علي العارفي الپشي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ دانش
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-8-5
ISBN الدورة:
الصفحات: ٦٢٠
والمراد من السبب التام بأن كان المقدار المنقول ملازما لرأي المعصوم عليهالسلام بحيث يلزم من العلم بالمقدار العلم بقول المعصوم عليهالسلام وإلّا فلا يجدي نقل الاجماع ما لم ينضمّ إلى المنقول ما لو انضم إليه من أقوال سائر العلماء قدسسرهم لكان العلم بهما موجبا للعلم برأي الامام المعصوم عليهالسلام ، فحال جزء السبب كحال تمام السبب والمراد من جزء السبب نقل الناقل فتوى جماعة العلماء قدسسرهم.
والمراد من تمام السبب فتوى جميع علماء عصر واحد ، وهو يحصل ويتحقّق بتتبع الناقل والمنقول إليه معا ، فإذا تتبّعا معا يكون كلّ الأقوال منقولا.
فإن قيل : ان أدلّة حجية أخبار الآحاد تشمل الاجماع المنقول بخبر الواحد إذا كان الناقل عادلا ، أو موثّقا ، أو ممدوحا بين الناس إذا كان تمام السبب لرأي الامام الرئيس عليهالسلام ، ولا تشمل الاجماع الذي يكون جزء السبب لرأيه عليهالسلام فإذا نقل أحمد مثلا فتوى أربعين مجتهدا فهذا جزء السبب لرأيه عليهالسلام ونقل علي ، بعد التتبع التام فتوى خمسين مجتهدا فهذا جزء السبب لرأيه عليهالسلام مع قطع النظر عن نقل الأوّل ، فأدلّة حجية الخبر الواحد لا تشمله ، كما لا يخفى.
قلنا : لا فرق في اعتبار الخبر بنظر العقلاء بين ما إذا كان المخبر به تمام السبب لرأي المعصوم عليهالسلام ، أو كان جزء السبب لرأيه عليهالسلام الذي له دخل في الخبر وبهذا الجزء قوام الخبر.
فالأوّل : كما روى زرارة بن أعين رحمهالله عن الباقر ، أو عن الصادق عليهماالسلام وجوب الشيء ، أو حرمة الشيء مثلا ، فخبر زرارة تمام السبب لرأي المعصوم عليهالسلام لأنّه زكي بعدلين بل بعدول.
والثاني : كما إذا روى محمد بن مسلم (رض) عن الباقر والصادق عليهماالسلام ثم أخبرنا زرارة بن أعين رحمهالله ان الراوي الواقع في سند هذا الخبر عادل ، أو موثّق ، أو إماميّ ممدوح بين الناس ، فالرواية عنه عليهالسلام جزء السبب لرأيه عليهالسلام واخبار زرارة
بعدالته ، أو بوثاقته جزء آخر لرأيه عليهالسلام وكذا الاجماع حرفا بحرف بلا تفاوت بين الخبر الواحد ؛ والاجماع المنقول من هذه الناحية أصلا ، كما يشهد بعدم التفاوت امور ثلاثة :
الأوّل : تعيين حال الراوي والسائل عن الإمام عليهالسلام.
الثاني : هو خصوصية القضية الواقعة المسئول عنها وهي دخيلة في كلام الإمام عليهالسلام ، أو هي دخيلة في تعيين مرامه عليهالسلام بعد ثبوت أصل كلامه عليهالسلام كما إذا سئل السائل عن المذي ، أو الودي مثلا فأجاب عليهالسلام بطهارتهما ، إذ لم لو يكن قول الراوي حجّة في إثبات الواقعة المسئولة عنها لم يمكن استفادة الحكم الشرعي من قوله عليهالسلام فالسؤال دخيل في إثبات الحكم الشرعي ، ولكن هو جزء السبب لرأي الإمام عليهالسلام ، وخبر العدل كزرارة مثلا بعدالة السائل ، أو بوثاقته جزء الآخر لرأي الإمام عليهالسلام ، فلو لم يكن الخبر حجّة إلّا فيما إذا كان المخبر به تمام السبب ، فلم يكن الخبر حجّة في هذين الموردين ونحوهما ، والحال انّه حجّة فيهما بالإجماع.
وبعد اللتيا والتي ، فالاجماع حجّة من حيث كشفه عن رأي المعصوم عليهالسلام خلافا للعامة ، إذ يقول بحجيّته من حيث هو اجماع.
الثالث : الملازمة العادية بين قول المجمعين وبين رأي الامام عليهالسلام.
قوله : وغير ذلك ...
بأن يقول الراوي مقصودي من قولنا سألته ، وهو الصادق عليهالسلام ، فهذا يدلّ على مرام المعصوم عليهالسلام.
تنبيهات في المسألة
التنبيه الأوّل :
قوله : وينبغي التنبيه على امور : الأوّل : أنّه قد مرّ أن مبنى دعوى الاجماع ...
قد مرّ ان مبنى دعوى الاجماعات المنقولة غالبا على قاعدة اللطف يكشف قول المعصوم عليهالسلام من اتفاق علماء العصر الواحد ، أو على قاعدة الملازمة العادية ، أو الاتفاقية بين قول المعصوم عليهالسلام وبين قول المجمعين وفتاويهم في نظر ناقل الاجماع.
ومن المعلوم : ان قاعدة اللطف وقاعدة الملازمة غير نافعين في حجية الاجماع ، إذ ثبت بالبرهان عدم تمامية قاعدة اللطف في محلّها وهم علم الكلام والفلسفة ، وهي التي اعتمد عليها الشيخ رحمهالله في حجية الاجماع ، وحاصلها : انّه إذا أجمعت العلماء على رأي فلا بدّ أن يكون هذا الرأي موافقا لرأي المعصوم عليهالسلام لأنّه يجب عليه من باب اللطف اظهار من يبيّن الحق في تلك المسألة.
وعليه : فلو كان العلماء قدسسرهم على خلاف رأيه عليهالسلام ، لردعهم وبيّن لهم الحق ، وهي باطلة ، إذ لا دليل عليها من شرع ، أو عقل.
امّا الأوّل فظاهر ، إذ ليست الآية القرآنية ولا الرواية المعتبرة على وجوبه بموجودين أصلا.
وامّا الثاني : فلعدم حكم العقل بوجوب ذلك على الامام عليهالسلام ، إذ يجوز أن يكون الحقّ فيما عند الامام عليهالسلام والأقوال الأخر كلّها باطلة ، لكن لا يجب عليه إظهار الحقّ بتوسّط المخالف في المسألة لأنّا كنّا سببا في استتاره وغيبته كما ورد
في الخبر وجوده لطف وتصرّفه لطف آخر وعدمه منّا فيفوتنا الانتفاع بوجوده المبارك ، وبتصرّفه الشريف في الأحكام الشرعية ، قد ، أوتينا من قبل نفوسنا ولو أزلنا سبب الاستتار والغيبة لظهر وانتفعنا بوجوده عليهالسلام وأظهر لنا الحق الذي هو عنده.
امّا الشيخ الطوسي قدسسره فقد قال في العمدة بعد نقل هذا الكلام ؛ وهذا عندي غير صحيح لأنّه يؤدي إلى انّه لا يصحّ الاستدلال على حكم من الأحكام بإجماع الطائفة أصلا لأنّا لا نعلم بدخول الامام عليهالسلام إلّا بالاعتبار الذي بيّناه من قاعدة اللطف.
أو عادة ، أو اتفاقا هو إشارة إلى ان الملازمة بين رأي الإمام عليهالسلام وبين رأي المجمعين فمن أجل هذه الملازمة ثبت لنا الحدس برأي المعصوم عليهالسلام ، فإذا أفتى جماعة من العلماء قدسسرهم بالحكم الكذائي فالحدس برأي الإمام عليهالسلام من فتوى جماعة غير مسلّم غالبا ، إذ ليس هذا الحدس بقطعي لأنّه كيف حصل لنا القطع بأن فتوى جماعة من العلماء (رض) مطابق لرأي الإمام عليهالسلام. نعم إذا أفتى جماعة من المحقّقين المتتبعين بحكم حصل لنا القطع برأيه عليهالسلام. وامّا غالب الاجماعات المنقولة في ألسنة الأصحاب قدسسرهم فهو منقول واحد عن واحد.
مثلا : نقل الشيخ الطوسي قدسسره عن السيّد المرتضى قدسسره وهو عن المفيد قدسسره وو ؛ وامّا كون المبنى هو العلم بدخول المعصوم عليهالسلام بشخصه عليهالسلام في الجماعة المجمعين ، أو كون المبنى هو العلم برأي الإمام داخلا في رأي المجمعين ، كما في الاجماع الدخولي ، من أجل ملازمة العادية ، أو الملازمة الاتفاقية بين فتاوى العلماء بنظر الناقل فقليل جدّا في الاجماعات المتداولة في ألسنة الأصحاب قدسسرهم ، إذ الاجماع الدخولي لا يكاد يتّفق في زمان الغيبة الكبرى ، والعلم برأي الإمام عليهالسلام من فتوى جماعة نادر جدّا ، كما لا يخفى على أهل الخبرة.
وان احتمل تشرّف الأوحدي قدسسره بخدمته عليهالسلام في عصر الغيبة ومعرفة
شخصه عليهالسلام أحيانا وهذا لا يستلزم بدخوله عليهالسلام في كل الاجماع المنقول.
فإذا بطلت الملازمة العقلية والملازمة العادية والملازمة الاتفاقية بين رأيه عليهالسلام وبين رأي المجمعين وثبتت قلّة الاجماع الدخولي في عصر الغيبة فلا يكاد ينفع نقل الاجماع إلّا من باب نقل السبب بالمقدار الذي أحرز من لفظ نقل الاجماع مع اكتنافه واقترانه بقرينة الحالية ، أو بقرينة المقالية.
توضيح : فالاجماع المنقول إذا تضمّن نقل فتاوى خمسين مجتهدا ولكن يعلم من حالهم وعدالتهم أن قولهم مطابق لرأي الإمام عليهالسلام ، أو تضمّن نقل جميع علماء العصر الواحد. فالأوّل : قرينة حالية. والثاني : قرينة مقالية.
فنقل الاجماع جزء السبب الكاشف عن قول المعصوم عليهالسلام والسبب الآخر قرينة حالية أي يستفاد من حال الناقلين للاجماع انّهم تتبّعوا أقوال العلماء والمجتهدين (رض) ، أو قرينة مقالية كما ادّعى الناقلون اجماع العلماء من حيث الافتاء والفتوى على وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة مثلا ، فإذا انضمت إلى النقل هذه القرائن فقد حصل لنا القطع برأيه عليهالسلام.
ففائدة نقل الاجماعات هو الكشف عن قول المعصوم عليهالسلام ، فيعامل حينئذ مع الاجماع المنقول معاملة الاجماع المحصّل في ترتّب آثاره ولوازمه عليه.
التنبيه الثاني :
قوله : الثاني انّه لا يخفى ان الاجماعات المنقولة إذا تعارض اثنان ...
إذا تعارض الاجماعان فالحكم امّا تساقط وامّا أحدهما حجّة.
مثلا : في الصلاة الجمعة ادّعى جماعة من العلماء قدسسرهم وجوبها حال الغيبة وادّعى جماعة اخرى حرمتها حال الغيبة.
ومن المعلوم : ان هذين الاجماعين بحسب المدلول وبحسب نقل السبب
ليسا بمتعارضين ، إذ جماعة من العلماء الذين أفتوا بوجوبها يمكن أن يكون اعتقادهم بحسب الملازمة العقلية بين رأي الإمام عليهالسلام وبين رأي المجمعين ، أو بحسب الملازمة العادية ، أو الملازمة الاتفاقية بين رأيه عليهالسلام وبين رأيهم.
وكذا إذا أفتى جماعة اخرى بحرمتها في عصر الغيبة فيمكن أن يكون اعتقادهم بحسب الملازمة العقلية ، أو العادية ، أو الاتفاقية بين رأيه عليهالسلام وبين رأي المجمعين ، فالاجماعات المنقولة بحسب نقل السبب ونقل فتاوى العلماء قدسسرهم ليست بمتعارضات ، إذ التعارض كما سيأتي إن شاء الله تعالى عبارة عن تكاذب الدليلين وتنافيهما بحسب المدلول المطابقي ، أو التضمّني ، أو الالتزامي.
وعليه : فإذا نقل الاجماع على حكم وذلك كوجوب صلاة الجمعة مثلا ، والاجماع على خلاف الوجوب ، وذلك كحرمة صلاة الجمعة مثلا في عصر الغيبة فهما من حيث حكم الإمام عليهالسلام متعارضان لتنافيهما فيه ، إذ الامام عليهالسلام امّا حكم بالوجوب واقعا وامّا حكم بالحرمة ثبوتا ، ولم يحكم بهما معا في عالم الثبوت أصلا.
وامّا من حيث السبب وهو نقل آراء العلماء (رض) ، ففيه تفصيل ، وهو فان كان ظاهر نقل الاجماع حكاية آراء جميع العلماء قدسسرهم فإذا كان مبنى الناقل في حجية الاجماع قاعدة اللطف كان النقلان متعارضين لامتناع اجتماع جميع العلماء قدسسرهم على الحكمين المتنافيين معا فيكون النقلان متنافيين.
وإذا كان ظاهر النقل حكاية آراء جماعة من العلماء قدسسرهم ، حصل للناقل القطع برأي المعصوم عليهالسلام من القطع برأيهم لحسن ظنّ الناقل بهم فلم يكونا متعارضين لاحتمال صدق الكل ، إذ يمكن الجمع بين السببين ، أو أكثر ، إذ من الممكن عقلا أن يتّفق علماء عصر واحد على وجوب شيء وعلماء عصر آخر على استحبابه ، أو يتّفق جماعة من العلماء على استحباب شيء وجماعة اخرى على إباحته سواء كان
هذا الاتفاق في عصرين أم كان في عصر واحد ، إذ لا يشترط في الاجماع اللطفي وفي الاجماع الحدسي الاتفاقي اتفاق كل العلماء كي لا يمكن اتفاقهم على أمرين متضادّين ، أو على امور متضادّة في عصر واحد ، أو في عصرين ، نعم يشكل الأمر في الاجماع الحدسي المبتنى على الملازمة العادية فإن السبب فيه اتفاق الكلّ وهو مستلزم عادة لمطابقة رأي الإمام عليهالسلام ، ولا يمكن اتفاق الكل على أمرين متضادين أو على امور متضادّة ولو في عصرين ، أو أعصار متعدّدة ، كما لا يخفى.
قوله : لكن نقل الفتاوى على الاجمال بلفظ الاجماع حينئذ لا يصلح ...
إذا تعارض الاجماعان المنقولان ، أو أكثر فنقل الفتاوى على الاجمال بلفظ الاجماع بأن يقول الناقل : أجمع العلماء (رض) على كذا هذا نقل فتاواهم على اجمال لا يكون مؤثّرا ونافعا من ناحية السبب ، إذ ليس هذا النقل بسبب تام للكشف عن رأي المعصوم عليهالسلام ولا جزء السبب له لثبوت الخلاف في الفتاوى حين تعارض الاجماعين ، أو أكثر إلّا إذا كان في أحد الاجماعين المتعارضين خصوصية موجبة لقطع المنقول إليه برأيه عليهالسلام لو اطلع المنقول إليه على الخصوصية ولو مع اطلاع المنقول إليه على الخلاف في المسألة.
مثلا : إذا قال الفحول من العلماء قدسسرهم بوجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة كالسيّد الخميني والطوسي والمفيد والمرتضى والعلّامة الحلّي والمحقّق الحلّي والشهيدين قدسسرهم وقال جماعة بحرمتها وهي غير معروفين في التحقيق والتدقيق وجودة الفهم وسرعة الذهن ، ولكن الجماعة الاولى غير معروفين بهذه الامور المذكورة فيحصل حينئذ للمنقول إليه القطع بأنّ رأيهم موافق لرأي الإمام عليهالسلام واستلزام الخصوصية في أحد الاجماعين للقطع برأيه عليهالسلام وان لم يكن ببعيد مع اطلاع المنقول إليه على الفتاوى على اختلافها اطّلاعا مفصّلا لكشف الخصوصية
والمزية في أحدهما أي في أحد الاجماعين إلّا ان استلزام الخصوصية والمزية في أحدهما مع عدم اطلاع المنقول إليه على الفتاوى للعلماء والفحول قدسسرهم ، إلّا اطلاعا مجملا برأي المعصوم عليهالسلام بعيد جدّا ؛ إذ ناقل الاجماع لا يعرّف للمنقول إليه أفراد المجمعين كي يعلم أفراد أهل الاجماع ويحصل له القطع من هذا الاجماع برأي المعصوم عليهالسلام ، أو لا يحصل له القطع منه برأيه عليهالسلام بل ينقل الناقل للمنقول إليه بنحو الاجمال بلفظ الاجماع آراء المجمعين.
فلهذا بعيد أن يحصل للمنقول إليه من هذا الاجماع خصوصية وامتياز من الكشف عن قول المعصوم عليهالسلام وعدم الكشف عن قوله عليهالسلام.
قوله : فافهم ...
وهو إشارة إلى انّه قد يحصل القطع من نقل الاجماع للمنقول إليه برأي المعصوم عليهالسلام مع الاطّلاع على الفتاوى على نحو الاجمال لتفاوت حال الناقل في الفحص والتتبع في كلمات الأصحاب قدسسرهم فقد يكون ناقل الاجماع في أحد الطرفين أي طرف الوجوب مثلا ، في أقصى مرتبة التتبع وطول الباع والذكاوة والجودة وو ، وفي الطرف الآخر بعكس ذلك.
وعليه : ربّما يحصل للمنقول إليه الحدس برأيه عليهالسلام بنقل أحد الاجماعين دون الآخر مع ان في شيء من الاجماعين لا يحصل الاطّلاع على الفتاوى للمنقول إليه على التفصيل.
وفي ضوء هذا : لا فرق بين اطلاع المنقول إليه على الفتاوى إجمالا ، أو تفصيلا ، إذ الملاك ملاحظة حال الناقل أهو العلّامة الحلّي قدسسره مثلا ، أم كان ابن الجنيد قدسسره مثلا ، لأنّ الأوّل كثير التتبّع ، والثاني قليل التتبّع ، كما يشاهد ذلك من فتاواهما ، في الفقه الشريف.
التنبيه الثالث :
قوله : الثالث انّه ينقدح ممّا ذكرنا في نقل الاجماع حال نقل التواتر ...
هذا في بيان نقل الخبر المتواتر بخبر الواحد هل هو كنقل الاجماع المنقول بخبر الواحد أم لا؟
مثلا : إذا أخبر الشيخ الطوسي قدسسره أن وجوب الازدواج لمن خاف الوقوع في المعصية ثبت بالخبر المتواتر هذا يكون نقل السبب والمسبب هو رأي المعصوم عليهالسلام فإذا ثبتت الملازمة العقلية ، أو الملازمة العادية بحيث تحصل من فتاوى جماعة من الفحول لغالب الفقهاء ولنوعهم بين رأيه عليهالسلام وبين رأيهم لكثرة تتبعهم وشدّة عدالتهم وورعهم بحيث يمنعانهم عن الاقتحام في الفتوى بغير دليل معتبر في نظر المنقول إليهم ، فهذا الخبر حجّة بلا إشكال ، وثبت به الخبر المتواتر في حكم من الأحكام وفي المسألة من المسائل الشرعية.
والملازمة مبنية على القول بدوام اللطف بمعنى عدم خلوّ الأرض عن الحجّة البالغة التي تقرب العباد إلى الطاعة وتبعدهم عن المعصية ، لكن بشرط عدم كوننا سببا لغيبته عن الأنظار ، كما في الرواية وجود الامام عليهالسلام لطف في عالم الامكان وتصرفه فيه لطف آخر ، وعدمه منا.
وعليه فإذا لم يكن الخبر المتواتر بموجود في المسألة فللإمام عليهالسلام أن يظهر المخالف لأجل ردع الناقل عن نقله الخبر المتواتر.
والملازمة الاتفاقية بين رأي المعصوم عليهالسلام وبين رأي الناقل قد تحصل للمنقول إليه لحسن ظنّه بالناقل ولكمال اعتقاده به من حيث التتبّع والتحقيق والاحتياط الشديد في المسائل بحيث تحصل الملازمة للمنقول إليه بين رأيه وبين قول الناقل ولكن لا تحصل هذه الملازمة لشخص آخر إذا نقل الناقل التواتر له ، فهذا معيار الفرق بين الملازمتين العادية والاتفاقية.
قال المصنّف قدسسره : ينقدح من حال الاجماع حال نقل التواتر بالخبر الواحد بحيث كان نقل التواتر المنقول مقدارا يعتبر في تحقّق التواتر إذا نقل الناقل للمنقول إليه كل واحد واحد من الفتاوى تفصيلا.
مثلا : يعتبر العشرون عالما في تحقّق التواتر أقلا عند المنقول إليه وينقدح ان التواتر من حيث المسبب وترتّب آثار المسبب وهو رأي المعصوم عليهالسلام لا بدّ في اعتبار التواتر من كون الأخبار بالتواتر أخبارا على الإجمال كأن يقول الناقل : هذا الحكم ثبت بالتواتر بمقدار يوجب قطع المنقول إليه بما أخبر به من وجوب صلاة الجمعة ، أو حرمتها.
مثلا : لو علم المنقول إليه بذاك المقدار ، مثلا فلو علم المنقول إليه بأقوال مائة نفر من العلماء قدسسرهم انّهم رووا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حديث السفينة ، أو حديث المنزلة ، أو حديث الطير المشوي مثلا ، لقطع بأنّه من كلام الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم لامتناع تواطئهم على الكذب عادة.
فالتواتر المنقول على الاجمال لا بدّ أن يكون كالتواتر المنقول على التفصيل في إفادته القطع بالمسبّب للمنقول إليه أي يكون التواتر الاجمالي في المقدار كالتواتر التفصيلي كي يحصل القطع بالمسبّب ، وهو رأي المعصوم عليهالسلام للمنقول إليه من التواتر الاجمالي مثل ما إذا أخبر المنقول إليه بالتواتر على التفصيل فربّما لا يكون المقدار حاصلا إلّا دون حدّ التواتر في نظر المنقول إليه ، فلا بدّ حينئذ في معاملة المنقول إليه مع هذا المقدار الذي كان دون حدّ التواتر معاملة التواتر من أجل لحوق مقدار آخر من الأخبار بحيث يبلغ المجموع المنضمّ إليه والمنضم حدّ التواتر الكامل.
مثلا : إذا أخبر الناقل للمنقول إليه فتاوى عشرة فقهاء بهذا الحكم الشرعي مثلا ، والمنقول إليه بعد التتبّع التام انضمّ فتاوى عشرة فقهاء أخر فيتمّ العشرون
ويحصل التواتر للمنقول إليه تواترا كاملا.
نعم لو كان نقل الأخبار دون حدّ التواتر عند المنقول إليه وان كان هذا المقدار من النقل تواترا عند الناقل وكان هذا المقدار ذا أثر شرعي عند الناقل لوجب ترتيب هذا الأثر الشرعي على هذا المقدار ، ولو لم يدلّ هذا المقدار على المقدار الذي يتحقّق به التواتر عند المنقول إليه.
مثلا : إذا نذر الناذر ثبوت مطالعة ابنه درسه ثلاث مرّات بالتواتر فيصدق بمائة درهم وإذا نقل الناقل للناذر المذكور ان مطالعة ولدك درسه ثلاث مرّات في كلّ يوم وليل ثبت بالتواتر ولكن ليس هذا النقل بتواتر عند الناذر المنقول إليه ويجب عليه التصدّق بمائة درهم للفقير إذا نقل الناقل للناذر التواتر.
فبعد اللتيا والتي ، فناقل التواتر كناقل الاجماع قد ينقل السبب والمسبّب معا عن حسّ كما إذا نقل التواتر وأخبار جماعة بحيث يمتنع عادة تواطئهم على الكذب عن حسّ وحيات زيد بن أرقم عن حسّ ، فنقل السبب وهو التواتر ، والمسبب وهو حياة زيد بن ارقم عن حسّ ، وقد ينقل السبب ، وهو التواتر ، عن حسّ والمسبب ، وهو حياة زيد مثلا عن حدس ، فالأوّل : حجّة عند المنقول إليه بشرط حصول السبب التام ، وهو التواتر الكامل عنده له ، والثاني : حجّة عنده بشرط تحقّق الملازمة العادية ، أو الاتفاقية بين هذا السبب الذي نقل له وبين المسبّب.
وامّا الاحتمال الثالث : فهو أن ينقل السبب عن حدس والمسبّب عن حس ، فهو خارج عن محل الفرض ، إذ الفرض نقل السبب عن حس بالتواتر.
وامّا احتمال الرابع فهو أن ينقل السبب عن حسّ والمسبب عن حدس عكس الثالث فهو كنقل السبب والمسبّب معا عن حس ، فهذا حجّة بشرط تحقّق الملازمة العادية ، أو الاتفاقية بين السبب والمسبّب عند المنقول إليه.
وقد يقال بالملازمة العادية بين الاجماع وقول المعصوم عليهالسلام بدعوى ان
العادة البشري تحكم بأن اتفاق المرءوسين على أمر من الامور لا ينفك عن رأي الرئيس ، إذ اتفاق جميع أركان الدولة على أمر لا ينفك عادة عن موافقة رأي السلطان والرئيس.
وفيه ان ذلك انّما يتمّ إذا كان المرءوسون ملازمين لحضور رئيسهم وسلطانهم وانّى ذلك في زمان غيبة رئيس العادل ، عجّل الله تعالى فرجه.
نعم الملازمة الاتفاقية بمعنى كون الاتفاق كاشفا عن قول المعصوم عليهالسلام أحيانا من باب الاتفاق ممّا لا سبيل إلى انكارها إلّا انّه لا يثبت بها حجيّة الاجماع بنحو الاطلاق فإن استكشاف قول الإمام عليهالسلام من اتفاق علماء جميع الأعصار يختلف باختلاف الاشخاص وباختلاف الانظار.
فرب فقيه لا يرى الملازمة بين قول المعصوم عليهالسلام وبين اتفاق العلماء (رض) ففيه آخر لا يرى استكشاف رأي الامام عليهالسلام إلّا من اتفاق جميع علماء الامصار ، وفقيه ثالث يحصل له اليقين من اتفاق الفقهاء في عصر واحد ، أو من اتفاق جماعة منهم.
وقد شاهدنا بعض الأعاظم (رض) انّه كان يدعى القطع بالحكم من اتفاق ثلاثة رجال من العلماء وهي عبارة عن الشيخ الأنصاري والسيّد الشيرازي الكبير والمرحوم الميرزا محمّد تقي الشيرازي قدسسرهم ، لاعتقاده بشدّة ورعهم ودقّة نظرهم وجودة فهمهم وكمال ذكاوتهم.
وقد استدل في وجه حجيّة الاجماع انّه كاشف عن وجود دليل معتبر بحيث لو وصل إلينا لكان معتبرا عندنا أيضا ؛ وفيه ان الاجماع وان كان كاشفا عن وجود الدليل كشفا قطعيّا ، إذ عدالة المجمعين مانعة عن الاقتحام في الفتوى بلا دليل إذ الافتاء بغير الدليل محرّم ، ولكن لا يستكشف من اتفاقهم اعتبار الدليل على الحكم عندنا أيضا ، إذ من المحتمل أن يكون اعتماد المجمعين على قاعدة ، أو أصل لا نرى
تمامية القاعدة المذكورة ، أو الأصل المذكور.
ثمّ ان بعض الأعاظم التزام بحجية الاجماع المنقول في طي كلمات القدماء من الأصحاب قدسسرهم ، بدعوى انّه يحتمل أن يكون مستندهم في حجيّته هو السماع عن المعصوم عليهالسلام ولو بالواسطة لقرب عصرهم بزمان الحضور فقد ضمّوا إلى قول المعصوم عليهالسلام أقوال العلماء قدسسرهم ونقلوه بلفظ الاجماع فيكون نقل الاجماع من المتقدّمين قدسسرهم ، من قبيل الاخبار عن قول المعصوم عليهالسلام عن حس ولا ريب في حجيته.
وفيه ان هذا الاحتمال أي استناد القدماء قدسسرهم في نقل الاجماع إلى الحس احتمال موهوم جدا ولا يعتنى به. ويدلّ على موهومية هذا الاحتمال أمران :
أحدهما : تتبع اجماعات الشيخ الطوسي قدسسره ، إذ قد عرفت انّه استند في حجية الاجماع إلى قاعدة اللطف لا إلى الحس من المعصوم عليهالسلام ولو بالواسطة.
وقد عرفت استناد السيّد المرتضى قدسسره إلى أصل ، أو قاعدة فإنّه كثيرا ما ينقل الاجماع على حكم يراه مورد قاعدة أجمع عليها ، أو مورد أصل كذلك مع أنّه ليس من موارد تلك القاعدة ، أو من موارد ذاك الأصل حقيقة مثل دعواه الاجماع على جواز الوضوء بالمائع المضاف كماء الورد مثلا ، استنادا إلى أصالة البراءة مع انّه لا قائل به من فقهاء الإمامية قدسسرهم ، مثلا : قال السيّد المرتضى قدسسره : إذا توضأنا بالمائع المضاف فنشك في اشتغال الذمّة بالوضوء الواجب وعدمه أي عدم اشتغال الذمّة به فالأصل براءة ذمّة المكلّف عنه.
وفيه ان هذا المورد ليس من موارد اصالة البراءة ، إذ موردها الشك في ثبوت التكليف وعدم ثبوته ، وفي المقام يكون الشك في سقوط التكليف بعد العلم بأصل التكليف ووجوب الوضوء فالمورد مجرى قاعدة الاشتغال لا يكون مجرى البراءة لأن اشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني وهو يحصل بالتوضؤ بالمائع المطلق
المباح الطاهر فحسب ، فقد رأيت عدم تطبيق هذا الأصل في مورد التوضؤ بالمائع المضاف.
وثانيهما : ان اجماع القدماء قدسسرهم مستند إلى الحس بالواسطة فيكون الاجماع المنقول منهم بمنزلة رواية مرسلة ولا يصحّ الاعتماد عليه لعدم معرفتنا بالواسطة بين المجمعين من القدماء قدسسرهم وبين المعصوم عليهالسلام.
فتلخّص ممّا ذكر : انّه لا ملازمة عقلا ولا عادة بين حجية خبر الواحد وبين حجية الاجماع المنقول أصلا ، كما لا يخفى.
فالنتيجة : ان الاجماع المنقول ليس بحجّة والمحصل منه حجّة. امّا بقي الكلام في مدرك حجية الاجماع المحصل الذي هو أحد الأدلّة الأربعة.
قد يقال : ان مدركه هو الملازمة العقلية بين قول المجمعين وقول المعصوم عليهالسلام وتتحقّق الملازمة المذكورة بقاعدة اللطف ودوامه وهي انّه يجب على المولى سبحانه وتعالى ، اللطف بعباده بإرشادهم إلى ما يقرّبهم إليه تعالى من الطاعات ومناهج السعادة والصلاح والكمال وتحذيرهم عمّا يبعدهم عنه تعالى من الطغيان والفساد. وهذا هو الوجه والدليل العقلي في إرسال الرّسل وانزال الكتب والصحف ونصب الإمام عليهالسلام ودوام وجوده الشريف.
وهذه القاعدة تقتضي عند اتّفاق الامّة على خلاف الواقع في حكم من الأحكام الالهية أن يلقى الامام المنصوب من قبل الله تعالى الخلاف بينهم فمن عدم القاء الخلاف يستكشف موافقة رأيهم لرأي الإمام عليهالسلام.
وفيه أوّلا : عدم تمامية القاعدة في نفسها وذاتها ، إذ لا يجب اللطف عليه تعالى بحيث يكون تركه قبيحا عقلا على المولى جلّ جلاله ، بل كل ما يصدر منه تعالى بالإضافة إلى المخلوقات والعباد مجرّد فضل ورحمة على عباده.
وثانيا : ان قاعدة اللطف على تقدير تسليمها لا تقتضي إلّا تبليغ الأحكام على
النحو المتعارف وقد بلّغها الأئمّة الأطهار عليهمالسلام للرواة المعاصرين كزرارة وأبي بصير وأمثالهما من أصحابهم ومعاصريهم قدسسرهم ، فلو لم تصل إلى الطبقة اللاحقة لمانع من قبل المكلّفين أنفسهم فلا يجب على الإمام عليهالسلام إيصال الأحكام وتبليغها إلى العباد والمكلّفين من طريق غير عادي ، إذ قاعدة اللطف لا تقتضي أزيد من التبليغ والإرشاد وإلّا كان قول فقيه واحد كاشفا عن قول المعصوم عليهالسلام لو فرض انحصار العالم الفقيه به في زمان من الأزمنة.
ومن الواضح ان هذا واضح الفساد ، فالقطع عادة بقول المعصوم عليهالسلام من اتفاق جميع الفقهاء قدسسرهم مسلّم مقبول ، إذا كان الاخبار عن الحس ، إذ احتمال الخطأ في الحس ، أو احتمال تعمّد الكذب يضعف بكثرة المخبرين فيحصل القطع بالمخبر به وينعدم الاحتمالان المذكوران.
امّا بخلاف الأخبار الحدسي المبني على البرهان غير مفيد للقطع بالمخبر به ألا ترى ان الفلاسفة اتفقوا على امتناع إعادة المعدوم مثلا وأثبتوه بالبرهان العقلي ، ومع ذلك فهو لا يفيد القطع بامتناع إعادة المعدوم. فانقدح من ضوء هذا البيان عدم حجية الاجماع اللطفي والاجماع الحدسي.
فإن قيل : نسب إلى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : «لا تجتمع امتي على الخطأ» ، وعليه : فإذا أجمع الامّة على أمر من الامور ، أو على حكم من الأحكام فهو على صواب وحق.
قلنا : إنّ المراد من الامّة ليس خصوص الامامية وإلّا ثبتت الملازمة بين إجماع علماء الإمامية رضي الله عنهم ، وبين قول المعصوم عليهالسلام كما يظهر هذا من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم «ستفترق امّتي على ثلاثة وسبعين فرقة» ، فالمراد من الامّة تمام الامّة لا خصوص الإمامية فحسب.
والاجماع الدخولي مستلزم في المجمعين لحضور رئيسهم وإمامهم هذا
مختص بزمان الحضور لا يشمل عصر الغيبة.
وفي ضوء هذا : ليس المستند التام لحجية الاجماع المنقول إلّا ان مخالفة إجماع الأصحاب رضي الله عنهم ، مشكل جدّا كما التزم الفقهاء قدسسرهم ، بذلك في بحث الفقه الشريف ، فينبغي أن يقال في هذا المقام ما الاجماع وما ادراك ما الاجماع.
الشهرة في الفتوى
قوله : فصل ممّا قيل باعتباره بالخصوص الشهرة في الفتوى ...
اعلم ان الشهرة على أقسام ثلاثة :
القسم الأوّل : الشهرة في الرواية بمعنى كثرة نقلها وكثرة ناقلها وكثرة ضبطها ، ويقابلها الشذوذ بمعنى قلّة نقلها وضبطها أي قلّة الناقل لها.
ولا ريب في ان هذه الشهرة من المرجّحات عند تعارض الخبرين على المسلك المشهور استنادا إلى ما في مرفوعة زرارة بن أعين رضى الله عنه من قوله عليهالسلام : خذ بما اشتهر بين أصحابك ؛ وما في مقبولة عمر بن حنظلة قدسسره من قوله عليهالسلام : خذ بالمجمع عليه بين أصحابك. باعتبار ان المراد منه هو المشهور لا الاجماع الاصطلاحي بقرينة المقابلة في قوله عليهالسلام : واترك الشاذ النادر.
القسم الثاني : الشهرة العملية بمعنى استناد الشهرة إلى خبر في مقام الافتاء ، وبهذه الشهرة ينجبر ضعف سند الرواية عند المشهور ، خلافا لبعض الأعاظم لأن الملاك عنده وثاقة الراوي وعدم وثاقته.
فالأوّل : حجّة وواجب الاتباع وان لم يعمل به الأصحاب (رض) وكان معرضا عنه ، والثاني : ليس بحجّة وان عمل به الأصحاب قدسسرهم.
القسم الثالث : هي الشهرة الفتوائية بمعنى اشتهار الفتوى بحكم من الأحكام من دون أن يعلم مستند الفتوى ، وهذه الشهرة هي محل البحث من حيث الحجية
وعدمها وقد استدلّ على حجيّتها بوجوه ثلاثة :
الأوّل : ان مقبولة عمر بن حنظلة ومرفوعة زرارة بن أعين قدسسرهما تدلّان على حجيّتها بتقريب ان المراد من المجمع عليه في المقبولة ليس هو الاجماع المصطلح عند الاصوليين رضي الله عنهم ، بل المراد منه هو المشهور بقرينة المقابلة في قوله عليهالسلام : واترك الشاذّ النادر ، واطلاقه يشمل الشهرة الفتوائية أيضا.
وكذا قول أبي عبد الله الصادق عليهالسلام في المرفوعة : خذ بما اشتهر بين أصحابك ، فإنّ الموصول من العمومات والصلة بإطلاقها يشمل الشهرة الفتوائية ، والشهرة العملية ، والشهرة الروائية ، كما يشمل إطلاق لفظ الرقبة في قول المولى إن ظاهرت فاعتق رقبة المؤمنة والكافرة و ...
وفيه أوّلا : من عدم تمامية المقبولة والمرفوعة من حيث السند فلا يصحّ الاستدلال بهما ، كما سيأتي هذا في بحث التعادل والتراجيح ان شاء الله تعالى.
وثانيا : ان المراد من المجمع عليه في المقبولة هو الخبر المقطوع صدوره عن الامام عليهالسلام لأنّ الإمام عليهالسلام قد أدخله في أمر بيّن رشده ، وكذا المراد بالمشهور في المرفوعة هو المشهور اللغوي بمعنى الظاهر الواضح من حيث المدلول والمراد. فلا ربط لهما بالشهرة الفتوائية أصلا ، كما لا يخفى.
الوجه الثاني : ان الظن الحاصل من الشهرة أقوى من الظن الحاصل من خبر الواحد ، فالدليل الذي يدلّ على حجيّة الخبر الواحد فهو يدلّ على حجيّة الشهرة الفتوائية بالطريق الأولي وبالمفهوم الموافقة. وفيه ان هذا الوجه مبني على أن يكون ملاك حجية الخبر الواحد إفادته الظن.
وعليه : فيلزم الالتزام بحجية كل ظن مساو للظنّ الحاصل من الخبر الواحد أو أقوى منه سواء حصل من الشهرة الفتوائية أم حصل من فتوى جماعة من الفقهاء قدسسرهم ، أم حصل من فتوى فقيه واحد محقّق متتبّع ماهر مستقيم الطبع جيّد
الفهم. والحال لا يقول أحد بهذه المقالة أي بحجية الظنّ على سبيل الإطلاق.
فليس المناط في حجيّة الخبر الواحد إفادته الظنّ كي يقال ان إفادة الشهرة الظن أقوى من إفادته إيّاه لوجود الكثرة أي كثرة المخبرين عن قول المعصوم عليهالسلام في الشهرة الفتوائية ، إذ الافتاء اخبار عن قوله عليهالسلام.
غاية الأمر تنقيح المناط بالظن ، أي نظن ان مناط حجية الخبر الواحد هو إفادته الظن ، ولا ريب في ان مناط الظني ليس بحجّة ، إذ لا بدّ في حجية المناط القطع به لا الظنّ به ، إذ الظن لا يغني عن الحقّ شيئا كقطعية المناط في حرمة الخمر وهو عنوان الاسكار لا لونه المخصوص ولا رائحته المخصوصة ولا اتخاذه من العنب ، أو التمر ولا ميعانه ولا طعمه ، إذ الأوّل موجود في الرمان الأصيل ، والثاني موجود في التفاح الفاسد ، والثالث موجود في الدبس ، والرابع موجود في الشاي وأمثاله ، والخامس موجود في السكر مثلا ، فيحصل لنا القطع من أجل السبر والدوران ان ملاك حرمته هو وصف الاسكار لا غيره. فالتنقيح الظنّي لا يوجب إلّا الظن بأن الشهرة أولى بالاعتبار من الخبر الواحد.
والحال : انّه لا اعتبار بهذا الظن ، إذ الأصل الأوّلي حرمة العمل به إلّا ما خرج بالدليل الخاص ، كما لا يخفى ، هذا أوّلا.
مضافا إلى ان دعوى القطع بأن حصول الظن بالخبر الواحد ليس بمناط حجيّته غير مجازفة ، إذ لو كان هو المناط لم يتخلّف عند الحكم بحجيّته ولكن اللازم باطل ، إذ لا ريب في عدم حجية فتوى الفقيه لسائر الفقهاء قدسسرهم مع إفادتها الظن بقول المعصوم عليهالسلام.
مضافا إلى ان كون الظن الحاصل من الشهرة الفتوائية أقوى من الظن الحاصل من الخبر العادل أوّل الكلام كيف وقد ذكر في المعالم ان خبر العادل أقوى الظنون فلاحظ.
قوله : وأضعف منه توهّم دلالة المشهورة والمقبولة عليه ...
والاستدلال على حجيّة الشهرة الفتوائية بالروايتين المشهورة والمقبولة يكون أضعف من الاستدلال على حجيتها بأنّ الظنّ الحاصل منها أقوى من الظن الحاصل من الخبر الواحد فالأدلّة التي تدلّ على حجيّته تدلّ على حجيّتها بطريق أولى ، وبالمفهوم الموافقة ، الحاصل يكون الاستدلال على حجيتها بما رواه ابن أبي جمهور الاحسائي في كتاب (عوالي اللآلي) عن العلّامة الحلّي قدسسره مرفوعا إلى زرارة بن أعين رضى الله عنه قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام فقلت : جعلت فداك يأتي عنكم الخبران المتعارضان فبأيّهما آخذ؟ فقال عليهالسلام : يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر الحديث. فإنّها تدلّ على وجوب الأخذ بما اشتهر مطلقا سواء كان اشتهارا في الرواية أم كان اشتهارا في الفتوى ، ولو سلم أنّ الشهرة ظاهرة في خصوص الرواية لكن تعليق الحكم ، وهو وجوب الأخذ على وصف الاشتهار يدلّ على كونه مناط الحكم ، إذ تعليق الحكم على الوصف مشعر بعلية مأخذ الاشتقاق نحو اكرم عالما اي لعلمه.
وبما رواه المشايخ الثلاثة الكليني والطوسي والصدوق قدسسرهم عن عمر بن حنظلة وفيها بعد ما فرض السائل تساوي الروايتين من جميع العناوين والأوصاف مثل العدالة والضبط ونحوهما قال عليهالسلام : ينظر في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ... الحديث. ووجه الاستدلال بها ما تقدّم سابقا ، لا من انها تدل على وجوب العمل بالمجمع عليه بين اصحابك ولا ريب في أن المجمع عليه يشمل المشهور على نحو الاطلاق ، أي سواء كان في الرواية أم كان في الفتوى.
والرواية الاولى تسمّى بالمشهورة والثانية بالمقبولة في لسان أصحاب الحديث (رض) ، ووجه التسمية عيان لا يحتاج إلى البيان ، هذا أحد الوجوه التي قد
استدلّ بها على حجيّة الشهرة الفتوائية.
ووجه الأضعفية ان الظاهر المراد من المشهور فيهما هو الشهرة الروائية بقرينة السؤال والجواب.
هذا مضافا إلى ملاحظة متن الرواية وهو ينظر إلى ما كان من روايتهم ، لا بدّ أن يكون على طبق السؤال ، فالسؤال عن علاج تعارض الروايتين ، والجواب ان الامام عليهالسلام أمره أن يأخذ بالمشهور فيهما من حيث النقل ومن حيث كثرة ناقلها ، كما لا يخفى.
فليس المراد من المشهور مطلق المشهور كي يشمل الشهرة الفتوائية ، وعليه فليس الدليل بموجود على حجية الشهرة الفتوائية ، إذ المناط في حجية أخبار الآحاد يحتمل احتمالا قويّا أن يكون تسهيل الأمر على العباد سيّما الأشخاص الذين يكونون باعدين عن الامام المعصوم عليهالسلام بل تسهيل الأمر على الامام الرئيس عليهالسلام ، إذ لو كان جميع الناس مكلّفون بأخذ المسائل شفاها ومشافهة عنه عليهالسلام لاستغرق وقته بالجواب عن الأسئلة المتعدّدة. ومن الواضح ان هذا المناط والمعيار ليسا بموجودين في الشهرة الفتوائية ، ولهذا قال المصنّف قدسسره وعدم شمول كلمة ما اشتهر في المرفوعة من الرواية الشهرة الفتوائية ، أوضح من أن يخفى.
نعم ، بناء على حجية الخبر الواحد ببناء العقلاء ، كما هو الأظهر ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ، فلا يبعد دعوى عدم اختصاص بنائهم على حجية الخبر الواحد بل يكون بنائهم على حجية كل امارة مفيدة للظن الاطميناني سواء كانت خبرا واحدا أم كانت إجماعا وشهرة من حيث الفتوى وغيرها.
إذ العقلاء يعملون بالأخبار من حيث إفادتها الظن إذا كان الراوي موثقا ، أو ممدوحا ومن حيث إفادتها الاطمينان إذا كان الراوي عادلا ضبّاطا لكن دون إثبات ذلك خرط القتاد ، أي إثبات بناء العقلاء بما هم عقلاء على حجية كل امارة مفيدة