البداية في توضيح الكفاية - ج ٣

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ دانش
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-8-5
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٦٢٠

كالخبر الموثق الامامي.

الثاني : أن يستكشف بمقدمات الانسداد أن المنصوب من قبل الشارع المقدّس على مبنى الكشف هو الطريق الواصل إلينا ولو كان وصوله بطريقه بمعنى كون المقدمات موجبة للعلم بنصب الشارع المقدّس طريقا معينا إلى الأحكام الشرعية سواء كان تعينه لنا بهذه المقدمات الخمسة للانسداد أم كان تعينه بغير هذه المقدمات مما يوجب العلم ، أو الظن بطريقية الطريق مثل إجراء مقدمات الانسداد مرة ثانية في نفس الطريق بما هو طريق لأجل الكشف عن حال هذا الطريق.

بيان ذلك : أن يقال إن مطلق الظن حجة شرعا بسبب دليل الانسداد.

والحال : لم يعلم رضى الشارع المقدس بخصوص طريق دون طريق آخر والاحتياط التام باطل لاستلزامه العسر والحرج بل لاستلزامه اختلال النظام ، كما سبق هذا ، وترجيح المرجوح على الراجح قبيح وإهمال التكاليف لا يجوز عقلا ولا شرعا ويستكشف حينئذ من هذه المقدمات نصب الشارع المقدّس طريقا خاصا إلى أحكامه وقوانينه ، وهو عبارة عن مطلق الظن ، كما لا يخفى.

وأما الفرق بين الانسداد الكبير الذي يجري في نفس الأحكام من وجوب الشيء وحرمته و ...

وبين الانسداد الذي يجري في الطرق ، فهو أنّ الأول : يثبت رضى الشارع المقدّس بتحصيل المكلف الظن بالحكم الشرعي ويثبت حجية مطلق الظن بالأحكام الشرعية وحجيّة طبيعة الظن بما هو ظن من دون لحاظ خصوصيات الظن سببا وموردا ومرتبة.

وأما الثاني : فيتعين الطرق الظنيّة التي تجري في الأحكام الشرعية بلا نظر إلى إثبات الحجية لطبيعة الظن بما هو ظن ، إذ يحتمل أن يثبت حجية الظن الذي حصل من السبب الخاص ، وذلك كالظن الذي حصل من الخبر الموثق الامامي

٤٠١

دون غيره.

الثالث : أن يستكشف بالمقدمات على مبنى الكشف نصب طريق إلى الأحكام الواقعية بمعنى كون المقدمات موجبة للعلم بنصب الشارع المقدس طريقا إلى الأحكام الواقعية الشرعية وإن لم يصل إلينا ولم يتعين لنا لا بنفسه ولا بطريقه.

وعليه : فالثابت لنا بمقدمات الانسداد هو حجية ظن من الظنون على نحو الفرد المنتشر بين الظنون المتعددة مثل جاءني رجل وهو يدل على الفرد المنتشر بين افراد الرجل ومصاديقه بقرينة المجيء وبقرينة التنوين التمكن ولكن مع فرض عدم التمكن إلى إحراز اعتبار واحد من الظنون بالخصوص ، وذلك كالمستفاد من الخبر الصحيح الاعلائي مثلا ، مع فرض اختلاف الظنون قوة وضعفا.

وأما بيان لوازم أقسام الثلاثة المذكورة فلازم القسم الأول قد سبق مفصلا فلا حاجة إلى الاعادة.

وأما لازم القسم الثاني فيقال : إنه لا إهمال في النتيجة بحسب الأسباب والتفصيل إن الظن بالحكم حجّة إذا كان سببه واحدا وكذا إذا كان سببه متعددا بشرط أن تكون هذه الأسباب المتعددة متساوية من حيث الاعتبار بحسب اليقين أو بحسب الظن.

أما بيان حجية الظن مع وحدة السبب : فلانها توجب تعين الطريق ، أما بيان حجيته مع تعدد السبب بشرط التساوي بين الأسباب فلأن تعيّن بعض أفراد السبب في السببية يكون ترجيحا بلا مرجح ، وهو قبيح لا يصدر من المولى الحكيم ، فلا بد حينئذ من القول بحجية الظن الحاصل من أي سبب.

أما بيان المثال الأول : فيقال كان سبب الظن بالحكم الشرعي خبرا صحيحا أو خبرا موثقا مثلا دلّ خبر أبان بن تغلب عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام على وجوب الاقامة في الصلاة المكتوبة.

٤٠٢

وأما بيان المثال الثاني : فكما إذا حصل الظن بالحكم الشرعي من الخبر الواحد والاجماع والشهرة مثلا.

والتفصيل : هو إذا كانت الظنون الحاصلة من الأسباب المتعددة متفاوتة من حيث الاعتبار باليقين ، أو الظن فقد كان المتيقن اعتباره حجة ، وذلك كالظن الحاصل من الخبر الموثق الامامي مثلا ، دون غيره لأن الواصل حينئذ إلى المكلف هو معلوم الاعتبار ومتيقن الحجة إذا كان وافيا بمعظم الأحكام الفقهية وإلّا يتعدى منه إلى غيره من مظنون الاعتبار.

وأما إذا كان التفاوت في طبيعة الظن وفي نفسه بأن يكون بعض الظنون مظنون الاعتبار ، وذلك كالظن الحاصل من الخبر الحسن الذي يكون راويه إماميا ممدوحا مثلا ، وبعضها يكون مشكوك الاعتبار كالظن الحاصل من الاجماع المنقول أو الشهرة الفتوائية.

وبعضها متيقن الاعتبار ومعلوم الحجية نحو الظن الحاصل من الخبر الصحيح الاعلائي فلا بد حينئذ في تعيين الحجة منها إلى إجراء مقدمات الانسداد بأن يقال : إن باب العلم وباب العلمي بالنسبة إلى الطرق المنصوبة شرعا منسدان وإهمال الطرق لا يجوز ، إذ إهمالها مستلزم لاهمال التكاليف والأحكام وإهمالها لا يجوز قطعا إلى يوم الدين والقيامة.

فالنتيجة : إهمال الطرق لا يجوز إلى ظهور شمس الهداية (عج) والاحتياط التام في التكاليف غير واجب على المكلف لاستلزامه العسر الشديد والحرج الأكيد بل لا يجوز الاحتياط التام في جميع موارد التكاليف لاستلزامه اختلال نظام معاش الانسان بل اختلال نظام معاش الحيوانات بل اختلال نظام النباتات.

وفي ضوء هذا : فيدور الأمر حينئذ بين العمل بمظنون النصب وبين العمل بمشكوك النصب ، أو موهوم النصب ولا ريب في إن العقل يحكم بترجيح مظنون

٤٠٣

النصب على مشكوك النصب وموهوم النصب من جهة قبح ترجيح المرجوح على الراجح ، هذا كله بحسب السبب.

وأما بحسب الموارد فالنتيجة : بناء على مبنى الكشف وبناء على كون الطريق واصلا إلى المكلف ولو كان وصوله إليه بسبب طريقه كلية بالنسبة إلى الموارد كالطريق الذي وصل إلينا بنفسه وإن لم تكن النتيجة كلية لزم عدم وصوله إلى المكلف لأجل التردد في موارد حجية الظن هل هو الظن الاطمئناني أم كان غيره ، وهذا خلف الفرض ، كما قد سبق هذا المطلب في الواصل بنفسه في القسم الأول على مبنى الكشف.

وأما بحسب المرتبة فالنتيجة مهملة من جهة احتمال حجّية خصوص الظن الاطمئناني بشرط أن يكون وافيا بمعظم الفقه الشريف ، ولكن يتعدى منه إلى غيره إذا لم يف الظن الاطمئناني بمعظم الأحكام الفقهية.

ولكن ليس الاهمال في النتيجة بموجود سواء كان السبب واحدا أم كان متعددا إذا لم يكن بين الأسباب المتعددة تفاوت من حيث الاعتبار بحيث يكون بعض الأسباب متيقن الاعتبار وبعضها مظنون الاعتبار ، أو يكون بعضها مظنون الاعتبار وبعضها الآخر مشكوك الاعتبار ، أو موهوم الاعتبار.

ولا ريب في إن مقدمات الانسداد ودليله تجريان في المرحلة الثالثة لأجل جهة تعيين الحجة كي وقفنا بهذه الوسيلة على اعتبار الظن وعلى حجيته فلهذا نكرّر المقدمات مرّتين ، أو مرّات حتى يستقر أمر الحجية على الظن الواحد ، أو على الظنون المتعددة المتكثرة ، أو على الظنون التي تكون متيقنة الاعتبار دون غيرها من مشكوكة الاعتبار ، أو موهومة الاعتبار حتى ينتهي الأمر إلى الظن الواحد فيكون الظن المنتهى إليه حجّة دون غيره ، أو ينتهي إلى الظنون المتعددة التي لا تفاوت بينها من حيث كيفية الاعتبار موجود فتكون الظنون المتعددة حجّة بلا كلام ، أو يكون

٤٠٤

التفاوت بين الظنون المتعددة موجودا من حيث تيقن الاعتبار وعدم تيقن الاعتبار فيكون المتيقن من حيث الاعتبار حجّة دون غيره بشرط أن يكون المتيقن وافيا بمعظم الفقه الشريف ، وإلّا فيتعدى منه إلى غيره.

وأما بحسب الموارد والمرتبة فتكون النتيجة مثل النتيجة التي كانت في الطريق الواصل بنفسه إلى المكلف أي لا تكون النتيجة مهملة بحسب الموارد وتكون مهملة بحسب الرتبة ، والتفصيل هو التفصيل الكلام هو الكلام.

قوله : فتدبّر جيّدا ...

وهو تدقيقي لقرينة كلمة الجيّد ، أولا وثانيا لظهور كلمة فتدبر في التدقيق مثل كلمة فافهم.

قوله : ولو قيل بأن النتيجة هو الطريق ولو لم يصل أصلا ...

لمّا فرغ المصنّف قدس‌سره عن بيان الوجهين الأول والثاني ، في نصب الطريق إلى الأحكام على مبنى الكشف ، شرع في الوجه الثالث ، وهو نصب الطريق وإن لم يكن واصلا أصلا لا بنفسه ولا بطريقه إلينا فالطريق غير متعيّن لنا.

وعلى طبيعة الحال : فالاهمال ثابت في نتيجة مقدمات الانسداد من الجهات الثلاث : الأسباب ، والموارد ، والمراتب. وعلّة الاهمال عدم وصول الطريق إلينا وهو يستلزم عدم تعينه وهو يستلزم إهماله من الأسباب والموارد ، والمراتب ، وعليه فلا محيص حينئذ إلّا عن الالتزام بالاحتياط الذي يتحقق بالعمل بكل طريق كان من أطراف العلم الاجمالي ، لعدم الطريق إلى تعيين الطريق إلى الأحكام كي نعمل به فحسب والعمل بكل طريق مشروط بعدم متيقن الاعتبار وذلك كالظن الاطمئناني بين الطرق التي ثابتة بأيدينا وإلّا فالمتيقن الاعتبار هو الحجة ، ومشروط بعدم لزوم محذور اختلال النظام ، أو الحرج من الاحتياط التام وإلّا أي وإن لزم من الاحتياط محذور الاختلال ، أو الحرج الأكيد والعسر الشديد لزم التنزل من الكشف إلى

٤٠٥

حكومة العقل بالاستقلال.

ولا ريب في إن العمل بالاحتياط الذي يتحقق بالعمل بكل الطرق : من أخبار الآحاد ، والاجماعات المنقولة ، والشهرة الفتوائية ، إنما يكون بحكم العقل من باب الارشاد في الوجه الثالث على مبنى الكشف.

توضيح في طي الكشف والحكومة ، وليعلم إن المراد من الكشف أنه يستكشف من المقدمات المذكورة أن الشارع المقدّس جعل الظن حجة بحيث يجوز للمكلف أن يمتثل ، أوامر المولى بالامتثال الظني دون الامتثال الشكي ، أو الامتثال الوهمي.

والمراد من الحكومة إن العقل الحاكم بالاستقلال في باب الاطاعة يلزم المكلف بعد تمامية المقدمات المذكورة بالامتثال الظني وعدم التنزل منه إلى الامتثال الشكي وإلى الامتثال الوهمي بمعنى إن العقل يراه معذورا غير مستحق للعقاب على مخالفة الواقع مع الأخذ بالظن ومع العمل على طبقه كما يرى العقل المكلف مستحقا للعقاب على مخالفة الواقع على فرض عدم الأخذ بالظن ، وعلى تقدير الاقتصار بالامتثال الشكي ، أو بالامتثال الوهمي فيحكم العقل بتبعيض الاحتياط في فرض عدم التمكن من الاحتياط التام ، وهذا هو معنى الحكومة. فشأن العقل الادراك فقط ، إذ العقل ليس بمشرّع ليجعل الظن حجّة بل المشرّع هو المولى جلّ جلاله وعظم شأنه وعمّ نواله.

والعقل يرى المكلف معذورا في مخالفة الواقع مع الاتيان بما يحصل معه الظن بالامتثال على تقدير تمامية المقدمات ، ويراه غير معذور في مخالفة الواقع على تقدير ترك الامتثال الظني وعلى فرض الاقتصار بالامتثال الشكي ، أو الوهمي ، كما لا يخفى.

٤٠٦

لوازم الكشف

قوله : فتأمل فان المقام من مزال الأقدام ...

الأول : اما عثر قدم شيخنا الأنصاري قدس‌سره في هذا المقام حيث جعل ما يتألف منه دليل الانسداد امورا أربعة ولم يذكر المقدمة الثالثة وهي عبارة عن عدم جواز إهمال التكاليف إلى يوم القيامة.

وأما عثر قدم المصنف قدس‌سره حيث جعل المقدمات امورا خمسة ، ولكن الانصاف إنه عثر قدم المصنّف قدس‌سره في هذا المقام من جهة جعل المقدمات امورا خمسة ، إذ معنى العلم بالتكاليف الفعلية إنه لا يجوز إهمالها وعدم التعرض لامتثالها ، فذكر المقدمة الاولى ، وهي إنه يعلم إجمالا بثبوت تكاليف كثيرة فعلية في الشريعة المقدسة وجعلها من المقدمات للانسداد يستغنى عن ذكر المقدمة الثالثة وعن جعلها منها ، لأن العلم بالتكاليف يستلزم عدم جواز إهمالها.

الثاني : عثر قدم من قال بانسداد باب العلم وباب العلمي بالأحكام ، إذ قول الحق انفتاح باب العلم وباب العلمي بها في عصر غيبة ولي الله الأعظم (عج) أما بيان انفتاح باب العلم بها فلأن ظنية الطريق لا تنافي قطعية الحكم وعلميته ، فالكتاب الكريم ، والسنة الشريفة وإن كانا ظنيين من حيث الدلالة وظنيتهما دلالة لا تنافي علمية الحكم الشرعي الذي يستنبط من ظواهرهما من جهة القطع بحجية ظاهرهما وإلّا لزم إغراء المولى عباده بالجهل : أي إن لم يكن ظاهرهما حجة لزم الاغراء المذكور وهو قبيح لا يصدر من المولى الجليل عزّ اسمه.

وأما بيان انفتاح باب العلمي بالأحكام الشرعية ، فلأنا نقطع بحجية ظاهر الكتاب المجيد ، وظاهر السنة الشريفة ، كما مرّ هذا المطلب في محلّه ، وهو بحث حجية الظواهر.

الثالث : أنه عثر قدم من قال بحجيّة الظن بالواقع فقط بعد تمامية مقدمات

٤٠٧

الانسداد ، إذ الأظهر حجية الظن بالواقع وحجية الظن بالطريق معا ، إذ الملازمة العقلية ثابتة بين الظنين : الظن بالواقع ، والظن بالطريق ، للوجه الذي ذكر سابقا ، وهو القطع بحجية الظواهر فظاهر الطريق يكشف عن الواقع ، إذ هو مرآة له.

الرابع : أنه عثر قدم من ذهب إلى حجية الظن بالطريق فحسب ، بعد تمامية المقدمات وبعد تسليمها للوجه الذي قد ذكر آنفا ، وهو القطع بحجية ظاهر الكتاب الكريم ، وظاهر الأخبار.

وهم ودفع

قوله : وهم ودفع لعلك تقول إن القدر المتيقن الوافي ...

وتوهم المتوهم أنه إذا كان قدر المتيقن الاعتبار موجودا بين الظنون وكان وافيا بمعظم الأحكام الفقهية ، فلا مجال حينئذ لاجراء مقدمات الانسداد ، إذ من جملة مقدماته انسداد باب العلمي بالأحكام الشرعية في عصر الغيبة ، إذ مع وجود القدر المتيقن الاعتبار ومع كونه وافيا بالأحكام فقد انفتح باب العلمي بها.

فالنتيجة : لا تجري مقدمات الانسداد حينئذ ، كما لا يخفى.

ولكن القدر المتيقن الاعتبار والحجية موجود قطعا وذلك كالظن الحاصل بالأحكام من الأخبار الصحاح الاعلائية مثلا أجاب المصنف قدس‌سره عنه بقوله لكنك أيها المتوهم غفلت عن إن اليقين باعتبار الظن الاطمئناني الحاصل من الأخبار الصحاح يكون موجودا بسبب دليل الانسداد.

وعليه : فلو فرضنا قطع النظر عن دليل الانسداد وقلنا إن الدليل الخاص قائم على حجية الظن الاطمئنانيّ الحاصل من الصحاح الاعلائية ، أو من الثقات ، ولكن قام دليل الانسداد على حجية الظن المطلق حكومة ، أو كشفا فقد ثبتت حجية الظن الاطمئناني أيضا حكومة ، أو كشفا للملازمة بين حجية الظن الاطمئناني وبين

٤٠٨

حجية مطلق الظن عقلا والدليل على أحد المتلازمين ، وهو حجية مطلق الظن دليل على ثبوت المتلازم الآخر ، وهو حجية الظن الاطمئناني.

ولأجل هذا حكم العقل بملاحظة حجية مطلق الظن حاصلة بدليل الانسداد بحجية الظن الاطمئناني يقينا.

فالنتيجة : يكون اليقين حاصلا باعتبار الظن الاطمئناني بلحاظ دليل الانسداد ، وهذا اليقين لا ينافي مع جريان مقدمات الانسداد ، إذ المنافاة بين حجية الظن الاطمئناني وبين تتميم مقدمات الانسداد حاصلة إذا لم يكن اليقين بوجود قدر المتيقن الوافي ، وهو الظن الاطمئناني المتاخم للعلم مستندا إلى دليل الانسداد أما إذا كان مستندا إليه فلا تنافي بين اليقين بوجود القدر المتيقن الوافي بمعظم الفقه الشريف ، وبين دليل الانسداد لأن الغرض معلولية قدر المتيقن لدليل الانسداد وعلية دليل الانسداد له.

ومن الواضح : عدم التنافي بين العلة والمعلول أصلا ، بل بينهما كمال السنخية.

توضيح : وهو أنه ، إذ دلّ الدليل على وجوب قصر الصلاة الرباعية فهو دليل على وجوب إفطار الصوم وليس هذا الدليل الذي يدل على وجوب القصر بدليل على ثبوت الملازمة بين وجوب القصر وبين وجوب الافطار بل يكون هذا دليلا على وجوب الافطار.

وكذا إذا دل الدليل على ضياء العالم فهو يدل على وجود النهار ولا يدل على ثبوت الملازمة بين ضياء العالم ، وبين وجود النهار ، وعليه فلو فرضنا ان الدليل الذي يدلّ على ضياء العالم على هذا الفرض يكون دليلا على أصل الملازمة بينهما ولا يكون هذا بدليل على وجود النهار ، ولا ريب في أن هذا خلاف التحقيق ، لأن التحقيق أن يدل وجود المعلول على وجود علته ولا يدل وجود المعلول في

٤٠٩

الخارج على ثبوت الملازمة بينه وبين علته وجودا وعدما ، فوجود الحجية لمطلق الظن بدليل الانسداد يدل على وجود الحجية للظن الاطمئناني الحاصل من الصحاح ، أو الثقات به ، أي بدليل الانسداد ، ولا يدل وجودها له على أصل الملازمة بين حجية مطلق الظن وبين حجية الظن القوي المتاخم للعلم واليقين للوجه الذي قد ذكر سابقا ، كما لا يخفى.

فتحصل مما ذكر ، إن كون دليل الانسداد دليلا على طريقية القدر المتيقن إلى الأحكام ، وهو الظن الاطمئناني ، لا يكفي في الاستناد إلى أصل الملازمة بين حجية مطلق الظن سواء كان قويا أم كان متوسطا أم كان ضعيفا سواء حصل من ظاهر الكتاب الكريم ، أم حصل من ظاهر السنة أم حصل من الاجماع المنقول أم حصل من الشهرة الفتوائية ، أو الشهرة العملية ، أو الشهرة الروائية أم حصل من القياس المنصوص العلة لا المستنبط العلة ، إذ هو ليس بحجة بإجماع الفرقة الشيعة كثّر الله تعالى أمثالها في أقطار العالم.

وبين حجية الظن الاطمئناني ، بل يكفي في كون دليل الانسداد دليلا على طريقية القدر المتيقن الوافي بمعظم الفقه الشريف ، الاستناد إلى الملزوم الذي ثبت بدليل الانسداد ، والملزوم عبارة عن حجية الظن المطلق ، وإلى الملازمة بين حجية مطلق الظن وبين حجية الظن الاطمئناني معا ، وهذا معنى قول المصنف قدس‌سره لا الدليل على الملازمة.

في تعميم النتيجة سببا ومرتبة وإهمالها على الكشف

قوله : ثم لا يخفى إن الظن باعتبار الظن بالخصوص يوجب اليقين ...

فإذا حصل الظن لنا باعتبار الظن بالخصوص ، وذلك كالظن الحاصل من الأخبار مثلا فهذا الظن يوجب اليقين لنا بحجية الظن بالخصوص بناء على مسلك

٤١٠

الكشف بشرط أن تكون نتيجة مقدمات الانسداد بعد تماميتها حجية الطريق الواصل بنفسه ، إذ على هذا التقدير ، يحصل لنا اليقين بحجية الظن المذكور ، سواء كان غيره من الظنون حجّة أم لم يكن حجة ، ومن الواضح الذي لا يقبل الانكار ، هو عدم المنافاة بين احتمال عدم حجية الظن المذكور من باب حجيّة الظن الخاص ومن باب الدليل الخاص غير دليل الانسداد وبين اليقين بحجيته من جهة دليل الانسداد ، إذ من البديهي ، إذا قلنا بحجية الطريق الواصل بنفسه ، كما هو مفروض البحث.

فنحكم جزما باعتبار الظن القوي والظن الاطمئناني ولكن ليس الدليل العقلي ولا الشرعي بموجود بأيدينا على اعتبار ما عداه إلّا إذا قام الدليل غير دليل الانسداد على اعتبار غير الظن القوي وعلى حجيّته من الظنون.

فالنتيجة : على طبق الفرض المذكور وهو كون الطريق واصلا إلينا بنفسه ، إنا لا نحتمل حجية غير الظن القوي والاطمئناني حال كوننا متيقنين بحجية الظن القوي.

فإن قيل : إنا نحتمل عدم حجية الظن القوي بالخصوص نظرا إلى الآيات الناهية عن اتباع الظن وإلى الروايات الناهية عنه أيضا فيتحقق مورد القاعدة المشهورة بين الأعلام رحمهم‌الله ، وهي عبارة عن القول إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال كما تمسك بها سيدنا الأجل استادنا الأعظم الآقا المدرس اليزدي قدس‌سره في الموارد على ما خطر ببالي القاصر الفاتر.

قلنا إن احتمال عدم حجيّته لا ينافي القطع بحجيته بملاحظة دليل الانسداد إذ احتمال عدمها إنما يكون بلحاظ الآيات الناهية عن اتباع الظن والروايات المانعة عنه والقطع بحجيته إنما يكون بملاحظة دليل الانسداد ومقدماته بعد تماميتها وبعد تسلمها ضرورة إنه على الفرض المذكور وهو كون الطريق واصلا إلينا بنفسه لا

٤١١

يحتمل أصلا أن يكون غير الظن القوي حجّة بلا نصب قرينة على حجيته وبلا قيام الدليل عليها ولكن يحتمل أن يكون الظن القوي حجة دون غير الظن القوي من الظنون الأخر لأجل الشيء الذي هو ثابت في الظن القوي من أقربيته إلى الواقع لكونه أقرب إلى العلم بالمعنى الأخص من غيره ولكن العلم أقرب إلى الواقع من غيره من الظن والشك والوهم فبعد العلم يكون الظن القوي أقرب إلى الواقع.

وبالجملة : فيدور الأمر بين حجية كل الظنون ، وبين حجية الظن المظنون الاعتبار بملاحظة دليل الانسداد وبلحاظ تماميتها وتسلمها لكونه ذا مزية لأجل قيام الظن على اعتباره فبلحاظ دليل الانسداد يكون الظن القوي الذي حصل لنا الظن باعتباره بسبب دليل الانسداد حجة قطعا سواء كان غيره من الظنون حجّة أم لم يكن غيره حجّة فيكون الظن القوي مقطوع الاعتبار فقط.

قوله : ومن هنا ظهر حال القوة ولعلّ نظر من رجّح بها ...

فإذا كان بعض الظنون أقوى من بعض ، وذلك كالظن الحاصل من الخبر الصحيح الاعلائي بالاضافة إلى الظن الحاصل من الخبر الثقة ، وكالظن الحاصل من الخبر الثقة بالاضافة إلى الظن الحاصل من الخبر الحسن وو ، فيمكن الترجيح بهذه القوة بحيث يكون الأقوى حجة قطعا لأن القوة مما يصح الاعتماد عليها في تعيين الطريق إلى الأحكام.

وقوله ولعل نظر من رجّح بها إلى هذا الفرض وكان منع شيخنا العلامة قدس‌سره إشارة إلى ما وقع بينه ـ أي بين الشيخ الأنصاري قدس‌سره ـ وبين المحقق التقي صاحب الحاشية رحمه‌الله وبين الفاضل النراقي صاحب المستند قدس‌سره من الخلاف في جواز الترجيح بالظن بالاعتبار بناء على الكشف فمنعه شيخنا الأنصاري قدس‌سره لأنه بعد ما لم يكن الظن حجّة فلا دليل بموجود على جواز ترجيح الظن القوي على الظن الضعيف بسبب الظن باعتبار الظن القوي لأن الظن سواء كان قويا أم كان ضعيفا

٤١٢

ليس بحجة ولكن رجّح القوي على الضعيف بسبب الظن بالاعتبار المحقّقان صاحب الحاشية وصاحب المستند قدس‌سرهما.

أما المصنف قدس‌سره فقد أراد جعل النزاع بينهم لفظيا صوريا لا معنويا حقيقيا.

وتوضيح ذلك : هو أن نظر القائل بالترجيح إلى كشف مقدمات الانسداد بعد تماميتها عن نصب الطريق الواصل بنفسه بناء على مسلك الكشف ، وأن نظر المانع عن الترجيح إلى كشف المقدمات عن نصب الطريق الواصل بطريقه لا بنفسه ، أو كشف المقدمات عن نصب الطريق وإن لم يكن واصلا إلينا لا بنفسه ولا بطريقه.

وبهذا النحو يمكن أن يجمع بين كلمات الأعلام رحمهم‌الله في هذا المقام وأن يرتفع النزاع من البين وأن يستقر الاتفاق بينهم لأن المانع عن الترجيح يتقبل مبنى القائل به والقائل بالترجيح يتسلم قول المانع عنه.

وعليه : فيرتفع النزاع من البين ويستقر الصلح ، وهو خير بمقتضى الآية الشريفة ، وهي قوله تعالى (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ)(١).

لكن عليك بالتأمل التام في هذا المقام من حيث تمامية آية المقدمة من المقدمات ومن حيث عدم تمامية آية المقدمة من المقدمات ، ولكن لا ريب في تمامية المقدمة الاولى ، إذ العلم الاجمالي بوجود التكاليف الفعلية التي لا بد من التعرض لامتثالها حاصل لكل مكلف مسلم فإنا لسنا كالبهائم نفعل ما نشاء ونترك ما نريد.

فالمقدمة الاولى : مما لا إشكال في تماميتها ، إذ لم يرض الشارع المقدس بالضرورة بإهمال التكاليف المعلومة قطعا.

وأما المقدمة الثانية : فهي بالنسبة إلى انسداد باب العلم تامة بالاضافة إلى معظم الأحكام ، إذ معظمها يستنبط من الكتاب المقدّس ومن أخبار الآحاد ولا ريب

__________________

١ ـ سورة النساء ، آية : ١٢٨.

٤١٣

في ظنية دلالتهما وإن كان الأول قطعيا من حيث الصدور ، اما بخلاف الثاني فانّه ظنّي من حيث الصدور أيضا ، وأما بالنسبة إلى انسداد باب العلمي فصحتها متفرعة على أحد الأمرين على سبيل منع الخلو بالمعنى الأخص بمعنى إن أحد الأمرين يكفي في إثبات انسداد باب العلمي :

أحدهما : عدم حجية الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة وتلك كالكافي ، والاستبصار ، والتهذيب ، ومن لا يحضره الفقيه ، وغيرها أما من جهة عدم ثبوت وثاقة رواتها ، وإما من جهة عدم حجية خبر الثقة بعد ثبوت وثاقة رواتها.

ثانيهما : عدم حجية ظواهر الأخبار الموجودة في الكتب المعتبرة عند علماء الشيعة رضي الله عنهم ، بالنسبة إلينا لاختصاص حجية الظواهر بالمقصودين بالافهام والتفهيم.

والحال ، أنه لسنا منهم ، فعلى كل من التقديرين ينسد علينا باب العلمي بالأحكام الشرعية ، إذ على تقدير عدم ثبوت وثاقة الرواة ، أو على تقدير عدم حجية خبر الثقة تسقط الروايات عن الحجية من حيث السند وإن قلنا بحجية الظواهر بالنسبة إلى غير المقصودين بالافهام ، كما هو المشهور.

وعلى تقدير عدم حجية الظواهر بالنسبة إلينا تسقط الروايات عن الحجية من حيث الدلالة وإن كنا متيقنين بصدورها من المعصوم عليه‌السلام.

فالنتيجة : إذا تمّ أحد هذين الأمرين المذكورين ، فقد تمّ انسداد باب العلمي كما إنه لا بد للقائل بانفتاح باب العلمي من دفع كلا الأمرين ومن إثبات حجية الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة من حيث السند والدلالة ولكن قد ذكر في بحث حجية الخبر وفي بحث حجية الظواهر الأمران ، إذ قد ثبتت سابقا حجية الظواهر وحجية الأخبار بالنسبة إلينا أيضا ، فلا حاجة إلى الاعادة.

وأما المقدمة الثالثة : فتفصيل الكلام فيها إن التقليد والرجوع إلى الغير واضح

٤١٤

البطلان لأن القائل بالانسداد يرى خطأ من يدعي الانفتاح فيكون الرجوع إليه من قبيل رجوع العالم إلى الجاهل في نظر الانسدادي.

وأما العمل بالقرعة فهو فاسد بالضرورة لأن أساس الأحكام الشرعية غير مبتن على مثل القرعة لأن حجيتها ثابتة في موارد قليلة من الشبهات الموضوعية فالرجوع اليها في الشبهات الحكمية باطل بالضرورة.

وأما الرجوع إلى الاصول العملية في كل مورد ، فتحقيق القول فيه قد سبق مفصّلا من حيث كونها اصولا محرزة وأما الاحتياط التام في جميع الشبهات فهو غير واجب لعدم إمكانه في جميعها فالتكليف بغير الممكن وبغير المقدور قبيح بضرورة العقل ، وهو غير جائز شرعا لأن الشارع المقدّس لا يرضى بهذا النحو من الاحتياط قطعا.

وعلى طبيعة الحال ، فالمقدمة الثالثة مسلّمة كالمقدمة الاولى ، والرابعة التي هي عبارة عن قبح ترجيح المرجوح على الراجح ، ولا يخفى إن ترتيب المقدمات بهذا النحو على مسلك الشيخ الأنصاري قدس‌سره لا على مسلك صاحب الكفاية رحمه‌الله.

فالتحقيق في مقدمات الانسداد كما ذكر ، ويكون مقصود المصنف قدس‌سره من الأمر بالتأمل التام مستفادا من كلمة عليك لأنها بمعنى لتلزم ، إذ هي اسم فعل من أسماء الأفعال تجئ بمعنى فعل الأمر الحاضر.

الترجيح بالظن والقوة

قوله : ثم لا يذهب عليك إن الترجيح بها إنما هو على تقدير كفاية ...

أي : لا يخفى عليك إن الترجيح بالاعتبار وبالقوة إنما هو على تقدير كفاية الراجح بمعظم الفقه الشريف ، وإلّا فلا بد من التعدي من الراجح إلى المرجوح بمقدار الكفاية فيجب العمل على طبق الراجح وعلى طبق المرجوح الذي اقتضى لكفاية

٤١٥

العمل به فيختلف الأحوال والأنظار.

أما بيان اختلاف الأنظار فهو إنه ربما يحصل الظنون الراجحة بنظر الفقيه بمقدار الكفاية بحيث لا يحتاج إلى التعدي ولكن لا يحصل الظنون الراجحة القوية بمقدار الكفاية بنظر الفقيه الآخر ويحتاج هذا الفقيه حينئذ إلى التعدي من الراجح إلى المرجوح.

وأما بيان اختلاف الأحوال ، فيقال إن حال الظنون الراجحة من حيث الكمية مختلف بنظر الفقهاء رضي الله عنهم ، إذ بعضهم يعمل في الفقه الشريف ، بكثير من الظنون الراجحة ، والآخر يعمل بقليل منها بحيث يرتفع الاحتياج في الفقه المقدّس فكثير من الظنون الراجحة حجة وواجب الاتباع عند بعضهم من جهة العمل بكثير منها وذلك كالظن الحاصل من ظواهر الكتاب ومن الصحاح ومن الثقات ومن الحسنات من الأخبار والسنة وأما عند بعض الآخر فقليل منها حجّة.

هذا ، مضافا إلى إن الفقيه يرى الظن بالاعتبار موجبا للترجيح ، والفقيه الآخر لا يرى الظن بالاعتبار سببا للترجيح فيتفاوت الأنظار ويختلف أحوال الأخبار من حيث الكمية كثرة وقلة.

قوله : وأما تعميم النتيجة ...

وأما تعميم مقدمات الانسداد بناء على مسلك الكشف ، إذ بواسطة المقدمات استكشفنا إن الشارع المقدس نصب طريقا لنا وهو مردد بين الظنون المتعددة فبملاحظة علم الاجمالي فلا بد من الاحتياط ، ومن القول بحجية كل ظن من الظنون سواء كان أقوى أم كان قويا أم كان ضعيفا ، ولا ريب في أن مقتضاه لزوم الاحتياط في جميع أطرافه والاحتياط يتحقق بالعمل على طبق كل ظن من الظنون.

وفي ضوء هذا : فقد ثبت وجوب الاحتياط وارتفع الاهمال في النتيجة.

ولكن هذا التعميم لا يتم بناء على مبنى الكشف ، إلّا إذا كانت نتيجة

٤١٦

المقدمات نصب الطريق الذي لم يصل إلينا أصلا ، إذ الاحتياط واجب حينئذ في جميع الأمارات الواصلة إلينا ، أما بخلاف أن تكون النتيجة طريقا واصلا بنفسه ، أو طريقا واصلا بطريقه ، بناء على مسلك الكشف ، فلا موجب للاحتياط حينئذ ، إذ يجب علينا أن نعمل على طبق الطريق الواصل بنفسه ، أو بطريقه فقط ، هذا ، أولا.

وثانيا : إن العلم الاجمالي بنصب الطريق يوجب الاحتياط في موارد الأمارات التي تكون مثبتة للتكاليف ، وأما إذا كانت الأمارات والاصول نافية لها فلا وجه لوجوب العمل على طبقها ، مثلا إذا دل خبر الصحيح على عدم وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة ، أو دلت أصالة البراءة على عدم وجوبها لتعارض النصين أحدهما يدل على وجوبها في عصر الغيبة والآخر يدل على حرمتها فيه فهما تعارضا وتساقطا وبعد التساقط حصل لنا الشك في وجوبها وعدم وجوبها فنجري البراءة ، فللمكلف أن يعمل حينئذ باحتمال وجوبها ويحتاط بإتيانها برجاء المطلوبية أي مطلوبية وجوبها ويترك العمل بالخبر الصحيح وأصالة البراءة لجواز الاحتياط في المسألة الفرعية وإن كان خبر الصحيح قام على عدم الوجوب معلوم الحجية ، وكذا أصالة البراءة تحكم بعدم الوجوب كانت معلومة الحجية إذا لم يتعارضا مع اصالة الاحتياط واما إذا تعارضا مع الاحتياط فلا يكونان معلومين الحجيّة.

نعم : إذا كان تمام مدرك المسألة الفرعية أصلا ودليلا نافيا للتكليف بحيث يحصل لنا القطع بنفي التكليف من وجوب ، أو حرمة ويحصل لنا الأمن من العقوبات المحتملة ، فلا محل للاحتياط بالاتيان في هذا الفرض ، كما لا يخفى.

وأما إذا قامت الأمارة ، كالخبر الصحيح ، أو الموثق ، على نفي التكليف ولكن كان مقتضى الأصل في المسألة هو الاحتياط بالاتيان فلا ريب في إن الاحتياط مقدم في المسألة الفرعية على الاحتياط في المسألة الاصولية إذا قلنا بحجية أخبار

٤١٧

الآحاد الصحاح منها والثقات منها فالاحتياط هو العمل على طبقها ، أي على طبق الامارة التي تدل على نفي التكليف ولكن احتملنا وجوب الشيء في علم الاصول وفي المسألة الاصولية وإذا عملنا باحتمال وجوب شيء وأتينا به فالاحتياط في علم الفقه الشريف ، وفي المسألة الفرعية ولا ريب في تقدم الاحتياط الثاني على الاحتياط الأول.

وأما الفرق بين المسألة الفقهية وبين المسألة الاصولية ، فقد سبق في الجزء الأول ، فلا مورد للاعادة.

فالنتيجة : إذا كان الاحتياط لازما في المسألة الفرعية فلا يجوز رفع اليد عنه بحيث لا يفعل المكلف محتمل التكليف لأن الظن بنفي التكليف لا ينافي مع الاحتياط بإتيانه محتمل الوجوب رجاء ، إذ الظن بنفي التكليف بمعنى عدم المقتضى للاتيان وليس بمعنى وجود المفسدة في الاتيان كي يتحقق التنافي بين الظن بعدم التكليف من طريق قيام الامارة على نفي التكليف وبين الاحتياط بالاتيان أي إتيان محتمل الوجوب احتياطا بقصد رجاء المطلوبية والمحبوبية عند المولى جلّ شأنه ، فكيف يحكم بالتنافي بين الظن بنفي التكليف ، وبين الاحتياط الذي يتحقق بإتيان محتمل التكليف.

والحال : إنه إذا قام الدليل القطعي على نفي التكليف فمع ذلك يجوز الاتيان بالتكليف احتياطا. وعلى كل حال ، فإذا لم يجب الأخذ بمقتضى الظن إلّا من باب الاحتياط لأجل كون الظن مشكوك الاعتبار والحجيّة فلا يعلم إن أيّ ظن حجة فيلزم الأخذ والعمل بجميع أطراف العلم الاجمالي احتياطا فيجوز الحكم بجواز الاحتياط في جانب ثبوت التكليف فلا جرم أن يؤتى به رجاء.

قوله : فافهم ...

وهو إشارة إلى إن نتيجة مقدمات الانسداد بعد تماميتها إذا كانت بنحو

٤١٨

الحكومة فيكون عموم الظن حجة لأن حكم العقل غير قابل للتخصيص فيلزم الاشكال حينئذ بالاضافة إلى خروج الظن القياسي عن الحجية على الحكومة وأما على الكشف فلا يلزم الاشكال المذكور ، إذ حجية الظن حينئذ بيد الشارع المقدّس يتصرف كيف يشاء.

إشكال خروج القياس

قوله : فصل : قد اشتهر الاشكال بالقطع بخروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد ...

فإذا قلنا بحكومة العقل بحجية الظن بسبب مقدمات الانسداد بعد تماميتها فقد استشكل بخروج الظن الحاصل من القياس من عموم النتيجة ، إذ هو ليس بحجة بإجماع العلماء أي علماء الشيعة رحمهم‌الله إلّا ابن الجنيد رضى الله عنه وهذا الاشكال وارد بناء على الحكومة.

وأما بناء على الكشف فلا يرد هذا الاشكال أصلا ، إذ حجية الظن تكون بيد الشارع المقدّس وبجعله فله أن يجعل الحجية لبعض الظنون ولم يجعلها لبعض الظنون على حسب المصلحة في نظره المبارك.

وأما إذا قلنا بالانسداد وبأن العقل يستقل في الحكم بحجية الظن في حال انسداد باب العلم وباب العلمي كحكمه بحجية العلم في حال الانفتاح فيقع الاشكال حينئذ من ناحية خروج الظن القياسي عن تحت عموم حكم العقل بحجية مطلق الظن.

والحال ، إن حكم العقل لا يقبل التخصيص ولا التقييد ، والسر في عدم جواز تخصيص حكم العقل هو لزوم التناقض فإن العقل إذا حكم حكما عاما بحسن كل عدل مثلا بحيث يشمل هذا الفرد ، مثل عدل زيد ، وذاك الفرد كعدل عمرو ، وذلك

٤١٩

الفرد ، كعدل بكر ثم خصّصنا حكم العقل بغير هذه الافراد المذكورة فقد لزم التناقض في حكمه ، إذ يلزم الحكم بحسن هذا العدل وذاك العدل وذلك العدل ، وبقبح هذا العدل ، وذاك العدل ، وذلك العدل ، وما هذا إلّا تناقض صريح ، وكذا الحكم في الظن حال الانسداد ، وفي العلم حال الانفتاح.

فإن قيل : يلزم التناقض في تخصيص العمومات اللفظية بناء على تقرير التناقض في حكم العقل لو خصّص بخروج الفرد ، أو الفردين ، أو الافراد كما قد سبق هذا في طي إشكال خروج الظن القياسي عن تحت عموم حكم العقل وعن تحت عموم النتيجة ، قلنا لا يلزم التناقض الجدي في تخصيص العمومات اللفظية بل يلزم التناقض الصوري ، إذ لا يخالف الاستثناء للحكم كي يلزم التناقض ، إذ المراد من المستثنى منه ليس الاستغراق وعموم الافراد بل المراد منه ما بقى بعد الاستثناء ولكن اريد ذلك منه مجازا ، والاستثناء يكون قرينة المجاز.

مثلا إذا قال المولى اكرم العلماء إلّا زيدا أي أكرم علماء غير زيد العالم فالحكم ، وهو وجوب الاكرام ، لم يتعلق بالاصالة ومن أصله إلّا بالباقي وهو أفرادهم غير زيد العالم فمخالفة الاستثناء للحكم يكون بحسب الظاهر وليست المخالفة بينهما بحسب الواقع ، وهذا القول في تخصيص العمومات اللفظية مختار أكثر المتقدمين من الأصحاب رضي الله عنهم.

وفي ضوء هذا : فلا يلزم التناقض في تخصيص العمومات اللفظية واقعا بل يلزم صورة ، ولا بأس به.

وكذا لا يلزم التناقض واقعا في تخصيص العمومات بالاستثناء على القول بأن المجموع المركب من المستثنى منه والمستثنى وأداة الاستثناء ك (الّا) عبارة عن الباقي غير الفرد المخرج بسبب الاستثناء ، فللباقي اسمان مفرد ، وهو التسعة مثلا ، ومركب وهو العلماء إلّا زيدا في قول المولى اكرم العلماء إلّا زيدا فإذا كان افرادهم

٤٢٠