البداية في توضيح الكفاية - ج ٢

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٢

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-4-2
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٥٦٨

«وقع الخلاف بين الاعلام في ان الجملة الشرطية هل تدل على انتفاء حكم الجزاء عند انتفاء الشرط أم لا؟ ذهب الى كل فريق» عند ثبوت استعمال الشرطية في الثبوت عند الثبوت ، اي ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط. ولكن استعملت في موارد كثيرة :

تارة في الانتفاء عند الانتفاء كما في الثبوت عند الثبوت نحو (ان افطرت صومك عامدا عالما فاعتق رقبة مؤمنة ، أو فصم شهرين متتابعين ، أو فاطعم ستين مسكينا) فلو كان الافطار عمديا لكان وجوب العتق أو الصيام أو الاطعام ثابتا وإلّا فلا.

وأخرى في عدم الانتفاء عند الثبوت وعند الانتفاء نحو قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ)(١) مع انها لا تنفد مع وجود الشرط ومع عدم وجوده ، كما استقصى الشيخ الحر العاملي قدس‌سره في الفوائد الطوسية مائة مورد من الآيات القرآنية كلها لا يستعمل في الثبوت عند الثبوت وعند الانتفاء كالآية المذكورة.

فاذا استعملت في الانتفاء عند الانتفاء ، فهل تدل عليه بالوضع أو بالقرينة العامة ومقدمات الحكمة؟ فيه خلاف ، كما سيأتي تفصيله. فذهب قوم الى الاول ، والآخر الى الثاني.

وعلى اي تقدير ، فاذا استعملت فيه فلا بد من حملها عليه ما دام لم تقم قرينة حالية او مقالية على خلاف الانتفاء عند الانتفاء ، لان أدوات الشرط وضعت لسببية الاول للثاني ، اي لسببية الشرط للجزاء ، ولعليته له. فالجملة الشرطية ظاهرة في علية الاول للثاني ، فيترتب الثاني على الاول وجودا وعدما على نحو ترتب المعلول على علته. فهذا الامر لا خلاف فيه بين الاعلام وانما الخلاف في ان الترتب

__________________

(١) سورة لقمان آية ٢٧.

٣٠١

المذكور مستند الى الوضع أو القرينة العامة؟ فلا بد حينئذ للقائل بالدلالة وبالمفهوم بأحد الوجهين من اقامة الدليل على كون الشرط علة للجزاء المستلزم لترتب الجزاء على الشرط على نحو ترتب المعلول على علته المنحصرة.

اعلم ان ترتب المعلول وجودا وعدما على العلة المنحصرة متقوم بأمور :

الاول : اللزوم بينهما بان تكون بينهما علاقة بان يكون الجزاء مترتبا على الشرط ومسببا عنه بحيث كما تحقق الشرط في الخارج تحقق الجزاء فيه ، كطلوع الشمس ووجود النهار.

فالعقل يقول بامتناع تحقق الشرط بدون تحقق الجزاء ، ولا يجوز عقلا ان يوجد الشرط ولا يوجد معه الجزاء ، فلا يجوز ان توجد النار في الخارج ولا توجد معها الحرارة ، وكذا المثال المذكور.

الثاني : الترتب بينهما بالعلية ، بان يكون الشرط سابقا مقدما والجزاء لاحقا مؤخرا.

الثالث : كون الترتب بالعلية ، بأن يكون علة تامة للجزاء ، ولا يكون الترتب بالطبع كترتب الشرط والمشروط ، اذ الشرط علة ناقصة ، اذ ربما يوجد الشرط ولا يوجد المشروط ، كما في الوضوء والصلاة مثلا ، ولكن اذا وجد المشروط فلا بد من وجود الشرط ، فوجود المشروط يتوقف على وجود الشرط ، ولا يتوقف وجود الشرط على وجود المشروط ، وكذا الامر في الجزء والكل ، كالواحد والاثنين.

فالفرق بين التقدم بالعلية وبالطبع : ان التوقف في الاول ثابت بين المقدم والمؤخر ، اي يتوقف تحقق العلة على تحقق المعلول ويتوقف تحقق المعلول في الخارج على توقف العلة فيه ، كتوقف تحقق طلوع الشمس على تحقق النهار ، وكتوقفه عليه. وان التوقف في الثاني غير ثابت بين المقدم والمؤخر ، نحو تحقق الاثنين على الواحد. ولا يتوقف تحقق الواحد في الخارج على تحقق الاثنين فيه ، المشروط والشرط ، فالتقدم للشرط على المشروط والجزء على الكل طبعي. واما

٣٠٢

تقدم العلة على المعلول فذاتي. واما الفرق بينهما فقد فصل آنفا.

الرابع : ان تكون العلة منحصرة اذ بحيث لا تكون للجزاء علة أخرى غير وجود الشرط ، كعلية المجيء للاكرام والطلوع لوجود النهار ، وأما القائل بعدم الدلالة ، اي عدم دلالة الجملة الشرطية على انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط ، فهو في فسحة ووسع وراحة ولا يحتاج الى اثبات هذه الامور الاربعة المذكورة. فيجوز له المنع على لزوم الشرط للجزاء بحيث يكون الشرط سببا للجزاء وهو مسبب عنه.

بل تدل على مجرد ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط في الواقع والخارج ، ولو كان ثبوته عند ثبوته اتفاقيا ، نحو (ان كان الانسان ناطقا فالحمار ناهق) فهذه الجملة تدل على ثبوت النهق للحمار عند ثبوت النطق للانسان ، وكان هذا اتفاقيا ، من دون ان يكون النطق سببا للنهق ، ومن دون ان يكون هو مسببا عنه ، فلا تدل على الانتفاء عند الانتفاء ، وهو واضح لا يحتاج الى تجشم الاستدلال واقامة البرهان فلا يكون لهذا مفهوم أصلا.

او منع دلالة الجملة الشرطية على الترتب بعد تسليم اللزوم والعلاقة بين الشرط والجزاء بان لا يكون الشرط مقدما والجزاء مؤخرا ، بل يكونان في عرض واحد ، كأن يكونا معلولين لعلة واحدة ، نحو (اذا كان الخمر حراما كان بيعه باطلا) فلا يلزم من انتفاء الحرمة انتفاء البطلان ، اذ لا يكون البطلان معلول الحرمة كي يلزم من انتفائها عند الضرورة والتداوي انتفاء البطلان ، بل هما معلولان لوصف الإسكار ، فلا تدل هذه على المفهوم.

أو منع دلالتها على نحو ترتب المعلول على العلة بعد تسليم اللزوم والعلاقة من حيث الوجود والعدم ، اي اذا وجد الشرط وجد الجزاء وإلّا فلا. وبعد تسلم اصل الترتب بان يكون الشرط سابقا مقدما من حيث الوجود الخارجي ، والجزاء لاحقا مؤخرا من حيث الوجود ولكن لا يكون الشرط سببا وعلة للجزاء ، وليس هو المعلول ومسببه حتى يلزم من انتفاء الشرط انتفاء الجزاء ، نحو (ان كان النهار

٣٠٣

موجودا فالعالم مضيء) ولا يخفى ان بين وجود النهار وضياء العالم لزوما وعلاقة بحيث يمتنع في نظر العقل ان يوجد النهار ولا يوجد ضياء العالم اذ الشرط علّة للجزاء ، ويستحيل انفكاك المعلول عن علّته.

وترتبا من حيث الوجود بان يكون وجود النهار سابقا مقدما وضياء العالم لاحقا مؤخرا ، ولكن ليس وجوده علة وسببا لوجوده ، اي اذا لم يكن النهار موجودا فيمكن ان يكون العالم مضيئا من نور القمر ، ولكن بشرط عدم وجود الغيم في السماء ، فلا يدل على الانتفاء عند الانتفاء ، فليس لهذا مفهوم أصلا ، كما لا يخفى.

او منع دلالة الجملة الشرطية على كون ترتب الجزاء على الشرط بنحو العلة المنحصرة بعد تسليم اللزوم والعلاقة والترتب والعلية كلها ، ولكن ليس الشرط علة منحصرة للجزاء بحيث لا تكون له علة أخرى وسبب آخر ، بل له علة أخرى تقوم مقامها ، فاذا انتفت العلة الاولى فلا ينتفي الجزاء لقيام العلة الاخرى مقامها ، نحو (ان كان هذا الشيء انسانا كان حيوانا) فبين كون الشيء انسانا وبين كون الشيء حيوانا لزوم وعلاقة وترتب عقلي لا حسي. كما ان الترتب الحسي ثابت بين الامام والمأموم ، اذ كون الشيء انسانا علة لكون الشيء حيوانا ، ولكن ليس علة منحصرة ، لان كون الشيء ناطقا وضاحكا علة أخرى لكونه حيوانا ، فلا تدل هذه القضية على الانتفاء ، فليس لها مفهوم.

فانقدح ان القائل بعدم المفهوم في وسع لانه إما أن ينكر القوام الاول وهو اللزوم ، وإما أن ينكر القوام الثاني وهو الترتب ، وإما أن ينكر القوام الثالث وهو العلية ، وإما أن ينكر القوام الرابع وهو العلة المنحصرة.

واما القائل بالمفهوم فلا بد له من اثبات الامور الاربعة المذكورة ، اذ قوام المفهوم بجميعها كلا.

٣٠٤

تتمة :

الترتب على نحوين :

احدهما : حسي كما بين الامام والمأموم.

وثانيهما : عقلي كما بين النوع والجنس (كالانسان والحيوان ، والحيوان والجسم النامي ، والجسم النامي والجسم المطلق ، والجسم المطلق والجوهر) فكل جملة شرطية عند القائل بعدم دلالتها على الانتفاء عند الانتفاء اتفاقية ، ولا تكون لزومية متصلة أصلا ، وهذا واضح.

قال المصنف قدس‌سره : لكن منع دلالتها على اللزوم والعلاقة وعلية الشرط للجزاء ، ودعوى كونها اتفاقية لا لزومية في غاية السقوط ، لتبادر اللزوم من الجملة الشرطية قطعا ، مثلا : اذا قال المولى (ان جاءك زيد فاكرمه) يتبادر منه اللزوم بين المجيء وبين الاكرام وجودا وعدما ، وكذا سائر الموارد ، فانكار اللزوم ودعوى كونها متصلة اتفاقية لا متصلة لزومية غير مسموعين في قبال التبادر الكاشف إنّيّا عن الوضع.

واما المنع من ان اللزوم بين الشرط والجزاء وجودا وعدما ليس لاجل كون الشرط علة للجزاء ، فضلا عن كونه علة منحصرة له ، فله مجال واسع اذ لم تثبت دلالتها على كون الشرط علة للجزاء فضلا عن دلالتها على الانحصار ، نحو (المسافر اذا قصّر صلاته فقد افطر صومه) فالتقصير ليس علة للافطار بل هما حكمان متلازمان للمسافر الشرعي ، فالغرض : من انكر المفهوم لها فينبغي ان ينكر الامر الثالث من الامور الاربعة وهو ترتب الجزاء على الشرط على نحو العلية ، اي لا يكون الترتب المذكور بالعلية ، ولا ينبغي ان ينكر اللزوم واصل الترتب اذ هما مسلّمان لا يقبلان الانكار فيها.

وفي ضوء هذا فليس للقائل بالمفهوم دعوى تبادر اللزوم والترتب على نحو الترتب على العلة المنحصرة اذ استعمالها في الترتب على العلة غير المنحصرة يكون

٣٠٥

مثل استعمالها في العلة المنحصرة ، بلا عناية ومجاز وبلا رعاية ، علاقة من العلائق المصحّحة للتجوز.

نعم استعملت الجملة الشرطية في اللزوم والترتب على نحو الترتب على العلة المنحصرة نحو (كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود) اذ الطلوع علة منحصرة لوجود النهار. وعلى نحو اللزوم والترتب على العلة غير المنحصرة نحو (كلما كان هذا الشيء انسانا كان حيوانا) فيكون اللزوم والترتب بين الشرط ، وهو كون الشيء انسانا وبين الجزاء ، وهو كون الشيء حيوانا ، ولكن الترتب على العلة غير المنحصرة اذ كون الشيء فرسا علة أيضا لكونه حيوانا ، وعلى نحو اللزوم الاتفاقي والترتب الاتفاقي نحو (كلما كان الانسان ناطقا كان الحمار ناهقا) فاستعمالها في الامور المذكورة على نهج واحد ، فلو ثبت التبادر على العلة المنحصرة لاقتضى ان يكون استعمالها في مطلق اللزوم مجازا ، وهو يحتاج الى لحاظ العلاقة ، مع انه ليس كذلك ، فاذن نستكشف عدم تبادر للزوم والترتب على نحو العلة المنحصرة ، بل نستكشف من موارد استعمالها ، ومن مظانه في الكتاب الكريم والسنة الشريفة والمحاورات ، انها وضعت لمطلق اللزوم بين الشرط والجزاء.

ففي بعض الموارد لها مفهوم لوجود الامور الاربعة المذكورة المقومة للمفهوم. وفي بعض الموارد تستعمل في اللزوم فقط. وفي بعضها في اللزوم والترتب المطلق سواء كان بنحو العلية ، اي علية الشرط للجزاء ومعلوليته له ، أم كان على نحو الاتفاق ، سواء كانت عليته منحصرة أم كانت غير منحصرة ، كما تقدم مع امثلة الكل. فالحق هو التفضيل في المقام. كما يظهر هذا التفصيل لمن امعن النظر وأجال البصر في موارد استعمالات الجملة الشرطية وقضايا الشرطية ، هذا أولا.

وثانيا : يظهر هذا على الشخص المذكور في عدم الزام الخصم بالمفهوم في مقام المخاصمات والمرافعات والاحتجاجات ، فلو كان لها مفهوم لألزم به ، والحال انه لا إلزام به. فثبت انه لا مفهوم لها.

٣٠٦

وثالثا : يظهر هذا بصحة جواب الخصم (ليس لكلامي مفهوم حتى ألزم من قبل حاكم الشرع به) وعدم صحة الجواب ينفي المفهوم ، لو كان كلامه ظاهرا في المفهوم ، فهذا معلوم بالبداهة ، كما لا يخفى.

فدعوى تبادر اللزوم والترتب ، نحو الترتب على العلة المنحصرة مع كثرة استعمالها في الترتب على نحو الترتب على غير المنحصرة من العلة. بعيدا جدا ، واثباتها على عهدة مدعيها لا على عهدة شخص آخر ، اي لا يمكن له اثباتها في جميع الموارد ، فليس لها مفهوم في كثير من موارد استعمالاتها ، نعم يكون لها مفهوم في بعضها ، وأما دعوى الدلالة بادعاء الانصراف.

واستدل لاثبات المفهوم للجملة الشرطية بعد التبادر ، اي تبادر اللزوم على نحو الترتب على العلة المنحصرة ، بسبب دخول الفاء عليه ، اذ هو يدل على ان ما بعده مسبب عما قبله نحو (يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما) لان الفوز مسبب عن الكون ، وهو سبب للفوز في هذا الكلام بوجه آخر وهو الانصراف بيان الانصراف بعد تسليم اللزوم بينهما ، اي بين الشرط والجزاء ، ان للزوم اقساما أدنى ، وأوسط ، وأعلى ، أو فقل ان اللزوم ينقسم الى ثلاثة اقسام أولها قسم دان ، وثانيها قسم وسط ، وثالثها قسم عال.

فالاول : هو اللزوم الاتفاقي ، كما بين نطق الانسان ونهق الحمار في نحو (ان كان الانسان ناطقا كان الحمار ناهقا).

والثاني : هو اللزوم على نحو الترتب على العلة غير المنحصرة كما بين طلوع الشمس وضياء العالم في نحو (ان كانت الشمس طالعة فالعالم مضيء).

والثالث : هو اللزوم على نحو الترتب على العلة المنحصرة كما بين طلوع الشمس ووجود النهار في نحو (ان كانت الشمس طالعة كان النهار موجودا) فالمراد منه هو الثالث ، لان الشيء اذا كان ذكر مطلقا ينصرف الى الفرد الكامل. فثبت المفهوم لها لاجل بينهما اللزوم على نحو الترتب على العلة المنحصرة.

٣٠٧

ومن الواضح ان اللزوم على نحو الترتب على العلة المنحصرة يستلزم انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط ، وهذا معنى المفهوم.

في جواب المصنف عنه

وأجاب المصنف قدس‌سره عنه بوجهين :

الاول : أن كثرة الاستعمال توجب الانصراف ، اذ هي موجبة لأنس اللفظ بالمعنى ، نحو (جئني بماء) فاطلاق الماء يوجب الانصراف الى الماء البارد العذب لكثرة استعماله فيه ، وهي توجب الانصراف لا الأكملية.

كما ان كثرة الوجود لا توجب الانصراف وتقييد المطلق وذلك نحو (جئني بمأكول الانسان) وهو لا ينصرف الى خبز الحنطة لكثرة وجوده بالاضافة الى خبز غير الحنطة ، وكثرة استعمال الجملة الشرطية في اللزوم على نحو الترتب على العلة المنحصرة مفقودة لكثرة استعمالها في اللزوم الاتفاقي وفي اللزوم الترتبي على العلة غير المنحصرة ، كما لا يخفى هذا على من لاحظ موارد استعمالها.

الثاني : لا نسلم كون اللزوم بين العلة المنحصرة وبين معلولها أكمل من اللزوم بين العلة غير المنحصرة وبين معلولها ، اذ اللزوم من حيث هو لا يتصف بالكمال والنقصان ، فضلا عن أن يكون الانحصار موجبا لكماله وعدم الانحصار موجبا لضعفه ، اذ لا بد ـ بين كل علة ومعلولها ـ من سنخية وربط بحدّ توجب تأثير العلة في وجود معلولها وتأثر المعلول من حيث الوجوب بسبب علته ، كالنار والاحتراق ، والماء والرطوبة مثلا. فالانحصار وعدمه اجنبيان عن السنخية المذكورة وعن شدة الربط بينهما ، اذ مع تحقق الربط والسنخية بينهما لا بد من وجود المعلول بتخلل الفاء بعدها ، اي اذا وجدت العلة وجد المعلول ، سواء كانت العلة منحصرة أم كانت غير منحصرة فليس الانحصار موجبا لأكملية السنخية وشدة الربط واقوائيته في تأثير العلة ، في وجود معلولها ومسببها ، فأنكر المصنف في طي الجواب الاول

٣٠٨

كبرى القياس ، اذ قال : ان الاكملية لا توجب الانصراف وتقييد المطلق ، أي صغرى القياس وكبراه.

وفي طي الجواب الثاني : انكر صغرى القياس ، اذ صورة القياس هي : أنّ العلاقة اللزومية المترتبة على العلة المنحصرة اكمل ، وكل أكمل موجب للانصراف ، فهذه موجبة له. فالنتيجة باطلة لفساد صغرى وكبرى.

في الاستدلال لاثبات المفهوم بطريق آخر [وهو الاطلاق ومقدمات الحكمة]

قوله : ان قلت نعم ، ولكنه قضية الاطلاق بمقدمات الحكمة ...

وقد استدل لاثبات المفهوم للقضية الشرطية ثالثا : بانا سلّمنا انها ليست موضوعة للترتب على العلة المنحصرة ، لكنها تدل عليه بالاطلاق وبمقدمات الحكمة ، نظير صيغة الامر اذا ذكرت مطلقة ، اذ اطلاقها ببركة مقدمات الحكمة يدل على الوجوب ، نفسيا لا غيريا ، عينيا لا كفائيا ، تعيينا لا تخييرا ، كما تقدم هذا ضمن الامر السادس في بحث الاوامر ، في الجزء الأول.

فكذلك اطلاق العلاقة اللزومية بوسيلة مقدمات الحكمة يقتضي كونها على نحو العلية المنحصرة لا غيرها ، فتكون علية الشرط منحصرة للجزاء بوسيلتها ، اذ غيرها يحتاج الى بيان العدل ، فاذا كان المتكلم في مقام البيان ولم يبين العدل ، فيستفاد من عدم بيانه ان الشرط علة منحصرة للجزاء ، ويتبعه المفهوم. مثلا : اذا قال المولى (ان جاءك زيد فاكرمه) فيفهم منه كون المجيء علة منحصرة للاكرام ، وإلّا فليقل : (ان جاءك زيد وان أرسل السلام اليك فاكرمه) اذ الفرض كونه في مقام بيان تمام غرضه.

في جواب المصنف قدس‌سره

وقد اجاب المصنف عنه بوجهين :

٣٠٩

الاول : ان مقدمات الحكمة انما تجري في المواضع التي هي قابلة للاطلاق ، فجريانها فرع انعقاده ، ولكن لا ينعقد الاطلاق في معنى ادوات الشرط ، لانها حروف ، وكل حرف له معنى جزئيّ مقيّد ، لاحتياجه الى ضم ضميمة كلمة أخرى ، فيصير معناه جزئيا قهرا ، والجزئي لا يلائم الاطلاق ، فمعناه لا يتصف بالكلية لعدم استقلال الحرف بنفسه كي ينعقد الاطلاق فيه ، كما يظهر وجه هذا المطلب بالتأمل والدقة في معنى الحرف على مذاق المشهور من كون اللحاظ الآلي داخلا في معنى الحروف ، كما ان اللحاظ الاستقلالي داخل في معنى الاسماء ، اذ لو كان خارجا عن معناها لكان معناها كليا ينعقد فيه الاطلاق ، ويصح تقييده بالعلاقة اللزومية على العلة المنحصرة ، فيتبعها المفهوم ، كما لا يخفى.

والثاني : ان قياس إطلاق العلاقة اللزومية على إطلاق صيغة الامر في مقام البيان مع الفارق ، وهو باطل بإجماع الخاصة والعامة ، كما حقق هذا في علم الكلام. لأن الوجوب النفسي واجب على كل حال من احوال المكلف ، سواء كان حاضرا أم كان مسافرا ، سواء كان صحيحا أم كان مريضا ، وعلى تقدير سواء وجب شيء آخر على المكلف أم لم يجب عليه ، كالصلاة المكتوبة ، اما الوجوب الغيري فهو واجب اذا كان ذو المقدمة واجبا ، فهو واجب على تقدير دون تقدير ، ولهذا يقال : (اذا وجبت الصلاة فتوضأ) فوجوبه مقيّد بوجوب الغير ، وهذا واضح لا غبار عليه.

ولاجل هذا يستفاد هذا الوجوب من اطلاق الصيغة ومن مقدمات الحكمة ، فليس الوجوبان ـ النفسي والغيري ـ متساويين من حيث ان خطاب الوجوب النفسي يكون مطلقا ، وخطاب الوجوب الغيري يكون مقيدا بوجوب الغير وذي المقدمة ، كما علم هذا من مراجعة الفقه الشريف.

وأما العلاقة اللزومية بين العلة المنحصرة ومعلولها ، وبين العلة غير المنحصرة ومعلولها ، فمتساويان من حيث الخطاب ، إذ لا فرق من حيث الخطاب بين خطاب إن جاءك زيد فاكرمه ، اذا كان المجيء علّة منحصرة للاكرام ، وبين خطاب ان أرسل

٣١٠

زيد اليك السلام فاكرمه ، اذا لم يكن السلام علّة منحصرة للاكرام ، فليست العلاقة اللزومية بين العلة المنحصرة ومعلولها كالواجب النفسي كي يحمل اطلاق العلاقة عليها ، وليست العلاقة اللزومية بين العلة غير المنحصرة وبين معلولها كالواجب الغيري كي لا يحمل اطلاق العلاقة عليها ويحتاج الى مزيد بيان والى المئونة ، بل هما على حد سواء ، فيحتاج تعيّن احدهما دون الآخر الى القرينة المعيّنة وبدون القرينة المذكورة لا يتعين احدهما في مقام الخطاب وان كان المولى في مقام البيان ، وكذا الكلام في الترتب بعينه ، حرفا بحرف.

فتحصل مما ذكر ان كل واحد من انواع اللزوم والترتب محتاج في تعيّنه الى القرينة المعينة مثل النوع الآخر ، بلا تفاوت اصلا بين الترتب بالعلية المنحصرة وبين الترتب بالعلية غير المنحصرة ، وبين اللزوم والعلاقة على النحوين المذكورين آنفا.

وفي ضوء هذا انقدح كون القياس فارقا ، وكون تعيين علية الشرط منحصرة للجزاء ، من اطلاق اللزوم والعلاقة بلا معيّن يكون بلا تعيين ، اذ العلة المنحصرة وغير المنحصرة بالاضافة الى اطلاق اللزوم مثلان ، كما لا يخفى على المتأمل.

في الاستدلال الرابع لاثبات المفهوم

قوله : ثم انه ربما يتمسك للدلالة على المفهوم باطلاق الشرط ...

لمّا فرغ المصنف من بيان التبادر والانصراف والقرينة العامّة ومقدمات الحكمة ، اخذ بالاستدلال الرابع لاثبات المفهوم للجملة الشرطية ، وقال ان مقتضى اطلاق الشرط في مثل (إن جاءك زيد فاكرمه) علية المجيء وحده في وجوب الإكرام ، وهذا يستلزم الانتفاء عند الانتفاء ، لانه لو سبق هذا الشرط شرط آخر لما كان هذا الشرط علة وسببا للجزاء ، بل المؤثر هو السابق وحده ، ولكان على المولى بيانه وتقييده بهذا الشرط ، ولما أثر هذا الشرط وحده في الجزاء ، وكذا لو قارنه شرط آخر ، اذ المؤثر حينئذ الشرط مع غيره في صورة المقارنة ، والحال ان اطلاق

٣١١

الشرط يقتضي كونه وحده مؤثرا في الجزاء. فاطلاق الشرط يقتضي كون الشرط المذكور في الجملة علة تامة للجزاء وعلة منحصرة له.

ولا يخفى ان الفرق بين هذا الاطلاق والاطلاق السابق انه استدل في السابق باطلاق مدلول أدوات الشرط مع قطع النظر عن جملة الشرط ، أي استدل فيه باطلاق سببية الاول للثاني ، وتعليق الجزاء ـ وجودا وعدما على الشرط ـ وهو معنى ادوات الشرط. ولكن استدل في الثاني باطلاق مجموع أدوات الشرط ، وباطلاق جملة الشرط. اذ هي غير مقيدة بالعدل. فاطلاق جملة الشرط يستلزم اطلاق ادوات الشرط ، اذ هي غير مقيدة بالعدل ، أي بادوات الآخر ، كما ان عدل جملة الشرط جملة شرط أخرى.

وأجاب المصنف عنه بقوله : وفيه انه لا ننكر دلالة الجملة الشرطية على المفهوم بلحاظ اطلاق الشرط من حيث التأثير في الجزاء ، اي من غير تقييده بالشرط الآخر ، ومن غير تقييد جملته بجملة الشرط الأخرى ، وعليه فالمجيء في المثال المشهور هو العلة المنحصرة للإكرام فحسب.

في جواب المصنف قدس‌سره

ولكن من الواضح ندرة تحقق هذا الاطلاق المذكور لو لم نقل بعدم اتفاق هذا الاطلاق في مقام التخاطب ، اذ إحراز كون المتكلم في بيان انحصار الشرط وترقب الجزاء على هذا الشرط مشكل جدا ، لان الظاهر من كلامه ان الجزاء ، من حيث الوجود ، مترتب على الشرط ، ولا تحرز كيفية الترتب ، أهو بنحو الترتب على العلة المنحصرة أم كان بنحو الترتب على العلة غير المنحصرة ، فلا طريق لنا الى احراز كيفية الترتب ، مثلا : اذا قال المولى (النار علة للحرارة) فالظاهر منه ترتب الحرارة على النار ، ولا تعلم كيفية الترتب ، أهو على العلة المنحصرة ام كان على غير المنحصرة منها.

٣١٢

فتلخص مما ذكرناه من ردّ أدلة اثبات المفهوم لها ، انه لم يقم دليل متين على وضع أدوات الشرط مثل : (إن) و (لو) الشرطيتين وغيرهما للخصوصية المستلزمة لانتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط ، اذ هي وضعت لمطلق السببية واللزوم ، لا لخصوص السببية المنحصرة ، ولم تقم على العلة المنحصرة قرينة عامة ومقدمات الحكمة ، والانصراف من اطلاقها الى الفرد الكامل وهو الترتب ، اي ترتب الجزاء على الشرط على نحو الترتب على العلة المنحصرة ، منتف جدا.

أما قيام القرينة العامة أحيانا ، سواء كانت مقدمات الحكمة أم كانت غيرها كالانصراف ، فلا ينكر. مثلا : اذا أحرزنا أن المولى كان في بيان الشرط الذي هو علة منحصرة لتحقق الجزاء ، ولم يذكر الشرط الآخر في قباله ، فنحرز بوسيلة الاطلاق احرازا إنّيا انحصار علة الجزاء بهذا الشرط. وهذا الاطلاق يسمى بالاطلاق المقامي.

تتمة

الاطلاق على ثلاثة أنحاء :

الأول : هو الاطلاق اللفظي كإطلاق هيئة صيغة الأمر والنهي مثل : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) و (لا تشرب الخمر) من غير تقييد الهيئة بالمرّة والتكرار ، ومن غير تقييد الاقامة بالوجوب والاستحباب وغيرهما ، من الإباحة ، وكذا صيغة النهي ، نحرز منه كون المأمور به واجبا مرة واحدة ، إذ غيرها من التكرار يحتاج الى مزيد بيان. ونحرز منه أيضا كون الوجوب نفسيا أصليا تعيينيا ، اذ غيره من الغيري والتبعي والتخييري يحتاج الى تقييد وجوب ذي المقدمة والى ذكر العدل بكلمة (أو التخييرية).

الثاني : هو الاطلاق الأحوالي الثابت بمقدمات الحكمة وذلك نحو (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) اذ ثبت تحليل البيع بها في حال الرخص والغلاء ، كما ثبت تحليل جميع افراده بوسيلتها ، الا ما خرج بالدليل الخاص ، كالبيع الربوي مثلا. وكذا

٣١٣

تحريم الربا حرفا بحرف.

الثالث : هو الاطلاق المقامي ، كما فيما نحن فيه ، ولكن لا ينفع قيام هذه القرينة النادرة أحيانا في بعض الموارد بحال القائل بالمفهوم في جميع موارد استعمال الجملة الشرطية ، لانه من الاصولي ، وكل اصولي يبحث عن المسائل الاصولية على النحو الكلي ، والحال ان ثبوت المفهوم لها بسبب اطلاق أدوات الشرط من غير تقييدها بأدوات أخرى من باب الاتفاق والندرة وبالقرينة الخاصة وهذا لا نزاع فيه.

قوله : وأما توهم انه قضية اطلاق الشرط ...

بتقريب ان العلة المنحصرة وغير المنحصرة منها نظير الواجب التعييني والواجب التخييري فليس كل واحد منهما منها ، اي من العلة المنحصرة ، والواجب التعييني والواجب التخييري معيّن ، ولكن يحمل اطلاق الامر الايجابي على الواجب التعييني النفسي الأصلي ، فكذلك يحمل اطلاق الشرط على تأثيره في الجزاء بلا بدل وعدل ، فمقتضى الاطلاق في المقامين التعيين ، اي تعيين الواجب التعييني في الأمر ، وتعيين كون الشرط المذكور في القضية الشرطية مؤثرا في الجزاء وحده ، فاذا حمل عليه فمعناه ان يكون علة منحصرة ، وهذا معنى المفهوم ، كما لا يخفى.

والفرق بين هذا التقريب وبين ما قبله : ان هذا التقريب يكون بلحاظ ظهور كلمة أدوات الشرط ك (إن) الشرطية مثلا ، شرطا بذاتها للجزاء ، وان لم يكن مؤثرا فيه فعلا ونقدا ، وما قبله بلحاظ ظهورها في كون الشرط علة تامة منحصرة للجزاء فعلا ونقدا.

في جواب المصنف عن التقريب

أجاب عنه بجوابين :

الأول : بان عنوان شرطية الشرط لا يتصف بوصف التخيير لانها منتزعة من

٣١٤

خصوصية ذاتية محضة ومن الذاتيات تلك ، نظير انسانية الانسان ، وهي لا تتصف بوصف التخيير ، فكذلك شرطية الشرط لا تتصف به ، لأن انسانية الانسان لا تتخلف كي يقوم عدلها مقامها ، فكذا شرطية الشرط لا تتخلف حتى يقوم مقامها عدلها ورقيبها ، سواء كان الشرط واحدا أم كان متعددا ، فشرطية الشرط ، حين كونه واحدا ، دخلية في المشروط ، وهي دخيلة فيه حين كونه متعددا وليس الأمر كونها دخيلة فيه تخييريا اذا كان متعددا ، وكونها دخلية فيه تعيينيا اذا كان الشرط واحدا ، كي يكون اطلاقه مقتضيا للثاني ، كما قال به المتوهم ، بخلاف صفة الوجوب ، فان اطلاق الواجب بالاضافة الى نحو الوجوب يختلف ، فاطلاقه مثبت لنحو الواجب دون نحو الآخر منه ، اي اطلاقه في لسان الدليل مثبت للواجب التعييني دون التخييري ، اذ هو يحتاج الى بيان العدل والى كلمة (او) التخييرية ، في مقام الاثبات والجعل.

فان قيل : الشرط اذا كان متعددا يحتاج الى مزيد بيان والى كلمة (او) التخييرية نحو (إن جاءك زيد أو ارسل السلام اليك فأكرمه) فصار الشرط المتعدد كالواجب التخييري اثباتا ، والشرط الواحد كالواجب التعييني اثباتا.

قلنا : زيادة مئونة البيان انما يكون لبيان كون الشرط متعددا ثبوتا ، وليست لبيان تكميل نحو شرطية الشرط ولبيان تتميمها ، فاذا كان الشرط متعددا ثبوتا ، ولكن لم يبيّن المولى تعدد الشرط إثباتا ، فلم يكن مقصرا ومسامحا في عدم البيان. بخلاف الواجب التخييري ، فان الواجب اذا كان متعددا ثبوتا فلا بد للمولى من بيان العدل بوسيلة كلمة (أو) التخييرية اثباتا ، فلو لم يبيّنه لكان مقصّرا في عدم البيان ، فلا يمكن ان يتمسك باطلاق الشرط في لسان الدليل لكونه علة منحصرة للجزاء كي يستتبعها الانتفاء عند الانتفاء ، وهذا معنى المفهوم لها.

كما يمكن ان يستدل باطلاق الواجب لكون الواجب تعيينيا أصليا كما مرّ هذا مرارا ، فظهر ان نسبة الشرط الى الشرط لا تختلف سواء كان شرط آخر هناك

٣١٥

ثبوتا أم لم يكن هناك واقعا. فالشرط شرط لا يختلف عنه ، اذ ذكر الشرط في لسان الدليل مسوق لبيان شرطيته للجزاء ، كالمجيء للإكرام ، من دون ان يكون الكلام مهملا ومجملا اذا كان الشرط متعددا ثبوتا ، فيستفاد من الكلام كون المجيء شرطا للاكرام بلا توقف في مرحلة الامتثال ، بخلاف اطلاق الأمر ، فانه لو لم يكن لبيان الواجب التعييني لكان مهملا ومجملا لا يستفاد منه الواجب التعييني ولا الواجب التخييري. اما عدم استفادة الاول فلعدم كونه في صدد بيانه على الفرض ، وأما عدم استفادة الثاني فلعدم ذكر العدل والبدل في مقام الاثبات له.

قوله : تأمل في المقام حتى تعرف الحال والمطلب ...

اي دقّق فيه بعمق النظر لا بسطحه ، حتى يتبيّن لك الحال ، اي قياس اطلاق الشرط على اطلاق الأمر. انه مع الفارق ، لان الشرط سواء كان متعددا أم كان واحدا سنخ واحد ، اما الواجب فله سخنان التعييني والتخييري.

وفي ضوء هذا : ظهر الفرق بين الواجب التعييني والتخييري ، وبين الشرط الواحد والشرط المتعدد ، لان الأولين سنخان في مقام الثبوت والاثبات ، ولهذا يتخلف أحدهما عن عنوان الوجوب ، اذ هو قد يكون تعيينيا وقد يكون تخييرا ، فاذا كان تعيينيا لم يكن تخييريا وبالعكس. بخلاف الشرط فإنّ شرطية الشرط لا تتخلف عنه وان كان متعددا ، لكون الشرطية في المتعدد والواحد سنخا واحدا ثبوتا وإثباتا.

فتلخص مما ذكر ان قياس اطلاق الشرط بإطلاق الأمر ، مع الفارق ، اذ لا يمكن اثبات كون الشرط علة منحصرة للجزاء بسبب الاطلاق ، كما يمكن اثبات كون الواجب تعيينيا من جهة اطلاق الامر.

الثاني : لو سلمنا دليلكم ، اي معاشر القائلين بالمفهوم ، لما نفع هذا بحالكم ، لما عرفت قبل التوهم المذكور من أن اطلاق الشرط قد يكون لبيان كون الشرط علة منحصرة للجزاء ، ولكن هذا اتفاقي وليس على نحو الكلي والدائمي.

٣١٦

في أدلة المنكرين للمفهوم :

استدلوا بوجوه :

احدها : ما نسب إلى السيد المرتضى قدس‌سره ، واستدل بان فائدة الشرط هو تعليق حكم الجزاء عليه فقط ، كتعليق الاكرام بالمجيء ، وليس بممتنع ان يكون للجزاء شروط متعددة ينوب بعضها عن بعض ، والامثلة لذلك كثيرة شرعا وعقلا وعرفا.

أما شرعا فلقوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ)(١) الى آخرها ، وهو يمنع من قبول الشاهد الواحد حتى ينضم اليه شاهد آخر بقرينة التثنية ، فانضمام الثاني إلى الاول شرط في القبول ، ثم علمنا من جملة اخرى في الآية الشريفة أنّ ضم امرأتين إلى الشاهد الاول شرط في القبول ايضا ، ثم علمنا من الرواية أن ضم يمين المدعي يقوم مقام الثاني.

فحينئذ لا ينتفي الجزاء عند انتفاء الشرط لقيام الآخر مقامه ، كالحرارة ، فان انتفاء الشمس في الليل لا يلزم منه انتفاء الحرارة لقيام النار مقامها. فنيابة الشروط عن بعض اكثر من ان تحصى شرعا وعقلا وعرفا وعادة.

اما شرعا فكنيابة غسل الجنابة والتيمم عن الوضوء.

واما عقلا ، فكنيابة شق البطن عن قطع الرأس ، إذ كلاهما شرط عقلى لزهوق الروح.

واما عادة فكنيابة الدرجة عن السلم للكون على السطح و ...

ولا يخفى ان الشرط في الآية الشريفة هو جملة : (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى).

والجواب عنه ان السيّد المستدل قدس‌سره اما انه بصدد اثبات نيابة بعض الشروط

__________________

(١) سورة البقرة ، آية ٢٨٢.

٣١٧

عن بعض في مقام الثبوت وفي الواقع وبصدد عدم انتفاء حكم الجزاء عند انتفاء الشرط لقيام شرط آخر مقام الشرط الاول ، وهو يؤثر أثره.

فالقائل بالمفهوم لا ينكر ذلك المطلب ، إذ هو يدعي عدم وقوع هذا الامكان في مقام الاثبات ، وفي مرحلة دلالة القضية الشرطية على عدم وقوع هذا الامكان.

واما انه بصدد اظهار احتمال وقوع هذا الامكان في مقام الاثبات والدلالة. ىفبمجرد هذا الاحتمال لا يرفع اليد عن ظهور الجملة الشرطية في كون الشرط علة منحصرة لحكم الجزاء وفي الانتفاء عند الانتفاء ما دام لم يكن هذا الاحتمال راجحا بحسب القواعد اللفظية على ظهورها او لا أقل من مساواته له بحسبها.

مثلا : إذا قيل (رأيت أسدا) فنحتمل ان يراد من لفظ الاسد رجل شجاع ، فهذا الاحتمال لا يقاوم مع ظهوره في الحيوان المفترس ، ولهذا يحمل عليه بلا توقف من جهة كون اصالة الحقيقة من باب حجية الظهور : عند العقلاء ، وإذا قيل (رأيت اسدا يرمى أو يتكلم) فتحتمل احتمالا ضعيفا كون المجاز في لفظ يرمي ، والمجاز فيه انتشار التراب مثلا ، واحتمالا راجحا كون المجاز في لفظ الاسد ، فالاول لا يقاوم مع الثاني ، وعلى هذا يحمل لفظ الاسد على المعنى المجازي (وهو الرجل الشجاع) هذا مثال الراجح.

واما مثال المساوي فمثل صيغة الأمر ، إذ هي حقيقة في الوجوب ولكن استعملت كثيرا في الندب ، فاذا قال المولى : (اغتسل للجمعة) فاحتمال الندب مساو لظهورها في الوجوب ، فترفع اليد عن الظهور وتحمل على الندب ، على رأي المشهور ، كما تقدم في بحث الاوامر. وكذا صيغة النهي ولفظ العام ولفظ المطلق ، إذ الاولى تستعمل كثيرا في الكراهة ، والثانية في المخصص ، والثالثة في المقيد ، حتى صار مثلا : (ما من عام إلّا وقد خصّ وما من مطلق الا وقد قيّد).

فالمراد من القواعد اللفظية هو لقرينة المجاز والمخصص والمقيد والشيوع للاستعمال كما لا يخفى ، وكذا ما نحن فيه حرفا بحرف كحذو النعل بالنعل.

٣١٨

وليس في كلام السيد المذكور ما يدل على رجحان احتمال النيابة على احتمال عدمها وعلى مساواته إيّاه ، كي يحمل الكلام على النيابة في جميع الموارد ، إذ نيابة الشرط الثاني والثالث في الآية الشريفة ، ثبتت بالدليل الخاص إذ نيابة الامرأتين عن الثاني ثبتت بمنطوق الآية المباركة ، ونيابة اليمين عنه بالرواية ، ومورد الخلاف فيما إذا كان الشرط مطلقا.

في ثاني الوجوه

وقد استدل المنكرون ثانيا بانه لو دل الشرط على الانتفاء عند الانتفاء لكانت الدلالة اما بالمطابقة ، واما بالتضمن ، واما بالالتزام. فالملازمة بين الملزوم واللازم واضحة ، لانحصارها فيها.

أما بطلان اللازم فلان الانتفاء عند الانتفاء ليس تمام الموضوع له ولا جزءه ، إذ هي موضوعة للثبوت عند الثبوت. وبين الاثبات المذكور والانتفاء المذكور بون بعيد ، فالمطابقة والتضمن ظاهران.

واما الالتزام فلانها مشروطة باللزوم العقلي كما بين العمى والبصر ، أو باللزوم العرفي كما بين حاتم والجود ، ولا ملازمة عقلا ولا عرفا بين الثبوت عند الثبوت ؛ وبين الانتفاء عند الانتفاء ، فاذا فات الشرط فات المشروط ، فليست الدلالة الالتزامية في البين.

فان قيل : لأيّ علة اشترط في الدلالة الالتزامية اللزوم العقلي أو العرفي؟

قلنا : يلزم احد محذورين على تقدير عدم اشتراط اللزوم ، اما دلالة لفظ الواحد على المعاني غير المتناهية لو دل على جميع الخارج عن الموضوع له ، واما يلزم ترجيح بلا مرجّح لو دل على بعض الخارج عنه ، فدفعا لهذين المحذورين اشترط اللزوم فيها.

وقد اجيب عنه بمنع التالي ، إذ الشرط يدل على الانتفاء عند الانتفاء

٣١٩

بالالتزام ، إذ لازم الثبوت عند الثبوت هو الانتفاء عند الانتفاء ، وإلّا فلا معنى لتعليق حكم الجزاء على الشرط.

اما المصنف فيقول : قد عرفت سابقا ما قيل في اثبات دلالتها على الانتفاء عند الانتفاء بالالتزام ، وما يمكن ان يقال في اثبات دلالتها عليه في زمان الاستقبال أو يقال في منع دلالتها عليه وانها لا تدل على الانتفاء عند الانتفاء ، لا وضعا ولا انصرافا ولا اطلاقا ، أي من حيث وضع أدوات الشرط للعلة المنحصرة للجزاء ، ومن حيث انصرافه اليها ، ومن حيث عدم تقييده بشرط آخر في لسان الدليل.

توضيح : دلالة اللفظ على المعنى التضمني وعلى المعنى الالتزامي فرع دلالته على المعنى المطابقي ، لان الدلالة الوضعية على جزء المعنى ولازمه ، فرع الدلالة على اصل المعنى إذ هما ملزومان والمعنى المطابقي لازم ، ويستحيل تحقق الملزوم بدون تحقق اللازم ، وان لم يستحل تحقق اللازم بدون تحقق الملزوم لامكان ان يكون اللازم اعم من الملزوم ، كما في الاربعة والزوج ، والشمس وضياء العالم.

وفي ضوء هذا الأمر اذا لم يكن الشرط دالا بالمطابقة على العلية المنحصرة المستلزمة للمفهوم فكيف يدلّ عليها بالالتزام وبالدلالة الالتزامية فلا تغفل ، وهو اشارة إلى هذا القانون المذكور في طي التوضيح.

وقد استدل المنكرون للمفهوم ثالثا بقوله تبارك وتعالى : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً)(١) وطريق الاستدلال به ان اكراه الموالي الفتيات على الزنا حرام مطلقا سواء أردن تحصنا وعفة أم لم يردن تحصنا ، وليس المراد حرمة الاكراه عليه في صورة ارادة التحصّن واباحته في صورة عدم ارادة التحصّن ، وعلى طبيعة الحال فليس للشرط فيها مفهوم اصلا فثبت المدعى. إذ آية

__________________

(١) سورة النور ، آية ٣٣.

٣٢٠