البداية في توضيح الكفاية - ج ٣

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ دانش
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-8-5
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٦٢٠

الأصل عدم المانع عنه فالعمل بخبر الثقة مشروط بامور ثلاثة :

الأمر الأوّل : وجود المقتضى للعمل به.

الأمر الثاني : عدم المانع عنه.

الأمر الثالث : عدم ردع الشارع المقدّس عنه ، وعلى ضوء هذا فالعمدة في المقام هو الاستدلال عليها بسيرة العقلاء بما هم عقلاء ، الممضاة عند الشارع المقدّس ولا يرد عليها شيء من الإشكال إلّا توهم أنّ الآيات الناهية عن العمل بغير العلم رادعة عن هذه السيرة والروايات المانعة عن اتباع غير العلم رادعته أيضا.

ومن جملة الآيات الناهية عنه قوله تعالى (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) الآية (١) وقوله تعالى (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(٢).

وتمام الآية الاولى (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) وتمام الآية الثانية (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ).

وأمّا الروايات المانعة عن اتّباع غير العلم فقد مضت في دليل القائلين بعدم حجية أخبار الآحاد ، فلا حاجة إلى الإعادة.

فاكتفى المصنّف قدس‌سره بذكر الآيتين الشريفتين المذكورتين آنفا.

في جواب المصنّف عنها بوجوه

وقال قدس‌سره إنّ الآيات الناهية عن اتباع غير العلم غير كافية عن العمل بأخبار الآحاد لامور ثلاثة :

الأمر الأوّل : أنّها تكون في مقام الإرشاد إلى عدم كفاية الظن في اصول الدين بحكم العقل ، وهو مسلم عند الكل ، فلا ربط لها بالفروع والمقصود من إثبات الحجية

__________________

١ ـ سورة الإسراء ، آية ٣٤.

٢ ـ سورة يونس ، آية ٣٩.

٣٠١

للأخبار الآحاد هو إثباتها في الفروع.

الأمر الثاني : لو سلمنا أنّ موردها لا تكون اصول الدين فقط بل بإطلاقها تشمل الاصول والفروع ولكن ينصرف إطلاقها إلى الظن الذي لم تقم حجة على اعتباره ، والظنّ الحاصل من أخبار الآحاد تقوم الحجة على اعتباره ، وهي السيرة العقلائية ولو سلمنا عدم انصراف إطلاقها إليه لكان القدر المتيقن من الآيات الناهية المذكورة هو المنع عن العمل بخصوص الظنّ الذي لم تقم حجة على اعتباره ، وذلك كالظن الحاصل من الشهرة الفتوائية مثلا. وعلى ضوء هذا فلا تشمل الظن الذي يستفاد من أخبار الآحاد.

الأمر الثالث : إن الاستدلال بها على المنع من العمل بأخبار الآحاد مستلزم للدور الصريح. أمّا بيانه فلأنّ الردع عن العمل بالظن الحاصل من أخبار الآحاد بسبب الآيات الناهية عن اتباع الظن يتوقف على عدم تخصيص عمومها ، أو على عدم تقييد إطلاقها بسبب السيرة العقلائية على اعتبار خبر الثقة وعدم تخصيص السيرة العقلائية للآيات الناهية يتوقف على كون الردع عن السيرة العقلائية بالآيات الناهية.

فالنتيجة كون الآيات رادعة ومانعة عن العمل بأخبار الآحاد يتوقف على بقاء عمومها ، أو بقاء إطلاقها كي يشمل الظنّ الحاصل من أخبار الآحاد فتكون رادعيتها موقوفة ويكون البقاء موقوفا عليه ولكن بقاء عمومها ، أو بقاء إطلاقها يتوقف على كونها رادعة عن العلم بعموم الظنّ ، أو عن العمل بمطلق الظنّ فيكون البقاء المذكور موقوفا ورادعيتها موقوفا عليها وإلّا لكانت السيرة مخصصة لها ، أو مقيدة لها فيصير الشيء الواحد موقوفا عليه وموقوفا وهو يستلزم تقدم الشيء على نفسه وتأخره عن نفسه ، إذ كون الشيء موقوفا عليه يقتضي تقدمه على الشيء الذي يكون موقوفا ، وكون الشيء موقوفا يقتضي تأخره عن الشيء الذي يكون موقوفا

٣٠٢

عليه. والحال أنّ الشيء الواحد يكون موقوفا عليه وموقوفا.

بقي بيان الأمرين في المقام ؛ أحدهما : توضيح عموم الآيات الناهية وإطلاقها وهو أنّ كلمة الظنّ في الآيات والروايات إذا كانت بلفظ الجمع كالظنون فيعبر حينئذ بالعموم وإن كانت بلفظ المفرد ، وذلك كالظنّ فيعبر حينئذ بالإطلاق ، أو يقال انّ العموم ثبت بوضع اللفظ له والإطلاق ثابت بمقدمات الحكمة.

وثانيهما : بيان الجواب عن الروايات الناهية عن اتباع غير العلم ولكن الجواب عنها قد سبق في طي الجواب عن أدلة المانعين ، فلا حاجة إلى الإعادة الممل.

قوله : وإلّا لكانت مخصصة لها ، أو مقيدة لها ...

أي لو لم يثبت الردع عن السيرة بالآيات الناهية لكانت السيرة مخصصة لها أو مقيدة لها قطعا ، إذ يجوز تخصيص عام الكتابي بالدليل القطعي ، كما لا يخفى ؛ وكذا تقييد إطلاقه به بلا إشكال.

قوله : لا يقال على هذا لا يكون اعتبار خبر الثقة بالسيرة أيضا إلّا على وجه دائر ...

واستشكل في المقام بأنّ اعتبار خبر الثقة بالسيرة العقلائية مستلزم للدور أيضا ، إذ اعتباره بواسطة السيرة يتوقف على عدم الردع عن السيرة بسبب الآيات الناهية وعدم الردع عن السيرة بالآيات يتوقف على تخصيص عموم الآيات بالسيرة ، وتخصيص عموم الآيات بالسيرة يتوقف على عدم الردع بالآيات الناهية عن السيرة فيترتب في المقام الصغرى والكبرى على هيئة الشكل الأوّل من الأشكال الأربعة.

أمّا الصغرى فهي اعتبار خبر الثقة بالسيرة يتوقف على عدم الردع عنها بها وأمّا الكبرى فهي عدم الردع عن السيرة بالآيات يتوقف على تخصيص الآيات

٣٠٣

بالسيرة فاعتبار خبر الثقة بالسيرة يتوقف على تخصيص عموم الآيات الناهية بالسيرة فيصير تخصيص عمومها بها موقوفا عليه. ولكن تخصيص عمومها يتوقف على عدم الردع بالآيات الناهية عن السيرة فيصير التخصيص موقوفا فيلزم حينئذ كون الشيء الواحد موقوفا عليه وموقوفا ، وهو التخصيص وعدم الردع كما لا يخفى ، إذ اعتبار خبر الثقة بالسيرة العقلائية يتوقف على عدم الردع عنها بها أي عن السيرة بالآيات الناهية فيصير عدم الردع موقوفا عليه ، وعدم الردع عن السيرة يتوقف على تخصيص عموم الآيات بالسيرة العقلائية فيصير عدم الردع موقوفا ، والحال أنّه شيء واحد ماهية وثبوتا ، وكذا الكلام في تقييد الآيات الناهية بالسيرة حرفا بحرف.

في جواب المصنّف قدس‌سره عنه

قد أجاب المصنّف قدس‌سره عنه بأنّه يكفي في حجيّة خبر الثقة بالسيرة العقلائية عدم وجود المنع والردع عن السيرة لعدم قيام الدليل العقلي ، أو الشرعي على ردعها ومنعها كما يكفى في تخصيص السيرة للآيات الناهية عدم قيام الدليل على ردعها ، كما لا يخفى.

فالنتيجة انّ اعتبار خبر الثقة بالسيرة العقلائية لا يتوقف على عدم الردع عنها ثبوتا وواقعا بل يتوقف اعتباره بها على عدم العلم بالردع عن السيرة المستمرة فإذا لم يحصل العلم لنا بالردع العقلي ، أو الشرعي عن السيرة المذكورة فقد كفى ذلك في اعتبار السيرة ويثبت بها اعتبار خبر الثقة حينئذ.

وعلى طبيعة الحال فلا يتوقف اعتبار السيرة على عدم ثبوت الردع بالآيات الناهية عن السيرة واقعا ، بل يتوقف اعتبارها على عدم العلم بالردع عنها ، فاعتبار خبر الثقة يتوقف على اعتبار السيرة واعتبارها يتوقف على عدم العلم بالردع عنها وهو لا يتوقف أي عدم العلم بالردع عن السيرة لا يتوقف على شيء.

٣٠٤

وعلى ضوء هذا فيتوقف تخصيص الآيات الناهية على اعتبار السيرة واعتبارها لا يتوقف على تخصيص الآيات الناهية عن اتباع الظن ، بل يتوقف اعتبار السيرة على عدم العلم بالردع عنها فيصير الموقوف عليه شيئا ، وهو اعتبار السيرة والموقوف شيئا آخر وهو تخصيص الآيات أمّا اعتبار السيرة فلا يتوقف على التخصيص بل يتوقف اعتبارها على عدم العلم بالردع عنها ، من قبل العقل ، أو الشرع الأنور.

ويدلّ على هذا المدّعى أنّ السيرة المستمرة في مقام الإطاعة والمعصية وفي استحقاق العقوبة بالمخالفة للأمر ، وفي استحقاق عدم العقوبة مع الموافقة للأمر الظاهري كما في موارد أصالة البراءة مثلا إذا أجريت أصالة البراءة عن حرمة شرب التتن ، لكن بالأمر الظاهري صادر لمصلحة سواء كان موافقا للأمر الواقعي الاولي أم يخالفه فالعبد إذا امتثل أمر الظاهر فهو لا يستحق العقوبة وإن كان الأمر الظاهر مخالفا للأمر الواقعي فأصالة البراءة حجة ما دام لم يمنع الشارع المقدّس عنها في مواردها وهي فقد النص ، أو تعارض النصين ، أو إجماله ، فكذا السيرة العقلائية المستمرة على العمل بخبر الثقة حجة ما دام لم يردع الشارع الأقدس عنها والظاهر أنّه لم يردع العقلاء عنها وإلّا لبان واشتهر ووصل إلينا ولكن التالي منتف فالمقدم مثله.

قوله : فافهم وتأمّل ...

والأوّل إشارة إلى أنّه قد ذكر في طي الإشكال الثاني في عبارة المصنّف قدس‌سره ضمائر كثيرة وهي تبلغ ثمانية عشر ضميرا ولهذا أمر قدس‌سره بالفهم كي لا يشتبه عليك الأمر في تعيين مراجعها ولا ريب في أن الضمير المذكر يرجع إلى خبر الثقة ، والضمير الذي يكون مدخولا للام الجارة يرجع إلى الآيات الناهية والضمير الذي يكون مدخولا للباء الجارة ، أو عن الجارة يرجع إلى السيرة العقلائية.

٣٠٥

ولكن الضمير المذكر لا يرجع إلى خبر الثقة في الموردين أحدهما ضمير الغائب البارز في جملة وهو يتوقف ، إذ هو يرجع إلى تخصيص الآيات ، وثانيهما ضمير الأوّل في جملة وهو يتوقف ، إذ هو يرجع إلى عدم الردع والمنع.

والثاني إشارة إلى أنّ شيئا من الوجوه المذكورة في توجيه الإجماع على حجية أخبار الآحاد لا ينهض دليلا على حجية الخبر الواحد.

أمّا الوجه الأوّل فالأمر فيه واضح لأنّ حجية الإجماع المنقول عند القائل بها إنّما هي لكونه من أفراد الخبر ومصاديقه. وعلى هذا فكيف يصحّ الاستدلال به على حجية الخبر ، ما هذا إلّا مصادرة.

هذا مضافا إلى أنّه لا ملازمة عقلا ولا عرفا ولا شرعا بين حجية الخبر وحجية الاجماع المنقول ولا إمكان التفكيك بينهما لاختصاص أدلة الحجية بالخبر الحسي والإجماع هو خبر الحدسي.

وأمّا الوجه الثاني ففيه أنّه إجماع مدركي وليس بإجماع تعبدي كي يكون كاشفا عن رضا المعصوم عليه‌السلام لعلمنا بأنّ مستند المجمعين هو الآيات والروايات المتقدمتان.

وأمّا الوجه الثالث ففيه أنّه إجماع تقديري ، إذ من المحتمل أن السيد المرتضى وأتباعه قدس‌سرهم على تقدير الالتزام بالانسداد بحيث لا يلتزمون بكون الخبر حجة بالخصوص بل يرونه من أفراد الظن المطلق كالمحقق القمي رحمه‌الله.

وأمّا الوجه الرابع ففيه أنّ عمل المجمعين ليس مستندا إلى حجية خبر الواحد كلا إذا كان راويه ثقة إذ عمل جمع منهم مبني على كون ما بأيدينا من الأخبار مقطوع الصدور ، وعمل بعض آخر منهم مبني على كون ما في الكتب الأربعة من الأخبار مقطوع الصدور فيعملون بها فقط كما أنّ جمعا منهم يعملون بجميع أخبار الآحاد سواء كانت في الكتب الأربعة أم كانت في غيرها وبعض آخر منهم يعمل

٣٠٦

بالأخبار الموجودة في الكافي فقط.

وعلى ضوء هذا فلا يكون هناك إجماع عملي على حجية خبر الواحد كلا حتّى يكون كاشفا عن رضا المعصوم عليه‌السلام اللهمّ ارزقنا شفاعته واحشرنا معه.

وأمّا الوجه الخامس ففيه أنّ عمل المتشرعة من أصحاب الأئمة عليهم‌السلام والتابعين إلى يومنا هذا بخبر الثقة غير قابل للانكار ، إذ من المقطوع به والقطعيات أنّ جميع آحاد المكلفين في عصر النبي الأكرم والأئمة الأطهار ، عليه وعليهم الصلاة والسلام ، لم يأخذوا الأحكام من شخصه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن شخصهم عليهم‌السلام بلا واسطة شخص آخر ولا سيما النسوان وأهل البوادي والقرى وأهل البلدان البعيدة من مركز الإسلام ، وهو المدينة المنورة بل لم يتمكنوا من ذلك الأخذ المذكور من جميع ، أوقات الاحتياج ويرجعون إلى الثقات ويأخذون الأحكام منها.

هذا واضح لا غبار عليه ، إلّا أنّه لا يكشف عن كون الخبر الواحد حجة تعبدية ، إذ عمل المتشرعة بخبر الثقات لم يكن بما هم متشرعة بل بما هم عقلاء فإنّ سيرة العقلاء بما هم عقلاء في جميع الأعصار والأمصار قد استقرت على العمل بخر الثقات في امور معاشهم واقتصادهم ومعادهم وأفعالهم و ... ولم يردع عنها الشارع المقدّس فإنه لو ردع عن العمل بخبر الثقة لاشتهر ولوصل إلينا كما وصل منعه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن العمل بالقياس مع أنّ العامل بالقياس أقل من العامل بخبر الثقة بكثير. وقد بلغت الروايات المانعة عن العمل بالقياس إلى خمسمائة رواية تقريبا ، كما يظهر هذا من مراجعة الوسائل والوافي والمستدرك والكتب الأربعة ، ولم تصل في المنع عن العمل بخبر الثقة رواية واحدة فيستكشف كشفا قطعيا أنّ الشارع المقدّس قد أمضى سيرة العقلاء في العمل بخبر الثقة.

وعلى طبيعة الحال فتحصّل ممّا ذكرناه أنّ العمدة في دليل حجية أخبار الآحاد هي سيرة العقلاء الممضاة عند الشارع المقدّس ، إذ لا يرد عليها شيء من

٣٠٧

الإشكال الوارد على سائر الأدلة من الآيات والروايات والإجماع ، كما لا يخفى ؛ إلّا توهّم أنّ الآيات الناهية عن العمل بغير العلم رادعة عن هذه السيرة العقلائية المستمرة. وقد أفاد المصنّف قدس‌سره في دفع هذا التوهّم ، وقد مضى مفصّلا.

ويحتمل أن يكون قوله وتأمّل إشارة إلى انه يمكن أن يستدل على المدعى بالاستصحاب. أمّا بيانه فإنّ خبر الثقة كان حجة عند العقلاء قبل طلوع الإسلام في جزيرة العرب وقبل نزول الآيتين الشريفتين وبعد طلوعه وبعد نزولهما ؛ نشك في بقاء حجيتها وزوالها فالاستصحاب محكم في هذا المقام فنستصحب حجيتها لتمامية أركانه وهي اليقين السابق والشك اللاحق ولاجتماع شرائطه ، وهي اتحاد القضية المتيقنة والقضية المشكوكة موضوعا ومحمولا.

الوجوه العقلية على حجية الخبر

قوله : فصل في الوجوه العقلية التي اقيمت على حجية الخبر الواحد ...

أحدها إنّا نعلم إجمالا بأنّ كثيرا من الأخبار الصادرة عن الأئمة الأطهار عليهم‌السلام كان بمقدار واف بمعظم الأحكام الفقهية بحيث لو علمنا تفصيلا بمقدار الأخبار الصادرة عنهم عليهم‌السلام لانحلّ العلم الإجمالي بثبوت التكاليف بين الروايات وسائر الأمارات المعتبرة عقلا ، أو شرعا إلى العلم التفصيلي بالإضافة إلى التكاليف الواقعة في مضامين الأخبار الصادرة عنهم عليهم‌السلام والشك البدوي في ثبوت التكاليف في موارد سائر الأمارات غير المعتبرة كالإجماعات المنقولة والشهرة الفتوائية والأخبار الضعاف غير المنجبر ضعفها بعمل المشهور على طبقها عند معظم الأصحاب (رض) إلّا سيّدنا الاستاذ الخوئي قدس‌سره فانه لا ينظر إلى عمل الأصحاب (رض).

وأمّا المثال للانحلال المذكور ، فيقال إذا علمنا إجمالا بنجاسة أحد الإنائين

٣٠٨

ولكن ينحل العلم الإجمالي بالبينة التي قامت على نجاسة أحدهما المعين ، أو بغيرها كاخبار ذي اليد بنجاسة أحدهما المعين إلى العلم التفصيلي بنجاسة أحدهما المعين. فالمعلوم بالتفصيل يكون واجب الاجتناب بلا اشكال.

وأمّا بالنسبة إلى ظرف الآخر فنجري فيه أصالة الطهارة لأجل الشك البدوي في طهارته ونجاسته.

أمّا فيما نحن فيه فالعلم الإجمالي الكبير ينحل إلى العلم الإجمالي الصغير أي قد انحل العلم الإجمالي بثبوت التكاليف في موارد قيام الأمارات إلى العلم الإجمالي بصدور جملة من الأخبار الموجودة في الكتب المعتمدة عن المعصوم عليه‌السلام.

وتوضيح ذلك أنّ لنا ثلاثة علوم إجمالية :

الأوّل : هو العلم الاجمالي الكبير وأطرافه جميع الشبهات ومنشؤه هو العلم بالشرع الأنور وتأسيس الشريعة المقدسة بعد بعثة ختم المرتبة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ لا معنى للشرع الخالي عن التكاليف أصلا.

الثاني : هو العلم الإجمالي المتوسط ؛ وأطرافه موارد قيام الأمارات المعتبرة وغير المعتبرة ، ومنشؤه كثرة الامارات بحيث لا نحتمل مخالفة جميعها للواقع بل نعلم اجمالا بمطابقة بعضها له.

الثالث : هو العلم الإجمالي الصغير وأطرافه خصوص الأخبار الموجودة في الكتب القيّمة المعتبرة فإنّا نعلم إجمالا بصدور جملة من هذه الأخبار عن المعصوم عليه‌السلام.

وعلى ضوء هذا وحيث إنّ العلم الإجمالي الأوّل ينحل بالعلم الإجمالي الثاني ؛ وينحل العلم الإجمالي الثاني بالعلم الإجمالي الثالث فلا يجب الاحتياط إلّا في أطراف العلم الإجمالي الثالث.

٣٠٩

ونتيجة وجوب الاحتياط وجوب العمل على طبق الأخبار المثبتة للتكاليف الموجودة في الكتب المعتبرة لا الاحتياط في جميع الشبهات كما هو مقتضى العلم الإجمالي الأوّل ، لو لا انحلاله إلى العلم الإجمالي الثاني ؛ ولا الاحتياط في جميع موارد الأمارات المعتبرة وغير المعتبرة كما هو مقتضى العلم الإجمالي الثاني على تقدير عدم انحلاله.

والميزان في الانحلال أن لا يكون المعلوم بالاجمال في العلم الاجمالي الصغير أقل عددا من المعلوم بالاجمال في العلم الاجمالي الكبير ، ولا يخفى أنّ لازم العلم الإجمالي بثبوت التكاليف في الشريعة المقدسة لزوم العمل على وفق جميع الأخبار التي تثبت التكاليف سواء كانت في العبادات أم كانت في المعاملات ، وجواز العمل على طبق الاخبار النافية للتكاليف الإلزامية من الوجوب والحرمة. فالأخبار الموجودة في الكتب المعتبرة على نحوين : أحدهما هو الأخبار التي تدلّ بالمطابقة ، أو بالالتزام على الوجوب ، أو على الحرمة فيلزم العمل على طبقها عقلا وشرعا. أمّا عقلا فلوجوب إطاعة المولى الجليل بحكم العقل لأنّه منعم وكلّ منعم يجب شكره ، فالمولى يجب شكره. وهو لا يتحقق إلّا بالطاعة ، وأمّا شرعا فلأنّ أوامره ظاهرة في الوجوب إمّا وضعا وإمّا انصرافا لو لا القرينة على الندب ، أو الإباحة ، أو الإرشاد ، أو التهديد مثلا ، كما أنّ نواهيه ظاهرة في الحرمة إمّا وضعا وإمّا انصرافا لو لا القرينة على الكراهية ، أو الإرشاد كالأوامر حرفا بحرف. فالواجب يكون لازم الإتيان والمحرم يكون لازم الترك.

وثانيهما هو الأخبار التي تدل بالمطابقة ، أو بالالتزام على عدم الوجوب وعلى عدم الحرمة كما في المستحبات والمكروهات والمباحات أيضا ؛ فالأوّل يسمى في الاصطلاح بالأخبار المثبتة ، والثاني بالنافية. ولا يخفى أنّ العلم بالأخبار النافية جائز إذا لم يكن في قبالها الأصل الذي يثبت التكليف من أصالة الاشتغال ،

٣١٠

أو الاستصحاب للتكليف إذا قلنا بجريانه في أطراف ما علم إجمالا بانتقاض الحالة السابقة في بعض الأطراف لأجل العلم الإجمالي ، أو إذا قلنا بجريانه في أطراف ما علم بقيام أمارة معتبرة على انتقاض الحالة السابقة في بعض الأطراف.

فالنتيجة أنّ الأخبار النافية لا يجوز العمل بها إذا كان الدليل المثبت للتكليف ثابت في المسألة سواء كان أصالة الاشتغال والاحتياط أم كان استصحابا.

مثلا إذا علمنا اجمالا بوجوب الظهر ، أو الجمعة في يومها وقام خبر من تلك الأخبار ـ التي نعلم إجمالا بصدور كثير منها عن المعصوم عليه‌السلام ، إذ لا نحتمل أن يكون جميعها مجعولا ـ على نفي وجوب الجمعة فلم يجز العمل بالخبر النافي لوجوبها ، بل وجب الاتيان بكليهما لقاعدة الاشتغال وهي تقتضي الفراغ اليقيني وهو لا يحصل إلّا باتيانهما معا.

وهكذا إذا استصحبنا وجوب صلاة الجمعة ولكن قام خبر من تلك الأخبار الموجودة في الكتب المعتبرة على عدم وجوبها فلم يجز العمل بالخبر النافي.

والسرّ في ذلك المطلب يحتاج إلى بسط الكلام ، وهو أنّ مقتضى العلم الإجمالي وجوب الأخذ بالأخبار الموجودة في الكتب المعتبرة المثبتة للتكاليف ولكن بقي الكلام في أنّ وجوب العمل بها هل يترتب على وجوب العمل بالأخبار الموجودة فيها ما يترتب على حجيتها من تقدمها على الاصول العملية واللفظية أم لا. وتحقيق ذلك المطلب يقتضى التكلم في مقامين :

المقام الأوّل : في تقدّم الأخبار الموجودة على الاصول العملية.

المقام الثاني : في تقدمها على الاصول اللفظية كأصالة العموم وأصالة الإطلاق وأصالة الحقيقة وأصالة عدم الاشتراك وأصالة عدم القرينة وأصالة عدم الإضمار مثلا.

أمّا المقام الأوّل : فتحقيق القول فيه انّ الاصول العملية قد تكون من الاصول

٣١١

المحرزة التي تكون ناظرة إلى الواقع بمعنى أن المستفاد من أدلتها البناء العملي على أنّ مفادها هو الواقع كالاستصحاب وقاعدة الفراع وقاعدة التجاوز بناء على كونها من الاصول العملية لا من الأمارات ، كما سيأتي هذا في مبحث الاشتغال والاستصحاب إن شاء الله تعالى ؛ وقد تكون من الاصول غير المحرزة بمعنى أنّ المستفاد من أدلتها أنّها وظائف عملية مجعولة في ظرف عدم الوصول إلى الواقع لا البناء على أنّ مفادها هو الواقع ، وتلك كالبراءة العقلية والشرعية. وعلى كلّ تقدير قد يكون الأصل نافيا للتكليف دائما كالبراءة وقد يكون مثبتا للتكليف دائما كقاعدة الاشتغال ، وثالثة يكون نافيا للتكليف مرة ومثبتا له اخرى ، كالاستصحاب نحو استصحاب عدم وجوب السورة ، إذ قبل البلوغ ما كانت واجبة على المكلّف وبعد البلوغ نشك في وجوبها عليه. ونحو استصحاب وجوب صلاة الجمعة على المكلف في عصر الغيبة لأنّها كانت واجبة في عصر الأئمة عليهم‌السلام وفي عصر الغيبة نشك في وجوبها فنستصحب وجوبها. فالأوّل ناف له والثاني مثبت ؛ فإن كان الأصل نافيا للتكليف ولكن دلّ خبر زرارة قدس‌سره مثلا على ثبوته فلا مجال حينئذ لجريان الأصل سواء كان محرزا أم كان غير محرز بلا فرق بين القول بحجية الخبر الواحد كما هي الأظهر وبين القول بوجوب العمل به من جهة العلم الإجمالي بصدور أكثر الأخبار عن المعصوم عليه‌السلام.

أمّا على القول بحجيته فواضح لا يحتاج إلى البيان ، إذ ما دام الدليل الاجتهادي موجودا لا تصل النوبة بالأصل العملي ؛ وأمّا على القول بوجوب العمل بأخبار الآحاد الموجودة في الكتب المعتبرة من جهة العلم الإجمالي بالصدور فلعدم جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي لأنّ جريانه في جميع الأطراف موجب للمخالفة القطعية العملية ، وفي بعضها ترجيح بلا مرجّح.

فلا فرق بين القول بحجية الخبر الواحد وبين القول بوجوب العمل به من

٣١٢

باب الاحتياط للعلم الإجمالي بصدور أكثر الأخبار الموجودة في الكتب القيّمة المعتبرة عند علماء الشيعة رحمهم‌الله فلا يجرى الأصل في مورد العلم الإجمالي.

ولكن الفرق بين القولين المذكورين من وجهين آخرين :

أحدهما : صحة إسناد مؤدّى الخبر إلى المولى الجليل ، على القول بحجية الأخبار وعدم صحة إسناده إليه على القول بوجوب العمل بها من باب الاحتياط إذ اسناد الحكم إلى المولى مع عدم قيام الحجة عليه تشريع محرم بالأدلة الأربعة.

ثانيهما : وجوب الأخذ باللوازم على تقدير حجية الخبر الواحد وعدمه على تقدير عدمها كما سيأتي هذا مفصلا في بحث الاستصحاب ، إن شاء الله تعالى.

وأمّا إذا كان الأصل مثبتا للتكليف أيضا كما أنّ الخبر مثبت له فلا مانع من جريان الأصل على القول بوجوب العمل بالخبر الواحد من باب الاحتياط لان المانع عن جريانه أحد الأمرين ولكن كلاهما مفقودان في المقام :

أحدهما : ارتفاع الموضوع ـ وهو الشك في الحكم ، أو الموضوع ـ بالعلم الوجداني ، أو التعبدي كما إذا قامت الحجة في مورده ، إذ المفروض انتفاء العلم الوجداني في المقام وعدم كون الخبر الواحد حجة بل المفروض وجوب العمل به من باب الاحتياط العقلي.

ثانيهما : لزوم المخالفة العملية القطعية والمفروض كون الأصل مثبتا للتكليف كالخبر كما إذا دلّ الخبر على وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة تخييرا بينها وبين الظهر والاستصحاب يثبته أيضا فلا يلزم من جريانه مخالفة عملية أصلا فلا مانع من جريانه إلّا أنّه لا ثمرة عملية بين الالتزام بجريانه وبين الالتزام بعدم جريانه إذ المفروض كون الأصل مثبتا للتكليف كالخبر بلا فرق بينهما في هذه الناحية أصلا.

نعم يظهر الفرق بينهما في صحة إسناد الحكم إلى المولى الجليل على تقدير جريان الأصل فيما إذا كان من الاصول المحرزة ، إذ صحّ إسناد الوجوب

٣١٣

المستصحب إلى المولى العزيز أمّا بخلاف ما لو التزمنا بعدم جريان الأصل فإنّه لا يصحّ اسناد الحكم إلى المولى الكريم حينئذ ، إذ المفروض عدم حجية الخبر والمفروض وجوب العمل به من باب الاحتياط فكان إسناد الحكم إلى المولى الواحد تشريعا محرما كما سبق.

هذا كلّه على تقدير وجوب العمل بالخبر من باب الاحتياط ، وأمّا على القول بكونه حجّة فلا مجال لجريان الأصل لارتفاع موضوعه وهو الشك بالتعبد الشرعي كما هو ظاهر ، وقد ظهر بما ذكرناه أنّ الفرق بين حجية الخبر وبين وجوب العمل به من باب الاحتياط والعلم الإجمالي بالصدور في هذا الفرض من وجوه ثلاثة :

الأوّل : أنّه على تقدير الحجية لا يجرى الأصل ؛ وعلى تقدير وجوب العمل به من باب الاحتياط لا مانع من جريانه وإن لم يفترق الحال في مقام العمل بين جريانه وعدمه كما تقدم.

الثاني : صحة إسناد مؤداه إلى المولى الرحيم على تقدير الحجية وعدم صحة إسناد مؤداه إليه على تقدير وجوب العمل بالخبر من باب الاحتياط.

الثالث : لزوم الأخذ باللوازم على تقدير الحجية وعدمه على تقدير عدم الحجية. هذا كلّه على تقدير كون مفاد الخبر حكما الزاميا كالوجوب والحرمة.

وأمّا إذا كان مفاده حكما ترخيصيا ففيه تفصيل : وهو أنّه إذا كان مفاد الأصل نفي التكليف أيضا كالبراءة عن الوجوب ، أو الحرمة وكاستصحاب عدم الوجوب ، أو استصحاب عدم الحرمة فلا تظهر الثمرة بين حجية الخبر وبين وجوب العمل به من باب الاحتياط ، إذ المفروض كون الخبر مثبتا للتكليف كالأصل المثبت له إلّا في الأخذ باللوازم وصحة الإسناد وعدمهما ، كما تقدّم أيضا.

وأمّا إذا كان الأصل مثبتا للتكليف ، فإن كان الأصل من الاصول غير المحرزة كقاعدة الاشتغال فلا مانع من جريانها على القول بوجوب العمل بالخبر من باب

٣١٤

الاحتياط ومن جهة العلم الإجمالي بالصدور ، إذ مع عدم قيام الحجة على نفي التكليف كانت قاعدة الاشتغال محكمة فإنّ الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية بحكم العقل بدفع الضرر المحتمل ومجرد العلم الإجمالي بصدور جملة من الأخبار الترخيصية عن المعصوم عليه‌السلام غير مانع من جريان قاعدة الاشتغال ، إذ العلم بالترخيص في بعض الأطراف حاصل في جميع موارد قاعدة الاشتغال ولكنّه لا يزاحم العلم الإجمالي بالتكليف في أحد الأطراف مثلا إذا علمنا اجمالا بوجوب إحدى الصلاتين القصر ، أو التمام ولكن دلّ الخبر على عدم وجوب القصر مثلا فعلى القول بعدم حجية الخبر لا مانع من الرجوع إلى قاعدة الاشتغال أمّا بخلاف القول بحجيته فإنّه عليه كان احتمال عدم وجوب القصر متيقنا بالعلم التعبدي فينحل العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي بوجوب التمام والشكّ البدوي بالإضافة إلى القصر من حيث الوجوب وعدمه فالأصل براءة من وجوب القصر.

وعلى ضوء هذا فلا يبقى موضوع لقاعدة الاشتغال ففي هذا الفرض تظهر الثمرة العملية بين القول بحجية الخبر الواحد وبين القول بوجوب العمل به من باب الاحتياط ومن جهة العلم الإجمالي بصدور أكثر الأخبار عن آحاد المعصومين عليهم‌السلام وهي ثمرة مهمّة كما لا يخفى على أهل الفن.

وأمّا إذا كان الأصل من الاصول المحرزة كاستصحاب الوجوب ، أو الحرمة في فرض قيام الخبر على نفي التكليف كما في وطء الحائض بعد انقطاع الدم قبل الاغتسال فإن الخبر قد دلّ على الجواز مع غسل الموضع ومقتضى الاستصحاب هو الحرمة ففي مثل ذلك المورد إن كان موارد الاستصحاب المثبت للتكليف قليلة بحيث لا يحصل لنا علم إجمالي بصدور بعض الأخبار الترخيصية في تلك الموارد فلا مانع من جريان الأصل على القول بعدم حجية الخبر ووجوب العمل به من جهة العلم الإجمالي بالصدور ، اما بخلاف القول بحجيته فتظهر الثمرة بينهما في هذا

٣١٥

الفرض كالصورة السابقة.

في جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي وعدمه

قوله : بناء على جريانه في أطراف ما علم إجمالا بانتفاض الحالة السابقة في بعضها ...

وقد اختلف الاعلام قدس‌سرهم في جريان قاعدة الاستصحاب مع وجود العلم الاجمالي بانتفاض الحالة السابقة ، أو مع وجود قيام أمارة معتبرة على انتفاض الحالة السابقة في بعض الأطراف مثلا إذا كان هناك ، أواني متعددة نعلم تفصيلا بطهارة كلّ منها ثم علمنا إجمالا أنّه تنجس بعض الأواني بدم ، أو بول مثلا.

فلا يجري استصحاب الطهارة في شيء من تلك الأواني بعد العلم الإجمالي بانتفاض الحالة السابقة في بعضها ، وكذا إذا كانت الحالة السابقة هي النجاسة ولكن علم إجمالا أنّه قد طهر بعضها باتصال الكر ، أو الجاري ، أو المطر مثلا فلا يجري استصحاب النجاسة في شيء من الأواني وإن وجب الاحتياط حينئذ في الجميع للعلم الإجمالي بنجاسة بعضها.

قال بعض الأعلام قدس‌سرهم بجريانه في بعض أطراف العلم الإجمالي لتمامية أركانه وهي اليقين السابق والشك اللاحق فيجري فيه بلا مانع وبلا مزاحم ولكن لا يتم أركانه في جميع الأطراف وقال بعض بعدم جريانه فيه من جهة لزوم التناقض بين صدر دليل الاستصحاب وذيله كما سيأتي بيانه في محله ، إن شاء الله تعالى.

أمّا بيان التناقض فلأنّه يقال صدره يقتضي جريانه في كلّ واحد من الأواني المذكورة وذيله يقتضي عدم جريانه في كلّ واحد منها ، إذ اليقين بطهارة كلّ واحد منها ينافي اليقين بنجاسة كلّ واحد منها على البدل.

ولا يخفى أنّه إذا قلنا بجريان الاستصحاب في بعض أطراف العلم الإجمالي

٣١٦

فالمانع عن العمل بخبر النافي يكون كليهما أي الاستصحاب وقاعدة الاشتغال وأمّا إذا قلنا بعدم جريانه فيه فالمانع عن العمل بالخبر النافي يكون قاعدة الاشتغال فحسب.

قوله : وفيه أنّه لا يكاد ينهض على حجية الخبر ...

قال المصنّف قدس‌سره أنّ هذا الدليل لا يثبت حجية أخبار الآحاد والمدعى بحيث يجوز تخصيص عمومات القرآنية والروائية بها ، أو يجوز تقييد مطلقات الكتاب المجيد والروايات الشريفة بأخبار الآحاد التي يكون راويها من الثقات وبحيث يرجح الخبر على مفهوم بعض الآيات القرآنية عند التعارض ، إذ هذا معنى حجية الخبر الواحد لا صرف المنجزية للتكليف عند الإصابة والمعذرية عند الخطأ.

وقال المصنّف قدس‌سره وإن كان الوجه الأوّل يرد عليه الإشكال المتقدم آنفا ولكن هذا الوجه العقلي على حجية الخبر الواحد يكون سالما عن الإيراد الذي ، أورده الشيخ الأنصاري قدس‌سره على هذا الوجه الأوّل من أنّ لازمه الاحتياط في الأمارات سواء كانت أخبارا أم كانت غيرها من الإجماعات المنقولة والشهرة الفتوائية لا الاحتياط في خصوص الأخبار الموجودة في الكتب المعتبرة عند علماء الشيعة قدس‌سرهم والدليل على الاحتياط المذكور في الأخبار فقط هو انحلال العلم الإجمالي الكبير القائم على وجود الأحكام الشرعية بين أخبار الآحاد وبين الأمارات إلى العلم الإجمالي الصغير وينحصر وجود الأحكام في الأخبار التي ثبتت في الكتب المعتمدة ويكون الشك البدوي موجودا بالإضافة إلى سائر الأمارات فتجري البراءة فيها كما تقدّم هذا الانحلال في بيان تقسيم العلم الإجمالي إلى الكبير والمتوسط والصغير.

فالنتيجة أنّه يحصل لنا العلم التفصيلي بلزوم الاحتياط في خصوص الأخبار التي تكون حاملة لمعظم الأحكام الفقيهة ، وأمّا في سائر الأمارات فيتحقق فيه الشك

٣١٧

البدوي والابتدائي ويكون مجرى البراءة فيه لا الاحتياط وإن لم نعلم خصوص الحاملة من الأخبار تفصيلا بل نعلم الحاملة منها إجمالا ، إذ لا علم لنا بصدور جميعها ولا نحتمل عدم صدور جميعها ، بل يكون الأمر برزخا بينهما أي نعلم صدور أكثرها عنهم عليهم‌السلام ونحتمل عدم صدور بعضها عنهم عليهم‌السلام.

قوله : فتأمّل جيدا ...

وهو تدقيقي بقرينة كلمة الجيد.

تتمة : فلا يرد إشكال الشيخ الأنصاري قدس‌سره على الوجه الأوّل من لزوم الاحتياط في الأمارات جميعها إذا انحل العلم الإجمالي الكبير إلى العلم الإجمالي الصغير. نعم لو لم ينحل إليه فيرد عليه إشكال الشيخ الأعظم الأنصاري قدس‌سره ويكون الحقّ معه.

في ثاني الوجوه العقلية

قولها ثانيها ما ذكره في الوافية مستدلا على حجية الأخبار الموجودة في الكتب المعتمدة عند الشيعة كثّر الله تعالى أمثالهم في العالم ، كالكتب الأربعة وهي الكافي والتهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه.

قد ذكر الفاضل التوني قدس‌سره في الوافية الدليل العقلي لحجية أخبار الآحاد وعدّه المصنّف قدس‌سره الوجه الثاني من الوجوه العقلية وهو أنّ الأخبار الموجودة في الكتب المعتمدة عند الشيعة كالكتب الأربعة حجة مع عمل جمع من الفقهاء قدس‌سرهم بها من غير رد ظاهر من بعضهم ، أو جلّهم.

ويدلّ على حجيتها أمران :

أحدهما : إنّا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة خصوصا باصول التكليف وهي تعدّ من ضروريات الدين بحيث يوجب إنكارها الارتداد كالصلاة والزكاة

٣١٨

والصوم والحج والمتاجر والأنكحة ونحوها أي وجوب هذه الامور من ضروريات الدين.

ثانيهما : انّ أكثر أجزاء الاصول الضرورية وشرائطها وموانعها قد ثبت بأخبار الآحاد التي تكون غير محفوفة بالقرائن القطعية.

وعليه فلو اقتصرنا في معرفة أجزائها وشرائطها وموانعها على الكتاب المبين والأخبار المتواترة وأخبار الآحاد المحفوفة بالقرائن القطعية لخرجت هذه الاصول الضرورية عن هذه العناوين أي تخرج الصلاة عن عنوان الصلاتية بحيث يصح سلبها عنها كما يصح سلب عنوان الإنسانية عن الإنسان الذي يكون فاقد معظم اجزاءه كفاقد الرأس والرجلين واليدين مثلا ، فكذا الحال في سائر الاصول الضرورية حرفا بحرف. وذلك لكون الآيات القرآنية التي ترتبط بالأحكام والقوانين الإلهية في مقام التشريع والتقنين لا في مقام بيان كيفية الاصول الضرورية من حيث الشرائط والموانع ولا في مقام كميتها من حيث الاجزاء من حيث العدد. فلا تكون وافية بالأحكام الشرعية والقوانين الإلهية لكثرتها إلى ما شاء الله تعالى. إذ آيات الأحكام محدودة بخمسمائة آية فهي غير وافية بالأحكام قطعا وكذا المتواترة والآحاد المحفوفة بالقرائن القطعية غير وافيتين بجميع الأحكام.

وعلى طبيعة الحال فثبت الاحتياج الشديد الأكيد إلى أخبار الآحاد ومن أنكر المطلب المذكور فهو في غاية اللجاج وهذا تقوية لمرامه ، كما لا يخفى. انتهى كلامه ، رفع مقامه.

ولكن ، أورد الشيخ الأنصاري قدس‌سره عليه بإيرادين :

الأوّل : انّ العلم الإجمالي حاصل بوجود اجزائها وشرائطها وموانعها في جميع أخبار الآحاد وليس بحاصل في خصوص الأخبار الموجودة في الكتب الاربعة المعتمدة عند علماء الشيعة رحمهم‌الله وفي خصوص الأخبار التي كانت

٣١٩

معمولا بها.

وعليه فاللازم بحكم العقل إمّا الاحتياط وهو لا يتحقق إلّا بالعمل بجميع أخبار الآحاد سواء كانت موجودة في الكتب الأربعة أم كانت موجودة في غيرها سواء كانت معمولا بها من غير نكير ورد ظاهر ، أم كانت معمولا بها مع نكير ورد ظاهر.

وذلك كالعمل باخبار كتاب غوالي اللآلي وأمثاله فاللازم هو العمل بكل خبر دلّ على جزئية شيء وشرطيته ومانعيته بالإضافة إلى الاصول الضرورية لا العمل بخصوص الأخبار الموجودة في الكتب الأربعة وإلّا بالإتيان بمشكوك الجزئية وبمشكوك الشرطية وإلّا بترك مشكوك المانعية.

فالنتيجة إمّا نحتاط بالإتيان بالمشكوك جزء ، أو شرطا وبالترك للمشكوك من حيث المانعية وإمّا نعمل بتمام الأخبار التي تدلّ على جزئية شيء وعلى شرطية شيء وعلى مانعية شيء للاصول الضرورية ، كالصلاة والحج ونحوهما.

في الجواب عنه

أجاب المصنّف قدس‌سره بأنّه يمكن أن يقال إنّ العلم الإجمالي بالصدور وإن كان حاصلا بين جميع الأخبار أعم من الأخبار الموجودة في الكتب الأربعة الصادرة عن أئمة الطاهرين عليهم‌السلام ومن الأخبار التي هي موجودة في الكتب الأخر ولكن نقطع بأن الأخبار التي تبين اجزاء العبادات والمعاملات وشرائطهما وكيفيتهما وكميتهما وموانعهما موجودة في الأخبار الموجودة في الكتب الأربعة وهي تكفي بهذه الامور المذكورة. فالنتيجة انّ العلم الإجمالي الكبير الذي تكون أطرافه جميع الأخبار التي بأيدينا ينحل إلى العلم الإجمالي الصغير الذي تكون أطرافه خصوص الأخبار الموجودة في الكتب الأربعة ، وبعد تمهيد ثلاث مقدمات ؛ أولها انّ الأخبار

٣٢٠