال الانفتاح لا يقبل التخصيص ببعض أفراد العلم ومصاديقه دون بعضها فكذا حكم العقل بحجية الظن حال الانسداد غير قابل للتخصيص ببعض افراده دون بعضها ، إذ لا تخصيص في حكم العقل ، قلنا إن قياس حكم العقل بكون الظن مناطا للاطاعة في حال انسداد باب العلم وانسداد باب العلمي على حكم العقل بكون العلم مناطا للاطاعة في حال انفتاح باب العلم والعلمي لا يكاد يخفى على أحد من الاصوليين فساد هذا القياس لوضوح إنه مع الفارق ، وهو باطل ؛ ضرورة إن حكم العقل بحجية العلم حال الانفتاح منجز غير معلق بشيء ، إذ حجية القطع والعلم ذاتية تكون من لوازم ذاته كلزوم الزوجية للأربعة والفردية للثلاثة وحكم العقل بحجية الظن حال الانسداد معلق على انسداد باب العلم وباب العلمي بالأحكام الشرعية. وأين هذا من ذاك.

قوله : ثم لا يكاد ينقضي تعجبي لم خصصوا الاشكال بالنهي عن القياس ...

فإن قيل : لم خصصوا الاشكال في خروج القياس عن تحت عموم النتيجة ، بناء على الحكومة ، والحال إنه يلزم الاشكال بأمر الشارع المقدّس باتباع الشيء الذي لا يفيد الظن حال الانسداد ، وذلك كاليد والسوق ، إذ الأول أمارة الملكية

٤٣٠

وليس بمفيد للظن بالملكية ؛ والثاني أمارة الطهارة وليس بمفيد للظن بالطهارة ، والحال ان العقل يحكم بحجية الظن فقط فكما لا يصح المنع عن ظن من الظنون كذا لا يصح جعل ما لا يفيد الظن حجة ، إذ في كليهما خروج عن مقتضى حكم العقل وهو حجية الظن فقط ، وعلى هذا فلم خصّص الاصوليون رحمهم‌الله الاشكال بخروج القياس عن عموم النتيجة ولم يتعرضوا إشكالا على دخول ما لا يفيد الظن في الظن من حيث وجوب الاتباع ، وإلى هذا الاشكال أشار المصنف قدس‌سره بقوله لا يكاد ينقضي تعجبي لم خصصوا الاشكال بالنهي عن خروج القياس عن عموم النتيجة بناء على الحكومة حال الانسداد مع جريان الاشكال في أمر الشارع المقدّس باتباع بطريق غير مفيد للظن بداهة انتفاء حكم العقل في مورد الأمر باتباع الطريق المذكور قطعا.

وعليه : فلا يحكم العقل باتباع الطريق غير المفيد للظن في حال الانسداد لاختصاص حكمه بحجية الظن فقط في هذا الحال ، مع أنه لا يظن بأحد من العلماء رضي الله عنهم ، أن يستشكل بجعل الشارع المقدّس للطريق غير المفيد للظن في حال الانسداد.

والحال ليس عدم الاشكال في مورد الأمر بما لا يفيد الظن إلّا لأجل أن حكم العقل باعتبار الظن معلق على نصب الشارع المقدس الطريق.

وعليه : فإذا نصب الشارع المقدّس للطريق إلى الأحكام الشرعية الفرعية فلم يكن للعقل حينئذ حكم أصلا لأجل انتفاء موضوع حكم العقل بحجية الظن حال الانسداد ، إذ موضوعه في المورد الذي لم يكن هناك علم ولا علمي بالأحكام.

ومن الواضح : إنه مع نصب الشارع المقدّس للطريق إليها يوجد الدليل العلمي إلى الأحكام كما قد سبق هذا المطلب.

فالنتيجة : إن مع النصب لا حكم للعقل بحجية الظن أصلا كما لا حكم للعقل

٤٣١

مع نهي الشارع المقدس عن بعض أفراد الظن ومصاديقه وذلك كالظن القياسي لانتفاء موضوع حكم العقل حينئذ.

قوله : فتدبّر جيدا ...

وهو إشارة إلى دقة المطلب بقرينة كلمة الجيد وإلى ورود الاشكال باتباع الطريق الذي لا يفيد الظن ، إذ حكم العقل يختص بكفاية الاطاعة الظنية وبعدم كفاية الاطاعة بما دون الظن من الاطاعة الشكية والاطاعة الوهمية.

الظن بالطريق

قوله : وقد انقدح بذلك أنه لا وقع للجواب عن الاشكال تارة ...

قد ذكر الشيخ الأنصاري قدس‌سره وجوها سبعة لدفع الاشكال الذي قد سبق ذكره وهو خروج القياس عن تحت عموم النتيجة بناء على الحكومة ، وكذا ذكر غير الشيخ الأنصاري وجوها سبعة لدفع الاشكال المذكور ، ولكن ذكر المصنف قدس‌سره أربعة منها :

الأوّل : إن المنع عن القياس إنما يكون لأجل كونه مخالفا للواقع غالبا أي في غالب الوقت فالنهي عنه لا ينافي مع حكم العقل بحجية الظن حال الانسداد ، إذ العقل يحكم بحجية الظن الذي لا يخالف مع الواقع.

الثاني : إن العمل بالقياس ذو مفسدة بحيث تكون راجحة على مصلحة الواقع تدرك بسبب إصابة القياس الواقع وغالبة عليها فلهذا نهى الشارع المقدّس عن القياس وقد جعلهما الشيخ الأنصاري قدس‌سره سادسا وسابعا من الوجوه السبعة ، ولكن المصنف صاحب الكفاية قدس‌سره لم يرتضهما وقال قد انقدح لك من التوضيح السابق إن هذين الجوابين ليسا بقابلين للاعتماد والاستناد ، إذ من الواضح إن الاشكال السابق إنما يكون بعد الفراغ عن صحة المنع عن العمل على طبق القياس

٤٣٢

وإذا سلمنا النهي عنه في حدّ نفسه مع قطع النظر عن حال الانسداد فالاشكال إنما يكون بعد انسداد باب العلم وبعد انسداد باب العلمي وبعد تمامية سائر مقدمات دليل الانسداد وبعد حكم العقل بحجية الطرق الظنية فيكف نسلم منع الشارع المقدس عن القياس في حال الانسداد.

وبتقرير ، أوضح : هو أن كون القياس مخالفا للواقع غالبا إنما يصحّ المنع عن القياس من حيث هو قياس ولا يكاد يصح المنع عن القياس مع حكم العقل بحجية الطرق الظنية بلحاظ انسداد باب العلم والعلمي وبملاحظة سائر مقدمات دليل الانسداد فكيف يخصص حكم العقل بخروج الظن القياسي عن تحت حكمه بحجية مطلق الظن في حال الانسداد.

قوله : فافهم ...

وهو إشارة إلى إن منع الشارع المقدس عن القياس لا يخلو من احتمالين ؛ إما من جهة اصابة القياس الواقع ، وإما من جهة خطأه عنه ، فإذا أصاب القياس الواقع وقد فات بمخالفة القياس تكليف من التكاليف الواقعية فهو في عهدة المولى لأنه منع المكلف عن العمل على طبق القياس المنهي عنه ، وإذا خطأ القياس الواقع وقد فات بموافقة القياس تكليف من التكاليف الواقعية فالفوت في عهدة المكلف الذي عمل بالقياس مع منع الشارع المقدس عنه ، وهذا الأمر المذكور يحتاج احتياجا شديدا إلى الدقة ، كما لا يخفى.

ومع كون القياس على هذا الحال لا يكاد يستقل العقل بحجية الظن الحاصل من القياس بملاحظة حال الانسداد فلا يكون القياس منجزا للتكليف عند الاصابة وليس بمعذر له عند الخطأ ، إذ هو ليس بشيء لأنه كالمعدوم والمعدوم ليس بشيء فهذا ليس بشيء.

٤٣٣

قوله : وأما ما قيل في جوابه من منع عموم النهي عنه بحال الانسداد ...

الثالث : إن النهي عن العمل على طبق القياس يختص بزمان انفتاح باب العلم والعلمي ولا يعم زمان انسداد باب العلم والعلمي كي يلزم إشكال التخصيص بحكم العقل بحجية مطلق الظن.

الرابع : إذا كان مفاسد القياس أكثر من مصالحه فلا يحصل من القياس ظن أصلا كي يحكم العقل بحجيته حال الانسداد فلا ينافي النهي عن القياس مع حكم العقل بحجية الظن بدليل الانسداد.

أما قال المصنف قدس‌سره فهذان الجوابان في غاية الضعف والفساد ، لوجهين :

الأوّل : قيام الاجماع على المنع عنه ، أولا ، وثانيا للروايات الدالة على المنع عنه ، ومنها قوله عليه‌السلام : «السنة إذا قيست محق الدين» وهو غير مقيد بحال الانفتاح ، وإطلاقه يشمل لحال الانفتاح ولحال الانسداد ، ولعموم علة منع القياس ، وهي محق الدين وكثرة فساده أكثر من صلاحه وغلبة مخالفته للواقع والعلة متحققة في صورة الانفتاح والانسداد.

والثاني : لشهادة الوجدان بتحقق الظن من القياس في بعض الأحيان والأوقات. ثالثا : فإطلاق أدلته وعموم علته مربوطان بدفع ، أول الوجهين وتحقق الظن من القياس في بعض الأحيان مربوط بدفع ثاني الوجهين ، ولا ريب في أن المراد من الوجهين هو الوجه الثالث والرابع ، هذا مضافا إلى كون كل واحد من المنعين غير سديد للوجوه الثلاثة المتقدمة وهي إطلاق الأدلّة وعموم العلة وشهادة الوجدان بحصول الظن من القياس في بعض الأحيان.

قوله : لا يكاد يكون في دفع الاشكال بالقطع بخروج الظن الناشي منه بمفيد ...

أي ليس تقرير المنعين المذكورين بدافع الاشكال الذي نشأ من القطع

٤٣٤

بخروج الظن الناشي من القياس عن عموم النتيجة بناء على الحكومة ، إذ فرض المستشكل إفادة القياس للظن في بعض الأحيان ، إذ منع حصول الظن من القياس في بعض الأوقات مكابرة محضة كما إذا تمت المقدمات الثلاث في القياس :

الاولى : أن يثبت الحكم في المقيس عليه وهو يكون أصلا.

الثانية : ثبوت الوصف الكذائي علة الحكم ، وذلك كالاسكار في الخمر مثلا ؛ الثالثة تحقق الوصف الكذائي في المقيس وهو يسمى فرعا ثم المقدمة الاولى والمقدمة الثالثة ظاهرتان في كل قياس ، وإنما الاشكال في المقدمة الثانية وبيانها عند الأعلام رضي الله عنهم ، بطرق متعددة بينوها في المطولات ولكن إذا كان بيانها بطريقين فالقياس مفيد للظن بثبوت الحكم في المقيس :

الأوّل : الدوران بمعنى ترتب الحكم على الوصف الذي له صلاحية العلية وجودا وعدما وذلك كترتب الحرمة في الخمر على وصف الاسكار فإنه ما دام مسكرا حرام وإذا زال عنه الاسكار فقد زالت عنه الحرمة قالوا والدوران علامة كون المدار ، وهو عبارة عن وصف الاسكار علة للدائر ، وهو الحرمة والحكم ، فإذا قسنا النبيذ على الخمر من جهة تحقق وصف الاسكار فيه وقلنا هو حرام فقد حصل لنا الظن بحرمته كالخمر لتمامية المقدمات الثلاثة المذكورة في هذا المورد.

الثاني : الترديد ويسمى بالسبر أيضا ، وهو إن يتفحص ، أولا ، أوصاف المقيس عليه ويردد أن علة الحكم فيه أما هذه الصفة وأما تلك الصفة ثم يبطل ثانيا علية كل واحد من الأوصاف حتى يستقر الحكم على وصف واحد ويستفاد من الترديد كون هذا الوصف علة للحكم كما يقال علة حرمة الخمر أما اتخاذه من العنب ، أو من النخل وأما ميعانه وأما لونه المخصوص وأما طعمه المخصوص وأما رائحته المخصوصة.

وأما وصف إسكاره لكن الأول ليس بعلة لوجوده في الدبس بدون الحرمة ،

٤٣٥

والثاني ليس بعلة للحكم لوجوده في الماء.

الثالث : ليس بعلة له أيضا لوجوده في الشاي مثلا.

الرابع : هكذا لوجوده في السكر مثلا والخامس هكذا أيضا لوجوده في التفاح الفاسد كما أخبر بهذا أهل الخبرة وقال إن رائحته كرائحة التفاح الفاسد.

وعلى طبيعة الحال : فقد ثبت كون الاسكار علة للحرمة وهذا بعينه موجود في النبيذ أيضا فالظن حاصل لنا بحرمته من أجل قياسه على الخمر فالاشكال الوارد على خروج الظن القياسي عن عموم النتيجة بناء على الحكومة باق على حاله ، كما لا يخفى.

غاية الأمر أن يدفع الاشكال المذكور مع فرض صحة المنعين المذكورين ولكن هذا الفرض غير فرض ورود الاشكال ، إذ المستشكل فرض عموم المنع عن الظن القياسي لحال الانسداد ولحال الانفتاح وحصول الظن بالحكم الشرعي الفرعي من القياس.

قوله : فتدبّر جيدا ...

وهو تدقيقي لوجهين : الأول : لظهور كلمة فتدبر في التدقيق مثل كلمة فافهم. الثاني : لظهور كلمة الجيد فيه.

الظن المانع والممنوع

قوله : فصل : إذا قام ظن على عدم حجيته بالخصوص ...

إذا قام الظن على عدم حجية الظن بالخصوص كما إذا حصل الظن من الأمارات على إن الظن الحاصل من الشهرة الفتوائية ليس بحجة فيسمى الظن الأول مانعا والظن الثاني ممنوعا فهل يجب العمل على طبق الظن المانع ، أو على طبق الظن الممنوع ، أو على طبقهما معا ، أو يجب تساقطهما ولا يجب العمل على طبق

٤٣٦

ذاك الظن ولا يجب العمل على طبق هذا ، أو يقدم الظن الذي يكون له مرجّح منهما أي من الظن المانع ومن الظن الممنوع وجوه اختار المصنف قدس‌سره وجوب العمل على طبق الظن المانع وقال رحمه‌الله فالتحقيق أن يقال بعد تصور المنع عن بعض الظنون ، وذلك كامكان المنع شرعا عن الظن القياسي في حال انسداد باب العلم والعلمي وبعد تصور إمكان العمل ببعضها فلا بد حينئذ من الاعتراف بأن العقل لا يستقل بحجية الظن الذي يحتمل فيه المنع شرعا عن حجيته فضلا عما إذا كان عدم حجيّته مظنونا ، كما اشير إلى هذا الأمر في الفصل السابق في طي عبارة فلا يكون العقل مستقلا.

وعليه : يلزم الاقتصار على حجية الظن الذي قطعنا بعدم المنع عنه بالخصوص فإذا كفى هذا الظن بمقدار التكاليف الواقعية فالمطلوب حاصل وإن لم يكف به فنضم إليه الظنون التي لا نظن بالمنع عن اتباعها شرعا وإن احتملنا المنع عن اتباعها إذا قطعنا النظر عن مقدمات الانسداد ، إذ انفتح لنا حينئذ باب العلم والعلمي والعقل يلزمنا باتباع العلم والعلمي لا الظن ، وأما إذا لاحظنا انسداد باب العلم فاحتمال المنع عن اتباع الظن منسد ، إذ العقل يكون مستقلا حينئذ في الحكم بحجية الظن ومع استقلاله بحجيته فلا يحتمل المنع عن حجيته أصلا ، إذ لا يجتمع حكم العقل مع الاحتمال.

ومن هنا ظهر أنه لا فرق بين أن تكون نتيجة مقدمات الانسداد حجية الظن في الاصول ، أو حجيته في خصوص الفروع ، أو حجيته في كليهما فلا يتفاوت الحال في وجوب طرح الظن الممنوع والأخذ بالظن المانع بين ما لو قيل إن نتيجة مقدمات الانسداد هي حجية الظن بالطريق ، أو حجية الظن بالواقع ، أو حجية الظن بهما معا.

٤٣٧

ويدل على عدم التفاوت المذكور إنه لا استقلال للعقل بالحجية إذا احتمل المنع شرعا عن اتباع الظن فضلا عما إذا ظن المنع عن اتباعه فالنتيجة لا يجتمع استقلال العقل بالحجية مع احتمال المنع شرعا عن اتباع الظن فضلا عن الظن به.

وفي ضوء هذا : فيجب طرح الظن الممنوع ويجب الأخذ بالظن المانع سواء كان في الاصول أم كان في الفروع أم كان فيهما ولا يخفى إن المراد من الاصول في هذا المقام هو اصول الفقه لا اصول الدين ، إذ الظن ليس بحجة قطعا في اصول الدين كما سيأتي إن شاء الله تعالى عن قريب.

والمراد من الفروع هو علم الفقه الشريف.

قوله : فافهم ...

وهو إشارة إلى ان الحق مع المصنف قدس‌سره ، إذ لا يتفاوت الحال في وجوب طرح الظن الممنوع والأخذ بالظن المانع بين القول بحجية الظن بالطريق ، أو الظن الواقع أو بهما معا بعد ما عرفت من عدم اجتماع استقلال العقل بحجية الظن مع احتمال المنع شرعا عن الظن بالخصوص فضلا عن الظن بالمنع شرعا عن حجية الظن بالخصوص ولكن خفيت هذه النكتة على القائل بحجية الظن بالواقع بدليل الانسداد ، ذهب هذا القائل إلى وجوب الأخذ بالظن الممنوع دون الظن المانع بناء على مختاره من عدم اعتبار الظن بالطريق ولكن إذا التفت القائل بحجية الظن بالواقع إلى هذه النكتة المذكورة لقد طرح الظن الممنوع وأخذ الظن المانع.

فالنتيجة : فالنزاع لفظي صوري بين القائل بوجوب طرح الممنوع وبوجوب أخذ الظن المانع كالمصنف قدس‌سره ومن تبعه ، وبين القائل بوجوب أخذ الظن الممنوع كما ذهب إليه بعض الأعلام رضي الله عنهم.

٤٣٨

الظن بالحكم

قوله : فصل لا فرق في نتيجة دليل الانسداد بين الظن بالحكم ...

فإذا كانت نتيجة دليل الانسداد حجية الظن فلا فرق حينئذ بين الظن بالحكم الشرعي من جهة قيام الأمارة عليه كما إذا قام خبر الموثق مثلا على وجوب الشيء أو على حرمته ، وبين الظن به من جهة قيام أمارة متعلقة بألفاظ الآية الكريمة ، أو بألفاظ الرواية الشريفة كما إذا قال صاحب القاموس ، أو لغوي آخر إن الصعيد في اللغة عبارة عن مطلق وجه الأرض سواء كان ترابا خالصا أم كان حجرا ، أو مدرا أو غيرهما فقد ، أوجب قول أهل اللغة الظن في آية التيمم بجوازه على الحجر مع وجود التراب الخالص ، إذ يجوز التيمم بالصعيد بمقتضى منطوق آية التيمم.

والصعيد مطلق وجه الأرض فيجوز التيمم بمطلق وجه الأرض فيثبت حينئذ جواز التيمم بالحجر لأنه من مصاديق مطلق وجه الأرض فيكون الظن الحاصل من قول اللغوي حجّة بدليل الانسداد.

وكذا الكلام بالنسبة إلى الظن الحاصل من كلام الرجالي ومن كلام أهل الرجال في تمييز المشتركات ، وذلك كعمر بن يزيد الواقع في سند الرواية الكذائية هو الثقة بقرينة كون الراوي عنه ثقة فان توثيقه موجب للظن بالحكم الشرعي الذي تضمنته الرواية والسّر في عدم الفرق بين قول اللغوي ، وبين قول الرجالي وحدة المناط وهو أقربية الظن إلى الواقع من الشك والوهم في كليهما. أما عمر بن يزيد فهو مشترك بين الثقة ، وبين الضعيف ، وبين المجهول الحال.

فإذا روى عنه ثقة فهذا توثيق له والتوثيق موجب للظن بالحكم الشرعي الذي قد رواه عمر بن يزيد عن المعصوم عليه‌السلام.

فكل ظن حاصل من قول اللغوي بالحكم الشرعي حجة بشرط أن يكون باب العلم باللغة منسدا بالنسبة إلى خصوص لفظ الصعيد وإن انفتح باب العلم باللغة

٤٣٩

في غير لفظ الصعيد من سائر الألفاظ والكلمات ، إذ لو انفتح باب العلم باللغات حتى في لفظ الصعيد وأمثاله لأوجب ذلك انفتاح باب العلم بالأحكام الشرعية وإذا انفتح باب العلم بها فقد ثبت المنع عن العمل بالظن بالأحكام قطعا.

قوله : نعم لا يكاد يترتب عليه أثر آخر من تعيين المراد في وصية ...

نعم : لا يترتب على قول اللغوي أثر آخر غير تعيين مراد الشارع المقدّس من لفظه ، كما تقدم في لفظ الصعيد ، وذلك الغير كتعيين مراد الموصي ، أو كتعيين مراد المقر ، أو الناذر ، أو الحالف ، أو المعاهد في وصيته وفي إقراره وفي نذره وفي حلفه وفي عهده وغير هذه الامور من الموضوعات الخارجية إلّا في المورد الذي ثبتت فيه حجية مطلق الظن بالدليل الخاص غير دليل الانسداد والذي ثبتت فيه حجية الظن الذي قام الدليل العلمي على اعتبار هذا الظن ، ومثله الظن الذي حصل بحكم شرعي كلي من الظن بموضوع خارجي ، وذلك مثل الظن بوجوب شيء مثلا من جهة كون راويه عن المعصوم عليه‌السلام زرارة بن أعين مرادي قدس‌سره لا آخر ، أي لا شخص آخر لا يعلم وثاقته.

وفي ضوء هذا : فقد انقدح إن الظن الحاصل من قول الرجالي بأن راوي هذا الخبر هو زرارة بن أعين رحمه‌الله لا غيره نافع في مقام الاستنباط وإن لم يقم على اعتبار قوله دليل خاص علمي.

فالنتيجة : لا فرق في عموم نتيجة دليل الانسداد وهو حجية مطلق الظن بين الظن بالحكم من أمارة عليه كما إذا قام خبر الثقة على وجوب صلاة الجمعة عصر الغيبة ، وبين الظن بالحكم من أمارة متعلقة بألفاظ الآية ، أو بألفاظ الرواية كقول اللغوي في اللفظ الذي يفسره بالمعنى الكذائي.

وهذا اللفظ استعمل في كلام الشارع المقدس فيحصل من القول اللغوي الظن بمراد الشارع المقدس من هذا اللفظ ، وذلك كلفظ الصعيد مثلا ، واعتبار قول

٤٤٠