البداية في توضيح الكفاية - ج ١

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ نهضت
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-0-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٤٤٨

اذا عرفت هذه فيكون الوضع ثلاثة انواع الاول هي الوضع التعيّني على وزن (تفعّل) ، والثاني هو الوضع التعييني ، والثالث هو الوضع الاستعمالي.

قوله : فافهم وهو اشارة الى امتناع الوضع التعييني بنفس الاستعمال بل يكون الوضع التعييني بانشاء الوضع ، ولا يكون بالاستعمال لاستلزامه اجتماع الضدين ، لان الوضع يقتضي تصور اللفظ استقلالا كما انه يقتضي تصور المعنى كذلك.

والاستعمال الذي يكون عبارة عن افناء اللفظ في المعنى يقتضي تصور اللفظ آليا ، فهذا يستلزم الجمع بين اللحاظ الاستقلالي وبين اللّحاظ الآلي في اللفظ ، وهو محال فانشاء الوضع الفعلي محال.

فان قيل : ان هذا الاستعمال ، اي وضع الاستعمالي الفعلي ، لا يكون حقيقة لعدم سبقه بالوضع والحال ان استعمال الحقيقي انما يكون مسبوقا بالوضع ولا يكون مجازا لعدم لحاظ العلاقة بين الحقيقي وبين المجازي وما هذا إلّا ارتفاع النقيضين وهو محال فالمقدم مثله. واما بيان الملازمة فهو واضح لا يحتاج الى بيان.

قلنا : ان هذا غير ضائر بعد قبول الطبع المستقيم اياه مع ان له نظير وذلك كاستعمال اللفظ في نوعه أو صنفه أو مثله كما مرّ ، لانه لا يكون من قبيل الاستعمال المتعارف الذي يكون استعمال اللفظ في المعنى حتى يكون على وجه الحقيقة أو على وجه المجاز ، بل يكون من قبيل استعمال لفظ في لفظ آخر.

اذا عرفت هذا فيكون دعوى الوضع التعييني الاستعمالي في الفاظ العبادات المتداولة في لسان الشارع قريبة الى الصواب ، فالمتصور عند المصنف هو انشاء الوضع بنفس الاستعمال ، ويكون مدّعي القطع بهذا غير مجازف ، ويدل عليه تبادر المعاني الشرعية في محاوراته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عصره كما هو معلوم من الاذان وغيره من الفاظ العبادات.

ويرد على هذا التبادر اشكال وهو انه لم يعلم كون التبادر في زمان الشارع المقدس كان مستندا الى اللفظ أو الى القرينة ، فان قلت : انا نتمسك باصالة عدم القرينة ونثبت بها الاستناد الى اللفظ لا الى القرينة. قلنا : ان التمسك بها غير مجد في

٤١

هذا المقام لان موردها في الموضع الذي يعلم فيه المعنى الحقيقي والمعنى المجازي وكان الشك في المراد ، بخلاف ما ذا لم يعلما وكانا مجهولين كما في المقام فلا يجوز التمسك بها كما تقدم.

تأييد الوضع الاستعمالي :

قوله : ويؤيد ذلك انه ربما لا تكون علاقة معتبرة ... الخ ويؤيد الوضع التعييني الاستعمالي فقدان العلاقة المعتبرة بين المعاني اللغوية وبين المعاني الشرعية ، فظهر ان الاستعمال كان على وجه الحقيقة مع تسليم الاستعمال في عصره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هو مجمع عليه.

فان قيل ان علاقة الجزء والكلّ موجودة في هذا المقام لان لفظ الصلاة وضع للدعاء فاستعمل في الاركان المخصوصة بما فيها من الهيئات والاقوال فيكون الدعاء جزءها فلفظ الصلاة الذي وضع للجزء استعمل في الكل بعلاقة الجزء والكل قلنا : ان هذا مشروط بشرطين :

الاول : ان يكون التركيب بين الجزء والكل واقعيا لا اعتباريا.

الثاني : ان يكون الجزء مما اذا انتفى انتفى الكل. وذلك نحو (للانسان رأس) ، وكلا الشرطين مفقودان في المقام كما هو ظاهر ، ويحتمل في هذا المقام احتمالا آخر وهو وجود علاقة المشابهة بين المعنى اللغوي وبين المعنى الشرعي لان الاركان التي هي المعنى الشرعي للصلاة شابهت الدعاء الذي هو المعنى اللغوي لها في غاية الخشوع والخضوع ، نحو استعمال لفظ الاسد في الرجل الشجاع بعلاقة المشابهة ، فكذا لفظ الصلاة وضع للدعاء فاستعمل في الاركان مجازا بعلاقة المشابهة ايضا. فلاجل هذا الاحتمال جعل المصنف هذا تأييدا للمطلب لا دليلا عليه كما هو ظاهر.

قوله : هذا كله بناء على كون معانيها مستحدثة في شرعنا.

ثم ان هذا النزاع في الفاظ العبادات متفرّع على كون معانيها مستحدثة في

٤٢

الشريعة الاسلامية ، واما بناء على كون معانيها المعلومة ثابتة في الشرائع الماضية كما هو مستفاد من الآيات نحو قوله تعالى في كتابه : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)(١) ونحو قوله تعالى : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ)(٢) ونحو قوله تعالى : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ)(٣) وغيرها من الآيات الأخر فتكون الفاظ العبادات حقائق لغوية في هذه المعاني فلا يكون مجال للنزاع.

فان قيل ان اختلاف الشرائع في العبادات من حيث الأجزاء والشرائط موجب لعدم وحدة معانيها ، بل هي متعددة مختلفة ، فلا تكون حقائق لغوية ، بل تكون حقائق شرعية في هذه المعاني المعهودة الشرعية لاختراع الشارع المقدس اياها. فلا يمكن دعوى وحدة معانيها حتى تكون حقائق لغوية فيها.

قلنا : ان اختلاف الشرائع في العبادات من حيث الأجزاء والشرائط لا يدل على اختلاف في الماهية ولا على تعدد الماهوي ، لانه يمكن ان يكون هذا الاختلاف في المصداق وفي التطبيق. مثلا : ان الصلاة قربان كل تقي واختلاف مصاديقه في الشرائع لا يوجب اختلافا في هذا المعنى العالي الذي يكون واحدا في الشرائع ، ولا يضر الاختلاف بوحدته كما ان الاختلاف فيها ، بحسب حالات المكلف من التمام والقصر ، ومن القيام والجلوس ، لا يقدح في وحدة ماهية الصلاة وفي آثارها ، فكذا الاختلاف في الشرائع فلا يكون مجال للنزاع مع وحدة الماهية للصلاة في جميع الشرائع ، فتكون الصلاة نظير الانسان الذي يختلف مصداقه وتتحد ماهيته وحقيقته كما لا يخفى.

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٨٣.

(٢) سورة الحج : آية ٣٧.

(٣) سورة مريم : آية ٣١.

٤٣

تحقيق مذهب الباقلاني :

اعلم ان القاضي أبا بكر الباقلاني انكر المعاني الشرعية لالفاظ العبادات ، وقال : ان الشارع استعملها في معانيها اللغوية ، ولكن قد اضاف عدة اجزاء وشرائط الى المعاني اللغوية. فان لاحظنا قول الباقلاني في الفاظ العبادات فلا يكون لنا اطمئنان بكونها حقائق شرعية في المعاني الشرعية ، فلا تدل الأدلة التي قد استدل بها على ثبوت الحقيقة الشرعية في عصر الشارع المقدس عليه ، ولا يذهب عليك ، اي لا يخفى عليك ، انه مع ملاحظة مذهبه لا يكون مجال لدعوى الوضع التعيني الذي يتحقق من كثرة الاستعمال في لسانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولسان التابعين ، اذ من المحتمل ان يستعملوها في المعاني اللغوية. ولكن الانصاف منع تحقق الوضع التعيني بعد تسليم استعمال الشارع والتابعين لالفاظ العبادات في المعاني الشرعية في مدّة عشرين سنة بعيد جدا. نعم حصول الوضع التعيّني في خصوص لسانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكون ممنوعا.

الثمرة

قوله : فتأمل هو اشارة الى ان منع الوضع التعيني في خصوص لسان الشارع ، مع طول مدة الاستعمال ، يكون في غاية البعد. هذا مضافا الى منافاة المنع لما سبق من قرب الوضع التعيني في عصر الشارع المقدس.

قوله : واما الثمرة بين القولين الكلام في بيان الثمرة بين القول بثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه : اعلم ان الحقيقة الشرعية في لسان اهل الشرع تكون من القطعيات التي تطابقت عليها آراء الكل في الفاظ العبادات. وبعد تسالمها فما الثمرة الفقهية لهذا النزاع؟ فنقول : ان الثمرة تظهر اذا وقعت هذه الالفاظ في كلام الشارع مجرّدة عن القرائن فتحمل على المعاني اللغوية ان قلنا بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في

٤٤

عصره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وتحمل على المعاني الشرعية ان قلنا بثبوتها فيه لاصالة الحقيقة مع معلومية تأخر الاستعمال عن النقل والوضع. واما اذا جهل تأريخ الاستعمال ، وانه أكان قبل النقل ـ اي نقلها من اللغوي الى الشرعي ـ أم كان بعد النقل؟ ففيه إشكال ، لان الوضع والاستعمال شيئان مسبوقان بالعدم ، فنشك الآن في تقدم احدهما على الآخر.

فان كان الاصل تأخر الوضع عن الاستعمال حملت على المعاني اللغوية فيكون الاصلان متعارضين فيتساقطان بعد التعارض. هذا مضافا الى انه مع قطع النظر عن المعارضة لا يكون دليل على حجية اصالة تأخر امر الحادث الا على القول بحجية اصل المثبت وهي في محل المنع كما قرر في محله.

توضيح لا يخلو من فائدة : إن قلنا بحجية تأخر الاستعمال عن الوضع من باب التعيّن ـ اي تعيّن تأخر الاستعمال ـ بان كانت اصالة تاخر الاستعمال عبارة عن استصحاب عدم الاستعمال في المعنى الشرعي الى ما بعد الوضع ، فهذا الاستصحاب لا يثبت تأخر الاستعمال عن الوضع الا على القول بالاصل المثبت ، اذ لا تكون للتأخر حالة سابقة ، بل كانت لعدم حدوث الاستعمال حالة سابقة. فاستصحاب عدم حدوث الاستعمال الى ما بعد الوضع يلزمه عقلا تأخر الاستعمال عن الوضع ، وهو لازم عقلي للمستصحب لا يترتب عليه ، لان المترتب عليه اثر شرعي لا اثر عقلي ولا اثر عادي ، لانه اصل مثبت ، ولا نقول به.

فبالنتيجة ان تمسكنا باصالة تأخر الاستعمال عن الوضع يرد اشكالان :

الاول : انه يكون معارضا باصالة تأخر الوضع عن الاستعمال.

الثاني : انه لو قلنا بها للزم القول بحجيّة الاصل المثبت ، مضافا الى ان التأخر ليس حكما شرعيا ولا موضوعا لحكم شرعي ، فجريان الاصل فيه موقوف على القول بالاصل المثبت ولا نقول به.

توضيح : وهو ان المستصحب لا بد ان يكون حكما شرعيا أو موضوعا لحكم شرعي ، وعدم الاستعمال في المعنى الشرعي الى ما بعد الوضع لا يكون حكما شرعيا كما هو ظاهر ، ولا موضوعا لحكم شرعي فيكون هذا الاستصحاب

٤٥

فاسدا رأسا ، اي استصحاب عدم الاستعمال سواء قلنا بان اصل المثبت حجّة أم لا. فان قيل : ان اصالة تأخر الاستعمال عن الوضع تكون اصلا عقلائيا مستقلا لا يرتبط بالاستصحاب حتى يبنى على القول بالاصل المثبت. قلنا : انه لم يثبت بناء العقلاء على تأخر الاستعمال عن الوضع عند الشك في تقدم احدهما على الآخر ، لان الوضع حادث ايضا كالاستعمال ، فعلى هذا لا يجوز حمل الفاظ العبادات على معانيها الشرعية اذا وقعت في كلام الشارع مع الشك في تقدم الوضع على الاستعمال ، أو تقدم الاستعمال على الوضع.

فان قيل : انا نتمسك في هذا المقام باصالة عدم النقل عند الشك في النقل وعدم النقل ، فتحمل حينئذ على معانيها اللغوية. قلنا : انّا نسلم ان اصالة عدم النقل تكون اصلا عقلائيا ولكنها انما تجري عند الشك في النقل وعدم النقل لا في صورة العلم باصل النقل انشاء أو استعمالا وكان الشك في تقدم النقل على الاستعمال أو تأخره عنه كما فيما نحن فيه.

قوله : فتأمل وهو اشارة الى انه لا فرق في اعتبار اصالة عدم النقل بين الجهل باصل النقل وبين الجهل بتأريخ النقل مع العلم باصل النقل كما هنا فتكون حجّة في ما نحن فيه ، فيكون الترجيح لمذهب النافين لاصالة عدم النقل.

الصحيحي والأعمّي :

قوله : العاشر انه وقع الخلاف ... الخ اعلم انه وقع الخلاف بين الاصوليين في ان الفاظ العبادات هل هي أسماء للصحيح او للاعم منه ومن الفاسد ، وقبل الخوض في ادلّة الطرفين لا بد من بيان امور :

الاول : انه لا اشكال في تحقّق الاختلاف اذا قلنا بالحقيقة الشرعية في الفاظ العبادات بمعنى ان الشارع هل وضعها للصحيح اي تام الأجزاء والشرائط او للاعم؟ قال قوم بالاول ، وقال قوم آخر بالثاني. واما اذا قلنا بعدم الحقيقة الشرعية فيها ففي هذا الاختلاف اشكال ، لان الأعمّي يقول بجواز الاستعمال مجازا في الصحيح ايضا ،

٤٦

والصحيحي يقول بجواز الاستعمال مجازا في الفاسد ايضا ، فلا يكون النزاع في البين.

تصوير النزاع على قول الشيخ :

قوله : وغاية ما يمكن ان يقال في تصويره ...

قال الشيخ الانصاري قدس‌سره انه يمكن تصوير النزاع على فرض عدم ثبوت الحقيقة الشرعية بهذا البيان ، وهو ان العلاقة الصارفة هل لوحظت ابتداء بين المعنى اللغوي وبين المعنى الشرعي الصحيح ثم استعملت الفاظ العبادات في الفاسدة بالتبع والمناسبة فيكون من نحو سبك مجاز عن مجاز مثلا ، لاحظ الشارع علاقة الاطلاق والتقييد بين المعنى اللغوي الذي يكون للصلاة وهو الدعاء وبين المعنى الشرعي الصحيح وهو الاركان الكاملة لان الدعاء مطلق غير مقيد بالاجزاء والشرائط ، والاركان مقيدة بهما ، ولاحظ ايضا علاقة المشابهة بين الصحيح والفاسد ثم استعمل لفظ الصلاة في الفاسد؟ أم لوحظت ابتداء بين المعنى اللغوي وبين المعنى الشرعي الكلي سواء كان صحيحا أم كان فاسدا؟ فنتيجة هذا انه نحمل مع وجود القرينة الصارفة ومع عدم وجود قرينة لاحد المعنيين الصحيح والفاسد على الصحيح على احتمال الاول لانه اوّل المجازين.

وتحمل مع وجود القرينة الصارفة ومع عدم وجود القرينة لاحدهما على التعيين على الاعم لا خصوص الصحيح سواء كان الاعم صحيحا أم كان فاسدا على احتمال الثاني.

فالصحيحي يقول بالاحتمال الاول والأعمّي بالثاني.

اذا عرفت هذا فاعلم ان النزاع جار على كلا القولين ، وانت خبير بان تصوير النزاع على الطريق المذكور ممكن ثبوتا ولا يمكن اثباتا لانه (اثباتا) يتفرّع على شيئين :

احدهما : ان الشارع قد لاحظ العلاقة المصحّحة للتجوز ابتداء بين المعنى اللغوي وبين المعنى الشرعي الصحيح ، دون الفاسد.

٤٧

ثانيهما : ان عادة الشارع ، عند وجود القرينة الصارفة ، وعند عدم قرينة معيّنة لاحد الأمرين الفاسد والصحيح هو قصد خصوص الصحيح دون الفاسد ودون الاعم اثباتهما دون خرط القتاد. اعلم ان القرينة الصارفة انما تلزم على القول بعدم الحقيقة الشرعية في الفاظ العبادات في عصر الشارع صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمعنى المجازي ، والقرينة المعينة تلزم التعدد للمعنى المجازي.

تصوير النزاع على مذهب الباقلاني :

قوله : وقد انقدح بما ذكرنا تصوير النزاع على ما نسب الى القاضي الباقلاني الكلام في تصوير النزاع على هذا القول. بيانه : ان الشارع هل نصب القرينة العامة على ارادة المعنى الصحيح وتحتاج ارادة الاعم من الفاظ العبادات الى قرينة خاصة ، او ان الشارع نصب القرينة العامة على ارادة الاعم وتحتاج ارادة الصحيح منها الى قرينة خاصة.

فالصحيحي يقول بالاول والأعمّي بالثاني. اعلم : ان المراد من القرينة العامة ما يدل على الأجزاء والشرائط في الجملة ، والمراد من القرينة الخاصة ما يدل على جميع الأجزاء والشرائط جميعها ، او تدل عليهما في الجملة. فبالنتيجة هل يكون مقتضى القرينة المضبوطة الواقعة في كلام الشارع المقدس هو تمام الأجزاء والشرائط أو في الجملة ، اي سواء كان مقتضاها تمام الأجزاء والشرائط أم كان معظم الأجزاء والشرائط.

فتحصّل مما ذكرنا انه يمكن تصوير النزاع فيهما ـ اي في الصحيح والاعم ـ على مذهب المثبتين وعلى مذهب النافين ، وعلى مذهب القاضي الباقلاني ، اما على الاول : فيقال ان الشارع اما وضعها تعيينا قولا أو استعمالا للصحيح أو للأعم. واما على الثاني : فيقال ان الشارع لاحظ العلاقة بين المعنى اللغوي الحقيقي وبين الصحيح ، أو لاحظ بين اللغوي وبين الاعم ، وأما على الثالث : فيقال ان مقتضى القرينة التي تخصّص المعنى اللغوي أو تقيّده هو تمام الأجزاء والشرائط أو يكون

٤٨

مقتضاها الأجزاء والشرائط في الجملة ، أي سواء كان مقتضاها جميع الأجزاء والشرائط ، أم كان بعض الأجزاء والشرائط. قال الصحيحي بالاول في المذاهب الثلاثة والأعمّي بالثاني فيها فلا تغفل.

قوله : ومنها ان الظاهر ان الصحة عند الكل ... الخ

تفسير الصحة :

اعلم ان الصحة تكون بمعنى تمامية الأجزاء والشرائط عند الفقهاء والمتكلّمين ، فالاختلاف في تفسيرها لا يكون لاجل الاختلاف في مفهومها بل يكون لاجل الاختلاف في الاثر المقصود منها. اذ عند الفقهاء يكون الاثر المقصود منها سقوط القضاء ، فلذا فسروها باسقاط القضاء ، وعند المتكلمين يكون موافقة الشريعة ، ففسّروها بموافقة الشريعة ، فيكون مقتضى الظاهر هو الاختلاف في مفهومها إلّا ان التأمل يقتضي قصد الاثر الذي يناسب لوظيفة الفقيه والمتكلّم ، لان وظيفة الفقيه في علم الفقه بيان عوارض افعال المكلّف من حيث الصحة والفساد ومن حيث الوجوب والحرمة و ... فيكون الغرض المهم من الصحة عند الفقيه سقوط القضاء ولذا فسروها به ، ولانّ وظيفة المتكلم في علم الكلام بيان احوال المبدإ وبيان احوال المعاد ، وبيان الثواب والعقاب ، فيكون الغرض المهم من الصحة عند المتكلم موافقة الشريعة الذي يترتب عليه الثواب والقرب ، ولذا فسروها بموافقة الشريعة. فيكون اختلاف التعبير من اجل الاختلاف في الاثر المهم من الصحة ، وإلّا يكون مفهومها واحدا عند الكل وهو التمامية اي تمامية الأجزاء والشرائط لا تمامية الأجزاء فقط.

كما هذا يكون قول الوحيد قدس‌سره فيكون لازم مفهوم الصحة متعددا ، وتعدد اللازم لا يوجب تعدد الملزوم ، كما في الشمس اذ له لوازم عديدة نحو وجود النهار وضياء العالم ونمو النباتات ، والحال ان الشمس تكون واحدا في عالم الممكن. كما أن اختلاف الصلاة من حيث زيادة الركعة ونقيصتها لا يوجب تعدد مفهومها فيكون

٤٩

الصحيح في كل الموارد بمعنى واحد هو التمامية ، لكن هي مختلفة مصداقا لا مفهوما على اختلاف حالات المكلف من السفر والحضر والاختيار والاضطرار ، كما لا يخفى على العاقل فضلا عن الفاضل.

قوله : ومنه ينقدح ان الصحة والفساد امران اضافيان ... الخ قد ظهر من اختلاف الصحة والفساد بحسب اختلاف حالات المكلف انهما امران اضافيان. مثلا : صلاة الركعتين صحيحة للمسافر وفاسدة للحاضر ، وصلاة اربع ركعات بالعكس ، فالاختلاف يكون مصداقي لا مفهومي.

قوله : فتدبر جيّدا وهو تدقيقي اعلم ان النسبة بين تفسير الفقيه وبين تفسير المتكلم تكون عموما من وجه ، فيجتمعان في مادة ويفترقان في مادتين لاجتماعهما في نحو صلاة المختار ، لانها تكون موافقة للشريعة ومسقطة للقضاء ، ولافتراق الاولي في نحو صلاة الصبح اذا فعلت اخفاتا جهلا اذ هي مسقطة للقضاء ، ولكنها موافقة للشريعة ، لان الجاهل بالجهر والاخفات معذور كما في النصوص ، ولافتراق الثاني في الصلاة التي فعلت بالطهارة المستصحبة مع كشف الخلاف لانها تكون موافقة للشريعة نظرا الى جعل الامر الظاهري اي الحكم الظاهري في موارد الاستصحاب والامارات والاصول ، ولا تكون مسقطة للقضاء لاجل كشف الخلاف.

ثم اعلم ايضا : ان الفساد في العبادة تكون غير الفساد في الاعيان كالتّفاح الفاسد ، لان الفساد في العبادات عبارة عن عدم وجود العبادة في الخارج (أي بطلانها) الذي يكشف عن عدم فردية الفاسد للمأمور به ، بخلاف الفاسد من العين لان عنوان التفاح يصدق على الفاسد ايضا ، وهو ظاهر لا غبار عليه.

القدر الجامع :

قوله : ومنها انه لا بدّ ، على كلا القولين ، من قدر جامع في البين ... الخ وجه اللابدية من قدر جامع هو تسالم جميع الاصوليين على عدم الاشتراك اللفظي الذي يستلزم تعدد الوضع والموضوع له ، بل المسلّم عندهم ان الفاظ العبادات تكون مشتركا

٥٠

معنويا يستلزم وحدة الوضع ووحدة الموضوع له ، فتكون كليا طبيعيا لها مصاديق على حسب تعدد المصلي كالانسان ، فلو لم يكن القدر الجامع في البين ، الذي يكون الموضوع له لالفاظ العبادات حتى يتصور جميع الافراد ، أعمّ من الصحيح والفاسد للزم وضع كثير غير متناه والحال انه لا يلتزم به احد ، هذا أولا ، وثانيا : انه لا بد من القدر الجامع ، فاذا انطبق على المأتي به فهو صحيح ، واذا لم ينطبق عليه فهو فاسد ، ففي امتياز الصحيح عن الفاسد لا بد من القدر الجامع في البين ، وإلّا فالنزاع بلا ثمرة.

ولكن يمكن تصوير الجامع على الصحيحي بهذا النحو وهو : انا لاحظنا الاثر الذي يشترك فيه جميع افراد الصحيحة ومصاديقها التي تختلف من حيث الكمية والكيفية ، ويشار به ذلك كالنهي عن الفحشاء والمنكر ، لان طبيعة الصلاة الصحيحة اذا صدرت من اي مكلف وفي اي مكان وفي اي زمان موسّع تحققت يكون لها هذا الاثر المذكور وغيره ، من العمودية في الدين ، والمعراجية لكل مؤمن ، والمقربيّة لكل تقي ، فهذه العناوين تشير الى معنون واحد يكون القدر الجامع بين الافراد وان لم نعرفه بعينه ، لان معرفته بعينه لا تكون دخيلة في مؤثريته في هذه الآثار ، والاشتراك فيها كاشف وجدانا عن اشتراكها في جامع واحد يؤثر في الاثر الواحد ، اذ الاثر الذي يترتب على الصلاة ، بما لها من الافراد التي تختلف بحسب اختلاف حالات المكلف ، واحد كالنهي عن الفحشاء والمنكر ، فلا بد ان يكون المؤثر ايضا واحدا ، وهو الجامع الذي ينطبق على جميع الافراد الصحيحة.

وهو يتفرع على القاعدة العقلية لامتناع صدور معلول واحد من «علل متعددة» أو فقل «ان الواحد لا يصدر إلّا من الواحد» لانه لو صدر عنها لزم المحال فالتالي باطل فالمقدم مثله.

اما بيان الملازمة فهو انه من الواضح ان كل معلول يفتقر الى العلة افتقارا شديدا ، فلو كانت متعددة تامة للزم من كمال احتياجه اليها عدم احتياجه اليها وهو محال فلا يمكن تعددها مع كونه واحدا. فان قيل ان هذه القاعدة انما تكون مقبولة اذا قلنا بان العبادات الشرعية تكون علة تامة لهذا الاثر ، واما اذا قلنا بانها معدّات

٥١

وعلامات للاثر فلا يلزم محذور اصلا ، لانه يجوز ان يكون للشيء الواحد علامات كما لا يخفى.

فتحصّل ممّا ذكرنا تصوير المسمى للفظ الصلاة وغيره من الفاظ العبادات فيصح تصوير المسمى بلفظ الصلاة ب (الناهية عن الفحشاء والمنكر) وب (معراج المؤمن) ونحوهما من (العمودية) و (المقربيّة).

اشكال الجامع :

قوله : والجامع لا يكون امرا مركبا ... الخ ويستشكل في الجامع بانه اما مركب وامّا بسيط ، فان كان مركبا فلا ينطبق على جميع الافراد التي تختلف على حسب اختلاف حالات المكلف مثلا ، اذا فرض الجامع اربع ركعات فهي صحيحة للمكلف الحاضر وفاسدة للمسافر ، واذا فرض الجامع اثنين فيكونان بالعكس ، فايّ مركب يكون جامعا في تمام حالات المكلف بحيث ينطبق على نهج واحد على جميع الافراد ، هذا مضافا الى ان الصحة والفساد امران اضافيان كما مرّ.

وان كان بسيطا فلا يخلو اما ان يكون عنوان المطلوب ، واما ان يكون ملزوما مساويا له كعنوان المحبوب او كعنوان ذي مصلحة عالية ، وكل واحد منهما لا يمكن ان يكون جامعا ، اما عنوان المطلوب : فلانه مستلزم للدور. بيانه : ان تحقق عنوان المطلوب يتوقف على الطلب ، لانه ما دام لم يتحقّق الطلب لم يتحقق عنوان المطلوب ، فيكون المطلوب موقوفا والطلب موقوفا عليه. وان المطلوب أخذ موضوعا للطلب على الفرض ، فيتوقف الطلب على المطلوب من جهة توقف الحكم على موضوعه ، فيكون المطلوب موقوفا عليه ، والشيء اذا كان موقوفا فهو يتأخر ، واذا كان موقوفا عليه فهو يتقدم ، فيلزم تقدم الشيء على نفسه ، ويلزم تأخره عن نفسه ، وهو محال ، فيكون الدور محالا لانه مستلزم المحال ، ومستلزم المحال محال ، فلا يمكن ان يكون قدر الجامع بين الافراد المختلفة عنوان المطلوب ، هذا اولا.

وثانيا : يلزم على هذا المبنى ان يكون لفظ الصلاة ولفظ المطلوب مترادفين

٥٢

كالانسان والبشر ، ويكون لازم الترادف جواز استعمال كل واحد منهما موضع الآخر فيصح ان نقول اقيموا المطلوب كما يصحّ ان نقول اقيموا الصلاة. والاول غير صحيح ، والثاني صحيح وهو يكشف عن عدم الترادف.

وثالثا : انه يلزم حينئذ عدم جواز اجراء البراءة فيما اذا شك في جزئية شيء للمأمور به كالسورة مثلا ، أو شك في شرطية شيء له كفعل الصلاة في اول وقتها كما قال به المفيد قدس‌سره من اصحابنا قدس‌سرهم ، لعدم الاجمال في المأمور به الذي هو عنوان المطلوب ، وانما يكون الاجمال في مصداقه وفي محصّله ، لان المأمور به شيء بسيط وهو عنوان المطلوب فتكون الأجزاء محصّلة للمأمور به كالطهارة التي تكون امرا بسيطا ويكون محصلها غسلات ومسحات ، فكذا عنوان المطلوب الذي يكون بسيطا لا اجمال فيه لبساطته ويكون محصّله هو التكبير والقراءة والركوع وغيرها من محصّله.

وحينئذ يكون الشك في امتثال امر المولى ، ولا يكون الشك في نفس المأمور به ، والعقل حاكم بالاحتياط من اجل حكم العقل بوجوب دفع الضرر ، وهو لا يدفع إلّا بالاحتياط الذي لا يرضى به الصحيحي ، وهكذا ترد الإشكالات هذه على تقدير ان يكون الجامع ملزوما للمطلوب وهو عنوان المحبوب او عنوان ذي المصلحة ، طابق النعل بالنعل ، فلا حاجة الى التوضيح.

الجواب عن الإشكال :

قوله : مدفوع بان الجامع انما هو مفهوم واحد منتزع عن هذه المركبات ... الخ فاجاب المصنف عن هذا الإشكال بان الجامع امر بسيط ملزوم للمطلوب ، وهو عنوان المحبوب ، ولا يلزم عدم اجراء اصالة البراءة في صورة الشك في اجزاء المأمور به وفي شرائطه.

توضيحه : ان المأمور به قد يكون ممتازا عن محصله ، بحيث لا يكون متحدا معه وجودا ، بل يكون مباينا له كمباينة المسبّب لسببه ، وذلك كالطهارة اذا قلنا بانها

٥٣

حالة نفسانية تباين مع اسبابها من الغسل والوضوء والتيمم.

وعلى هذا المبنى ، فان شك في جزئية شيء لاسبابها ، أو في شرطية شيء لها ، ففي هذه الصورة تجري اصالة الاشتغال واصالة الاحتياط ، دون البراءة. وقد يكون المأمور به متحدا مع محصّله كاتحاد الكلي مع افراده ، وذلك كالصلاة التي تكون متحدة مع التكبير والركوع وما شاكلهما.

فاذا شك في دخل شيء للمأمور به ، من حيث الجزء ، أو من حيث الشرط ، تجري اصالة البراءة ، لان الاصل عدم دخل الشيء المشكوك في المأمور به جزءا أو شرطا ، فيكون الجامع بينهما مفهوما واحدا منتزعا عن هذه المركبات المختلفة كيفية وكمية بحسب حالات المكلف ، وهو عنوان المحبوب ، ولا تجري اصالة البراءة فيما اذا كان المأمور به امرا بسيطا خارجيا مسببا عن مركّب مردّد بين الاقل والاكثر ، وذلك كالطهارة التي تكون مسبّبا عن اسبابها ، فاذا شككنا في اجزائها أو في شرائطها تجري اصالة الاشتغال واصالة الاحتياط ، ولا تجري اصالة البراءة ، لان الشك لا يكون في نفس المأمور به ، بل في إتيانه وفي امتثال امر المولى ، والعقل يحكم بالاحتياط قطعا لان الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني ، وهو لا يحصل إلّا بالاتيان بالمشكوك جزء أو شرطا.

اذا عرفت ما ذكرنا فيكون ما نحن فيه من القسم الثاني ، هذا تمام الكلام على الصحيحي.

اشكال المصنف على الجامع الأعمّي :

قوله : واما على الاعم فتصوير الجامع في غاية الإشكال ... الخ ، ويشكل تصوير الجامع بين الافراد التي تختلف من حيث الكيفية ومن حيث الكمية ، وذلك لانه لا يتعقّل دخل الزيادة ودخل النقيصة في الجامع وكل واحد منهما يكون محالا.

بيانه : وهو انه ان كان الزائد دخيلا في الجامع امتنع ان يكون الناقص فردا للزائد ، اذ هو يباينه. والحال ان المباينة تكون من الطرفين ، وحينئذ فالجامع لا

٥٤

ينطبق على الناقص. وان كان الناقص دخيلا في الجامع امتنع ان يكون الزائد فردا للناقص لانه يباينه ايضا ، وحينئذ لا ينطبق على الزائد ، فلو انطبق عليهما لزم اجتماع النقيضين من دخل الزائد في الجامع ومن عدم دخله فيه ، فيلزم التشكيك في ماهية الشيء ، ويلزم ان يتردد جنس شيء بين الشيئين ، فاللازم باطل بل يكون محالا فالمقدّم مثله فيبقى الاسم بلا مسمى على قول الأعمّي.

تصوير الجامع على قول الأعمّي :

قوله : وما قيل في تصويره أو يقال وجوه قال الأعمّي انه يمكن ان يتصور الجامع بين الافراد المتباينة مسمى للفظ الصلاة على احد وجوه خمسة.

احدها : ان يكون جامع الأجزاء التي تكون في الصحيح والفاسد ، وتلك مثل الاركان ، وكان الزائد عليها معتبرا في المأمور به لا في مسمى الصلاة من حيث هي هي. وفيه ان هذا الجامع لا يطرد ولا ينعكس ، اي لا يكون مانعا للاغيار ، ولا يكون جامعا للافراد.

اما الاول : فلانه تصدق الصلاة عند الأعمّي على فاقدة بعض الاركان وهي ، اي الفاقدة تكون غير واجدة لجميع الاركان ، فلو كانت التسمية تدور مدار الاركان كلها فالفاقدة لبعضها لا بدّ ان لا تسمى بالصلاة ، وهي ـ اي ـ التسمية ـ ضرورية عند الأعمّي على الفرض.

واما الثاني : فلانه لا تصدق الصلاة على واجدة الاركان كلها والفاقدة لجميع ما عداها من الواجبات غير الاركان عند الأعمّي.

فلو كان المسمى خصوص الاركان لوجب صدق الصلاة على الواجدة لجميع الاركان والفاقدة لما عداها ، لوجب عدم صدقها على الفاقدة لبعضها والواجدة لجميع ما عداها ، والامر يكون بالعكس كما عرفت. فتخلّف المسمى عن الاركان يكشف عن عدم كون المسمى خصوص الاركان فهي لا تكون القدر الجامع بين الافراد كما لا يخفى.

٥٥

هذا مع انه يلزم ان يكون استعمال لفظ الصلاة مجازا في المأمور به مع جميع اجزائه وشرائطه عند الأعمّي بعلاقة الجزء والكل ، وهي مشروطة بشرطين ، وكلاهما مفقودان ، وكان من باب استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل لا من باب اطلاق الكلي على الفرد والجزئي ، نحو اطلاق الانسان على زيد مثلا ، لان مجموع الأجزاء لا يكون فردا للاركان وتكون هي كليا.

ويدل عليه عدم صحة حملها عليها ، فلا يصح ان يقال ان الأجزاء اركان كما يصح ان يقال زيد انسان ، ولا يقول الأعمّي بهذا المجاز ولا يرضى به.

قوله : فافهم وهو اشارة الى ان هذه المجازية انما تلزم اذا كان مسمى الصلاة خصوص الاركان ان كانت مشروطة بعدم انضمام سائر الأجزاء اليها على نحو الماهية بشرط لا والماهية المجردة.

واما اذا كانت مسمى للصلاة على نحو الماهية لا بشرط ، والماهية المطلقة ، فلا تلزم المجازية اذا استعملت في جميع الأجزاء ، لانها تجتمع مع ألف ماهية بشرط شيء والماهية المخلوطة ، كما هو ظاهر.

في القدر الجامع ثانيا :

قوله : ثانيها ان تكون موضوعة لمعظم الأجزاء ... الخ قال بعض ان القدر الجامع بين الافراد التي تختلف باختلاف حالات المكلف هو معظم الأجزاء الذي تدور التسمية مداره وجودا وعدما ، سواء كان أركانا أم غيرها ، أم كان مركبا منهما. فليس المراد مطلق المعظم ، بل الذي تدور التسمية مداره وجودا وعدما.

قوله : وفيه مضافا الى ما أورد على الاول اخيرا ... الخ قال المصنف ترد عليه اشكالات :

اوّلها : انه يلزم ان يكون استعمال لفظ الصلاة في المأمور به مجازا من باب اطلاق اللفظ الموضوع للجزء في الكل بعلاقة الجزء والكل لصحة السلب.

لانه يصح ان تقول ان المأمور به ليس بمعظم الأجزاء وهي علامة المجاز.

٥٦

هذا مضافا الى انها مشروطة بشرطين وكلاهما مفقودان ، لانه يكون تركب اعتباري بين اجزاء المأمور به ، ولا يكون جميعها من الرئيسة ، وليس من باب اطلاق الكلي على الفرد مع قطع النظر عن خصوصية الفرد للمباينة بين معظم الأجزاء واكثرها وجميعها وهو واضح ، هذا هو الإشكال الاخير في الوجه السابق.

وثانيها : انه يلزم عدم تعيّن الجامع وتردده بين أمور ، لان المعظم قد يكون ستة وهو النية والتكبيرة والركوع والسجود والتشهد والتسليم كما في صلاة العاجز عن القيام ، وقد يكون سبعة اذا فعلت مع القيام ، وقد يكون كثيرا كما في صلاة الحاضر ، وقد يكون قليلا كما في صلاة المسافر. فبالنتيجة يلزم مجهولية المعظم لاختلاف المعظم على حسب اختلاف حالات المكلف.

وثالثها : انه يلزم دخل شيء في المعظم كالقيام ، وعدم دخله فيه كما في صلاة العاجز عنه ، فيلزم حينئذ اجتماع النقيضين وهو محال ، لا سيما اذا لوحظ اختلاف العبادة من حيث الكيفية ومن حيث الكمية على اختلاف حالات المكلف ، والتردّد في المسمى يكون على خلاف حكمة الوضع ، لان حكمته افهام الاغراض والمقاصد ، ويكون لازم ذلك تعيّن المسمى وتشخص الموضوع له ، فالثاني مردود ايضا كالاول.

هذا مضافا الى انه يلزم التغير والتردّد في ذاتي الشيء وهو الجامع المتصور.

الدليل الثالث :

قوله : ثالثها ان يكون وضعها كوضع الاعلام الشخصية كزيد ... الخ والمسمى فيها ، اي في الاعلام ، محفوظ وان تغيرت أوصافه من الصغر والكبر والشيبوبة والكهولة ، وان تبدلّت حالاته من المرض والصحة ونقص بعض اعضائه وزيادته ، لانها وضعت للذات المعيّنة التي تتشخص بوجود الخاص ، فما دام كان هذا الوجود الخاص باقيا ، فيصدق على المسمى اسمه نحو (علي) و (احمد) مثلا ، وان تغيرت حالاته من حيث الكمّ نحو (الصغر) و (الكبر) ، أو من حيث الكيف نحو كونه (ابيض) أو (اسود) ، أو من

٥٧

حيث الأين مثل كونه (في المسجد) أو (الحرم) ، أو من حيث ال (متى) نحو كونه (في العام الماضي) أو (العام الحاضر) ، أو من حيث الوضع مثل كونه (ذاهبا) أو (جالسا) ، أو من حيث الفعل نحو كونه (مصلّيا) أو (مطالعا درسا) ، أو من حيث الانفعال نحو كونه (متأثرا) أو (متألما) ، أو من حيث الملك مثل كونه (مالكا للدار) أو (مالكا لمنفعتها) كالمستاجر لها من مالكها.

فكذا الفاظ العبادات وضعت لمسمّياتها وهي محفوظة باختلاف اوصافها من القيام في حالتها ، اي حالة الصلاة ، ومن الجلوس فيها ، وباختلاف عدد ركعاتها من التمام والقصر ، وباختلاف كيفيتها من الجهر والاخفات ، فمسمى الصلاة باق وان اختلفت اوصافها على حسب اختلاف حالات المكلف ، وهو الجامع بين الصحيحة والفاسدة منها.

الجواب عنه :

قوله : وفيه ان الاعلام انما تكون موضوعة للأشخاص ، والتشخّص انما يكون بالوجود الخاص ... الخ. ويرد عليه ان الفاظ العبادات وضعت للمركبات التي تختلف باختلاف الحالات ، لا الأشخاص ، فلا يوجد قدر جامع ينطبق على تمام افرادها ومصاديقها ، لان كل واحد منها يكون مباينا للفرد الآخر. ويدل على هذا عدم صحة حمل بعضها على الآخر ، فلا يصح ان يقال الصلاة الرباعية الصلاة الثلاثية وبالعكس. اما بخلاف الاعلام فانه يوجد القدر الجامع ، وهو المسمى وان تغيّرت اوصافه وتبدلت حالاته.

قوله : للمركّبات والمقيّدات فكان قياسها عليها مع الفارق وهو باطل. فان قيل انه هل الفرق بينهما موجود أم لا؟ بل يكون الثاني عطفا تفسيريا للاول. قلنا : ان الفرق موجود وهو ان الاول بالاضافة الى اجزاء المأمور به ، والثاني بالنسبة الى شرائطه. فالصلاة ماهية مركبة بلحاظ اجزائها وماهية مقيدة بلحاظ شرائطها.

فان قيل : انه هل الفرق بين الحالات والكيفيات موجود أم لا؟ قلنا ان الفرق

٥٨

بينهما موجود ، وهو ان الحالات عبارة عن الاوصاف. مثل : علم زيد وجهله و ... والكيفيات عبارة عن لونه مثل سواديته وبياضيته و ...

الدليل الرابع :

قوله : رابعها ان ما وضعت له الالفاظ ابتداء هو الصحيح التام ... الخ قال الأعمّي ان المسمى للفظ الصلاة ابتداء وقبل الاستعمال هو الصحيح التام الواجد لتمام الأجزاء الحاوي لجميع الشرائط ، إلّا انّ اهل العرف اطلقوها على الناقص مسامحة كما هو عادتهم وديدنهم بعلاقة المشابهة ، لان الناقص شبيه للتام في معظم الأجزاء ، كما ان الرجل الشجاع مشابه للاسد في الشجاعة والجرأة ، ويطلقونها عليه على نحو الحقيقة الادعائية ، السكاكي. والمجاز يكون في الاسناد ، بمعنى ان للصلاة فردين ، احدهما فرد حقيقي ، وهو تام كامل. والآخر فرد ادعائي ، وهو الناقص ، تنزيلا للناقص منزلة التام بلحاظ العلاقة من العلائق.

فقولنا : الناقصة صلاة حقيقة ادعائية ، والمجاز يكون في الاسناد نحو (انبت الربيع البقل) وهذا المجاز يسمى بالمجاز العقلي ، فالسكاكي انكر المجاز في الكلمة وقال بالحقيقة الادعائية في الاستعارة.

واعلم انه اذا كانت علاقة المشابهة بين المعنى الحقيقي وبين المعنى المجازي يسمى بالاستعارة ، وإلّا فبالمجاز المرسل ، فاستعمال الصلاة في الناقص يكون من قبيل الاستعارة على المشهور لمشابهته للتام في اكثر الأجزاء والشرائط ومعظمهما.

قوله : بل يمكن دعوى صيرورته حقيقة فيه بعد الاستعمال فيه ... الخ بل يمكن ان يكون استعمال لفظ الصلاة في الناقص حقيقة اصطلاحية على نحو الوضع التعيني الذي يكون منشؤه وسببه كثرة الاستعمال لأمرين : الاول : لمشابهة الناقص للتام في الصورة. والثاني : لمشاركته له في الاثر المطلوب. اذ كلتاهما صلاة ومعراج للمؤمن و ... كما سبق في بحث الحقيقة الشرعية ، فراجع هنا ، وذلك نحو اسماء المعاجين التي وضعت ابتداء للتام ثم أطلقت على الناقص منها ، لوجهين : الاول : لمشابهة

٥٩

الناقص للتام في الصورة اذ كلاهما معجون. الثاني : لمشاركته له في الاثر المهم. فهذا الاطلاق اما أن يكون مجازا بعلاقة المشابهة ، وهو قول الصحيحي. واما أن يكون حقيقة ادعائية السكاكي ، واما أن يكون حقيقة اصطلاحية بادعاء ان المسمى يكون القدر الجامع الكلي ينطبق على الفرد التام وعلى الفرد الناقص ، كما ان الحقيقة الادعائية تكون من باب تنزيل الناقص منزلة التام وهو قول الأعمّي.

ولا يخفى عليك ان النسبة بين الناقص والفاسد عموم مطلق. بيانه : ان كل فاسد في العبادات ناقص اما من حيث الجزء ، واما من حيث الشرط ، ولا يكون كل ناقص فاسد كما في صلاة المسافر والغريق.

ومن هنا يعلم خلط الأعمّي لان مدّعاه انما يكون وضع الالفاظ للاعم من الصحيح والفاسد ، ودليله يرشد الى وضعها للتام والناقص وهو كما ترى.

فساد الوجه الرابع :

قوله : وفيه انه انما يتم في مثل اسامي المعاجين وسائر المركبات الخارجية ... الخ والوجه الرابع يكون ايضا قياسا مع الفارق كالثالث ، لان المعاجين تكون مركبات خارجية ، والعبادات مركبات اعتبارية ، فالاولى وضعت ابتداء للتام ثم اطلقت على الناقص للمشابهة في الصورة وللمشاركة في الاثر المهم ، فالتام محفوظ مضبوط فيها مطلقا وهو الموضوع له لها. بخلاف العبادات لان التام فيها غير محفوظ مضبوط فيها لانه يختلف باختلاف حالات المكلف ، فالصلاة الثنائية تامة كاملة للمسافر وهي ناقصة للحاضر ، فلا يكون فيها تام في جميع الحالات حتى يكون الموضوع له ابتداء هذا التام ، ثم تستعمل في الناقص على نحو الحقيقة الادعائية تنزيلا للناقص منزلة التام ، أو على نحو الحقيقة الاصطلاحية ، فالفرق واضح بينهما ، فيكون الرابع كالثالث في كونهما قياسين مع الفارق وهو باطل.

قوله : فتأمل جيّدا اشارة الى انه اذا جاز استعمال الفاظ العبادات في الناقص فيلزم الاشتراك فيها ، لانه لا يترك استعمالها في التام ، ويلزم من الاشتراك الاجمال

٦٠