البداية في توضيح الكفاية - ج ١

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ نهضت
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-0-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٤٤٨

مع عدم القرينة المعينة. والاجمال ينافي التمسّك باطلاق الخطاب في صورة الشك في جزئية شيء للمأمور به أو شرطيته له. كما سيأتي في بيان ثمرة النزاع فيلزم خلاف مقصود الأعمّي لانهم يتمسكون به عند الشك المذكور كما لا يخفى.

الدليل الخامس :

قوله : خامسها ان يكون حالها حال اسامي المقادير والاوزان مثل المثقال ... الخ اعلم ان الموضوع له فيها يكون مثل الموضوع له في اسامي المقادير والاوزان مثل المثقال والحقّة والوزنة وما شاكلها مثلا ، لاحظ الواضع حين وضع المقادير مقدارا معينا كالف ومائتي رطل عراقي أو مدني لتحديد الكرّ ، ولكن لم يضع لفظ الكر لهذا المقدار الخاص ، بل وضعه للجامع الكلي الذي ينطبق على التام والناقص في الجملة فلذا يطلقها اهل العرف على الناقص في الجملة ، فكذا لاحظ الشارع المقدس ابتداء صحيح التام ، ولكن لم يضعها لخصوص التام بل للجامع الكلي الذي ينطبق على التام والناقص فلا يكون استعمالها فيهما مجازا اصلا.

وفي ضوء هذا التفصيل ظهر الفرق بين الوجود الخمسة ، لانه في الاول يكون مسمى الصلاة معينا ، وهي اركان فعليه تدور التسمية مدارها وجودا وعدما من دون مدخلية المعظم فيها. وفي الثاني : يكون معظم الأجزاء ، فاذا وجد المعظم صدق المسمى عرفا ، فالتسمية تدور مدار المعظم. وفي الثالث : يكون المسمى صرف وجود الصلاة ولو في ضمن غير المعظم ، نحو صلاة الغريق التي تشتمل على التكبيرة والقراءة فقط. وفي الرابع : يكون المسمى منوطا بالتسمية العرفية ، واهل العرف يتسامحون ويطلقونها على الناقص تنزيلا للناقص منزلة التام. وفي الخامس :

يكون المسمى الجامع الكلي الذي ينطبق على التام وعلى الناقص.

٦١

الجواب عنه :

قوله : وفيه ان الصحيح كما عرفت في الوجه السابق ... الخ والصحيح التام في العبادات لا يكون محفوظا مضبوطا في جميع الحالات بل يختلف باختلافها حتى لاحظه الواضع كما عرفت في الوجه الاول.

تتمة : فلا صحيح مضبوط هناك كي يلحظ التام والناقص بالنسبة اليه حتى يوضع لفظ الصلاة للاعم منهما.

قوله : فتدبر جيدا تدقيقي اشارة الى دقة ما سبق.

فتحصّل مما ذكرنا : انه يمكن أن يقال إن الفاظ المقادير وأسامي الاوزان ، وان وضعت ابتداء للتام الكامل لا بازاء الجامع ، ثم استعملت في التام والناقص معا لمشابهة الناقص للتام في الصورة ولمشاركته اياه في الاثر المهم فصارت الفاظها حقيقة في الاعم على نحو الوضع التعيني الاستعمالي ، لا على الطريق الانشائي كما سبق من المصنف في بحث الحقيقة الشرعية في الفاظ العبادات فراجع.

ولا يمكن ان يقال هذا الكلام في الفاظ العبادات لان التام الصحيح فيها مختلف على حسب اختلاف حالات المكلف ، فلا يكون فيها التام الصحيح مضبوطا محفوظا حتى توضع للاعم على نحو الوضع التعييني الاستعمالي لا على نحو الوضع التعييني الانشائي ، وهو واضح.

قوله : ومنها ان الظاهر ان يكون الوضع والموضوع له في الفاظ العبادات عامين ... الخ وقبل ذكر أدلة الطرفين لا بد من ذكر أمور :

منها : ان يكون الوضع والموضوع له فيها عامين كاسماء الاجناس والمشتقات ، واحتمال كون الموضوع له خاصا بعيد جدا لانه حينئذ يلزم الإشكالان على سبيل منع الخلو :

الاول : انه تلزم مجازية استعمالها في الجامع في مثل (الصلاة تنهى عن الفحشاء) و (الصلاة معراج المؤمن) و (عمود الدين) و (الصوم جنّة من النار) ، لكونه من باب استعمال اللفظ في غير ما وضع له ، لانه اما أن يكون خصوص التام واما أن

٦٢

يكون خصوص الناقص ، على تقدير كون الموضوع له خاصا فيها ، فلا يقال ان الناقص لا يكون معراجا للمؤمن ولا عمودا للدين حتى يصح استعمال لفظ الصلاة فيه كي تلزم المجازية ، لانه يقال ان الناقص معراج وعمود كالتام ، لان المقصود منه هو الناقص الاضافي كصلاة المسافر بالاضافة الى صلاة الحاضر ، فلفظ الصلاة استعمل في الجامع والقدر المشترك بينهما وهو مسمى الصلاة سواء كان تاما أم كان ناقصا. وكذا لفظ الصوم استعمل في الجامع والقدر المشترك بين التام ، وهو من الفجر الى الغروب وبين الناقص وهو صوم الحائض اذا طهرت قبل الزوال.

والثاني : انه اما أن يلزم منع استعمال الفاظ العبادات في الجامع لوجهين :

الوجه الاول : ان المجاز يحتاج الى القرينة الصارفة وهي غير موجودة في الامثلة المتقدمة. ومن انتفائها نستكشف عدمه.

الوجه الثاني : لان الآثار تكون مترتبة على طبيعة الصلاة من دون ملاحظة الافراد ، وعلى الجامع من دون لحاظ الخصوصية من الاختيار والاضطرار و ... فاستعملت في الجامع والقدر المشترك ، وهذا يكشف عن الجواز ، اي جواز استعمالها فيه ، كما لا يخفى بعد المجازية ومنع الاستعمال في الجامع على اولى النّهى.

حاصل الكلام : ان كان استعمالها في الجامع مجازا فلا بد من القرينة الصارفة ، اذ هي لازمة مساوية للمجاز ، وفي صورة استعمالها في الجامع غير موجودة ، وحينئذ نعلم من انتفاء اللازم المساوي انتفاء الملزوم ، ولا يكون استعمالها فيه ممنوعا لان القضايا الصادرة من الشارع تكون طبيعية تترتب الاحكام عليها لا على الافراد فتكون الصلاة واجبة ، مثل الانسان نوع والحيوان جنس. لان النوعية مترتبة على طبيعة الانسان لا على افراده ، وكذا الحال في الجنسية.

بيان ثمرة النزاع :

قوله : ومنها ان ثمرة النزاع اجمال الخطاب على قول الصحيحي ... الخ ومن الأمور ان ثمرة النزاع هي اجمال الخطاب على قول الصحيحي. فاذا شك في جزئية شيء

٦٣

للمأمور به كالسورة ، أو في شرطيته له ، كالجهر والاخفات ، فلا يجوز التمسك باطلاق الخطاب لعدم اعتبارهما فيه ، لاحتمال دخل المشكوك بعنوان الشرطية ، وبعنوان الشرطية في المأمور به. ومع هذا لا يحرز المسمى ولا تحصل البراءة اليقينية بعد الاشتغال اليقيني. فلا بد من التمسك بالاشتغال والاحتياط ولا بد من اتيان المشكوك هذا على مذهب الصحيحي ، ووجه ذلك ما تقدم.

واما على مذهب الأعمّي فيرجع من اختلاف التام الصحيح باختلاف حالات المكلف الى اطلاق الخطاب الذي يكون موضوعه العبادة ك (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) في دفع المشكوك ، اي في دفع مشكوك الجزئية ، أو مشكوك الشرطية المأمور به بعد إحراز شرائط جواز التمسك بالاطلاق ، وهي اربعة :

الاول : أن يكون المولى في مقام بيان تمام اغراضه.

والثاني : أن لا يكون القدر المتيقن في مقام التخاطب.

والثالث : أن لا تكون القرينة على ارادة القدر المتيقن.

والرابع : أن تكون المصلحة في البيان لا في الاجمال والاهمال. فهذه الأمور تسمى بمقدمات الحكمة.

كما ان اصالة الاطلاق هي المرجع في سائر الاطلاقات. فبالنتيجة فاقد مشكوك الجزئية وفاقد مشكوك الشرطية يكون صلاة قطعا على الأعمّي. وحينئذ فاطلاق قوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) يقتضي كون الموضوع نفس الصلاة مطلقا لا مقيدا بمشكوك الجزئية فيلغى به احتمال الجزئية.

اما مع اجمال الموضوع فيسقط اطلاق الخطاب عن الحجيّة ، لان التمسك به يكون فرع العلم بانطباق موضوعه ، وهو غير حاصل مع اجماله ، ويترتب على ذلك انه لو شك في جزئية شيء أو شرطيته للصلاة الواجبة فيتعذر الرجوع الى اطلاق قوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) لنفي الشك المذكور على القول بالصحيح (هذا).

ومع عدم تمامية مقدمات الحكمة ، فالمرجع اما اصالة البراءة ، أو اصالة الاشتغال ، على خلاف في دوران الامر بين الاقل والاكثر الارتباطيين لا الاستقلاليين.

٦٤

والفرق بين الارتباطي والاستقلالي هو انه لا يمكن التفكيك بين اجزائه في الامتثال في الارتباطي كالصلاة الواجبة أو المندوبة ، إذ لا يمكن الانفكاك بين اجزاء الصلاة في مقام امتثال امر المولى ، بل لا بد من الإتيان بجميعها كي يمتثل الامر ، والمركب الاستقلالي ما يمكن التفكيك بين اجزائه في الامتثال كالدّين المردد بين الاقل والاكثر. فالاول : يكون اختلافيا ذهب بعض الى البراءة بالاضافة الى المشكوك ، وذهب بعض الى الاشتغال.

والثاني : يكون وفاقيا وقال كل بالبراءة بالنسبة الى المشكوك ، فالمسمى يكون محرزا ومعينا عند الأعمّي عند اطلاق الخطاب الذي يكون موضوعه العبادة ولا يكون محرزا عند الصحيحي في صورة اطلاقه ، كما ان ظهور الاطلاقي منعقد عند الأعمّي ولذا يتمسك به عند الشك في الجزئية أو في الشرطية ولا ينعقد عند الصحيحي ولذا لا يتمسك به عند الشك المذكور لان المشكوك يحتمل ان يكون دخيلا في المسمى كما ان الأعمّي يقول انه دخيل في المأمور به لا في المسمى.

فالاعمّي يقول ان المأمور به في قوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) وفي امثاله هو التام الصحيح والمسمى يكون اعم منه ومن الناقص ، والصحيحي يقول ان المسمى كالمأمور به يكون تاما صحيحا كاملا لا غيره.

ابطال الثمرة الثانية :

قوله : وقد انقدح بذلك ان الرجوع الى البراءة والاشتغال في موارد الاجمال ، غرض المصنف من هذا الكلام ابطال الثمرة الثانية ، وهي انه يرجع الى البراءة على الاعم ويرجع الى الاشتغال على الصحيح عند الشك في الجزئية أو في الشرطية ، وهذه مردودة فلا وجه لها لان مورد الاصل هو عدم الاطلاق من دون تفاوت على القولين.

ففي صورة الشك في جزئية شيء للمأمور به أو شرطيته له مع عدم اطلاق الدليل يرجع الى الاصل العملي لكونه من صغريات الاقل والاكثر الارتباطيين

٦٥

والمرجع فيه اما البراءة واما الاشتغال على الخلاف الثابت بينهم.

وبتقرير آخر وهو ان هذه الثمرة معقولة اذا كان المأمور به معلوما والشك انما يكون في محصله ، وهذا فاسد ، لانه لا يكون مفهوم الصحيح مأمورا به بل مصداقه مأمور به ونفس المصداق مردد بين الاقل والاكثر لا محصّله.

فعلى هذا يرجع الصحيحي الى البراءة لعموم حديث الرفع ونحوه. نعم اذا كان المأمور به معلوما وكان الشك في محصّله فالمرجع هو الاشتغال بناء على الصحيحي والبراءة على الأعمّي وليس الامر كذلك فلا ملازمة بين الصحيحي والاشتغال.

ولذا ذهب المشهور الى البراءة مع ذهابهم الى الصحيح لان مناط جواز التمسك باطلاق الخطاب كون المتكلم في مقام البيان وانه لم ينصب قرينة على التقييد ، وعليه فكما ان الأعمّي يتمسك بالاطلاق فيما اذا احتمل دخل شيء في المأمور به زائدا على القدر المتيقن ، فكذا الصحيحي يتمسك به اذا شك في اعتبار امر زائد على المقدار المعلوم ، ومن اجل هذا يتمسك الفقهاء قدس‌سرهم باطلاق صحيحة حماد رضى عنه الله التي وردت في مقام الأجزاء والشرائط وبيّن الامام عليه‌السلام فيها تمام اجزاء الصلاة ، من التكبيرة والقراءة والركوع والسجود ونحوها ، وحيث لم يبيّن عليه‌السلام فيها الاستعاذة قبل البسملة في الركعة الاولى فيتمسك باطلاقها على عدم وجوبها ، فلا فرق في ذلك بين الصحيحي والأعمّي اصلا. فتلخص ان المناط كون المتكلم في مقام البيان لا الاجمال ولا الاهمال ، لا بكون الوضع للاعم أو الصحيح كما لا يخفى ، فالثمرة الثانية باطلة جدا كما لا يخفى.

وينبغي بيان الفرق بين الاجمال والاهمال هو ، ان الاول يكون لمصلحة ، والثاني قد يكون لاجلها وقد لا يكون كذلك بل لغرض آخر ، وقيل بوجه آخر لا طائل فيه.

توضيح لا يخلو من فائدة : وهو انه اذا اخترنا في المقام قول الصحيحي فيكون الموضوع له خاصا ، وهو خصوص الصحيح ، فلا ينعقد الاطلاق اللفظي

٦٦

للخطاب على هذا القول. واما اذا قلنا بمقالة الأعمّي ، فيكون الموضوع له عاما وهو مسمى الصلاة عرفا ، وينعقد الاطلاق اللفظي للخطاب على قوله.

بيان الثمرة وفسادها :

قوله : وربما قيل بظهور الثمرة في النذر ايضا ... الخ اذا نذر شخص اعطاء درهم للمصلي فعلى قول الأعمّي تبرأ ذمته سواء كانت صلاته تامة أم كانت ناقصة ، وعلى الصحيحي تبرأ اذا احرز ان صلاته كانت تامة ، فهذه مردودة لانها ليست من مسائل الاصول لانها تقع كبرى القياس مع انضمام صغرى معلومة عقلا أو شرعا اليها ، فينتج حكم شرعي كلي.

فهذه الثمرة تكون نفسها حكما فرعيا فقهيا وهو براءة الذمة من وجوب الوفاء بالنذر على الأعمّي ، ومن عدم براءة ذمة الناذر من وجوب الوفاء بالنذر على الصحيحي. هذا مضافا الى ان وجوب الوفاء بالنذر تابع لقصد الناذر في الكيفيّة والكميّة ، واجنبي عن الوضع للصحيح أو الاعم ، فلو قصد الناذر من كلمة المصلّي من فعل التامة من الصلاة لم تبرأ ذمته بالاعطاء لمن فعلها فاسدة ، ولو قلنا بوضع الالفاظ للاعم. ولو قصد منها الآتي بالصلاة ولو كانت فاسدة برأت ذمته بذلك ، وان قلنا بوضع الالفاظ للصحيح التام الكامل.

قوله : فافهم وهو اشارة الى ان الصحة المتنازع دخلها في المسمى تكون غير الصحة المعتبرة في مرحلة الامتثال فيمكن ان يكون المأتي به صحيحا من جهة وجدانه تمام الأجزاء والشرائط وفاسدة من الجهات الأخر وتلك كالرياء والسمعة ، وعليه تحصل براءة الذمة بالاعطاء لمن يصلي فاسدة ايضا.

ادلّة الصحيحي :

قوله : وكيف كان فقد استدل للصحيح بوجوه احدها التبادر ... الخ فقد استدل الصحيحي على مدّعاه بوجوه اربعة :

٦٧

احدها : تبادر الصحيح من الالفاظ عند اطلاقها الى أذهان السامعين ، فاذا قيل زيد صلّى اي فعلها صحيحة. وهو يصلّي اي يفعلها تامة صحيحة ، وهو يكشف إنيا عن الوضع. لانه معلول الوضع ، ولا منافاة بين دعوى تبادر الصحيح منها وبين اجمال الخطاب بها على هذا القول ، لانه انما تكون فيما اذا لم تكن معاني الفاظ العبادات مبيّنة بوجه من الوجوه ، وقد عرفت كون معانيها ومصاديقها مبيّنة معلومة بوجوه عديدة. مثل كونها معراجا للمؤمن وعمود الدين ومثل كونها ناهية عن الفحشاء والمنكر وقربانا لكلّ تقي.

فالتبادر مربوط بالمعنى ، والاجمال منوط بمصداق الصحيح ، فلا منافاة بين التبادر المفهومي والاجمال المصداقي. والمراد من الوجوه الآثار المتقدم ذكرها المشار بها الى الصحيح الكامل من العمودية والمعراجية والقربانية والناهية.

الدليل الثاني :

قوله : ثانيها صحة السلب عن الفاسد بسبب الاخلال ببعض اجزائه أو شرائطه ... الخ.

ثانيها : صحة سلب لفظ الصلاة عن الفاسد بمعناه المعلوم والمحصّل في الذهن بالوجوه والآثار ، لانه يصح ان يقال ان صلاة الحائض ليست بصلاة ، فلو كان موضوعا للاعم فلا يصح السلب ، لان الفاسدة تكون مصداقا له ، وفسادها يكون بسبب الاخلال ببعض اجزاء المأمور به ، أو ببعض شرائطه. فالفاسدة لا تكون صلاة بالدقة العقلية ، وان صح اطلاق لفظ الصلاة عليها بالعناية ومجازا بعلاقة المشابهة ، لان الفاسدة شبيهة بالصحيحة في الصورة ، وهي اي صحة السلب علامة المجاز كما سبق.

الدليل الثالث :

قوله : ثالثها الاخبار الظاهرة في اثبات بعض الخواص والآثار ... الخ.

ثالثها : الاخبار التي تبيّن الآثار والخواص لمسميات الفاظ العبادات ، مثل

٦٨

الصلاة معراج المؤمن ، ومثل الصلاة عمود الدين ، ومثل الصلاة قربان كلّ تقيّ ، فلو كان لفظ الصلاة موضوعا للاعم لترتبت على الفاسدة هذه الآثار ، وهو خلاف الضرورة ، لان الفاسد يكون بمنزلة المعدوم ، وهو لا يكون منشئا للآثار والخواص كما لا يخفى.

الاستدلال بالاخبار على المدّعى :

قوله : والاخبار النافية لماهيتها وطبائعها مثل لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب ، ولا صلاة إلّا بطهور ونحوهما ، مما كان ظاهرا في نفي الحقيقة بمجرد فقد ما يعتبر في صحة الصلاة شطرا أو شرطا. تكون الاخبار النافية لماهية الصلاة اذا فقدت فيها فاتحة الكتاب أو فقد فيها طهور ، فلو كانت موضوعة للأعم لما صح نفي ماهيتها بمجرد فقدان غير الاركان وغير معظم الأجزاء كالفاتحة أو السجود أو التشهد ، فعلم انها وضعت للصحيح كي يصح نفي ماهيتها بفقد الفاتحة أو الطهور ، فان قيل ان مثل هذه التراكيب تكون ظاهرة في نفي الصحة أو نفي الكمال ، فلا يتم الاستدلال بالطائفة الثانية من الاخبار على وضعها للصحيح.

قلنا : ان هذا يكون خلاف الظاهر لان لا ظاهرة وحقيقة في نفي الجنس وفي نفي الطبيعة ، لا نفي الوصف من الصحة أو الكمال فلا يصار اليه بدون القرينة كما ان ارادة خصوص الصحيح من الطائفة الاولى خلاف الظاهر لان ظاهرها ثبوت الآثار لماهية الصلاة بما هي صلاة فمعنى الاخبار يكون هكذا ، الصلاة بما هي صلاة معراج المؤمن ، ونعلم من الخارج ان هذه الآثار مترتبة على الصحيح دون الفاسد ، فتنضم هذه المقدمة الى ظواهر الاخبار فيكون المراد هو الصحيح ، لا ان يراد هو منها ، هذا مضافا الى انه لو كانت الالفاظ موضوعة للأعم لم يصح نفي الماهية عن فاقد الجزء ، أو الشرط ، اذ هو اخبار عن الامر المعلوم وهو يكون عبثا اذا لم يكن المقصود افادة لازم الحكم ، والّا فلا.

قوله : واستعمال هذا التركيب في نفي الصفة ، ممكن المنع ... الخ فان قيل ان (لا)

٦٩

التي وضعت لنفي الجنس مستعملة في نفي الوصف من الكمال في مثل (لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد) ، ومثل (لا صلاة إلّا باذان واقامة) ونحوهما ، فكذا في مثل (لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب) ونحو (لا صلاة إلّا بطهور) استعملت في نفي الوصف من الكمال لا في نفي الماهية ، فلا يتم الاستدلال بهذا التركيب وامثاله.

وفي ضوء هذا ، يتلخص مما ذكرنا ان الصلاة ، مع فقد الجزء أو الشرط ، صلاة ولكن ليست كاملة.

قلنا : ان نفي الماهية يكون تارة على وجه الحقيقة نحو (لا رجل في الدار) ، واخرى على وجه المبالغة والادعاء نحو (لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد) واشباهه ، لان صلاة الجار في غير المسجد تكون صحيحة ولكن من حيث نقصانها ثوابا ليست بصلاة ادّعاء ومبالغة ، نحو قولنا : (زيد ليس بانسان) مع كونه انسانا بسبب نقصه من الجهل ، فزيد الجاهل ليس بانسان ادّعاء ومبالغة ، فكذا صلاة جار المسجد ، فعلم ان (لا) استعملت في كل موضع في نفي الماهية ، لكن استعملت في بعض الموارد على نحو الحقيقة ، وفي بعضها على نحو الادّعاء ، وإلّا فلا تدل على المبالغة ، اذ هو نفي الماهية مع وجودها لا في نفي الوصف من الصحة والكمال ، لانه اذا انتفى تنتفي الماهية بلا ادّعاء ومبالغة على قول الصحيحي.

قوله : فافهم اشارة الى بطلان الاستدلال بالاخبار المثبتة من جهة ان اصالة الحقيقة انما تكون حجّة في اثبات المراد لا في اثبات كون الاستعمال فيه حقيقة أو مجازا بعد العلم بالمراد ، فتمسّكت فيها بنفي الماهية وقلت ان استعمال (لا) حقيقة فيه من جهة اصالة الحقيقة. فهذا الاستدلال فاسد كما لا يخفى.

الدليل الرابع :

قوله : رابعها دعوى القطع بان طريقة الواضعين وديدنهم وضع الالفاظ ... الخ.

الرابع : اعتباري ، وهو : ان ديدن الواضعين يكون وضع الالفاظ للمركبات التامة ، لان حكمة الوضع تقتضي ذلك ، اذ حكمته إفهام الاغراض وهو مرتّب على

٧٠

المعاني التامة لانها تكون منشئة للآثار الكاملة ، والظاهر ان الشارع لم يعدل عن هذا وسلكه اياه غير متخطّ عنها ، ولكن الحكمة قد تكون داعية الى استعمال الالفاظ في الناقص بعد وضعها للصحيح التام لا على نحو الحقيقة بل مجازا ومسامحة بعلاقة المشابهة في الصورة وبتنزيل الفاقد منزلة الواجد في الاثر ، ولا يخفى ان هذه الدعوى غير بعيدة ، الّا انها قابلة للمنع لان الفاظ العبادات لا تكون مثل المركّبات الخارجية ، اذ التام فيها محفوظ مضبوط ، اما التام الصحيح فيها فمختلف باختلاف حالات المكلف ، كما مرّ في تصوير الجامع ، فقياسها على الفاظ المركبات الخارجية من قبيل المعاجين ونحوها قياس مع الفارق وهو باطل. هذا اولا.

وثانيا : لو حصل القطع بديدن الواضعين لشخص ، فهذا القطع يكون حجة له ، دون غيره.

وثالثا : ان الغرض من حكمة الوضع هو التفهيم وهو لا ينحصر بالوضع للصحيح.

قوله : فتامل وهو اشارة الى ان عدم تخطي الشارع المقدس لطريقة الواضعين يحتاج الى العلم واليقين ، وهو لا يكون في البين ، فهذا غير تام.

ادلّة الأعمّي :

قوله : وقد استدل للأعمّي بوجوه ايضا منها التبادر اي تبادر الاعم وقد استدل الأعمّي على مدّعاه بوجوه خمسة ايضا :

منها : تبادر الاعم منها عند اطلاقها ، لانه اذا قيل (زيد صلى) أو (هو يصلي) يتبادر الاعم من الصحيح والفاسد ، وينسبق الجامع بين الصحيح والفاسد الى الاذهان وهو علامة الوضع والحقيقة. فان قيل ان تبادر الجامع يكون متفرّعا على دخل المفقود جزء أو شرطا في المسمى نظرا الى صحته وتمامه ، وعدم دخله فيه نظرا الى نقصانه ، وهما متنافيان ، هذا مضافا الى ان تبادر الجامع يكون فرع تحققه ، وقد عرفت الإشكال فيه على الأعمّي كما سبق مفصلا.

٧١

قوله : ومنها عدم صحة السلب عن الفاسد منها : عدم صحة سلب لفظ الصلاة بمعناها المعلوم المرتكز في الذهن عن الفاسدة فلا يصح ان يقال ان الفاسدة لا تكون صلاة.

قوله : وفيه لما عرفت وقد عرفت في ثاني الصحيحي صحة السلب عن الفاسدة بالمداقة العقلية وان صح اطلاقه عليها بالمسامحة العرفية تنزيلا للفاسدة منزلة الصحيحة لمشابهتها لها في الصورة والاثر.

قوله : ومنها : صحة التقسيم الى الصحيح والسقيم ... الخ والدليل الثالث لهم تقسيم الصلاة اليهما ، وهو يدل على وضع الالفاظ للاعم ، وإلّا يلزم تقسيم الشيء الى نفسه والى غيره ، وهو باطل فالملزوم وهو عدم الوضع للجامع مثله. بيان الملازمة وهو انه يعتبر ان يكون مفهوم المقسم ساريا في مفهوم الاقسام فبناء على هذا يكونان صلاة.

جواب المصنف عن الدليل الثالث للأعمي :

قوله : وفيه انه يشهد على انها للاعم ... الخ وفيه ان هذا يدل على وضع الالفاظ للاعم ، اذا لم تكن الأدلة على وضعها للصحيح ، وقد عرفت الأدلة الاربعة عليه ، وحينئذ يكون التقسيم بلحاظ الاستعمال في الصحيح على وجه الحقيقة ، وفي الفاسد على نحو المجاز بعلاقة المشابهة ، كما مرّ مرارا ، لان الاستعمال اعم منهما.

قوله : ومنها : استعمال الصلاة وغيرها في غير واحد من الاخبار في الفاسدة استدل الأعمّي بالدليل الرابع وهو عدة من روايات اهل البيت عليه‌السلام ومنها قول الامام الباقر عليه‌السلام : «بني الاسلام على خمس ، الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية ولم يناد احد بشيء كما نودي بالولاية فاخذ الناس بالاربع وتركوا هذه» اي الولاية ، «فلو ان احدا صام نهاره وقام ليله ومات بغير ولاية لم يقبل له صوم ولا صلاة».

تقريب : الاستدلال ان الاخذ بالاربع مع اعتبار الولاية في صحة العبادات ، ومع بطلان عبادات تاركي الولاية موجب لاستعمال الالفاظ في الفاسدة بلا قرينة ،

٧٢

فهذا يدل على الوضع للاعم.

قوله عليه‌السلام خطابا للحائض : «دعي الصلاة ايام اقرائك». وقد استدل بالخامس وهو قول المعصوم عليه‌السلام للحائض (دعي الصلاة ايام أقرائك). تقريب الاستدلال بهذا ، ان القدرة معتبرة عقلا في متعلّق التكليف ، والحائض اذا كانت حائضا لا تقدر على الصحيحة وحينئذ استعملت في الفاسدة لانها مقدورة لها.

قوله : وفيه ... الخ وقد اجيب عنه بوجهين :

احدهما : مشترك بين الاولى والثانية وهو ان الأعمّي اعتمد على استعمال الالفاظ في الفاسد لا على وضعها له والاستعمال اعم فلا يكون دليلا على الوضع والحقيقة ، كما انه لا يكون علامة للمجاز.

وثانيهما : مخصوص بالاولى وهو ان المراد من الالفاظ هو الصحيح بقرينة بناء الاسلام عليها لانه لا يبنى على الفاسد منها. فان قيل : ان هذا ينافي بطلان عبادات تاركي الولاية فلا يمكن ارادة الصحيح منها.

قلنا : ان الاخذ على نوعين :

احدهما : الاخذ الواقعي كاخذ العالم المركب شيئا.

وثانيهما : الاخذ الاعتقادي لا الواقعي ، كما في اخذ الجاهل المركب شيئا.

واخذ العامة بالاربع يكون صحيحا بحسب اعتقادهم فتكون مستعملة في الصحيح الاعتقادي. وهذا لا يختص بالاربع بل يعم غيرها من قوله عليه‌السلام : «فلو ان احدا صام نهاره ... الخ». وعلى اي حال فلا تدل على الوضع للاعم.

واعلم ان النهي كالامر على قسمين :

احدهما : مولوي نحو لا تشرب الخمر وامثاله.

وثانيهما : ارشادي كنهي الطبيب للمريض بقوله لا تأكل السمك ولا تشرب اللبن ، فان قيل : انه ما الفرق بينهما؟ أيكون موجودا أم لا؟

قلنا : ان الفرق موجود وهو ان متعلق الاول يكون ذا مفسدة توجب المبغوضية عند المولى. وان متعلق الثاني لا يكون بذي مفسدة ، إذ أكل السمك وشرب اللبن لا

٧٣

تكون المفسدة موجودة توجبها عنده ، بل يكون المانع موجودا عن ارتكابه ، وذلك كالمرض.

اذا عرفت هذا ، فالنهي في الخبر الثاني يكون ارشادا الى مانعية الحيض وهي تلحظ في الصحيح من العبادات ، وحينئذ استعمل لفظ الصلاة في الصحيح دون الفاسد ، ولا يكون النهي مولويا حتى يقال ان الصحيح غير ممكن للحائض ، فلا بد حينئذ من ارادة الفاسد منها ، كي لا يلزم النهي لغوا.

قوله : وإلّا كان الإتيان بالاركان وسائر ما يعتبر في الصلاة ... الخ وان لم يكن النهي ارشاديا تلزم حرمة الصلاة ذاتا على الحائض ، سواء قصدت القربة أم لا ، فاذا فعلت بالاركان وسائر ما يعتبر من الأجزاء والشرائط بلا قصد القربة كان حراما ، فلو كان المراد من النهي مولويا اذا فعلت مطلق ما سمي عند العرف بالصلاة ولو كانت فاسدة شرعا ، كانت الصلاة حراما على الحائض ولا يلتزم به المستدل الأعمّي بالرواية.

فالمحرّم على الحائض هي الصلاة التي لو لم يكن الحيض في اثنائها لكانت صحيحة تامة ، لا مطلق ما سمي عند العرف بالصلاة ، ولو كانت فاسدة مع قطع النظر عن الحيض. وفي ضوء هذا ظهر لك الفرق بين الحرمة الذاتية وبين الحرمة التشريعية ، لانه على الاول يكون فعلها مطلقا حراما ، وعلى الثاني مع قصد القربة فلا تكون صورة الصلاة بلا قصد القربة حراما على الحائض ، ولذا يستحب لها الجلوس في المصلّى بقدرها.

قوله : فتامل جيدا وهو اشارة الى ان مفاد هذا الخبر ان العبادات الصحيحة ان لم تكن الولاية معها فهي باطلة ، ولا يكون مفاده ان العبادة الباطلة اذا لم تكن مقرونة بالولاية فهي باطلة. وعلى اي حال لم يستعمل لفظ الصلاة في الاعم بل يستعمل في الصحيح الاعتقادي كما في الاول ، وفي الصحيح الواقعي ، كما في الثاني ، لكون النهي ارشاديا في الثاني.

قوله : ومنها انه لا شبهة في صحة تعلق النذر وشبهه بترك الصلاة في مكان ... الخ وقد استدل الأعمّي بانه لا شبهة في انعقاد النذر وشبهه من العهد واليمين بترك الصلاة في

٧٤

المكان المكروه ، فاذا فعلها فيه حصل الحنث مع كونها فاسدة بعد تعلق النذر بها ، فالنتيجة بعد الفراغ عن أمرين : احدهما : صحة تعلق النذر وشبهه بتركها فيه. ثانيهما : حصول الحنث بفعلها فيه. نستكشف من هذا كون لفظ الصلاة موضوعا للاعم ، لانه لو كان موضوعا للصحيح للزم اشكالان :

الاول : انه يلزم عدم حصول الحنث بفعلها فيه لعدم قدرة الناذر على فعل الصحيح ، لانها بعد تعلق النذر صارت منهيا عنها ، والنهي في العبادات يقتضي فساد المنهي عنه.

الثاني : انه يلزم المحال ، لان متعلق النذر يكون صحيحا وبعد النذر صار فاسدا لانه منهي عنه ، فيلزم حينئذ من وجود الصحيح عدمه ، وهو محال لاستلزامه اجتماع الوجود ـ اي وجود الصحيح ـ والعدم ـ اي عدم الصحيح ـ في شيء واحد فلا بد ان يكون موضوعا للأعم منهما.

جواب المصنف عن الإشكال :

قوله : قلت لا يخفى انه لو صح ذلك لا يقتضي ... الخ يعني : اذا تعلق النذر بالصحيح فهو يستلزم الإشكالين المذكورين ، لكن لا يكون مستلزما لوضع الالفاظ للأعم ، لان عدم صحة تعلق النذر بالصحيح يكون اعم من وضع اللفظ للصحيح ومن عدم وضعه له ، فيكون هذا اعم من المدعى. هذا مع ان الفساد من قبل النذر لا يمكن دخله في موضوع النذر لامتناع اخذ ما يأتي من قبل الحكم في موضوعه فليس موضوع النذر الا الصلاة الصحيحة في نفسها.

وبالجملة : ذات الصلاة في رتبة سابقة على النذر مصداق للصلاة الصحيحة لا غير ، كما انها في الرتبة اللاحقة للنذر مصداق للصلاة الفاسدة لا غير ، فليس المنذور تركها صحيحة قبل النذر وبعد النذر حتى يلزم المحال الذي ذكر في طي الإشكال الثاني.

فالمراد هو صحتها قبل تعلق النذر. والفساد الناشئ من قبل النذر لا يؤثر

٧٥

الفساد في متعلق الامر حتى يوجب انقلاب موضوع الامر من الصحة الى الفساد ، لانه لا يعقل ان يكون اثر الشيء رافعا له اذ هو معلول وهو لا يكون رافعا لعلته فكانت الصحة محفوظة ، والفساد انما كان من قبل النذر. فالمراد هنا هو الصحيح الذي كان سابقا على النذر. وفي ضوء هذا لا يلزم المحال وهو عدم الصحيح من وجوده.

فتلخص مما ذكرنا ان النذر قد تعلق بالصحيح لو لا النذر ، ومن المعلوم ان الفساد الناشئ من قبل النذر لا ينافي الصحيح لو لا النذر ، بل يجتمعان في شيء واحد وفي حال واحد. فالصلاة في الحمام فاسدة لتعلق النذر بها وصحيحة لو لا النذر ، ولذا لو أتى بها قبل النذر كانت صحيحة.

قوله : ومن هنا انقدح ان حصول الحنث انما يكون لاجل الصحة ... الخ فان النذر قد تعلق بالصحيح ، لو لا النذر بتركها في المكان المكروه ، لكانت صحيحة. والصحيح اللولائي امر ميسور حتى بعد النذر فيحصل الحنث به اي بالصحيح اللولائي.

قوله : نعم لو فرض تعلّقه بترك الصلاة المطلوبة بالفعل لكان منع ... الخ فلو تعلق النذر بترك الصلاة المطلوبة بعد النذر حين الإتيان بها لم يكن الحنث حينئذ ، اذ كلما أتى به بعد النذر فهو فاسد من جهة انعقاد النذر ، وفي صحته تأمل.

اسامي المعاملات :

قوله : بقى امور الاول ان اسامي المعاملات ان كانت موضوعة للمسببات الاول : اي اولها ان الفاظ المعاملات ان وضعت للمسببات ، نحو لفظ (البيع) موضوع للملكية ، ولفظ (النكاح) وضع للزوجية ، ولفظ (العتق) للحرية فلا مجال لنزاع الصحيحي والأعمّي هنا ، لانها لا تتصف بالصحة تارة ، وبالفساد اخرى ، بل بالوجود تارة وبالعدم اخرى.

فان قلنا انها وضعت للاسباب نحو لفظ (البيع) و (النكاح) مثلا وضعا للعقد

٧٦

الخاص ، فللنزاع المذكور مجال واسع. فقال بعض بوضعها للاسباب المؤثرة لاثر كذا المستجمعة للاجزاء والشرائط. وقال بعض بوضعها للاعم. فالاسباب تتصف بالصحة تارة ، واخرى بالفساد.

الفاظ المعاملات :

قوله : لكنه لا يبعد دعوى كونها موضوعة للصحيحة ايضا اختار المصنف في الفاظ العبادات كونها موضوعة للصحيح ، كذا اختار في الفاظ المعاملات كونها موضوعة للصحيح ايضا ، وكان الموضوع له هو العقد المؤثر لاثر كذا شرعا وعرفا.

فالفاظ المعاملات وضعت للمؤثر واقعا في الآثار المطلوبة من دون تفاوت عند الشرع والعرف ، فان قيل انه كيف تكون معاني الفاظ المعاملات الصحيحة عند الشرع والعرف مع ان الشارع خالفه في بيع الصبي المميز فهو صحيح عند العرف ، وفاسد عند الشارع ، لانه يشترط بلوغ المتعاقدين ، وهذا الاختلاف يدل على ان الفاظ المعاملات تكون أسامي للصحيح عند الشارع ، وللاعم عند العرف.

قلت : ان هذا الاختلاف لا يكون اختلافا في معانيها وتكون مضبوطة عندهما ، بل يكون في مصداق الصحيح فالشارع يخطّئ العرف فيما يراه مصداقا للبيع الصحيح ، مثل بيع الصبي المميز لاشتراط الشارع البلوغ في المتعاقدين ، كما مرّ سابقا.

فلو كان العرف ملتفتا الى اشتراط البلوغ لما خالف الشارع ، فالعرف قد يشتبه في تطبيق الصحيح الواقعي الذي يكون موضوعا له لالفاظ المعاملات ، فظهر ان كل صحيح عند الشارع هو صحيح عند اهل العرف ، وكل صحيح واقعي عند العرف هو صحيح عند الشارع المقدس ، فلا يكون الصحيح عند الشارع اخص من الصحيح عند العرف ، بل هما متساويان كما لا يخفى.

توضيح لا يخلو من فائدة : وهو انه اذا قلنا بان الفاظ المعاملات وضعت للمسببات ، والمسبب امر بسيط لا يتصف بالصحة والفساد ، لانهما انما يكونان في

٧٧

الشيء المركب الذي له اجزاء وشرائط لا في البسيط.

واذا قلنا : انها وضعت للاسباب والسبب يكون امرا مركبا من اجزاء وله شرائط فهو يتصف بالصحة تارة باعتبار وجود اجزائه وشرائطه ، وبالفساد اخرى بلحاظ فقدان بعضهما ، ولذا قيل فيما سبق ان نزاع الصحيحي والأعمّي لا يجري على الاول ويجري على الثاني.

قوله : فافهم وهو اشارة الى انه يحتمل ان يكون اختلاف الشرع والعرف في المصداق لاختلافهما في المفهوم. فمفهوم الفاظ المعاملات هو الصحيح عند الشارع المقدس ، والاعم عند اهل العرف. فكل صحيح عند الشارع صحيح عند العرف ، وليس العكس ، اي ليس كلّ صحيح عند العرف صحيحا عند الشارع المقدس كما في بيع الصبي.

قوله : الثاني ان كون الفاظ المعاملات أسامي للصحيحة لا يوجب اجمالها ... الخ فان قلنا ان الفاظ المعاملات وضعت للصحيح من الاسباب كألفاظ العبادات فلا يصح التمسّك باطلاق احلّ الله البيع بعدم اشتراط البلوغ في المتعاقدين ، وبعدم اشتراط القبض في المجلس في بيع الصرف ، فاذا شككنا في اعتبار شيء في تأثيرها شرعا ، كالبلوغ والقبض في المجلس ، لم يصح التمسك باطلاق ادلّتها. لان الشك حينئذ يكون في المحصّل فتجري اصالة عدم تحققه بدون البلوغ والقبض في المجلس.

وهذا الكلام مردود جدا لان الفاظ المعاملات لا تكون مثل الفاظ العبادات. فاذا وضعت للصحيح جاز التمسك بالاطلاق عند الشك في الشرائط والأجزاء ، والسر في ذلك ، ان الموضوع له عند العرف والشرع واحد ، فاذا كان مطلق في كلام الشارع وكان في مقام البيان ، نحو قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا)(١) فاذا شككنا في اشتراط القبض في صحة البيع ولاحظنا ان البيع يطلق حقيقة على المعاملة عند العرف بلا قبض واقباض ، تمسّكنا باطلاق (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) على

__________________

(١) سورة البقرة ، آية ٢٧٥.

٧٨

صحة المعاملة بلا قبض. لان البيع في كلام الشارع محمول على المعنى في نظر العرف ، لانه في محاوراته يراعي طريقة العرف ، فالمعنى العرفي معلوم ، والعرف يمكن ان يعيّن معنى الفاظ المعاملات ، بخلاف العبادات ، لانه لا يمكن للعرف ان يعيّن موضوعا له الفاظ العبادات ويشخّصه لانها مخترعات الشارع.

كما ان المعاملات ماهيات امضائية ، فيكون معنى العبادة مجملا فلذا حين نشك في جزئية شيء للمأمور به مثل السورة أو شرطية شيء للمأمور به مثل جلسة الاستراحة بعد السجدة الثانية في الركعة الاولى ، فالشك يكون في صدق الصلاة على فاقد المشكوك شطرا أو شرطا.

نعم ان كان الشك في جزئية شيء أو شرطيته للمعاملة موجبا للشك في صدق المعنى العرفي على الفاقد ، مثل اعتبار المالية في المبيع وعدمه فلا يجوز التمسك باطلاق البيع ، بل لا بد من الرجوع الى الاصل في المسبب الذي هو عبارة عن اصالة عدم حصول الملكية ويبنى على الفساد ، كما ان اصالة الفساد معروفة في المعاملات. قوله : فتأمل جيدا تدقيقي لا غير.

قوله : الثالث ان دخل شيء وجودي أو عدمي في المأمور به تارة بان يكون الغرض من تمهيد هذا بيان الفرق بين اجزاء المأمور به وشرائطه.

فنقول ان للمأمور به اجزاء عديدة ، فمنها : ما يكون دخيلا في المسمى بحيث ينتفي المسمى بانتفائها بالاركان والشرائط. ومنها : ما يكون دخيلا في المسمى كذلك كالطهارة والاستقبال. ومن الأجزاء ما لا يكون دخيلا في مسمى الصلاة كالتثليث في الذكر.

ومن الشرائط ما لا يكون دخيلا في المسمى أيضا كفعل الصلاة جماعة فبالنتيجة تكون الاقسام اربعة :

الاول : جزء طبيعة المأمور به مثل اجزاء الواجبة للصلاة من التكبيرة والركوع والسجود وما شابهها. فاذا لم تكن هذه الأمور موجودة فطبيعة الصلاة تكون معدومة ، اشار المصنف الى هذا القسم بقوله تارة بان يكون داخلا فيما يأتلف منه

٧٩

ومن غيره.

الثاني : شرط طبيعة المأمور به لا يكون داخلا في طبيعة المأمور به بل يكون خارجا عنها ، ولكن الخصوصية التي اخذت في المأمور به والكيفية التي لوحظت فيه لا تحصلان إلّا بذلك الشرط ، مثل : الوضوء بالاضافة الى الصلاة وهو خارج عن الصلاة ، ولكن الخصوصية التي لاحظها الشارع في الصلاة لا تحصل إلّا بالوضوء السابق. وقد يكون الشرط مقارنا للصلاة. مثل ستر العورة فنفس فعل الستر خارج عن الصلاة. وقد يكون الشرط لا حقا مثل عدم العجب بعد الصلاة وهو خارج عن الصلاة.

فهذه الشرائط ، سواء كانت متقدمة أم كانت مقارنة أم كانت متأخرة ، تكون من مقدمات المأمور به لا من مقوّماته ، ولكن الوصفية التي تحققت بواسطتها كانت من مقومات طبيعة المأمور به. واشار المصنف الى هذا القسم بقوله : واخرى بان يكون خارجا عنه لكنه كان مما لا تحصل الخصوصية ... الخ.

قوله : وثالثة بان يكون مما يتشخص به المأمور به بحيث يصدق على المتشخص به عنوانه والثالث والرابع : هما اللذان يكونان غير مأخوذين في طبيعة المأمور به ولكن يكونان من مقوّمات الفرد الذي يكون متحدا مع الطبيعة في الخارج وخصوصياته ، مثل كثرة الذكر في الركوع والسجود. وقلته فيهما : في الأجزاء ولكن بواسطتها ـ وجودا ـ تحصل الفضيلة للفرد. كما انه بواسطة عدمها تحصل المنقصة في الفرد ، مثل فعل الصلاة جماعة أو مع الاذان والإقامة في الشرائط ، ولا يخفى التفاوت بين الاولين والثالثين.

وهو ان الاخلال بجزء الطبيعة أو الاخلال بشرطها يوجب بطلان المأمور به ، واما الاخلال بجزء الفرد أو الاخلال بشرطه لا يوجب فساده وبطلانه ، بل يوجب منقصة الفرد من حيث الثواب والفضيلة.

والفرق بين الجزء والشرط ظاهر ، وهو ان الاول داخل من حيث التقيد والقيد معا في المأمور به والثاني خارج عن المأمور به من حيث القيد ، واما من حيث التقيّد

٨٠