البداية في توضيح الكفاية - ج ١

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ نهضت
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-0-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٤٤٨

(الفصول) ، ورفع هذا الترك الموصل يكون بنحوين :

الاول : ان يكون رفعه بفعل الصلاة.

والثاني : ان يكون رفعه ، اي رفع ترك الموصل ، بترك غير الموصل الى الازالة كترك الصلاة بدون الإتيان بالازالة.

اما بيان وجه عدم كون فعل الضد نقيضا لترك الواجب الموصل فهو امكان ارتفاعهما. مثل ما اذا ترك الصلاة والازالة معا ولو كانا نقيضين لم يجز ارتفاعهما لان النقيضين لا يرتفعان كما انهما لا يجتمعان كالحركة والسكون والعلم والجهل.

بخلاف الضدين ، فانهما لا يجتمعان ولكنهما يرتفعان كالسواد والبياض مثلا ، فاذا أتى المكلف بالصلاة عند المزاحمة مع الازالة فقد ارتفع الترك الموصل الذي يجب مقدمة للازالة الواجبة ، وكذا اذا لم يأت المكلف بالصلاة والازالة بان تركهما معا فقد ارتفع الترك الموصل أيضا وكلاهما ضدان لترك الموصل. فالصلاة ملازمة مع ضدين : احدهما ترك الموصل ، والآخر ترك غير الموصل.

فبناء على القولين تكون الصلاة منهيا عنها لان الامر بالازالة يقتضي النّهي عن ضدها. والحال ان النّهي في العبادات يقتضي فساد المنهي عنه فترك غير الموصل وفعل الصلاة وهما ضدان ، مع الازالة يكونان منهيا عنهما ومحرمين ، بناء على اقتضاء الامر بالشيء النّهي عن ضده. فالصلاة الملازمة لضد المحرم محرّمة ، فهي فاسدة على القول بوجوب المقدمة الموصلة. فهذه الثمرة ليست تامة. اذ الملازم المحرم محرم. فترك الصلاة مقدمة وجودية للازالة على كل قول ، كما ان فعل الصلاة مع رفع الترك المطلق ملازمان مع الترك الموصل.

غاية الامر ان كون ترك الخاص الموصل واجبا لكونه مقدمة الازالة يتحقق رفعه بامرين : الاول : بترك المطلق. والثاني : بفعل الصلاة.

اما اذا كان الترك المطلق واجبا انحصر رفعه بفعل الصلاة. وكون الملازم منحصرا او متعددا لا يضر في محل البحث. فالصلاة بناء على القول بوجوب المقدمة الموصلة ، منهي عنها وباطلة عند المزاحمة مع الازالة. او هي ليست بمنهي

٤٠١

عنها. فلا انفكاك بين القولين بالاضافة اليها. بل هي فاسدة على كلا القولين ، او هي صحيحة على كلا القولين.

ويمكن ان يقرر ايراد الشيخ الانصاري على ثمرة صاحب (الفصول) رحمهما‌الله بتقرير آخر وهو انه ثبت في علم المنطق كون نقيض الاخص أعم ، وكون نقيض الاعم أخصّ ، مثل الانسان والحيوان فنقيضهما وهو اللاانسان واللاحيوان ، يكون بعكس العينين ، فكل لا حيوان لا انسان ، وليس كل لا انسان لا حيوان ، بل بعضه حيوان كالفرس مثلا ، فكذا فيما نحن فيه فيكون نقيض الاخص ، الذي هو ترك الموصل الذي هو مقدمة واجبة لفعل الازالة على قول (الفصول) أعم من نقيض الاعم ، وهو الترك المطلق. فنقيض الترك الموصل أعم من الفعل ـ اي فعل الصلاة ـ ومن الترك المجرد عن خصوصية الايصال. لان نقيض الاخص المطلق يكون الاعم المطلق ، فيكون فعل الصلاة لازما لفرد النقيض ان كان عموم نقيض الاخص عموما مورديا (فئويا) تحققيا لا مصداقيا ، وإلّا كان فعل الصلاة من افراد النقيض لا ملازم لفرد النقيض. يعني اذا تحقق نقيض الاخص ، الذي هو ترك الموصل الواجب مقدمة لفعل الازالة ، تحقق فعل الصلاة او الترك المجرد عن عنوان الايصال اذ نقيض كل شيء رفعه. فنقيض ترك الموصل الواجب هو رفعه باحد الامرين : اما بفعل الصلاة التي هي ضد الازالة ، واما بترك المجرّد عن الايصال. فنقيض الترك المطلق أخصّ اذ رفعه يتحقق بفعل الصلاة فقط.

فظهر ، مما ذكر من عمومية نقيض الاخص وخصوصية نقيض الاعم ، ان النسبة بينهما عموم من وجه. مورد الاجتماع هو ما اذا فعل المكلف الصلاة فيتحقق حينئذ رفع ترك الموصل ورفع ترك المطلق. ومورد الافتراق عن نقيض الأخص ما اذا ترك المكلف الصلاة والازالة معا ، فيتحقق حينئذ نقيض الاخص ـ يعني رفع ترك الموصل الواجب ـ ولا يتحقق رفع ترك المطلق. ومورد الافتراق عن جانب نقيض الأعم ما اذا ترك الصلاة وحدها بقصد ازالة النجاسة بعد ترك الصلاة ، فيتحقق رفع الترك المطلق حينئذ ، لانه رفع الترك المجدد عن الايصال.

٤٠٢

قال الشيخ قدس‌سره وهذا اللزوم يكفي في اثبات الحرمة لفعل الصلاة. فهي منهي عنها ، فتبطل. اذ النّهي عن الشيء نهي عن لازمه. فالنهي عن نقيض الازالة نهي عن لازم النقيض. فاذا نهى المولى عن ترك ترك الموصل فقد نهى عن لازم ترك ترك الموصل ، وهو فعل الصلاة. وإلّا لم يكن الفعل المطلق محرّما ، سواء كان فعل الصلاة أم كان فعلا آخر من الافعال بعد الأمر بالازالة فيما اذا كان ترك مطلق الفعل واجبا بناء على القول المشهور ، وهو المتصوّر ، لان الفعل من الافعال ليس نقيضا للترك ، اذ الفعل أمر وجودي ، والحال ان نقيض الترك انما يكون رفع الترك لان نقيض كل شيء رفعه. ورفع الترك ـ اي ترك ترك الفعل ـ يلازم الفعل من الافعال ، وليس رفع الترك عين الفعل ، بل هو لازمه ـ وهذا يظهر عند التأمل ـ وهذه الملازمة تكفي في اثبات الحرمة لمطلق الفعل بعد الامر بالازالة ، فكذا تكفي في المقام. فيصير فعل الصلاة محرما بعد الامر بالازالة ، وهي فاسدة ، فلا تتم ثمرة (الفصول).

غاية الامر : ان ما هو النقيض في الترك المطلق ينحصر مصداقه في فعل من الافعال ، واما النقيض للترك الخاص الموصل فله فردان : احدهما : فعل الصلاة مثلا. وثانيهما : الترك المجرد عن خصوصية الايصال. وذلك لا يوجب فرقا فيما نحن بصدده كما لا يخفى ، وهو حرمة ملازم النقيض. فاللازم حينئذ إما القول بكون الصلاة منهيا عنها ومحرمة وباطلة حتى على القول بوجوب المقدمة الموصلة إذ تكفي الملازمة في الحرمة. واما القول بوجوب مطلق المقدمة ، سواء كانت موصلة أم كانت غير موصلة. فلا تفكيك بين القولين بالاضافة الى الصلاة من حيث الصحة والبطلان. انتهى كلام الشيخ الانصاري قدس‌سره.

جواب المصنف عن اعتراض الشيخ الانصاري :

قوله : وانت خبير بما بينهما من الفرق فان الفعل في الاول لا يكون ... الخ فاجاب المصنف عن اعتراض الشيخ على صاحب (الفصول) بان الفرق بين الموردين ، وبين القول بوجوب المقدمة الموصلة ، وبين القول بوجوب مطلق المقدمة ، واضح. فاذا

٤٠٣

قلنا بوجوب مطلق المقدمة فالترك الخاص الموصل يكون واجبا. اذ هو مقدمة وجودية لفعل الازالة ونقيضه الصريح رفعه. اذ نقيض كل شيء رفعه.

فبناء على هذا فعل الصلاة ليس بملازم لرفع ترك الخاص الموصل لواجب عند (الفصول) ، بل مقارنه. اذ رفع ترك الخاص قد يتحقق في ضمن فعل الصلاة وقد يتحقق في ضمن الترك المجرد عن عنوان الايصال ، نظير النظر الى المرأة الاجنبية ، لانه قد يتحقق في ضمن المعاشرة معها وقد يتحقق بدون المعاشرة. ولكن الشيء المقارن للحرام ليس بحرام ، مثل المعاشرة مع الاجنبية التي تقارن مع النظر الحرام ، فهي مباحة والنظر حرام. فكذا في المقام ، فنقيض الترك الخاص الموصل ـ اي ترك ترك الموصل ـ حرام ومنهي عنه.

واما مقارنه ، وهو فعل الصلاة مباح. نعم لو كان فعل الصلاة لازما لرفع ترك الخاص الموصل الواجب ، بحيث لا ينفك عنه ، كوجود النهار الذي لا ينفك عن طلوع الشمس اذ هو لازمه المساوي. فلا يكون لفعل الصلاة حكم آخر غير الحرمة.

واما على المشهور فترك الصلاة واجب في صورة المزاحمة مع الازالة من جهة كونه مقدمة لفعل الازالة. ففعل الصلاة يكون النقيض الصريح للترك من حيث المصداق ، وان لم يكن نقيضه الصريح من حيث المفهوم. اذ نقيض الترك رفع الترك. لكن فعل الصلاة يكون متحدا مع نقيض الترك مصداقا وخارجا ، بحيث اذا وجب ترك الشيء حرم فعله. فترك الخاص يرتفع بأمرين : فعل الصلاة والترك المجرد. ففعلها لا يكون لازم رفع ترك الخاص بل يكون مقارنه. ولا يكون عينه في الخارج. ففعل الصلاة يباح بالمعنى الأعم الشامل للواجب ، واما الترك المطلق فلا يرفع إلّا بسبب الفعل ، اي فعل الصلاة. ففعلها لازم النقيض ، اي نقيض ترك المطلق ، ولا ينفك عنه ، ومتحد معه مصداقا. فعلى القول بوجوب المقدمة الموصلة للصلاة لا تكون منهيا عنها. فهي صحيحة. فثمرة (الفصول) تامة.

قوله : فتدبّر جيدا تدقيقي لوجهين :

الاول : لتقييده بلفظ الجيد.

٤٠٤

والثاني : لظهور لفظ التدبر في التدقيق ، فهو اشارة الى دقة المطلب المذكور سابقا. واما توضيح قول المصنف : «ولا يكاد تسري حرمة الشيء الى ما يلازمه فضلا عما يقارنه احيانا» الى قوله : «إلّا ان يكون محكوما بحكمه» فسيأتي ان شاء الله تعالى في مسألة الضد.

الواجب الاصلي والتبعي :

قوله : ومنها تقسيمه الى الاصلي والتبعي والظاهر ان يكون هذا التقسيم بلحاظ ... الخ قال المصنف قدس‌سره ان من الأمور التي ينبغي تقديمها على المقصد تقسيم الواجب الى واجب اصلي والى واجب تبعي فقال ان الاصالة والتبعية تلحظان تارة بلحاظ الواقع ومقام الثبوت ، واخرى بلحاظ كيفية الدليل ومقام الاثبات.

اما على الاول : فان الواجب تارة يكون ملتفتا اليه ومطلوبا للمولى ومتعلقا لارادته بما هو عليه في الواقع من الملاكات الموجودة في نفس الواجب.

واخرى لا يكون الواجب ملتفتا اليه وملحوظا بما هو عليه من الملاكات فيه ، بل يكون لازم مطلوب المولى ، بحيث لو التفت اليه طلب طلبا أكيدا.

والاصالة والتبعية بلحاظ مقام الثبوت مع قطع النظر عن مقام الاثبات والدلالة ينقسم الواجب الغيري فقط الى الاصلي والتبعي.

فالاصلي منه هو ما كان ملتفتا اليه ، والمولى يلتفت بمقدميته ، ولاجل مقدميته يكون مطلوبا كما في مثل الوضوء في قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)(١).

والتبعي منه ما كان غير ملتفت اليه وان كان مقدمة لواجب نفسي في الواقع ، ولكن المولى لم يلتفت الى مقدّميته بحيث اذا التفت اليه بما هو عليه من الملاكات فيه لطلبه وأمر به وذلك مثل السّعي للحج.

__________________

(١) سورة المائدة : آية ٦.

٤٠٥

واما الواجب النفسي فهو اصلي فقط ، ولا يكون تبعيا. فالاصلي منه مثل الصلاة ، اذ المولى يلتفت او التفت اليها والى ملاكاتها الكائنة فيها ولذا طلبها وأمر بها في قوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) بالاصالة.

واما انه ليس تبعيا ، لان المولى اذا لم يلتفت اليه لم يكن وجوب في الواقع لا أصليا ولا تبعيا ، واذا التفت اليه كان الطلب أصليا لا تبعيا ، فظهر ان الواجب النفسي بلحاظ الاصالة ، والتبعية بلحاظ مقام الثبوت. والواقع لا ينقسم الى الاصلي والى التبعي. اي أن الواجب نفسي فقط. وان الواجب الغيري بلحاظ مقام الثبوت ينقسم اليهما هذا في مقام الثبوت. واما في مقام الاثبات والدلالة ، اي دلالة الدليل في مقام الافادة ، وفي مقام دلالة الدليل ، فينقسم الواجب النفسي والواجب الغيري الى الاصلي والتبعي.

بيان ذلك ان الواجب النفسي يمكن ان يستفاد من الخطاب مستقلا ، مثل الواجبات النفسية الاصلية كالصلاة والمعرفة باصول الدين والزكاة والصوم ونحوها ويمكن ان يستفاد بتبع شيء آخر ، مثلا اذا قال المولى : (اذا فسق العالم فلا يجب اكرامه). ويستفاد منه صريحا بمنطوقه عدم وجوب اكرام العالم الفاسق. ولكن مفهومه (اذا عدل العالم فيجب اكرامه) فوجوب اكرام العالم العادل واجب نفسي يستفاد من مفهوم الكلام الذي هو تابع لمنطوق الكلام في التفهيم والتفهم.

وفي هذا المقام لا منافاة بين الدلالة التبعية وبين وجوب نفس الشيء ـ اي بين استفادة وجوب نفسي الشيء بتبع شيء آخر ـ وبين كون الشيء واجبا نفسيا اذ لا يشترط استفادته من الخطاب الذي قصد به الافهام مطابقة وصراحة ، بل يجوز ان يستفاد من الخطاب ومن الدليل سواء دل عليه الخطاب مطابقة أم دل عليه التزاما.

وان الواجب الغيري يجوز ان يستفاد من الخطاب مستقلا ، ويدل عليه مطابقة مثل الوضوء ، لانه يدل على وجوبه الغيري قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) يمكن ان يستفاد الواجب الغيري من الخطاب بالالتزام ، ويدل عليه بدلالة الإشارة وهي ان لا تكون الدلالة مقصودة

٤٠٦

بالقصد الاستعمالي عرفا ، ولكن يكون مدلول الدلالة لازما لمدلول الكلام لزوما بينا بالمعنى الأعم ، مثل الامر بالشيء على نحو الايجاب ، فوجوب هذا الشيء يدل على وجوب مقدمته ، اذ هو لازم لوجوب ذي المقدمة باللزوم البيّن بالمعنى الأعم.

ولذا جعل الاصوليون وجوب المقدمة وجوبا تبعيا لا أصليا لانه ليس بمدلول للكلام بالقصد الاستعمالي بحسب العرف ، بل يفهم وجوبها بالتبع اي بدلالة الإشارة فصارت الاقسام اربعة :

الاول : واجب نفسي اصلي كالواجبات النفسية الاصلية. كالمعرفة بأصول الدين ، مثلا.

والثاني : واجب نفسي تبعي كالواجبات التي تستفاد من مفاهيم الخطاب والكلام ، كمفهوم الشرط والوصف ، مثلا ، اذا قال المولى (لا تكرم العلماء ان كانوا فساقا) فيستفاد منه وجوب اكرامهم اذا كانوا عدولا.

والثالث : واجب غيري أصلي كالوضوء.

والرابع : واجب غيري تبعي كمقدمات الواجب على القول به ، اي بالوجوب.

فعلم ان الواجب بكلا قسميه أصلي وتبعي بلحاظ مقام الاثبات. وأما في مقام الثبوت فالتقسيم منحصر بالواجب الغيري ولا يجري في الواجب النفسي كما سبق.

قال المصنف قدس‌سره الظاهر أن هذا التقسيم بلحاظ حال مقام الثبوت لا بلحاظ مقام الاثبات وحال الدليل والخطاب يدل عليه ، انه لو كان التقسيم بملاحظة مقام الاثبات ، فلا بد ان يقسم الواجب الى الأصلي والتبعي بلحاظه ، والحال ان تقسيم الواجب اليهما لا يتوقف على ملاحظة الدليل وعلى كيفية دلالته ، فعلم ان هذا التقسيم بلحاظ مقام الثبوت مع قطع النظر عن مقام الاثبات والدلالة اي دلالة الدليل على الواجب.

قوله : ثم انه اذا كان الواجب التبعي ما لم يتعلق ... الخ فان كان الواجب التبعي عبارة عن الواجب الذي لا تتعلق به الارادة المستقلة من المولى ، فاذا شككنا في واجب أهو واجب أصلي أم واجب تبعي؟ فمقتضى الاصل كونه واجبا تبعيا لان

٤٠٧

الاصل عدم تعلق الارادة المستقلة به ، اذ الواجب التبعي أمر عدمي موافق لاصالة العدم ويثبت به ويترتب عليه آثاره الشرعية اذ وجوبه أحرز بالوجدان وتبعيته ثبتت بالأصل كما هو الشأن في كل موضوع مركب من أمر وجودي ومن أمر عدمي.

فاذا كان الوجودي محرزا بالوجدان ، والعدمي بالاصل ، رتب على العدمي اثره. كما اذا شكّ في كون اللحم المطروح في الارض المشتركة بين المسلمين والكفار ميتة أو مذكى ، فالاصل فيه عدم التذكية. اي يستصحب فيه عدم التذكية. ويحرز بالاصل انه ميتة. بناء على كون الميتة مما لم يذكّ. ويترتب عليه حينئذ آثارها. فاللحم ـ موضوع الحلية او الحرمة ـ يقال انه حلال او حرام. مركب من الامر الوجودي ، وهو كونه لحما ، ومن الامر العدمي وهو عدم تذكيته بالأصل. اي باستصحاب عدم التذكية. فوجود اللحم محرز بالوجدان ، وعدم تذكيته محرز بالاستصحاب.

واما ان كان الوجوب التبعي أمرا وجوديا بمعنى انه مما تعلقت به ارادة اجمالية تبعا لارادة غيره ، بحيث يكون الواجب التبعي نوعا من مراد المولى ، والواجب الاصلي نوعا آخر من المراد ، وبحيث يكون ثبوت كل واحد منهما يستلزم نفي الآخر.

ومن المعلوم ان كليهما يخالف استصحاب العدم ، فلا يثبت تعلق الارادة الاجمالية تبعا لارادة غيره به ، اي فلا يثبت بالاصل كون الواجب تبعيا ، اي لا يثبت باستصحاب عدم تعلق الارادة المستقلة بالواجب تعلّق الارادة الاجمالية تبعا لارادة غيره الا على القول بالاصل المثبت ، اذ ليس تعلق الارادة الاجمالية تبعا لارادة الواجب بالواجب من الآثار الشرعية للمستصحب الذي هو استصحاب عدم تعلق الارادة المستقلة بالواجب ، بل يكون من آثاره العقلية ، اذ الوجوب محرز بالوجدان ، وهو واضح لا غبار عليه.

قوله : فافهم وهو اشارة الى ان استصحاب عدم تعلق الارادة المستقلة بالواجب بعد العلم الاجمالي بتعلق الارادة بالواجب ليس صحيحا. اذ الوجوب

٤٠٨

محرز بالوجدان. ولكن يكون الشك في اصالة الواجب وتبعيته ، بل مشكل جدا ، سواء كان الواجب التبعي مما لم تتعلق به ارادة مستقلة ، أم كان مما تعلقت به ارادة اجمالية ارتكازية تبعا لارادة غيره ، لان الاصل معارض بمثله ، يعني اذا كان الاصل عدم تعلق الارادة المستقلة بالواجب كان الاصل عدم تعلق ارادة اجمالية ارتكازية بالواجب ، مضافا الى كون الاصل مثبتا ونحن لا نقول به.

ثمرة المسألة :

قوله : تذنيب في بيان الثمرة وهي في المسألة السابقة الأصولية ليست إلّا ... الخ فالمسألة الاصولية كما علمت سابقا المسألة التي تقع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الشرعي الفرعي.

فالملازمة في مقام البحث عقلا بين وجوب الشيء وبين وجوب مقدماته مسألة اصولية عقلية ، اذ نتيجتها وهي ثبوت الملازمة او لا ثبوتها ، على القول بعدم الوجوب ـ اي وجوب المقدمة فرضا بضميمة المقدمة الوجدانية ـ تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي الفرعي ، مثلا : يقال ان الوضوء مقدمة للواجب ، وكل مقدمة للواجب واجبة لثبوت الملازمة عقلا بين وجوب الشيء ووجوب مقدماته وملازماته. فالوضوء واجب. فمسألة مقدمة الواجب مسألة اصولية ، لكن عقلية لا لفظية ، لحكم العقل بالملازمة كما سبق.

فالبحث عن مقدمة الواجب أهي واجبة شرعا أم لا؟ فمورد النزاع الوجوب الشرعي للمقدمة وعدم الوجوب الشرعي. وإلّا فالوجوب العقلي متفق عليه عند الجميع متفرع على أن وجوب الشيء يلازم شرعا وجوب مقدماته أم لا؟ ونتيجة هذه المسألة تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي الفرعي ، وهو وجوب الوضوء او عدم وجوبه. وكلاهما حكم شرعي فرعي.

ولكن ، لا بد أن تكون للنزاع الأصولي ثمرة او ثمرات في الفقه الشريف ، ولذا قد ذكروا لبحث مقدمة الواجب ثمرات عديدة :

٤٠٩

منها : انه على القول بوجوب مقدمة الواجب المطلق ، اذا نذر شخص الإتيان بواجب شرعي له مقدمات وافرة كالصلاة إذ لها مقدمات كثيرة مثل الوضوء وطهارة البدن واللباس عن الخبث ونحوهما من المقدمات ، يتحقق البرء من النذر باتيانه بمقدمة واحدة من المقدمات ، اذا قلنا بوجوب المقدمة. كما اذا فعل الناذر الوضوء مثلا ، ولا يحصل البرء من النذر بفعل الوضوء اذا قلنا بعدم وجوب المقدمة شرعا.

ومنها : انه يحصل الفسق لشخص بترك واجب مع جميع مقدماته اذا كانت له مقدمات كثيرة ، كترك الصلاة مع ترك جميع مقدماتها وذلك لصدق الاصرار على فعل الحرام الذي هو ترك الواجب حينئذ. فان المكلف قد ترك واجبات عديدة اذا قلنا بوجوب المقدمة شرعا ، بخلاف ما اذا لم نقل بوجوبها إذ لا يحصل الفسق بترك الواجب الشرعي مع مقدماته وهو ، ترك نفس ذي المقدمة ، وذلك لعدم صدق الاصرار على الحرام الذي هو درك الواجب حينئذ ، اذ لم يترك واجبات عديدة بل ترك الواجب الواحد.

ومنها : انه على القول بوجوب المقدمة شرعا لا يجوز اخذ الاجرة على فعل المقدمة لحرمة أخذ الاجرة على الفعل الواجب لمنافاته قصد القربة. بخلاف ما اذا لم نقل بوجوبها فانه يجوز حينئذ اخذها عليه وهو واضح. فاعترض المصنف قدس‌سره على الثمرات المذكورة باعتراضين :

الاول : اعتراض عام مربوط بجميع الثمرات وهو ان ثمرة المسألة الاصولية ان تكون نتيجتها واقعة في طريق استنباط الحكم الشرعي الكلي ، مثلا : اذا بحثنا في علم الاصول عن حجّية خبر الواحد وعن حجّية الاستصحاب وعن حجّية اصل البراءة وجدنا نتيجتها ـ اي نتيجة حجيتها ـ استنباط حكم شرعي كلي ، نحو وجوب الدعاء عند رؤية الهلال ، او وجوب الاقامة اذا قال بوجوبها خبر الثقة ، او نحو وجوب صلاة الجمعة في حال الغيبة لاستصحابه من زمن الحضور ، اذ إنها في زمن الحضور واجبة يقينا وفي زمن الغيبة نشكّ في وجوبها ، فستصحب وجوبها فيه لتمامية اركان الاستصحاب ، او نحو عدم وجوب الدعاء عند الرؤية للبراءة عنه ، نقلا

٤١٠

وعقلا ان لم يكن دليل معتبر على وجوبه عندها.

وهكذا ان مثل البرء وعدم البرء ، ومثل حصول الفسق بترك الواجب الشرعي الذي له مقدمات وعدم حصوله به ، ومثل جواز اخذ الاجرة على الواجب وعدم جواز اخذها ، ليست من ثمرات مسألة المقدمة ، ووجه عدم كونها من ثمراتها أن وجوب المقدمة في الثمرات المذكورة مما لا يستنبط به حكم شرعي كلي ، لان البرء وعدم البرء في النذر موضوع جزئي لا حكم شرعي كلي ينطبق على موضوعه ، كالوجوب والحرمة ، إذ هما ينطبقان على موضوعاته كالصلاة والصوم والجهاد ونحوها وكالقتل والسرقة والرشوة وغيرها. وكذا الفسق وعدمه موضوع جزئي يثبت لشخص دون شخص. اما جواز اخذ الاجرة على الواجب وعدم جوازه فهما حكمان شرعيان فرعيان وليسا من قبيل ما يقع في طريق استنباط حكم شرعي كلي ، فليس من ثمرة المسألة. وهذا اشكال عام.

الإشكال الوارد على الثمرات المذكورة :

قوله : مع ان البرء وعدمه انما يتبعان قصد الناذر فلا برء ... الخ فبيّن المصنف الاعتراض الخاص الوارد على كل واحدة من الثمرات ، وقال ان البرء وعدمه تابعان لقصد الناذر حين النذر إتيان الواجب النفسي فلا برء للنذر باتيان المقدمة. وان قلنا بوجوب المقدمة وجوبا غيريا ترشحيا.

واذا قصد اتيان الواجب بلا قيد النفسي وبلا قيد الغيري وبلا قيد الشرعي يحصل برء النذر باتيان المقدمة ، ولو قلنا بعدم وجوب المقدمة شرعا ، لان وجوب عقلي المقدمة مسلّم ليس قابلا للانكار.

واما اذا نذر اتيان مطلق الواجب ، والمطلق منصرف الى الواجب النفسي لم يحصل برء النذر باتيان المقدمة.

ولو قلنا بالوجوب الشرعي للمقدمة فعلم ان برء النذر وعدمه تابعان لقصد الناذر ، فلا دخل لوجوب المقدمة ولعدم وجوبها فيهما ، فلانه لو كان البرء من ثمرة

٤١١

وجوب المقدمة لما انفكت عنه. والحال ان البرء ينفك عن وجوب المقدمة في صورة قصد الناذر إتيان الواجب المطلق ، فبإتيان المقدمة لا يحصل البرء ، وان قلنا بوجوب المقدمة شرعا لانصراف الواجب المطلق الى الواجب النفسي ووجوب المقدمة تبعي ، كما ان عدم البرء ينفك عن عدم وجوب المقدمة شرعا. يعني انه اذا قلنا بعدم وجوب المقدمة شرعا يحصل البرء باتيان المقدمة ، اذ وجوبها بحكم العقل مسلّم عند الكل في صورة قصد الناذر حين النذر إتيان مطلق الواجب.

فتلخّص مما ذكرنا : ان قصد الناذر على انحاء :

الاول : قصد اتيان الواجب النفسي.

الثاني : قصد اتيان الواجب المطلق.

الثالث : قصد اتيان مطلق الواجب.

ففي الصورتين الاولى والثالثة : لا يحصل برء النذر باتيان المقدمة ، وان قلنا بوجوبها شرعا.

واما في الصورة الاولى : فظاهر ، لانه يتعلق بالواجب النفسي والمقدمة على القول بوجوبها ، واجبة غيرية.

واما الصورة الثانية فلانصراف اطلاق الواجب الى الواجب النفسي.

واما في الصورة الثالثة : فيتحقق برء النذر باتيان المقدمة وان قلنا بعدم وجوبها شرعا ، اذ وجوب المقدمة العقلي متّفق عليه ولا ينكر.

توضيح : بيان الفرق بين الواجب المطلق وبين مطلق الواجب ، ان الاول يقال في مقابل المشروط ، فيشمل الواجب النفسي المطلق والواجب الأصلي المطلق كالصلاة والصوم ونحوهما من الواجبات المطلقة ، والواجب الغيري المطلق والواجب التبعي المطلق ، مثل الوضوء والاستقبال ونحوهما من الواجبات الغيرية التبعية.

وان الثاني يشمل جميع الواجبات سواء كان واجبا مطلقا أم كان واجبا مشروطا ، وسواء كان واجبا اصليا أم كان واجبا تبعيا ، وسواء كان واجبا نفسيا أم كان واجبا غيريا ، وسواء كان واجبا شرعيا ـ اي حكم الشارع المقدس بوجوبه ـ أم

٤١٢

كان واجبا عقليا ـ اي حكم العقل بالوجوب مع قطع النظر عن حكم الشارع المقدس بوجوبه ـ.

فيكون الثاني اوسع دائرة من الاول. فالثاني نظير الماهية لا بشرط والاول نظير الماهية بشرط شيء.

فالواجب المطلق هو الواجب الذي حكم الشارع المقدس بوجوبه. فحكم الشارع المقدس شرط فيه ، بخلاف مطلق الواجب. إذ المناط فيه وجود الحاكم بالوجوب سواء كان عقلا أم كان شرعا.

وان كان الواجب المطلق ينصرف الى الواجب النفسي في مقام الاستعمال ، من باب ان الشيء اذا ذكر مطلقا ينصرف الى الفرد الاكمل ، ولذا لم يحصل برء النذر اذا نذر الناذر إتيان الواجب المطلق بإتيان المقدمة وان قلنا بوجوبها ، اذ وجوبها غيري ويحصل البرء اذا قصد الناذر اتيان مطلق الواجب باتيان المقدمة وان قلنا بعدم وجوبها شرعا ، اذ الوجوب العقلي المقدمة مسلّم. وانما النزاع في وجوبها الشرعي.

الإشكال على الثمرة :

قوله : ولا يكاد يحصل الاصرار على الحرام بترك واجب ولو كانت له مقدمات ... الخ شرع المصنف في الإشكال الوارد على الثمرة الثانية.

بيانه : انه لا يتحقق الاصرار على المعصية بترك واجب اذا كانت له مقدمات عديدة. اذ بمجرد ترك المقدمة الواحدة من المقدمات يترك ذو المقدمة ، وعصى امره فليس في البين امر كى يكون في ترك سائر المقدمات عصيان حتى يتحقق الاصرار على الحرام ويلزم الفسق.

وبعبارة اخرى وهي انه حصل العصيان بترك اوّل مقدمة بحيث لا يتمكن المكلف مع ترك اوّل مقدمة من المقدمات من الإتيان بذى المقدمة ، فيسقط لاجل عدم التمكن وجوب الواجب ، لان التكليف فرع القدرة ، وبتبعه يسقط وجوب سائر

٤١٣

المقدمات ايضا فلا يكون تركها حينئذ حراما وعصيانا حتى يحصل الاصرار على الحرام بترك المقدمات ، مثلا : اذا ترك الوضوء فقد حصل العصيان بتركه ، فالمكلف لا يقدر ـ مع ترك الوضوء ـ من الإتيان بالصلاة الصحيحة ، فيسقط لاجل تركه وجوب الصلاة عقلا من أصله ، وبتبعه يسقط وجوب بقية المقدمات من الستر والاستقبال ونحوهما من طهارة البدن واللباس عن الخبث ، وتحصيل المكان المباح ايضا ، فلا يكون تركها حراما حتى يحصل الاصرار على الحرام لاجل تركها.

الإشكال على الثمرة الثالثة :

قوله : واخذ الاجرة على الواجب لا بأس ... الخ اشار المصنف قدس‌سره الى الإشكال الوارد على الثمرة الثالثة بهذا البيان وهو ان اصل الوجوب لا ينافي أخذ الاجرة ، حتى يستلزم القول بوجوب المقدمة عدم جواز اخذها ، ويستلزم القول بعدم وجوبها جواز اخذها على فعل المقدمة. بل عدم جواز اخذها مبتن على المطلب الآخر وهو انه يستفاد من دليل الوجوب ان الشارع المقدس يطلب الواجب من المكلف بلا عوض ، وأوجبه عليه مجانا ، فاذن لا يجوز اخذ الاجرة.

واما صرف الوجوب فلا يلازم المجانية ، بل يمكن ان يكون العمل واجبا على العباد مع العوض كبيع الطعام ـ اي كوجوب بيعه ـ في المخمصة لحفظ النفوس المحترمة من الهلاك مع العوض ومع وجوب اعطاء العوض على المشتري.

فظهر ان صرف الوجوب لا يلازم المجانية ، بل في الواجبات الكفائية التي يختل بتركها نظام معاش بني آدم ، بل نظام معاش الحيوانات ، مثل الزراعة والخبازة والخياطة وامثالها لا بد ان يكون في قبالها عوض واجرة ، وإلّا لا يبعد ان لا يقدم احد من الناس عليها فيختل حينئذ نظام المعاش فلا بد من الاجرة والعوض.

وبالجملة : نفس الوجوب من حيث هو هو لا ينافي الاجرة ، اي جواز اخذها ، كما زعمه بعض من المجتهدين قدس‌سرهم. هذا في الواجبات التوصلية.

واما الواجبات التعبدية فيمكن ان يقال ان اخذ الاجرة لا ينافي تعبديتها ،

٤١٤

ويجوز اخذ الاجرة على اتيانها بداعي امتثالها لا على نفس الإتيان كى ينافي اخذ الاجرة عباديّتها فيكون من قبيل الداعي الى الداعي. اما بيان الداعي الى الداعي فمثل اخذ الاجرة على فعل العبادات الاستيجارية ، لان الاجرة تكون داعيا للأجير على اتيان العمل متقربا به الى الله تعالى ، فهذا تصوير الداعي الى الداعي.

وبعبارة اخرى : وهي انه يشترط في العبادات كون العمل لله تعالى ، واما العمل باي داع كان ، فليس له هذا التقييد ، فيجوز للمكلف اتيان العمل لله للوصول الى الجنة او للفرار من النار او لوسعة الرزق او لشفاء المريض ، وكذا يجوز له اتيان العمل لله تعالى لاجل اخذ الاجرة.

ولا تقدح هذه الأمور في عباديتها ، وفي اشتراط قصد القربة فيها ، لان هذا الإتيان من قبيل الداعي الى الداعي ، فالداعي الاول هو جلب رضا الله تعالى بإتيان العمل لله. ولكن الداعي لرضا الله تعالى هو اخذ الاجرة او الامور المذكورة.

نعم يشترط في العبادات الاستيجارية ان يعود النفع الى المؤجّر ، وهو براءة ذمة ابيه عن الصلوات الفائتة ، كما يشترط في مطلق الاجارة ان يصل النفع الى المؤجر ، بل الى الاجير والمستأجر ، فلو لم يصل النفع اليهما لكانت المعاملة باطلة قطعا ، اذ هي سفهية وضررية ، وهي فاسدة ، واكل الاجرة في قبالها أكل بالباطل. فلو آجر زيد بكرا على ان يأتي بكر صلاة ظهره مثلا ، فلا يبعد ان يكون هذا الاستئجار باطلا لعدم وصول النفع والمنفعة ـ لا دنيويا ولا اخرويا ـ الى المؤجر ، بل يرد عليه الضرر المالي ، وهو بذل الاجرة للاجير. لا يبطل هذا الاستيجار من اجل كون صلاة الظهر واجبا تعبديا ، وهذا ظاهر.

فقد تلخّص مما ذكرنا انه اذا كان نفس العمل وحده واجبا حرم اخذ الاجرة عليه واذا كان نفس العمل مع الاجرة واجبا جاز اخذ الاجرة عليه. فالاول مثل الواجبات العينية النفسية ، والثاني مثل الواجبات الكفائية التي يختلّ بتركها نظام المعاش ، بخلاف دفن الميت المسلم ـ فانه وان كان واجبا كفائيا توصليا ـ لا يجوز اخذ الاجرة عليه ، لان الله تعالى اوجبه على المكلفين بلا عوض ، فالواجب هو

٤١٥

نفس الدفن وحده.

ثمرة وجوب المقدمة :

قوله : وربما يجعل من الثمرة اجتماع الوجوب والحرمة اذا قيل بالملازمة ... الخ فالواجب مثل الحج مثلا ، له مقدمة مثل ركوب الدابة المغصوبة فعلى القول بوجوب المقدمة يجتمع فيها الوجوب والحرمة ، والامر والنّهي ، اي الامر المقدمي الغيري والنّهي النفسي.

واما على القول بعدم وجوب المقدمة شرعا فيكون الركوب المذكور حراما صرفا ، فلا دخل له بمسألة اجتماع الامر والنّهي في شيء واحد ، كما ان الركوب الذي يجتمع فيه الامر والنّهي على القول بوجوب المقدمة شرعا يرتبط بجواز اجتماع الامر والنّهي في شيء واحد وعدم جواز اجتماعهما فيه.

ففي المقدمة المحرّمة يجتمع الامر والنّهي على القول بوجوب المقدمة شرعا وعلى القول بجواز اجتماعهما فيه ، واما على القول بامتناعهما فيه فالركوب المذكور اما واجب ترجيحا لمصلحة الوجوب على مفسدة الحرمة واما حرام ترجيحا لمفسدة الحرمة على مصلحة الوجوب على اختلاف بين الاعلام ، واما على القول بعدم وجوب المقدمة شرعا فهو حرام فقط ولا دخل له بمسألة الاجتماع المذكور.

اشكال المصنف على الثمرة :

قوله : وفيه اولا انه لا يكون من باب الاجتماع كي تكون مبتنية عليه لما اشرنا ... الخ فاورد المصنف إشكالا على الثمرة الرابعة التي تنسب الى الوحيد البهبهاني قدس‌سره على ما قيل. وبيان ذلك : ان ركوب الدابة المغصوبة على القول بوجوب المقدمة شرعا يكون داخلا في النّهي في العبادات ، ولا يدخل في مسألة اجتماع الامر والنّهي. اذ باب اجتماع الامر والنّهي الذي يكون محل خلاف بين الاعلام هو ان يتعلق الامر بطبيعة وعنوان ، والنّهي بعنوان آخر وبطبيعة اخرى ، مثل الصلاة والغصب ، ولكن كلا

٤١٦

العنوانين يتصادقان في موضوع واحد كالصلاة في المكان الغصبي ، اما ما نحن فيه فليس كذلك ، لان النّهي يتعلق بعنوان الركوب بما هو ركوب ، والامر يتعلق ايضا بعنوان الركوب بما هو ركوب الذي يكون مصداق المقدمة ، نحو (صلّ) ، و (لا تصلّ في المكان الغصبي) ، من قبيل (اركب الدابة) ، و (لا تركب الدابة المغصوبة).

وعلى كلا القولين فالركوب حرام منهي عنه قطعا ، فليس للركوب عنوانان يتعلق الامر المقدمي بعنوان ويتعلق النّهي النفسي بعنوان آخر كي يكون من قبيل اجتماع الامر والنّهي في شيء واحد على القول بوجوب المقدمة ، بل يكون داخلا في مسألة النّهي في العبادات.

والحال ان تعلق النّهي فيها بما تعلق به الامر مسلّم لا يقبل الانكار فلا يتوهم في المقام ان للركوب عنوانين لانه يكون غصبا ومقدمة للواجب ، فلاجل عنوان المقدمية يكون واجبا ومأمورا به ، ولاجل عنوان الغصبية يكون منهيا عنه وحراما ، لانا قلنا في السابق ان عنوان المقدمة لا يكون قيد موضوع الحكم ، بل يكون جهة حدوث الحكم بالوجوب للمقدمة ، والمقدمية المقدمة جهة تعليلية لا جهة تقييدية. فنفس الركوب بما هو ركوب مأمور به لاجل مقدميته للواجب ، على القول بوجوب المقدمة لا الركوب بما هو مقدمة يكون مأمورا به. والفرق بين مسألة اجتماع الامر والنّهي وبين مسألة النّهي عن العبادات سيأتي عن قريب ان شاء الله تعالى عزّ اسمه.

فلا تكون مسألة المقدمة ـ على القول بوجوب المقدمة شرعا في المقدمة المحرمة كركوب الدابة المغصوبة للوصول الى الحج ـ من صغريات مسألة اجتماع الامر والنّهي ، بل تكون من صغريات مسألة النّهي عن العبادة والمعاملة بناء على الملازمة بين وجوب الشيء وبين وجوب مقدمته وملازمه.

قوله : في العبادة او المعاملة اشارة الى ان المقدمة على قسمين :

الاول : تعبدي يشترط فيها قصد القربة كالطهارات الثلاث.

الثاني : توصلي لا يشترط فيها قصد القربة كركوب الحيوان مقدمة موصلة الى الحج ، او يكون من باب المثال ، يعني كلمة المعاملة من باب المثال ، والحال انه

٤١٧

ليس من الآداب المناقشة في المثال.

فبالنتيجة : ظهر فساد هذه الثمرة الرابعة. هذا اولا.

ويمكن ان يبيّن هذا الإشكال بوجه آخر ، وهو ان الواجب ـ على القول به ـ ما هو بالحمل الشائع مقدمة ، لا بعنوان المقدمة. يعني المقدمة واجبة ومأمور بها لاجل مقدميتها ، وليس الواجب المقدمة بما هي مقدمة واجبة ومأمورا بها. وهذه عبارة اخرى لبيان الجهة التعليلية والجهة التقييدية.

قوله : وثانيا : لا يلزم اجتماع الوجوب والحرمة ... الخ لاختصاص وجوب المقدمة في غير صورة الانحصار بالمحرّمة ، اي بالمقدمة المباحة ، وأما في صورة انحصار المقدمة بالمحرم ففيها لا وجوب للمقدمة اصلا ، لعدم وجوب ذيها ، لاجل مزاحمة وجوبه مع المقدمة المحرمة.

قوله : وثالثا : ان الاجتماع وعدمه لا دخل له في ... الخ فاشكل المصنف على هذه الثمرة ثانيا ، اما بيانه : فانه لا يجتمع الامر والنّهي في المقدمة المحرّمة على القول بوجوبها اذ ركوب الدابة المغصوبة الذي مثّل به لا يخلو من وجهين :

الاول : ان تكون المقدمة منحصرة في المقدمة المحرمة كان لم يملك المكلف دابة غير هذه المغصوبة.

والثاني : ان لا تنحصر فيها ، يعني يمكن ركوب الدابة المباحة. ففي صورة عدم الانحصار فالركوب ـ يعني ركوب الدابة المغصوبة ـ حرام محض ، اذ وجوب المقدمة مخصوص بركوب الدابة المباحة ، لان الحرمة مانعة عن تعلق الوجوب الغيري بهذا الفرد من المقدمة.

والحال ان المانع الشرعي كالمانع العقلي فليس اجتماع الامر والنّهي أصلا في هذه الصورة ، واما في صورة الانحصار فلا يجتمع في الركوب المذكور الوجوب والحرمة ، اذ في هذه الصورة يقع التزاحم بين وجوب الحجّ وبين حرمة الغصب.

فاذا كان الحج أهمّ من حرمة الغصب ، اي يكون ملاكه اقوى من ملاكه ، فلا بد ان يكون التصرف في مال الغير واجبا لاجل مقدميته للواجب الأهم ، ولا يكون

٤١٨

حراما أصلا. واذا كان التصرف في مال الغير بغير اذنه أهمّ ، فلا يكون الحج حينئذ واجبا فعليا للتزاحم حتى تجب مقدمته. فالتصرف والركوب حرامان فقط. فلا يجتمع الوجوب والحرمة في هذا الركوب ، وان قلنا بوجوب المقدمة.

فاعترض المصنف عليها ثالثا بان اجتماع الوجوب والحرمة في المقدمة وعدم اجتماعهما فيها لا دخل لهما في التوصل بواسطة المقدمة الى ذي المقدمة ، اذ فائدة كلّ مقدمة هي التوصل بها الى ذيها ، ان كانت المقدمة توصلية لا يعتبر فيها قصد القربة ، كركوب الدابة المغصوبة ، سواء قلنا بجواز اجتماع الوجوب والحرمة والامر والنّهي في شيء واحد أم قلنا بامتناعهما فيه.

فيمكن ان يتوصل المكلف بواسطة ركوب الدابة المغصوبة الى الحج. فثمرة المقدمة مترتبة عليها على اي حال في هذا النوع من المقدمة التوصلية ، ولا يتفاوت جواز الاجتماع وعدمه فيها ـ اي في الثمرة ـ كما لا يتفاوت الحال في الثمرة بين القول بوجوب المقدمة شرعا ، وبين القول بعدم وجوبها. هذا في المقدمة التوصلية فظهر فساد ثمرة الرابعة ايضا.

واما اذا كانت المقدمة تعبّدية يشترط فيها قصد القربة كالطهارات الثلاث من الوضوء والغسل والتيمم ، فاذا قلنا بامتناع اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد ، فلا يمكن التوصل بالمقدمة المحرمة الى ذي المقدمة كالوضوء بالماء المغصوب أو المتنجس ، اذ الحرمة مانعة عن قصد التقرب الى المولى الحكيم.

واما بناء على القول بجواز اجتماعهما فيه فيمكن التوصل الى ذي المقدمة بواسطتها سواء قلنا بوجوب المقدمة شرعا أم لم نقل.

لكن امكان التوصل بناء على القول بجواز الاجتماع ، وامتناع التوصل بناء على القول بامتناع الاجتماع المذكور ، يكونان ثمرة القول بجواز الاجتماع ، اي اجتماع الوجوب والحرمة والامر والنّهي في شيء واحد.

وثمرة القول بامتناع الاجتماع. وليس امكان التوصل ثمرة القول بوجوب المقدمة شرعا. وليس امتناع التوصل ثمرة القول بعدم وجوبها ، اذا علم انه بناء على

٤١٩

القول بامتناع الاجتماع لا يمكن التوصل سواء قلنا بوجوب المقدمة أم قلنا بعدم وجوبها. وانه بناء على القول بامكان الاجتماع فالتوصل ممكن سواء قلنا بوجوب المقدمة شرعا أم قلنا بعدم وجوبها.

وبالجملة : لا يتفاوت الحال في جواز التوصل الى ذي المقدمة بواسطة المقدمة وفي عدم جواز التوصل أصلا بين ان يقال بوجوب المقدمة او يقال بعدم وجوبها شرعا كما لا يخفى.

والحال ان القائل بالثمرة الرابعة يقول ان اجتماع الوجوب والحرمة والامر والنّهي في ركوب الدابة المغصوبة متفرّع على وجوب المقدمة شرعا ، وعدم اجتماعهما فيه مبتن على عدم وجوب المقدمة ، فليس الامر كذلك اذ امكان التوصل متفرع على القول بجواز الاجتماع وان قلنا بوجوب المقدمة.

واما السيد الوحيد البهبهاني قدس‌سره فقال ان امكان التوصل الى الواجب بواسطة المقدمة المحرمة كالوضوء بالماء المغصوب متفرع على القول بوجوب المقدمة ، وان امتناع التوصل لاجلها الى الواجب متفرع على القول بعدم وجوبها شرعا. هذا في المقدمة التعبدية كالطهارات الثلاث.

فتلخّص مما ذكر : ان جواز الاجتماع وامتناع الاجتماع لا دخل لهما في الغرض المهم الذي هو عبارة عن التوصل في المقدمة التوصلية كالركوب المذكور ، كما لا دخل فيه للقول بوجوب المقدمة والقول بعدم وجوبها. وعلى كل حال وتقدير يترتب عليها ثمرتها وهي التوصل الى ذيها.

واما في المقدمة التعبدية فلا دخل فيها للقول بوجوبها والقول بعدم وجوبها ، بل القول بجواز اجتماع الوجوب والحرمة والامر والنّهي دخيل في الغرض المهم من وجوب المقدمة ، وهو التمكن والتوصل بواسطتها الى ذيها والى الواجب.

والقول بامتناع الاجتماع له مدخل في عدم امكان التوصل وان قلنا بوجوبها كما لا يخفى على اولي النّهى.

توضيح : وهو انه اذا قلنا بجواز الاجتماع ـ اي اجتماع الوجوب والحرمة

٤٢٠