البداية في توضيح الكفاية - ج ١

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ نهضت
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-0-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٤٤٨

فداخل فيه ، واشار المصنف الى هذين مع ثمرتهما بقوله : وثالثة بان يكون مما يتشخص به ... الخ.

بيان الواجب في واجب أو المستحب فيه :

قوله : ثم انه ربما يكون الشيء مما يندب اليه فيه بلا دخل له اصلا ... الخ هذا في بيان الواجب في واجب أو المستحب في واجب. وقد يكون الشيء واجبا في واجب أو مستحبا فيه ، ولا يكون جزءا للواجب المركب ولا شرطا له ، بل يكون الواجب ظرفا لهذا الشيء ، فهو مطلوب الشارع اذا وقع في اثناء الواجب ، من دون ان يكون داخلا في حقيقة الواجب ، ولا في امتيازه ، بل الواجب يكون دخيلا في مطلوبية ذاك الشيء مثل القنوت في الصلاة والمضمضة والاستنشاق في الوضوء ومثل متابعة الامام في الجماعة بناء على وجوبه وعلى كون وجوبه نفسيا لا شرطيا فبترك المتابعة لا تبطل صلاة الجماعة (١). فتكون الاقسام خمسة :

الاول : الأجزاء التي تكون دخيلة في المسمى مثل اجزاء الركنية.

الثاني : الأجزاء التي لا تكون دخيلة في المسمى مثل السورة والتثليث في الذكر.

الثالث : الشرائط التي تكون دخيلة في المسمى مثل الطهارة والاستقبال وغيرهما.

الرابع : الشرائط التي لا تكون دخيلة في المسمى بحيث تدور التسمية مدارها وجودا وعدما ، مثل فعل الصلاة جماعة ، وفي المسجد اذ هو شرط كما لها لا من شروط صحتها.

الخامس : ما يكون مطلوبا للشارع المقدس في اثناء المأمور به من دون ان

__________________

(١) اختلف الفقهاء في ان متابعة المأموم إمام الجماعة في افعال صلاة الجماعة واجب نفسي ، أو واجب شرطي. والفرق بين الوجوب النفسي والوجوب الشرطي : ان المكلف إن ترك المتابعة فالجماعة باطلة ، ان قلنا بوجوبها شرطيا. وان قلنا بوجوبها نفسيا ، فان تركها عمدا لا تبطل.

٨١

يكون دخيلا في ماهية الواجب لا بنحو الشطرية ولا بنحو الشرطية ، بل يكون الواجب ظرفا له ، ولا يكون دخيلا في امتيازه وتشخصه ، والمأمور به دخيل في مطلوبيته بحيث لا يكون مطلوبا الا فيه كالقنوت.

اعلم ان الفرق بينه وبين المستحبات في الصلاة ان هذا يكون مستحبا نفسيا في حد ذاته ولكن جعله الشارع مأمورا به ظرفا له ، وتلك مطلوبات غيرية لاجل الواجب وهو الصلاة.

احكام العبادات الخمسة :

اعلم ان تسمية العبادات باساميها لا تدور مدار الخامس لا وجودا ولا عدما كالقنوت ، والتثليث في الذكر ، وكذا لا تدور مدار ما له الدخل في تشخّص المأمور به باحد النحوين ، اي بنحو الشرطية أو بنحو الشرطية.

واما ما له دخل شطرا في اصل ماهية العبادة فهو دخيل في التسمية ، واما ما له دخل شرطا في اصل ماهيتها فيمكن الذهاب الى انه ليس دخيلا في تسمية العبادات بأساميها. لكن عرفت في طي ادلّة الصحيحي ان قول الصحيح هو اعتبار الجزء والشرط معا في التسمية فيكونان داخلين في موضوع له الفاظ العبادات.

وقد استدل على هذا بصحة سلب لفظ الصلاة بمعناها المعلوم المرتكز في الاذهان عن الفاقدة لشرط كما مرّ ، بل يمكن ان نقول في الفاظ المعاملات انها امضيت من قبل الشارع للصحيح منها لاجل استصحاب عدم ترتّب اثرها اذا كانت فاقدة لشرط من الشروط المعتبرة ، عند الشرع والعرف.

وقوع الاشتراك :

قوله : الحادي عشر الحق وقوع الاشتراك للنقل والتبادر وعدم صحة ... الخ ذهب قوم الى امكان الاشتراك عقلا ووقوعه لغة وشرعا في القرآن الكريم وفي الاحاديث وعرفا ، وذهب قوم الى عدم امكانه عقلا ، وذهب ثالث الى التفصيل فقال بعدم

٨٢

امكانه عقلا في القرآن الكريم ، وبامكانه عقلا في غيره ، بل الى وقوعه فيه. فقال المصنف قدس‌سره الحق وقوع الاشتراك في غير القرآن لوجوه :

الاول : نقل اهل اللغة اياه في عدة من الالفاظ كلفظ القرء الذي يكون للطهر والحيض ، وكلفظ الجون وضع الابيض والاسود ، وكلفظ العين للذهب والفضة و ... ويكون نقلهم متبعا فيه كما يكون متبعا في غيره.

والثاني : تبادر المعنيين أو المعاني من هذه الالفاظ على نحو الترديد ، وعلى نحو لا بعينه ، اذا لم تكن القرينة موجودة ، وان كانت موجودة فيتبادر منه المعين من معناه ، على طبق القرينة المعيّنة.

والثالث : عدم صحة سلب هذه الالفاظ عن معانيها ، فلا يصح ان يقال الطهر والحيض ليسا بقرء وكذا الباقي ، واستدل المفصّل بوجهين على سبيل منع الخلوّ الاول : انه يلزم التطويل اذا كان الاتكال على القرينة لانه يمكن اظهار المعنى المقصود بغير المشترك. والثاني : انه يلزم الاجمال في المقال الذي يضر بالتفهيم اذا لم يكن الاعتماد على القرينة ، وكلاهما لا يليق بكلام الخالق لانهما قبيحان ، والقبيح لا يصدر من الحكيم بل هو محال في حقه تعالى كما لا يخفى ، فاجاب المصنف بقوله : وذلك لعدم لزوم التطويل ... الخ يعني لا يلزم هذا في صورة نصب قرينة معنية مقالية لاحتمال ان يكون نصبها لغرض آخر غير تعيين المراد من المشترك ، ولكن تدل بالالتزام على المراد.

فلا يلزم حينئذ تطويل لانه يلزم على فرض دلالتها عليه بالمطابقة لا بالالتزام ، هذا اولا. ونمنع كون الاجمال غير لائق بكلامه ثانيا مع كون الاجمال مما قد يتعلّق به غرض ، وإلّا لما وقع في كلامه ، لكن قد وقع المتشابه في القرآن الكريم واخبر بوقوعه. قال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ...) الخ (١) والشاهد كلمة (متشابهات) جمع مؤنث

__________________

(١) سورة آل عمران : آية ٧.

٨٣

سالم (متشابهة) وهي بمعنى المجمل ، وقد استدل القائل باستحالته.

ان المشترك في الاستعمال وفي مقام التفهيم يحتاج الى القرينة ، وربما تكون غير جلية فلا يحصل التفهيم ، وهو نقض للغرض وهذا محال عن العاقل فضلا عن المولى. ويدفع هذا :

اولا : انّا نمنع خفاء القرينة لانه يمكن ان يعتمد المتكلم على القرينة الجلية ولا يلزم حينئذ نقض الغرض.

وثانيا : انه يمكن ان لا يكون الغرض من استعماله التفهم والتفهيم بل يكون المتكلم في مقام الاجمال والاهمال لمصلحة مهمة فلو كانت القرينة خفية فلا يلزم نقض الغرض بل يلزم عين الغرض كما لا يخفى على أولي الالباب.

وجوب الاشتراك :

قوله : وربما توهم وجوب وقوع الاشتراك في اللغات ... الخ والاستدلال عليه متفرّع على مقدمتين :

احداهما : ان كلام العرب وكلماتهم متناهية لتركبها من الحروف الهجائية المتناهية ، اذ هي ثمانية وعشرون حرفا ، يعني أننا اذا عددنا الالف حرفا فهي تسعة وعشرون وإلّا فهي ثمانية وعشرون ، والمركب من المتناهي يكون متناهيا.

ثانيتهما : ان المعاني تكون غير متناهية ، ومن الواضح عدم وفاء المتناهي لغير المتناهي ، وحينئذ وجب الاشتراك حتى تكون الالفاظ وافية بالمعاني التي تكون غير متناهية جدّا.

جواب المصنف عن وجوب الاشتراك :

اجاب المصنف قدس‌سره عنه بقوله : وهو فاسد بوضوح امتناع الاشتراك في المعاني غير المتناهية لاستلزامه اوضاع الغير المتناهية وهو محال ، هذا اولا.

وثانيا : لو سلمنا امكان الاشتراك فيها على ان يكون الواضع هو الله تعالى ،

٨٤

ولكن تلزم لغوية الوضع في الزائد من قدر الاحتياج ، لان الاستعمال يكون بمقدار الحاجة وفي القدر المتناهي لصدوره عن البشر العاجز عن استعمال غير المتناهي ، فيكون الوضع في الزائد على المتناهي بلا فائدة ولغوا وهو قبيح لا يصدر من الحكيم.

وان كان الواضع هو البشر عدّت الاوضاع غير المتناهية خارجة عن القانون العقلائي لانه لا يترتب على وضع الزائد عن قدر الاحتياج التفهم والتفهيم اللذان يكونان حكمة الوضع ، فالوجهان يكونان مردودين لوجهين :

الاول : إن المعاني كلية ، يعني وضعت الالفاظ للمعاني الكلية لا لمصاديقها كي تقع في مقابل لفظ واحد المعاني الكثيرة ، فوضع الالفاظ بازاء كليات المعاني يغني عن وضعها بازاء مصاديقها ، فصارت الالفاظ والمعاني متناهيتين فوضعت المتناهية للمتناهية (هذا) اي (خذ ذا).

الثاني : انه لا يكون التفهّم والتفهيم منحصرين بالاستعمال الحقيقي ، بل يمكن التفهّم والتفهيم بالاستعمال المجازي ، لكون باب المجاز واسعا بل هو موجب لارتقاء الكلام كالكنايات والاستعارات.

قوله : فافهم وهو اشارة الى ان مواد الالفاظ تكون متناهية ، ولكن هيئتها غير متناهية لتركّبها هيئات متفرقة فيكون كلاهما غير متناه فلا وجه لوجوب الاشتراك.

ويمكن ان يكون اشارة الى ان المجاز وان كان بابا واسعا فيوضع اللفظ بازاء جملة من المعاني ويستعمل اللفظ في الباقي مجازا ، ولكن يحتاج الى الوضع وان كان نوعيا لا شخصيا ، فالدليل الاخير مردود.

استعمال المشترك :

قوله : الثاني عشر : انه قد اختلفوا في جواز استعمال اللفظ في اكثر من معنى ... الخ اختلف بعد امكان الاشتراك عقلا في جواز استعماله في اطلاق واحد في اكثر من معنى واحد على سبيل الاستقلال والانفراد بحيث يكون كل واحد منهما موضوعا

٨٥

للحكم ومتعلقا للاثبات والنفي على اقوال.

قال قوم : بالجواز مطلقا. وقال قوم بالمنع مطلقا. وذهب ثالث الى التفصيل فمنعه في المفرد وجوّزه في التثنية والجمع. وذهب رابع الى تفصيل آخر فجوّزه في النفي ونفاه في الاثبات ، ولا بد هنا من بيان امرين :

الاول : ان المراد من الانفراد والاستقلال ان لا يستعمل في القدر المشترك بين المعنيين وهو المسمى بعموم المجاز فانه لا خلاف فيه ، مثل استعمال الامر في مطلق رجحان الفعل ، وكذا لا خلاف في استعماله

في مجموع المعنيين منضمّا بحيث يكون كل واحد منهما جزء المعنى وهو المسمى بعموم الاشتراك ، فمحلّ الخلاف ان يستعمل لفظ واحد في اطلاق واحد في معنيين مستقلا ، بحيث يكون كل واحد منهما مرادا ومتعلقا للاثبات والنفي كما يستعمل في المعنى الواحد.

والثاني : انه يمكن الجمع بينهما مثل الذهب والفضة للعين ، بخلاف الطهر والحيض من لفظ القرء لانهما ضدان ، وكلّ ضدّين لا يجتمعان في موضع واحد ، فهما لا يجتمعان.

عدم جواز الاستعمال في الاكثر :

قوله : اظهرها عدم جواز الاستعمال في الاكثر عقلا وبيانه ... الخ اختار المصنف عدم الجواز في الاكثر عقلا.

بيانه ان حقيقة الاستعمال ليست مجرد جعل اللفظ علامة للمعنى حتى يكون اللفظ الواحد علامة لمعنيين من باب وحدة العلامة وتعدد ذي العلامة حتى يكون الاستعمال على هذا الطريق جائزا ، بل حقيقته جعل اللفظ طريقا الى المعنى وجعله عنوانا له ، ولذا لا يفهم المخاطب الا معنى اللفظ ، واللفظ يكون ملغى في نظره ، ومن اجل هذا يسري حسن المعنى الى اللفظ ، وقبحه اليه. فلا بد حينئذ من تصور المعنى ومن لحاظه ، ولا يمكن جعل هذا اللفظ طريقا لمعنى آخر ، اذ لا يصدر اللحاظان عن لاحظ واحد في آن واحد وفي استعمال فارد ، لان لحاظ اللفظ وجها للمعنى

٨٦

وفانيا فيه فناء الوجه في ذي الوجه ، وفناء العنوان في المعنون ينافي لحاظه وجها وعنوانا لمعنى آخر.

فحال لفظ الواحد حال قلنسوة واحدة ، لانه لا يمكن جعلها في آن واحد على رأسين بحيث تكون محيطة بتمامهما ، فكذا اللفظ الواحد لا يمكن جعله فانيا في الاثنين إلّا ان يكون اللاحظ أحول العينين وهو الذي يرى الواحد اثنين.

وبالجملة : يستحيل فناء اللفظ الواحد في كل واحد منهما في آن واحد على فرض كون اللاحظ واحدا في استعمال فارد لانه يستلزم الفناء وعدم الفناء ، اذ يلزم من فناء اللفظ في المعنى عدم فنائه في المعنى الآخر ، وهو محال ، اذ هو جمع بين المتنافيين ، بلا فرق بين المفرد والمثنى والجمع ، والمثبت والمنفي ، والحقيقة والمجاز.

عدم اعتبار قيد الوحدة :

قوله : فانقدح بذلك امتناع استعمال اللفظ مطلقا مفردا كان أو غيره في اكثر ... الخ ردّ المصنف بهذا قول صاحب المعالم قدس‌سره وقول سلطان العلماء قدس‌سره ، انه لو لا امتناعه عقلا لم يكن وجه الامتناع أخذ قيد الوحدة جزء للموضوع له كما قال به صاحب المعالم ، أو اخذه ظرفا للموضوع له كما قال به سلطان العلماء ، لان اللفظ وضع للمعنى مجردا عن الوحدة وعدمها ، فاعتبار قيد الوحدة في الموضوع له واضح المنع فتوقيفية وضع اللغات لا تقتضي منع الاستعمال في الاكثر إلّا اذا كانت الوحدة قيدا للوضع أو قيدا للموضوع له ، كما لا يخفى. وكلاهما باطل.

اعلم ان الوحدة تكون تارة قيدا للموضوع له ، واخرى قيد الاستعمال. بأن شرط واضع اللغات على المستعمل ان لا يستعمل اللفظ في المعنى الا في حال وحدته ، وثالثة قيدا للوضع بان تكون وحدة المعنى شرطا لتحقق الوضع.

وتفصيل هذه : ان كانت قيدا للموضوع له فلا بد ، حينئذ ، من اتباع الواضع فيه ، ولكن لم يثبت هذا قطعا اثباتا لا عقلا ولا نقلا.

وان كانت قيدا للاستعمال فلا يكون الدليل على وجوب اتباع الواضع فيه بعد

٨٧

كون الموضوع له نفس المعنى وطبيعته عاريا عن قيد الوحدة وعدمها.

وان كانت قيدا للوضع ، بحيث يتوقف الوضع على الاستعمال الحقيقي مقيدا بالوحدة ، فهو يستلزم الدور.

بيانه : ان استعمال الحقيقي يتوقف على الوضع فلو توقف الوضع عليه لدار ، فهذا باطل بل محال كما ان الاولين فاسدان قطعا ، لعدم الدليل لا عقلا ولا نقلا على فرض كون الوحدة قيدا للاستعمال على متابعة الوضع فيه ، وكذا ليس الدليل موجودا على اعتبار قيد الوحدة جزء للموضوع له.

قوله : ثم انه لو تنزلنا عن ذلك فلا وجه للتفصيل بالجواز على نحو الحقيقة في التثنية والجمع ، وعلى نحو المجاز في المفرد ردّ المصنف تفصيل صاحب المعالم قدس‌سره ، وهو جواز الاستعمال في الاكثر على نحو الحقيقة في التثنية والجمع ، مستدلا بانهما في قوة تكرار المفرد بالعطف ، لانه (جاءني زيدان) بمنزلة (جاءني زيد وزيد) و (جاءني زيدون) بمنزلة (جاءني زيد وزيد وزيد) فيجوز ان يستعمل زيد الاول في معنى وزيد الثاني في معنى آخر وزيد الثالث في معنى ثالث ، فكذا ما هو في قوته. ومستندا في المفرد مجازا الى ان استعماله في الاكثر يستلزم الغاء قيد الوحدة وصيرورة المستعمل فيه جزء الموضوع له ، فيكون مجازا بعلاقة الكل والجزء من قبيل لفظ الموضوع للكل واستعمل في الجزء ، وهو غير مشترط بشيء مما اشترط في عكسه ، وهو اللفظ الذي وضع للجزء واستعمل في الكل مجازا بعلاقة الجزء والكل ، كاستعمال الرقبة في الانسان.

وهذا التفصيل فاسد جدا. اما في المفرد فلوجهين :

الاول : ان الموضوع له فيه يكون نفس المعنى من دون تقيده بقيد الوحدة ، فاستعماله ، لو كان جائزا على الفرض ، لكان على نحو الحقيقة لا المجاز لكونه استعمالا في الموضوع له.

والثاني : انه ، بعد تسليم اعتبار قيد الوحدة جزء الموضوع له ، لا يجوز استعمال المفرد في الاكثر ولو مجازا ، لان الاكثر ليس جزء الموضوع له ، لانه مباين

٨٨

له على نحو مباينة الماهية بشرط شيء ، والماهية بشرط لا ـ كما لا يخفى ـ. فالنسبة بين الماهية بشرط شيء والماهية بشرط لا تباين كلي ، لا الكل والجزء. فلو سلّمنا ان قيد الوحدة مأخوذ في الموضوع له فلا يجوز الاستعمال في الاكثر مجازا لعدم العلاقة المصحّحة للتجوز ، هذا في المفرد.

توضيح : وهو ان الاكثر يكون بشرط شيء ، والمقيّد بالوحدة بشرط لا. ومن الواضح منافاتهما ، لان الاكثر يكون مشروطا بوجود معنى آخر ، والمعنى الذي يقيّد بقيد الوحدة يكون مشروطا بعدم معنى آخر. فاين الكل والجزء حتى يجوز الاستعمال في الاكثر مجازا بلحاظ علاقة الكل والجزء؟ فدعوى جواز استعمال المفرد في الاكثر مجازا غير مسموعة.

واما في التثنية والجمع : فهما وان كانا بمنزلة تكرير المفرد بالعطف ، لكن مفرد نفسهما لا مطلقا. مثلا : اذا قلنا (عينين) أو (عيونا) دلّ على الجاريتين وعلى الجاريات التي تراد من مفردهما. ولا يدل على الجارية والباكية أو الجارية والباكية والمضيئة. فالاول في التثنية ، والثاني في الجمع. لانه من الواضح ان المراد من المفرد معنى واحد. فالتعدد الذي ينشأ من التثنية والجمع يكون في المعنى الذي اريد من مفردهما فقط.

فاذا اريد من لفظ العين الذهب فيراد من تثنية العين فردان منه لا فرد منه وفرد من الفضة ، ويراد من جمعه ثلاثة افراد من الذهب لا فرد منه ، وفرد من الفضة وفرد من الجارية. وعليه : فيراد من نحو (جئني بعينين) أو (بعيون) فردان من الجارية أو افراد ثلاثة من الجارية لا فرد منها. وفرد من الباصرة ، هذا في التثنية. وفرد من الشمس المضيئة ، هذا في الجمع. فيكون استعمال التثنية والجمع وارادة المتعدد من معاني المفرد استعمالا لهما في معنى واحد لا في الاكثر ، وهو مثل استعمالهما في المصاديق معنى واحد من معاني مفردهما. فهذا الاستعمال لا يكون استعمالا في الاكثر ، وكذا اذا اريد منهما فردان من افراد معاني المفرد لكن لا على التعيين ، أو افراد معانيه كذلك ، اي لا على التعيين ، فيكون كلاهما من واد واحد.

٨٩

قوله : نعم لو اريد مثلا من لفظ (عينين) فردان من الجارية وفردان من الباكية ... الخ نعم اذا استعمل العينان في اطلاق واحد في الفردين من الجارية ، وفي الفردين من الباكية فهذا الاستعمال يكون في الاكثر وفي المعنيين ، إلّا ان ما استدلّ به صاحب المعالم من حيث تكرار التثنية والجمع على كونهما حقيقة اذا استعملا في الاكثر وفي الفردين من المعنيين لا ينفعه.

فان التكرار مجوّز لارادة معنيين مختلفين في قبال ارادة فردين من معنى واحد ، لا ارادة اثنين اثنين فان فيها الغاء للوحدة ، لان التثنية عند صاحب المعالم قدس‌سره موضوعة للاثنين بقيد الوحدة كالمفرد بعينه ، اي لفردين من معنى واحد.

غاية الامر : ان المفرد وضع عنده للطبيعة ، اي للذهب وحده ، اي للذهب الكلي بقيد الوحدة مثلا.

والتثنية وضعت للاثنين من الطبيعة بقيد الوحدة فاذا ألغي قيد الوحدة واستعملت التثنية في اثنين اثنين يكون ذلك مجازا قهرا. (وبالجملة) ان ما ادّعاه صاحب المعالم قدس‌سره من جواز استعمال التثنية في فرد من الذهب ، وفي فرد من الفضة بنحو الحقيقة لا يكون هو من باب استعمال اللفظ المشترك في اكثر من معنى واحد ، وما هو من باب استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد وذلك كاستعمال التثنية في اثنين اثنين. والحال انه لا يكون دليل المعالم من حديث التكرار نافعا ومجديا لصيرورة استعمالها في الفردين من الذهب. وفي الفردين من الفضة حقيقة ، بل هو مقتض لاستعمالها في الفردين من الماهيتين كاستعمالها في فرد من الذهب وفرد من الفضة ، كما هو اوضح من ان يخفى. وكذا الكلام في ناحية الجمع بعينه ، طابق النعل بالنعل.

توضيح لا يخلو من فائدة : ان قلنا في التثنية والجمع باتفاق اللفظ والمعنى ، كان المقصود من العينين فردين من معنى واحد ، كفردين من الذهب مثلا. وان قلنا فيهما باتفاق اللفظ دون المعنى كان المراد من العينين فردا من الذهب وفردا من الفضة ، ويحتمل ان يكون المراد منها فردين من معنى واحد كفردين من

٩٠

الذهب ، لان اتفاق المعنى يكون لا بشرط دون شرط لا. اذا عرفت هذا فالامر في تثنية الاعلام وجمعها سهل تقريبا ، لكفاية اتفاق اللفظ في تثنية الاعلام.

فان قيل : انه اذا كان مدلول التثنية فردين من معنى المفرد فلا تجوز تثنية الاعلام ولا جمعها لان مدلول العلم لا يكون إلّا فردا واحدا لا فردين ، ولذا تفيد كلمة الاخلاص التوحيد عند القائلين بعلمية لفظ الله لذات الواجب الوجود دون القائلين بكونه اسما جنسا.

قلنا : ان تثنيتها باعتبار تأويل المفرد بالمسمى الكلي اوّلا ثم تثنى ، ومن الواضح ان المسمى يكون ذا افراد كثيرة فتكون الاعلام كلفظ العين في كونه ذا افراد ، هذا اولا.

وثانيا : انا نختار كفاية اتفاق اللفظ دون المعنى فيها في لحوق علامة التثنية فلا حاجة حينئذ الى التأويل بالمسمى ، فيجوز ارادة عين جارية وعين باكية منها حقيقة ، كما تجوز ارادة (زيد بن ارقم) و (زيد بن خالد) من زيدين مثلا ، ولكن لا يكون هذا من باب استعمال اللفظ في الاكثر على هذا المبني ، لان هيئة التثنية تدل على ارادة المتعدد من معنى مفردها فلا يكون هذا ايضا من باب استعمال اللفظ في الاكثر.

بطون القرآن الكريم :

قوله : وهم ودفع لعلك تتوهم ان الاخبار الدالة على ان للقرآن بطونا ... الخ فهذه الروايات تنافي امتناعا عقليا هو استعمال اللفظ في الاكثر ، لان ظاهرها تدل على استعمال الفاظ القرآن الكريم في البطون السبعة أو السبعين ، بل يدل على وقوع الاستعمال في الاكثر فضلا عن امكانه. ويدفع هذا التوهم بوجهين :

الاول : انه يحتمل ان تكون البطون مقصودة للمتكلم حين الاستعمال من غير ان تدل الفاظ القرآن عليها ، لكنها تكون مقارنة للاستعمال ، نظير قولك (زيد قائم) وتقصد من هذا الكلام كونك نفسك عالما بثبوت القيام لزيد من غير ان يكون كلامك

٩١

هذا دالا على ذلك ، لانه يدل مطابقة على ثبوت القيام لزيد ولا يدل على غير ذلك ، ومن غير ان يكون مستعملا في هذا المقصود ، فكذا الفاظ القرآن الكريم.

والثاني : انه يمكن ان تكون البطون من لوازم المعنى الحقيقي أو من لوازم المعنى المجازي لالفاظ القرآن من غير ان تستعمل فيها. مثل قولك : (جاء الضيف) وهو ملازم لنزول البركة ودفع البلية ، من غير ان يستعمل هذا الكلام في هذا المطلب ، فكذا بطون القرآن الكريم. والدلالة الالتزامية اجنبية عن الاستعمال ، وان كانت افهامنا الناقصة قاصرة جدا عن ادراكها وفهمها.

حقيقة المشتق ومجازه :

قوله : الثالث عشر انه اختلفوا في ان المشتق حقيقة في خصوص ما تلبس بالمبدإ ... الخ اعلم ان المشتق يكون حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدإ في حال النسبة والحمل اتفاقا كما انه يكون مجازا بالاتفاق فيمن لم يتلبس بالمبدإ بعد ، بل يتلبس به في الاستقبال. وانما الخلاف فيمن تلبس به وانقضى عنه المبدأ في حال النسبة والحمل. وقبل الخوض في المسألة وتفصيل الاقوال فيها وبيان الاستدلال على الاقوال ينبغي تقديم امور :

مقدمة : ان اللفظ الذي وضع لمعنى يكون على نوعين :

الاول : هو ما وضعت مادته لمعنى ، وهيئته لمعنى ، وهو المشتق نحو ضارب ، لان مادته وضعت للحدث وهيئته لذات صدر عنه الحدث.

والثاني : هو ما وضع مجموع مادته وهيئته لمعنى وهو الجامد ، نحو (زيد ورجل) لان الاول وضع بوضع واحد للذات المعينة والثاني لذات ثبتت له الذكورية.

٩٢

المشتق

واما المشتق فهو على قسمين :

الاول : هو الذي يحمل على الذات ويصدق عليها خارجا نحو اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة مثلا.

والثاني : هو ما وضع لمعنى ولا يجري على الذوات ولا يصدق عليها خارجا ، نحو الافعال والمصادر المزيدة ، بل المصادر المجردة بناء على القول الصحيح من اشتقاقها ايضا.

كما قال به الكوفيون من النحاة مستدلين بان إعلال المصدر يدور مدار إعلال الفعل وجودا وعدما ، اما وجودا ففي (يعد عدة). واما عدما ففي (يوجل وجلا).

واما الجامد فهو ايضا على قسمين :

احدهما : ما يكون موضوعا لمعنى منتزع عن مقام الذات كالانسان والحيوان والشجر والتراب وما شابهها. لان الاول وضع للحيوان الناطق ، والثاني للجسم النامي الحسّاس قابل للابعاد الثلاثة ، والثالث للجسم النامي غير الحساس ، والرابع للجسم المطلق ، فكلها منتزعة عن مقام ذاتها كما لا يخفى.

وثانيهما : ما يكون موضوعا لمعنى منتزع عن امر خارج عن مقام الذات ، كعنوان الزوج والرق والحرّ وما شاكلها ، لان عنوان الزوجية والرقية والحرية والملكية خارج عن مقام ذات الزوج وذات الرق وذات الحرّ وذات المملوك ، فهذه أربعة أقسام.

ويكون محل النزاع في القسم الاول من المشتق ولا ينحصر فيه ، بل يجري

٩٣

في القسم الثاني من الجامد ايضا ، فلا ينحصر النزاع في المشتق. واما القسم الثاني من المشتق والقسم الاول من الجامد فخارجان عن مورد الخلاف والنزاع.

قوله : احدها ان المراد بالمشتق هاهنا ليس مطلق المشتقات بل خصوص ما يجري ... الخ اعلم ان محل البحث ما يجري على الذات سواء كان مشتقا كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة بل وصيغ المبالغة من اسم الفاعل ك (الأكّال) و (العلّام). واسم الزمان والمكان والآلة بل وافعل التفضيل وافعل الوصفي كما هو ظاهر العنوان ، وصريح بعض المحققين.

فلا وجه لتوهم بعض الأجلّة من اختصاص الخلاف باسم الفاعل والصفة المشبهة واسم المفعول ، وخروج سائر الصفات عن حريم النزاع. لان ذكر بعض المشتق في عنوان المبحث من باب المثال ، لا من باب حصر النزاع فيه ، كما زعمه صاحب الفصول قدس‌سره.

قوله : وما يلحق بها اي ما يلحق باسم الفاعل ، وذلك نحو المصدر الذي يكون مبنيا للفاعل نحو (زيد عدل) أي عادل ، وما يلحق بالصفات المشبهة ، كالمنسوبات نحو (زيد بغدادي) و (عمر وكوفى). و (بكر نجفي). اي تكون عناوين البغدادية والكوفية والنجفية ثابتة لموصوفاتها كالصفات المشبهة لموصوفاتها.

ردّ قول صاحب (الفصول):

قوله : ولعل منشأ التوهم كون ... الخ فيقول المصنف قدس‌سره : ولعل منشأ توهم (الفصول) اختصاص النزاع باسم الفاعل وما بمعناه من المصادر التي تكون بمعناه. ان ما ذكره (الفصول) من معنى لسائر المشتق مثل كون اسم المفعول حقيقة في الذات التي وقع عليها المبدأ في الحال ، ومثل كون اسم الزمان حقيقة في الزمان الذي وجد فيه المبدأ في الحال أو الماضي ، ومثل كون اسم المكان حقيقة في المكان الذي وجد فيه المبدأ في الحال أو الماضي ، ومثل كون اسم الآلة التي وجد بها المبدأ في الحال أو الماضي حقيقة بالاتفاق.

٩٤

فينحصر النزاع قهرا باسم الفاعل وما بمعناه ، ولم يتفطن ان ما ذكر من المعاني لسائر المشتقات ـ غير اسم الفاعل وما بمعناه ـ ليس مما اتفق عليه الكل ، بل هو ايضا محل خلاف كاسم الفاعل وما بمعناه ، وعليه فلا يختصّ النزاع ببعض المشتقات الجارية على الذات دون بعض. فتفطّن.

قوله : واختلاف انحاء التلبسات حسب تفاوت مبادئ المشتقات ... الخ اعلم ان المشتق قد يطلق ويراد به المتّصف بشأنية المبدإ. كما يقال (هذه شجرة مثمرة) ، وقد يطلق ويراد به المتخذ للمبدإ حرفة وصنعة كما يقال (زيد خيّاط) و (هو كاتب) ، و (عمرو تاجر). فتوهّم اختصاص النزاع ببعض المشتقات كما عن صاحب الفصول ، وهو اسم الفاعل وما بمعناه من المصادر التي تكون بمعنى اسم الفاعل.

والصفة المشبهة وما يلحق بها من المنسوبات كالكربلائي والنجفي والبغدادي و ... تكون لامرين :

احدهما : تمثيل الاصوليين ببعض المشتقات ، كاسم الفاعل وما بمعناه ، والصفة المشبهة وما يلحق بها من المنسوب كالمدني. وغفل من انه يكون من باب المثال ، لا من باب انحصار النزاع فيه.

وثانيهما : اختلاف انحاء التلبّسات حسب تفاوت مبادئ المشتقات بحسب الفعلية والشأنية والصناعة والملكة. ولكن ردّه المصنف بأنه لا يوجب تفاوتا في المهم الذي محل الخلاف ، مثال الاول نحو : (زيد قائم) و (عمر وضارب بكرا). فالقائم والضارب منتزعان عن الذات بملاحظة اتصافها بالقيام والضرب ، وهما فعلان صادران عن ذات من الذوات. ومثال الثانية نحو : (هذه الشجرة مثمرة) اي من شأنها ان تكون مثمرة وان كانت بالفعل غير مثمرة. ومثال الملكة نحو : (زيد مجتهد) و (عمر وعادل) اي لهما ملكة الاجتهاد وملكة العدالة. ومثال الصنعة نحو : (احمد تاجر) اي صنعته التجارة. ومثال الحرفة نحو : (زيد نجّار) اي حرفته النجارة. فزعم (الفصول) ان النزاع ينحصر في النوع الاول فقط لصدق المشتق في البواقي بدون التلبس بالمبدإ في حال النسبة ، لان المجتهد مجتهد وان كان نائما أو مسافرا وكذا

٩٥

الباقي.

فهذا غفلة من (الفصول) لان التلبس معتبر بشأنية المبدإ أو بصناعته أو بملكته لا بنفس المبدإ بذاته مثلا : اذا زالت ملكة الاجتهاد عن زيد بعد ان تلبس بها ، فاذا قيل حينئذ (زيد مجتهد) أفهذا الاطلاق حقيقة أم مجاز؟ وهذا يبتني على وضع المشتق ، فاذا قلنا بوضعه للاعم فهو حقيقة ، وان قلنا بوضعه لخصوص المتلبس بالمبدإ في حال النسبة فهو مجاز ، وكذلك الباقي كما لا يخفى.

عنوان المشتق وأنه أعم من المشتق الصرفي :

قوله : ثم انه لا يبعد ان يراد بالمشتق في محل النزاع مطلق ما كان مفهومه ومعناه ... الخ وحاصله ان المراد من المشتق في محل الخلاف ما يجري على الذات ويحمل عليها وينتزع عن الذات بملاحظة اتصاف الذات بعرض أو عرضي.

وبملاحظة اتحاد الذات مع المبدإ على نحو من انحاء الاتحاد ، اي سواء كان بنحو الحلول نحو (زيد مريض) أو بنحو الانتزاع نحو (السقف فوق) أو بنحو الاعتبار نحو (زيد زوج) أو بنحو الصدور والايجاد نحو (زيد ضارب عمرا الآن أو غدا) و (عمر ومضروب) و (بكر حسن الوجه) ، ولو كان جامدا كما رأيت في المثال. ولا بد هنا من بيان امور :

الاول : الفرق بين العرض والعرضي ، هو ان العرض متأصل ، له نصيب من الوجود ولو في ضمن المعروض عليه ، وذلك نحو (السواد) و (البياض) ونحوهما من الاعراض المتأصلة التي تقابل الجوهر ، سواء كانت قسمية ك (الكم) لانه ينقسم الى متّصل ومنفصل ، أم كانت لا قسمية بالذات ، ولا نسبية بنفسها. وذلك نحو ال (كيف) ، أو نسبية فقط ك (الفعل والانفعال والاضافة والملك والاين والمتى والوضع). أو العرضي ك (الفوقية والتحتية والزوجية والرقيّة) ونحوها من الأمور الانتزاعية الخالصة التي لا حظّ لها من الوجود الا لمنشإ انتزاعها ، من غير فرق في هذه الأمور كلها لانها تجري على الذوات التي تتصف بها.

٩٦

فتلخص مما ذكرنا : ان المراد بالعرض هو انه أمر متأصل ، له ما بازاء في الخارج مثل (السواد والبياض والقيام والانكسار) ، وان المراد بالعرضي هو الامر الانتزاعي الذي له منشأ الانتزاع وليس له ما بازاء في عالم الخارج ، نحو (الزوجية والرقية) ونحوهما ، وإن أبيت ، اي وان منعت الا عن ارادة المشتق (المصطلح الصرفي) كما هو قضية الجمود وقصر الفكر عن ظاهر لفظ المشتق المذكور في عنوان الاصوليين قدس‌سرهم فهذا القسم من الجوامد داخل في مورد النزاع ايضا بلا شبهة.

والثاني : الفرق بين الصدور والايجاد المذكورين سابقا هو انه باعتبار صدور الفعل عن الفاعل يسمى صدوريا ، وباعتبار وقوعه على المفعول يقال له ايجاد ، فالفرق بينهما اعتباري.

والثالث : النسبة بين المشتق في عنوان البحث والمشتق (المصطلح الصرفي) هي عموم من وجه لاجتماعهما في اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وافعل التفضيل ونحوها من اسم الزمان والمكان والآلة بل وصيغ المبالغة. وافتراق المشتق (المصطلح) في الافعال والمصادر المزيدة. وافتراق المشتق الذي هو محل البحث في القسم الثاني من الجامد كالزوجية والملكية ونحوهما من الانتزاعيات. فهذا القسم من الجوامد داخل في محل النزاع ، كما يشهد به ما عن الايضاح لفخر المحققين قدس‌سره في باب الرضاع منه في مسألة : (من كانت له زوجتان كبيرتان ارضعتا زوجته الصغيرة. ما هذا لفظه : تحرم المرضعة الاولى والصغيرة مع الدخول بالكبيرتين. واما المرضعة الاخرى ففي تحريمها خلاف ، فاختار والدي المصنف رحمه‌الله وابن ادريس قدس‌سره تحريمها لان هذه يصدق عليها أمّ زوجته) لانه لا يشترط في المشتق بقاء المشتق منه. هكذا هنا.

توضيح المسألة : إذا ارضعت إحدى الكبيرتين الصغيرة مع فرض دخوله بها حرمتا عليه مؤبدا بلا خلاف. اما الكبيرة فلأجل انها صارت بارضاعها الصغيرة ام زوجة له وهي محرمة في الكتاب العزيز والسنة الشريفة. واما الصغيرة فلأجل انها صارت بارتضاعها من الكبيرة بنتا له ان كان اللبن له ، وربيبته ان كان اللبن من

٩٧

فحل آخر. وكلا العنوانين قد ثبتت حرمتهما في الكتاب المجيد والسنة. وهي : (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب). واما تحريم المرضعة الكبيرة الثانية عليه ففيه خلاف ، واختار جماعة منهم العلامة قدس‌سره تحريمها عليه لصدق عنوان أمّ الزوجة عليها ، وهي محرمة في الشريعة المقدسة بالكتاب الكريم والسنة الشريفة.

وهذا متفرع على كون المشتق المبحوث عنه للاعم من المتلبس بالمبدإ في حال النسبة ، وممن انقضى عنه المبدأ. ولذا قال الشهيد الثاني رحمه‌الله في المسالك بابتناء الحكم في المرضعة الثانية في مسألة المشتق. فان قلنا بوضعه لخصوص المتلبس بالمبدإ في حال النسبة والحمل فلا تحرم عليه ، اذ عنوان زوجية الصغيرة قد زال بارتضاعها من الأولى لانها قد صارت بنته الرضاعية ان كان اللبن لبنا له ، أو ربيبته ان كان اللبن من فحل آخر ، وهما محرّمان ابدا مع فرض الدخول بالأم.

وان قلنا بوضعه للاعم فتحرم عليه لصدق عنوان أمومة الزوجة عليها حينئذ ، مع كون الزوجة من الجامد الصريح فلا يختص الخلاف بالمشتق المتعارف الصرفي كما توهمه الفصول رحمه‌الله ، بل كان النزاع في كل ما كان مفهومه منتزعا عن الذات بملاحظة اتصاف الذات بالصفات الخارجة عن الذاتيات كانت الصفات عرضا كالسواد والبياض ونحوهما ، أو عرضيا ك (الزوجية والرقية والحرّية) أو غيرها من الاعتبارات والاضافات ، كان داخلا في النزاع وان كان جامدا.

قوله : وهذا بخلاف ما كان مفهومه منتزعا عن مقام الذات والذاتيات اعلم انه قد تحصّل مما ذكرنا ان دخول شيء في محل النزاع هنا يبتني على ركنين :

الركن الاول : ان يكون الشيء جاريا على الذات المتلبّسة بالمبدإ ومتحدا معها خارجا بنحو من الاتحاد ، وبذلك الركن خرجت المصادر المزيدة لانها لا تجري على الذات المتصفة بها فانها مغايرة معها خارجا وعينا ، فلا يقال زيد اكرام اذا كان زيد متصفا بهذا المبدإ بل يقال : (زيد مكرم) ، وكذا المصادر المجردة لا يشملها النزاع لعدم صحة جريها وحملها على الذات فلا يقال (زيد عدل) الا من باب المبالغة في الاسناد ، وان قلنا بانها من المشتقات.

٩٨

وهكذا الافعال جميعا لا يجري فيها هذا النزاع ، لعدم جريها على الذوات وان كانت من المشتقات. فخرج جميع المذكورات عن مورد النزاع لكونه فاقدا لهذا الركن. فلا يقال في (زيد قام) و (عمر ويقوم) حمل الفعل على زيد من باب حمل الخبر وجريه على المبتدإ فكيف قلتم انه لا يحمل ولا يجري على الذات ، والمبتدأ اسم ذات في المثال؟ لانا نقول ان الفعل اسند الى الضمير المستتر وهو حمل على الذات ويتحد معها خارجا وعينا لا الفعل من اجل الكون الراجع عين المرجع ، ف (زيد قام) في قوة (زيد هو) ، وكذا الباقي. هذا مضافا الى انه يعتبر في الحمل الاتحاد مصداقا وخارجا والفعل لا يتّحد مع الذات مصداقا كما هو واضح.

الركن الثاني : ان تكون الذات باقية بعد انقضاء المبدإ ، بان تكون لها حالتان حالة تلبسها بالمبدإ وحالة انقضاء المبدإ عنها ، وبذلك الركن خرج القسم الاول من الجوامد كالانسان والحيوان والشجر ونحوها من العناوين الذاتية ، والوجه فيه ان المبادئ في امثال ذلك مقوّمة لنفس الحقيقة والذات وبانتفائها تنتفي الذات فلا تكون الذات باقية بعد انقضاء المبدإ اي مبدأ الاشتقاق. فينبغي التنبيه على أمرين :

الاول : ان الذاتي على قسمين :

الاول : ذاتي (باب الإيساغوجي) ، وهو الجنس والفصل والنوع.

والثاني : ذاتي (باب البرهان) ، وهو المحمول الذي ينتزع عن نفس ذات الشيء بدون ضم ضميمة مثل زوجية الاربعة ، فكلاهما خارجان عن هذا البحث لانتفاء الموضوع بانتفاء ذاتي باب الإيساغوجي.

مثلا : في قولنا (زيد انسان) اذا انتفى الانسان انتفى زيد ، هذا مثال النوع. وكذا في (الانسان حيوان ناطق) اذا انعدم الحيوان والناطق انعدم الانسان. فليس هنا حالتان حال التلبس وحال الانقضاء مع بقاء الذات ، فاذا فرضنا تبدل الانسان بالتراب أو الكلب بالملح فملاك الانسانية أو الكلبية ، وهو الصورة النوعية ، قد انعدمت وزالت ووجدت صورة نوعية ثانية وهي : صورة النوعية الترابية أو الملحية.

ومن الواضح ان الانسان لا يصدق على التراب ، ولا الكلب على الملح بوجه

٩٩

من الوجوه ومع عدم بقاء الذات لا تشمل ذاتيات باب الاساغوجي ولا معنى لان يقال ان الاطلاق عليها حقيقة أو مجاز.

فخرجت الذاتيات في باب الايساغوجي عن مورد النزاع لكونها فاقدة الركن الثاني ، ولا يمكن انقضاء ذاتي باب البرهان مثل زوجية الاربعة ، لانها لازم نفس ماهية الاربعة ، ولا يمكن انفكاكها عنها ، فليست لذاتي باب البرهان حالة الانقضاء. فخرج هذا ايضا عن محل النزاع لكونه فاقدا الركن الثاني ايضا.

الثاني : الفرق بين الاعتبارات والاضافات اللتين ذكرتا سابقا ، هو أن احتياج الاعتبار الى المعتبر ، فمن هذه الجهة تسمّى الأشياء اعتبارات ، ولانتسابها الى ذات من الذوات تسمى اضافات. فالفرق بينهما اعتباري لا حقيقي.

ومن جميع ما ذكرناه يظهر ان الخارج عن البحث أمران :

احدهما : العناوين الذاتية لان ذاتي البرهان ليس له حالة الانقضاء مع بقاء الموضوع وهو الاربعة مثلا ، وللذاتيات باب الايساغوجي وان كانت لها حالة الانقضاء. ولكن لا يبقى الموضوع مع انقضائها ، بل تكون حقيقة في خصوص المتلبّس بالمبدإ ، وفي ما اذا كانت الذات باقية بسبب ذاتياتها كالانسان الذي يبقى مع بقاء الحيوان الناطق وينعدم بانعدامه ، وكذا زيد يبقى مع بقاء الانسان الذي حمل عليه وينعدم بانعدامه ويفنى بفنائه.

ثانيهما : الافعال والمصادر لعدم جريها وحملها على الذوات ، لانه يشترط في الحمل اتحاد المحمول والمحمول عليه مصداقا وعينا ، وهما ليستا متحدتين مع الذوات بحسب المصداق في الخارج ، كما لا يخفى على احد ، فهذه فاقدة الركن الاول.

عدم اختصاص النزاع ببعض المشتق :

قوله : ثانيها قد عرفت انه لا وجه لاختصاص النزاع ببعض المشتقات ... الخ لوجود الركنين في جميع العناوين الجارية على الذوات التي تبقى بانقضاء العناوين سواء كانت اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة بل صيغ المبالغة واسم التفضيل

١٠٠