البداية في توضيح الكفاية - ج ٢

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٢

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-4-2
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٥٦٨

قوله : فتأمل جيدا ...

وهو اشارة إلى انه لو علمنا وجود المؤمن فيهم لما جاز لعنه قطعا ، فلا يجوز التمسك بالعام في الفرد المشكوك ايمانه لأن بعد العلم بالتخصيص وبعد العلم بوجود مؤمن فيهم تنحصر حجية العام بما سوى المؤمن منهم فلا يستكشف حينئذ به ان الفرد المشكوك غير مؤمن فيجوز لعنه فلا فرق حينئذ بين المخصص اللفظي والمخصص اللبي في عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

استصحاب العدم الأزلي ولا بد هنا من بيان أمرين :

الأول : ان التفصيل بين المخصص اللفظي واللبي يكون في الموارد التي لا يحرز فيها عنوان العام أو عنوان الخاص بالنسبة إلى الفرد المشكوك بأصل موضوعي وإلا لحقه حكم احدهما.

الثاني : انه من المعلوم ان المخصص المتصل تارة يكون موجبا لتعنون العام بعنوان وجودي ، كما في التخصص بالوصف الوجودي ، نحو (اكرم العلماء العدول) فان التخصيص فيه يقتضي كون موضوع العام هو العالم العادل ، فمع الشك في العلم أو العدالة بالنسبة إلى فرد ، فان كان اصلا موضوعيا وجوديا مثبتا لعنوان العام في البين بان كان الفرد سابقا عالما ، ولكن شكّ في زواله وبقائه ، أو بان كان قبلا عادلا ولكن شكّ في بقاء عدالته وزوالها. أو عدميا موجودا بان لم يكن سابقا عالما أو عادلا ولكن نشك في بقاء جهله وزواله وفي صيرورته عالما أو شك في بقاء فسقه وفي صيرورته عادلا كان هو المرجع قطعا. وان لم يكن أصل موضوعي موجودا لا وجودي منه ولا عدمي منه لعدم العلم بحالات سابقة فالمرجع فيه الاصول العملية من البراءة والاحتياط والتخيير على حسب الموارد.

واخرى يقتضي المخصص المتصل كون العام معنونا بعنوان عدمي كما

٤٢١

في الوصف العدمي مثل (اكرم العلماء الذين هم ليسوا بفساق) ، فالحكم فيه كما سبق في الوصف الوجودي بعينه بلا فرق ، إلا ان الاصل العدمي في المقام يثبت عنوان العام ، والأصل الوجودي ينفيه ، عكس ما سبق.

وهذا مما لا اشكال فيه ، وانما الاشكال في المخصص المنفصل أو كالاستثناء من المتصل كما لو قيل (اكرم العلماء إلا الفسّاق) أو (لا تكرم الفسّاق) ، وانه هل يقتضي تعنون موضوع العام بعنوان خاص وجودي مضاد لعنوان الخاص مثل (العدول) في المثال المذكور ، أي اكرم العلماء العدول ، أي يصير المثال في قوة تقييد العام بالوصف الوجودي ، أو يقتضي تعنونه بكل عنوان مغاير لعنوان الخاص ، سواء كان عنوان العام ضد العنوان الخاص ، أم كان نقيضا له ، فالأول كالعدول والثاني نحو عدم الفسق ، مثل الذين هم ليسوا بفساق أو لا يقتضي شيئا من ذلك اختار المصنّف قدس‌سره عدم اقتضائهما شيئا من ذلك.

فعلى الأول : لا ينفع في اثبات حكم العام للفرد المشكوك الاصل الوجودي المثبت للعنوان الطارئ على موضوع العام من جهة المخصص المتصل أو المنفصل ، أي استصحاب عدالة الفرد المشكوك في عدالته وفسقه بعد ما كان عادلا سابقا.

وعلى الثاني : يجدي في اثبات حكم العام له كل اصل مثبت لكل عنوان مناف لعنوان الخاص من استصحاب عدالته واصالة عدم فسقه و ...

ولهذا قال : ان الباقي تحت العام حجة بعد تخصيصه بالمنفصل أو بعد تخصيصه بالمتصل ، كالاستثناء مما لم يكن موجبا لتعنون العام بعنوان خاص ، كعنوان كون العلماء عدولا فلا يصير المثال المذكور في قوة ان يقال اكرم العلماء العدول فالمراد بالعام هو العلماء وبالخاص هو العدول لا الفسّاق ، بل العام معنون بكل عنوان بعد التخصيص ، كما كان قبل التخصيص ، فالعلماء معنونة بعنوان عربية واعجمية وهاشمية وغير هاشمية والعدالة قبل التخصيص فكذا هم باقون على حاله بعده غير انه يلزم بعد التخصيص ان لا يصدق عليهم عنوان الفاسق كان احراز فرد

٤٢٢

المشكوك دخوله تحت الخاص بالاصل الموضوعي ممكنا إلا في المورد النادر لا يمكن احرازه فيه به ، فبذلك الاصل الموضوعي يحكم على الفرد المشتبه بحكم العام وان لم يجز التمسك بالعام بالنسبة إلى الفرد المشتبه إذ هو تمسك بالعام في الشبهة المصداقية وهو لا يجوز إذا كان المخصص لفظيا بلا خلاف في المتصل منه وبلا كلام في المنفصل منه وان خالف فيه بعض كثاني الشهيدين والسيد اليزدي في العروة قدس‌سرهما.

فان قيل : لم يحرز المشتبه بالأصل الموضوعي.

قلنا : لأن الفرد اما يكون متيقن العدالة سابقا ومشكوك العدالة لاحقا فنستصحب عدالته ونتمسك بالاصل الموضوعي الوجودي ونحرز به عنوان الخاص له تعبدا ونجري عليه حكمه وهو وجوب الاكرام ، واما يكون متيقن الفسق سابقا ومشكوك الفسق لاحقا فنستصحب فسقه ونتمسك بالاصل الموضوعي الوجودي أيضا ، ونحرز به عدم انطباق عنوان الخاص عليه ، وهو عنوان الفسق ، فلا نجري عليه حكمه وهو وجوب الاكرام.

واما يكون متيقن العدالة والفسق معا سابقا ولكن نشك في المتقدم منهما فلا يمكن التمسك بالاستصحاب وبالاصل الموضوعي الوجودي ولا يحرز الفرد المشكوك العدالة والفسق انه من مصاديق الخاص كي يجب اكرامه ، أو انه من مصاديق الفسّاق حتى يحرم اكرامه لمكان تعارض الاستصحابين والاصلين وهما استصحاب العدالة واستصحاب بقاء الفسق والمراد بما شذ هو المورد الثالث وهو شاذ ، أي نادر جدا والشاذ هنا بمعنى الندرة والقلة لا بمعنى الخارج عن القياس في علم التصريف ولا بمعنى الخارج عن القانون في علم النحو.

ولا يخفى ان توارد الحالتين العدالة والفسق نادر جدا لأن المكلف لا يخلو اما تكون له ملكة العدالة أولا فعلم ان المورد الذي لا يحرز فيه عنوان من العناوين للموضوع نادر ففي كثير من الموارد يحرز بالاصل الموضوعي الوجودي أو العدمي

٤٢٣

عنوان الموضوع ، مثلا إذا شك ان امرأة هل تكون قرشية أم لا فهي في الواقع إذا وجدت في الخارج اما قرشية واما غير قرشية ، ولكن فلا أصل في المقام يحرز به عنوان القرشية لها أو غيرها لأن الوصفين المذكورين من الأوصاف الوجودية التي لا تكون إلا في ظرف وجود موضوعها فقبل وجوده ليست حالة سابقة لها ليجري فيها الاستصحاب ونحرز به عنوانها ، إذ يشترط فيه يقين السابق وشك اللاحق ففي هذه المرأة ليس اليقين السابق بكونها قرشية أو غير قرشية بموجود حتى نتمسك بالاصل الموضوعي الوجودي ونحرز به كونها قرشية كي تدخل في عموم المرأة القرشية ترى الحمرة إلى ستين سنة أو نحرز به كونها غير قرشية حتى تدخل تحت عموم المرأة غير القرشية ترى الدم إلى خمسين سنة ، ولكن نتمسك باصالة عدم تحقق انتسابها إلى قريش ، فاذا وجدت فيها فلم نعلم انتسابها اليه ، ونشك حينئذ في انتسابها اليه وعدم الانتساب فيتم اركان الاستصحاب وشرطه وهي أي اركانه اليقين السابق والشك اللاحق وشرطه اتحاد القضية المتيقّنة والمشكوكة موضوعا ومحمولا فنستصحب عدم انتسابها اليه ونحرز به انها غير قرشية فهي باقية تحت عموم ما دل على ان المرأة انما ترى الحمرة إلى خمسين سنة هلالية والخارج عن تحته هي المرأة القرشية إذ اصالة عدم تحقق الانتساب بينها وبين قريش تنفع في تنقيحها انها ممن تحيض إلى خمسين سنة فيحرز به كونها مرأة غير قرشية وهي موضوع للحيض إلى خمسين سنة ولا يخفى أن لهذا البحث ، أي لبحث الشك في الشبهة المصداقية ثمرات في الفقه الشريف (اللهم وفّقني لما تحب وترضى). فتأمّل تعرف ان القرشية وغير القرشية من الأوصاف الثابتة وليستا مثل العدالة والفسق والقيام والقعود و ... إذ هي من الأوصاف الزائلة فبالاستصحاب يحرز كونها غير منتسبة إلى قريش بلا اشكال.

وتوضيح ذلك : ان العدم الذي يكون موضوعا للأثر الشرعي تارة يكون بمعنى عدم الموضوع ، واخرى يكون بمعنى عدم الوصف وكل منهما تارة يكون

٤٢٤

بنحو مفاد ليس التامة مثل عدم زيد هذا مثال عدم الموضوع وعدم الحمرة لزيد مثلا هذا مثال عدم الوصف وكذا تاليه ، واخرى يكون بنحو مفاد ليس الناقصة مثل عدم كون الماء ذا مادة وعدم كون زيد احمر فان كان العدم ملحوظا على النحو الأول فالظاهر أنه لا اشكال في جريان الاستصحاب لا ثباته فاذا فرض ان لوجود زيد أو لحمرته أثرا شرعيا كان استصحاب عدم زيد أو استصحاب عدم حرمته موجبا لانتفاء ذلك الأثر ظاهرا ، وان كان ملحوظا على النحو الثاني فقد اختلفت فيه انظار المحققين ، والتفصيل موكول إلى المطولات.

وعلى أي حال فعدم الانتساب ملحوظ على نحو مفاد ليس التامة ، أي ليس الانتساب إلى قريش فالاستصحاب جار لاثباته بلا اشكال فيجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية في هذا المقام.

وهم وإزاحة

قوله : وهم وإزاحة ربما يظهر من بعضهم التمسك بالعمومات ...

ربّما يظهر من بعضهم (وهو صاحب التقريرات) التمسك بالعمومات فيما إذا شك في فرد لا من جهة احتمال التخصص ، بل من جهة اخرى كما إذا شك في صحة الوضوء أو الغسل بماء مضاف ، كماء التفاح مثلا فيستكشف صحتهما بعموم أوفوا بالنذور فيما إذا وقع متعلقا بالنذر بأن يقال وجب الاتيان بهذا الوضوء أو الغسل وفاء للنذر هذه صغرى ، وكلما يجب الوفاء به يكون صحيحا للقطع بانه لو لا صحته لما وجب الوفاء به هذه كبرى مع النتيجة ، إذ صورة القياس تكون بهذه الصورة وهي الوضوء بماء المضاف واجب الوفاء وكلما واجب الوفاء به يقع صحيحا فهذا يقع صحيحا. وينبغي ان يبحث في مقامين :

الأول : في صحة هذا النذر وفساده.

الثاني : في صحة الاحرام قبل الميقات والصوم في السفر بالنذر.

٤٢٥

أما المقام الأول فلا شبهة في ان صحة النذر مشروطة بكون متعلقه راجحا شرعا ، فلا يصح فيما إذا تعلق بأمر مباح فضلا عن المرجوح لأن ما كان لله تعالى لا بد أن يكون راجحا حتى يصلح للتقرب به اليه تعالى فالمباح لا يصلح أن يكون مقربا للناذر اليه جلّ وعلى فإذن لا بد أن يكون متعلقه عملا صالحا لذلك.

وفي ضوء ذلك فاذا شك في رجحان عمل وعدمه لم يمكن التمسك بعموم أوفوا بالنذور لفرض ان الشبهة مصداقية هنا وقد سبق انه لا يجوز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية ، بل هو من اظهر افراد التمسك به فيها إذا المأخوذ في عنوان حكم العام عنوان وجودي فان موضوع وجوب الوفاء بالنذر قد قيد بعنوان راجح.

وعلى طبيعة الحال فلا يمكن الحكم بصحة الوضوء أو الغسل بمائع مضاف من جهة التمسك بعموم وجوب الوفاء بالنذر للشك في رجحان هذا الوضوء ، ومعه كيف يمكن التمسك به.

فالنتيجة انه لا يمكن تصحيح الوضوء أو الغسل بمائع مضاف من ناحية عموم وجوب الوفاء بالنذر.

وأما المقام الثاني فلان الالتزام بصحة الاحرام قبل الميقات وصحة الصوم في السفر من جهة النذر ليس من ناحية التمسك بعموم وجوب الوفاء بالنذر ، بل هو من ناحية الروايات الخاصة الدالة على صحتهما كذلك بالنذر ، وعلى ذلك فاما ان نجعل هذه الروايات مخصصة لما دل على اشتراط صحة النذر برجحان متعلقه واما نقول بكفاية الرجحان الناشئ من قبل النذر في صحة الوضوء والغسل كما التزم بذلك السيد الطباطبائي قدس‌سره في العروة ، ولهذا جعل هذا مؤيدا للمدعى ، ووجه التأييد انه إذا صح الاحرام قبل الميقات بالنذر والصوم في السفر بالنذر مع القطع ببطلانهما بدون النذر فصحة الوضوء بمائع مضاف بالنذر مع الشك في بطلانه بدون النذر تكون بطريق أولى.

وأما الفرق بين الدليل والتأييد فان احتمال الخلاف ليس بموجود في الأول

٤٢٦

وهو موجود في الثاني ، إذ يحتمل أن تكون صحة الاحرام قبل الميقات وصحة الصوم في السفر من جهة الأدلة الخاصة ، كالروايات كما ستأتي ولا تكون من جهة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لا دليلا على المدعى من جهة احتمال الروايات الخاصة. وبقى بيان روايات تدل على صحة الاحرام قبل الميقات بالنذر ، والحال ان الاحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت وكالصلاة في السفر أربعا ، ومنها ما رواه الشيخ في الاستبصار باسناده عن الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل جعل لله عليه شكرا أن يحرم من الكوفة قال عليه‌السلام : فليحرم من الكوفة وليف لله بما قال ومنها (١) ما رواه باسناده عن صفوان عن علي بن حمزة ، قال كتبت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام اسأله عن رجل جعل لله عليه أن يحرم من الكوفة. قال عليه‌السلام : يحرم من الكوفة (٢) وفي معناهما روايات. وأما بيان روايات تدل على صحة الصوم في السفر بالنذر فمنها رواية ابراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يجعل لله عليه صوم يوم مسمى ، أي صوم معيّن ، في السفر قال عليه‌السلام : يصوم أبدا في السفر والحضر (٣).

ومن الروايات الدالة على حرمة الصوم في السفر ما رواه محمّد بن الحسن ، أي الشيخ ، باسناده عن عمار الساباطي قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقول لله عليّ أن أصوم شهرا أو أكثر من ذلك أو أقل فيعرض له أمر لا بد له أن يسافر أيصوم وهو مسافر ، قال عليه‌السلام : إذا سافر فليفطر لأنه لا يحلّ له الصوم في السفر فريضة كان أو غيرها والصوم في السفر معصية (٤).

أما الروايات التي تدل على عدم جواز الاحرام قبل الميقات ، فمنها ما رواه

__________________

(١) الوسائل : ج ٨ ص ٢٣٦ ب ١٣ من أبواب المواقيت ح ١.

(٢) الوسائل : ج ٨ ص ٢٣٧ ب ١٣ من أبواب المواقيت ح ٢.

(٣) الوسائل : ج ٧ ص ١٤١ ب ١٠ من أبواب من يصح عنه الصوم ح ٧.

(٤) الوسائل : ج ٧ ص ١٤١ باب ١٠ من أبواب من يصح الصوم عنه ح ٨.

٤٢٧

الصدوق باسناده عن عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال عليه‌السلام : الاحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ينبغي لحاج ولا معتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها وذكر عليه‌السلام المواقيت ثم قال عليه‌السلام : ولا ينبغي لأحد ان يرغب عن مواقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي معناه روايات أخر (١).

قوله : والتحقيق ...

توضيحه : ان العناوين التي تؤخذ في موضوعات الأحكام الشرعية على نوعين :

الأول : العناوين الأولية ، وهي التي تثبت للشيء بالنظر إلى ذاته مثل عنوان التمر والخمر مثلا ، إذا قيل أحلّ التمر وحرمت الخمرة.

والثاني : العناوين الثانوية التي تثبت للشيء بالنظر إلى ما هو خارج عن ذاته ، مثل عنوان العسر والحرج والنذر والشرط والنفع والضرر والغصب إلى غير ذلك.

فالحلية ثابتة للتمر بالنظر إلى ذاته كما ان الحرمة ثابتة للخمر من حيث هو خمر وبالنظر إلى ذاته.

وأما إذا كان الوضوء ضرريا فالحرمة عارضة عليه بالنظر إلى كونه ضرريا وإلا فهو في ذاته مستحب وكذا عدم الوجوب عارض على الحج إذا صار حرجيا بالنظر إلى كونه حرجيا وإلا فهو في ذاته اما واجب واما مستحبّ وكذا الصحة ثابت للاحرام قبل الميقات وللصوم في السفر باعتبار كونهما منذورين أجاب المصنّف قدس‌سره عن تمسك البعض بالعمومات في الشبهة المصداقية جوابا تحقيقيا وهو ان يقال انه لا مجال لتوهم الاستدلال بالعمومات المتكفلة لأحكام العناوين الثانوية فيما شك من غير جهة تخصيصها إذا اخذ في موضوعاتها احد الأحكام المتعلقة بالافعال بعناوينها الأولية. ولا يخفى ان العنوان الثانوي تارة يكون موضوعا لحكمه مطلقا ،

__________________

(١) الوسائل : ج ٨ ص ٢٣٤ ب ١٠ من أبواب المواقيت ح ١.

٤٢٨

أي سواء كان العنوان الأولي للموضوع محكوما بحكم خاص أم لم يكن محكوما به على الفرض واخرى يكون موضوعا لحكمه بشرط كون العنوان الأولي للموضوع محكوما بحكم خاص فاذا كان على النحو الثاني وشك في حكم العنوان الأولي الذي أخذ قيدا له في موضوعية الموضوع لحكمه امتنع التمسك بعموم دليل حكمه ، مثلا إذا أخذ في موضوع وجوب الوفاء بالنذر كون النذر نذرا راجحا في نفسه فقد صار موضوع وجوب الوفاء بالنذر خصوص النذر الراجح. فاذا شك في رجحان المنذور في نفسه فقد شك في كون نذره نذرا راجحا ، فلا مجال للتمسك بالعموم في مثله ، لأن الشك حينئذ في ثبوت عنوان العام لا في حكمه بعد احراز عنوانه ، وكذا إذا شك في كون الصلح محرّما للحلال أو محلا للحرام ، أو كون الشرط موافقا للكتاب الكريم أو مخالفا له ، ففي الفرض المذكور : إذا شك في صحة الوضوء بالمضاف ، فاذا تعلق به النذر لا مجال للتمسك بعموم وجوب الوفاء بالنذر لاثبات صحته ، لأن الشك في صحته بالمضاف يوجب الشك في كون نذره نذرا راجحا في نفسه.

وعلى طبيعة الحال : يكون الشك في انطباق العنوان العام عليه لا في حكمه بعد احراز عنوانه ، فيمتنع التمسك به ، لأن العمومات من قبيل الكبريات الشرعية ، فيتوقف استنتاج الحكم الشرعي منها على إحراز الصغرى ، ومع الشك في الصغرى لا ينفع العلم بالكبرى في حصول العلم بالنتيجة ، وهذا واضح.

فالعلم بالكبرى لا يستلزم العلم بالصغرى ، بل تحرز الصغرى وجدانا أو تعبدا حتى ينفع العلم بالكبرى العلم بالنتيجة بدون العلم بالصغرى ، مثلا إذا قلنا (الوضوء المنذور بمائع مضاف راجح وكل راجح المنذور يجب الوفاء به) ، فهذا لا ينتج الوضوء المنذور بمائع مصاف يجب الوفاء به ، إذ الصغرى مشكوك فيها كما تقدم.

فالحاصل انه إذا أخذ في موضوعات أحكام العناوين الثانوية احد الأحكام المتعلقة بافعال المكلفين بعناوين الأفعال الأولية فلا مجال للتمسك بالعموم لاثبات

٤٢٩

حكمه للفرد المشكوك فيه ، كما في الوضوء المنذور بالمضاف.

لأن الوضوء بالمضاف موضوع ، ووجوب الوفاء حكم عنوان ثان ، وهو كون الوضوء منذورا ، فأخذ في الوضوء ـ قبل النذر من حيث كونه وضوء ، ومن حيث كونه فعلا من أفعال المكلف ـ الاستحباب الذي يتعلق بفعل المكلف ، وقد علمنا من الدليل الخارج كون المنذور راجحا بحيث يصير المنذور الراجح موضوعا لوجوب الوفاء ، فاذا شككنا في كون الوضوء المنذور بالمضاف راجحا فلا مجال للتمسك بعموم (أوفوا بالنذور) لاثبات حكمه ، وهو وجوب الوفاء للوضوء المنذور بالمضاف ، كما نستكشف من وجوب الوفاء به صحته به ، إذ الشك يكون في انطباق عنوان العام وهو النذر ، وفي الوضوء المنذور بالمضاف ، ولا يكون الشك في ثبوت الحكم العام له بعد احراز انطباق العنوان العام عليه ، لعدم العلم بكونه راجحا.

مثلا إذا قال المولى (اكرم العلماء) فاذا احرزنا كون الفرد عالما فيجب اكرامه للتمسك بعموم العام وهو اكرام العلماء واما إذا لم نحرز كون الفرد عالما فلا يجب اكرامه للشك في انطباق العنوان العام عليه ، وليس الشك في حكمه بعد احراز عنوانه عليه ، كما هو الحال في وجوب اطاعة الوالدين والوفاء بالنذر وشبهه من العهد واليمين في الامور المباحة أو الراجحة. فالأول قيد للأول والثاني للثلاث ، أي الأول حكم موضوع اطاعة الوالدين ، والثاني حكم موضوع النذر وشبهه إذا أخذ في موضوع الحكم الثانوي ، كوجوب الوفاء بالنذر والعهد واليمين وكوجوب اطاعة الوالدين ، احد الأحكام المتعلقة بافعال المكلّفين بعنوانه من الاباحة في موضوع اطاعة الوالدين ، والرجحان في موضوع النذر وشبهه ، أي قبل أمر الوالدين لا بد أن يكون الفعل الذي أمرا به ولدهما مباحا في ذاته ، ولا بد ان يكون الفعل المنذور به والمعاهد عليه والمحلوف عليه قبل النذر والعهد واليمين راجحا في الدين أو الدنيا بما هو فعل وبعنوان أولي.

وفي ضوء هذا فاذا شك في إباحة الشيء الذي تعلق به أمر الوالدين أو شك

٤٣٠

في رجحانه فلا مجال للتمسك حينئذ بعموم وجوب الاطاعة لاحراز إباحته ، لأن الشك في العنوان العام وفي موضوع الدليل لا في حكمه ، وبعبارة اخرى يكون هذا التمسك من قبيل التمسك بالكبرى لاحراز الصغرى وهو غير جائز. نظير احراز كون زيد عالما إذا كان مشكوك العلم بعموم (اكرم العلماء) ويقال الفرد المشكوك العلم عالم وكل عالم يجب اكرامه فكذا ما نحن فيه حرفا بحرف ، لانه مع أخذ احد الأحكام المتعلقة بالأفعال في موضوع حكم العنوان الثانوي لا يتوهم عاقل إذا شك في رجحان شيء أو حليته جواز التمسك بعموم دليل وجوب الاطاعة او بعموم دليل وجوب الوفاء في رجحانه أو حليته.

قوله : نعم لا بأس بالتمسك في جوازه ...

نعم لو فرض الفارض عدم أخذ أحد الأحكام المتعلقة بالفعل بعنوانه الأولي في موضوع الحكم الثانوي ، كوجوب الوفاء بالنذر وشبهه وكوجوب اطاعة الوالدين من الرجحان والاباحة ، فحينئذ إذا تعلق النذر وشبهه بشيء أو تعلق أمر الوالد به ، فبعد احراز التمكن منه وبعد احراز القدرة عليه لا اشكال في التمسك بعموم دليل وجوب الوفاء بالنذر لوجوب الاتيان بذاك الشيء المنذور وان لم يحرز رجحانه. وكذا لا بأس في التمسك بعموم دليل وجوب اطاعة الوالدين لوجوب الاتيان بالشيء الذي أمر الوالد ولده باتيانه وان لم تحرز اباحته ، لأن المفروض انه لم يؤخذ في موضوعهما الرجحان والاباحة والجواز ، ولكن إذا تمسك بعموم دليل وجوب الوفاء بالنذور ، وبعموم دليل وجوب اطاعة الوالدين فقد احرز رجحانه وجوازه قهرا لأن كل واجب جائز راجح سواء ثبت الوجوب بالدليل الاجتهادي أم ثبت بالدليل الفقاهتي ، كاستصحاب وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة مثلا ، ولا يخفى ان هذا مجرد فرض لوضوح أخذ الرجحان والاباحة في موضوع النذر والاطاعة.

وإذا كانت موضوعات الأحكام محكومة بعناوينها الأولية بغير الأحكام الثابتة لها بعناوينها الثانوية فتقع المزاحمة بين المقتضيين ، كالوضوء والصوم مثلا ،

٤٣١

لأنهما محكومان بالوجوب أو الاستحباب من حيث ذاتهما وبعنوانهما الأولي ، ومحكومان بالحرمة من حيث كونهما ضرريين وبعنوانهما الثانوي ، فاذا كانا ضرريين فقد وقع التزاحم بين الدليلين ، حيث يحرز المقتضي فيهما فيؤثر الأقوى منهما إذا كان موجودا في البين إذا الحكم الفعلي في المتزاحمين تابع لاقواهما ملاكا وأهمهما مناطا مثلا إذا توقف احياء نفس محترمة على تصرف أرض مغصوبة ، ففي التصرف يقدم الوجوب الغيري العارض عليه بعنوان ثانوي بالنظر إلى كونه مقدمة للاحياء على الحرمة النفسية العارضة عليه بعنوان أوّلي فالوجوب الغيري مقتض لاتيانه والحرمة مقتضية لتركه ، كان مقتضي اتيانه اقوى ملاكا فيقدم ، وان لم يكن احدهما اقوى ملاكا فلا يؤثر أحدهما في الحكم الفعلي ولو أثر احدهما فيه للزم الترجيح بلا مرجح إذ الفرض تساوي المقتضيين في الملاك فيحكم على الشيء بالاباحة والتخيير العقلي إذا كان احدهما مقتضيا للوجوب والآخر للحرمة مثلا ، لدوران الأمر حينئذ بين المحذورين.

وكذا الكلام في عنوان ضرري الوضوء وعنوان وجوبه إذ لا بد من الكسر والانكسار بين المقتضيين هل عنوان الضرر مقتض لحرمته ، وعنوانه الأولي مقتض لوجوبه أيهما أقوى ملاكا ولا ريب ان ملاك الضرر اقوى من ملاك الوجوب ، ولذا افتى الفقهاء قدس‌سرهما ببطلانه لحرمته وهي تدل على مبغوضيته وهي تدل على عدم اتيان المأمور به على نهجه العقلي والشرعي وكذا الغسل الضرري حرفا بحرف كما سبق هذا في بحث الاجزاء.

فانقدح مما سبق المورد الذي لا يصح التمسك بالعام فيه في الشبهة المصداقية والمورد الذي يصح التمسك بعموم العام فيه فيها.

قوله : واما صحة الصوم في السفر بنذره فيه ...

ولا ريب في وجود الملاك والرجحان في الصوم والاحرام قبل النذر ولكن يمنع المانع عن الصوم في السفر وعن الاحرام قبل الميقات والمانع هو مشقة الصوم

٤٣٢

في السفر ومشقة الاحرام قبل الميقات.

اما مشقة الصوم في السفر فواضحة ، واما مشقة الاحرام قبل الميقات فلأن الاحرام مستلزم لترك محرمات الاحرام وتركها مستلزم للمشقة لزيادة المسافة فالاحرام قبل الميقات مستلزم للمشقة لأن مستلزم المستلزم للشيء مستلزم لذاك الشيء وهذا واضح. ولذا انعقد اجماع الأصحاب قدس‌سرهم على بطلانه.

وعلى طبيعة الحال فالمقتضي لجواز الصوم في السفر قبل النذر موجود وهو رجحانه ، والمانع عنه أيضا موجود وهو مشقة في السفر فالمقتضي لا يؤثر في المقتضى لوجود المانع ، وكذا الحال في الاحرام قبل الميقات حرفا بحرف.

واما صحة الصوم في السفر بعد تعلق النذر به وصحة الاحرام قبل الميقات بعد تعلق النذر به فهما انما تكونان لوجوه ثلاثة :

الأول : ان يكون النص الذي دل على صحتهما كذلك كاشفا عن رجحانهما ذاتا ، والمانع عنه في السفر وقبل الاحرام يرتفع بالنذر فاذا ارتفع أثّر المقتضي وهو رجحانهما ذاتا في المقتضى وهو جوازهما فيه وقبله.

فان قيل : إذا كانا راجحين ذاتا كانا ذا مصلحة وإذا كانا كذلك فلا بد من الأمر بهما وجوبا أو استحبابا كي لا تفوت مصلحتهما على العباد.

قلنا : لم يؤمر بهما لا وجوبا ولا استحبابا لوجود المانع عنه ، كما ذكر آنفا ويرتفع بالنذر فحسب.

الثاني : ان يكون النص الذي دل على صحتهما بعد تعلق النذر بهما كاشفا عن صيرورتهما راجحين من جهة النذر ، وان لم يكونا راجحين ذاتا كما يدل خبر الباب على ان الاحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت في عدم الرجحان الذاتي وعلى الملازمة بين القصر والافطار.

الثالث : ان يكون النص الذي دل على صحتهما بالنذر مخصّصا للدليل الذي دل على اعتبار الرجحان في متعلق النذر وللدليل الذي دل على عدم جواز الصوم

٤٣٣

في السفر وهو نحو (لا صيام في السفر) مثلا. فيصير مفادهما على الوجه الثالث عدم الرجحان في متعلق النذر في نذر الاحرام قبل الميقات والجواز في الصوم المنذور في السفر.

الاشكال على الوجه الثاني

قوله : لا يقال لا يجدي صيرورتهما راجحين بذلك ...

ولا ريب ان الأمر بالوفاء بالنذور توصلي كما أنّ الأمر بالوفاء بالعقود توصلي فيستفاد منه كون الواجب توصليا لا يشترط فيه قصد القربة ، بل يسقط أمره بمجرد الاتيان بالمنذور ولو بدون قصد التقرب إلى المولى الجليل ، وان توقف حصول الثواب عليه ولا ريب أيضا ان الصوم في السفر والاحرام قبل الميقات بعد تعلق النذر بهما أمران عباديان لا يسقط أمرهما إلا بقصد القربة ، فعباديتهما من أين تولدت بعد الالتزام بعدم رجحانهما ذاتا قبل النذر كما هو مفروض الوجه الثاني؟

ومن هنا ظهر عدم ورود هذا الاشكال على الوجه الأول للالتزام بكونهما راجحين ذاتا فيه والرجحان الذاتي يكفي في عباديتهما بعد تعلق النذر بهما كما يكفي فيها قبله.

ولا يخفى ان هذا الاشكال وارد على الوجه الثالث أيضا حرفا بحرف للالتزام فيه بعدم رجحانهما ذاتا لا قبل النذر ولا بعده ، وهذه نقطة الفرق بين الأول والثاني والثالث ، كما ان نقطة الفرق بين الأول والثاني ان رجحانهما ذاتي في الأول سواء تعلق بهما النذر أم لم يتعلق بهما ، ورجحانهما يحدث من جهة تعلق النذر بهما وليس بذاتيهما في الثاني ، وهذا واضح لا غبار عليه.

واما الجواب عن الاشكال الوارد على الوجه الثاني : فان المقصود في الوجه الثاني من صيرورتهما راجحين بتعلق النذر بهما هو كشف دليل صحتهما عن عروض عنوان راجح عليهما لازم لتعلق النذر بهما ، فعباديتهما تكون من هذه الجهة

٤٣٤

لا من جهة صيرورتهما راجحين بالنذر كي يقال ان الوجوب الحادث بالنذر توصلي فمن أين نشأت عباديتهما فيشملهما الدليل الذي يدل على لزوم رجحان في العبادات؟ هذا لو لم نقل بتخصيص عموم دليل اعتبار الرجحان في متعلق النذر بهذا الدليل ، أي انا نحتاج في صحتهما إلى اعتبار الرجحان الذاتي او اعتبار الرجحان الحادث فيهما بسبب النذر ، إذا لم نقل بتخصيص عموم اعتبار الرجحان في المنذور بالدليل الذي يدل على صحة الصوم في السفر بالنذر وعلى صحة الاحرام قبل الميقات به ، واما إذا قلنا بالتخصيص فيمكن ان يقال بكفاية الرجحان الطارئ عليهما من قبل النذر في عباديتهما بعد تعلق النذر باتيانهما عباديا ومتقربا بهما إلى الله تعالى لأن الناذر قال نذرت لله أن أصوم في السفر شكرا أو زجرا. وقال نذرت لله تعالى أن احرم قبل الميقات شكرا أو زجرا فأجاب المصنّف عن الاشكال الوارد على الوجه الثالث بهذا الجواب المذكور.

اما بيان الاشكال فقد مرّ في بيان الاشكال الوارد على الوجه الثاني.

فان قيل : الاتيان بهما قبل النذر على الوجه القربي غير مقدور للناذر لعدم رجحانهما ذاتا فكيف يتعلق النذر بهما حال كونهما غير راجحين ذاتا فلو لم يكونا راجحين ذاتا لما أمكن تعلق النذر بهما لاشتراط الرجحان في متعلقه والمنذور وإذا لم يمكن تعلقه بهما فلا يمكن إتيانهما على وجه القربة وعلى نحو العبادة.

قلنا : القدرة المعتبرة عقلا على المنذور حين العمل لا حين النذر ، ومن الواضح ان الاتيان بهما على وجه القربة حين العمل بالمنذور ممكن جدا بعد تعلق النذر بهما لعروض عنوان الرجحان عليهما بعده ، وهو يكفي في إتيانهما متقربا إليه تعالى وان لم يمكن اتيانهما كذلك قبل النذر.

والحال انه لا يعتبر في صحة النذر إلا التمكن من الوفاء وان كان التمكن ثابتا بسبب النذر إذ لا فرق في صحة التكليف بين المقدور بلا واسطة كالأفعال المباشرية وبين المقدور بواسطة كالأفعال التوليدية.

٤٣٥

قوله : فتأمّل جيدا ...

وهو اشارة إلى انه لا منافاة بين كون الأمر بالوفاء توصليا وبين امتناع تحقق الصوم المنذور في السفر والاحرام المنذور قبل الميقات إلا مع الاتيان بهما على وجه القربة ، بسبب النذر لله تعالى شأنه ، أو اشارة إلى ان اعتبار قصد القربة وحين العمل بالمنذور مستلزم للدور.

بيانه : ان النذر يتوقف على القدرة باتيان المنذور به حين العمل. والقدرة حين العمل تتوقف على النذر على حسب الفرض. ومن الواضح ان هذا دور.

في دوران الأمر بين التخصيص والتخصّص

قوله : بقي شيء ...

ولا ريب ان الشك تارة ثابت في شمول حكم العام للفرد المشكوك دخوله تحت الخاص مع العلم بكونه مصداقا للعام ، مثلا إذا قال المولى (اكرم العلماء ولا تكرم الفسّاق منهم) فلا نعلم ان زيد العالم عادل أم فاسق ولكن نعلم انه عالم فالأمر دائر حينئذ بين التخصيص وعدمه بالاضافة إلى الفرد المشكوك ، وقد عرفت جواز الرجوع إلى العام لاثبات حكمه للفرد المشتبه مع احراز فرديته له.

واخرى يكون الشك في مصداقيته للعام وعدم مصداقيته له مع العلم بحكم الفرد المشكوك مصداقا وهو خلاف حكم العام ، مثلا إذا قال المولى لعبده (اكرم العلماء) ونعلم ان زيدا لا يجب اكرامه قطعا ، ولكن لا نعلم أنه هل هو عالم قد خرج عن تحت العام بالتخصيص أم هو جاهل خرج عن تحته تخصصا وموضوعا.

وعلي أي تقدير لا يجب اكرامه لخروجه عن تحت العام ، انما البحث في الفرد المشكوك كونه عالما أو جاهلا ، فهل يحكم على الفرد المشكوك كونه عالما أو جاهلا باصالة عدم تخصيص العام وهو (اكرم العلماء) ، انه ليس بعالم بحيث يحكم عليه بسائر ما لغير العام من الأحكام أو لا يحكم عليه بكونه ليس بعالم ، بل يبقى

٤٣٦

الشك على حاله ، فيه اشكال ووجه الاشكال فيه ان مرجع أصالة عدم التخصيص إلى اصالة العموم في العام ومن المعلوم ان العام يدل على ثبوت حكمه لكل واحد من افراده ، ف (اكرم العلماء) يدل على وجوب اكرام زيد العالم واكرام عمرو العالم و ...

وحينئذ فاذا شك في ثبوت حكم العام لفرده كان نفس العام بعمومه رافعا لهذا الشك فيحكم له بحكمه تمسكا بأصالة عدم التخصيص. اما إذا شك في انه فرد ـ وهو زيد مثلا ـ هل هو من افراد العام أو لا فلا يدل عموم العام على نفي ذلك الشك لأن المشكوك خارج عن مدلوله لأن العام وضع للشمول لا لفرد المشكوك كي يكون رافعا بمضمونه للشك فيه ، أي في الفرد المشكوك ؛ فان قيل عكس النقيض من لوازم القضية بحيث يلزم من صدقها صدقه ، إذ يستحيل صدق الملزوم بدون صدق اللازم كما في الأربعة والزوجية لأن الزوجية لازمة للأربعة ويستحيل صدق الأربعة بدون الزوجية وان لم يستحل صدق الزوجية بدون الأربعة كما في الاثنين مثلا.

وعليه ، فاذا كان كل انسان حيوانا كان كل ما ليس بحيوان فهو ليس بانسان وكلاهما صادق ، فقولنا (كل عالم يجب اكرامه) ينعكس بعكس النقيض إلى قولنا (كل من لا يجب اكرامه فهو ليس بعالم) إذ الموجبة الكلية تنعكس بعكس النقيض إلى موجبة كلية ، وإن انعكست بعكس المستوى إلى موجبة جزئية كما برهن هذا في المنطق مفصلا.

فاذا ثبت ان زيدا لا يجب اكرامه وجب الحكم عليه بان زيدا ليس بعالم من جهة اقتضاء عموم عكس القضية وجوب الحكم الكذائي ، وحيث ان الظهور من الامارات فهو حجة في المدلول الالتزامي كما هو حجة في المدلول المطابقي فيكون العام دائما دالا بالالتزام على ان كل ما لا يكون محكوما بحكمه ليس من افراده ومصاديقه ، فعموم اكرام العلماء من الظهور ، والظهور من الامارات ـ فهذا من الامارات ـ والامارات حجة في المدلول الالتزامي كما هي حجة في المدلول المطابقي.

٤٣٧

وفي ضوء هذا فالمدلول المطابقي ل (اكرم العلماء) وجوب اكرام كل عالم ومدلوله الالتزامي عدم وجوب اكرام من ليس بعالم ، وبالجملة فبأصالة عدم التخصيص يحرز الفرد المشتبه انه ليس بعالم.

قلنا : وإن اشتهر في الألسن ان المثبت من الامارات والاصول اللفظية من أصالة العموم وأصالة الحقيقة وأصالة عدم النقل وأصالة عدم الاشتراك وأصالة الاطلاق حجة بمعنى ان الامارات تكون حجة في المدلول الالتزامي وكلها يرجع إلى أصالة الظهور كما سبق (١).

إلا انه ليس ذلك بنحو الكلية ، بل يختلف باختلاف مقدار دلالة دليل الحجية فاذا كان مطلقا كان مقتضيا للحجية على اللازم والمثبت مطلقا ، وإذا كان مهملا اقتصر على المتيقن من دلالته ، وحيث ان حجية أصالة الظهور بناء العقلاء الذي هو من الأدلة اللبية كان اللازم هو الاقتصار على المتيقن من دلالته ولم يثبت بناء العقلاء على حجية الظهور بالاضافة إلى عكس نقيض القضية فلا يحكم بحجية الظهور فيه ، بل يرجع إلى أصالة عدم الحجية للشك في الحجية والأصل عدمها ، فالقدر المتيقن من حجيته بمقتضى السيرة اثبات حكم العام للفرد الذي علم انه من افراد العام لكن كان الشك في تخصيص العام بالاضافة إلى هذا الفرد لا اثبات مشكوك الفردية بانه ليس من افراد العام مع كون حكمه على خلاف حكم العام كي يترتب عليه حكم ضد العام ، والعام هو العلماء ، والضد هو الجهّال.

وعلى طبيعة الحال فزيد ان خرج حكما مع بقائه موضوعا حكم عليه بسائر احكام العام غير وجوب الاكرام كما يشاهد هذا في نحو (اكرم العلماء ولا تكرم زيد العالم) وهو ان خرج موضوعا فبأصالة عدم التخصيص لا يحرز ان زيدا المشكوك كونه عالما أو جاهلا كونه جاهلا كي يترتب عليه حكمه ، أي حكم

__________________

(١) والدليل على حجية أصالة الظهور بناء العقلاء وسيرتهم.

٤٣٨

الجاهل. ولهذا البحث ثمرات في الفقه الشريف أيضا كما لا يخفى.

ومنها طهارة الغسالة وهي مخصصة لعموم كل نجس منجس للملاقى ، فبأصالة عدم التخصيص يحرز عدم فردية الغسالة للعام بناء على مختار التقريرات.

وأما بناء على مختار المصنّف قدس‌سره فلا يحرز عدمها له فلا تغفل عن ان أصالة عدم التخصيص كما تكون حجة إذا كان الشك في مراد المولى فهل هي حجة إذا علم مراد المولى وكان الشك في التخصيص؟ فيه خلاف بين الاعلام فقال صاحب التقريرات بكونها حجّة فيه ، وقال المصنّف قدس‌سره انها ليست بحجة فيه ، كما تقدّم وجهه.

في العمل بالعام قبل الفحص

قوله : هل يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص فيه خلاف ...

اختلف في العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص فقال بعض من الاعلام بعدم الجواز ما دام لم يحصل القطع أو الظن بعد الفحص بعدم المخصص ، وربما نفي الخلاف عن عدم جوازه ، بل ادعى الاجماع على عدم الجواز ، وقال بعض بالجواز. واستدل القائل بعدم الجواز بأمور :

أحدها : عدم حصول الظن بالمراد إلا بعد الفحص عن المخصص ، مثلا إذا قال المولى (اكرم العلماء) فلا علم لنا بالمراد هل هو اكرام جميعهم أو خصوص العدول فحسب.

وثانيها : عدم الدليل على حجية أصالة العموم بالنسبة إلى غير المشافه إلا بعد الفحص عن المخصص.

وثالثها : بالعلم الاجمالي بورود مخصصات كثيرة على الامارات الشرعية ، والعام الموجب لسقوط أصالة العموم عن الحجية وبعد الفحص يخرج العام عن كونه طرفا للعلم المذكور فلا مانع بعد الفحص عن اجراء أصالة العموم في العام.

إذا علم هذا فلا بد من تحرير محل النزاع على نحو يظهر منه الجواب عن هذه

٤٣٩

الادلة التي اقيمت لعدم جواز العمل بالعام قبل الفحص ، ويظهر منه المدعى فيقال :

هل أصالة العموم حجة في الجملة ببناء العقلاء وسيرتهم ، أي بعد الفحص عن المخصص وبعد اليأس عنه حجة أم حجة متبعة مطلقا وان كانت قبل الفحص فلا خلاف بينهم في أصل حجّيتها في الجملة ، أي بعد الفحص واليأس منه ، اما هذه الاستدلالات فخارجة عن محل الكلام والنزاع فان المدعى لوجوب الفحص عنه يدعيه بعد البناء على ان أصالة العموم حجة من باب الظن النوعي لا الشخصي ، وانها حجة في حق المشافهين وغيرهم ، وان العام ليس من أطراف العلم الاجمالي.

ومن الواضح ان هذه الدعاوى لا ثبتها الأدلة المذكورة لأن المقصود من وجوب الفحص عن المخصص وعدم وجوبه يكون بعد الفراغ عن حجية اصالة العموم في الجملة ، أي بعد الفحص عنه من باب الظن النوعي للمشافه وغيره ما لم يعلم بتخصيصه تفصيلا ، ولم يكن العام من أطراف ما علم تخصيصه اجمالا فبعد هذه الامور الثلاثة المذكورة يقع البحث في أن أصالة العموم متبعة مطلقا حتى لا يجب الفحص ، أو متبعة بعد الفحص كي يجب الفحص ، قال المشهور بالثاني ، ولهذا حكموا بوجوبه وقال بعض بالأول ولا يحكم بوجوبه.

وفي ضوء هذا فلا مجال لغير واحد من الأدلة التي استدل بها على عدم جواز الاستدلال والتمسك بالعام لاثبات حكمه للفرد المشتبه أو للافراد المشكوكة خروجا قبل الفحص واليأس عن المخصص.

قال المصنّف قدس‌سره التحقيق في المقام هو التفصيل بين العمومات التي تكون في معرض التخصيص كعمومات الكتاب الكريم والسنة الشريفة (١) ، وبين العمومات

__________________

(١) حتى قيل انه لم يوجد عام في الكتاب الكريم والسنة الشريفة إلا وقد ورد عليه تخصيص منفصل عنه فإذن يكون للعمومات الواردة فيهما ظهور تصديقي كاشف عن المراد قبل الفحص عن مخصصاتها.

٤٤٠