البداية في توضيح الكفاية - ج ١

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ نهضت
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-0-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٤٤٨

فاجاب المصنف قدس‌سره عن هذا التوهم بان ترتب ذي المقدمة عليها ليس شرطا في وجوبها. اذ وجود المقدمات ليس بعلّة تامة غالبا لوجود ذي المقدمة ، بل يكون مقتضيا لوجود ذيها في اغلب الواجبات ، مثلا : الانسان يحصّل الزاد والراحلة ، ويبذل جهده للوصول الى مكة المكرمة ، فاذا وصلها فهو مختار في اعمال الحج ، فان شاء فعلها ، وان شاء تركها ، فلا معنى لترتب ذي المقدمة على وجوبها.

نعم قول صاحب (الفصول) قدس‌سره تامّ في المقدمات التي تكون علّة تامة لوجود ذي المقدمة ، ففي هذا المورد يصح ان يكون الغرض من وجوب المقدمة ترتب ذيها عليها.

في حين انه ، على القول بوجوب المقدمة حتى عند صاحب (الفصول) قدس‌سره ، لا فرق بين ان تكون المقدمة علة تامة كما في مقدمات الافعال التوليدية والتسبيبية ـ اي مقدورة للمكلف مع الواسطة ـ ولكن هو مقدور له بواسطة الالقاء ـ اي القاء الجسم في النار ـ ولا يتم في الافعال المباشرية كالصلاة والحج والسفر والنزهة مثلا ـ اي مقدورة للمكلف بلا واسطة ـ والغرض الذي لا يترتب على المقدمات لا يعقل ان يجعله المولى الحكيم غرضا لوجوب المقدمة للزوم اللغو ، وهو لا يصدر منه لانه قبيح. بخلاف تمكن المكلف من اتيان ذي المقدمة اذ هو ثابت في جميع المقدمات ، سواء كانت علة تامة لوجود ذي المقدمة كما في مقدمات الافعال التوليدية مثل جمع الحطب وتهيئة الخشب والقائهما في النار مقدمة للاحراق ، ام كانت شرطا ومقتضيا لوجود ذي المقدمة مثل تحصيل الزاد والراحلة وقطع المسافة مقدمة للحج.

فالغرض من وجوب المقدمة عقلا هو تمكن المكلف من اتيان ذي المقدمة بواسطة المقدمة ولا يكون الغرض من وجوبها ترتب ذيها عليها.

فالقول بوجوب المقدمة الموصلة إذا كانت علّة تامة لوجود ذي المقدمة على خلاف صاحب (الفصول) ، لانه لا يرى فرقا ـ في باب المقدمة ـ بين كونها علّة تامة وبين كونها شرطا ومقتضيا. واما في الواجب الذي يكون من الافعال التوليدية فيترتب ذو المقدمة على المقدمة لانها علة تامة لذي المقدمة فيها وهو معلولها ، في

٣٨١

حين ان تخلف المعلول عن علته محال.

قوله : ومن هنا قد انقدح ان القول بوجوب المقدمة الموصلة يستلزم انكار ... الخ وهذا القول يستلزم وجوب المقدمة في المورد النادر وانكار وجوبها في اغلب الموارد كما في الواجبات الشرعية والواجبات العرفية. فالاول : كالأمر بالعبادات. والثاني : كأمر المولى العرفي. لان هذا القائل يرى ان الغرض الداعي لايجاب المقدمة هو ترتب ذي المقدمة عليها.

ومن المعلوم ان ترتب ذي المقدمة مما لا يصح ان يكون هو الغرض الداعى لايجاب المقدمة الا في مجموع المقدمات التوليدية والتسبيبية دون مجموع المقدمات المباشرية وذلك لما عرفت آنفا من ان ترتب ذي المقدمة ليس باثر تمام المقدمات في المباشريات فكيف يكون اثر إحداها كما لا يخفى وهو كما ترى.

قوله : فان قلت ما من واجب الا وله ... الخ استشكل من جانب صاحب (الفصول) قدس‌سره بان كل ممكن يحتاج الى العلة. فاذا لم تكن العلة موجودة لم يوجد الممكن في الخارج. ولذا قيل ان الشيء ما لم يجب لم يوجد. فكل ممكن لا بد ان تكون له علة الوجود.

والحال ان العلة التامة هي المقتضي والشرط وفقد المانع ، وكلها واجب عند صاحب (الفصول) قدس‌سره لان جميعها موصل الى ذي المقدمة. مثلا كل مقدمات الحج ، من قطع الطريق وتحصيل الزاد والراحلة وارادة مناسك الحج موصلة اليه لوجود المقتضي وهو قطع الطريق ، ولوجود الشرط وهو تهيئة الزاد والراحلة ، ولفقد المانع وهو عدم ارادة مناسك الحج ، فيصير حينئذ علة تامة للحج وموصلا اليه.

بخلاف ما إذا لم يرد المكلف اتيان الحج اذ الطريق الذي هو مقتضي للحج ، وتهيئة الزاد الذي هو شرط لوجوده خارجا ، لا يؤثران في المقتضي وفي المشروط لوجود المانع عن تأثيرهما وهو عدم ارادة افعال الحج.

فالمقتضي والشرط مع وجود المانع ليسا واجبين بالوجوب الغيري عند صاحب (الفصول) قدس‌سره اذ هما غير موصلين حينئذ الى ذي المقدمة. فكل ممكن اذا

٣٨٢

وجد في الخارج ، سواء كان من قبيل الافعال التوليدية كالاحراق والعتاق ونحوهما ، أم كان من قبيل الافعال الاختيارية المباشرية كالصلاة والحج والجهاد ونحوها ، لا بد له من علة الوجود. والحال ان العلة موصلة الى المعلول والسبب موصل الى المسبب. فاختصاص الوجوب بمقدمات الافعال التوليدية بلا مخصص وبلا وجه. وهذا الاعتراض وارد على المصنف قدس‌سره من قبل صاحب (الفصول).

فاجاب المصنف عنه بقوله : قلت نعم. وهو انا سلّمنا باستحالة وجود الممكن في الخارج بدون علة ، ولكن من جملة مقدمات الفعل الاختياري ارادته وخطوره في القلب. والارادة لا تصلح ان تكون متعلقة للتكليف وللأمر ، لان كل فعل اختياري مسبوق بالارادة. وأما الارادة لو كانت مسبوقة بارادة اخرى للزم التسلسل ، فلا بد ان تكون الارادة امرا غير اختياري لا يتعلق بها الأمر ، فلانه اذا تعلق بها فهي اختيارية وكل اختياري مسبوق بالارادة ، فننقل الكلام بالارادة السابقة التي هي مقدمة للمسبوقة فلا بد ان تكون واجبة غيرية متعلقة لأمر غيري فتحتاج الى الثالثة وهي الى الرابعة وهكذا حتى تنتهي الى ما لا نهاية له.

فاذن لا بد ان تكون الارادة امرا غير اختياري ، وكل امر غير اختياري لا يكون قابلا لأن يكون متعلقا للأمر النفسي ، ولا الامر الغيري ، اذ الامر ـ سواء كان نفسيا أم كان غيريا ـ لا يتعلق إلّا بالأمر الاختياري المقدور.

وعليه فالعلة التي تتركب من الارادة والمقتضي والشرط ليست واجبة فينحصر الوجوب بالمقدمة التي تكون علّة تامة لوجود ذي المقدمة بلا دخالة الارادة ، كمقدمات الافعال التوليدية.

واما العلّة التي تتركب من الارادة وغير الارادة من المقتضي والشرط ، كمقدمات الافعال المباشرية المقدورة الاختيارية فليست قابلة لان يتعلق بها الامر الغيري وليست واجبة ، اذ جميع اجزاء العلة ليست امرا اختياريا ، اذ الارادة تكون جزءها ، والحال انها امر غير اختياري كما ذكر.

ولا يخفى ان الحق كون الارادة امرا اختياريا مثل الافعال المباشرية وليس

٣٨٣

مثل يد المرتعش. كما ان الحق ان الارادة في اختياريتها لا تحتاج الى ارادة اخرى كي يلزم التسلسل لان الأشياء والافعال توجد في الخارج بسبب الارادة وترتسم صور الأشياء في الاذهان بالارادة والميل القلبى اليها.

واما الارادة فتوجد بنفسها وبذاتها لا بارادة اخرى ، نظير دهنية كل شيء بالدهن اما دهنية الدهن فتكون بذاته لا بالدهن الآخر ، ونظير رطوبة كل شيء بالماء اما رطوبة الماء فتكون بذات الماء.

الوجه الآخر لفساد قول (الفصول):

قوله : ولانه لو كان معتبرا فيه ... الخ هذا وجه آخر لرد قول صاحب (الفصول) وخلاصته ان ترتب ذي المقدمة لو كان داعيا للأمر المقدّمي الغيري لما سقط الامر الغيري المقدمي بمجرد الإتيان بالمقدمة في الخارج من دون ترتب ذي المقدمة على فعلها ، بل لا بد في سقوطه من انتظار ترتب ذيها عليها.

والحال ان الامر الغيري يسقط بمجرد إتيانها على نحو لا يبقى إلّا أمر ذي المقدمة النفسي مثل ما اذا لم تكن هذه المقدمة التي أتي بها مقدمة لواجب او مثل ما إذا كانت المقدمة حاصلة من الاول قبل ايجاب المولى ذا المقدمة والواجب النفسي وعلى كلا التقديرين لا يبقى في البين إلّا الامر النفسي الذي يتعلق بذي المقدمة وبالواجب النفسي ويسقط الامر الغيري. ولم تكن هذه المقدمة مقدمة لواجب نفسي.

والحال انه من الواضح ان الامر بالشيء لا يسقط إلّا باحد امور ثلاثة بحكم العقل :

الاول : إتيان المأمور به.

والثاني : المخالفة والعصيان ، اي عصيان امر المولى.

والثالث : انعدام موضوع التكليف ومثال الثالث ما اذا أمر المولى عبده بدفن الميت المسلم ، وكان هذا الميت قد غرق او احترق ، فيسقط حينئذ امر المولى بقوله (غسّل الميت وكفّنه ثم ادفنه).

٣٨٤

والمقام من قبيل القسم الاول ، وهو الإتيان بالمأمور به بالامر الغيري. فلا يشترط في وجوب المقدمة ترتب ذيها عليها ، بل تجب لأجل عنوان التمكن من فعل ذي المقدمة بسبب فعلها ولسدّ باب عدم ذيها من ناحية المقدمة ، وهذه الجهة موجودة في جميع المقدمات سواء كانت موصلة أم كانت غير موصلة.

قوله : ان قلت كما يسقط الامر في تلك الأمور كذلك يسقط بما ليس بالمأمور به ... الخ فأشكل من جانب صاحب (الفصول) تأييدا لمرامه على المصنف بان مجرد سقوط الامر لا يدل على وجوب الفعل ، لان الامر كما يسقط بالاطاعة او بالعصيان او بارتفاع موضوع التكليف كما ذكر في نحو (غرق الميت) كذلك يمكن سقوط الامر في التوصليات بفعل الغير ـ أي غير المكلف ـ المأمور به مما يحصل به الغرض ، كفعل الغير او فعل المحرم ، كما اذا غسل الغير ثوب المكلف للصلاة او ركب الدابة المغصوبة وسار معها الى الحج.

وعليه ، فسقوط الامر الغيري بمجرد الإتيان بالمقدمة من دون انتظار لترتب ذي المقدمة مما يكشف عن كون المقدمة متعلقة للوجوب الغيري ، في حين ان الامر الغيري قد يسقط قبل الترتب حتى يردّ المصنف على صاحب (الفصول) انه لو كان الترتب معتبرا في وقوعها على صفة الوجوب لم يسقط وجوبها المتعلق بها من قبل ترتب ذيها ، فالترتيب ليس شرطا في وجوبها.

فبالنتيجة الفعل الحرام ، كركوب الدابة المغصوبة او غسل اللباس المتنجس بالماء المغصوب ، وفعل غير المكلف كغسل زيد ثوب بكر مثلا ، لا يكون مأمورا بهما بالامر الغيري المقدمي ، لان الاول غير مقدور للمكلف شرعا. والثاني غير مقدور له عقلا.

والحال ان الامر لا يتعلق إلّا بالمقدور فكذا فيما نحن فيه الذي أدّعي فيه سقوط الامر الغيري ، اذ من المحتمل ان يكون سقوطه لحصول الغرض من الامر الغيري ، ولا لاجل الإتيان بالمأمور به. فمجرد السقوط لا يدل على وجوب الفعل والعمل ، بل الوجوب الغيري يتعلق بالمقدمة التي يترتب عليها ذو المقدمة في

٣٨٥

الخارج.

فاجاب المصنف عن هذا الإشكال بانه يمكن ان يسقط الامر الغيري بسبب فعل غير المكلف ، وبالمحرّم. ولكن الفعل المسقط للأمر الغيري ومحصّل للغرض هو فعل الغير وفعل المحرم كما ذكر آنفا.

ولكن هذا الفعل المسقط يتفاوت مع سائر افراد الطبيعة المأمور بها ، اذ المانع موجود عن اتصافه بالوجوب ، لان الفرد المحرم لا يتصف بالوجوب لان حرمته مانعة عن اتصافه بالوجوب ، ولان فعل الغير لا يتصف بالوجوب لكونه غير اختياري للمكلف ، اذ فعل زيد أمر غير اختياري لعمرو مثلا ، وكونه غير اختياري وغير مقدور بالاضافة الى المكلف مانع عن اتصافه بالوجوب.

واما الفرد من الطبيعة المأمور بها الذي لا يتفاوت مع سائر افرادها فليس له مانع عن اتصافه بالوجوب كما لو فعل المكلف المقدمة المباحة التي هي للواجب ، وان لم يترتب عليها ذو المقدمة لانه ليس بحرام ولا فعل الغير بل يكون فعل نفس المكلف.

فالكلام في الفعل الاختياري الصادر من المكلف بنفسه ، ففي مثله اذا سقط الامر الغيري بمجرد الإتيان بالفرد من المقدمة ، فالسقوط لا محالة يكشف عن اتصافه بالوجوب من غير تفاوت فيه بين ما يترتب عليه الواجب وبين ما لا يترتب عليه أصلا.

فظهر مما ذكرنا ان الغرض من وجوب المقدمة عقلا ليس ترتب ذيها عليها ، بل هو التمكن من ذي المقدمة وسدّ باب عدمه من ناحية المقدمة. وبالجملة فقول صاحب (الفصول) مردود من وجوه ثلاثة :

الاول : ان الدليل العقلي بوجوب المقدمة ليس إلّا ان عدم المقدمة في الخارج يوجب عدم ذي المقدمة فيه ، وهذا لا اختصاص له بالموصلة منها كما لا يخفى.

والثاني : ان قول (الفصول) يوجب القول بوجوب مطلق المقدمة ، سواء كانت موصلة أم كانت غير موصلة ، لان الامر بالمقيد بالقيد الخارجي يستتبع الأمر بذات

٣٨٦

المقيد من باب تعدد المطلوب :

الاول : المقيد والقيد معا.

الثاني : المقيد وحده مثل (جئني بالماء البارد) الاول مجيء الماء البارد ، والثاني مجيء الماء بلا قيد (البارد) ففي المقام يستتبع الأمر بالمقدمة الموصلة الامر بمطلق المقدمة الاعم من الموصلة وغير الموصلة من اجل تعدد المطلوب.

والثالث : ان الوجدان يحكم بسقوط الامر الغيري بعد ايجاد المقدمة في الخارج من غير انتظار ترتب ذيها عليها كما مرّ. فهذا القول أيضا مخدوش. كما ان قول صاحب (المعالم) وقول صاحب (الفرائد) مخدوشان ولذا قال المشهور بوجوب المقدمة عقلا مطلقا ، اي سواء اراد المكلف اتيان ذي المقدمة حين الإتيان بالمقدمة ام لا ، وسواء قصد التوصل بفعلها الى ذيها أم لم يقصد التوصل.

أدلّة صاحب (الفصول):

قوله : وقد استدل صاحب (الفصول) على ما ذهب اليه ... الخ وقد بيّن صاحب (الفصول) قدس‌سره ان الشرط تارة يكون شرط الواجب مثل الايمان في الرقبة في قول المولى (ان ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة) واخرى يكون شرط الوجوب مثل الاستطاعة بالاضافة الى الحج ، ومثل النصاب بالنسبة الى الزكاة ، وكدخول الوقت للصلاة. وبعد بيان كيفية الشرط استدل على مختاره بوجوه ثلاثة :

الاول : ان وجوب المقدمة يكون بحكم العقل مستقلا بالملازمة بين وجوب الشيء وبين وجوب لازمه ومقدمته ، والحال ان العقل حاكم مستقلا بالملازمة بين وجوب الشيء وذي المقدمة ، وبين مقدمته الموصلة اليه ، فلا يكون الدليل على وجوب غير الموصلة من المقدمة موجودا ، اذ الحاكم منحصر في العقل ، وهو لا يحكم بوجوب غير الموصلة.

والثاني : انه بيّن في وجه وجوب المقدمة انه اذا سئل عن المولى الذي يأمر بالصعود على السطح هل يكون نصب السلم الذي يتوصل به الى الصعود مرادا ولا

٣٨٧

يكون نصب السلم الذي لا يتوصل به الى الصعود مرادا ، فان اجاب جوابا اثباتيا فهو حسن منه. وصحة هذا دليل على ان الوجوب منحصر بالمقدمة الموصلة ، لان نهي المولى عن نصب السلم الذي يكون موصلا الى الصعود قبيح بعد امره به. ولكن لا يقبح على المولى النّهي عن نصب السلم غير الموصل اليه ، اي الى الصعود ، بل الضرورة العقلية حاكمة بقبح النّهي عن الموصل وبصحة النّهي عن غير الموصل. فهذا علامة ثبوت الملازمة في الاول وعدم ثبوتها في الثاني.

والثالث : ان الغرض من وجوب المقدمة هو التوصل لاجلها الى ذيها فكل مقدمة واجدة لهذا الغرض واجبة. كما ان كل مقدمة فاقدة لهذا الغرض غير واجبة ، فهذه جملة من استدلاله على مبناه.

قوله : وقد عرفت بما لا مزيد عليه ان العقل الحاكم ... الخ قد شرع المصنف قدس‌سره في الجواب عن دليله الاول وقال ان العقل حاكم بوجوب مطلق المقدمة ـ سواء كانت موصلة أم كانت غير موصلة ـ لوجود ملاك الوجوب الغيري في مطلق المقدمة وهو تمكن المكلف من الإتيان بذى المقدمة لاجل المقدمة ، ولذا حكم العقل بالوجوب في كلها وفي كل موضع.

فاختصاص الوجوب بالموصلة بلا وجه وبلا مخصص. نعم ان كان مناط الوجوب هو ترتب ذيها عليها فلا محالة حينئذ من اختصاص الوجوب بالموصلة ، ولكن ليس هذا بمناط الوجوب الغيري المقدمي ، اذ لا يترتب ذو المقدمة على المقدمة الا في الموضع الذي تكون المقدمة فيه علة لوجود ذيها ، مثل مقدمات الافعال التوليدية لا مقدمات الافعال المباشرية الاختيارية المقدورة.

بخلاف ما اذا كان الغرض من وجوب المقدمة هو التمكن ، اذ هو موجود في كلها فيتصف الجميع بالوجوب ، إلّا ان يمنع مانع عن اتصافها بالوجوب ، مثل ان يكون الفرد من المقدمة حراما شرعا كركوب الدابة المغصوبة للحج ، ومثل فعل غير المكلف ، كما مر سابقا.

نعم اذا فعل المكلف الفرد الحرام من المقدمة فالغرض من الامر الغيري

٣٨٨

ساقط ولا يحتاج الى الإتيان بفرد آخر ، إلّا ان تكون المقدمة من التعبديات كالوضوء والغسل والتيمم ، فتحتاج الصلاة الى الإعادة ثانيا.

جواب المصنف عن استدلال (الفصول):

قوله : وقد انقدح منه انه ليس للآمر الحكيم غير المجازف بالقول ... الخ شرع المصنف في الجواب عن دليله الثاني ، وقال : انه قد ظهر مما سبق ان مناط الوجوب الغيري الذي هو يمكن المكلف من الإتيان بذى المقدمة عقلا بسبب الإتيان بالمقدمة موجود في جميعها ، فيقبح على المولى ان يختص امره ببعض المقدمات كالموصلة منها ، وكذا يقبح ان ينهى عن غير الموصلة من المقدمة ، او ان يصرّح بعدم ارادة غيرها ، اذ حال غير الموصلة مع الموصلة متساويان في الغرض ولا يتفاوت فيهما.

فان كان النّهي عن الموصلة قبيحا كان قبيحا عن غير الموصلة ايضا بلا فرق بينهما من هذه الناحية. فدعوى الضرورة على صحة النّهي عن غير الموصلة مجازفة ومكابرة.

نعم يكون التفاوت بين الموصلة وبين غير الموصلة من هذا الوجه فقط ، وهو ان مطلوب المولى النفسي حاصل في الموصلة دون غير الموصلة ، ولكن قيد الايصال ووجود ذي المقدمة وعدمه خارجة عن مناط وجوب المقدمة ، وعن غرض وجوبها اذ الغرض من وجوبها عقلا هو التمكن الموجود في كل المقدمات ، واما عدم الإتيان بذى المقدمة فبسوء اختيار المكلف ، كما ان الإتيان به يكون بحسن اختياره.

ومن الواضح ان حسن الاختيار وسوء الاختيار بايجاد ذي المقدمة وبترك ذيها لا يرتبطان بوجوب المقدمة وبالغرض من وجوبها.

نعم يجوز للمولى ان يصرح بعدم حصول غرضه وبعدم حصول المطلوب النفسي في غير الموصلة ، كما يجوز له ان يصرح بعدم حصول غرضه أصلا بناء على ان الغرض من ايجاد المقدمة هو تمكن المكلف عن ايجاد ذي المقدمة ، فاذا لم

٣٨٩

يوجده كانّه لم يحصل غرض المولى أصلا وفات بالمرة ، اذ الامر الغيري المقدمي يكون بتبع المطلوب النفسي. والحال ان المولى ملتفت الى ان المكلف أتى المطلوب الغيري ، ولكن لم يفعل المطلوب النفسي فكأنه لم يفعل شيئا.

وبالجملة فالعقل حاكم بوجوب مطلق المقدمة وبقبح تصريح المولى بعدم ارادته لغير الموصلة من المقدمة ، إذ مناط الوجوب موجود في الموصلة وغير الموصلة وهو التمكن من اتيان ذي المقدمة لاجل الإتيان بالمقدمة كما لا يخفى.

قوله : فافهم وهو اشارة الى ان تصريح المولى بعدم حصول غرضه أصلا في صورة عدم ايجاد ذي المقدمة بعد الإتيان بالمقدمة ليس صحيحا ، وإلّا كان الحق حينئذ مع صاحب (الفصول) القائل بوجوب الموصلة فقط ، لان للمولى غرضين :

احدهما : الغرض الادنى ، وهو حصول القدرة بوسيلة الإتيان بالمقدمة على اتيان ذي المقدمة ، ولاجل هذه القدرة قد اتصفت المقدمة بالوجوب الغيري المقدمي.

وثانيهما : الغرض الاقصى ، وهو ترتب الواجب النفسي وذي المقدمة على الإتيان بفرد من المقدمة خارجا.

الإشكال على المصنف :

قوله : ان قلت لعل التفاوت بينهما في صحة اتصاف احداهما ... الخ قد اعترض على المصنف من جانب صاحب (الفصول) بانه لعلّ اتصاف الموصلة بوصف الموصلية موجب لاختصاص حكم العقل بوجوبها دون غير الموصلة ، اذ ليس له هذا العنوان وان كان شريكا مع الموصلة في الاثر وهو حصول التمكن للمكلف على فعل الواجب النفسي.

وبعبارة اخرى مساواة المقدمة الموصلة المقدمة غير الموصلة في نظر العقل ليست بمعلومة ، والحال انه لا بأس ولا ضرر من ان الموصلة بملاحظة عنوان الموصلية صارت واجبة ، وان المقدمة غير الموصلة بملاحظة فقدان وصف الموصلية

٣٩٠

لم تصبح واجبة وهذا الوصف والعنوان موجبان للتفاوت بين الموصلة وبين غير الموصلة في نظر العقل.

فاجاب المصنف عن هذا الاعتراض والإشكال بان وصف الموصلية ووصف غير الموصلية يوجبان للتفاوت بينهما اذا كانا موجبين للتفاوت في ناحية المقدمة ، بمعنى ان تكون الموصلة مقدمة وجودية للواجب النفسي ، وان لا تكون المقدمة غير الموصلة مقدمة له.

والحال انهما لا توجبان التفاوت في حديث المقدمة ، اذ كلتاهما مقدمة للواجب النفسي ، ولان وصف الموصلية منتزع عن ترتب الواجب لحسن الاختيار على المقدمة.

ومن المعلوم ان ايجاد الواجب النفسي بعد وجود المقدمة وعدم ايجاده بعد وجودها لا يرتبطان بعالم المقدمة ، والمقدمة في كلتا الصورتين تتم في مقدميتها ، فلا بد ان يشمل حكم العقل وجوب مطلق المقدمة سواء كانت موصلة أم كانت غير موصلة ، هذا كما لا يخفى.

قوله : واما ما افاده قدس‌سره من ان مطلوبية المقدمة حيث كانت ... الخ وقد شرع المصنف قدس‌سره في الجواب عن الدليل الثالث لصاحب (الفصول) قدس‌سره وقال ان الغرض من وجوب المقدمة عقلا هو حصول التمكن من الواجب النفسي لا التوصل بها الى ذيها حتى يكون التوصل دخيلا في مطلوبيتها بحيث اذا انفكت المقدمة عن التوصل لم تكن مطلوبة للمولى أصلا اذ التوصل لا يترتب على الامر المقدمي في كل موضع ، وذلك لما عرفت في طي الدليل الثاني من دليلي المصنف على وجوب مطلق المقدمة عقلا سواء كانت موصلة أم كانت غير موصلة ما ينفع في المقام.

وبعبارة اخرى سواء ترتب على فعل المقدمة فعل ذي المقدمة أم لم يترتب عليه فعله فلا فرق بين الترتب والتوصل أو بين عدمهما في وجوب المقدمة عقلا أصلا ، بل التوصل مترتب على حسن اختيار المكلف فعل ذيها ، وعدم التوصل مترتب على سوء اختياره عدم فعل ذيها. فلا بد ان يكون الغرض من وجوب

٣٩١

المقدمة ومن الامر بها الشيء الذي لا يختلف عن الامر غالبا ، وهو تمكن المكلف من ايجاد ذي المقدمة في الخارج وهذا التمكن موجود في جميع اوامر المقدمي بلا تخلف ، بل لا يعقل ان يكون الغرض هو التوصل بملاحظة التخلف كثيرا.

قوله : وصريح الوجدان انما يقضي بان ما أريد لاجل غاية وتجرد عن الغاية ... الخ فدعوى المصنف في قبال دعوى صاحب (الفصول) في ذيل دليله الثالث صريح الوجدان من قوله : وصريح الوجدان قاض بان من يريد شيئا لمجرد حصول شيء آخر لا يريده اذا وقع هذا الشيء في الخارج مجردا عن شيء آخر ، مثل ما اذا اراد المولى نصب السلم لمحض حصول الصعود على السطح في الخارج ، ومن المعلوم انه لا يريده اذا وقع في الخارج بلا تحقق الصعود في الخارج فنصب السلم اذا لم يكن موصلا الى الصعود فهو ليس بمطلوب أصلا.

قال المصنف قدس‌سره صريح الوجدان حاكم بانه من يريد شيئا لاجل حصول غرضه ومقصوده ، فاذا وقع هذا الشيء مجردا عن غرض المولى فلا يكون مطلوبا له اذا كان فيه قصور عن حصول الغرض ، كما لو اراد المولى نصب السلم لاجل الصعود على السطح ، فاذا وقع في الخارج بدون الصعود فليس هذا بمطلوب ، فالقصور يكون في نصب السلم لان المكلف اراد الصعود ، واما اذا لم يرده فلا قصور حينئذ فيه.

غاية الامر ان فقدان ذي المقدمة انما يكون لاجل فقدان المقدمة الاخرى وهي ارادة المكلف لفعل ذي المقدمة ولايجاد الواجب النفسي والحال ان وجود المقدمة الاخرى لا يرتبط بوجوب المقدمة المأتي بها.

فالوجدان حاكم بوجوب هذه المقدمة وباتصافها بالوجوب كما تكون موصلة بلا تفاوت اصلا وهو ظاهر. مثلا : اذا أمر المولى عبده بالصعود وقد نصب السلم ولكن لا يريد الصعود فليس القصور في نصب السلم ، بل وقع على صفة الوجوب الغيري المقدمي وهو تام في المقدمية.

غاية الامر ان فقدان الصعود في الخارج انما يكون لفقدان ارادته لا لقصور

٣٩٢

في نصب السلم ، وكذا الحال في قطع الطريق مقدمة للحج اذا لم يكن المكلف مريدا للحج.

البرهان :

قوله : وكيف وإلّا يلزم ان يكون ... الخ وهذا اشارة الى البرهان وهو انه لاي جهة لا يكون التوصل غاية وشرطا لوجوب المقدمة عقلا.

وبيانه : ان كان التوصل وترتب ذي المقدمة شرطا لوجوب المقدمة فلا بد حينئذ ان يكون وجود ذي المقدمة من مقدمات المقدمة بحيث يلزم من وجوب المقدمة الموصلة وجوب ذي المقدمة.

وبتقرير آخر هو انه يلزم ان يكون وجود الغاية ، التي هي عبارة عن ذي المقدمة ، من قيود ذي الغاية ، الذي هو عبارة عن المقدمة. وان يكون ذو المقدمة مقدمة لوجود المقدمة على نحو تكون الملازمة بين وجوب المقدمة غيريا ، وبين وجوب ذي المقدمة نفسيا لان ذا المقدمة من المقدمات الوجودية لمقدمة.

والحال ان المقدمة واجبة فتجب مقدمتها بالوجوب الغيري المقدمي. فاذن يجتمع في ذي المقدمة وجوبان نفسي وغيري يترشح من وجوب المقدمة فيلزم من الوجوب النفسي الحج ، مثلا : ان يكون نفسي الحج واجبا غيريا مقدميا ، يعني انه يستلزم وجوب نفسي الشيء وجوب غيري نفسه ، وهو كما ترى ، اذ هما ـ اي اجتماع الوجوب النفسي والوجوب الغيري في شيء واحد ، واستلزام وجوب نفسي الشيء وجوب غيري نفسه ـ باطلان بالبداهة. فعلم ان التوصل ليس بشرط في اتصاف المقدمة بوصف الوجوب وإلّا لزم ان يكون ذو المقدمة مقدمة وجودية لمقدمته.

وهذا يستلزم اجتماع الوجوبين النفسي والغيري في ذي المقدمة ، وهذا يقتضي ان يكون وجوب نفسي الشيء مستلزما لوجوب غيري نفسه ، فالتالي باطل بالضرورة فالمقدم مثله ، او يقال ان اللازم فاسد فالملزوم مثله.

اما بيان الملازمة انه ان كان التوصل عنوانا تقييديا لوجوب المقدمة ، يعني

٣٩٣

المقدمة تكون بقيد الايصال واجبة كان وقوع المقدمة على صفة الوجوب الغيري منوطا بوجود ذي المقدمة في الخارج ، وكان تخلف عنوان الموصلية عن المقدمة موجبا لعدم وقوعها على صفة المطلوبية والمحبوبية ، مثل سائر العناوين التقييدية كالستر والاستقبال والطهارة ونحوها من القيود المأخوذة في الدليل قيودا للصلاة ، فاذا تخلفت القيود لم تقع الصلاة على عنوان المطلوبية والمحبوبية.

هذا اذا كان قيد الايصال جهة تقييدية. نعم اذا كان قيد الايصال جهة تعليلية ، بان كان الايصال علة لوجوب الغيري المقدمي من دون ان يكون مأخوذا في لسان الدليل فتخلّفه ـ اي تخلف عنوان الايصال ـ لا يوجب عدم وقوع المقدمة على صفة المطلوبية ، وعدم وقوعها على وصف الوجوب الغيري.

والحال ان قيد الايصال جهة تعليلية لا جهة تقييدية. فكأنّ صاحب (الفصول) قد خلط بين الجهة التقييدية وبين الجهة التعليلية. والمراد في هذا المقام هو الثاني ، يعني ان كان عنوان الايصال قيدا لوجوب المقدمة ، فهو يستلزم المحذورين المذكورين سابقا وإلّا فلا.

قوله : وهو كما ترى اشارة الى الإشكالين.

قوله : ضرورة ان الغاية لا تكاد تكون قيدا لذى الغاية بحيث كان تخلفها موجبا ... الخ فرجع المصنف قدس‌سره الى البرهان المذكور آنفا وهو ان الغاية التي هي عبارة عن ذي المقدمة لا تكون من قيود وجودية ذي الغاية التي هي المقدمة ، لان وجود الغاية متأخر عن وجود ذي الغاية.

والحال ان الشرط والمقدمة لا بد ان يكونا متقدمين على المشروط وعلى ذي المقدمة ، او مقارنين لهما. فلا يصح ان يجعل وجود الغاية المتأخر شرطا لوجوب ذي الغاية ، اذ ليس وجود الغاية في رتبة وجود ذي الغاية وإلّا لزم ان يكون الشيء المتأخر شرطا لاتصاف الشيء المتقدم بعنوان الوجوب. ويلزم أيضا ان يكون ذو المقدمة مطلوبا بسبب طلب المقدمة. ويلزم أيضا ان يترشح الوجوب الغيري من المقدمة الى ذي المقدمة.

٣٩٤

خلاصة الكلام : ان كان قيد الايصال شرطا لوجوب المقدمة لزم أولا : ان يكون وجود ذي المقدمة مقدّما على وجود المقدمة ، اذ جعل شرطا على الفرض لوجوب المقدمة ولوجودها. والشرط لا بد ان يكون مقدّما من حيث الوجود على المشروط ، اذ تقدمه عليه طبعي ، كتقدم الجزء على الكل ، نحو تقدم الواحد على الاثنين. والحال ان وجود ذي المقدمة ليس في عرض وجود المقدمة فضلا عن التقدم وجودا بل متأخر ، والشيء المتأخر وجودا ليس شرطا للشيء المتقدم وجودا وتحققا.

وثانيا : من وجوب نفسي للصلاة ان يتولّد الامر بالوضوء لانه مقدمة الصلاة التي تجب نفسيا ، وان يتولّد من الامر بالوضوء الامر الغيري بالصلاة. فالامر النفسي بالصلاة مستلزم الأمر الغيري بالصلاة بواسطة الوضوء ، ولوجوبه ، اذ الصلاة تكون من المقدمات الوجودية للوضوء ، اي على فرض وجوب المقدمة الموصلة فقط.

وثالثا : اجتماع الوجوبين النفسي والغيري في الصلاة ، فالتالي باطل فالمقدم مثله. فالتوصل ليس بغاية وغرض لوجوب المقدمة فلو كان غاية لما كان قيد ذي الغاية.

وكأنّ صاحب (الفصول) قدس‌سره قد خلط بين الجهة التقييدية وبين الجهة التعليلية ، وقال ان التوصل غاية وجوب المقدمة ، فان لم تحصل هذه الغاية فلا تكون واجبة ، وزعم ان الغاية قيد وجوب المقدمة.

وقد عرفت ان الغاية هي التمكن لا التوصل. والتمكن لا يتخلف في جميع المقدمات. وهو مترتب على المقدمات. بخلاف التوصل اذ هو يتخلف في اكثر المقدمات ولا يترتب على الامر المقدمي كما علم سابقا.

قوله : فافهم وهو اشارة الى دقة المطلب المذكور. واما قوله : واغتنم اشارة الى انه لم يسبقني في التحقيق المذكور احد من الاصوليين والعلم عند العالم.

٣٩٥

استدلال صاحب (العروة):

قوله : ثم انه لا شهادة على الاعتبار في صحة منع المولى عن مقدماته بانحائها ... الخ وهذا اشارة الى استدلال السيد صاحب (العروة) على اختصاص الوجوب الغيري بالموصلة على الطريق الآخر ، وهو ان المولى اذا أمر عبده باتيان الحج مثلا ، ويقول إني أريد الحج ولا اريد من مقدماته الا ما رتب عليه الحج فقد انحصر الوجوب التبعي بالمقدمة الموصلة.

فبالوجدان يكون هذا النوع من الامر صحيح عن المولى فهذا يكشف عن ان وجوب المقدمة مشروط بالتوصل وغير الموصلة غير واجب.

جواب المصنف :

قوله : ضرورة انه ، وان لم يكن الواجب منها حينئذ غير الموصلة ... الخ فاجاب المصنف قدس‌سره عنه بوجهين :

الاول : ان النّهي عن جميع المقدمات الا من الموصلة منها محل نظر اذ هو مستلزم لامر محال وهو تحصيل الحاصل ، وسيأتي عن قريب ان شاء الله تعالى.

وعلى فرض تسليم النّهي نقول ان الفرق موجود بين هذا وبين ما نحن فيه ، اذ ـ في هذا المقام ـ انحصار الوجوب بالمقدمة الموصلة يكون بملاحظة النّهي من جانب المولى عن المقدمات الأخر ، والنّهي مانع عن تعلق الوجوب الغيري بها.

اما فيما نحن فيه فالمقدمات ، سواء كانت موصلة أم كانت غير موصلة ، مباحة.

اذ لا يتعلق بها النّهي عن بعض فلو انحصر الوجوب التبعي الغيري في هذا المثال الذي ذكره المستدل بالموصلة فلا يكشف هذا عن انحصار الوجوب بالموصلة في كل الموضع ، سواء وجد النّهي عن غير الموصلة أم لم يوجد عنه. اذ في هذا المثال يكون المانع موجودا وهو نهي المولى عن اتصاف غير الموصلة منها بالوجوب الغيري ، والحال ان محل الكلام في الموضع الذي ليس المانع فيه موجودا.

فبالنتيجة : في المثال المذكور تكون الموصلة وغير الموصلة متساويتين من

٣٩٦

حيث عنوان المقدّمية والتمكن ، لكن النّهي عن سائر المقدمات انحصر وجوب الغيري بالموصلة ، لا ان اصل الوجوب بذاته مع قطع النظر عن نهي المولى منحصر بالموصلة دون غيرها من غير الموصلة.

قوله : مع ان صحة المنع عنه كذلك نظرا وجهه انه يلزم ان لا يكون ... الخ فاجاب المصنف عن استدلال صاحب (العروة) بوجه ثان وهو صحة النّهي عن المقدمات ـ الا الموصلة منها ففيها نظر ـ لانه يلزم حينئذ ان لا يكون في ترك الواجب عصيان ببيان ان كل واجب مشروط بالقدرة على مقدماته عقلا وشرعا ، فاذا عجز المكلف من المقدمات عقلا او شرعا للنّهي عن المقدمات ولعدم كونها مباحة فليس في ترك هذا الواجب عصيان لعدم القدرة على ايجاده في الخارج شرعا بدونها ، اي بدون المقدمات.

والحال ان الممتنع شرعا كالممتنع عقلا ، فيسقط الوجوب النفسي ، فلا يكون ترك ذي المقدمة عصيانا ، فاذا نهي عن المقدمات فهي غير مباحة ، الا عن الموصلة منها وهي مباحة ، واباحتها لا تتحقق الا بعد كونها موصلة ، وموصليتها لا تتحقق الا بعد فعل المقدمة ، وبعد فعل ذي المقدمة ، فلا اباحة لها قبل فعل المقدمة ، وقبل فعل ذي المقدمة. اذ عنوان الموصلية شرط في اباحة الموصلة. فاذا لم تكن موصلة فلا محالة تكون المقدمة منهيا عنها ، وكل منهيّ عنه بالنهي التحريمي محرم ، فلا تكون للواجب مقدمة مباحة. فترك الواجب الذي ليست له مقدمة مباحة ليس عصيانا. ولو أمر المولى بعد فعل المقدمة ، وبعد فعل ذي المقدمة لكان امره طلبا للأمر الحاصل ، والطلب الحاصل لغوا ، ولا يصدر من المولى الحكيم.

فظهر ان الامر بالحج والنّهي عن جميع مقدماته ـ الا عن مقدمته الموصلة اليه ـ يوجب لاحد امرين :

اما جواز ترك الواجب بلا عصيان وبلا مخالفة للمولى ، اذا لم يأت المكلف بعد الإتيان بالمقدمة ذا المقدمة والواجب النفسي.

واما جواز طلب الامر الحاصل اذا اتى بذي المقدمة.

٣٩٧

وكلاهما باطل ، اذ الاول خلاف الفرض ، والثاني محال للغويته.

فتلّخص مما ذكر أن القول بوجوب المقدمة الموصلة يوجب لمحذورين احدهما الدور ، وثانيهما اجتماع الوجوب النفسي والوجوب الغيري في موضوع واحد.

اما بيان الاول (الدور) : فلان قيد الايصال ، ان كان من قيد وجوب المقدمة فمقتضاه توقف وجود المقدمة الموصلة من حيث الموصلية على وجود ذي المقدمة.

ومن الواضح ان وجود ذي المقدمة في الخارج يتوقف على وجود المقدمة فيه فهذا دور وهو باطل بل محال كما قرّر في محلّه.

واما بيان الثاني (اجتماع الوجوب النفسي والوجوب الغيري) : فلان ذا المقدمة يصير من المقدمات الوجودية للمقدمة الموصلة فيجتمع حينئذ الوجوب النفسي والوجوب الغيري في ذي المقدمة وهو موضوع واحد ولا يمكن ان يؤكد احدهما الآخر ، لان احدهما علة ، اي وجوب المقدمة بالوجوب الغيري علّة لوجوب غيري ذي المقدمة ، اي وجوب المقدمة الموصلة علة لوجوب غيري ذي المقدمة ، والآخر معلول ، اي وجوب غيري ذي المقدمة معلول وجوب غيري المقدمة الموصلة على الفرض. والعلية والمعلولية تقتضي تعدد الوجود والموضوع فلا يدفع المحذور الثاني كالمحذور الاول.

وتلخص أيضا مما ذكر ان الغاية والغرض من وجوب المقدمة عقلا او شرعا بالامر المولوي الضمني على اختلاف الرأيين هو التمكن وامكان التوصل ، لا التوصل الفعلي كما قال به صاحب (الفصول). وان التوصل لو سلّمناه يكون على نحو التعليل لا التقييد ، وان قال بالتقييد صاحب (الفصول) قدس‌سره. والفرق بين الجهة التعليلية وبين الجهة التقييدية قد مرّ سابقا فلا حاجة الى الاعادة فتدبر جيدا.

ثمرة القول بالمقدمة الموصلة :

قوله : بقي شيء وهو ان ثمرة القول بالمقدمة الموصلة ... الخ.

أولا : قبل الشروع في بيان الثمرة لا بد من بيان وجه التدبر الذي مرّ سابقا

٣٩٨

وهو انه تدقيقي لوجهين :

أ ـ ظهور لفظ التدبر في التدقيقي.

ب ـ لتقييده بلفظ الجيد.

وثانيا : نشرع في بيان ثمرة القول بالمقدمة الموصلة فيقال ان التوضيح اي توضيح الثمرة الفقهية يحتاج الى بيان امور :

احدها : كون ترك احد الضدين مقدمة لفعل الضد الآخر ، كترك الصلاة مقدمة لفعل الازالة ، اي مثل ان ترك الصلاة التي هي ضد للازالة يكون مقدمة وجودية لفعل الازالة.

ثانيها : ان تكون مقدمة الواجب المطلق واجبة مطلقا ، اي سواء كانت موصلة ام كانت غير موصلة ، حتى يجب ترك الصلاة مقدمة لفعل الازالة.

ثالثها : ان يكون الامر بالشيء على نحو الايجاب مقتضيا للنهي عن الضد.

رابعها : ان يقتضي النّهي عن العبادة فساد المنهي عنه.

اذا علمت هذه الأمور فيعلم ان ثمرة القول بوجوب المقدمة الموصلة هي صحة الصلاة التي يتوقف على تركها فعل الازالة التي هي واجب فوري ، بناء على ان ترك الضد الذي هو الصلاة مما يتوقف على فعل ضده ، الذي هو ازالة النجاسة عن المسجد. فان ترك الصلاة على القول بوجوب المقدمة الموصلة ليس مطلقا واجبا ، بل يكون تركها واجبا اذا كان موصلا الى فعل ضد الواجب الفوري ليكون فعل الصلاة محرّما ومنهيا عنه ، فتكون فاسدة في الصورة التي يترتب عليها فعل الضد الواجب الفوري الذي هو الازالة.

ومن المعلوم انه مع الإتيان بالصلاة ليس هناك ترتب فعل ضد الواجب الفوري ، فلا يكون ترك الصلاة مع عدم الايصال ومع عدم الترتب واجبا فليس فعل الصلاة منهيا عنه ، فلا تكون فاسدة.

هذا على قول صاحب (الفصول) قدس‌سره واما على القول بوجوب مطلق المقدمة ، سواء كانت موصلة أم كانت غير موصلة ، فيكون فعل الصلاة منهيا عنه ، اذ تركها

٣٩٩

مطلقا مقدمة الازالة الواجبة ، وفعل الصلاة الذي هو ضد تركها وضد فعل الازالة يكون منهيا عنه وحراما ، والحال ان النّهي في العبادات يقتضي فساد المنهي عنه فتكون باطلة.

فقد تلخّص مما ذكر ان ترك العبادة والصلاة واجب ، وفعلها حرام ، اذا كان الترك موصلا الى فعل الازالة لتحقق عنوان الموصلية. فاذا تحقق هذا العنوان فالترك واجب لكونه موصلا الى فعل ضد الواجب ، فضد الترك وهو فعل الضد ، اي فعل الصلاة ، حرام ومنهيّ عنه على قول (الفصول).

واما على القول المشهور فإن ترك الصلاة مطلقا سواء كان ترك الصلاة بقصد الايصال الى الازالة أم كان لا بقصد فعل الازالة بل لقصد أمر آخر كالنوم مثلا ، واجب ، فضد الترك وهو فعل ضد الازالة حرام منهي عنه ، فتكون باطلة لتحقق عنوان المقدمية في مطلق ترك الصلاة.

تتمة : قول صاحب (الفصول) وهي أنه اذا لم يكن ترك العبادة بقصد الايصال الى فعل ضد الواجب ، بل يكون لقصد آخر فهو ليس بواجب. وحينئذ يجوز ضده وهو فعل الصلاة فتكون صحيحة. فالصلاة صحيحة عند المزاحمة مع الازالة ، ان كان تركها لا بقصد التوصل الى فعل الضد لعدم تحقق عنوان الموصلية كي يجب تركها ويحرم فعلها ، بناء على قول (الفصول) قدس‌سره. وهي باطلة عند القائل بوجوب مطلق المقدمة لتحقق عنوان المقدمية في ترك الصلاة ، فيجب تركها مقدمة للواجب الفوري ، وهو ازالة النجاسة. ويحرم ضد الترك ، وهو فعلها.

قوله : وربما أورد على تفريع هذه الثمرة بما حاصله ان فعل الضد ... الخ المورد هو الشيخ الانصاري قدس‌سره ، وخلاصة ايراده على الثمرة المذكورة : ان فعل الصلاة عند المزاحمة مع الازالة بناء على وجوب المقدمة الموصلة ، منهيّ عنه وباطل. اذ بناء على وجوب المقدمة الموصلة ، وان لم يكن فعل الصلاة ضد ترك الواجب ، لأن هذا الترك ليس بموصل الى الازالة في حال فعل الصلاة كى يجب ، ولكن يكون فعل الصلاة ملازما لترك الواجب لانّ ترك الخاص الموصل مقدمة وواجب على قول

٤٠٠