البداية في توضيح الكفاية - ج ٢

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٢

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-4-2
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٥٦٨

تعريف الإنسان بأنّه عاقل فليس حينئذ جامعا للافراد إذ العاقل لا يشمل المجنون إذا كان الأمر كذلك فالأولى الاعراض عن القيل والقال في طي التعريف المذكور للوجه الذي ذكر آنفا.

وينبغي ان يبيّن بعض الألفاظ التي يطلق عليها المطلق ويبيّن بعض الألفاظ التي لا يطلق عليها المطلق ، كعلم الجنس مثل اسامة وثعالة مثلا والمعرف بلام العهد الخارجي أو الذهني أو الحضوري أو الذكري أو الاستغراقي وسيأتي إن شاء الله تعالى وجه ذكرهما في هذا الباب.

فمنها اسم الجنس ك (انسان ورجل) هذان مثالان للعاقل وفرس وحيوان هذان مثالان لغير العاقل و (سواد وبياض) هذان مثالان للعرض ، كما ان الأربعة السابقة أمثلة للجوهر فاسم الجنس متحقق في الجوهر والعرض ، بل العرضيات كالملكية والزوجية ونحوهما فالمراد من الاعراض هو المبادي المتأصلة في الخارج ، ك (السواد والبياض والاحمرار والاصفرار) ونحوها وبالعرضيات هو المبادئ الاعتبارية التي ليست لها ما بإزاء في الخارج ، كالملكية والزوجية والرقية وما شابهها خلافا لأهل المعقول إذ الاعراض عندهم المبادي مطلقا سواء كانت متأصلة ك (السواد والبياض) ونحوهما أم كانت غير متأصلة كالامور الاعتبارية كالملكية والزوجية والعرضيات عندهم مشتقات منها كالأبيض والأسود والمالك والمملوك ونحوها. إلى غير ذلك من اسماء الكليات من الجواهر والاعراض.

والمراد من الأول هو الكليّات التي لا تحتاج افرادها من حيث تحقق الخارجي إلى محل مقوم مثل الاعيان الخارجية من المادة والصورة والجسم والعقل والنفس والبحر والشجر ونحوها ومن الثاني هو الكليات التي تحتاج افرادها من حيث الوجود العيني والتحقق الخارجي إلى الموضوع نحو السواد والبياض والمقدار والعدد والكيف والملك والكسر والانكسار والابوة والبنوة والحصول في الزمان والمكان وأمثالها).

٥٠١

في بيان معاني بعض الألفاظ

قوله ولا ريب انها موضوعة لمفاهيمها بما هي مبهمة مهملة بلا شرط أصلا ...

المطلق في اللغة بمعنى المرسل الذي لم يقيّد بشيء ولفظ المقيّد بمعنى المقيّد بشيء ، ومنه يقال ان فلانا مطلق العنان أي هو غير مقيّد بشيء وان فلانا مقيد أي هو ليس بمطلق العنان.

فالظاهر انّه ليس للاصوليين في إطلاق هذين اللفظين اصطلاح جديد ، بل يطلقونهما بما لهما من المعنى اللغوي والعرفي. إذا علم هذا فينبغي التعرّض لأقسام الماهية ، فيقال الماهية. تارة تلاحظ بما هي هي ، أي النظر محصور إلى ذاتها وذاتياتها ، ولم يلحظ معها شيء زائد ، وتسمّى هذه الماهية بالماهية المهملة نظر إلى عدم ملاحظة شيء من الخصوصيات المتعينة معها. فهذه مهملة بالإضافة إلى جميع عوارضها الخارجية والذهنية.

وأخرى يلاحظ معها شيء خارج عن مقام ذاتها وذاتياتها ، وذلك الشيء إذا كان عنوان مقسميتها للأقسام الثلاثة التالية وهي (الماهية بشرط شيء والماهية بشرط لا والماهية لا بشرط) دون غير ذلك الشيء الخارج سمّيت هذه الماهية ب (الماهية اللابشرط المقسمي).

وان كان ذلك الشيء الخارج عنوان تجرّدها في وعاء العقل عن جميع الخصوصيات والعوارض سمّيت هذه الماهية ب (الماهية المجردة). وفي الاصطلاح ب (الماهية بشرط لا) وهي بهذا العنوان غير قابلة للحمل على شيء من الموجودات الخارجية ، لوضوح انّها لو حملت على موجود خارجي لكانت مشتملة على خصوصية من الخصوصيات ، وهذا خلاف الفرض.

فحال هذه الماهية كحال النوع والجنس والفصل والعرض الخاص والعرض

٥٠٢

العام إذ هي عناوين للماهيات الموجودة في أفق النفس والعقل فلا تصدق على الموجود الخارجي أي هذه العناوين تنطبق عليها الماهية المجردة فلا يصح أن يقال زيد نوع أو جنس أو فصل أو عرض خاص أو عرض عام وكذا سائر الموجودات الخارجية.

وان كان ذلك الشيء خصوصية من الخصوصيات الخارجية سمّيت هذه الماهية ب (الماهية المخلوطة) وفي الاصطلاح ب (الماهية بشرط شيء) وهذه الخصوصية تارة وجودية وأخرى عدمية ، والأولى كلحاظ ماهية الانسان مثلا مع العلم ، فانّها لا تنطبق إلّا على هذه الحصّة فقط يعني (الانسان العالم) دون (الانسان الجاهل).

والثانية : كلحاظ ماهية الانسان مثلا مع عدم العلم أو عدم الفسق فهي على هذا اللحاظ لا تنطبق في الخارج إلّا على الحصة التي لا تكون متصفة بالعلم أو بالفسق فهذان القسمان معا من الماهية الملحوظة بشرط شيء.

نعم قد يعبّر عن القسم الثاني في الأصول ب (الماهية بشرط لا) وهذا مجرد اصطلاح ولا مناقشة فيه. وان كان ذلك الشيء عنوان الاطلاق والارسال سمّيت هذه الماهية ب (الماهية اللابشرط القسمي) حيث انّها ملحوظة مطلقة ومرسلة بالاضافة إلى جميع ما تنطبق عليه في الخارج. فالاطلاق عبارة عن رفض القيود وعدم أخذ شيء منها مع الماهية وإلّا لم تكن الماهية ماهية مطلقة.

فلا بد هنا من ذكر مثال للتوضيح : وهو ان الكلمة إذا لوحظت بما هي هي بأن يكون النظر مقصورا على ذاتها وذاتياتها من جنسها وفصلها فقط فهي ماهية مهملة تارة ومبهمة أخرى بالاضافة إلى جميع التعينات الخارجية والذهنية حتى تعيّن قصر النظر عليها ، يعني ان هذه الخصوصية أيضا لم تلحظ معها. فالكلمة على هذا اللحاظ لا تصلح أن يحمل عليها شيء من الموجودات الخارجية ، وإلّا لزم حمل الموجود على المعدوم وهو لا يجوز لاشتراط الاتحاد بين المحمول والمحمول

٥٠٣

عليه مفهوما ومصداقا أو مصداقا فقط. فالأول موجود إذا كان أوليّا ذاتيا والثاني محقق إذا كان شائعا صناعيا.

ولا يتحد الموجود مع المعدوم لا مفهوما ولا مصداقا ، نعم يحمل عليها الذات أو الذاتيات فحسب ، وهي تصلح أن تكون محلا لعروض كلّ من الاسم والفعل والحرف ، وان لوحظت معها خصوصية زائدة عن ذاتها وذاتياتها فإن كانت تلك الخصوصية هي عنوان كونها مقسما لهذه الأقسام فهي ماهية لا بشرط المقسمي ، حيث انّها في إطار هذا اللحاظ مقسم لتلك الأقسام يعني لا تحقق لها إلّا في ضمن أحد أقسام الماهية كالمجردة والمخلوطة والمطلقة. كما انها تمتاز بهذا اللحاظ عن الماهية المهملة.

وان لوحظت معها خصوصية زائدة على تلك الخصوصية أيضا ، فإن كانت تلك الخصوصية الزائدة عنوان تجردها في أفق النفس عن جميع العوارض والطوارئ التي يمكن أن تلحقها في الخارج من خصوصيات افرادها وأصنافها فهي (ماهية مجردة).

وان كانت تلك الخصوصية خصوصية خارجية كخصوصية الاسم من دخول الجر والتنوين واللام والنداء وغيرها أو الفعل من لحوق تاء الضمير وتاء التأنيث الساكنة ونون التأكيد وغيرها فهي (ماهية مخلوطة).

وان كانت تلك الخصوصية عنوان الاطلاق والارسال فهي ماهية مطلقة المسمّاة في الاصطلاح ب (الماهية لا بشرط القسمي).

فصارت الماهية أربعة أقسام :

١ ـ الماهية المبهمة اللابشرط المقسمي.

٢ ـ الماهية اللابشرط القسمي.

٣ ـ الماهية بشرط شيء.

٤ ـ الماهية بشرط لا.

٥٠٤

فإن قيل : ما الفرق بين الماهية اللابشرط المقسمي والماهية اللابشرط القسمي مع كون كلّا منهما لا بشرط؟

قلنا : الفرق بينهما ان في الأولى ليس مع الماهية لحاظ اللابشرطية وفي الثاني قد لوحظت اللابشرطية مع الماهية ، فالأول مجرد مطلق والثاني مجرد في الجملة ، كما لا يخفى.

وبعد ذلك نقول ان اسم الجنس موضوع للماهية المهملة دون غيرها من أقسام الماهية وهي معراة من تمام الخصوصيات والتعينات الذهنية والخارجية حتى خصوصية قصر النظر عليها.

واحتج المصنّف قدس‌سره لمدعاه بوجهين :

احدهما : وضوح صدق اسماء الأجناس على افرادها من دون تصرف في مفاهيمها ، فيقال (زيد رجل) و (عمر رجل) أو (انسان) بلا تصرف في مفهومهما ، وهو كاشف كشفا قطعيا عن وضعها للماهية المبهمة ، إذ لو كانت موضوعة للماهية الملحوظ معها شيء من تلك الخصوصيات لكان استعمال اسماء الأجناس في غيرها مجازا ومحتاجا إلى عناية زائدة ، فالموضوع له مبهم من جميع الجهات. ولهذا يصح استعمال (رجل وإنسان) مثلا في (رجل عالم طويل شيب أو شاب أبيض أو أسود) و (في رجل قصير القامة جاهل أحمر أو أصفر) ، وكذا استعمال (انسان) في الماهية بجميع أطوارها وعوارضها الذهنية والخارجية.

ومن الطبيعي انه لو كان شيء من الخصوصيات مأخوذا في الموضوع له لكان استعمالها في غير الواجد لتلك الخصوصية مجازا محتاجا إلى عناية وعلاقة ، مع ان الأمر ليس كذلك.

ومن الواضح ان صحة استعمالها في الماهية في جميع حالاتها وطوارئها تكشف كشفا يقينيا عن انها موضوعة بإزاء الماهية نفسها من دون لحاظ شيء من الخصوصيات فيها حتى قصر النظر إلى ذاتها وذاتياتها. ففي مثل قولنا : (النار حارة)

٥٠٥

لم تستعمل كلمة (النار) إلّا في الطبيعة الجامعة بين تلك الأقسام المهملة بالإضافة إلى تمام خصوصياتها ولحاظاتها ، فاللحاظات الطارئة على الماهية بشتى أشكالها انّما هي في مرحلة الاستعمال ، حيث انّها في هذه المرحلة لا بدّ من أن تكون الماهية ملحوظة بأحد الأقسام السابقة نظرا إلى ان الغرض قد يتعلق بلحاظها على شكل وقد يتعلّق بلحاظها على شكل آخر وهكذا ، كما لا يخفى.

وثانيها بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم والشياع على فرد من الافراد حيث ان الماهية المشروطة بالعموم والشياع لا تتحد مع الافراد خارجا حتى يصحّ حملها عليها ، وكذا الماهية اللابشرطية لا تتحد مع الأفراد مصداقا كي يصح حملها عليها فلوضوح ان الافراد باعتبار كلّ واحد لا شياع فيه أصلا حتى تتحد معه الماهية المشروطة بالعموم والشياع.

واما اللابشرطية القسمي فلأنّها قيد ذهني عقلي لا موطن لها إلّا الذهن والعقل.

ومن الواضح مباينة الموجود الذهني للموجود العيني الخارجي لا قيد خارجي إذ ليس لعنوان اللابشرطية في الخارج رسم ولا أثر.

فالنتيجة : ان اسماء الأجناس كلّا موضوعة للماهية المبهمة التي يعبّر عنها ب (الماهية اللابشرط المقسمي) وليست بموضوعة ل (لماهية اللابشرط القسمي) ولا ل (لماهية المشروطة بالعموم والشياع).

وان كانت الماهية المشروطة بالعموم تشمل كلّ واحد من الافراد شمولا بدليا ان كان العموم بدليا أو شمولا استيعابيا إن كان العموم استغراقيا واستيعابيا ، فالماهية اللابشرط المقسمي هي نفس الماهية من حيث هي هي ، كما ان الكلي الطبيعي ليس هو الماهية اللابشرط المقسمي ، إذ يعتبر في كون الشيء كليّا طبيعيا صدقه على الافراد الخارجية فحسب دون غيرها ، والماهية اللابشرط المقسمي تصدق على الماهيات المجردة التي لا موطن لها إلّا العقل ، وعليه فلا يمكن أن

٥٠٦

تكون تلك الماهيات كليّا طبيعيا فالكلي الطبيعي هو الماهية اللابشرط القسمي.

فإن قيل : ما الفرق بين (رجل) غير منون وبين (رجل) منونا وبين (الرجل) معرفا باللام.

قلنا : الأوّل يدلّ على ماهية الرجل من حيث هي هي.

والثاني : على فرد غير المعين.

والثالث : اما على الجنس واما على الاستغراق ، واما على العهد بأقسامه الأربعة الخارجي والذكري والحضوري والذهني. فالنتيجة ، الثالث تابع للام الداخل عليه.

في علم الجنس

قوله : ومنها علم الجنس كاسامة علما لجنس الأسد وثعالة علما لجنس الثعلب ...

قال جماعة : لا فرق بين علم الجنس واسم الجنس إلّا في نقطة واحدة وهي ان أسماء الأجناس موضوعة للماهية المهملة من جميع الجهات والخصوصيات الذهنية والخارجية ، ولكن أعلام الأجناس موضوعة لتلك الماهية بشرط تعينها في الذهن.

ومن هنا يعامل معها معاملة المعرفة وعلم الأشخاص فيجيء منه الحال نحو (هذا اسامة مقبلا) فهو يمتنع من الصرف للعلمية والتأنيث ، ويمتنع من دخول الألف واللام عليه فلا يجوز (الاسامة) كما لا يجوز (الزيد) مثلا. نعم ، يدخل عليها أل التي لغير التعريف ، بل للتزيين.

ويمتنع توصيفها بالنكرة فلا يجوز نحو (مررت باسامة مقبل) كما لا يجوز نحو (مررت بزيد عالم) نعم يجوز نحو (مررت باسامة المقبل) و (مررت بزيد العالم) ، ويبتدأ بها نحو (اسامة أجرى من ثعالة) ، كما يبتدأ بعلم الشخص ك (زيد قائم).

٥٠٧

وعلى طبيعة الحال ، فعلم الأجناس كعلم الأشخاص لفظا ولكن هو أعمّ معنى ، أي مدلوله كلي شائع مثل مدلول النكرة يشمل كلّ فرد فرد ، كمدلول اسماء الأجناس بلا فرق بينهما.

وقد أورد على هذه النقطة من الفرق بينه وبين اسم الجنس بأن أعلام الأجناس لو كانت موضوعة للماهية المتعينة في الذهن فلازم ذلك انّها بمالها من المعنى ، غير قابلة للحمل على الخارجيات ، إذ لا موطن لها إلّا الذهن. ومن الطبيعي ان ما لا موطن له إلّا الذهن فهو غير قابل للانطباق على ما في الخارج ، مع انّه لا شبهة في صحّة انطباقها بما لها من المعنى على الخارجيات من دون لحاظ تجرد فيها عن التعين الذهني حين حملها عليها ، فلو كانت الخصوصية الذهنية مأخوذة في معانيها لم يمكن انطباقها وحملها عليها بدون التصرف ولحاظ التجرد.

ومن الواضح ان صحّة الانطباق بدون ذلك تكشف كشفا قطعيا عن ان تلك الخصوصية غير مأخوذة في معانيها.

فالتحقيق انّه لا فرق بين اسماء الأجناس وبين أعلام الأجناس ، فكما ان الأولى موضوعة لصرف الطبيعة من دون لحاظ شيء من الخصوصية الذهنية والخارجية معها ، فكذا أعلام الأجناس.

والدليل على عدم الفرق بينهما ما عرفت من انّه لا يمكن أن تكون الخصوصية الذهنية مأخوذة في معناها الموضوع له والخصوصية الخارجية مفروضة العدم فاذا بطبيعة الحال لا فرق بينهما من هذه الناحية أصلا كما هو واضح.

واما ان الادباء يتعاملون معها تعاملهم مع المعرفة دون اسماء الاجناس ، فالظاهر ان التعريف فيها لفظي كتأنيث اللفظي ، فكما ان النحاة قد تجري على بعض الألفاظ والأسماء حكم التأنيث من اسناد الفعل المؤنث إليه ومن ارجاع ضمير المؤنث إليه ومن الإشارة إليه بألفاظ المؤنث ك (هذه وذي وته وتهي) مثلا مع انه ليس فيه تأنيث حقيقة ، كلفظ (الأرض والشمس واليد والرجل والاذن والعين) وما شاكلها.

٥٠٨

فكذلك قد تجري على بعض الأسماء والألفاظ حكم التعريف وآثاره من وقوعه مبتدأ وامتناع وصفه بالنكرة وامتناع دخول لام التعريف عليه وامتناعه من الصرف ونحوها ، كامتناع وقوعه مضافا مع انه ليس فيه تعريف أصلا ، كلفظ الاسامة مثلا ، فلا فرق بينه وبين لفظ الأسد في المعنى الموضوع له ، فالفرق بينهما انّما هو من ناحية جريان أحكام التعريف على أعلام الأجناس كما مرّ آنفا دون اسماء الأجناس. أي لا تدخل عليها لام التعريف ولا يقع مضافا دون اسماء الأجناس إذ هي تقع مضافا وتدخل اللام التعريف عليها نحو (جاءني الرجل) ونحو (هذا غلام زيد) ولو لم تكن أعلام الأجناس كأسماء الأجناس من ناحية المعنى الذي وضع كلّ واحد منهما له لما صح حملها على الأفراد بلا تصرف وتأويل في معانيها إذ علم الجنس ، على القول المشهور من لحاظ التعين الذهني قيدا لمعناه ، كلّي عقلي ، إذ المقيد بالقيد العقلي عقلي كالانسان الكلي مثلا. وقد عرفت سابقا انّه لا يكاد يصح صدقه على الأفراد مثلا لا يصدق (زيد انسان) كلّي ، فكذا لا يصدق هذا أسامة.

والحال ان صدقه عليها بلا تصرف في معناه واضح لا يكاد يخفى لأن التصرف في المحمول بإرادة نفس معناه من حيث هو هو بدون إرادة قيده تعسف لا يكون بناء القضايا المتعارفة على هذا التصرف بإرادة نفس المعنى والغاء قيده وهو تعيّنه الذهني.

هذا مضافا إلى ان وضعها لخصوص معنى يحتاج إلى تجريده عن الخصوصية في مقام الاستعمال لا يصدر عن جاهل فضلا عن الواضع الحكيم حيث انّه لغو محض. ومن الطبيعي انه لا معنى لوضع لفظ لمعنى لم يستعمل فيه أصلا هذا دليل آخر على ان وضعها كوضعها بلا تفاوت بينهما من هذه الناحية.

فالنتيجة في نهاية الشوط هي انّه لا فرق بين أسماء الأجناس وأعلام الأجناس إذ كلتاهما موضوعة للماهية المهملة من دون أخذ خصوصية من الخصوصيات فيها والخصوصية الطارئة عليها من ناحية الاستعمال لا دخل لها في

٥٠٩

المعنى الموضوع له. واما ترتيب آثار المعرفة على أعلام الاجناس دون اسمائها فهو لا يتجاوز عن حدود اللفظ فقط كالمؤنثات اللفظية التي لا يتجاوز تأنيثها عن حدود اللفظ فحسب.

في المفرد المعرف باللام

قوله : ومنها المفرد المعرف باللام ...

أي من جملة الألفاظ المطلق المفرد المحلى باللام مثل (الرجل خير من المرأة) ومثل (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

والمشهور بين النحاة ان اللام على أقسام ترتقي إلى اثنتا عشرة قسما ، أحدها زائدة غير لازمة وهي الداخلة على الاسم للضرورة الشعرية نحو :

ولقد جنيتك كمأ وعساقلا

ولقد نهيتك عن بنات الاوبر

إذ أراد الشاعر (بنات أوبر) والباقي زائدة لازمة نحو (الآن) ، زائدة لازمة لمحيّة (للمح الأصل) نحو (الفضل) علما ك (الفضل بن العباس).

وللتعريف ولاستغراق افراد الجنس وعلامته وقوع (كلّ) محلّه بنحو التحقيق نحو (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) أي كلّه لفي خسر.

ولاستغراق صفات افراد الجنس ، وعلامته صحّة وقوع لفظ (كلّ) محل (أل) بنحو المجاز نحو (زيد الرجل) أي (زيد كلّ صفات الرجل) ، ولبيان حقيقة الجنس نحو (الرجل خير من المرأة) أي ماهية الرجل خير من ماهية المرأة ، وهو لا ينافي أفضلية بعض النسوان على أكثر أفراد الرجل كالصديقة الطاهرة عليها‌السلام.

والألف واللام العهدي الذهني المشار به إلى فرد ما بقيد الحضور الذهني نحو (إِذْ هُما فِي الْغارِ).

والألف واللام العهدي الحضوري المشار به إلى الموجود الحاضر نحو (هذه الساعة).

٥١٠

والألف واللام العهدي الذكري المشار به إلى الاسم الذي ذكر قبلا نحو (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) فحكم العهدي الذكري كحكم ضمير الغائب ، إذ يشترط فيه تقدّم مرجعه لفظا أو معنى أو حكما ، فكذا يشترط فيه تقدّم ذكر مدخوله هكذا أي لفظا أو معنى أو حكما.

والألف واللام العهدي الخارجي المشار به إلى فرد معين عند المتكلم والمخاطب نحو (جاءني القاضي).

والألف واللام الموصول الداخل على اسم الفاعل والمفعول ، مثل (الخائن الأمانة مبغوض) و (المؤمن على اعراض الناس نبيل).

والألف واللام الداخل على الاعلام للتزيين نحو (الحسن والحسين) وهي زائدة غير لازمة غير لمحية ، فهذه أقسام (أل).

فهي اما تكون بين أقسام العهد مشتركة اشتراكا لفظيّا بتعدد الوضع وبتعدد الموضوع له. واما مشتركة اشتراكا معنويا بوحدة الوضع وبوحدة الموضوع له وهو العهد الحاصل من أحد الاسباب المذكورة : من الحضور في ذهن المخاطب ، ومن التعيّن في الخارج والذهن ، ومن الحضور الفعلي ومن تقدم ذكر المدخول. ولكن فهم الخصوصيات مستند إلى القرينة الخارجية ، والخصوصيات هي العهد الذهني والذكري والحضوري والخارجي.

ولا يخفى ان المصنّف قدس‌سره أورد على ذلك بقوله : والظاهر ان الخصوصية والاختلاف بين المعاني أي معاني (أل) اما من قبل خصوص اللام على تقدير الاشتراك اللفظي أو من قبل قرائن المقام بناء على الاشتراك المعنوي كما سيأتي بنحو تعدد الدال والمدلول ، فالمدخول يدل على المعنى الذي وضع له واللام تدل على الجنس أو الاستغراق أو العهد بأقسامه المذكورة آنفا ، أو قرائن المقام تدل على أحد الأمور المذكورة لا بإرادة الجنس أو الاستغراق أو العهد بأقسامه الأربعة من المدخول منضما إلى معناه الذي وضع له كي يلزم التجوز إذا قلنا بعدم الاشتراك

٥١١

في المدخول بين معناه واحدها على نحو تعدد الوضع والموضوع له ، والاشتراك اللفظي إذا قلنا به في المدخول.

فبالنتيجة : كان المدخول مستعملا في معناه الذي وضع له كما لم يكن المدخول مدخولا للام فالرجل حال كونه محلى باللام وحال كونه خاليا منها استعمل في معناه الذي وضع له ، وهو كلّ ذات ثبت له الذكورية.

والمعروف بين الادباء ان اللام تكون موضوعة للتعريف ومفيدة للتعيين في غير العهد الذهني واما العهد الذهني ، فالظاهر ان دخول اللام على المعهود الذهني لا يفيد شيئا ، فيكون وجودها وعدمها مثلين ، فلا فرق بين قولنا (لقد مررت على اللئيم يسبّني) وقولنا (مررت على لئيم يسبّني) بدون اللام ، فان المراد منه واحد مبهم غير معين في الخارج.

ولا تدل اللام على تعيينه فيه ، واما دخولها عليه فهو انما يكون من ناحية ان الاسماء المعربة في كلمات العرب لا تستعمل بدون احد أمور ثلاثة : التنوين ، أو الالف واللام ، أو الاضافة ، فيكون اللام للتزيين في خصوص العهد الذهني كاللام الداخل على اعلام الاشخاص ، فانّها إذا اشير بها إلى الجنس والماهية من حيث هي هي ، أو إلى الأفراد بنحو الاستغراق ، أو إلى الفرد المذكور أو إلى الفرد الحاضر أو المعهود فقد أفادت التعيين وهو معنى كونها موضوعة للتعريف ، وأنت خبير بأن كلمة اللام لو كانت موضوعة للدلالة على التعريف والتعيين فلازمه عدم امكان حمل المفرد المعرف باللام على الخارجيات ، لأن الجنس المعرف بها لا تعين له في الخارج على الفرض. وعليه ، فلا محالة يكون تعينه في أفق النفس يعني ان اللام تدلّ على تعيّنه وتميّزه من بين سائر المعاني في الذهن.

ومن الواضح ان الموجود الذهني غير قابل للحمل على الموجود الخارجي إلّا بالتجريد ، فلازم ذلك هو التصرف والتأويل في القضايا المتعارفة المتداولة بين أهل العرف ، حيث ان الحمل فيها على هذا غير صحيح بدون ذلك ، مع ان التأويل

٥١٢

والتصرف فيها لا يخلوان عن التعسف لصحّة الحمل فيها بدونهما ، فيلزم وضع اللام لذلك أن يكون لغو محض فلا يصدر من الواضع الحكيم ، فاللام تدل على التزيين كما في (الحسن والحسين عليهما‌السلام) فحسب من دون أن تكون موضوعة للدلالة على التعريف والتعيين كما قال به نجم الأئمة الشيخ الرضي الاسترابادي قدس‌سره ، فاللام في كلّ الموارد للتزيين واستفادة الخصوصيات من الجنس والاستغراق والعهد الذكري والحضوري والخارجي والذهني ، انما تكون بالقرائن التي لا بد منها لتعيين الخصوصيات على كلّ حال أي سواء قلنا باشتراكه معنويا أو لفظيا أو كونه للتزيين أو كونه للاشارة إلى المعنى.

غاية الأمر إذا قلنا بالأول فلا بد من القرينة المفهمة وإذا قلنا بالثاني فلا بد من القرينة المعينة ، وإذا قلنا بالثالث فلا بد من القرينة العقلية لتعيين الخصوصيات حتى على القول بإفادة اللام الاشارة إلى المعنى من الجنس والاستغراق الحقيقي والمجازي والعهد بأقسامه لا بد من القرينة العقلية.

ومع دلالة اللام على معناه مقرونا بهذه الخصوصيات المذكورة لا حاجة إلى وضع اللام للاشارة إلى المعنى إذ وضعه لها مخل بالحمل أي حمل المعرف باللام على الخارجيات نحو (زيد هو الرجل) و (عمر هو الرجل) ونحوهما أو حملها عليه مثل (الرجل زيد) و (أحمد هو الرجل) مثلا لاحتياج الحمل إلى تجريد معناه عن الخصوصيات الذهنية.

قوله : فتأمل جيدا ...

وهو إشارة إلى ان الالتزام بوضع اللام للاشارة إلى المعنى يلزم منه محذوران :

احدهما : أن لا يصح حمل المعرف باللام على الفرد إذ المقيّد بالتميز في الذهن لا موطن له إلّا الذهن ولا يمكن اتحاده مع الخارجيات ولا يحمل عليها إلّا بالتجريد.

وثانيهما : ان الوضع لمعنى مقيّد يحتاج عند الحمل إلى التجريد عن قيد

٥١٣

الخصوصية الذهنية لغو عبث لا يكاد يصدر عن جاهل فضلا عن الواضع الحكيم جلّ وعلا ، كما تقدّم هذا في علم الجنس. هذا مع ان التأويل والتصرف في القضايا المتعارفة غير خال عن التعسف لبعده عن مذاق العرف.

في الجمع المعرف باللام

قوله : واما دلالة الجمع المعرف باللام على العموم مع عدم دلالة المدخول عليه ...

وقد يتوهم ان دلالة الجمع المعرف باللام على العموم والاستغراق تنافي جعل اللام للتزيين ، إذ الدال عليه اما مدخولها وهو (علماء) مثلا ، واما مجموع المدخول واللام ، واما الدال عليه فهو اللام وحدها ، فالمدخول لا يدلّ عليه أصلا لأنّه يدلّ على الجمع وهو ذو مراتب من الثلاثة إلى العشرة إذا كان جمع قلّة ، ومن العشرة إلى ما لا نهاية له إذا كان جمع كثرة.

واما المجموع فلا يدل عليه أيضا إذ وضع المجموع من حيث المجموع للدلالة على العموم زائدا على وضع كلمة اللام ومدخولها فهو بعيد جدّا لأن الدال على إرادة هذه المرتبة التي هي العموم انما هو دلالة كلمة اللام وحدها على التعريف والتعيين نظرا إلى انه لا تعين في الخارج بعد دخولها إلّا خصوص هذه المرتبة.

وعلى طبيعة الحال فانقدح ان اللام تدلّ على العموم والاستغراق فالجمع المعرف باللام يدل على إرادة جميع أفراد مدخوله على نحو العموم الاستغراقي ، وما هذه إلّا بتوسط اللام وحدها.

فأجاب المصنّف قدس‌سره : أولا : بأنا نمنع تعيّن المرتبة المستغرقة لجميع الأفراد حتى يقال ان الجمع المعرف باللام يفيد العموم بواسطة اللام بتخيل عدم تعيّن شيء من مراتب الجمع عند الاطلاق من غير تقييده بمرتبة من مراتبه سوى الجميع.

٥١٤

فيتعين للارادة وجه المنع تعين أقل مراتب الجمع عند اطلاق الجمع المعرف باللام وهو ثلاثة أو اثنان على اختلاف ، أو أحد عشر إذا كان الجمع المذكور كثرة على قول لأن النحاة اختلفوا ، قال بعضهم ان جمع القلّة وجمع الكثرة مختلفان بداية ونهاية. وقال أكثرهم بأنهما متحدان بداية ومختلفان نهاية ، لأنّه إذا قال المولى لعبده (اكرم العلماء) مثلا فهو يريد به جميع أفرادهم وهي أربعون فردا أو يريد ثلاثين فردا أو عشرين فردا منهم أو أقل من هذا ومن ذاك.

فعلى جميع التقادير المرتبة القليلة اما تكون مرادا واما في ضمن المراد فنأخذ بالمتيقن ونترك المشكوك المحتمل ، وعليه فإذا أكرم ثلاثة منهم فقد حصل الامتثال ، فلا بد أن تكون دلالة الجمع المحلى باللام على العموم مستندة إلى وضعه مع اللام للعموم ، وليست بمستندة إلى دلالة اللام على الاشارة إلى المعين الذي هو العموم والاستغراق ليكون باللام تعريف ، إذ لو دلّت الألف واللام على التعيين ، فلا بدّ أن يقال المعرف باللام على أقل مراتب الجمع لا على الاستغراق ، فاذن لا بد ان تكون دلالة الجمع المعرف باللام على العموم بلحاظ الوضع ، أي بلحاظ وضعه للعموم لا بلحاظ دلالة الالف واللام على التعيين ، فلا وجه حينئذ لتوسيط دلالة الألف واللام عليه.

وفي ضوء هذا : انقدح انه لا شاهد على دلالة اللام للتعيين لا في المفرد المحلى باللام ولا في الجمع المحلى بها.

وأجاب ثانيا بعد تسليم استثناء العموم والاستغراق إلى اللام فلا وجه لدلالة اللام على التعيين والتعريف كما توهمه المتوهم حتى يكون العموم على نحو التعيين مستندا اليها فلا يكون بسببه تعريف أصلا.

فالنتيجة : ان اللام وان دلّت على الاستغراق لكنها لا تدل على التعيين والتعريف الحقيقي نعم يكون بسبب اللام تعريفا لفظيا كعلم الجنس ولهذا يعامل مع الجمع المعرف باللام معاملة المعرفة كجواز الابتداء به وتوصيفه بالمعرفة مثلا ،

٥١٥

فالمختار عند المصنف قدس‌سره ان المجموع يدل على الاستغراق وضعا لا اللام وحدها ولا المدخول وحده.

فالمصنّف قدس‌سره قد أصرّ على ان اللام للتزيين ولا تكون للتعريف أصلا فاذا دخلت على الجمع ، سواء كان جمعا سالما مذكرا ك (المسلمين) أو جمعا مؤنثا ك (المسلمات) أم كان جمعا مكسّرا مذكرا ك (الرجال) أم كان جمعا مكسرا مؤنثا ك (الطلحات) جمع (طلحة) بسكونها فيفيد المجموع ، أي مجموع اللام والمدخول عموما واستغراقا.

قوله : فتأمل جيدا ...

وهو إشارة إلى ان الخصوصيات من الجنس والاستغراق والعهد بأقسامه والموصول والزائد اللازم وغير اللازم كلها تستفاد من القرائن الخارجية لا من اللام إذ هو في كلّ الموضع للتزيين فقط.

في النكرة

قوله : ومنها النكرة ...

ومن ألفاظ المطلق النكرة مثل رجل في نحو (جاء رجل من أقصى المدينة) أو في نحو (جئني برجل).

قال المصنّف قدس‌سره : النكرة تستعمل تارة في المعين المعلوم خارجا عند المتكلم وغير معلوم عند المخاطب كقوله تعالى (جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى)(١).

وأخرى في الطبيعي المقيد بالوحدة نحو (جئني برجل) ومن هنا يصح أن يقال (جئني برجل) ولا يصح أن يقال (جئني برجلين).

__________________

(١) ـ القصص : آية ٢٨.

٥١٦

والنكتة فيه ان التثنية لا تقابل باسم الجنس ، حيث انه يصدق على القليل والكثير ، كلفظ الماء ، حيث انّه يصدق على القليل كقطرة وعلى الكثير كماء البحر المحيط. لكن التثنية لا تصدّق إلّا على اثنين مقيدين باثنين. فالنكرة تستعمل على نحوين :

الأول : ان يكون المراد منها فرد معين في الخارج بقرينة خارجية ، كالمجيء والرؤية والمرور ، وان كان هذا الفرد في ذهن السامع محتمل الصدق على زيد وعمرو وبكر و ... نحو (جاءني رجل) و (رأيت رجلا) و (مررت برجل).

الثاني : ان يكون المراد منها كليا مقيدا بقيد الوحدة ، كما إذا وقعت النكرة عقيب الأمر نحو (جئني برجل) إذ ليس المراد من الرجل شخصا خاصّا وفردا معينا ، ك (زيد) مثلا. بل المراد منه كل رجل ولكن مقيد بواحد منه بقرينة المجيء ، إذ لا يمكن مجيء رجل كلي إذ لا مصداق له في الخارج.

وعليه فقد تحقق الامتثال وسقط الأمر إذا أتى بفرد العالم منه ، أو بفرد الجاهل منه ، ففي القسم الأول لا تصدق النكرة على كثيرين إذ المراد منها فيه فرد معين واقعا بقرينة المجيء والرؤية والمرور ، وان كانت محتملة الصدق على كثيرين كسائر الكليات إذ ليس المراد منها فيه فردا معينا وشخصا خاصّا في الواقع ، بل المراد كلّ شخص يصدق عليه انّه رجل.

ومن هنا يعلم ان القول بوضع النكرة للفرد المردد في الخارج فاسد جدّا لأنّه لا وجود للفرد المردد في الخارج حيث ان كل ما هو موجود فيه متعين لا مردد بين نفسه وغيره فانّه غير معقول.

هذا مضافا إلى انّه لو كان مفهومها فردا مرددا لما صح حملها على الأفراد نحو (زيد وعمرو وبكر) مثلا إذ ليس كلّ واحد منها فردا مرددا في الخارج بين نفسه وغيره ، بل هي متعينة فيه ، فالتالي باطل إذ حمل النكرة عليها جائز قطعا ، فالمقدم مثله في البطلان.

٥١٧

واما بيان الملازمة ، فلأنّه يشترط في الحمل اتحاد المحمول والمحمول عليه مصداقا ووجودا ، والحال ان الفرد المردد في الخارج لا يتحد أصلا مع الفرد المتعيّن المشخّص خارجا مصداقا ووجودا.

وعلى طبيعة الحال فالمفهوم من النكرة في نحو (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى) ولو على تعدد الدال والمدلول هو الفرد المعين في الواقع بقرينة المجيء المجهول عند المخاطب المحتمل الانطباق على غير واحد من أفراد الرجل.

فإن قيل إذا أريد من النكرة الواحد المعين فيلزم التجوز فيها لأن النكرة وضعت للطبيعة التي ليست الوحدة ولا الكثرة قيدين لها فإذا أريد منها الوحدة لزم استعمالها في غير الموضوع له ، وهو مجاز جدّا ، فلا يصار اليه إلّا بدليل وهو مفقود هنا.

قلنا الوحدة مستفادة من التنوين واما الفرد المعين واقعا أو الطبيعة المقيدة بالوحدة فمستفاد كل واحد منهما من اسم الجنس الداخل عليه التنوين على نحو تعدد الدال والمدلول فلا تجوز في البين.

نعم لو أريدت الوحدة من نفس اسم الجنس والنكرة الموضوعة للطبيعة بما هي هي ، ولكن كان التنوين علامة للوحدة وقرينة عليها لكان استعمالها حينئذ مجازا قهرا ولكنّه خلاف الظاهر كما لا يخفى.

فإن قيل : ما المراد من التنوين الذي يدلّ على الوحدة هل هو التمكن أو التنكير أو العوض أو المقابلة أو الترنم.

قلنا : المراد منه هو التمكن الذي يدخل في أواخر أسماء المعربة.

وبالجملة : إذا قلنا (رجل نكرة) و (انسان نكرة) مثلا فحمل لفظ النكرة عليهما يكون حملا شائعا ، ملاكه الاتحاد بحسب المصداق إذ مفهوم الرجل والانسان غير مفهوم لفظ النكرة إذ مفهوم الرجل ذات ثبت له الرجولية والذكورية ، ومفهوم الانسان هو الحيوان الناطق ومفهوم النكرة ما دلّ على شيء غير معين ولكن

٥١٨

يتحدان مصداقا سواء كان الشيء غير معين عند المخاطب فردا معينا في الواقع أم كان حصة كلية لا الفرد المردد بين الافراد.

فالنتيجة : النكرة اما فرد معين واقعا غير معين عند المخاطب إذا وقعت في الكلام الخبري المثبت نحو (جاءني رجل) ولهذا تحتمل الصدق على هذا الفرد أو ذاك الفرد أو ذلك الفرد. واما حصة من الكلي الطبيعي مقيدة بالوحدة إذا وقعت في الكلام الانشائي الطلبي كالأمر مثلا نحو (جئني برجل) ليس المراد منه فردا معينا في الخارج ، بل المراد منه كل ذات ثبت له الذكورية وهو حصة من الانسان الذي هو كلي طبيعي فليس مفهومها بفرد مردد بين الافراد وذلك لبداهة كون لفظ (رجل) في نحو (جئنى برجل نكرة) مع انه يصدق على كل من جيء به من افراده ك (زيد وبكر وخالد) مثلا وليس واحد من الافراد بفرد مردد بين نفسه وغيره ، أي لو كان مفهومها فردا مرددا للزم ان يصدق على فرد مثل زيد مثلا انه نفسه أو غيره فالتالي باطل قطعا فالمقدم مثله إذ كل فرد من الافراد متعين في الخارج وليس بمردد فيه بين نفسه أو غيره كما هو الحال في الفرد المردد ولو كان المراد من النكرة فكل واحد من الافراد في الخارج هو نفسه لا هو أو غيره ف (زيد) زيد في الخارج وليس بزيد أو عمرو. فاذا لم يكن مفهومها فردا مرددا فلا محالة ان يكون المراد من النكرة الواقعة في متعلق الأمر هو الطبيعي المقيد بمثل مفهوم الوحدة لتحقق الامتثال بمجيء فرد واحد من كلي الرجل ، فيكون المتعلق كليا قابلا للانطباق على كثيرين كما تقدم هذا آنفا.

قوله : فتأمل جيدا ...

وهو اشارة إلى النكرة إذا وقعت عقيب النهى أو النفي فهي تدل على العموم وعلى الطبيعة السارية مثل (لا تجئني برجل) مثلا فهذه ليست من الالفاظ التي يطلق عليها المطلق ، بل هي من الفاظ العموم.

إذا عرفت معنى النكرة والالفاظ التي يطلق عليها المطلق فالظاهر صحة

٥١٩

اطلاق المطلق وحمله عند الاصوليين على نحو الحقيقة على اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني.

والتفصيل : ان المصنف قدس‌سره لما اختار كون اللام للتزيين ولما حقق عدم الفرق بين علم الجنس واسم الجنس بحسب المعنى وان كان علم الجنس يعامل معه معاملة المعرفة من جواز الابتداء به وامتناع توصيفه بالنكرة وامتناع صرفه للعلمية والتأنيث ك (طلحة وفاطمة) مثلا كما يعامل مع اسم الجنس معاملة النكرة من عدم جواز الابتداء به ، وجواز توصيفه بالنكرة ، وجواز صرفه. فلا يبقى من الفاظ المطلق الا اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني ، إذ هي بالمعنى الاول تدل على فرد معين في الواقع لا شياع له في جنسه وان كانت لذى المخاطب او المتكلم الجاهل تحتمل الانطباق على كثيرين وهو ناش عن جهل المخاطب أو المتكلم.

وعلى كل حال يطلق المطلق على كل من علم الجنس ك (اسامة وثعالة) واسم الجنس والمعرف بلام الجنس ك (التمر والماء) مثلا ما لم يضد العموم ببركة مقدمات الحكمة كما في نحو (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) وهكذا يطلق على النكرة بالمعنى الثاني بلا كلام.

اعلم ان للمطلق معنيين لغوي واصطلاحي وهو في اللغة بمعنى المرسل الذي لم يقيّد بقيد سواء كان لفظا أم كان غير لفظ وفي الاصطلاح هو ما كان شائعا في جنسه وساريا فيه.

وعليه فيصح اطلاق المطلق وحمله على كل من تلك الامور المذكورة بكل من المعنيين اللغوى والاصطلاحى ولكن غير بعيد عن الصواب ان يكون بناء الاصوليين في هذا الاطلاق على وفق معناه اللغوى من دون أن يكون لهم فيه اصطلاح جديد على خلاف اللغة ، كما لا يخفى وكما تقدم في اول الباب.

نعم لو ثبت اصطلاح خاص جديد للاصوليين في المطلق كما نسب إلى المشهور (كون المطلق موضوعا للماهية المفيدة بالارسال والشمول البدلي) ، كلفظ

٥٢٠