البداية في توضيح الكفاية - ج ١

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ نهضت
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-0-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٤٤٨

اخرى. فلو كانت عباديتها وقصد القربة وحصول الثواب والقرب بلحاظ امرها الغيري بما هو غيري فللاشكال المذكور مجال واسع. واما اذا كانت الأمور المذكورة لاجل رجحانها النفسي ومصلحتها الذاتية كسائر العبادات فلا يبقى مجال للاشكال المذكور لانه لا فرق حينئذ بينها وبين سائر العبادات كما لا يخفى.

المقدمة العبادية :

قوله : والاكتفاء بقصد امرها الغيري فانما هو لاجل انه يدعو الى ما هو كذلك ... الخ فاعترض في هذا المقام ان الموجب لعبادية هذه المقدمات لو كان رجحانها الذاتي لا الامر الغيري بما هو غيري كما ذكر سابقا فلا وجه للاكتفاء بها بقصد الامر الغيري. والحال انه يكتفى به اجماعا. مثلا : اذا أتي المكلف بالوضوء بقصد امتثال امره الغيري فيكتفى به وتترتب عليه فوائده من الثواب والقرب والنور ، اذ الوضوء نور كما ، ان الوضوء على الوضوء نور على نور ، كما في الرواية.

توضيح : دفع المصنف قدس‌سره ان قصد الامر الغيري لا يكون محرّكا على ذات العمل الذي هو الوضوء ، وليس قصد الامر الغيري موجبا لعبادية العمل ، بل الباعث الى العمل هو اطاعة الامر النفسي الاستحبابي ، ولذا تجوز الصلاة بالوضوء الذي أتى به المكلف قبل دخول وقت الصلاة ، لان الامر الغيري يتعلق بما هو مقدمة ، والمقدمة من هذه الافعال ما كان في نفسه عبادة.

فالعبادية في الطهارات الثلاث مفروضة في رتبة سابقة على الامر الغيري وليست العبادية فيها حاصلة من قبل الامر الغيري حتى يكون هو المقصود لذات العمل ولفعل الوضوء والغسل والتيمم ، بل المقصود من الاتيان بالعمل على النحو العبادي هو اطاعة امره النفسي الاستحبابي.

ولذا يستحب الكون على الطهارة دائما ، ولذا ورد في الشريعة المقدّسة استحباب الوضوء قبل النوم ، وما هذا إلّا لاستحبابه نفسيا.

وان أشكل على المصنف قدس‌سره بان هذا الدفع لا يتمّ في التيمم لعدم استحبابه

٣٦١

النفسي لفقد الدليل عليه.

قوله : فافهم وهو اشارة الى دعوى ان التيمم مما لم يقم دليل على كونه مطلوبا نفسيا مما لا وجه لها. اذ لو لم يكن دليل عليه سوى قوله عليه‌السلام : «التراب احد الطهورين» و (يكفيك عشر سنين) لكفى ذلك من حيث الدليلية.

او اشارة الى ان قول المصنف قدس‌سره يقتضي نية الندب وقصد الاستحباب النفسي بعد دخول الوقت كما قبله ، مع ان المعروف بين الاعلام نية الوجوب بعد دخول الوقت. ولذا قال العلامة قدس‌سره في جملة من كتبه بلزوم الاستئناف لو دخل الوقت في الاثناء. يعني اذا اتى المكلف بالوضوء بنية الندب والاستحباب النفسي قبل دخول الوقت ، وفي الاثناء قبل الفراغ دخل الوقت لزم الاستئناف اي استئناف الوضوء بنية الوجوب.

دفع الإشكال في المقدمات العبادية :

قوله : وقد تقصّي عن الإشكال بوجهين ... الخ قال المصنف قدس‌سره وقد اجيب عن الإشكال المذكور بجوابين آخرين :

احدهما : ان هذه الافعال والمقدمات العبادية ليست بذواتها مقدمة للواجب ، بل تكون مقدمة بملاحظة عنوانها الواقعي الذي فيها في الواقع ، فالوضوء بما هو وضوء ليس مقدمة للصلاة ، وكذا الغسل والتيمم بما هما غسل وتيمم ليسا مقدمة ، بل بما لها من العنوان الخاص مقدمة. وحيث ان المكلف لا يعلم بحصول ذاك العنوان بمجرد فعل المقدمات فلا بد من قصد المكلف العنوان الواقعي في حين فعل المقدمات من الوضوء والغسل والتيمم. والحال انه لا طريق للمكلف الى قصد العنوان إلا بقصد الأمر الغيري ، ليكون قصده قصدا للعنوان المأمور به بالامر الغيري ، وهو المقدمات الثلاث.

فبالنتيجة : انّ قصد الامر الغيري في حين فعلها لاجل تحصيل عنوانها الواقعي الذي جعلت الطهارات الثلاث مقدمة لاجله ، لا يكون قصد الامر الغيري

٣٦٢

لاجل عباديتها كي يرد الإشكال المذكور.

المقدمات العبادية :

قوله : وفيه مضافا الى ان ذلك لا يقتضي الإتيان ... الخ يعني ان قصد العنوان الخاص الثابت في الطهارات الثلاث في الواقع لا يتوقف على قصد امرها الغيري بنحو يوجب عبادية الفعل والعمل ، بل يمكن قصد العنوان بطريق آخر مثل ان يكون قصد العنوان بواسطة قصد الامر الغيري وصفا ، بان يقصد المكلف فعل عنوان الواجب بالوجوب الغيري.

وبعبارة اخرى : وهي ان قصد العنوان الخاص الملحوظ في الطهارات الثلاث ، وقد جعلت مقدمة لاجل هذا العنوان ، كما يمكن بقصد امرها الغيري وبهذا القصد يشير المكلف الى العنوان الخاص الواقعي ، كذلك يمكن ان يشير المكلف اليه ، اي الى العنوان الخاص المأخوذ فيها بقصد الامر وصفا بان كان الاصل الداعي لاتيان الوضوء شيئا آخر غير قربي ، فيقول المكلف اني افعل الوضوء الواجب بسبب العنوان الخاص أو لاجل التبريد أو التنظيف ونحوهما من الدواعى النفسانية ، فيكون قصد الوجوب حينئذ بنحو التوصيف مشيرا الى العنوان الخاص المأخوذ في الطهارات الثلاث بمثل قصد الوجوب غاية ، كما اذا قال المكلف اني افعل الوضوء لوجوبه شرعا.

فظهر مما مرّ آنفا انه يمكن قصد العنوان الواقعي الذي لوحظ في المقدمات بسبب قصد وجوبها توصيفا وبقصد وجوبها غاية ، وان كان قصد الوجوب على نحو التوصيف اظهر واقوى في الإشارة الى العنوان الخاص الواقعي الملحوظ فيها من قصد الوجوب غاية.

والحال ان الوضوء ، ما دام لم يفعل بداعي امر نفسه ، باطل اجماعا.

فبالنتيجة : فقد علم أن قصد إتيان المقدمات بداعي امرها الغيري يكون لاجل تعيين العنوان الخاص المأخوذ فيها ، ينحصر طريق تعينه بقصد الامر الغيري ، بل

٣٦٣

يكون الوجوب التوصيفى والوجوب الغائي عنوانين مشيرين الى ذاك العنوان الخاص.

هذا ، مع ان هذا الوجه مصحّح لقصد القربة لقصد الامر الغيري ، فهذا الإشكال مندفع. اما اشكال حصول الثواب على إطاعة الامر الغيري فهو باق على حاله.

والحال ان حصول الثواب في امتثال اوامرها واطاعتها يكون من المسلّمات عند الجميع. بل يبقى الإشكال الاول ايضا على حاله وهو تصحيح قصد القربة في اتيانها مع ان اوامرها غيرية ، اللهم إلّا ان يقال من جانب المجيب ان قصد الامر الغيري بما هو مشير الى العنوان الخاص موجب للقرب لا بما هو امر غيري.

الجواب الثاني عن الإشكال :

قوله : ثانيهما : ما محصله ان لزوم ... الخ فاجيب عن الإشكال ثانيا بانه ليست عبادية هذه الافعال بملاحظة اوامرها الغيرية بل بلحاظ الامر النفسي المتعلق بذي المقدمة كالامر الذي يتعلق بالصلاة والطواف ، لان الامر النفسي يكون على نحو وعلى طريق لا يحصل الغرض منه إلّا اذا فعلت مقدماته على وجه القربى وعلى قصد القربة.

مثلا : لا يحصل غرض المولى من فعل الصلاة والطواف إلّا اذا فعل المكلف الوضوء بقصد القربة وعلى وجه القربى. فبملاحظة الامر النفسي المتعلق بذي المقدمة لزم اتيان المقدمات من مثل الوضوء والغسل والتيمم على وجه القربى لا بلحاظ اوامرها الغيرية.

فالغرض من الغايات كالصلاة ونحوها لا يحصل إلّا باتيان المقدمات بقصد القربة فالعمدة هي الغايات ولذا قيل : (خذوا الغايات واتركوا المبادئ).

قوله : وفيه انه غير واف بدفع الإشكال ... الخ لان هذا الجواب الثاني مثل الجواب الاول من حيث ان هذا لا بدفع اشكال حصول الثواب في اطاعة اوامرها الغيرية ، والحال انه لا يترتب الثواب على امتثال الامر الغيري لعدم وفائه بغرض

٣٦٤

المولى كالوضوء بلا صلاة وبلا طواف.

اللهم إلّا ان يقال ان الامر النفسي متعلق بذي المقدمة ، وان الغرض الخاص الثابت في ذي المقدمة يوجب كون المقدمة عبادة ويصيّرها عبادية.

فاذا صح قصد القربة في فعلها وان لم يكن لها الامر النفسي التعبدي ، ففيه ما فيه من الإشكال ، اذ الشيء ما دام لم يكن له امر نفسي تعبّدي فليس فيه قصد القربة ولا يصح حصول الثواب بفعله.

نعم بملاحظة الشروع في امتثال الامر النفسي من حين الشروع في امتثال الامر الغيري ، يعني كأنّ المكلف من حين الوضوء شرع في امتثال الامر الصلاتي ، فلا يبعد حينئذ القول بحصول الثواب على فعل الوضوء. ولكن هذا الفرض خارج عن محل الكلام. فالجوابان مردودان غير وافيين بدفع الإشكال.

الجواب الثالث عن الإشكال :

قوله : واما ما ربما قيل في تصحيح اعتبار قصد القربة والاطاعة في العبادات ... الخ واجيب ثالثا عن الإشكال الوارد في اشتراط قصد القربة في الوضوء وامثاله وفي حصول الثواب على فعله ، بانه قد يكون الشيء بنفسه مقدمة للغير مثل قطع الطريق مقدمة للحج ونصب السلم مقدمة للصعود على السطح ، وقد يكون الشيء المأتي به بداعى وجوبه الغيري مقدمة لواجب آخر لا ذات الشيء بما هو وبذاته وذلك كالطهارات الثلاث ، ففي مثل هذه الصورة الثانية لا بد للمولى من ان يأمر اولا بذات الشيء أمرا من سنخ الامر الغيري ومن سنخ الطلب الغيري ، ثم يأمر بذي المقدمة فيترشح منه الوجوب الغيري الى ما هو المقدمة التي هي الإتيان بها بداعي وجوبها الغيري.

وعليه فاعتبار قصد القربة في الطهارات الثلاث يكون من هذه الجهة ، اي من جهة انها جعلت مقدمة من حيث انها فعلت بداعي وجوبها الغيري لا من حيث فواتها بما هى جعلت مقدمة ، فاعتبار قصد القربة لا يكون من جهة اقتضاء الامر

٣٦٥

الغيري بما هو غيري.

اعتراض المصنف على الجواب :

فاجاب المصنف قدس‌سره ان ذات الشيء اذا لم تكن مقدمة ، يعني ، ان ذوات الطهارات الثلاث ، بلا اعتبار قصد القربة ، اذا لم تكن مقدمة للصلاة والطواف ، بل كانت مقدمة بشرط اتيانها بداعي وجوبها الغيري ومع قصد القربة ، فلا يكاد يترشح الى الطهارات الأمر الغيري من ذي المقدمة ، فمن اين يجيء طلب آخر من سنخ الطلب الغيري يتعلق بذاته ليتمكن المكلف بوسيلة هذا الامر الغيري من الإتيان بما هو مقدمة؟ اي من الإتيان بالشيء بداعي وجوبه الغيري. اذ الغرض من الطهارات بالعنوان الخاص ، ومع الإتيان بقصد القربة جعلت مقدمة لذيها لا ذواتها من حيث هي هي على الفرض.

هذا ، مع ان في الالتزام بتعدد الامر في الطهارات ما اوردناه سابقا على الالتزام بتعدد الامر في العبادات في بحث (التعبدي والتوصلي) من ان الامر الاول المتعلق بذات العمل ان كان توصليا يسقط بمجرد الإتيان بمتعلقه ، سواء كان مع قصد القربة أم كان بلا قصد القربة ، فلا يبقى مجال لموافقة الامر الثاني وذلك لسقوط الاول الذي هو موضوع الامر الثاني. وان كان تعبديا لا يسقط بمجرد الإتيان بمتعلقه بلا قصد الامر وبلا قصد القربة. فلا وجه لعدم سقوطه الا عدم حصول غرض المولى منه. ومع عدم حصوله يستقل العقل باتيانه على نحو يحصل غرض المولى من الامر الاول من باب ان الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني ، فلا حاجة حينئذ الى الامر الثاني ، بل يكون لغوا كما لا يخفى فتذكّر.

لا يعتبر قصد التوصل في الطهارات الثلاث :

قوله : الثاني انه قد انقدح مما هو التحقيق ... الخ لمّا فرغ المصنف قدس‌سره عن التذنيب الاول شرع في التذييل الثاني وقال : ان عبادية الطهارات انما تكون بملاحظة

٣٦٦

رجحانها الذاتي واستحبابها النفسي لا بملاحظة امرها الغيري وان مقدميتها لاجل كونها عبادة ولا تكون مقدميتها لذواتها بما هي.

اذا علم هذا المطلب فلا يشترط في صحتها في مقام الامتثال ، وفي عباديتها قصد التوصل بذي المقدمة. مثلا : لا يلزم في مقام الإتيان بالوضوء ان يقصد المكلف الوضوء الذي يكون مقدمة للصلاة او القراءة او الزيارة ، بل يصح فعل الوضوء متقربا الى الله تعالى وان كان المكلف غافلا في حين اتيان الوضوء عن ذي المقدمة ، اذ هو راجح في نفسه وعبادة في ذاته ، فلا يحتاج الى قصد التوصل الى غيره وهو ذو المقدمة مثل نفس الصلاة التي تكون عبادة نفسية لا تحتاج الى قصد التوصل الى غيرها.

فحال الوضوء على هذا المبنى كحال الصلاة وسائر الواجبات العبادية ، وكذلك الغسل والتيمم. نعم لو قلنا بان عبادية الطهارات تكون لاجل امرها الغيري لا لكونها ذات مصلحة ذاتية فلا بد حينئذ من قصد التوصل الى ذي المقدمة ، اذ معنى امتثال الامر الغيري يكون بمعنى قصد التوصل الى الواجب النفسي ، مثلا : يقصد المكلف اني افعل الوضوء الذي هو مقدمة للصلاة للتوصل اليها.

وبالجملة : اذا قلنا بان الطهارات الثلاث عبادة بنفسها فلا يحتاج في مقام الامتثال لا الى التوصل بذي المقدمة ، ولا الى قصد امرها الغيري. وان قلنا ان عباديتها تكون بملاحظة امرها الغيري ، وليست بنفسها عبادة وذات مصلحة ، فلا بد ، بناء على هذا المبنى ، ان يقصد التوصل الى الغير كي تتحقق عباديتها. فظهر ان قول المشهور اشتراط قصد الغاية ، وانه يشترط قصد الغاية في امتثال امر الوضوء والغسل والتيمم يكون بهذا اللحاظ ـ اي بلحاظ امرها الغيري ـ ولا يكون اشتراط قصد الغاية من اجل أن المقدمة بعنوان المقدمة مأمور بها لا بعنوان ذواتها تكون مقدمة وموقوفا عليها.

مثلا : الوضوء بما هو مقدمة مأمور به بالامر الغيري لا بما هو وضوء ، فاذا كان الوضوء مأمورا به بالامر الغيري بعنوان المقدمية فلا بد في مقام الامتثال من

٣٦٧

قصد عنوان المقدمية حتى يمتثل المأمور به وحتى يتحقق.

والحال ان قصد عنوان المقدمية يتوقف على قصد غايتها ، وهي الصلاة ، ويتوقف على قصد التوصل الى الغير. فقصد التوصل الى الغاية يكون لاجل تحصيل عنوان المأمور به الذي هو عنوان المقدمية. ولكن هذا التوجيه لعبادية الطهارات غير متين ، لان سبب قصد التوصل لو كان شرطا في مقام الامتثال لكان لاجل الامر الغيري وليس لاجل عنوان مقدميتها ، اذ المأمور به بالامر الغيري هو نفس الوضوء بما هو هو ، لان الصلاة تتوقف على نفس الوضوء لا على الوضوء بما هو مقدمة وبوصف المقدمية.

فوصف المقدمية لا مدخل له في الموقوف عليه ، بل المقدمة تكون الوضوء الذي هو مقدمة بالحمل الشائع الصناعي المواطئي ، فيقال ان الوضوء مقدمة وان كان عنوان المقدمية يحمل على الوضوء بالحمل الشائع الصناعي ولكن ليس عنوان المقدمية موقوفا عليه ، بل انما كانت المقدمة نفس المعنونات بعناوينها الاوّلية.

يعني نفس الوضوء ونفس الغسل ونفس التيمم بما هو وضوء وغسل وتيمم مقدمة وموقوف عليه لا بعناوين المقدمة التي هي عناوين ثانوية ، لها فنفس عنوان المقدمية خارج عن المأمور به ، فقصده ليس بلازم في مقام الامتثال حتى يقال ان قصد عنوان المقدمية لا يتمّ إلّا بقصد غاياتها وبقصد التوصل اليها.

نعم عنوان المقدمية يكون جهة تعليلية وهي خارجة عن المأمور به ، اذ هي سبب وجوبها. والحال ان السبب خارج عن حقيقة المسبب ، فاعتبار قصد الغايات واعتبار قصد الامر الغيري انما يكونان لاجل عباديتها في حد ذاتها بالامر الغيري لا من جهة عنوان مقدميتها ، وبناء على مصلحتها الذاتية ورجحانها الذاتي ليس بلازم ، فلو قصد الغاية والتوصل بناء على كون الوضوء عبادة بنفسه لكان هذا القصد مرآة وطريقا الى المصلحة الذاتية التي تكون للمقدمة فالوضوء والغسل صحيحان.

توضيحان : الاول : ان الفرق بين الوجه الذي قال به المصنف اعلى الله تعالى مقامه وبين الوجهين الذين قال بهما الشيخ الانصاري قدس‌سره ظاهر. لان الوجه الاول

٣٦٨

ناظر الى منشإ العبادية في الطهارات الثلاث وهو الامر النفسي الندبي الاستحبابي ، مع قطع النظر عن امرها الغيري ، اذ الوضوء مستحب نفسي وواجب غيري وكذا الغسل والتيمم.

ولان الوجه الثاني ، ناظر الى ان منبع العبادية فيها رجحان ذاتيها ، ولكن قصد الامر الغيري في مقام الامتثال يكون عنوانا مشيرا الى ذاك الرجحان الذاتي ، حيث لا طريق لتعيينه للمكلف إلّا بسبب قصد الامر الغيري العبادي المتعلق بها.

ولان الثالث ناظر الى كون الغرض المترتب على ذي المقدمة لا يحصل إلّا باتيان مقدماته على وجه القربى ، ولكنّ هذين الأخيرين مردودان عند المصنف قدس‌سره كما علم آنفا.

والثاني : ان للوضوء عناوين ثلاثة :

الاول : عنوانه الاوّلي هو غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين.

الثاني : عنوانه الثانوي وهو الوضوء.

الثالث : عنوانه الثالثي وهو المقدمية للعبادات التي تشترط فيها الطهارة كالصلاة والطواف.

فالعنوان الاوّلي متعلق للامر الغيري في الآية الشريفة وهي قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فلا يكون متعلق الامر الغيري عنوان المقدمية بل متعلقه يكون نفس الغسل الذي هو مقدمة بالحمل الشائع الصناعى المواطئي فعلم من هذا ان عنوان المقدمية لا يكون مأمورا به نعم يكون جهة تعليلية لوجوب الغسل.

تبعية المقدمة لذيها في الاطلاق والاشتراط :

قوله : الامر الرابع لا شبهة في ان وجوب المقدمة بناء على الملازمة ... الخ والغرض من عقد الامر الرابع من الأمور التي ينبغي رسمها قبل المقصود هو التنبيه على مذهب صاحب (المعالم) وعلى مذهب الشيخ الانصاري وعلى قول صاحب

٣٦٩

(الفصول) قدس‌سره.

اما مختار الاول : (صاحب المعالم) فهو القول بوجوب المقدمة في حال كون المكلف مريدا للفعل المتوقف عليها ، فوجوب المقدمة عند صاحب (المعالم) قدس‌سره منوط بارادة المكلف فعل ذي المقدمة ، وان كان وجوب ذي المقدمة مطلقا.

واما مختار الثاني : (الشيخ الانصاري) فان الواجب هو المقدمة المقصود بها التوصل الى ذيها فاذا أتى المكلف بها ولم يقصد بها التوصل فلا تقع على صفة الوجوب أصلا. والفرق بين مختار الاول وبين مختار الثاني ان قصد التوصل الى الواجب على الاول شرط لوجوب المقدمة ، وان قصد التوصل على الثاني شرط للواجب الغيري المقدمي.

واما مختار الثالث : (صاحب الفصول) فهو القول بوجوب خصوص المقدمة الموصلة اي ان الواجب خصوص المقدمة التي يترتب عليها وجود ذي المقدمة ويتوصل بوسيلتها الى ذي المقدمة ، واما اذا لم يترتب عليها ذو المقدمة فلا تقع على صفة الوجوب أبدا.

واما الفرق بين مختار الثالث ، وبين مختار الثاني ان النسبة بينهما عموم من وجه ، فقد تكون المقدمة مما قصد به التوصل الى ذي المقدمة في مقام الامتثال ، ولكن لا تكون موصلة اليه ، لفقد المقتضي ، او لوجود المانع عن وجود ذي المقدمة في الخارج ، او لعزم المكلف بعد فعل المقدمة على عصيان امتثال امر ذي المقدمة بعد ان كان عازما على الامتثال والإتيان.

وقد تكون موصلة ، والحال انه لا يكون المقصود بها التوصل ، كما اذا أتى المكلف بالمقدمة لا بقصد التوصل بها الى ذيها ثم بدا له الامتثال وفعل الواجب فيترتب ـ كما في مثل الحج ـ إذا سافر الى مكة للسياحة فاتفق الموسم ، ثم بدا له إتيان الحج فحجّ فهو مجز بالاجماع. وقد تكون موصلة بالفعل الى ذي المقدمة كما في اغلب المقدمات ، فعندهم لا تكون المقدمة تابعة لذي المقدمة في الاطلاق والاشتراط كما لا يخفى على من اعطاها دقة النظر ، إذ وجوب المقدمة مشروط

٣٧٠

بالارادة أو بالقصد أو بالايصال.

تبعية وجوب المقدمة لوجوب ذيها في الاطلاق والاشتراط :

قوله : وانت خبير بان نهوضها على التبعية واضح لا يكاد يخفى ... الخ فاجاب المصنف قدس‌سره بان السبب في ترشح الوجوب من ذي المقدمة الى المقدمة توقّف وجود ذيها في الخارج عليها ، كتوقف وجود الحج على قطع المسافة ، وكتوقف وجود الصلاة الصحيحة على الوضوء ، بحيث يمتنع وجوده في الخارج بدونها ، فلا بد حينئذ من وحدة وجوب المقدمة مع وجوب ذي المقدمة سنخا من حيث الاطلاق والاشتراط.

فاذا كان وجوب ذي المقدمة مطلقا كان وجوب المقدمة مطلقا ، كوجوب الوضوء المطلق ، لان وجوبه غير مقيّد بفعل الصلاة ، لان وجوب الصلاة بالاضافة اليه مطلق. واما اذا كان وجوب ذي المقدمة مشروطا كان وجوب المقدمة مشروطا كوجوب قطع الطريق مشروط بوجوب الحج ، لان وجوب الحج مشروط بالاستطاعة فلا بد من وحدة الوجوب سنخا لانها تكون مقتضى الترشح ومقتضى المعلولية ، اذ وجوب ذي المقدمة علة لوجوب المقدمة وهو معلوله ، بل يكون الدليل في الاطلاق والاشتراط أوضح بالاضافة الى تبعية وجوب المقدمة لوجوب ذيها من اصل وجوبها فلا يناط وجوب المقدمة بارادة ذي المقدمة اي بارادة فعله بل مقتضى الترشح والمعلولية هو التبعية في الاطلاق والاشتراط وبتقرير أوضح : ان الحاكم في باب المقدمة هو العقل ، اذ هو يحكم بالملازمة بين وجوب الشيء وبين وجوب مقدمته.

ولا يخفى ان ملاك حكم العقل صرف مقدمية كانت في ذات المقدمة ، وفي نفسها ، وقصد التوصل بها الى ذيها ، وكذا ارادة فعل ذي المقدمة حين امتثال الامر الغيري ، وكذا ترتب ذي المقدمة على فعل المقدمة غير دخيلة في ملاك حكم العقل.

والحال ان الشيء الذي لا يكون دخيلا في ملاك حكم العقل ، فاعتباره في الحكم بلا وجه. ولذا اعترف الشيخ الانصاري قدس‌سره بان قصد التوصل لا دخل له في

٣٧١

مقدمية المقدمة بل هي قائمة بذات المقدمة.

فملاك حكم العقل بوجوب المقدمة هو كون الشيء مقدمة ، ولا تكون ارادة ذي المقدمة سببا لحكم العقل بوجوب المقدمة ولا قصد التوصل علّة لوجوبها عند العقل ولا ترتب ذي المقدمة عليها سببا لحكم العقل بوجوبها.

فحكم العقل بوجوب المقدمة انما يكون لاجل عنوان المقدمية ولاجل التوقف ، والحال ان عدم دخل قصد التوصل في وجوب المقدمة واضح لوجهين :

الاول : ان دخله فيه خلاف الوجدان ، فان ذا المقدمة يتوقف واقعا على مقدمته سواء قصد التوصل أم لم يقصد ، فالتوقف محفوظ على حاله ، كتوقف الصعود على نصب السلم ، وكتوقف الصلاة على الطهارة.

والثاني : ان قصد التوصل ، لو كان دخيلا في الحكم للزم الدور ، لان قصد التوصل موقوف على عنوان المقدمية اذ لا يكون التوصل بما ليس بمقدمة ، فلو توقف عنوان المقدمية على قصد التوصل كان دورا.

ولذا اعترف الشيخ صاحب الفرائد قدس‌سره في غير العبادة بالاكتفاء اذا فعل المكلف المقدمة بلا قصد التوصل في غير المقدمات العبادية ، كمن قطع الطريق الى مكّة المكرّمة للسياحة او للتجارة فاتفق موسم الحج فحجّ ، فيكتفى به لحصول ذات الواجب فيكون تخصيص صفة الوجوب بالمقدمة التي قصد بها التوصل بلا مخصّص.

خلاصة مطلب الشيخ ان الدخول في الدار المغصوبة اذا كان بقصد اطفاء الحريق او بقصد انقاذ الغريق فهو واجب ويقع على صفة الوجوب ، واما اذا دخلها بقصد الآخر او كان غافلا عن الانقاذ فهو غير واجب بل يبقى على حكمه السابق وهو الحرمة ، ولو أنقذ الغريق او أطفئ الحريق ففي وقوع المقدمة على صفة الوجوب يشترط قصد التوصل الى ذي المقدمة وبقصد ايجاده.

اما الجواب عن مبنى الشيخ قدس‌سره فقد سبق في طيّ قول المصنف قدس‌سره : اما عدم اعتبار قصد التوصل ... الخ.

واما حاصل مذهب صاحب (المعالم) قدس‌سره فانه في المقدمة ، اي في وقوعها

٣٧٢

على صفة الوجوب ، يشترط ارادة المكلف لفعل ذي المقدمة في مقام امتثال الامر الغيري وأما في حين فعل المقدمة فينوط الوجوب عنده بارادة ذي المقدمة.

فيرد عليه :

اولا : انه خلاف الوجدان ، اذ ملاك حكم العقل بوجوب المقدمة عنوان المقدمية ، اي كون الشيء مقدمة سواء أراد المكلف بفعلها فعل ذيها أم لم يرده.

وثانيا : ان شأن التكليف ان يكون داعيا للارادة الى فعل المكلف به ، فلا يكون التكليف منوطا بها. واما محصول قول صاحب الفصول قدس‌سره فسيأتي مع جوابه في محلّه ان شاء الله.

قوله : فافهم وهو اشارة الى ان الارادة التكوينية الغيرية انما تتعلق بذات المقدمة لا خصوص المقصود بها التوصل فكذا الارادة التشريعية انما تتعلق بذات المقدمة اذ لا فرق بينهما من هذه الناحية.

نعم اعتبر قصد التوصل في مقام الامتثال ويشترط قصد التوصل في اطاعة الامر الغيري لما عرفت في التذنيب الثاني من انه لا يكاد يكون الآتي بالمقدمة بدون قصد التوصل ممتثلا لامرها الغيري المقدّمي.

وكذلك لا يكون الآتي بدون قصد التوصل شارعا في امتثال الامر بذي المقدمة حتى يثاب المكلف بثواب أشقّ الاعمال من إتيانه مقدمة الواجب ونفس الواجب.

فاذا لم يعتبر قصد التوصل في وجوب المقدمة صحّ اتصاف الفعل المقدمي على صفة الوجوب ولو لم يقصد المكلف بفعل المقدمة التوصل الى ذي المقدمة. فقصد التوصل ليس قيدا في الواجب ، وانما هو شرط في اطاعة الامر الغيري كسائر الواجبات التوصلية التي لا يتوقف وجوبها على قصد امتثال أوامرها ، بل هي واجبة ولو مع عدم القصد الى الإتيان بالواجبات التوصلية بداعى أوامرها ، وانما يكون القصد المذكور دخيلا في ترتب الثواب عليها ، فكذا حال المقدمة لانها واجبة ولو مع عدم قصد التوصل. اذ مناط الوجوب هو عنوان المقدمية فلا دخل لقصد التوصل في عروض صفة الوجوب على المقدمة ، بل له دخل في ترتب الثواب عليها.

٣٧٣

ويقع الفعل المقدمي المجرد من قصد التوصل على صفة الوجوب لوجود ملاك الوجوب فيها وهو عنوان المقدمية ، لا على حكمه السابق من الحرمة الثابت له قبل عروض عنوان المقدمية له ، اي للدخول.

فالدخول في الارض المغصوبة مثلا ، بعد ان يصير مقدمة لواجب فعلي منجّز مثل انقاذ الغريق أو اطفاء الحريق ، لا يبقى على حرمته السابقة ، بل يتصف حينئذ بالوجوب لكونه مقدمة للواجب الفعلي المنجز كما ذكر آنفا ، وان لم يلتفت المكلف الى التوقف والى المقدمية اي توقف الانقاذ على الدخول المذكور لعدم دخل الالتفات في مقدمية المقدمة ، اذ ملاك وجوب المقدمة هو التوقف التكويني لا التوقف العلمي.

توضيح : اذا توقف انقاذ الغريق او اطفاء الحريق على الدخول في ملك الغير بغير اذنه فالدخول المذكور :

تارة : يكون مع عدم التفات المكلف الى ان الدخول مما يتوقف عليه الواجب.

واخرى : يكون مع التفاته الى التوقف ولكن دخل مع عدم قصد التوصل بالدخول الى الانقاذ الواجب.

وثالثة : يكون مع التفاته لذلك وقصده التوصل به اليه ولكنه لم يكن الدخول ناشئا عن محض قصد التوصل ، بل عنه وعن داع آخر كالسرقة مثلا.

ففي الصورة الاولى : يكون الدخول واجبا بلا معصية فيه ، ويكون المكلف متجرئا فيه ، اذ هو اقدام على ما يعتقد كونه حراما وان لم يكن الدخول محرما واقعا لكونه مقدمة الواجب الفعلي. اذ لا دخل للالتفات في مقدميّة المقدمة. والحال انه أتى الواجب لان مقدميّة المقدمة واقعية لا علمية.

وفي الثانية : يكون الدخول واجبا بلا معصية فيه ولا تحريم. نعم يكون متجرئا في عدم قصد التوصل بالدخول الى الواجب.

واما على رأى الشيخ الانصاري قدس‌سره فالدخول يقع حراما ويكون المكلف

٣٧٤

عاصيا في الصورتين الاولى والثانية معا.

وفي الثالثة : يقع الدخول واجبا بلا معصية فيه والحال انه لا تجرّؤ فيه.

واما على مذهب الشيخ قدس‌سره :

فان اعتبر استقلال قصد التوصل في صدور المقدمة كان الدخول حراما ومعصية. لكون المفروض صدور الدخول عن داع آخر غير قصد التوصل ، بل منضم الى قصد التوصل.

وان لم يعتبر استقلال قصد التوصل في صدور المقدمة كان الدخول واجبا لا غير كما لا يخفى.

وبالجملة : يكون التوصل بسبب المقدمة الى ذي المقدمة من الفوائد المترتبة على المقدمة الواجبة ، اذ فعل الصلاة من فوائد الوضوء ، لا ان يكون قصد التوصل معتبرا قيدا أو شرطا لوقوع المقدمة على صفة الوجوب بحيث لا تكون واجبة لو لم يقصد التوصل لثبوت ملاك الوجوب في نفس المقدمة بلا دخل للقصد في الملاك أصلا ، وإلّا ـ أي فلو كان لقصد التوصل مدخل في وجوب المقدمة ـ لما حصل ذات الواجب ولما سقط الوجوب لاجل الفعل المقدمي الذي لم يقصد به التوصل الى ذيها ، والحال انه يحصل الواجب وذو المقدمة بفعل المقدمة ، ويسقط وجوب الغيري بالفعل المقدمي كما لا يخفى.

قصد التوصل :

قوله : ولا يقاس على ما اذا أتى بالفرد المحرم منها حيث يسقط به الوجوب ... الخ فضعّف المصنف قدس‌سره مذهب الشيخ بهذا الوجه أيضا وهو ما اذا لم يقصد المكلف التوصل فلا بد من الاعادة بناء على مذهبه مع انه قائل بعدم الاعادة في هذا الفرض كما لا يخفى.

٣٧٥

استدلال الشيخ قدس‌سره :

واستدل الشيخ الانصاري قدس‌سره على مبناه ايضا بانا لو سلمنا سقوط الامر الغيري وحصول الغرض باتيان المقدمة بلا قصد التوصل الى ذيها فهذا السقوط مثل سقوط الامر الغيري بفرد الحرام من المقدمة ، في الموضع الذي يكون فيه فردان من المقدمة المباحة والمحرّمة ، ولكن المكلف أتى بفرد الحرام منها ، كركوب الدابة المغصوبة. وفي هذا الفرض ـ وان سقط الامر الغيري ، وان حصل الغرض الذي هو الوصول الى ذي المقدمة ـ ولكن لا يتصف هذا الفرد بوصف الوجوب ، ولا يقع الفعل المقدمي على صفة الوجوب أصلا للزوم اجتماع الامر الغيري والنّهي النفسي في شيء واحد ذي عنوان واحد وهو عنوان المقدمية.

والحال انه لا فرق في الامتناع بين كون الامر والنّهي نفسيين او غيريين او مختلفين ، ففي جميع الصور الأربع يكون اثنان منها متوافقين ، واثنان منها متخالفين يمتنع اجتماعهما ، كما سيأتي في بحث اجتماع الامر والنّهي ان شاء الله تعالى.

وكذا المقدمة المباحة لو أتيت بلا قصد التوصل لما اتصفت بالوجوب وان سقط الامر الغيري الذي يتعلق بها. اذ وجوبها ترشحي من ذي المقدمة ، ولكن لا يترشح الوجوب من ذيها اليها حين عدم قصد التوصل وفي زمان عدم قصد اتيانه بامتثال امرها الغيري ، بل يكون هذا الامتثال من قبيل وجود المعلول بلا وجود علّته وهو محال عقلا.

واجاب المصنف قدس‌سره عنه بان الفرق موجود بين المقدمة المحرمة وبين المقدمة المباحة التي لم تفعل بقصد التوصل.

توضيح الفرق بينهما : ان ملاك التحريم في الفرد المحرم من المقدمة لمّا لم يصلح ملاك الوجوب الغيري المقدمي لمزاحمة ملاك التحريم مع ملاك الوجوب الغيري ، ولكن يمكن تحصيل الوجوب الغيري بالفرد المباح من المقدمة ، مثل ركوب الدابة المملوكة او المستأجرة فبقي اثره وهو التحريم بحاله ، فيكون الفرد المحرم باقيا على تحريمه من دون ان يعرض عليه الوجوب الغيري ، وان كان الوجوب

٣٧٦

الغيري يسقط بالفرد المحرم لوجود ملاك السقوط وهو الوصول الى ذي المقدمة.

واما المقدمة المباحة التي لم يقصد بها التوصل فملاك الوجوب فيها بلا مزاحم ، فلا بد ان تكون واجبة بالوجوب الغيري. والحال ان قصد التوصل مما لا دخل له في حصول الملاك وإلا ـ اي فلو كان لقصد التوصل دخل في الملاك وفي وجوب المقدمة ـ لما حصل ذات الواجب ، ولما سقط الوجوب الغيري بفعل المقدمة الذي لم يقصد به التوصل الى ذي المقدمة.

والحال ان حصول الواجب وسقوط الامر الغيري قطعا مثل السير الى مكة المكرمة زاد الله تعالى شرفها ، لقصد التجارة ، او صلة الرحم او غيرهما ، لا لقصد الحج فاتفق الموسم فبدا له ان يحج ، فالحج حاصل وصحيح وسقط وجوب غيريّ هو قطع المسافة كما لا يخفى.

فبالنتيجة انّ قياس الفرد المباح ، من المقدمة الذي لم يقصد به التوصل ، بالفرد الحرام منها ، مع الفارق ، اذ في الفرد الحرام يكون المقتضي لاتصافه بالوجوب موجودا وهو عنوان مقدميته ، والوصول به الى ذي المقدمة ، ولكن المانع عن الاتصاف المذكور أيضا موجود وهو حرمته.

فالمانع يمنع عن تأثير المقتضي في المقتضى. واما في الفرد المباح من المقدمة فالمقتضي عن اتصافه بالوجوب موجود ، والمانع عنه مفقود ، فيتصف بالوجوب ولا اشكال فيه.

فرتّب المصنف قدس‌سره قياسا استثنائيا لبطلان قول الشيخ قدس‌سره وصورته أنه لو كان لقصد التوصل دخل في وجوب المقدمة لما سقط بفعل المقدمة الذي لم يقصد به التوصل الى ذيها الوجوب الغيري المقدّمي ، ولما حصل ذات الواجب. لكن التالي باطل بكلا شقيه فالمقدم مثله.

اما بيان الملازمة فلأن قصد التوصل على مبنى الشيخ قدس‌سره شرط وجوب المقدمة. ومن الواضح انه اذا فات الشرط فات المشروط والحال انه يبقى الوجوب الغيري للمقدمة اذا فعلت بلا قصد التوصل. إذ رفع التالي في هذا القياس ينتج رفع

٣٧٧

المقدم ، فيكشف هذا عن عدم اعتبار قصد التوصل في وقوع المقدمة على صفة الوجوب وانتظر لذلك زيادة توضيح في المبحث الآتي ان شاء الله تعالى. فتحصّل مما ذكر ان المصنف قدس‌سره اشكل على مذهب العلامة الانصاري قدس‌سره بوجوه.

الاول : ان اعتبار قصد التوصل في وجوب المقدمة خلاف الوجدان. اذ ملاك حكم العقل بوجوب المقدمة هو عنوان مقدمية المقدمة ، وعنوان توقف وجود ذي المقدمة في الخارج على وجود المقدمة ، سواء قصد بفعلها التوصل أم لم يقصد.

الثاني : انه مستلزم للدور ، اذ قصد التوصل موقوف على المقدمية. اذ لا معنى للتوصل بما ليس بمقدمة ، فلو توقفت المقدمية على قصد التوصل لكان دورا مصرحا. فالتالي باطل بل محال عقلا فالمقدم مثله. واما بيان الملازمة فواضح لا يحتاج الى تفصيل.

الثالث : انه لو اعتبر في مقام الامتثال وفي وجوب المقدمة لما حصل ذات الواجب ، ولما سقط الوجوب الغيري بدون قصد التوصل ، والتالي باطل فالمقدم مثله.

اما بيان الملازمة فلان قصد التوصل على هذا المبنى اما أن يكون شطر المأمور به بالامر الغيري مفقودا واما أن يكون شرطه مفقودا ، ففي مورد اذا لم يقصد به التوصل ، فاما الشطر مفقود والحال ان المركب ينتفى بانتفاء جزئه اذ المأمور به مركب من الوجوب الغيري ومن عنوان قصد التوصل ، واما الشرط مفقود ان كان المأمور به بالامر الغيري مشروطا بقصد التوصل.

المقدمة الموصلة وفساد وجوبها وقول المعالم :

ان المشروط ينعدم بانعدام شرطه. فلا بد حينئذ من الاعادة في حين أن الشيخ الانصاري قدس‌سره لا يقول بها في هذا المورد. كما اشكل المصنف على قول صاحب (المعالم) قدس‌سره بوجهين :

الاول : انه خلاف الوجدان. اذ ملاك حكم العقل بالملازمة بين وجوب الشيء

٣٧٨

وبين وجوب مقدماته هو عنوان المقدمية والتوقف ، سواء اراد المكلف فعل ذي المقدمة في حين امتثال الامر الغيري المقدّمي أم لم يرده في حينه.

الثاني : ان شأن التكليف ان يكون داعيا للمكلف الى ايجاد ارادة نفسانية بالاضافة الى فعل المكلف به ، وليس منوطا بالارادة كما لا يخفى ، اذ لو كان منوطا بها للزم الدور لأن التكليف يتوقف عليها على الفرض ، والارادة تتوقف على التكليف لانه مراد على الفرض.

ثم العجب كل العجب من العلّامة الانصاري قدس‌سره حيث انكر انكارا شديدا القول بوجوب المقدمة الموصلة ، وانكر اعتبار ترتب ذي المقدمة على فعل المقدمة في وقوع المقدمة على صفة الوجوب على ما حرّره في تقريراته بعض مقرري درسه وبحثه حيث قال في التقريرات : «انا لا نرى لحكم العقل بوجوب المقدمة عند وجوب ذي المقدمة وجها ودليلا الا من حيث ان عدم المقدمة يوجب عدم المطلوب وعدم ذي المقدمة وهذا العنوان يشترك فيه جميع المقدمات سواء كانت موصلة أم كانت غير موصلة».

لكن اعترض المصنف قدس‌سره على الشيخ الاعظم قدس‌سره في الإشكال الذي اورده على صاحب (الفصول) قدس‌سره حيث ان المناط المذكور في اشكاله على صاحب (الفصول) قدس‌سره موجود في كل من المقدمة المقصود بها التوصل الى ذي المقدمة وغير المقصود بها التوصل. فما وجه تخصيص الوجوب بالمقدمة المقصود بها التوصل دون غيرها؟ فللعجب منه مورد ، فراجع تمام كلامه في تقريرات درسه زيد في علو مقامه ، وتأمل في نقضه واشكاله وابرامه وجوابه كل ذلك قد مرّ.

قوله : واما عدم اعتبار ترتب ذي المقدمة عليها في وقوعها على صفة الوجوب فلانه لا يكاد يعتبر في الواجب الا ما له دخل في غرضه ... الخ فاشكل المصنف قدس‌سره على قول صاحب (الفصول) قدس‌سره وهو انه لا يعتبر فى الواجب. شيء الا ما له دخل في غرض الواجب. ولا يلحظ فيه شيء الا ما له دخل في مناط وجوب الواجب. وإلّا فلا بد ان يكون كل شيء ـ سواء كان دخيلا في غرضه أم لم يكن دخيلا فيه ـ شرطا للواجب

٣٧٩

ومناطا في وجوبه.

ومن الواضح ان كون الشيء شرطا للواجب انما يكون بلحاظ مدخلية الشرط في الغرض من المشروط كاشتراط الوضوء للصلاة ، اذ هو دخيل في غرض الصلاة الذي هو كونها (معراجا للمؤمن) وغيره من الاغراض.

والغرض من وجوب المقدمة عقلا هو تمكن المكلف من فعل ذي المقدمة ، لانه متمكن بعد ايجاد المقدمة من الإتيان بذى المقدمة.

فاذا رجعنا الى وجداننا وجدنا ان هذا الغرض باعث على ايجاب المقدمة. ولا فرق في هذا الغرض بين ان تكون موصلة أم غير موصلة ، اذ هما سببان لتمكن العبد من ايجاد ذي المقدمة في الخارج.

والحال ان الغرض المذكور محقق في جميع المقدمات سواء كانت موصلة أم كانت غير موصلة ، فلا فرق بينهما من هذه الناحية ومن هذه الجهة.

مضافا الى انه لا إشكال في سقوط الامر الغيري المتعلق بالمقدمة بمجرد الإتيان بالمقدمة من دون انتظار ترتب ذي المقدمة عليها في الخارج ، فاذا أمر المولى عبده او ابنه بشراء اللحم فقد أوجب عليه دخول السوق غيريا ، فبمجرد أن دخل السوق سقط الامر الغيري اذ لا يعقل بقاء الامر الغيري بعد دخول السوق لاستحالة طلب الحاصل فلو كان ترتب ذي المقدمة على المقدمة معتبرا في وقوعها على صفة الوجوب لما سقط وجوبها قبل ترتب ذيها عليها كما لا يخفى.

قوله : واما ترتب الواجب فلا يعقل ان يكون ... الخ اشارة الى دفع التوهم الذي أورد من جانب صاحب (الفصول) قدس‌سره في هذا المقام وهو : فاي مانع من ان يكون الغرض من الامر بالمقدمة ترتب ذي المقدمة عليها» ، وهو الباعث على ان المولى أمر بها ، او لحكم العقل بالملازمة بين وجوب الشيء وبين وجوب مقدمته؟

ومن الواضح ان هذا الغرض يترتب على المقدمة الموصلة فقط ، ولا يترتب على غير الموصلة منها. فاذا كان الغرض من الامر بالمقدمة ترتب ذي المقدمة والوصول اليه فلا بد ان يكون الايصال شرطا في وجوبها.

٣٨٠