البداية في توضيح الكفاية - ج ٣

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ دانش
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-8-5
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٦٢٠

وفي ضوء هذا : فليعمل بالظن بالواقع وبالظن الطريق معا ، أو لا يعمل بهما ، فلا معنى للتفكيك بينهما ، كما قال به الاخوان صاحب الحاشية وصاحب الفصول قدس‌سرهما.

قوله : لا يقال إنما لا يكون أقرب من الظن بالواقع ...

فاستشكل من جانب صاحب الفصول رحمه‌الله على جواب المصنف قدس‌سره بأن الظن بالطريق لا يكون أقرب إلى العلم بالواقع من الظن بمؤدى طريق معتبر إذا لم يصرف التكليف الفعلي من الواقع إلى مؤديات الطرق والأمارات ، وأما إذا صرفناه منه إليها لأن المكلفين موظفون بالعمل بمؤديات الطرق والأمارات لا بالواقع بما هو واقع فلا جرم بعد انسداد باب العلم بطريقية الطريق يكون الظن بالطريق أقرب من الظن بالواقع إلى العلم بالواقع لأجل جعل الشارع المقدّس أحكاما لجميع المكلفين أعم من العالم بها والجاهل بها والرجل والمرأة والعربي والعجمي وو.

ولكن قيّد مطلوبه بطريق الأمارات والطرق وبمؤداهما بحيث يحصل غرضه ويمتثل أمره ونهيه إذا امتثل العباد من طريقهما ، أوامره ونواهيه ، فلا يحصل الغرض من طريق آخر إذا امتثلوهما.

وفي ضوء هذا : فيكون الظن بالطريق حجة لا الظن بالواقع.

في جواب المصنف قدس‌سره عنه

قوله : فإن الالتزام به بعيد ...

والمصنف قدس‌سره قد أجاب عنه بأجوبة خمسة ، وهي تبين ذيلا :

الأوّل : أن صرف التكاليف عن الواقع إلى مؤديات الطرق والأمارات يستلزم التصويب الباطل.

وبيان ذلك : إن الأمارات والطرق قد جعلت من قبل الشارع المقدّس للشاك

٣٨١

في الحكم الواقعي الفعلي فإذا عمل المكلف على طبقها فلا يخلو من وجهين :

أحدهما : إن الحكم الواقعي يكون تكليفا للعالمين به ، وأما الجاهلين والشاكين فيكون تكليفهم هو العمل بمؤديات الطرق والأمارات لانتقال الواقع إليها من جهة صرف الواقع إلى مؤدياتها من باب التقييد بهذا المعنى كلما دل عليه الطرق والأمارات فهو مكلف به في حقهم.

وعليه : فإذا قامت الأمارة على حكم فيصير الواقع مضمحلا عن مرحلة الجعل والتقنين وعن مرتبة الانشاء ويكون مؤدى الأمارة مكلفا به في موضع الواقع فلهذا لا بد أن يفعله المكلف بعنوان إنه مؤدى الطريق ، وهذا تصويب باطل بالاجماع.

الثاني : لو سلّمنا إن الصرف المذكور على نحو التقييد الذي ذكر سابقا لا يستلزم التصويب الباطل ، ولكن إجماع العلماء رحمهم‌الله قائم على بطلان هذا الصرف إذ باتفاق الآراء إتيان الواقع بما هو واقع مجزئ لا بما هو مؤدى الطريق ، كما عرفته آنفا.

وفي ضوء هذا : فإذا اتى المكلف الواقع بما هو واقع فيكون هذا مجزيا قطعا حال الانفتاح ففي زمان انسداد باب العلم بالأحكام يكون الظن بالواقع بما هو واقع قائما مقام العلم كما إن العلم بإتيان الواقع مجزيا حال الانفتاح فكذا الظن بإتيان الواقع بما هو واقع مجزي حال الانسداد وليس المجزي خصوص الظن بالطريق.

في الجواب الثالث عنه

قوله : ومن هنا انقدح إن التقييد أيضا غير سديد ...

الثالث : قال المصنف قدس‌سره فانقدح من التوضيح السابق إن الصرف ولو كان بنحو التقييد السابق غير سديد أي غير صحيح وليس الالتزام به بمفيد في حل

٣٨٢

العويصة والمشكل ، وهو ـ أي المشكل ـ حجيّة خصوص الظن بالطريق ، بلا حجيّة الظن بالواقع.

والسر في ذلك المطلب ، أنّ التكاليف التي تكون عامة البلوى غير ممكن فيها إذا ظن المكلف بها الانفكاك عن الظن بالتكليف الواقعي فكيف يعقل أن يقال إن نتيجة تمامية المقدمات الخمسة حجية خصوص الظن بالطريق بلا حجية الظن بالواقع والحال إنه لا يمكن الانفكاك بينهما ، وهذا واضح.

الرابع : قال المصنف قدس‌سره لو قلنا بالصرف لا على نحو التقييد الذي قد ذكر سابقا لكان الأمران موجودين ، الأول : وجود الحكم واقعا. الثاني : كون الحكم مؤدى طريق معتبر ، كالخبر الصحيح ، وكالخبر الثقة مثلا.

وعليه : فلا أثر لمجرد الظن بالطريق إذا لم يوجب هذا الظن حصول الظن على إن مؤدى الطريق والمظنون يكونان واقعا كما قلنا سابقا بأن الصرف على نحو التقييد المذكور لا ينفع في صرف الظن بالطريق إلى الظن بالواقع ، إذ الظن بالواقع مقيد بالظن بالطريق ولكن صرف الظن بالطريق بلا ظن إصابة الواقع لا يستلزم الظن بالواقع ، كما لا يخفى.

وفي ضوء هذا : فقول الفصول فاسد.

قوله : هذا مع عدم مساعدة نصب الطريق على الصرف ولا على التقييد ...

الخامس : قال المصنف قدس‌سره إذا أغمضنا النظر عن الاشكال الأول والثاني والثالث والرابع لكن يرد على قول الفصول الاشكال الخامس.

أمّا بيانه : فيقال إن نصب الطريق وجعل الأمارة من قبل الشارع المقدّس لا يلائمان مع الصرف أصلا سواء كان بلا تقييد أم كان مع التقييد الذي قد ذكر غير مرة ، كما لا يخفى.

نعم : غاية نصب الطريق أن لنا علما إجماليا بأن الشارع المقدّس من جهة

٣٨٣

إيصال المكلفين إلى الواقعيات نصب الطرق والأمارات بقدر الكافي ، وهذا العلم الاجمالي الكبير إلى العلم التفصيلي بالتكاليف الفعلية في مضامين الطرق المنصوبة وإلى الشك البدوي في غير الطرق المنصوبة.

وعليه : فلا جرم يكون خصوص مؤديات الطرق حجة ، وغيرها خارج عن أطراف العلم الاجمالي ، ولكن انحلال العلم الاجمالي بالتكاليف الواقعية في الشريعة المقدسة إلى العلم الاجمالي بنصب الطرق والأمارات وإن كان مقتضاه عدم تنجز الواقع الذي لم يؤد إليه الطريق ولكن هذا الانحلال مبني على منجزية العلم الاجمالي الصغير وعلى إيجابه للاحتياط في أطرافه إلّا أن عدم تنجز الواقع إنما هو في ظرف لزوم رعاية العلم الاجمالي بنصب الطرق ولكن المفروض عدم لزومها ، بل عدم جوازها أما عدم لزومها فلأجل لزوم العسر والحرج من الاحتياط في الأطراف وأما عدم جوازها فلأجل لزوم اختلال النظام منه.

وبناء على عدم لزوم الاحتياط ، أو بناء على عدم جوازه يكون التكاليف الواقعية في الشريعة المقدسة مثل الموضع الذي لم يكن هناك العلم الاجمالي بالنصب أي نصب الطرق والأمارات في كفاية الظن بالأحكام الواقعية حال انسداد باب العلم لسقوط العلم الاجمالي بالنصب عن التأثير ، إذ لا يجب الاحتياط في أطرافه بل لا يجوز فيها كأنّه لم يكن العلم الاجمالي بنصب الطرق والأمارات موجودا ، كما لا يخفى.

وعلى طبق هذا التقرير ، إن العلم الاجمالي بنصب الطرق ليس بموجود ولا ريب في كفاية الظن بها إذا انسد باب العلم بها سواء حصل الظن بالطريق والأمارة أم لم يحصل الظن بهما.

ولكن ، قال المصنف قدس‌سره : مع عدم وجوب الاحتياط ومع عدم جوازه لا بد من رعاية الواقعيات وإطاعتها وهي تتحقق بالاحتياط فيها ، إذ لا يرفع اليد عنها على

٣٨٤

نحو الكلي إذ لا يجوز إهمالها ، وعليه فلا شبهة في إن الظن بالواقع بالاضافة إلى الظن بالطريق بالاضافة إلى تحصيل غرض الشارع المقدّس وإلى حصول مقصوده لو لم يكن أقرب فلا أقل يكون مساويا معه ، إذ العقل السليم برأهما مؤمنين من العقاب الاخروي في عرض واحد.

كما إن الظن بالواقع يلازم عادة الظن بكون المظنون مؤدى طريق معتبر وهذا المقدار يكفي بلا شبهة وإن لم يحصل الظن بالطريق أيضا.

فالنتيجة : إذا كان العلم الاجمالي باقيا على حاله ولم يكن مؤثرا وواجب العمل فليس انحلال العلم الاجمالي الكبير باعثا لانحلاله بالأحكام الواقعية بنصب الطرق والأمارات فلا بد أن يكون الظن بالأحكام الواقعية حال الانسداد مثل القطع بها حال الانفتاح فكذا يكون القطع بها مؤمنا من العقاب حال الانفتاح كذلك يكون الظن بها مؤمنا منه حال الانسداد فيكون الظن بالواقع حجة.

وقد مرّ في طي الاشكال على الشيخ الأنصاري قدس‌سره إنه إذا لم يكن الاحتياط الكلي واجبا من جهة لزوم العسر والحرج اللذين قد ذكرا سابقا فالعقل لا يحكم حينئذ بوجوب الاحتياط الجزئي فإذا كان الاحتياط الجزئي واجبا أي الاحتياط في بعض الأطراف فلا بد أن يؤخذ من الشرع ولا بد أن يحتاج امتثال الواقعيات بعناية اخرى ، وهي لو لم يجب التبعيض في الاحتياط شرعا لما يجوز إهمال الواقعيات رأسا فلا جرم من أن يمتثل أمر الواقعيات امتثالا ظنيا ولا شبهة في إن الظن بالواقع لو لم يكن أقرب من العلم بالواقع فلا أقل يكون مساويا مع الظن بالطريق من حيث العلم بالواقع فتحصل مما ذكر ان الظن بالطريق ليس أولى من الظن بالواقع في كل حال من الأحوال من حيث الأقربية من العلم بالواقع ، فنتيجة دليل الانسداد هو حجية الظن مطلقا سواء كان الظن ظنا بالواقع أم كان ظنا بالطريق ، فاختصاص حجية الظن بالطريق فاسد جدا.

٣٨٥

قوله : فافهم فانه دقيق ...

وهو تدقيقي لمقتضى التعليل ، أي تعليل المصنّف قدس‌سره قوله فافهم بقوله فانّه دقيق.

الوجه الثاني مما استدل به لحجية الظن بالطريق دون غيره

قال المصنف قدس‌سره قد ذكر بعض المحقّقين قدس‌سرهم وهو صاحب الحاشية قدس‌سره لا ريب في كوننا مكلّفين بالأحكام الشرعية ، ولا ريب أيضا في إن الواجب علينا ، أولا هو تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم المكلف والشارع المقدّس بأن نفعل بمؤديات طرق نقطع بنصبها للأحكام من قبله سواء حصل معه العلم بأداء الواقع أم لا وحينئذ فإن تمكن لنا تحصيل العلم بتفريغ الذمة من حكم الشارع المقدّس ومن أمره ونهيه بأن كان هناك طرق نقطع بنصبها فقد وجب علينا أن نأتي بمؤدياتها ولا إشكال في وجوبه هذا في حال الانفتاح.

وأما إذا انسد باب العلم علينا بذاك النصب فان لم يكن هناك طرق نقطع بنصبها وجب علينا تحصيل الظن بتفريغ الذمة في حكم المكلف (بالكسر لما قبل الأخير) بأن نأتي بمؤديات طرق نظن بنصبها من قبله من جهة التنزل من العلم بتفريغ الذمة في حكمه إلى الظن به في حكمه بحكم العقل لا إلى الظن بأداء الواقع بأن نأتي بما ظن وجوبه ، أو نترك ما ظن حرمته من دون قيام مظنون الاعتبار والحجية على مظنون الوجوب ، أو على مظنون الحرمة كما يدعي الظن بأداء الواقع القائل بحجية الظن بالواقع من جهة كون الظن بالواقع أقرب من الظن بالطريق إلى العلم بالواقع انتهى موضع الحاجة من كلام المحقق ، صاحب الحاشية ، زيد في علو مقامه.

وفي ضوء هذا : فانقدح لك كون الظن بالطريق حجة ، كما لا يخفى فيتعين الأخذ حينئذ بالظن بالطريق.

٣٨٦

في جواب المصنف قدس‌سره عنه

قوله : وفيه ، أولا إن الحاكم على الاستقلال في باب تفريغ الذمة ...

فاستشكل المصنف قدس‌سره في كلام صاحب الحاشية قدس‌سره ثلاثة إشكالات :

الإشكال الأوّل :

إن الحاكم مستقلا بتفريغ الذمة عن حكم المكلف (بالكسر) وبحصول الاطاعة والامتثال هو العقل فقط وليس للشارع المقدّس في هذا الباب حكم مولوي حتى يكون العقل تابعا له.

وعليه : فإذا صدر الحكم والأمر من الشارع المقدّس في هذا المقام كان إرشادا إلى حكم العقل وناظرا إليه ، فالعقل بما هو عقل يرى مستقلا إتيان الواقع بما هو واقع مفرّغا للذمة كما عرفت سابقا ، والقطع بإتيانه حقيقتا أي إذا حصل القطع بإتيان الواقع وجدانا لشخص المكلف ، أو القطع بإتيانه تعبدا أي إذا حصل القطع به تعبدا بواسطة العمل على طبق الأمارات والطرق المعتبرتين لأن الشارع المقدّس قد جعلهما وسيلتين للايصال إلى الواقع والتأمين من العقاب جزما ولا ريب في أن المؤمّن منه حال الانسداد هو الظن بما كان القطع به مؤمّنا منه وفي حال الانسداد يكون الظن باتيان الواقع مؤمّنا بلا فرق بين الظن بالواقع وبين الظن بالطريق فيكون الظن بالواقع أيضا مؤمّنا من العقاب حال الانسداد.

الإشكال الثاني :

قوله : وثانيا سلّمنا ذلك لكن حكمه بتفريغ الذمة ...

فاستشكل المصنف قدس‌سره على كلام صاحب الحاشية قدس‌سره ثانيا بأنا لو سلّمنا إن الحاكم بالاستقلال في باب تفريغ الذمة من حكمه ، أي من حكم الشارع المقدّس ،

٣٨٧

هو الشارع المقدّس ولكن نحن نقول وحكمه بالتفريغ ثابت فيما إذا أتى المكلف مؤدى الطريق المنصوب مثلا ، إذا قام خبر الثقة على وجوب الاقامة للصلاة ، فالمكلف أتى بها في صلاته فحكم الشارع المقدس بالفراغ يستلزم الاتيان بالمؤدى.

ومن الواضح : ان المكلف إذا أتى بالواقع فهذا يستلزم حكمه به بطريق أولى.

وفي ضوء هذا : فيكون الظن بالواقع ظنا بالحكم بالتفريغ أيضا ، فلا تختص الحجية بالظن بالطريق.

قوله : إن قلت كيف يستلزم الظن بالواقع ...

فاعترض على المصنف قدس‌سره من قبل صاحب الحاشية قدس‌سره بأنّه كيف يستلزم الظن بالواقع الظن بالحكم بالتفريغ مع إنه ربّما يقطع بعدم حكم الشارع المقدّس بالتفريغ مع الظن بالواقع كما إذا كان الظن بالواقع حاصلا من القياس المستنبط العلة.

فيصح أن يقال حينئذ الظن بالواقع حاصل ولم يحصل الحكم بفراغ الذمة لأن الشارع المقدّس لم يجعله حجة ولم يمضه أصلا أما بخلاف الظن بالطريق فإنه يستلزم الظن بحكمه بالتفريغ سواء كان طريق المظنون خبر الثقة أم كان قياسا.

وعليه : فإذا حصل الظن بطريقية خبر الثقة مثلا فحصول هذا الظن مما يستلزم الظن بحكمه بالتفريغ وإن كان الظن بطريقيته قد تحقق ونشأ من القياس مثلا.

في جواب المصنف عنه ثانيا

أجاب بقوله قلت الظن بالواقع وبالطريق على الأقوى أي على مختاره يستلزم الحكم بالتفريغ ولا ينافي هذا الاستلزام مع القطع بعدم حجية القياس شرعا

٣٨٨

أصلا وعند الشارع المقدّس.

فالحكم بالفراغ ليس مختصا بنصب الطريق بل يترتب على إتيان الواقع أيضا فإن جعل الطريق إنما يوجب الحكم بالفراغ عن الواقع من جهة كون مفاد الجعل للطريق جعل المؤدى بمنزلة الواقع تنزيلا ، أو من جهة كون جعل الطريق بمنزلة العلم بالواقع فالواقع لمّا كان ملحوظا عند دليل الجعل للطريق كان الجعل موجبا للحكم بالفراغ عن الواقع.

وحينئذ ، فإيجاب جعل الواقع للحكم بالفراغ عن الواقع بسبب العمل على طبق الطريق أولى من جعل الطريق للحكم بالفراغ عنه لأن الظن بالواقع يستلزم الظن بالتفريغ ، إذ إتيانه ولو ظنا يستلزم حكم الشارع المقدّس به أي بالتفريغ بطريق أولى.

فالظن بالواقع والظن بالطريق كلاهما ملازمان للحكم بالفراغ أي لحكم الشارع المقدس به ، ولا ينافي الحكم بالفراغ مع عدم حجية الظن الحاصل من القياس المنهي عنه ، أو مع النهي عن العمل به ، إذ ليس معنى عدم الحجية في صورة الموافقة بالواقع عدم براءة ذمة المكلف عن الواقع في صورة العمل على طبق القياس ، بل معنى عدمها يكون في صورة المخالفة بالواقع عدم كون المكلف معذورا وكون المكلف مستحقا للعقاب ولو فيما أصاب الظن القياسي الواقع لو بنى على حجيّته شرعا واقتصر في مقام العمل على هذا الظن من جهة تحصيل التكاليف الواقعية لكون المكلف الكذائي متجريا على المولى ومتشرعا في صورة البناء على إن القياس حجة شرعا والمتجرّي والمتشرّع كلاهما مستحقان للعقاب.

نعم : إذا عمل على طبق القياس لا على نحو استناد مؤداه أي مؤدى القياس إلى الشارع المقدّس بل من باب الاحتياط كما إذا قام القياس على وجوب شيء ، أو على حرمته فأتى به في الأول ، وتركه في الثاني برجاء كونه واجبا ثبوتا ، أو حراما

٣٨٩

واقعا كان ذلك حسنا عقلا بل لكونه من أرقى مراتب العبودية بحكم العقل السليم سواء أصاب هذا الرجاء والاحتياط الواقع أم أخطأه لكون هذا ليس من العمل بمؤدى القياس بل من العمل بالاحتياط ، وهو حسن عقلا.

فإن قيل : يلزم التنافي والتناقض بين الحكم بتفريغ الذمة وبين استحقاق العقاب ، إذا عمل بمؤدى القياس الذي نهى عن العمل على طبقه فإذا كان الحكم بالتفريغ فلا موجب لاستحقاق العقاب ، وعليه لا يجوز الجمع بينهما عقلا ، كما لا يخفى.

قلنا : إن الحكم بالتفريغ في صورة العمل على طبق القياس فيما لو أصاب الواقع لأجل الملازمة العقلية بين الاتيان بالواقع وبين الحكم بالتفريغ وبفراغ الذمة ، أو بتقرير آخر وهو إن حكم الشارع المقدس بتفريغ الذمة من الأحكام الوضعية ، وهو مترتب على إتيان المكلف به واستحقاق العقاب من الأحكام العقلية يترتّب على مخالفة الحكم التكليفي بحكم العقل ، فالمحمول حكم الوضعي وهو عبارة عن تفريغ الذمة لأن إتيان الواقع مفرّغ للذمة ، والاستحقاق والعقاب حكم عقلي ، وهما اثنان فلا تناقض في البين ، لاشتراط وحدة المحمول في التناقض ، وفي المقام ليس وحدته بموجود ، فالظن بالواقع كالظن بالطريق يستلزم الظن بالفراغ مطلقا وان حصل الظن بالواقع من القياس لأن النهي عن القياس طريقي ناش عن مخالفته أحيانا للواقع امّا مع المصادفة تحصل البراءة عن الواقع.

نعم إذا كان النهي عن القياس موضوعيا فتحدث المفسدة في سلوك القياس وهي غالبة على مصلحة الواقع فلا يكون الظن بالفراغ حينئذ حاصلا لكون الواقع مبغوضا من أجل سلوك القياس ، ولكن ظاهر النهي عن القياس هو الأوّل ، ولهذا يستلزم الظن القياس الظن بالفراغ ، فإذا حكم الشارع المقدّس باستحقاق العقاب عليه فهو إرشاد إلى حكم العقل ، وعلى طبيعة الحال ليس بينهما تهافت وتناقض.

٣٩٠

قوله : فافهم ...

وهو إشارة إلى إن العقاب في هذه الصورة أي في صورة العمل على طبق القياس من جهة التجري والتشريع لا ينافي الحكم بالفراغ عن الواقع لاختلاف الجهات ، إذ الحكم باستحقاق العقاب يكون من جهة التجري والتشريع والحكم بالفراغ ثابت من جهة إتيان الواقع ولو ظنا.

وأما الفرق بين التجري وبين العصيان فقد سبق في مبحث القطع فلا حاجة إلى التكرار.

وأما التفكيك بين التجري والتشريع المحرم فهو ثابت في صورة إصابة القياس الواقع ، وفي صورة خطائه عنه في الاولى يتحقق التجري ، وفي الثانية يتحقق كلاهما.

في جواب المصنف قدس‌سره عنه ثالثا

قال المصنّف قدس‌سره سلّمنا إن الظن بالواقع لا يستلزم الظن بالتفريغ ولكن مقتضى عدم هذا الاستلزام ليس إلّا التنزل إلى أن نقول إن المظنون الذي يكون مؤدى طريق معتبر حجة وليس خصوص الظن بالطريق حجة فقط.

وفي ضوء هذا : فإذا كان المظنون الذي هو مؤدى طريق معتبر حجة فقد ثبت مطلوبنا ، إذ قد سبق ان الظن بالواقع لا ينفك عن الظن بكون المظنون مؤدى طريق معتبر غالبا ، والقيد الغالب لاخراج العمل بالظن القياسي لأن القياس إذا أصاب الواقع فيحصل حينئذ الظن بالواقع ولا يحصل الظن بكون المظنون من وجوب شيء ، أو حرمته ، أو استحبابه ، أو كراهته ، مؤدى طريق معتبر شرعا ، كما لا يخفى ، أو إشارة إلى الأحكام التي ابتلى فيها عامة المكلفين ففيها ثبتت الملازمة بين الظن بالواقع وبين كون المظنون مؤدى طريق معتبر.

٣٩١

وأما غيرها من الأحكام التي لا تكون موردا للابتلاء فلا تكون الملازمة بين الظن بالواقع وبين كون المظنون مؤدى طريق معتبر لاحتمال كون المظنون مما سكت الله تعالى عنه مصلحة كما في الحديث الشريف.

فالنتيجة : انقدح إنه لا فرق بعد تمامية دليل الانسداد ومقدماته بين الظن بالواقع ، وبين الظن بالطريق فالقول باختصاص الحجية بأحدهما مردود جدا.

الكشف والحكومة

قوله : فصل : لا يخفى عدم مساعدة مقدمات الانسداد ...

هل تكون نتيجة مقدمات الانسداد بعد تماميتها حجية مطلق الظن شرعا بمعنى إن العقل يكشف بعد تمامية مقدمات الانسداد إن الشارع المقدّس جعل الظن حجّة ونصبه طريقا ، أو ان العقل يحكم بعد تماميتها بحجية الظن بحيث لا يجوز للمولى مؤاخذة العبد على ترك العلم بإتيان المكلف به ولا يجوز للمكلف الاقتصار على الاطاعة الشكية ، وعلى الاطاعة الوهمية بحيث تكون الاطاعة الظنية عذرا له إذا كان الظن مخالفا للواقع وبحيث يكون الظن حجة ومنجزا للواقع ومصحّحا للعقاب إذا خالفه العبد فهو حال الانسداد مثل العلم حال الانفتاح إذا عرفت معنى الكشف والحكومة ، فقد قال المصنف قدس‌سره لا يخفى عدم مساعدة مقدمات الانسداد على الدلالة على كون الظن طريقا منصوبا شرعا ، إذ بعد حكم العقل مستقلا بحجية الظن المطلق فلا يجب عقلا على الشارع المقدّس أن ينصب طريقا إلى أحكامه وقوانينه ، إذ من الممكن أن يكتفي بالحكم الذي استقلّ به العقل في حال الانسداد من حجية الظن ووجوب متابعته.

نعم : لو فرض عدم حكم العقل بحجية الظن حال الانسداد فلا بد حينئذ أن ينصب الشارع المقدّس طريقا إليها وإلّا لزم نقض الغرض بل لزم أن ينقض الشارع

٣٩٢

المقدّس نفسه باغراضه ومقاصده وهو قبيح لا يصدر من المولى الحكيم جلّ وعلا.

فإن قيل : إنا نستكشف نصب الشارع المقدّس طريقا ، وهو الظن حال الانسداد ، من حكم العقل بحجية الظن من أجل قاعدة الملازمة بين حكم العقل ، وبين حكم الشرع كما يدلّ عليها قول مشهور ، وهو عبارة عن قولنا : كلما حكم به العقل حكم به الشرع ، فإذا حكم العقل بحجية الظن حال الانسداد فقد استكشفنا إن الشارع المقدّس قد حكم بحجيته ونصبه طريقا حال الانسداد وحكم بوجوب إطاعة الظن وبحرمة مخالفته حكما مولويا فالاطاعة الظنية عقلية وشرعية بسبب القاعدة الملازمة بين حكمهما.

فالنتيجة : إذا ثبت بالمقدمات وجوب العمل بالظن عقلا لا بد أن يستكشف كونه كذلك شرعا لقاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع.

قلنا : إن الملازمة بين حكمهما ثابت في الموقع الذي يكون قابلا لحكم الشرعي ، ولكن ما نحن فيه غير قابل له لأن الاطاعة الظنية التي قد حكم العقل بكفايتها حال الانسداد يكون بمعنى أنه لا يصح مؤاخذة المكلف بأزيد من الاطاعة الظنية وهو عبارة عن الاطاعة العلمية اليقينية وإنه لا يجوز اكتفاء المكلف بأدون منها ، وهو عبارة عن الاطاعة الشكية والاطاعة الوهمية فحكم العقل بكفاية الاطاعة الظنية ينحل إلى أحكام ثلاثة :

الأول : حكم العقل حينئذ بعدم وجوب الاطاعة العلمية.

الثاني : حكمه بعدم جواز الاقتصار على الاطاعة الشكية ، أو الوهمية.

الثالث : حكمه بحسن الاطاعة الظنية.

ولا ريب في إن مرجع الأول إلى حكم العقل بقبح مؤاخذة الشارع المقدّس على ترك الاطاعة العلمية.

ومن الواضح : إن مؤاخذة الشارع من أفعاله التي يمتنع أن تكون موضوعا

٣٩٣

للأحكام الشرعية ، لأن موضوع الأحكام الشرعية إنما يكون خصوص أفعال المكلف فقط.

وأما موضوع الحكمين الآخرين وهما عدم جواز الاكتفاء على الاطاعة الشكية وعلى الاطاعة الوهمية ؛ فهو وإن كان فعل المكلف الذي هو قابل للحكم الشرعي وترتبه عليه فيصح أن يقال الاطاعة الشكية والاطاعة الوهمية لا يجوز الاكتفاء بهما.

ومن الواضح : إن الاطاعة فعل المكلف وعدم الجواز حكم شرعي ، وحسن الاطاعة الظنية وجوازها حكم عقلي فيجوز أن يقال الاطاعة الظنية جائزة أو حسنة.

ومن المعلوم إن الاطاعة فعل العبد الذليل ، والجواز حكم شرعي ، إلّا إن تعلق الحكم الشرعي بهذا الموضوع يكون بلا غرض لأن الغرض في الأحكام الشرعية وفي جعلها هو إحداث الداعي العقلي إلى متعلق الحكم بحيث يحدث بسبب الأمر والنهي داع ومحرك في ذهن المكلف إلى الفعل ، أو إلى الترك.

ومن الواضح : أن هذا الداعي إلى الترك حاصل بذات الاطاعة الشكية والاطاعة الوهمية وإن لم يتعلق بهما حكم شرعي ، وهو عدم الجواز ، إذ الاقتصار على الاطاعة الشكية والوهمية سبب لحسن العقاب في نظر العقل كما إن الاطاعة الظنية منشأ لحسن الثواب في نظر العقل.

وفي ضوء هذا : فالنهي عن الأوليين مولويا بعنوان التشريع والتقنين ، والأمر بالثانية كذلك إذا كان بقصد إحداث الداعي في ذهن العبد وفي نفس المكلف إلى الفعل ، كما في الاطاعة الظنية ، أو إلى الترك كما في الاطاعتين الشكية والوهمية كانا من قبيل تحصيل الحاصل وهو قبيح لا يصدر من المولى الجليل أبدا ، فلو كانا بلا غرض إحداث الداعي في نفس العبد فهذا أقبح لكونهما عبثين ، تعالى الله عن ذلك

٣٩٤

علوا كبيرا ، كما لا يخفى.

فالنتيجة : الاطاعتان موجبتان لحسن العقاب سواء أصابتا الواقع أم أخطأتاه بحكم العقل ، والاطاعة الظنية موجبة لحسن الثواب سواء أصابت الواقع أم أخطأته.

ولا بأس بحكم الشارع المقدس في عدم جواز الاكتفاء بما دون الظن أي بالاطاعة الشكية والوهمية إرشادا إلى حكم العقل به ، إذ الممتنع جعل الحكم المولوي لوجوب الاطاعة الظنية لا الحكم الارشادي فيجوز أن يكون النهي عن الاطاعة الشكية والوهمية ، والأمر بالاطاعة الظنية إرشاديين بملاك الارشاد إلى حكم العقل.

كما أن الارشاد شأن حكم الشارع المقدّس في حكم الشارع المقدّس بوجوب الاطاعة وحرمة المعصية ، إذ للعقل حكم في بابهما بحيث يصح تعويل الشارع المقدّس عليه ، ولهذا حمل الأمر في أطيعوا الله والنهي في نحو لا تعص الله مثلا ، على الارشاد إلى حكم العقل السليم ، وهذا واضح.

قوله : وصحة نصب الطريق وجعله في كل حال بملاك يوجب نصبه ...

زعم المتوهم إن صحة نصب الشارع المقدّس الأمارات والطرق حال الانفتاح وحال الانسداد إذا توجب الحكم والمصالح جعلها تنافي مع استقلال حكم العقل بلزوم الاطاعة الظنية حال الانسداد كما هو مستقل في حكمه بوجوب الاطاعة العلمية حال الانفتاح فإذا كان للعقل حكم في باب الاطاعة وفي باب المعصية بحيث يصح اعتماد الشارع المقدّس على حكم العقل فقد امتنع حينئذ عليه نصب الطرق والأمارات لأنه لغو وعبث فلا يمكن الجمع بين حكم العقل مستقلا بوجوب الاطاعة وحرمة المعصية من باب وجوب دفع الضرر المحتمل بترك إطاعة المولى وارتكاب عصيانه ، إذ هو منعم حقيقي وشكر المنعم الحقيقي واجب عقلا وشكره لا يتحقق إلّا بإطاعته واجتناب عصيانه وطغيانه ، كما برهن هذا في محله ،

٣٩٥

وهو علم الكلام ، وبين نصب الطرق والأمارات.

قلنا في دفعه إنه لا تنافي بين صحة نصب الطريق وبين إمكان الاعتماد والتعويل على العقل في كيفية الاطاعة لجواز أن تكون هناك جهة داعية إلى نصب الشارع المقدّس للطرق والأمارات ، وذلك مثل تسهيل الأمر على المكلف ، أو كاتمام الحجة على العباد مثلا.

وفي ضوء هذا : فإن نصب طريقا كان هو المعول عليه عند العقل وإلّا فلا بد للعقل من الحكم بلزوم نحو خاص من الاطاعة كالاطاعة الظنية حال الانسداد ، والاطاعة العلمية حال الانفتاح من دون استكشاف حكم الشارع المقدس بلزوم الاطاعة للمولى على نحو المولوي لعدم قابلية باب الاطاعة والمعصية للحكم المولوي ، كما عرفته.

فانقدح مما ذكر من بعد استقلال العقل بحجية الظن ان تقرير مقدمات الانسداد لا يصح على تقرير الكشف ، إذ لا يكشف عن حجية الظن في نظر الشارع المقدّس ، بل هو كاشف عن حجيته في نظر العقل ، إذ ليس له الحكم المولوي فيه لا إثباتا ولا نفيا فيكون الظن حال الانسداد مثل العلم حال الانفتاح في كون حجيتهما بحكم العقل مستقلا.

وبناء على الحكومة ، فلا إهمال ولا إجمال في النتيجة أصلا لا من حيث سبب الظن ولا من حيث مورده ولا من حيث مرتبته لعدم تطرق الاهمال والاجمال في حكم العقل لأن العقل إذا كان مرجعا في كيفية إطاعة المولى الجليل ، فلا مجال للتردد في حكمه لأن العقل إذا أحرز مناط حكمه فقد حكم على نحو البت والقطع كحكمه بوجوب الاطاعة وحرمة المعصية لاحرازه مناطه ، وهو دفع الضرر المحتمل بترك الاطاعة وارتكاب المعصية.

وإذا شك في المناط لم يحكم جزما ، وعليه فلا تصل النوبة إلى الشك في

٣٩٦

حكم العقل أصلا ، كما لا يخفى على أهل الفن ، هذا مضافا إلى إن العقل إذا كان حاكما فلا معنى لأن يكون الحاكم مترددا في حكمه كي يتبين حكمه على نحو الاجمال والاهمال.

أما بحسب الأسباب فلا تفاوت بنظره فيها أي سواء كان سبب الظن أمارات أم كان شهرة ، أو إجماعا ، أو سيرة ، أو غلبة لأن المناط في حكم العقل بلزوم العمل بالظن هو كونه أقرب إلى الواقع من الشك والوهم ، ولا يخفى إن هذا المناط لا يختلف باختلاف أسباب الظن.

نعم : تتفاوت بنظر العقل الموارد لاختلافها من حيث مزيد الاهتمام وعدمه فيمكن التفكيك بينها في وجوب الاحتياط ، وذلك كالدماء والفروج والأموال الخطيرة بل في كل حقوق الناس ، وعدمه كما في غير هذه الثلاثة المذكورة ففي كل مورد علم مزيد الاهتمام فيه فلا تكفي الاطاعة الظنية ، بل يجب فيه الاحتياط بفعل الواجب وترك الحرام ما دام لم يلزم منه العسر والحرج ، أو الاختلال بالنظام ، وفي كل مورد لم يعلم مزيد الاهتمام فيه لا يجب فيه الاحتياط بل تكفي الاطاعة الظنية فيه ، وكذا تتفاوت مراتب الظن من حيث القوة والضعف فيمكن التفكيك بينها في وجوب الاحتياط في الأول ، وعدمه في الثاني أيضا ، مثلا : الظن الحاصل من الخبر الصحيح أو الموثق أقوى من الظن الحاصل من الاجماع المنقول والظن الحاصل منه أقوى من الظن الحاصل من الشهرة الفتوائية.

فتحصّل ممّا ذكر أنه لا إجمال بنظر العقل بين موجبات الظن وأنه لا فرق بنظره بين أسباب الظن كي يفتّش العقل عن المرجح ويقدّم الراجح على المرجوح وحتى يتحيّر العقل في حكمه قبل وصوله بالمرجح.

وأما جهة عدم الاجمال بنظر العقل بحسب المورد فيمكن أن يقال إن العقل يحكم بكفاية الاطاعة الظنية في الموارد التي لم يعلم فيها مزيد اهتمام الشارع

٣٩٧

المقدّس بفعل الواجب وترك الحرام.

وأما في الموارد التي علم فيها مزيد اهتمام الشارع المقدّس كالدماء والفروج وحقوق الناس فلا يحكم العقل بكفاية الاطاعة الظنية في هذه الموارد بل هو ـ أي الشارع المقدّس ـ أمرنا فيها بالاحتياط بشرط أن لا يلزم من الاحتياط التام العسر والحرج ، وعليه فلا إجمال في حكم العقل من حيث المورد.

وأما عدم الاهمال والاجمال بنظر العقل بحسب المرتبة فيقال إن العقل يحكم من بين مراتب الظن بكفاية مرتبة الاطمينان منه ويحكم بكفايته إلّا أن يلزم من العمل على طبق الظن الاطمئناني العسر الشديد والحرج الأكيد.

وعلى ضوء هذا فلا إجمال في حكمه من حيث المورد أيضا.

فالنتيجة : فلا إجمال ولا إهمال في حكمه بحجية الظن سببا وموردا ومرتبة ، هذا كله على تقدير الحكومة.

قوله : وأما على تقرير الكشف فلو قيل بكون النتيجة هو نصب الطريق ...

قال المصنف قدس‌سره إذا قرّرنا نتيجة مقدمات الانسداد على طبق الكشف ونقول إن العقل يكشف بعد تماميتها إن الشارع المقدّس جعل الظن طريقا معتبرا.

وحينئذ فإن قلنا : إن نتيجتها نصب الطريق الذي يكون واصلا بنفسه إلى الواقع ولا يحتاج إلى تمهيد مقدمات ، ففي هذا الفرض ليس الاجمال ولا الاهمال من حيث أسباب الظن أيضا ، إذ نكشف حينئذ حجية تمام الظن الذي يستفاد من الأسباب بشرط أن لا يكون بينها أي بين الظنون قدر متيقن وإلّا فيكون القدر المتيقن حجة ، وذلك كالظن الحاصل من الأخبار الصحيحة.

مثلا : إذا كان بقدر الكفاية في دفع العسر والحرج فلا محل حينئذ لسائر الظنون لأنه ليس بحجة.

وكذا لا إهمال ولا إجمال بحسب الموارد ، إذ نتيجتها حجية مطلق الظن لأنه

٣٩٨

لو كان الظن في بعض الموارد حجة ، وفي بعضها الآخر لو لم يكن بحجة للزم عدم وصول الحجة بنفسها ، وهذا خلاف الفرض ، إذ فرض على تقرير الكشف نصب الطريق الواصل بنفسه ونصب الحجة بنفسها.

وأما بحسب المراتب أي مراتب الظن فتكون نتيجتها مهملة ومجملة لأنه يمكن أن يكون الطريق الواصل بنفسه هو خصوص الظن الاطمئناني ولا يكون مطلق الظن بشرط كفايته في جميع الموارد بالاضافة إلى معظم الأحكام الفقهية ، ويحتمل أن يكون مطلق الظن حجّة وإن لم يكن مفيدا للاطمئنان للزم الخلف على تقدير أن لا يكون مطلق الظن حجة.

خلاصة الكلام : إنه على مبنى كون نتيجة المقدمات على الكشف نصب الطريق الواصل بنفسه ، وعليه لا إهمال في النتيجة بحسب الأسباب ، إذ هي اما موجبة كلية أي كل ظن حجة من أي سبب حصل ، وأما جزئية ، أي الظن الحاصل من الخبر العادل المزكى بعدلين مثلا ، إن كان وافيا بمعظم الفقه ، فهو حجة دون سائر الظنون فلفرض كون سببه أقوى وهو يفيد لتيقن اعتبار الظن الذي حصل من السبب الأقوى.

وكذا بحسب الموارد التي هي عبارة عن الأحكام الشرعية من الطهارة إلى الديات ، إذ النتيجة كلية أيضا ، كما ادعى الشيخ الأنصاري قدس‌سره في فرائده الاجماع على التعميم من حيث الموارد ومن حيث المسائل ، إذ على مسلك الكشف يدعى الاجماع القطعي على حجية جميع الظنون في جميع أبواب الفقه ، إذ لو لم تكن كلية ، ولو كان عدم الكلية لأجل التردد في موارد الحجة ، للزم خلف الفرض أيضا ، وهو كون الطريق والظن واصلين بنفسهما إلينا.

وأما بحسب المرتبة فيكون الاهمال في النتيجة ، إذ يحتمل أن يكون خصوص الظن الاطمئناني حجّة إذا كان وافيا بمعظم الأحكام والفقه ففي هذه

٣٩٩

الصورة يكتفي به ، كما لا يخفى.

كما يحتمل أن يكون جميع الظنون من القوي والمتوسط والضعيف حجّة ، لكن ، أورد عليه ـ أي على الشيخ الأنصاري قدس‌سره ـ المصنف قدس‌سره بأن مسألة الانسداد لم تكن معنونة في كلمات المتقدمين رحمهم‌الله بل هي مستحدثة في كلمات المتأخرين رحمهم‌الله.

فدعوى الاجماع على التعميم مجازفة وباطلة ولكن النتيجة تكون كلية لا للاجماع الذي يدعيه الشيخ الأنصاري قدس‌سره بل لأجل منافاة الاهمال فيها مع فرض وصول الطريق بنفسه على مسلك الكشف لأن التردد في الطريق من حيث الكلية ، ومن حيث الجزئية مناف لوصول الطريق بنفسه ، وهذا خلف الفرض ، وكل خلف الفرض باطل ، فهذا باطل.

قوله : ولو قيل بأن النتيجة هو نصب الطريق الواصل ...

ولا ريب في إن الوجوه المتصورة على مبنى الكشف في نصب الطريق ثلاثة :

الأوّل : أن يستكشف بمقدمات الانسداد إن المنصوب هو الطريق الواصل إلينا بنفسه بمعنى كون المقدمات الجارية في الأحكام موجبة للعلم بجعل الشارع المقدّس طريقا معينا واصلا بنفسه فلا حاجة في تعيين ذلك الطريق إلى غير المقدمات الجارية في نفس الأحكام.

وعليه : فالطريق الظني هو كل ما يوجب الظن بالأحكام سواء حصل الظن بالحكم من الخبر الصحيح أم حصل من غيره من الموثق والحسن والاجماع المنقول والضعيف إذا عمل به المشهور ، إذ عملهم يوجب جبران ضعف سنده على الأظهر إذا لم يكن بين الأسباب تفاوت ، وإن كان بينها تفاوت من حيث العنوان فالواصل إلى المكلف هو الظن الحاصل من ذلك السبب الخاص الذي يكون متيقن الاعتبار ، أو مظنون الاعتبار وذلك كخبر العدل إذا عدّل راويه بعدلين وذكّى بهما ، أو

٤٠٠