البداية في توضيح الكفاية - ج ٢

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٢

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-4-2
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٥٦٨

الحدوث في مورد تعدد الشرط للزم ارتكاب احد التصرفات السابقة.

وامّا لو بنينا على عدم التداخل وعلى تعدد الوضوء فلا يكون خلاف الظاهر اصلا في المقام الّا تقييد الوضوء بوضوء آخر في الجملة الثانية ، إذ أن هذا التقييد لازم لظهور الجملة في حدوث الجزاء عند وجود الشرط ، وبعد اللّتيا والتي فالتحقيق ان مقتضى ظاهرها عدم تداخل المسببات ، وتعدد الجزاء على حسب تعدد الشرط فلا بد حينئذ من تعدد الامتثال وهذا واضح لا سترة عليه.

قوله : وقد انقدح مما ذكرناه ان المجدى للقول بالتداخل ...

وقد ظهر مما ذكرناه من ظهور الجملة الشرطية في الحدوث عند الحدوث وضعا سواء كان الشرط سببا مستقلا للحدوث أم كان كاشف عن سبب الحدوث عدم ابتناء المسألة ، أى مسألة التداخل وعدمه ، على كون الاسباب الشرعية معرفات أو مؤثرات ، بان يقال هي معرفات وعلامات إذا قلنا بتداخل المسببات ، إذ يجوز أن تكون للشيء الواحد معرفات عديدة وعلامات متعددة ، كالانسان مثلا ، لانه قد يعرّف بالحيوان الناطق ، وقد يعرّف بالحيوان الضاحك ، وقد يعرّف بالناطق وحده ، وقد يعرّف بالضاحك وحده. فكذا ما نحن فيه ، إذ قد يكون المعرّف للتقصير هو السفر وقد يكون خفاء الأذان ، وقد يكون خفاء الجدران ، وكذا للانسان علامات كاعضائه المميّزة بين مصاديقه ، وكذا الوان واشكال مصاديقه وافراده ، فكذا المقام ، إذ للجزاء علامات وهي خفاءان مذكوران كاشفان عن حد الترخص شرعا. فيتفرع القول بالتداخل على كون الاسباب الشرعية معرّفات.

واما إذا قلنا بكونها مؤثرات فلا بدّ من القول بعدم التداخل ، وبتعدد الجزاء عند تعدد الشرط ، إذ لا يجوز توارد المؤثرين المستقلين على أثر واحد كما برهن هذا في الفلسفة ، ولكن قال المصنف قدس‌سره : النافع للقول بالتداخل واحد الوجوه التي ذكرناها سابقا لا مجرد كون الاسباب الشرعية معرفات لا مؤثرات ، وحكى المبنى المذكور عن فخر المحقّقين نجل العلّامة الحلي قدس‌سرهما وبعض من تأخر عنه ، ولا بأس

٣٤١

بنقل كلام الفخر المذكور في هذا المقام.

فيقال : المحكي عنه وبعض من تأخر عنه ابتناء مسألة التداخل وعدمه على كون الاسباب الشرعية معرّفات أو مؤثرات. فعلى الاول لا بد من القول بالتداخل ، لامكان ان تكون الامور المتعددة حاكية عن أمر واحد ، وعلى الثاني لا بد من القول بعدم التداخل ، إذ مقتضى سببية كل واحد من الامور المتعددة ان يكون لكل منها مسبب ، ولو كان لها مسبب واحد للزم اجتماع العلل المتعددة على المعلول الواحد ، وهو محال. ومع احتمال وحدة السبب الحقيقي المحكي بتلك الاسباب الشرعية لا وجه للحكم بتعدد المسبب.

وحاصل ما ذكره المصنف قدس‌سره أمران :

احدهما : راجع إلى المناقشة في الابتناء ، إذا البناء على كون الاسباب الشرعية معرفات لا يقتضى القول بالتداخل لجواز ان تكون الاسباب الشرعية المتعددة حاكية عن اسباب حقيقية متعددة.

وفي ضوء هذا ، اذا كان ظاهر الشرطية تعدد المسبب بتعدد السبب فقد دلّت الجملة على تعدد السبب الحقيقي.

وثانيهما : راجع إلى فساد المبنى. إذ كون الاسباب الشرعية معرفات لا غير ، أو مؤثرات لا غير ، لا وجه له بل هي على نوعين : مؤثرات ومعرّفات. وما اشتهر من ان الاسباب الشرعية معرفات لا اصل له ، إذ لا نعني من السبب المؤثر الّا الشيء الذي لو لم يوجد لما وجد الحكم ، كما إذا لم يوجد الخفاءان لم يوجد وجوب التقصير ، وهذا المعنى صادق على كثير من الاسباب الشرعية. كما ان هذا المعنى قد لا يصدق على كثير من الاسباب غير الشرعية فتكون معرّفات لا غير. ولا يخفى ان المراد من الاسباب غير الشرعية هو الاسباب العرفية. هذا مضافا إلى ان حال الاسباب الشرعية كحال الاسباب العرفية في كونها معرّفات تارة ومؤثرات أخرى. لان الشرط لحكم الجزاء ، وهو مجعول شرعا في الجملة الشرطية ، ربما يكون

٣٤٢

مؤثرا مستقلا في ترتب حكم الجزاء ، بحيث لو لم يكن الشرط محققا لما وجدت للحكم الشرعي في الجزاء علة اخرى سوى الشرط في القضية ، نحو (إذا زالت الشمس فصلّ) ولا ريب أن الزوال علة لوجوب الصلاة ، ونحو (إذا سافرت فقصّر) ونحو (إذا شككت بين الثلاث والاربع فابن على الاكثر) ، هذا في الفريضة ... وربما يكون الشرط الشرعي معرفا وكاشفا عن السبب التام ، نحو (إذا خفي الاذان فقصّر) ، و (إذا خفيت الجدران فقصّر) إذ هما معرفان للبعد الخاص عن محل السكنى كاشفان عنه و ... وكذا (إذا زاد الظل بعد نقصه فصلّ) إذ زياد الظلّ كاشف عن الزوال ومعرّف له.

وكذا الاسباب العرفية ربّما تكون مؤثرة نحو (إذا غضب الامير فاحذره) إذ غضبه سبب مؤثر مستقل للحذر عنه. نحو (إذا طلعت الشمس وجد النهار) إذ طلوع الشمس علة لوجود النهار. ونحو (إذا وجد الدخان فقد احترق الحطب).

وربما تكون معرّفة نحو (إذا لبس الأمير الثوب الاصفر فاجتنبه) إذ لبس الاصفر علامة غضبه وقهره ، ونحو (إذا كان العالم مضيئا فالشمس طالعة) إذ ضياء العالم علامة الطلوع ومعرّف له وليس معلولا له ، لانه معلول وجود النهار إذ يقال (كلما كانت الشمس طالعة كان النهار موجودا) ، و (كلما كان النهار موجودا كان العالم مضيئا) لكن كان ظاهر تعليق الجزاء على الشرط ان للشرط دخلا وتأثيرا في الحكم الشرعي وفي الحكم العرفي ، إذ ادوات الشرط وضعت لسببية الاول للثاني ، فلا يتم قول فخر المحققين ومن تبعه ، إذا علم ان الاسباب سواء كانت شرعيه أم كانت عرفية على نحوين لا على نحو واحد ، نعم لو كان المراد بالمعرفية في الاسباب الشرعية انها ليست بدواعي الاحكام الشرعية ولا عللها ، لان الداعي ما يكون موجبا لترجح الوجود على العدم ، وذلك في الواجبات الالهية والمستحبات الشرعية أو موجبا لترجح العدم على الوجود ، وهذا في المحرمات الشرعية والمكروهات. والداعي لها عند العدلية المصالح والمفاسد اللتان تحكي عنهما

٣٤٣

الاسباب الشرعية الواقعة في حيز أداة الشرط ، أو في حيز غيرها.

فالبول والنوم الواقعان في حيزها في لسان الدليل حاكيان عن المصالح الواقعية وان كان للاسباب الشرعية دخل في تحقق موضوعات الاحكام الشرعية ، مثلا إذا يقال : (إذا بلت فتوضأ) فيستفاد منه ان حدث البول وان لم يكن علة لوجوب الوضوء ولكن يتحقق به موضوع الوجوب ، إذ يقال حينئذ البول موجب للوضوء ، وكذا سائر الموارد ، بخلاف الاسباب العرفية فانها مؤثرات دائما لا معرفات وعلامات ، فلهذه الدعوى وجه لصحة دعوى كون جميع الاسباب الشرعية ليست من قبيل المصالح والمفاسد بل هي حاكية عنهما معرّفة للاحكام. وهذا لا ينافي كونها معرفات تارة ومؤثرات أخرى ، لان المراد من كونها مؤثرات في الاحكام انها مؤثرات في المصالح والمفاسد اللتين هما مؤثرتان في الاحكام.

والمراد من كونها معرفات انها غير دخيلة في المصالح والمفاسد فتحكي عما هو دخيل في الاحكام الشرعية فلا تنافي في البين ، إذ يقال الاسباب الشرعية معرفات للاحكام ومؤثرات في المصالح والمفاسد ، وهو واضح لتعدد الاضافة ، إذ الاول مضاف إلى الاحكام والثاني إلى المصالح والمفاسد ، غاية الأمر أن الاولى لامية ، والثانية ظرفية ، أي اضافة اللامية واضافة الظرفية.

ولكن لا ينفع هذا المبنى بحال فخر المحققين ومن تبعه ، إذ كون الاسباب الشرعية معرفات بهذا المعنى لا يستلزم تداخل المسببات بعد ظهور الجملة الشرطية في تعدد المسبب بتعدد الشرط بلا فرق بين أن يكون الشرط نفسه سببا للحكم أو يكون كاشفا عما هو السبب ، إذ تعدد الشرط كاشف عن تعدد السبب الحقيقي المحكي بالشرط.

في التفصيل

قال ابن ادريس الحلي قدس‌سره بالتفصيل بين اتحاد جنس الشرط ، كالبول مرّتين

٣٤٤

أو مرّات ، وبين اختلاف جنس الشروط ، كالبول والنوم والجنابة. ففي الاول قال بالتداخل ، وفي الثاني بعدمه.

أما وجه ذلك ، فان الشرط طبيعة البول في الاول وبتعدد فردها لا يتعدد المشروط والجزاء ، إذ وحدة الطبيعة محفوظة سواء وجد فردان منها أم وجد افراد منها ، إذ لا تتعدد الطبيعة بتعدد الافراد ، فاذا كانت واحدة كان الشرط واحدا ، فاذا كان واحدا كان المسبب واحدا وهذا معنى التداخل.

واما إذا كان جنس الشرط مختلفا فمقتضى ظاهر الجملة الشرطية كون الشرط طبيعتين أو طبائع ، فاذا كان الشرط متعددا كان المسبب متعددا قهرا ، وهذا معنى عدم التداخل.

في جواب المصنف عنه

قال المصنف قدس‌سره توهم الحلي قدس‌سره عدم صحة تعلق حكم الجزاء في الثاني بعموم اللفظ ، أي لفظ الشرط ، لانه مشتق من النوم المصدري ، وهو اسم جنس يصدق على القليل والكثير ، وعلى مرة ومرتين ومرات ، فلا يدل على العموم والاستيعاب ، فلا يعلق الحكم بالنسبة إلى كل فرد من افراد لفظ الشرط ، وبالاضافة إلى كل مصداق من مصاديق مادة الشرط وهي (ن وم) حتى يثبت الجزاء بالنسبة إلى كل فرد من افراد الشرط ، فمع تعدد افراد شرط واحد ، لم يوجد الّا سبب واحد ، إذ كلها سبب واحد ، فيكون المسبب واحدا فلا موضوع للتداخل هنا. بخلاف الاول فلكون كل من البول والنوم سببا مستقلا لحكم الجزاء يقتضي جزاء على حدة فلا وجه لتداخلهما ، وهذا التوهم فاسد ، فان مقتضى اطلاق الشرط في مثل (إذا بلت فتوضأ) هو حدوث الوجوب للوضوء عند كل مرة إذا بال المكلف مرتين أو مرات على طبق الشرطين المختلفين جنسا ، كالنوم والبول ، وان لم يكن الأمر كذلك فيقال يجب في الشروط المختلفة ، كالنوم والبول والجنابة مثلا ، ان يرجع إلى قدر جامع

٣٤٥

بينها يكون هو الشرط والمؤثر واقعا ، فلا بد من القول بالتداخل لاستحالة صدور الواحد عن المتعدد ، بل يصدر الواحد عن الواحد ، كما تقدم وجهه. فاذا قال الحلي بالتداخل فليقل في موضعين ، وإذا قال بعدمه فليقل به فيهما ، فلا يصح التفكيك بينهما.

وهذا البحث العريض ثابت فيما إذا كان موضوع الحكم في الجزاء قابلا للتكرار والتعدد ، كالوضوء والغسل والتيمم مثلا ، واما ما لا يكون قابلا للتعدد فلا بد من القول بتداخل الاسباب بان تكون الاسباب المتعددة سببا واحدا لئلا يلزم اجتماع العلل المتعددة على المعلول الواحد ، ومن رجوعها إلى السبب الواحد بمعنى كون المؤثر هو الجامع بينها المنطبق على الجميع انطباقا واحدا. هذا مع اقتران الاسباب في الوجود ، كما إذا عقد الوكيلان في زمان واحد على مال واحد أو امرأة واحدة لشخص واحد ، فان الملكية والزوجية تنتزعان من وجود العقد الصادق على الكثير والقليل بنحو واحد ، واما إذا تقدم بعضها على بعض في الوجود فالسابق هو السبب المؤثر ، واللاحق ليس بسبب لئلا يلزم تحصيل الحاصل.

فتداخل الاسباب ثابت في المسبب الذي لا يتأكد ، كالقتل والملكية ، فاذا كان له سببان كالقصاص والارتداد والزنا بمحصنة فلا بد حينئذ من القول بتداخل الاسباب ، بان تكون الاسباب المذكورة سببا واحدا ، والتداخل في المسبب ثابت في المسبب الذي يتأكد ، وامكن التأكد فيه بان يكون كل سبب مؤثرا في مرتبة من وجود المسبب فلا فرق بين اقتران الاسباب وتعددها ، كما إذا مات في البئر بعير ووقع فيها مسكر كالخمر فبناء على مذهب قدماء الاصحاب قدس‌سرهما بتأكد المسبب لامكانه فيه والله تعالى اعلم.

فتحصّل مما ذكر ان في بعض الموارد لا يمكن فيه تأكد المسبب. وفي بعضها يمكن تأكده ، ففي الاول لا بد من تداخل الاسباب ، وفي الثاني لا بد من تداخل المسببات ، ومثالهما قد مرّ.

٣٤٦

في مفهوم الوصف

قوله : فصل الظاهر انه مفهوم للوصف وما بحكمه ...

فهنا اقوال ثلاثة ، قال الشيخ والشهيد وجماعة قدس‌سرهما ان للوصف مفهوما سواء اعتمد على الموصوف أم لم يعتمد عليه ، سواء كان من المشتقات الجارية على الذوات كاسم الفاعل والمفعول وصيغ المبالغة ك (علّام وأكال) مثلا ، والصفة المشبهة واسم الزمان والمكان والآلة ، بل المنسوبات ك (البغدادي) مثلا في نحو (زيد بغدادي) ، فالمراد من الوصف هو المشتقات المذكورة آنفا ، كما ان المراد من ما بحكمه هو المنسوبات المذكورة وكلمة (ذي) في نحو (زيد ذو علم) إذ هما في التقدير بتأويل الوصف فيقال (زيد منسوب إلى بغداد) و (احمد منسوب إلى قم المقدسة) و (حسين منسوب إلى النجف الاشرف) و (زيد صاحب علم). والحال في نحو (اكرم زيدا عادلا) ، أي حال كونه عادلا واجب الاكرام. والامور الانتزاعية كالزوجية والملكية والحرية والرقية وما شاكلها في نحو (زيد زوج) أي مزوج و (هند زوجة) أي متزوّجة ، وفي نحو (كتاب الجواهر ملك علي) اي مملوكه وفي نحو (فريدون رق) ، أي مملوك و ... فبالنتيجة المراد من ما بحكمه كل وصف مقدّر في الكلام.

واستدلوا بوجهين : احدهما : بوضع الوصف للدلالة على العلية المنحصرة التي تستلزم انتفاء الحكم عن غير محل الوصف ، إذ من الواضح انتفاء المعلول عند انتفاء علته ، كانتفاء النهار عند انتفاء الطلوع.

وثانيهما : ان الوصف لو لم يكن له مفهوم لكان ذكره في الكلام لغوا وبلا فائدة ، فلا بد من القول به صونا لكلام الحكيم جلّ وعلا عنه. قال العلامة قدس‌سره ومن تبعه بالتفصيل بين الوصف الذي يكون علة منحصرة للحكم ، نحو السوم في وجوب

٣٤٧

الزكاة في الانعام الثلاثة (الابل والبقر والغنم) ، والوصف الذي لا يكون علة منحصرة للحكم نحو (اكرم أباك العالم) إذ الاب واجب الاكرام وان لم يكن عالما ، ففي الاول قال بالمفهوم ، وفي الثاني بعدمه. ودليل المفصل واضح لا يحتاج إلى البيان.

واختار المصنف قدس‌سره تبعا للمشهور عدم المفهوم للوصف واستدل بوجوه : اولها : عدم ثبوت وضع الوصف للانتفاء عند الانتفاء ، أي لمعنى يستلزم المفهوم وهو معنى العلية المنحصرة للحكم ، أي لم يثبت وضعه للعلية المنحصرة لجواز استعماله في غيرها بلا رعاية علاقة المجاز ، فلو وضع لها للزم رعاية علاقة من العلائق المعهودة ، فاللازم منتف فالملزوم مثله ، اما بيان الملازمة فواضح.

وثانيها : عدم لزوم اللغوية ان لم يكن له مفهوم ، إذ فائدة ذكر الوصف غير منحصرة في المفهوم بل له فوائد ، منها شدة الاهتمام ببيان حكم محل الوصف ، اما لاحتياج السامع إلى بيانه كأن يكون مالكا للسائمة فقط ، واما لدفع توهم عدم تناول الحكم لمحل الوصف كما في مثل قولك : (اياك وظلم اليتيم) أي اجتنب عن ظلمه ، فذكر ظلم اليتيم في الكلام لشدة الاهتمام به فليس من باب الحصر ، فكذا ما نحن فيه ، وكما في قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ)(١) فانه لو لا التصريح بالخشية لتوهم جواز القتل معها ، فكذا صرّح بالوصف لدفع هذا التوهم ، أي توهم عدم الحكم عند الوصف. ومنها ان تكون المصلحة مقتضية لبيان حكم الوصف بالنص والتصريح ، وما سواها بالبحث والفحص. ومنها وقوع السؤال عن محل الوصف دون غيره فيجاب على طبقه. ومنها تقدم بيان حكم غير الوصف على طبق بيان حكم محل الوصف قبلا. فهذه الفوائد مترتبة على ذكر الوصف في الكلام ففائدة ذكر الوصف غير منحصرة في المفهوم.

وثالثها : عدم قرينة عامة أخرى تستلزم المفهوم ، إذ ليس الدليل بموجود

__________________

(١) سورة الاسراء ، آية ١٧.

٣٤٨

عليها الّا انصراف الوصف إلى العلية المنحصرة ، ومنشأ الانصراف إما كثرة استعمال الوصف في العلة المنحصرة للحكم ، إما غلبة وجودها ، وإما اكمليتها ، وكلها ممنوع.

اما الاول فممنوع صغرى لكثرة استعمال الوصف في غير العلة المنحصرة ، كالتوضيح والمدح والذم والتوكيد والترحم ، نحو (جاءني زيد الغني) إذا كان مشتركا بين الغنى والفقر ، ونحو (اعبد الله الرحمن الرحيم) مثال المدح ، ونحو (والعن الشيطان الرجيم) مثال الذم ، ونحو (اضرب زيدا ضربة واحدة) مثال التأكيد ، ونحو (ارحم عبدك المسكين) مثال الترحم.

واما الثانيان فممنوعان صغرى وكبرى ، كما عرفت في بحث الأوامر ومفهوم الشرط. فان قيل الوجه في استفادة المفهوم ظهور التوصيف ، أي توصيف الموضوع بالوصف الكذائي في علية الوصف ، ولذا اشتهر ان تعليق الحكم على وصف يشعر بالعلية ، أي علية مأخذ اشتقاق الوصف نحو (اكرم عالما) أي لعلمه ، هذا مضافا إلى ان الاصل في القيود ان تكون احترازية.

قلنا : مجرد العلية لا تقتضي ثبوت المفهوم لجواز أن تكون للحكم علتان تنوب احداهما مناب الاخرى ، ولكن العلية المنحصرة ، وان كانت مقتضية للمفهوم ، الّا ان التوصيف لا يقتضيها ، نعم قد تقوم قرينة من الخارج عليها ، كالدليل الدال على ان علة وجوب الزكاة في الانعام الثلاثة السوم فقط ، ولكن هذا خارج عن محل البحث إذ هو في اقتضاء نفس التوصيف من حيث هو هو للمفهوم مع قطع النظر عن القرينة.

وعلية الوصف للحكم في المورد الذي استفيدت فيه غير مقتضية للمفهوم إذ الملازمة ثابتة بين العلة ومعلولها في الوجود ، واما في العدم فلا ملازمة بينها وبينه ، إذ يمكن أن يكون الحكم موجودا بواسطة علة أخرى تنوب مناب الاولى ، ومع كون العلية بنحو الانحصار ، وان كانت مقتضية للمفهوم ، إلّا ان هذا المفهوم ليس من مفهوم الوصف وتعليق الحكم به ، بل من جهة علية منحصرة الوصف للحكم ،

٣٤٩

فالوصف لو خلّي وطبعه لا يدل عليه ، فعلية الوصف بنحو الانحصار ، لا بد ان تستفاد من القرينة الخارجية فلا ربط لها فيما نحن فيه ، إذ المقصود فيه دلالة الوصف من حيث هو هو مع قطع النظر عن القرينة الخارجة الدالة على كونه علة منحصرة للحكم على المفهوم ، وعلى الانتفاء عند الانتفاء ، وهذا مما لا اشكال فيه ولا بحث فيه. فلا وجه لجعل كون العلية بنحو الانحصار تفصيلا في محل النزاع وموردا للاشكال على القائل بعدم المفهوم حتى يجيب عنه. فانقدح ردّ تفصيل العلّامة قدس‌سره من هذا البيان كما لا يخفى. إذ استفادة انحصار العلة انما تكون بقرينة خارجة عن التوصيف.

قوله : ولا ينافي ذلك ما قيل ...

قد يتوهم ان ما ذكرناه من انتفاء المفهوم ينافي ما اشتهر من ان الاصل في القيود ان تكون احترازية ، فمعنى كونها احترازية خروج الفاقد للقيد عن الحكم ، وهو عين انتفاء الحكم عن فاقد الوصف ، هذا معنى المفهوم.

وفيه : ان المراد من كونها احترازية خروج الفاقد للوصف عن شخص الحكم ، لا عن سنخه ، فيجوز ان يثبت للفاقد شخص آخر من سنخ الحكم ، ولكن قال المصنف قدس‌سره : والاحترازية لا توجب الّا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية الوصفية ، فهذا التضييق بسبب القيد يكون مثل التضييق بلفظ واحد ، فلا فرق حينئذ بين قولنا (جئني بانسان) وبين قولنا (جئني بحيوان ناطق) فالاوّل من قبيل القضية اللقبية لا مفهوم لها اصلا ، فكذا الثاني الذي يكون من قبيل القضية الوصفية لا مفهوم لها. ففائدة القيد هو التضييق فقط لا انتفاء الحكم عند انتفاء القيد والوصف.

فالمتحصّل مما ذكر : ان الواجب على المكلف في المثالين المذكورين مجيء الانسان إذ الحيوان والناطق يتحدان مصداقا مع الانسان. اما مجيء غيره فهو مسكوت عنه ولا يدلان على نفي المجيء عن غير الانسان كما يقال (زيد عالم) لا يدل على نفي العلم عن عمرو مثلا بل هو مسكوت عنه.

٣٥٠

قوله : كما انه لا يلزم في حمل المطلق على المقيد ...

قد يتوهم ان التقييد بالوصف لو لم يقتض المفهوم لم يكن وجه للجمع بين المطلق والمقيد لعدم التنافي بينهما ، إذ ليس التنافي الّا من جهة الدلالة على المفهوم ومن جهة انتفاء الحكم عن غير مورد القيد ، إذ ينافي ثبوت الحكم لغير مورد القيد بمقتضى دلالة المطلق ، مثلا إذا قال المولى لعبده (اكرم عالما) و (اكرم عالما هاشميا) فالمطلق يدل على الاكتفاء في مقام الامتثال باكرام عالم غير هاشمي. والمقيد يدل على اكرام عالم هاشمي فقط في مقام الامتثال ، فيتنافيان في وجوب اكرام عالم غير هاشمي. وليس التنافي بينهما فيه الا من جهة دلالة المقيد بالوصف على المفهوم ، فيرفع التنافي بحمل المطلق على المقيد ويجمع بينهما جمعا عرفيا ، بان المراد من المطلق هو المقيد. فاثبت الشيخ البهائي قدس‌سره مفهوما للوصف من جهة هذا الحمل المذكور وهذا اجماعي.

فاجاب المصنف قدس‌سره عنه : بان حمل المطلق على المقيد ليس من جهة مفهوم الوصف ، بل يكون من جهة تضييق دائرة موضوع الحكم كسائر القيود الاحترازية ، فاذا تضييق موضوع الحكم بالوصف فموضوع المطلق هو المقيد ، واما غير المقيد فهو مسكوت عنه ، كما ان موضوع وجوب الاكرام مخصوص بالمقيد وهو عالم هاشمي ووجوب اكرام غيره مسكوت عنه ، كما هو مسكوت عنه إذا أمر المولى أوّلا باكرام عالم هاشمي. ومن الواضح ان سكوت الدليل عن حكم غير موضوعه ليس دخيلا في المفهوم ، إذ هو يدل على انتفاء شخص الحكم عن غير موضوعه بسبب انتفاء الموضوع رأسا ، او بسبب انتفاء قيده. والمفهوم هو انتفاء سنخ الحكم عن غير الموضوع ، فانتفاء شخص الحكم بانتفاء موضوعه عقلي لا ربط له بالمفهوم ، كما سبق هذا في مفهوم الشرط.

وفي ضوء هذا التضييق يكون دليل المقيد مبينا للمراد من الموضوع في الدليل المطلق ، هذا مضافا إلى ان التنافي بين المطلق والمقيد لقرينة خارجية دالة

٣٥١

على وحدة الحكم ، فان الحكم الواحد ثبوته للمطلق ينافي ثبوته للمقيد ، ولو لم تكن هذه القرينة من اجماع أو دليل خاص فلا تنافي ولا جمع بينهما ، اذ دليل المقيد ساكت عن غير موضوعه كما ان دليل وجوب اكرام زيد في نحو (اكرم زيدا) ساكت عن عدم وجوب اكرام عمرو مثلا ، كما هو الحال في المستحبات ، كما يأتي ان شاء الله تعالى.

ولذا قال المصنف قدس‌سره : لا يلزم في حمل المطلق على المقيد فيما وجد شرائط للحمل ، منها وحدة الحكم فيهما ، ومنها وحدة الموجب والسبب ، ومنها كونهما مثبتين. وستأتي في بحث المطلق والمقيد ، ان شاء الله تعالى.

بل ربما قيل لا وجه للحمل لو كان بلحاظ المفهوم ، إذ ظهور المقيد في المفهوم ليس باقوى من ظهور المطلق في الاطلاق ، فهو اقوى منه ، لان دلالته عليه بالمنطوق ودلالة المقيد بالمفهوم ، ومن المعلوم ان الدلالة المنطوقية اقوى واظهر من الدلالة المفهومية. فحينئذ لا بد ان يعمل بالمطلق ويحمل المقيد على الاستحباب ، ويقدم المطلق على المفهوم من باب تقديم الاظهر على الظاهر ، وهو المسمى بالجمع العرفي. فوجه حمل المطلق على المقيد ثابت بقرينة خارجية ، كما إذا قام الاجماع أو دليل آخر على ان للشارع المقدس في هذا المورد تكليفا واحدا ، فهما يوجبان التنافي بينهما في غير محل القيد فاذا تحقق فيحمل عليه لكون المقيد اخص من المطلق والاخص اظهر من الاعم لكون دلالته على مصاديقه مطابقة ودلالة المطلق على مصاديق المقيد تضمنا ، ولا ريب في كون الاولى اظهر من الثانية. فلو لم يكن الاجماع أو غيره على وحدة التكليف والمكلف به لما كان التنافي بينهما ، إذ لا منافاة بين وجوب اكرام مطلق العالم وبين وجوب اكرام العالم الهاشمي ، كما لا منافاة بين وجوب عتق مطلق الرقبة وبين وجوب عتق الرقبة المؤمنة ، كما لا يخفى

٣٥٢

في الاستدلال بالآية

واما الاستدلال بالآية الشريفة على عدم دلالة الوصف على المفهوم وهي قوله تعالى (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ)(١) ...

استدل القائل بعدم المفهوم للوصف بهذه الآية الشريفة بانه يلزم عدم حرمة نكاح الربيبة على زوج أمها لو كان للوصف مفهوم ، إذ كلمة ربائبكم موصوف وكلمة الموصول مع صلتها صفة لها فالحرمة معلقة على الوصف فلو قلنا بالمفهوم للزم عدم حرمة نكاحها إذا لم تكن في حجر الزوج وبيته ، وهو خلاف الاجماع ، بل خلاف الضرورة فأجاب المصنف قدس‌سره عنه بوجهين :

الاول : ان استعمال الوصف في غير المفهوم قد يكون بالقرينة الخارجية لكنه اعم من الحقيقة ، وهي اجماع المسلمين يدل على تحريم نكاح الربيبة على زوج امها المدخول ، سواء كانت في الحجر وتحت تربيته أم لم تكن فيه ، وهذا الاستعمال لا ينكر أو يدل دليل خاص على تحريم نكاحها عليه مطلقا ، فهذه القرينة الخارجية تقتضي عدم المفهوم ، لا نفس الوصف من حيث هو هو.

الثاني : مع قطع النظر عن القرينة المذكورة لا يكون للوصف في الآية الشريفة مفهوم ، إذ القائل بدلالة الوصف على المفهوم يشترط ان لا يكون واردا مورد الغالب كما في الآية المباركة ، إذ الغالب كون الربائب في حجور الازواج لكونها مع أمها غالبا ، لكن وجه اعتبار هذا الشرط واضح لعدم دلالة هذا الوصف مع كونه واردا مورد الغالب على اختصاص الحكم والحرمة بمورد الوصف المستلزم للمفهوم ، لفقد شرط الدلالة على الاختصاص وبدون الدلالة المذكورة لا ينبغي ان يتوهم دلالة الوصف على المفهوم ، وعلى طبيعة الحال ليس الوصف في الآية الشريفة المذكورة

__________________

(١) سورة النساء ، آية ٤.

٣٥٣

احترازيا كي يدل على الانتفاء عند الانتفاء ، بل توضيحيا وهو لا يدل عليه عنده وهذا واضح.

قوله : فافهم ...

وهو اشارة إلى ان هذا الوجه الذي ذكر لعدم دلالة الوصف على المفهوم في الآية الشريفة يتم إذا كان في دلالة الوصف على المفهوم لزوم اللغوية ، أي لغوية ذكر ٤١ لوصف في الكلام بدون الدلالة على المفهوم ، ولكن لا يتم هذا إذا كانت دلالته عليه بالوضع ، وما هذا الوجه الّا سدّ باب الوضع ، اللهمّ إلّا ان يقال بالوضع للدلالة على المفهوم في خصوص عدم الغلبة ، ودون اثباته خرط القتاد كما لا يخفى.

فانقدح مما ذكر : ان للشرط مفهوما وليس للوصف مفهوم ، والسرّ في ذلك ان الوصف في القضية يكون قيدا للموضوع أو المتعلق دون الحكم ، فلا يدل على المفهوم اصلا. فان ثبوت الحكم لموضوع خاص لا يدل على نفي الحكم عن غير هذا الموضوع ، لأن ثبوت شيء لشيء لا يدل لا مطابقة ولا تضمنا ولا التزاما على نفي هذا الشيء عن غير ذاك الشيء.

مثلا إذا ثبت وجوب الزكاة للسائمة بالدليل الخاص ، كالنص على نحو القضية الوصفية فهو لا يدل على نفي وجوبها عن المعلوفة ولا فرق في ذلك بين ان يكون الوصف معتمدا على موصوفه نحو (اكرم رجلا عادلا) ام لا يكون معتمدا عليه نحو (اكرم عادلا) لوحدة ملاك عدم الدلالة فيهما وهو ان ثبوت الحكم لموضوع لا يدل على نفيه عن غيره اصلا ، وان الشرط في الجملة الشرطية راجع إلى الحكم دون الموضوع أو المتعلق فلاجل ذلك تدل على انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط نحو (اكرم زيدا ان جاءك) فالشرط قيد لوجوب الاكرام وليس قيدا للاكرام الذي يتعلق به الوجوب ، ولا قيدا لزيد الذي هو موضوع الوجوب. والفرق بين موضوع الحكم ومتعلقه : ان الاول غير مقدور للمكلف. والثاني مقدور له ، كما هو واضح من المثال المذكور. فالموضوعات اعيان والمتعلقات افعال ، كما سبق هذا في

٣٥٤

الجزء الاول.

في بيان النسب بين الموصوف والوصف

قوله : تذنيب لا اشكال في جريان النزاع ...

وليعلم ان الوصف تارة يكون مساويا لموصوفه في الصدق والمصداق نحو (اكرم انسانا ضاحكا) ، وأخرى يكون أعم منه مطلقا نحو (اكرم انسانا ماشيا) وثالثة يكون أخص منه مطلقا نحو (اكرم انسانا عالما) ، ورابعة يكون اعم منه من وجه نحو (في الغنم السائمة زكاة) اما الاول والثاني فلا اشكال في خروجهما عن محل النزاع. والوجه فيه ان الموصوف الذي هو موضوع الحكم لا يبقى بانتفاء الوصف في هاتين الصورتين مع اشتراط اتحاد الموضوع في المنطوق والمفهوم واختلافهما في الحكم ، فلو دل قولنا (إنسان ضاحك أو متعجب) و (إنسان ماش أو حساس) على انتفاء الحكم عن الحيوان أو عن النبات أو الجماد ، لكان من باب مفهوم اللقب الذي هو كلمة (انسان) لا من باب مفهوم الوصف ، ولكن لا اشكال في جريان النزاع فيما إذا كان الوصف اخص مطلقا من الموصوف ، إذ مع انتفاء الوصف يبقى الموصوف والموضوع بحاله ، إذ عدم الاخص لا يستلزم عدم الاعم.

فيقع البحث في دلالة الوصف على انتفاء الحكم بسبب انتفاء هذا الوصف هل يدل عليه أم لا؟ واما إذا كان الوصف اخص من وجه من موصوفه كالغنم والسوم والانسان والابيض ، فلا شبهة في جريان النزاع ايضا إذا كان الافتراق من جانب الموصوف كما في الغنم غير السائمة. ولا يخفى ان المراد من افتراق الموصوف عن الوصف بقائه مع انتفاء الوصف والوجه فيه بقاء الموصوف والموضوع بحاله فياتي البحث السابق.

وكذا لا اشكال في عدم جريان النزاع في مادة الافتراق من جانب الوصف والمراد من افتراق الوصف بقاؤه بحاله مع انتفاء الموصوف كما في البقرة السائمة أو

٣٥٥

الابل السائمة. والوجه في ذلك عدم بقاء الموصوف والموضوع بحاله. فلو دلّ قولنا (في الغنم السائمة زكاة) على عدم وجوب الزكاة في البقرة السائمة ، لكان من باب مفهوم اللقب وهو كلمة الغنم لا من باب مفهوم الوصف وهو السائمة ، وهذا واضح لا غبار عليه كما أن مادة اجتماعهما واضحة ، كما في الغنم السائمة. واما مادة افتراقهما معا ، كالبقرة المعلوفة أو كالابل المعلوفة ، فيظهر من بعض الشافعية جريان النزاع في مادة افتراقهما ، حيث قال : ان قولنا (في الغنم السائمة زكاة) يدل على انتفاء وجوب الزكاة في الابل المعلوفة وهذا القول فاسد جدا لفقد شرط المفهوم وهو اتحاد الموضوع فيهما ، فلو دل عليه لكان من باب مفهوم اللقب كما اشير اليه آنفا.

والوجه في اشتراط اتحاد الموضوع في القضية المنطوقية والمفهومية ان المفهوم نقيض المنطوق ويشترط فيه الاتحاد في الامور التسعة :

١ ـ وحدت الموضوع.

٦ ـ وحدت الاضافة.

٢ ـ وحدت المحمول.

٧ ـ وحدت الجزء والكل.

٣ ـ وحدت المكان.

٨ ـ وحدت القوة والفعل.

٤ ـ وحدت الزمان.

٩ ـ وحدت الحمل كما في المنطق والفلسفة.

٥ ـ وحدت الشرط.

فانتفاء الحكم عن الابل المعلوفة ليس نقيضا لاثبات الحكم في الغنم السائمة ليكون مفهوما للوصف ، بل انتفاء الحكم عن موضوع آخر غير موضوع المنطوق ، وقد عرفت انه لا بد من الاتحاد في الموضوع. قال المصنف قدس‌سره : لعل وجه جريان النزاع في مادة افتراقهما استفادة العلية المنحصرة من الوصف ، يعني يستفاد من التوصيف كون الوصف علة لسنخ الحكم مطلقا ولو بالاضافة إلى غير موصوفه ، لكنه لو تم لم يكن هذا مفهوما اصطلاحا ، وعليه فيجري النزاع فيما كان الوصف مساويا لموصوفه وفيما كان اعم مطلقا منه ايضا ، فيدلان على انتفاء سنخ الحكم عن موصوفهما وعن غير موصوفهما عند انتفاء الوصفين المساوي والاعم مطلقا ، إذ

٣٥٦

مع كون الوصف علة منحصرة للحكم بلا لحاظ قيامه بموضوع خاص يدور الحكم مداره وجودا وعدما ، على هذا الفرض والمبنى ، فاذا وجد الوصف سواء وجد في الغنم أم وجد في غيره ، وهو السوم ، فقد تحقق الحكم ، وإذا لم يوجد فقد انتفى الحكم.

فبالنتيجة : يقع البحث في الوصف المساوي وفي الوصف الاعم مطلقا ، فلا معنى لخروجهما عن مورد النزاع ، إذ كل من قال بالعلية المنحصرة للحكم ، أي علية الوصف ، على نحو الانحصار من دون لحاظ موصوف خاص قال بعدم وجوب اكرام الفرس والشجر مثلا ، في نحو (اكرم انسانا ضاحكا) وفي نحو (اكرم انسانا ماشيا) فالاول مثال المساوي والثاني مثال الاعم مطلقا ، وقال بعدم وجوب الزكاة في الابل المعلوفة في نحو (في الغنم السائمة زكاة) ، وكل من لم يقل بعلية الوصف على النحو المذكور فلم يقل بانتفاء الحكم عن غير الموصوف المذكور في القضية الوصفية. واما انتفائه عنه عند انتفاء الوصف كما في الغنم المعلوفة فهو متفرع على كون الوصف قيدا للحكم كالشرط ، واما إذا كان قيد الموضوع أو المتعلق ، كما هو الحال كذلك فيه فلا يدل عليه عنده. فلا وجه حينئذ للتفصيل بين الوصف المساوي والاعم مطلقا ، وبين الوصف إذا كان اخص من وجه من موصوفه.

بيان تفصيل التقريرات

انه لا وجه للنزاع في الاولين من جهة انتفاء الموضوع بانتفاء الوصفين المذكورين المساوي والاعم مطلقا ، كما سبق وجه هذا. وانه استظهر جريان النزاع في الثالث في مورد افتراق الموصوف والوصف كليهما عن بعض الشافعية ، كما في الابل المعلوفة. فالمتحصّل مما ذكر انه إذا ثبت كون الوصف علة منحصرة للحكم اما من ظهور لفظه فيها ، واما من الدليل الآخر. فالاقسام الثلاثة ـ وهي الوصف المساوي والاعم مطلقا والاعم من وجه مع موصوفاتها ـ داخلة في محل النزاع.

٣٥٧

فالقائل بالمفهوم يقول بان الوصف علة تامة منحصرة من دون لحاظ موضوع خاص وموصوف معيّن ، والمنكر للمفهوم لا يقول بهذه المقالة. بل يقول ان الوصف قيد للموضوع في نحو (في الغنم السائمة زكاة) إذ السوم قيد للغنم ، وهو موضوع وجوب الزكاة ودفعها إلى المستحق متعلق الوجوب ، فثبوت الحكم لموضوع خاص لا يدل على نفي الحكم عن غير هذا الموضوع بل هو بالاضافة إلى غيره ساكت فهو مسكوت عنه ، إذ اثبات شيء لشيء لا يدل على نفيه عما عداه.

قوله : فتأمّل جيدا ...

وهو تدقيقي بقرينة كلمة الجيد أي دقّق في كلام المصنف انه ناقص ويحتمل ان يكون اشارة إلى انه إذا لاحظنا الوصف من حيث هو هو فالاقسام الثلاثة خارجة عن مورد النزاع لاشتراكها في انتفاء الموضوع بانتفاء الوصف ، اما المساوي والاعم مطلقا فظاهران ، إذ بانتفاء الضاحك والماشي ينتفي الانسان ، واما الاخص من وجه فظاهر ايضا لفرض افتراق الموصوف والوصف معا عن الآخر ، وهذا واضح.

٣٥٨

في مفهوم الغاية

قوله : فصل هل الغاية في القضية تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية؟ ...

الفصل في اللغة بمعنى قطع الشيء عن الشيء ، وفي الاصطلاح بمعنى كونه حاجزا واقعا بين الامرين المختلفين ، إذ قبله بحث مفهوم الوصف ، وبعده بحث مفهوم الغاية ، وهما مختلفان موضوعا ، وهو حاجز بينهما لاشتماله على ثلاثة احرف وهي (فاء ، وصاد ولام) ، وقبل افتتاح البحث لا بد من تحقيق مفهوم لفظ الغاية وهو لثلاثة معان :

الاول : بمعنى المسافة كما يقال ان (من) لابتداء الغاية و (إلى) لانتهاء الغاية.

الثاني : بمعنى الغرض.

الثالث : بمعنى النهاية. والمراد هو الثالث.

فاذا تمهد هذا فيقع البحث في مقامين :

الاول : ان الغاية هل هي داخلة في المغيّى أو خارجة عنه ، مثلا إذا قال المولى لعبده (صم من الخميس إلى الجمعة) فهل يجب صوم الجمعة ام لا؟ فان قلنا بدخول الغاية في المغيّى فيجب صومها. وان قلنا انها خارجة عنه فلا يجب صومها.

الثاني : ان الغاية هل تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية بناء على دخولها في المغيّى أو تدل على ارتفاعه عن الغاية وعن بعدها بناء على خروج الغاية عن المغيّى أو لا فيه خلاف وقد نسب إلى المشهور دلالتها على ارتفاع الحكم عن الغاية بناء على دخولها في المغيّى أو عنها وبعدها بناء على خروجها عنه. وإلى جماعة منهم السيد والشيخ قدس‌سرهما عدم دلالتها على الارتفاع المذكور وينبغى التنبيه على أمرين :

٣٥٩

الاول : ان السيد والشيخ إذا ذكرا مطلقين في اصول الفقه والفقه الشريف فالمراد هو السيد المرتضى والشيخ الطوسي قدس‌سرهم.

كما ان الشيخ إذا ذكر مطلقا في الصرف والنحو فالمراد هو الشيخ ابن الحاجب ، وإذا ذكر مطلقا في الرياضي فالمراد منه الشيخ البهائي قدس‌سره ، وإذا ذكر مطلقا في المنطق والفلسفة فالمراد منه الشيخ أبو علي ابن سينا قدس‌سره ، وإذا ذكر مطلقا في علم الحديث فالمراد منه الشيخ الصدوق قدس‌سره ، وإذا ذكر مطلقا في علم الرجال فالمراد منه الشيخ النجاشي قدس‌سره ، وإذا ذكر مطلقا في علم المعاني والبيان فالمراد الشيخ عبد القادر الجرجاني.

الثاني : في توضيح المغيّى والغاية وبعد الغاية ، مثلا إذا قيل (صوموا من السبت إلى الاثنين) فصوم يوم السبت يكون مغيّا ويوم الاثنين غاية ويوم الثلاثاء بعد الغاية ، واختار المصنف قدس‌سره التفصيل في المقام فقال : الغاية ان كانت بحسب القواعد العربية وبحسب فهم اهل العرف وارتكازهم وكذا بحسب القرينة الخاصة قيدا للحكم كما في قول المعصوم عليه‌السلام : «كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام» و «كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر» ، فتدل على ارتفاع الحكم عند حصول الغاية ، إذ ظهور الكلام في كون الغاية في الروايتين الشريفتين قيدا للحكم ، أي للحل والطهارة ، بحسب فهم العرف وارتكازهم ، مما لا اشكال فيه لاتصالهما بها وانفصال الموضوع ، وهو كلمة الشيء عنها ، هذا مع ان ارجاع الغاية إلى الموضوع يحتاج إلى تقدير المتعلق ليكون وصفا للموضوع ، وهو خلاف القواعد.

فلو قدر المتعلق لكان التقدير : كل شيء مستعمل فيما يشترط فيه الحلية والطهارة وارتفاع الحكم عند حصول الغاية للتبادر ، أي لتبادر انتهاء الحكم والحلية والطهارة عند حصول العرفان بالحرمة وعند حصول العلم بالقذارة ، وإلّا يلزم ان لا يكون ما جعل غاية للحكم غاية له ، بل هي شيء آخر ، وهذا خلف ، وهو واضح إلى النهاية ، بحيث لا يحتاج إلى مزيد توضيح كما لا يخفى.

٣٦٠