البداية في توضيح الكفاية - ج ٣

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ دانش
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-8-5
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٦٢٠

لبيان تعليق حكم الجزاء على الشرط ، فإذا كانت القضية الشرطية لبيان تحقّق الموضوع فقد كانت مثل قضية إن رزقت ولدا فاختنه فلا مفهوم لها حينئذ ، فإنّ الختان عند انتفاء الولد منتف بانتفاء موضوعه.

وكذا في المقام انتفاء وجوب التبيّن عن الخبر عند انتفاء مجيء الفاسق به انّما هو لانتفاء موضوعه لا لأجل المفهوم ، إذ مع عدم مجيء الفاسق بالخبر لا خبر هناك كي يجب التبيّن عنه ، أو لا يجب.

ومن الواضح : ان الحكم دائر مدار الموضوع وجودا وعدما ؛ وفيه ان الموضوع في القضية هو النبأ ، ومجيء الفاسق به شرط لوجوب التبيّن عنه فلا تكون القضية الشرطية مسوقة لبيان تحقّق الموضوع كي لا يكون لها مفهوم أصلا ، نظير الشرط الوارد مورد الغالب نحو قوله تعالى (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً)(١) ، إذ ليس لهذا الشرط مفهوم كي يجوز الاكراه على البغاء والزنا ان لم يردن التحصّن والعفّة ، إذ جواز الإكراه ينتفي بانتفاء موضوعه ، وهو إكراه ، إذ لم يردن التحصّن.

توضيح ذلك : ان الجزاء تارة : يكون في نفسه متوقّفا على الشرط عقلا بلا دخل للتعبّد المولوي كما في قولك : إن رزقت ولدا فاختنه ، إذ الختان يتوقّف على وجود الولد في الخارج عقلا من باب توقّف الحكم على موضوعه ، وكذا مثل ان ركب الأمير فخذ ركابه حرفا بحرف.

واخرى : يكون الجزاء متوقّفا على الشرط بالتعبّد المولوي كما إذا قال المولى لعبده إن جاءك زيد فأكرمه ، فإن الإكرام غير متوقف على المجيء عقلا نظير توقف الختان على وجود الولد وتوقف أخذ الركاب على الركوب ؛ ولكن يتوقّف الاكرام على المجيء بالتعبّد ، فكل قضية شرطية كان التعليق فيها من قبيل الأوّل فهو إرشاد

__________________

١ ـ سورة النور ، آية : ٣٣.

٢٦١

إلى حكم العقل ومسوق لبيان تحقق الموضوع فلا مفهوم لها أصلا.

وكلّ قضية شرطية كان التعليق فيها من قبيل الثاني فهي تفيد المفهوم ، وهذا هو الميزان في كون القضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع ، وعدم كونها مسوقة له.

ثمّ إن الشرط قد يكون أمرا واحدا ، وقد يكون مركبا من أمرين. فإن كان أمرا واحدا فقد تقدّم أنّه إن كان الأمر المذكور ممّا يتوقف عليه الجزاء عقلا ، فلا مفهوم للقضية كما تقدّم مثاله ، وإلّا فتدل على المفهوم كالمثال السابق. وإمّا إذا كان مركّبا من أمرين فإن كان كلاهما ممّا يتوقف عليه الجزاء عقلا ، فلا مفهوم للقضية الشرطية أصلا ، كقولك إن رزقت ولدا وكان ذكرا فاختنه.

ومن الواضح أنّ وجوب الختان يتوقف عقلا على وجود الولد وعلى كونه ذكرا من باب توقف الموقوف على الموقوف عليه والحكم على موضوعه.

وإذا كان كلاهما مما لا يتوقف عليه الجزاء عقلا فالقضية الشرطية تدلّ على المفهوم بالنسبة إلى كليهما بمعنى أنّها تدلّ على انتفاء الجزاء عند انتفاء كلّ واحد منهما ولو مع تحقّق الآخر ، كقولك إن جاءك زيد وكان معمّما روحانيا فأكرمه ، إذ هو يدلّ على انتفاء وجوب الإكرام عند انتفاء المجيء ... ولو كان روحانيا معمّما. وعلى انتفاء وجوب الإكرام عند انتفاء كونه روحانيا معمّما وان كان جائيا. وإن كان أحدهما مما يتوقف عليه الجزاء عقلا دون الجزء الآخر ، كقولك إن ركب الأمير وكان ركوبه يوم الجمعة مثلا فخذ ركابه ، فتدل القضية حينئذ على المفهوم بالنسبة إلى الجزء الذي لا يتوقف عليه الجزاء عقلا ، وهو الركوب يوم الجمعة دون الجزء الآخر الذي يتوقف عليه الجزاء عقلا وهو ركوب الأمير.

وقد ظهر وجه ذلك كلّه مما سبق ؛ وليعلم أنّ تميز الجزء الذي أخذ موضوعا للحكم في مقام الإثبات عن الجزء الذي علّق عليه الحكم إنّما هو بالاستظهار من

٢٦٢

سياق الكلام وبحسب متفاهم أهل الفن والذوق والتحقيق وأهل العرف ، فإنّ الظاهر من قولك إن جاءك زيد فأكرمه ، ان الموضوع لوجوب الإكرام هو زيد ومجيئه ممّا علّق عليه الحكم ، وهو وجوب الإكرام. وينعكس الأمر فيما إذا قلت إن كان الجائي يوم الجمعة زيدا فأكرمه ، فإن الظاهر منه إن الجائي هو الموضوع وكونه زيدا فقط شرط لوجوب إكرامه. وهكذا في سائر الموارد والأمثلة.

إذا عرفت ذلك فقد ظهر لك أنّ الشرط في الآية المباركة بحسب التحليل مركب من جزءين : أحدهما النبأ والآخر كون الآتي به فاسقا ويكون النبأ موضوعا للحكم المذكور في الجزاء ، وهو وجوب التبين ، لتوقف الحكم على النبأ عقلا من باب توقف الحكم على موضوعه ، فلا مفهوم للقضية الشرطية بالنسبة إلى النبأ لأن النبأ موضوع وليس بشرط كي يكون له مفهوم ، والجزء الآخر وهو كون الجائي به فاسقا مما لا يتوقف عليه الجزاء عقلا ؛ فتدل القضية على المفهوم بالنسبة إليه ، أي إلى الجزء الآخر ، ومفاده ـ أي مفاد جزء الآخر ـ عدم وجوب التبين عنه عند انتفاء كون الجائي به فاسقا وهو المطلوب.

قوله : فافهم ...

وهو إشارة إلى أنّ الموجبة بانتفاء الموضوع ممتنعة ، إذ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له. أعني منه الموضوع ، وعليه فلا مجال لدعوى المفهوم في هذا المقام أصلا ، إذ وجوب التبين كناية عن عدم حجيّة خبر الفاسق فكأنّه قيل إن جاءكم فاسق بنبإ فخبره ليس بحجة ، وحينئذ فمفهوم الجزاء يكون موجبة بانتفاء الموضوع أي إن لم يجئكم فاسق بنبإ فهذا النبأ حجّة وهو ممتنع ، إذ ليس النبأ بموجود كي يحمل عليه عنوان الحجية.

قوله : نعم لو كان الشرط هو نفس تحقق النبأ ومجيء الفاسق ...

قد مرّ في الجواب عن الإشكال الوارد على الاستدلال بآية النبأ أنّ الموضوع

٢٦٣

للوجوب هو النبأ ، ولكن مجيء الفاسق به شرط وجوب التبين عنه.

وعليه فلا تكون مسوقة لبيان تحقق الموضوع أي إذا جعلنا موضوع وجوب التبيّن في الآية الشريفة ، مجيء الفاسق بالنبإ ، فالقضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضع ومفهومها يكون سالبة بانتفاء الموضوع ، أي إذا لم يجيء الفاسق به فلا يجب التبيّن عنه ، نظير مفهوم قضية شرطية إن رزقت ولدا فاختنه ، أي إن لم ترزق ولدا فلا تختنه. فالموضوع للوجوب أي وجوب التبين مركب حينئذ من أمرين : أحدهما هو النبأ ، والآخر هو مجيء الفاسق به ، فإذا انتفى الثاني انتفى الموضوع رأسا ، لأن المركّب كما ينتفي بانتفاء جميع أجزائه كذلك ينتفي بانتفاء أحد أجزائه.

وأمّا إذا جعلنا الموضوع نفس النبأ بما هو نبأ ومجيء الفاسق به شرط وجوب التبين عنه فلا يرد إشكال حينئذ ، إذ يصير حاصل المعنى المنطوقي إذا جاء الفاسق بالنبإ فيجب التبين عنه ، أو يجب التثبت حتى يتبين صدقه وكذبه. ويصير حاصل المعنى المفهومى إذا لم يجيء به الفاسق ، فلا يجب التبين عنه ، أو لا يجب التثبت ، فيكون النبأ موجودا ولكن شرط وجوب التبين عنه وهو مجيء الفاسق به مفقود فيرجع حينئذ إلى قانون إذا فات الشرط فات المشروط.

فالنتيجة إذا جاءكم العادل بالنبإ فلا يجب عليكم التبين بل يجب عليكم القبول وهو معنى الحجية ، وهي مطلوبة ؛ فالاستدلال بها تام لا يرد عليه إشكال.

قوله : مع أنّه يمكن أن يقال أن القضية ولو كان مسوقة ...

ومن الواضح أنّه يجب أن يكون المفهوم متّحدا مع المنطوق في جميع الخصوصيات المذكورة في القضية من موضوع ومحمول ومكان وزمان وإضافة وجزء وكل وقوة وفعل وشرط. لكن يجب أن يعرى المفهوم عن خصوصية الشرط فيكون المنطوق ثابتا في حال الشرط ، والمفهوم ثابتا في غير حال الشرط.

٢٦٤

وعليه فإذا كان الشرط نفس الموضوع فمقتضى لزوم تعريته عن خصوصية الشرط لزوم تجرد المفهوم عن خصوصية الموضوع ، فيكون المفهوم حينئذ عدم حكم المنطوق ولو في غير ذلك الموضوع ، فيكون المفهوم في المقام عدم وجوب التبين والتفحص عن غير الفاسق إذا لم يوجد خبر الفاسق وهو المطلوب.

فالنتيجة ان القضية الشرطية في الآية الشريفة وإن كانت مسوقة لبيان تحقق الموضوع ففي هذا الفرض كانت ظاهرة في انحصار موضوع وجوب التبين في النبأ الذي جاء به الفاسق نظرا إلى أن مقتضى إطلاق الشرط. انحصار سبب وجوب التبين في فسق المخبر إذ لم يقيد الشرط بكذب الفاسق المخبر. فيقتضي الانحصار المذكور انتفاء وجوب التبيّن عند انتفاء النبأ الذي جاء به الفاسق ، وعند وجود موضوع آخر وهو النبأ الذي جاء به العادل ، وهو المطلوب.

فتحصل ممّا ذكر أن المصنّف قدس‌سره قد أجاب عن الإشكال الأوّل الذي ، أورد على الاستدلال بآية النبأ لحجية أخبار الآحاد بجوابين ، كما قررا تفصيلا.

قوله : فتدبّر ...

وهو إشارة إلى أنّ المفهوم نقيض المنطوق ، فلا بد أن يكون الجزاء الذي ذكر في المنطوق ونقيض الجزاء الذي هو ثابت في المفهوم ثابتين لموضوع واحد ، مثل أكرم زيدا إن جاءك. فوجوب الإكرام بشرط تحقق المجيء وحرمة الإكرام بشرط عدم تحقق المجيء ثابتان لزيد فقط. أمّا بخلاف الآية المباركة فإنّ وجوب التبين ثابت لنبأ الفاسق ، وعدم وجوب التبين ـ الذي هو نقيض الجزاء الذي ذكر في المنطوق ـ ثابت لنبأ العادل.

ومن الواضح أنّ نبأ العادل غير نبأ الفاسق لتعدد القيد ، أي قيد الموضوع وهو العادل والفاسق ، وهو يدلّ على تعدد المقيد وهو النبأ. وعلى ضوء هذا فلا ينطبق قانون المفهوم هنا كما لا يخفى على المتأمل.

٢٦٥

فالنتيجة : إن الاستدلال بمفهوم الشرط الذي ذكر في آية النبأ على حجيّة خبر الواحد غير تام كما لا يخفى.

قوله : ولكنّه يشكل بأنّه ليس لها هاهنا مفهوم ولو سلم ان ...

واستشكل ثانيا على الاستدلال بآية النبأ بأنّا لو سلمنا دلالة آية النبأ على حجيّة خبر العادل من جهة مفهوم الشرط ، أو الوصف. أمّا إذا لاحظنا التعليل الذي هو اصابة القوم بجهالة ، فهو يفيد وجوب التبين عن مطلق النبأ الذي لا يفيد العلم سواء كان الجائي به عادلا أم كان الجائي به فاسقا ، إذ تكون العلة معمّما ومخصّصا كقولك لا تأكل الرمان لأنّه حامض أي لا تأكل حامضا سواء كان رمانا أم كان الحامض غير رمان ، وكقولك أكرم زيدا لأنّه عادل أي أكرم خصوص زيد العادل ولا تكرم زيد الفاسق ، فالأوّل مثال المعمّم ، والثاني مثال المخصّص. ففي الآية المباركة التعليل معمّم لأن الخبر العادل لا يفيد العلم فينطبق عليه فإذا وجب التبين عن الخبر الذي جاء به العادل فلا يكون بحجة ، فاشتراك التعليل بين المفهوم والمنطوق يكون قرينة على عدم المفهوم للآية الشريفة ، فيقع التعارض بين المفهوم المقتضي لجواز العمل بخبر العادل وبين التعليل المانع عنه ، ولكن لا ريب في كون التعليل مقدما على المعلّل لكونه حاكما عليه فقد يرفع به أي بالتعليل اليد عن عمومه ، أي عن عموم المعلل ؛ كما في مثل أكرم العلماء لأنّهم عدول أي أكرم خصوص العدول من العلماء ، أو عن خصوصه نحو أكرم زيدا لأنّه عادل ، فإنّه في الأوّل يقتضي التخصيص بالعدول من العلماء وفي الثاني يقتضي التعميم لكل عادل ، بل هو في الأوّل يقتضي التعميم ، إذ هو يوجب إكرام الجهلاء العدول ، وفي الثاني يقتضي التخصيص بحال العدالة فلا يشمل زيدا حال الفسق. فكذا الحال في المقام يقتضي التعميم المنع لخبر العادل أيضا.

٢٦٦

قوله : ولا يخفى أن الإشكال إنّما يبتني على كون الجهالة بمعنى عدم العلم ...

أجاب المصنّف قدس‌سره عن الإشكال الثاني بأنّه وارد إذا كان معنى الجهالة في الآية الشريفة بمعنى عدم العلم ، إذ التقابل بين العلم والجهل تقابل العدم والملكة ، والملكة العلم وعدم الملكة الجهل والجهالة ، لأنّ عدم العلم موجود في النبأ العادل وفي النبأ الفاسق وهو موجب للوقوع في الندم والندامة. أما إذا كانت بمعنى السفاهة وبمعنى الفعل الذي لا ينبغي أن يصدر من عاقل ، ففي هذا الفرض الجهالة مختصة بالنبإ الذي جاء به الفاسق ، فلهذا وجب التبين والتحقيق عنه حتى يتبين صدقه وكذبه وأمّا إذا عملنا بخبر العادل من دون التبين فلا يكون العمل به بسفاهة عند العقلاء وعند أهل العرف لأنّهم يعملون بخبر الثقة فضلا عن خبر العادل.

فإن قيل : لم أقدم الصحابة رضي الله عنهم ، على العمل بخبر الوليد الفاسق بن عقبة ، والحال أنّ العمل به سفاهة لا ينبغي صدورها عنهم ويدل على أقدامهم بذاك نزولها ردعا لهم ؛ قلنا بأنّ الأصحاب رضي الله عنهم ، لم يعلموا بفسق الوليد بن عقبة فلهذا أقدموا على ترتيب الأثر على خبره فأخبرهم الله تعالى بلسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفسقه وأن العمل بخبره سفاهة ولو فرض علمهم بفسقه لكان إقدامهم على العمل بخبره لأجل غفلتهم عن كونه سفاهة فإنّه قد يتفق صدور عمل من الإنسان غفلة ، مثل كثرة الضحك مثلا ، ثم يلتفت إلى كونه مما لا ينبغي صدوره عن العاقل وإلى كونه سفاهة.

الايراد على الخبر بالواسطة

قوله : ثم إنّه لو سلم تمامية دلالة الآية المباركة على حجية خبر العدل أي العادل ...

٢٦٧

واستشكل على الاستدلال بآية النبأ على حجيّة خبر الواحد ثالثا بأنّا لو قطعنا النظر عن الإشكال الأول والثاني للزم الإشكال الثالث في المقام. أمّا بيانه فلأنّه يقال إذا أخبرنا عادل عن الإمام عليه‌السلام بأنّ صلاة الجمعة واجبة فالواسطة بيننا وبين الإمام عليه‌السلام عادل واحد ، وهو زرارة بن أعين رحمه‌الله مثلا فمفهوم آية النبأ يدل على حجيّة قوله ومعنى حجيّته تصديقه ومعنى تصديقه ترتيب أثر الشرعي على ما أخبر به العادل ، وهو وجوب صلاة الجمعة من حيث العمل. ولا ريب في أنّ ترتيب الأثر عليه ثابت بمعنى تصديق العادل فيما أخبر به ، إذ قول الإمام عليه‌السلام ووجوب متابعة قوله عليه‌السلام معلوم لنا بالضرورة من مذهبنا.

وهذا لا إشكال فيه ، إذ الموضوع خبر العادل والحكم وجوب تصديقه وهو مستفاد من قول صدّق العادل ، وهذا مستفاد من دليل حجية خبر العادل. وأمّا إذا كان الواسطتان ، أو الوسائط بيننا وبين الإمام عليه‌السلام موجودة فيرد إشكال اتحاد الموضوع والحكم معا في هذا المقام.

بيان ذلك أنّ في ثبوت السنة المصطلحة أعني منها قول المعصوم وتقريره وفعله عليه‌السلام بالإخبار بالواسطة كما إذا أخبر الكليني عن علي بن إبراهيم القمي عن البزنطي عن الرضا عليه‌السلام أنّه يجب الغسل يوم الجمعة ، اشكالين : أحدهما يختص بالإخبار عن الواسطة كخبر الكليني قدس‌سره ، وثانيهما يختص بخبر البزنطي ولا يشمل خبر الكليني قدس‌سره.

وخلاصة الإشكال الأوّل أنّه لا ريب في أنّ جعل الحجية للخبر الواحد إذا جاء به العادل ووجوب تصديقه ثابت في فرض يكون لمؤداه أثر عملي وإلّا كان جعل الحجية لغوا وهو قبيح لا يصدر من المولى الحكيم جلّ وعلا ، كما إذا أخبر عادل بوجود جبل القاف مثلا فجعل الحجية لهذا الخبر يكون لغوا لعدم ترتب أثر شرعي من حيث العمل عليه.

٢٦٨

وعلى ضوء هذا فالأثر الشرعي للمؤدى وللمخبر به يكون من علل وجود الحجية وتحققها ومن علل وجوب التصديق وحينئذ فلا بد أن يكون الأثر المذكور متقدّما على وجوب التصديق رتبة تقدم العلة على معلولها.

وعليه فاذا كان مؤدى الخبر خبرا آخر كخبر الكليني الحاكي عن خبر علي بن إبراهيم القمي قدس‌سرهما ، والحال أنّه لم يكن للخبر المؤدى أثر غير وجوب تصديقه ، يلزم أن يكون وجوب التصديق الذي هو ثابت للخبر الحاكي كخبر الكليني قدس‌سره منشأ بلحاظ وجوب التصديق الثابت لخبر علي بن إبراهيم فيكون الأثر المصحّح لوجوب تصديق خبر الكليني عين وجوب التصديق الثابت لخبر الواسطة وهو مستحيل لما عرفت من وجوب كون الأثر المصحح غير وجوب التصديق متقدما عليه رتبة لكونه علة له والعلة متقدمة على معلولها رتبة وذاتا كتقدم طلوع الشمس على وجود النهار. والحال أنّه يلزم تقدم الشيء على نفسه وتأخره عن نفسه.

وبتقرير آخر إذا قال الكليني قال علي بن إبراهيم قال البزنطي سمعت الإمام الباقر عليه‌السلام أنّه قال : صلاة الجمة واجبة ، والواسطتان قد نقلا لنا قول الإمام الباقر عليه‌السلام فإذا صدقناهما لانهما عادلان في المخبر به وهو خبر العادل ـ وهو البزنطي ـ في طبقات الرواة ، والحال أنّ معنى التصديق ثابت بمعنى ترتب الأثر الشرعي الذي هو ثابت للمخبر به من قول الإمام عليه‌السلام والأثر الشرعي لخبر العادل يكون بعينه وجوب تصديق خبر العادل الواسطة وليس في البين أثر شرعي بموجود غير وجوب التصديق.

والحال أنّه لا بد أن يكون الأثر الشرعي للمخبر به وذلك كوجوب متابعة قول الإمام عليه‌السلام وكحرمة مخالفة قوله عليه‌السلام مترتبا عليه كي يكون وجوب التصديق ثابتا بلحاظ ذاك الأثر الشرعي.

وعليه يلزم اتحاد الحكم والموضوع ، أي يصير وجوب التصديق موضوعا

٢٦٩

لنفسه واتحادهما محال ، إذ يستلزم الاتحاد المذكور أن يكون الشيء الواحد متقدما ومتأخرا ، وهذا اجتماع الضدين في محل واحد ، وهو محال عقلا ، فالاتحاد محال أيضا لأنّه مستلزم المحال وكل مستلزم المحال محال كما مرّ هذا في وجه استحالة الدور والتسلسل في الجزء الأوّل.

توضيح في استلزام اتحاد الموضوع والحكم كون وجوب التصديق متقدما ومتأخرا أنّ الحكم عارض على الموضوع وهو معروض عليه ولا ريب في تأخر رتبة العارض عن رتبة المعروض عليه.

وعليه فلا يمكن أن يكون الموضوع والحكم في رتبة واحدة بل لا يمكن أن يكون الشيء الواحد موضوعا وحكما وفيما نحن فيه يلزم اتحادهما وكونهما في رتبة واحدة لأنّ الأثر الشرعي للمخبر به من قول الإمام عليه‌السلام لا بد أن يكون قبل صدق العادل.

والحال أنّ صدق العادل حكمي يكون ثابتا في رتبة صدّق العادل موضوعي ، فإن قيل : إنّا نفرض اثنين من قول صدق العادل بحيث يكون أحدهما موضوعا متقدما رتبة والآخر حكما متأخّرا رتبة.

قلنا : ، أولا ليس الاثنان منه بموجودين بحيث تعلق الإنشاءان بهما ، وثانيا لا بدّ من التغاير الواقعي بين الموضوع والحكم المترتب عليه بحيث يكون الموضوع شيئا والحكم شيئا آخر ولا يكفي التغاير الاعتباري فيهما.

هذا فيما كان المخبر به خبر العدل ، نحو نقل الكليني خبر زرارة بن أعين قدس‌سرهما مثلا وأمّا إذا كان المخبر به عدالة المخبر ، كما إذا أخبرنا عمرو العادل بأن زيد المخبر عادل ومن الواضح أن المخبر به عمرو العادل ، عدالة زيد وأثر عدالته وجوب تصديقه لا غيره من الآثار المترتبة على عدالة زيد بن أرقم مثلا ، من جواز الائتمام به وقبول شهادته ونفاذ قضاوته فإنّه لا مجال للإشكال في هذه الآثار

٢٧٠

لاختلاف الأثر الذي هو وجوب تصديقه وجواز الائتمام به بحيث يكون وجوب التصديق موضوعا وجواز الائتمام حكما ، فلا يلزم اتحاد الموضوع والحكم لاختلافهما أثرا.

أمّا إذا كان أثر عدالة المخبر ـ وهو زيد ـ وجوب تصديقه لا غيره فيلزم إشكال اتحاد الموضوع والحكم لأنّ الأثر الشرعي عين هذا الوجوب فكيف يكون وجوب التصديق ثابتا بلحاظ نفسه وموضوعا لنفسه ويكون بنفسه مصححا لنفسه ، فيلزم أن يكون الحكم بوجوب التصديق بلحاظ وجوب تصديق المخبر ، وهو محال للزوم اتحاد الحكم والموضوع فإنّ وجوب تصديق العادل حكم ، والأثر المترتب على ما أخبر به موضوع يجب تحققه في المرتبة السابقة لأجل كون الموضوع علة للحكم وهو معلوله والعلة والمعلولية يقتضيان اثنينية بحيث تكون العلة شيئا ويكون المعلول شيئا آخر ، فيلزم الإشكال بعينه من حيث ترتب وجوب التصديق على خبر المخبر.

قوله : نعم لو أنشأ هذا الحكم ثانيا فلا بأس في أن يكون بلحاظه أيضا ...

أي لو كان هناك انشاءان ـ بحيث كان أحد الإنشاءين إنشاء وجوب التصديق لخبر الواسطة ، وذلك كخبر علي بن إبراهيم القمي رضى الله عنه مثلا ، والآخر إنشاء وجوب التصديق للخبر الحاكي عن الواسطة ، وذلك كخبر الكليني قدس‌سره ـ لصحّ هذا ولم يتوجه الإشكال المذكور آنفا إذا كان أحدهما غير الآخر ، فيصح حينئذ أن يكون مصححا للآخر وموضوعا له أي يكون وجوب تصديق خبر الحاكي موضوعا لوجوب تصديق خبر المحكي ، فليس للاتحاد رسم ولا أثر ، كما لا يخفى.

أمّا بخلاف ما إذا لم يكن هناك إلّا جعل واحد فإنّه يلزم اتّحاد الحكم والموضوع كما سبق هذا.

٢٧١

قوله : فتدبّر ...

وهو إشارة إلى أنّ آية النبأ ومثلها من آية النفر والسؤال والكتمان والإذن ، تدلّ على وجوب تصديق المخبر إذا كان عادلا. وعليه فلا مصحح للإنشاء الأوّل بعد فرض عدم الأثر للخبر الحاكي إلّا نفس وجوب تصديق الجائي للخبر من قبل آية النبأ ومثلها فتقع في ورطة الاتحاد حال كونك تفرّ منها كفرارك من الأسد ، إذ يلزم اتحاد العلة والمعلول ، وهو مستلزم لاتحاد الموضوع والحكم ، كما لا يخفى.

دفع الايراد على الخبر بالواسطة

قوله : ويمكن دفع الإشكال وذبّه بوجوه ثلاثة ...

ولا بد هنا من تمهيد مقدمة وهي أنّ القضايا على ثلاثة أنحاء :

النحو الأوّل : هو القضايا الخارجية وهي التي حكم فيها على الموضوع الموجود في الخارج حقيقة لا تقديرا نحو قولنا اللحم رخيص أي اللحم الموجود فعلا في السوق رخيص وقليل البهاء.

النحو الثاني : هو القضايا الطبيعية وهي التي حكم فيها على الموضوع الموجود في الخارج مقدرا ، يعني أنّ طبيعة هذا الموضوع إذا وجدت في الخارج يحمل عليها هذا المحمول نحو قولنا النار محرقة فطبيعة النار إنّها إذا وجدت في الخارج فتحرق ولو لم يكن بالفعل وجود للنار في الخارج.

النحو الثالث : هو القضايا الذهنية وهي التي حكم فيها على الموضوع الموجود في الذهن كقولنا شريك الباري ممتنع بمعنى أنّ كلّ ما يوجد في العقل ويفرضه شريك الباري جلّ وعلا ، فهو موصوف في عالم الذهن بالامتناع في عالم الخارج.

إذا علم هذه المقدمة الممهدة ، فاعلم أنّ هذا الإشكال إنّما يرد إذا لم تكن

٢٧٢

قضية صدّق العادل أي رتب الأثر الشرعي على ما أخبر العادل به بلحاظ طبيعة الأثر بل كان بلحاظ مصاديق الأثر وأفراده الخارجية ، وأمّا إذا كانت القضية طبيعية أي كان الحكم فيها بلحاظ طبيعة الأثر من حيث هو أثر فالحكم فيها يسري إلى نفسه أيضا كما يسري إلى مصاديقها الخارجية مثل سراية الحكم في قولك : كلّ خبري صادق ، إلى نفس هذا القول من دون أن يلزم في المقام اتّحاد الموضوع والحكم ، إذ يلزم الاتّحاد المذكور إذا جعل قول صدق العادل قضية خارجية ترتب الحكم فيها على خصوص أفراد الموضوع الموجودة في الخارج فعلا ؛ وأمّا إذا جعل قول صدق العادل قضية حقيقية ترتب الحكم فيها على طبيعة الموضوع من دون ملاحظة خصوصيات الأفراد ومنها يسري الحكم إلى أفرادها الخارجية المحققة ، أو المقدرة فلا يلزم حينئذ الاتّحاد المذكور أي اتحاد الحكم والموضوع.

فإن قيل : إذا جعلت القضية صدق العادل طبيعية فلا يسرى الحكم منها إلى أفرادها ومصاديقها كقولنا الإنسان نوع والحيوان جنس ، إذ لا تكون أفراد الإنسان بنوع ولا مصاديق الحيوان بجنس ، بل تكون أنواعا مختلفة الحقائق كالإنسان والفرس ونحوهما ، قلنا ليس المراد من الطبيعي ، الطبيعي المعقولي بمعنى الطبيعة بشرط لا ، بل المراد هو الطبيعي الاصولي بمعنى الطبيعة بشرط الوجود السعي ، فيسرى الحكم إلى الأفراد ، فلا مانع من شمول دليل الحجية لخبر الكليني عن علي بن إبراهيم القمي قدس‌سرهما مع كون الأثر الشرعي للمخبر به ـ وهو خبر علي بن إبراهيم ـ نفس وجوب التصديق ، وهكذا ينجر هذا الكلام إلى آخر الوسائط.

والسرّ في ذلك المطلب أن الطبيعي بهذا المعنى لا مرتبة له أصلا حتى يكون التأخّر الرتبي في بعض أفراده المعنون بالحكم ينافي التقدم الرتبي في بعض أفراده الآخر المعنون بالموضوع لأنّ الطبيعي من حيث هو طبيعي ليس إلّا هو ليس بمطلوب ، ولهذا كأنّه خارج من عالم الرتب كما أنّ الواجب الوجود جلّ جلاله ،

٢٧٣

الذي لا زمان له خارج عن محيط الزمان. فلا يعقل في الطبيعي بما هو طبيعي التقدم والتأخّر ؛ أمّا بخلاف الأفراد فإنّ بعضها متقدّم على بعض الآخر وبعضها متأخّر عن بعض الآخر ، فلهذا حملنا قول صدّق العادل على القضية الحقيقية لا على القضية الخارجية. هذا تمام الكلام في الجواب الأوّل.

وأمّا الجواب الثاني عن الإشكال الثالث : فيقال إنّا نقطع بتحقق ما هو المناط في سائر الآثار في هذا الأثر أي وجوب التصديق بعد تحققه بهذا الخطاب وإن لم يشمله لفظا لأجل المحذور المذكور ، وهو اتّحاد الحكم والموضوع.

فخلاصة الجواب الأوّل أن الشارع المقدّس لم يلاحظ خصوصيات الفردية في الاخبار مع الواسطة كي يكون الموضوع والحكم متحدين ، إذ شمول صدّق العادل قول الكليني مثلا ، يكون بلحاظ نفس قول صدّق العادل ، إذ لا أثر للمخبر به الكليني قبلا غير الوجوب للتصديق كي يكون وجوب التصديق بلحاظ ذاك الأثر ، فيلزم كون وجوب التصديق موضوعا وحكما في الوسائط وهذا محال لاستلزامه تقدم الشيء على نفسه وتأخّره عن نفسه ، ومستلزم المحال محال.

بل لاحظ طبيعة الأثر الشرعي للمخبر به وهي تترتب على قول الواسطة ، وذلك كخبر الكليني وعلي بن إبراهيم مثلا ، وإن لم يكن الأثر بموجود في الوسائط غير وجوب التصديق ، ولكن الشارع المقدّس لم يلاحظ الخصوصية في الوسائط لا يكون لحاظ الخصوصية بلازم ، فنحن نترتب طبيعة الأثر على المخبر به سواء كانت الواسطة موجودة أم لم تكن بموجودة فلا يلزم الاتحاد ، لأنّ طبيعة الأثر غير الحكم بوجوب التصديق فيجوز أن تكون موضوعا له ، ومن المعلوم أنّه لا مانع من أن يكون الموضوع نفس الطبيعة فإذا ثبت الحكم لتلك الطبيعة وكانت تلك الطبيعة تسري إلى نفس وجوب التصديق سرى إليه حكمها أيضا سراية حكم الطبيعة إلى أفرادها ومصاديقها.

٢٧٤

وخلاصة الجواب الثاني أنه لو سلّمنا عدم شمول الدليل للخبر الحاكي عن الواسطة لأجل لزوم محذور الاتّحاد ليمكن أن نقول بأنّ الآية الشريفة إنّما دلّت على وجوب تصديق خبر العادل حتى خبر الواسطة لكن بلحاظ ما عدا وجوب التصديق ، من الآثار المترتبة على المؤدّى لا بلحاظ وجوب التصديق ؛ كي يلزم الاتّحاد إلّا أنّه لما علم بوجود المناط فيه أيضا كوجوده في سائر الآثار ، وأنّه لا فرق بين وجوب التصديق وبين غيره من الآثار في وجوب الترتيب كما لا فرق بين الخمر وسائر المسكرات في ترتب الحرمة عليها لأجل العلم بوجود المناط أي مناط الحرمة ، وهو وصف الإسكار فيها.

هذا تمام الكلام في الجواب الثاني ، وأمّا الجواب الثالث عن الإشكال الثالث فإنّه لم يكن قول بالفصل بين وجوب التصديق وبين غيره من الآثار وتلك كجواز الائتمام وقبول الشهادة ونفوذ قضاوته بشرط أن يكون المخبر العادل مجتهدا ، نقول بوجوب ترتيبه أيضا على خبر الواسطة كغيره من الآثار هذا أي خذ ذا.

قوله : فافهم ...

وهو إشارة إلى أنّ العلم بالمناط والعلم بعدم القول بالفصل يستكشف بهما جعل الحكم ووجوب التصديق ثانيا بانشاء مستقل ، وهو خلاف الفرض كما أنّ العلم بمناط الحرمة في المسكرات غير الخمر والعلم بعدم قول بالفصل بين الخمر وبين سائر المسكرات يحتاجان إلى إنشاء مستقل غير انشاء الحرمة للخمر بأن يقول الشارع المقدّس الفقاع كالخمر والنبيذ كالخمر و ... مثلا.

ولكن الاولى أن يقال في مقام الجواب عن الإشكال أنّ الكلام في أمثال المقام تارة يكون بلحاظ مقام الثبوت والواقع ، واخرى بلحاظ مقام الإثبات أمّا الكلام في المقام الأوّل ، فنقول إنّه لا ريب في أنّ وجوب التصديق الثابت للخبر ليس وجوبا واحدا شخصيا بل هو منحل إلى وجوبات متعددة بتعدد أفراد الخبر فكلّ

٢٧٥

خبر يكون له شخص من وجوب التصديق لا يكون للخبر الآخر.

وعليه فإذا أخبر الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن البزنطي عن الرضا عليه‌السلام ، فلكل من الخبر الحاكي والخبر المحكي وجوب تصديق غير ما يكون للآخر فيجوز أن يكون أحدهما مصححا للآخر وموضوعا له ، فوجوب التصديق الثابت لخبر البزنطي موضوع لوجوب التصديق الثابت لخبر الكليني ولا إشكال في ذلك بعد تغاير الوجوبات. هذا في مقام الثبوت.

وأمّا الكلام في المقام الثاني فهو أنّه لا مانع من انشاء أحكام متعددة مترتبة بحيث يكون بعضها موضوعا للآخر بإنشاء واحد وجعلها بجعل واحد كذلك ، لأنّ ترتيبها في مقام الثبوت والواقع وفي أنفسها لا يقتضي ترتيبها في مقام الإنشاء فيجوز للجاعل حينئذ أن ينشئ هذه الوجوبات المترتبة ثبوتا بإنشاء واحد إثباتا.

والسرّ في ذلك أنّ الوجوب الذي يكون موضوعا للوجوب الآخر ليس موضوعا له بوجوده الانشائي كي يلزم اتحاد الحكم والموضوع في رتبة واحدة ، حتّى يلزم كون الوجوب الواحد موضوعا وحكما وحتى يتوقّف إنشاء وجوب التصديق للخبر الحاكي عن الواسطة وذلك كخبر الكليني قدس‌سره على إنشاء أثر عملي لخبر الواسطة وذاك كخبر علي بن إبراهيم مثلا وحتّى يمتنع انشاؤهما بانشاء واحد وليس الأمر كذلك ، بل يكون الوجوب موضوعا للوجوب الآخر بوجوده الفرضي فيرجع لسان الدليل أي دليل الجعل إلى أنّه مهما كان لمؤدى الخبر أثر وجب تصديق الخبر ووجب ترتيب ذلك الأثر عليه ، سواء كان ذلك الأثر من سنخ وجوب التصديق أم كان من سنخ غير وجوبه.

فالنتيجة ، يثبت لكل خبر هذا الحكم ووجوب التصديق بشرط أن يكون لمؤدى كلّ خبر أثر عملي وإن كان ذلك الأثر الثابت لخبر المحكي من سنخ الأثر الثابت لخبر الحاكي.

٢٧٦

فهذا الجواب أدق وأتقن من الجواب الأوّل ، لأنّه جواب عن الإشكال المذكور ، ولا يكون بفرار عن الإشكال كالجواب الأوّل ، كما لا يخفى.

قوله : ولا يخفى أنّه لا مجال للإشكال في خصوص الوسائط من الأخبار ...

واستشكل رابعا إشكالا يختص بخبر الواسطة لا غير ، وحاصله أنّ خبر الواسطة إنّما صار خبرا تعبدا بتوسط وجوب تصديق الخبر الحاكي عنها ، فيمتنع أن يكون هذا الوجوب موضوعا لوجوب التصديق الثابت لخبر الحاكي ، لأنّ الوجوب الذي يكون معلولا للحكم ومتأخّرا عن الحكم يمتنع أن يثبت له ذلك الحكم ، للزوم الدور.

أمّا توضيحه : فيقال إنّ كون خبر الواسطة خبرا موقوف على الحكم بوجوب تصديق خبر الحاكي حسب الفرض ، والحكم بوجوب تصديق خبر الحاكي موقوف على كون خبر الواسطة والمحكي إخبارا عن قول الإمام عليه‌السلام.

في جواب المصنّف

أجاب المصنّف قدس‌سره عنه بأنّ هذا الإشكال إنّما يتوجه لو كان وجوب التصديق ثابتا للخبر بلحاظ الأفراد ، أمّا إذا كان حكما على طبيعة الخبر من حيث هي هي فنفس الطبيعة ممّا لم تكن ناشئة عن الحكم المذكور ، فإذا ثبت الحكم للطبيعة وثبت خبر الواسطة بتوسط وجوب تصديق الخبر الحاكي عنها كان خبر الواسطة من أفراد تلك الطبيعة وسرى إليه حكمها سراية حكم الطبيعة إلى أفرادها ومصاديقها. وأجاب المصنّف قدس‌سره أيضا بأنّا نستكشف الحكم لخبر الواسطة بتوسط العلم بالمناط ، أو بتوسط عدم القول بالفصل بين وجوب التصديق وبين سائر آثار عدالة المخبر في صحة الترتب وإن كان دليل حجية الخبر العادل المستفاد من آية النبأ لا يشمل الخبر الواسطة لفظا لأجل لزوم اتّحاد الحكم والموضوع.

٢٧٧

قوله : فتأمّل جيدا ...

وهو إشارة إلى أنّ هذا الجواب فرار عن الإشكال لا الجواب عنه ، إذ الطبيعة تتحقّق في ضمن الأفراد وليس لها وجود مستقل وليست نسبتها إليها كنسبة الأب الواحد إلى الأبناء المتعددة ولا كنسبة الآباء المتعددة إلى الأبناء الكثيرة ، كما سبق هذا في الجزء الأوّل. فإذا تحققت في ضمن الأفراد وهي تتقدم بعضها على بعض وتتأخر بعضها عن بعض فيلزم أن يكون الشيء الواحد كوجوب تصديق خبر الواسطة متقدما من حيث كونه موضوعا على نفسه من حيث كونه حكما لخبر الحاكي ، وذلك كخبر الكليني ، إذ هو حاك عن خبر علي بن إبراهيم وهو حاك عن خبر الصفار وهو حاك عن قول الإمام عليه‌السلام. فهذا المطلب المذكور يكون وجه الفرار عن الإشكال فالاولى في الجواب عنه هو الرجوع إلى الجواب الأخير لأنّه سالم عن الخدشة والاعتراض ظاهرا ، كما لا يخفى.

الاستدلال بآية النفر

قوله : ومنها آية النفر ، قال الله تبارك وتعالى (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(١) ...

ولا يخفى أنّ محلّ الاستدلال منها قوله تعالى : لعلّهم يحذرون ، وتقريب الاستدلال بها أحد الوجوه الثلاثة المذكورة في المتن.

أوّلها : أنّ كلمة لعلّ وسائر الصيغ الإنشائية كأدوات الاستفهام واسماء التعجب كلفظ سبحان مثلا وصيغ الأمر وصيغ النهي وألفاظ القسم وألفاظ النداء مستعملة في معناها الحقيقي وهو إنشاء الترجي وإنشاء الاستفهام وإنشاء التعجّب

__________________

١ ـ سورة التوبة ، آية ١٢٢.

٢٧٨

وإنشاء الطلب ولكن الداعي إلى الترجي والاستفهام والتعجب والطلب مستحيل في حقّه جلّ وعلا ، إذ الأوّل مستلزم للعجز عن إتيان المترجى وذلك كإكرام السلطان مثلا ، والثاني والثالث مستلزمان للجهل ولانفعال النفس على نحو اللّف والنشر المرتب ، والرابع مستلزم للاحتياج إلى المطلوب به كطلب الماء مثلا تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

وعلى ضوء هذا فلا بدّ أن تكون مستعملة بداعي محبوبية الحذر والتحذّر وبداعي التقرير ، أو التوبيخ ، أو الإنكار وبداعي وقوع الشيء الغريب والعجيب في الخارج وبداعي البعث والزجر ولكن إذا ثبت كون الحذر محبوبا فقد ثبت وجوبه شرعا وعقلا ؛ أمّا شرعا فللاجماع المركّب ، فإنّ علماء الامّة المرحومة (رض) قد اختلفوا في حجيّة خبر الواحد وفي عدم حجيّته فالقائل بحجية قائل بوجوب العمل على طبق مؤداه والقائل بعدم حجيته قائل بحرمة العمل على طبق مؤداه.

فالقول بجواز العمل ورجحانه دون وجوبه على طبق مؤداه خرق للإجماع المركب وقول بالفصل ، وهو لا يجوز أصلا.

وأمّا عقلا فلأنّه لا معنى لحسن الحذر ورجحانه لأنّ المقتضي للحذر إن كان موجودا فقد وجب الحذر عقلا من باب وجوب دفع الضرر المحتمل ، وإلّا فلا يحسن رأسا فضلا عن رجحانه ، كما في المعالم ، بل عدم إمكانه بدون وجود المقتضي له ، إذ عدم العقاب بدون التكليف قطعي لأنّ المقتضي للحذر إمّا ترك الواجب وإمّا فعل المحرم ، فعدم المقتضي يدلّ على عدم الواجب والحرام فإذا كانا معدومين فلا يكون العقاب في البين ، وإذا لم يكن العقاب في البين لا يمكن الحذر للمكلّف لانتفاء متعلّقه ومحله.

ثانيها : انّ النفر واجب بمقتضى كلمة لو لا التحضيضية ، لأنّ حروف التحضيض وهي أربعة : لو لا وهلّا وإلّا ولو ما ، لها صدر الكلام ومعناها حثّ على الفعل إذا دخل

٢٧٩

كلّ واحد منها على المضارع نحو : هلّا تأكل مثلا ، ولوم على ترك الفعل إذا دخل على الماضي نحو هلّا ضربت زيدا ، وتكون تحضيضية باعتبار ما فات واللوم لا يكون بموجود إلّا على ترك الواجب ، أو على فعل الحرام.

وعليه فقد وجب النفر وإذا وجب فقد وجب الإنذار لأجل كونه غاية ونتيجة للنفر الواجب وغائيته له تستفاد من كلمة لام النتيجة الداخلة على جملة ينذروا ويتفقهوا نظير لام لدوا للموت وابنوا للخراب ، وإذا وجب الإنذار فقد وجب الحذر والقبول من المنذر وإلّا لغى وجوب الإنذار ، كما لا يخفى.

ثالثها : انّ الإنذار جعل غاية للنفر الواجب وغاية الواجب واجبة.

ولا بدّ هنا من بيان الفرق بين الوجه الثالث وبين الوجه الثاني ، فيقال ان المستدلّ قد أثبت وجوب الحذر لأجل الملازمة بين وجوب الإنذار ووجوب القبول في الوجه الثاني ؛ وأمّا في الوجه الثالث فقد أثبت المستدلّ وجوب الإنذار لأجل كونه غاية للنفر الواجب لا لأجل الملازمة بين وجوب الإنذار ووجوب القبول أي قبول قول المنذر وخبره ، ووجوب القبول يدلّ على كونه حجة ، وهذا واضح لا غبار عليه.

نقض الاستدلال بآية النفر

قوله : ويشكل الوجه الأوّل بأنّ التحذر لرجاء إدراك الواقع ...

قد استشكل المصنّف قدس‌سره على الوجه الأوّل من الاستدلال بأنّ الملازمة العقلية ثابتة بين محبوبية الحذر وبين وجوب الحذر عقلا إذا كان الحذر عن العقاب لأجل وجود المقتضى له ، وهو ترك الواجب ، أو فعل الحرام ، اللذين تنجزا على المكلف بسبب علم أو علمي وأمّا إذا كان الحذر عن فوت المصلحة ، أو عن الوقوع في المفسدة مع فرض عدم تنجز التكليف بسبب علم ، أو علمي فالملازمة بينهما

٢٨٠