البداية في توضيح الكفاية - ج ١

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ نهضت
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-0-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٤٤٨

وعلى الطلب الوجوبي المقيد على مختار المصنف صاحب (الكفاية) قدس‌سره.

قوله : كما هو الحال فيما اذا اريد منها المطلق ... الخ اي كما أن تعدد الدالّ وتعدد المدلول موجودان فيما اذا اريد من الصيغة طلب المطلق الذي يقابل المقيد وينعقد الاطلاق لتمامية مقدمات الحكمة. فان استعمالها في هذا المورد يكون على نحو تعدد الدالّ والمدلول ، فان الصيغة تدل على الطلب ، ومقدمات الحكمة على الاطلاق.

فبالنتيجة : يكون استعمالها في الطلب المطلق مثل استعمالها في الطلب المقيد في هذا المورد وهو تعدد الدال وتعدد المدلول ، ولا يكون استعمالها على نحو تعدد الدال وتعدد المدلول اذا اريد منها الطلب المبهم الذي يكون مقسما للمطلق والمقيد والذي يكون بعنوان اللابشرط المقسمي المعروض للاطلاق والتقييد.

فبالنتيجة : اذ أحرز ان المولى في زمن خطابه يكون في مقام البيان وفي صدد بيان تمام غرضه علم حينئذ ان المراد من الصيغة هو الطلب المطلق الذي يشمل ما قبل حصول الشرط وما بعده. واذا لم يحرز ان المولى في مقام البيان أو لا انكشف حينئذ ان المراد من الصيغة هو الطلب المبهم الذي يكون مقسما لهما ، اي للاطلاق والتقييد ، وهو اللابشرط المقسمي وهو الذي لا يكون استعمال الصيغة على نحو تعدد الدال والمدلول فيه.

قوله : فافهم وهو اشارة الى ان كل واحد من الاطلاق والتقييد ـ وان كان بدال آخر غير الصيغة ، اذ مقدمات الحكمة على فرض تماميتها تدل على اطلاق الطلب من الصيغة والشرط يدل على تقييد الطلب منها به ـ ولكن الفرق موجود بين الاطلاق والتقييد. فالأول يحرز بمقدمات الحكمة وهي قرينة معنوية بل قرينة عقلية. والثاني يحرز بالقرينة اللفظية من الشرط والحال ونحوهما. مثال الشرط نحو : (ان جاءك زيد يوم الجمعة فاكرمه). ومثال الحال نحو : (اطعم زيدا فقيرا او جائعا). ومثال المصدر نحو : (اضربه ضربا شديدا او ضربا كثيرا). ومثال المفعول له نحو : (اضربه تأديبا له). ففي الامثلة يكون المراد طلب المقيد لا الطلب المطلق. إذ المقصود في الأول إكرام زيد بشرط مجيئه يوم الجمعة ، وفي الثاني إطعامه في حال

٣٢١

كونه فقيرا ، وفي الثالث الضرب الشديد ، وفي الرابع الضرب التأديبي.

المعلّق والمنجّز :

قوله : ومنها تقسيمه الى المعلّق والمنجّز قال في (الفصول) انه ينقسم ... الخ ومن تقسيمات الواجب ، تقسيمه الى الواجب المعلّق ، والى الواجب المنجّز. قال في (الفصول) ان الواجب ينقسم باعتبار آخر ، غير الاعتبار الذي ينقسم الواجب لاجل هذا الاعتبار الى الواجب المطلق والى الواجب المشروط ، الى ما يتعلق وجوبه بالمكلف ولا يتوقف حصول ذاك الوجوب على امر غير مقدور للمكلف مثل وجوب المعرفة باصول الدين ويسمّى هذا الواجب بالواجب المنجز. والى ما يتعلق وجوبه بالمكلف ويتوقف حصوله على امر غير مقدور له ويسمّى هذا واجبا معلقا.

فان قيل : انه لم سمّي الاول واجبا منجزا والثاني واجبا معلقا؟

قلنا : لأن التسمية لتنجّز التكليف والوجوب وثبوته من غير توقف على امر آخر ولتعليق الوجوب والتكليف على امر آخر غير مقدور له كالحج ، فان وجوبه يتعلق بالمكلف من اول زمن الاستطاعة ، او من اول زمان خروج الرفقة ، ولكن يتوقف فعله على مجيء وقته وهو غير مقدور له.

والفرق بين الواجب المعلق (الفصولي) والواجب المشروط المشهوري ، هو ان التوقف في الثاني (المشهوري) على امر غير مقدور للمكلف إذ وجوب الاكرام متوقف على المجيء (أي مجيء زيد) وقبله لا وجوب اصلا ، وفي الاول (الفصولي) يكون التوقف على امر مقدور للمكلف هو عبارة عن الاكرام. انتهى كلامه رفع مقامه.

انكار الشيخ الواجب المعلّق :

قوله : لا يخفى ان شيخنا العلامة اعلى الله تعالى مقامه ... الخ والشيخ الانصاري قدس‌سره حيث ارجع جميع القيود في الخطاب التعليقي الى المادة وقال انه يستحيل ان يكون

٣٢٢

معنى الهيئة مشروطا بشرط ومقيدا بقيد نظرا الى ان مفاد الهيئة فرد من الطلب وهو مما لا يقبل التقييد ، والوجوب فعلي حالي عند الشيخ في كل الواجبات المشروطة.

لهذا انكر الواجب المعلق على صاحب (الفصول) قدس‌سره حيث قال ان للواجب قسمين : المطلق والمشروط الذي يكون القيد فيه راجعا الى المادة ، والوجوب فعليا مطلقا والواجب خاصا استقباليا ، فذاك الواجب يكون مشروطا.

فبالنتيجة : ان الواجب المعلق الفصولي هو عين الواجب المشروط الشيخي لذهاب كل واحد منهما فيهما الى رجوع القيد الى الواجب والى كون الوجوب فعليا مطلقا ، كما ان الواجب المطلق عين المنجز ، فلا جدوى ولا ثمرة في هذا التقسيم بل يكفي تقسيم الواجب الى المطلق والمشروط.

فبالنتيجة : الشيخ الانصاري قدس‌سره حيث اختار في الواجب المشروط تقييد المادة وتقييد الواجب بالشرط ، واطلاق الهيئة والوجوب ، وجعل الشرط لزوما من قيود المادة ثبوتا اي لبا ، واثباتا اي دليلا ، وادعى امتناع كونه من قيود الهيئة كذلك اي ثبوتا واثباتا اي لبا وعقلا ودليلا وبرهانا ، لان مقتضى دليله الاول كما سبق ، هو امتناع كون الشرط من قيود الهيئة لبا وواقعا ولفظا ودليلا ، مع اعتراف الشيخ بان رجوع القيد والشرط الى المادة على خلاف القواعد العربية المقتضية لرجوع القيد الى الهيئة ، والمراد منها ظهور الجملة الشرطية بحسب متفاهم العرف واهل اللسان ، كما ان مقتضى دليله الثاني : لزوم رجوع القيد الى المادة لبا ودليلا.

اذا علم هذا فقد يصير الواجب المعلق عين الواجب المشروط لانه في كليهما وجوب فعلي وواجب استقبالي فليس معنى الآخر للمعلق المقابل للمشروط معقولا.

قوله : كما يشهد به ما تقدم آنفا عن البهائي ... الخ ويشهد ، بدعوى الشيخ ان رجوع القيد الى المادة لبا وعقلا يكون على خلاف القواعد العربية ، تصريح الشيخ البهائي قدس‌سره بان لفظ الواجب مجاز في المشروط بعلاقة الاول او بعلاقة المشارفة فلو كان الشرط راجعا الى المادة عند المشهور وعند شيخنا البهائي قدس‌سره فلا محالة يكون الطلب مطلقا والوجوب فعليا حاليا فلا دليل لكون اطلاق لفظ الواجب

٣٢٣

المشتق مجازا في المشروط لتلبس المأمور به بالمبدإ في حال النسبة كما لا يخفى.

قوله : ومن هنا انقدح انه في الحقيقة انما انكر الواجب المشروط بالمعنى الذي يكون ... الخ فالشيخ يقول ان للواجب قسمين فقط هما : المطلق والمشروط وانكر الواجب المعلّق ، فعلم مما تقدّم ان هذا الانكار على خلاف التحقيق.

وعلم أيضا مما تقدم انه انكر الواجب المشروط المشهوري ولم ينكر الواجب المعلق الفصولي ، اذ هو قائل برجوع القيد والشرط الى المادة ، فينفي الواجب المشروط المشهوري ولا ينفي الواجب المعلق الفصولي ، لان الشيخ تصور الواجب المشروط على طبق الواجب المعلق الذي يلتزم به صاحب (الفصول). غاية الامر ان الشيخ يسمّي هذا الواجب بالواجب المشروط ، وان صاحب (الفصول) يسمّي هذا الواجب الواجب المعلق ، فالاختلاف بين (الفصول) والشيخ في الاسم لا في المسمى.

نعم يمكن ان يرد الإشكال على صاحب (الفصول) قدس‌سره وهو انه لا فائدة ولا ثمرة لهذا التقسيم ، اي تقسيم الواجب الى المنجز والى المعلق في باب المقدمة ، اذ هما من الواجب المطلق لانه ينقسم الى قسمين : احدهما منجز ، وثانيهما معلق ، ومقدمتهما واجبة ، لان الوجوب فعلي فيهما ، وان كان الواجب فعليا ايضا في الاول واستقباليا في الثاني.

والحال ان وجوب المقدمة فعلا من اثر اطلاق الوجوب وحاليته الذي يشترك فيه المطلق والمعلق وليس وجوب المقدمة فعلا من اثر حالية الواجب وعدم وجوبها فعلا من اثر استقبالية الواجب ، حتى يترتب على هذا التقسيم ثمر في باب المقدمة.

فهذا التقسيم ليس مثمرا فيما نحن فيه ، وهو وجوب المقدمة وعدم وجوبها ، فالاول في الواجب المطلق ، والثاني في الواجب المشروط. والحال ان تقسيم الواجب غير المثمر في هذا الباب كثير ، لان الواجب ينقسم الى التعبدي والتوصلي ، والعيني والكفائي ، وغيرها ، ولكن ليس مثمرا هنا ، فذكر هذا التقسيم دون غيره ترجيح بلا مرجح.

٣٢٤

نعم تقسيم الواجب الى المطلق والمشروط بالمعنى الذي ذكر ، وهو ان اصل الوجوب المشروط يكون مثمرا فيما نحن فيه ، اذ ليست مقدمات الواجب المشروط مثل مقدمات الواجب المطلق كما سبق تفصيلها فراجع.

قوله : فافهم وهو اشارة الى ان التقسيم كان لدفع الخلط وعدم التمييز بين المشروط وبين المعلق المؤدي الى الإشكال في وجوب بعض المقدمات قبل الوقت كما سيأتي.

فمقصود صاحب (الفصول) قدس‌سره من هذا التقسيم لا يكون بيان الثمرة بين المعلّق والمنجّز حتى يشكل عليه انه لا ثمرة بينهما ، نظرا الى ان الاثر مترتب على حالية الوجوب وفعليته وهي مشتركة بينهما ، بل مقصوده من هذا التقسيم بيان الثمرة بين المعلق والمشروط ، فعلى المشروط لا يكون الوجوب حاليا عند المشهور وعند المصنف صاحب (الكفاية) قدس‌سره.

فبالنتيجة : لا يمكن القول بوجوب الغسل غيريا قبل مجيء الغد ، وعلى المعلق يكون وجوبه حاليا ، فيمكن القول حينئذ بوجوب الغسل قبل مجيء الغد ، وهذا لا اشكال فيه كما هو ظاهر.

الفرق بين المشروط والمعلّق :

قوله : ثم انه ربما حكي عن بعض اهل النظر من اهل العصر اشكال في الواجب ... الخ فاستشكل المحقّق السيد محمد الاصفهاني قدس‌سره على الواجب المعلّق بان الطلب الانشائي في التشريعيات يكون في قبال الارادة المحركة للعضلات نحو المراد في التكوينيات ، فكما ان الارادة فيها لا تنفك عن المراد وان كان المراد متأخرا رتبة ، فليكن الطلب الانشائي في التشريعيات ايضا غير منفك عن المطلوب وان كان المطلوب متأخرا رتبة.

وعلى هذا فلا يعقل ان يكون الطلب في الواجب المعلق حاليا والوجوب فعليا ، والمطلوب متأخرا عن الطلب زمانا والواجب استقباليا ، هذا حاصل الإشكال.

٣٢٥

فاجاب المصنف قدس‌سره عنه بنحوين :

احدهما : المناقشة في المقيس عليه. وثانيهما : المناقشة في المقيس.

اما المناقشة في المقيس عليه فهي ان الارادة في التكوينيات ، كما تتعلق بامر حالي فلا تنفك حينئذ عن المراد زمانا ، فكذا قد تتعلق بامر متأخر استقبالي فتنفك حينئذ عنه زمانا ، كما اذا تعلقت ارادته بالمسافرة في الصيف الى بلاد الشام او الى بلاد الهند مثلا ، فيكون فعلا بصدد مقدمات المسافرة من الزاد والراحلة والرفقة وجواز السفر وتحصيل معداتها في الحال الحاضر ، فلو لم تتعلق الارادة من الآن بالمسافرة بعدا لما المريد فعلا بصدد تكميل المقدمات وتحصيل معداتها.

فبالنتيجة : الارادة كما تتعلق بامر مقارن كذلك تتعلق بامر متأخر ، بل يكون جميع الغايات والاغراض متأخرا عن الارادة بزمان قليل كما اذا قلت مقدمات المراد ، أو بزمان كثير كما اذا كثرت مقدماته.

واما المناقشة : في المقيس فان الطلب الانشائي لا يكاد يتعلق إلّا بامر متأخر زمانا ، فان الطلب من الغير ليس إلّا لان يتصور الغير ويتصور متعلقه وما يترتب على امتثاله من المثوبة وعلى عصيانه من العقوبة ، فيصير هذا التصور داعيا لحركته نحو المطلوب فيأتى به في الخارج ، وهذا مما يحتاج الى فصل زماني بين الانشاء وبين تحقق المنشإ في الخارج سواء كان قصيرا أم كان طويلا.

وعليه فلا يمكن وقوع المطلوب خارجا الا بعد زمان الطلب ، فكيف يدعى وقوع المطلوب في زمان الطلب. ولعل الذي اوقع المستشكل في الغلط ما قرع سمعه من تعريف الارادة بالشوق المؤكّد المحرّك للعضلات نحو المراد فتوهم ان تحريكها نحو المراد لغو وعبث بل غير معقول.

والحال انه غفل عن ان كون الشوق المؤكد محركا للعضلات نحو المراد لا يلزم منه التحريك نحو المراد الاصلي الذي هو عبارة عن ذي المقدمة ، بل قد يكون التحريك بعد الشوق المؤكد الشديد الذي يكون بعد ارادة الشيء وقصده جانب المراد الاصلي اذا لم تكن المقدمات له.

٣٢٦

وقد يكون نحو مقدمات المراد الاصلي اي المراد التبعي الغيري اذا كانت المقدمات للمراد الاصلي سواء كانت قليلة أم كانت كثيرة. فحركة العضلات أعم من ان تكون نحو المراد بنفسه ، كما اذا كان المراد مما لا مئونة له ، مثل ما اذا عطش المولى فاحتاج الى الماء وقد اراد شربه ، والماء موجود عنده فحينئذ يمدّ اليد اليه ويشرب منه.

أو تكون نحو مقدمات المراد ، كما اذا كان المراد مما له مقدمات ومئونة مثل الارادة للسفر الى بلدة من بلاد الهند مثلا ، والجامع بين الحركة نحو المراد بنفسه وبين الحركة نحو مقدمات المراد هو التحريك ، والمقصود ان كلا منهما يكون جانب المراد فقياس الاولى بالثانية جائز لوجود الجامع بينهما.

غاية الامر ان الاولى نحوه بلا واسطة. والثانية نحوه مع الواسطة ، اي مع واسطة المقدمات. فكون الارادة هو الشوق المؤكد الذي لا يتعلق بامر متأخر زمانا باطل بلا وجه ، كما يقوله المحقق السيد الاصفهاني قدس‌سره ، بل جميع اوامر المولى بعبيده انما يكون لاجل ايجاد الداعي في أذهانهم ، بالاضافة الى ايجاد مراد المولى في الخارج وهو متأخر رتبة وزمانا ، فلا يتفاوت عند العقل الحاكم في هذا المقام قلة الزمان وكثرته ، وقصره وطوله.

فالارادة تتعلق بامر متأخر زمانا ، ويكون تحريك العضلات نحو المتأخر ، كما انها تكون كذلك فكذا الايجاب والطلب يكون لأمر متأخر وهو ممكن عقلا لا محذور فيه. هذا مضافا الى انه يمكن منع عدم الانفكاك بين الارادة التشريعية والمراد ، وان كان الانفكاك بين الارادة التكوينية والمراد محالا وهذا هو الفرق بينهما كما سبق.

قال المصنف قدس‌سره : ولعمري ، ان ما ذكرنا واضح لا غبار عليه ، ولكن اطناب الكلام في هذا المورد انما هو لرفع المغالطة والاشتباه الذين وقعا في اذهان بعض الطالبين للعلم ، كما وقع في ذهن المعترض المذكور.

فان قيل : ما الفرق بين الاطناب والتطويل؟

٣٢٧

قلنا : ان اللفظ والمعنى اما أن يكونا متساويين او لا. فالاول يسمى المساواة. والثاني اما أن يكون اللفظ قليلا والمعنى كثيرا فهو الموجز ، واما يكون اللفظ كثيرا والمعنى قليلا فهو لا يخلو من وجهين :

احدهما : ان تكون زيادة اللفظ لفائدة كحبّ المتكلم زيادة الكلام مع المخاطب فهو يسمى بالاطناب كما وقع لموسى عليه‌السلام مع الباري جلّ جلاله.

وثانيهما : ان تكون لغير فائدة فهذا تطويل بلا طائل. وهذا اعتذار من المصنف.

وجوب المقدمات قبل الوقت :

قوله : وربما اشكل على المعلق أيضا بعدم القدرة على المكلف به في حال البعث ... الخ واعترض على صاحب (الفصول) قدس‌سره القائل بالواجب المعلق ، ان من شرائط التكليف قدرة المكلف على اتيان المكلف به. والحال انه من حين البعث والتكليف ليس قادرا على ايجاده واتيانه ، اذ وقته لم يتحقق بعد ، والحال ان حصول الوقت غير مقدور له ، فالبعث اليه باطل ، لانه اذا فات الشرط فات المشروط.

وفيه ان الشرط انما هو القدرة على فعل الواجب في زمان فعله ، لا القدرة حال الامر ، ولا القدرة حاله وحال فعل الواجب معا. بل لم يشترط احد القدرة حال الأمر اصلا ، فحسن التكليف في الحال الحاضر مشروط بلحاظ القدرة الاستقبالية.

غاية الامر أن هذه القدرة من باب الشرط المتأخر. وقد عرفت سابقا ان الشرط المتأخر كالشرط المقارن من غير انخرام للقاعدة العقلية ، وهي تقارن العلّة مع معلولها زمانا وتقدّمها عليه رتبة وذاتا اصلا. فراجع هناك مثاله نحو : (إن استطعت فحجّ في الموسم) والمكلف قادر على اتيان الواجب اذا جاء الموسم ، ففيه يكون الوجوب حاليا والواجب استقباليا نظير الواجب المشروط عند الشيخ الانصاري قدس‌سره.

٣٢٨

اعتراض المصنف على الواجب المعلّق :

قوله : ثم لا وجه لتخصيص المعلق بما يتوقف حصوله على امر غير ... الخ اعترض على الواجب المعلق الفصولي بانه لا وجه لاختصاص الواجب المعلّق. بما يتوقف حصوله على امر غير مقدور للمكلف كما هو ظاهر (الفصول) لان الواجب المعلق يكون الوجوب فيه فعليا والواجب استقباليا ، وهو يتوقف على امر سواء كان غير اختياري للمكلف كيوم العرفة في الحج ، أم كان اختياريا متأخرا كما اذا قيل (يجب عليك الآن ان تكرم زيدا بعد زيارتك له غدا) فان الزيارة المعلق عليها الفعل والاكرام امر مقدور للمكلف مع انها متأخرة عن زمان الوجوب فهذا واجب المعلق الفصولي ، فاخذ أمر المقدور على نحو يكون الامر المتأخر المقدور موردا للتكليف ويترشح عليه الوجوب من الواجب بان كان وجود الزيارة مطلقا اي سواء كان في الغد أم كان من باب الاتفاق ، قيدا للواجب الذي هو الاكرام نظير الطهارة للصلاة ، او لا يكون كذلك بان كان وجود الزيارة في المثال المتقدم مقيدا بالاتفاق قيدا للواجب.

فبالنتيجة : لا فرق في الواجب المعلّق بين ان يكون الامر المتأخّر المقدور موردا للتكليف ويترشح عليه الوجوب من الواجب او لا يكون موردا للتكليف.

وبعبارة اخرى وهي انه لا فرق في الواجب المعلق بين ان يكون الامر المتأخر واجب التحصيل مقدمة للواجب نظير الطهارة للصلاة ، وبين ان لا يكون واجب التحصيل ، اذ وجوده الاتفاقي لا وجوده الشرطي ملحوظ للواجب لعدم التفاوت فيما هو مقصود صاحب (الفصول) في الواجب المعلق من وجوب تحصيل المقدمات مقدورا للمكلف مثل تحصيل مقدمات الزيارة ، وبين كونه غير مقدور له كالموسم للحج فكما يكون نحو (ان استطعت فحج في الموسم ويوم عرفة) واجبا معلقا ، فكذلك مثل (يجب عليك الآن ان تكرم زيدا بعد زيارتك له غدا) لثبوت الوجوب الحالي على فرض مقدورية الامر المتأخر ، وعلى فرض عدم مقدوريته للمكلف ، فيترشح حينئذ من ذي المقدمة على المقدمة على القول بالملازمة العقلية بين وجوبهما ولا يترشح الوجوب من ذي المقدمة في الواجب المشروط الى

٣٢٩

المقدمة لعدم ثبوت الوجوب الحالي فيه الا بعد حصول شرطه وهو واضح.

بيان الشرط المتأخر :

قوله : نعم لو كان الشرط على نحو الشرط المتأخر وفرض وجوده ... الخ هذا استدراك عن قوله : دونه اي لا يكون الوجوب حاليا في الواجب المشروط الا بعد حصول الشرط ، إلّا ان الوجوب فيه حالي اذا فرض الشرط مفروض الحصول في موطنه مع كون الواجب متأخرا أيضا كالشرط ، نحو (ان جاءك زيد في يوم الجمعة فمن الآن اوجب عليك اطعامه في ذلك اليوم) ، فاذا فرض تحقق الشرط في موطنه فمن الآن يجب علينا اطعام زيد في يوم الجمعة ، فاذا كانت للاطعام مقدمات وجودية فمن الآن وفي وقت الخطاب تتصف بالوجوب قبل مجيء يوم الجمعة ، فيكون الوجوب المشروط بالشرط المتأخر حاليا ايضا ، فيكون وجوب سائر المقدمات الوجودية للواجب ايضا حاليا كما كان اصل الوجوب حاليا ، فحينئذ يلزم وجوب المقدمات قبل زمان الواجب في الواجب المعلق وفي الواجب المشروط على نحو الشرط المتأخر ، ولا فرق بين هذا القسم من الواجب المشروط وبين الواجب المعلق ، الا كون الوجوب في الواجب المشروط مرتبطا بالشرط ، اذ لا وجوب فيه ، إلّا ان يفرض وجود الشرط المتأخر في موطنه ، فالوجوب مرتبط بفرض وجود الشرط في موطنه.

بخلاف المعلق ، فانه لا يرتبط وجوبه بالشرط وان ارتبط به الواجب بحيث يكون ظرف الواجب بعد حصول الشرط.

فقد ذكر بعض خلاصة الكلام في هذا المقام وهو لا يخلو من فائدة فلذا يذكر ، فيقال ان السيد الاصفهاني قدس‌سره انكر الواجب المعلق مستدلا بان في الواجب المعلق الفصولي تفكيك الارادة عن المراد ، كما لا يمكن التفكيك في الارادة التكوينية فكذا لا يمكن في الارادة التشريعية ، واشكل على السيد الاصفهاني قدس‌سره المصنف قدس‌سره بثلاث اشكالات :

٣٣٠

الاول : عدم لزوم التحريك الفعلي نحو المراد في الارادة التكوينية ، فيمكن التفكيك بين الارادة التكوينية وبين المراد فكذا التشريعية ، وقد اشار المصنف الى هذا الإشكال بقوله : «بل مرادهم من هذا الوصف في تعريف الارادة اي مرادهم من حركة العضلات في تعريف الارادة بانها الشوق المؤكد المحرك للعضلات ، ليس المراد الحركة الفعلية لامكان تعلق الارادة بامر متأخر ، إذ ليس لهذا الامر المتأخر وجود اصلا ، فلا حركة في البين فعلا لا نحو الفعل لتأخره ولا نحو المقدمات لفقدها بل الارادة تكون الحركة الشانية ، اي ان الارادة هي الشوق الاكيد البالغ بحد لو تعلق الشوق بامر حالي او بامر متأخر استقبالي تكون له مقدمات لأوجب ذلك حركة العضلات اما نحو المراد بنفسه كما في الامر الحالي ، واما نحو المقدمات كما في الامر الاستقبالي».

الثاني : على فرض تسليم كون التحريك فعليا لا شانيا لا نسلم لزوم كون التحريك نحو المراد الاصلي ، بل قد يكون نحو المراد الاصلي اذا لم تكن له مقدمات ، كحركة نفس العضلات ، وقد يكون نحو المراد التبعي اذا كانت للمراد الاصلي مقدمات فيمكن التفكيك حينئذ ، اي اذا كان التحريك نحو المراد التبعي بين الارادة وبين المراد أيضا فكذلك التشريعية ، واشار المصنف قدس‌سره الى الإشكال الثاني بقوله : وقد غفل المحقق الاصفهاني قدس‌سره عن ان كون ... الخ.

الثالث : اذا فرض تسليم المقيس عليه وقلنا بلزوم اتصال الارادة التكوينية بالمراد الاصلي لكن لا نسلم هذا الاتصال في الارادة التشريعية ، بل هي لا تتصل بالمراد دائما ، واشار المصنف قدس‌سره الى الإشكال الثالث بقوله : «هذا مع انه لا يكاد يتعلق البعث في الانشائيات إلّا بامر متأخر ...».

موارد وجوب المقدمة قبل وجوب ذي المقدمة :

قوله : تنبيه قد انقدح من مطاوى ما ذكرناه ان المناط في فعلية وجوب المقدمة ... الخ وللتنبيه معنيان : احدهما : لغوى بمعنى الايقاظ. وثانيهما : اصطلاحي بمعنى

٣٣١

استحضار ما سبق من المطالب الماضية ، وانتظار ما سيأتي. والغرض من ذكر هذا التنبيه في هذا المقام رفع الإشكال والعويصة ، وخلاصتها انه لا اشكال في ان الاصوليين قد صرحوا بتبعية المقدمة لذي المقدمة في الاطلاق والاشتراط ، بل لا يمكن عقلا اتصاف المقدمة بالوجوب الغيري من قبل اتصاف ذي المقدمة بالوجوب النفسي ، ومع ذلك قد حكموا في الموارد الكثيرة بوجوب المقدمة قبل وجوب ذي المقدمة.

منها : حكمهم بوجوب الغسل على المحدث بالاكبر مثل الجنابة والحيض والنفاس والاستحاضة الكثيرة او المتوسطة في الليل من قبل ان يطلع الفجر الصادق مقدمة للصوم المتعين في الغد.

ومنها : حكمهم بوجوب السعي الى الحج على المستطيع النائي قبل يوم عرفة مقدمة للحج.

ومنها : حكمهم بوجوب حفظ الماء للوضوء من قبل دخول وقت الصلاة اذا علم المكلف بعدم التمكن من الماء للوضوء بعد دخول الوقت.

ومنها : حكمهم بوجوب معرفة القبلة لمن اراد السفر الى البلدان النائية وغيره. ولاجل هذا الإشكال قد التزم المحقق صاحب (الحاشية) قدس‌سره في هذه الموارد بالوجوب النفسي لا المقدمي الغيري ، وقد التزم صاحب الفصول قدس‌سره بالواجب المعلق في هذه المقامات لا الواجب المشروط ، ودفع الإشكال بهذا الطريق بان في الواجب المعلق يكون الوجوب حاليا قبل مجيء وقت الواجب وقبل اتيان الواجب ولهذا تجب مقدماته فعلا. فالوجوب فعلي قبل حصول الشرط الذي يكون شرط الواجب لا الوجوب اذ هو مطلق. والشيخ الانصاري قدس‌سره قد دفع الإشكال بان الشرط مرتبط بالمادة لا بالهيئة فالوجوب حينئذ مطلق فعلي ، والواجب يكون مقيد بالشرط الاستقبالي.

والمصنف قدس‌سره لمّا التزم بالواجب المشروط بشرط متأخر مفروض الوجود في موطنه ، كما سيأتي عن قريب ، كان الوجوب حينئذ فعليا قبل حصول الشرط اي

٣٣٢

أن وجوب ذي المقدمة يكون فعليا حاليا.

ففي هذه الموارد تكون المقدمات الوجودية للواجب ، لا المقدمات الوجوبية للواجب اذ هي غير مقدورة للمكلف ، واجبة قبل مجيء وقت الواجب كالغد للصوم والظهر للصلاة. لان المعيار في وجوبها فعلية وجوب ذي المقدمة وهي متحققة ، لان الشرط يحصل في وقته وفي موطنه ، ولهذا من الآن لا بدّ من اتيان المقدمات التي تفوت بعد حصول الشرط. فدفع الإشكال لا ينحصر بالالتزام بالواجب المعلق او بالالتزام برجوع القيد الى المادة لبا ، بل يمكن دفع الإشكال بناء على الالتزام بالواجب المشروط على نحو الشرط المتأخر.

فاذا علم ان المعيار في وجوب المقدمة فعلية وجوب ذي المقدمة ، ففي كل مورد وجوبه فعلي يكون وجوبها فعليا ايضا ، وفي كل موضع ليس وجوبه فعليا لا يكون وجوبها فعليا ايضا.

فلا بد حينئذ من تشخيص الموارد حتى يعلم الحال ، فيقال ان في الواجب المشروط بشرط سابق كالصلاة بالاضافة الى دخول الوقت وبالاضافة الى البلوغ والعقل ونحوهما ، او بشرط مقارن كالصلاة بالاضافة الى وجوب ستر العورة مثلا ، لا يكون وجوب ذي المقدمة فعليا قبل حصول الشرط ، ولهذا لم يجب تحصيل مقدمات هذا الواجب قبل حصول شرطه.

نعم يكون وجوب الواجب مطلقا اذا حصل الشرط ، واما الواجب المشروط بشرط متأخر فلا بد من ايجاد مقدماته من قبل حصول الشرط المتأخر ، مثل ايجاد مقدمات الحج قبل يوم عرفة ، اذ يوم عرفة شرط لوجوب الحج ووقت لوجوبه ، لكن الشرط متأخر فقبل مجيء يوم عرفة لا بد من اتيان سائر مقدمات الحج من قطع الطريق وغيره ، فيكون واجب التحصيل ، لان الواجب المشروط بشرط متأخر يكون الوجوب فيه فعليا.

وان كان الواجب استقباليا فمناط وجوب المقدمات قبل حصول الشرط موجود فيه ، فهي واجبة قبل مجيء وقت الواجب.

٣٣٣

واما الواجب المطلق المنجّز فعلم حكمه ، لان الوجوب فيه فعلي غير معلّق على شرط ولا مقيّد بقيد.

واما الواجب المعلّق الفصولي ، الذي يكون الوجوب فيه فعليا والواجب مقيّدا بقيد لم يحصل بعد ومقيدا بوقت لم يتحقق ، فحكمه يعلم بالاضافة الى غير المعلق عليه من المقدمات ، اذ هي واجبة التحصيل لفعلية الوجوب ، اي وجوب ذي المقدمة.

واما بالاضافة الى نفس المعلق عليه ، مثل ان يعلق وجوب الحج بالاستطاعة التي تكون شرطا للواجب وللمادة لا للوجوب والهيئة ، فيمكن ان تكون واجبة التحصيل ، لكن يتوقف وجوبها على ان تكون شرطا للواجب لا شرطا للوجوب ، فحينئذ يكون الوجوب مطلقا والواجب مقيّدا ، ولا تكون قيدا للموضوع ، ولا تؤخذ في الواجب على نحو لا يمكن طلبها.

فاذا لم يكن على هذه الانحاء الثلاثة المذكورة ، يعني أن المعلق عليه لا يكون على احد الانحاء الثلاثة ، فيكون وجوب المعلق عليه فعليا ويلزم تحصيله.

واما اذا كان على احدها فلا يجب تحصيله.

اما في الاول : فلانه اذا كان شرط الوجوب كما انه شرط الواجب على الفرض ، فمن الواضح ان وجوب الحج مشروط بالاستطاعة كما هي كذلك ، فاذا كان كذلك فلا وجوب قبل الاستطاعة لانتفاء شرط الوجوب ، وبعد الاستطاعة ، اي بعد حصولها يكون وجوب تحصيل الاستطاعة تحصيلا للحاصل وهو قبيح لا يصدر من المولى الحكيم.

واما في الثاني : فلانه اذا كانت الاستطاعة قيدا للموضوع ، مثل ان يقال (ايها المستطيع حجّ) فعلم ان تحصيل الاستطاعة لا يكون واجبا ، اذ قبل حصولها لا يكون الموضوع محققا حتى يتوجه الخطاب الى المكلف وبعد حصولها وبعد تحقق الموضوع يكون طلب الاستطاعة طلبا لامر حاصل وهو محال على المولى لانه قبيح وكل قبيح محال على المولى جلّ جلاله فهذا محال.

واما في الثالث : فلانه اذا أخذت في الواجب على نحو لا يمكن طلبها فلا

٣٣٤

يجب تحصيلها لوجهين : (اولهما) : كونه غير مطلوب. و (ثانيهما) : كونه غير مقدور بل ملاك الطلب والوجوب وجودها الاتفاقي. نعم اذا حصلت الاستطاعة لاجل امر اختياري كالتجارة والتكسب ، او لأمر غير اختياري كالارث والتمليك والهبة ، فتحدث ارادة وجوب الحج في قلب المولى.

فظهر مما ذكر ان تحصيل الاستطاعة قبل الموسم مقدمة وجودية للحج في هذه الفروض الثلاثة ليس واجبا ، فالمعلق عليه في الواجب المعلق الفصولي في الصور الثلاث ليس واجبا ، واما في غيرها فواجب التحصيل.

فالمتحصل من جميع ما ذكرنا ، انه ظهرت موارد الوجوب الفعلي لذي المقدمة حتى تكون مقدماته واجبة فعلا ، وموارد عدم وجوب ذي المقدمة فعلا كي لا تكون مقدماته واجبة فعلا ، فاندفع اشكال المقدمات الوجودية للواجب التي تكون واجبة قبل وجوب ذي المقدمة ، فوجوب المقدمة معلول ، ووجوب ذي المقدمة علّة لوجوب المقدمة.

والحال ان وجود المعلول يدل على وجود علّته السابق عليه رتبة وذاتا وإن تقارنا زمانا. وإن علم في هذه المقدمات أنّ المقدمات ليست واجبة من قبل وقت ذي المقدمة تكشّف انه لا وجه لوجوبها الغيري. والحال أن من المحال العقلي الوجوب الغيري من قبل وجوب ذي المقدمة ، لان وجوب المقدمة تابع لوجوب ذيها ، والحال ان تحقق التابع فرع تحقق المتبوع.

فإن علم ان المقدمات واجبة ، وثبت وجوبها بالدليل او بالاجماع مع انه قد علم عدم وجوب ذي المقدمة فعلا ، فلا بد من ان يحمل وجوبها على وجوب نفسي تهيّئي وفائدته التمكن من فعل الواجب وتهيّؤ المكلف لفعل الواجب في وقته كالصلاة والصوم والحج والجهاد والامر بالمعروف والنّهي عن المنكر فلا محذور فيه ايضا.

قوله : ان قلت لو كان وجوب المقدمة في زمان كاشفا عن سبق ... الخ فاذا كان وجوب احدى المقدمات كاشفا عن أنّ وجوب ذي المقدمة سابق ، اي قبل مجيء وقته فعليا ، فلا بد ان يكون جميع مقدماته الوجودية واجبا من قبل مجيء وقت

٣٣٥

الواجب ، فيكون حينئذ جميع مقدمات الصلاة من الستر للعورة والاستقبال للقبلة والطهارة عن الخبث والمكان قبل وقت الواجب.

والحال انه لم يثبت وجوبها قبل وجوب ذيها الا في الموارد المخصوصة ، فوجوب حفظ الماء من قبل دخول وقت الصلاة يدل على وجوب جميع مقدمات الصلاة من قبل دخول وقتها لاتحاد حكم الامثال فيما يجوز وفيما لا يجوز.

وثانيا : لان وجوب احدى المقدمات من قبل وقت ذي المقدمة كاشف آنيا عن وجوب ذي المقدمة الذي هو عبارة عن وجود المعلول نصل منه الى وجود العلّة ودال على الوجوب الفعلي لذي المقدمة.

فاذا كان وجوبه فعليا سابقا فيكون جميع مقدماته واجبا قهريا ، ولو كان واجبا موسعا بحيث يجوز للمكلف الإتيان بالمقدمات في زمان الواجب كالوضوء للصلاة والحال انه لا يجب تحصيل المقدمات من قبل مجيء وقت الواجب الموسع ، ولا تجب المبادرة الى ما لم يقم دليل بالخصوص على وجوب الإتيان به من قبل ذيها ولو فرض عدم تمكنه منها في وقت الواجب لو لم يبادر اليها.

فاجاب المصنف قدس‌سره عن هذا الإشكال بقوله نعم يلزم على تقدير وجوب احدى المقدمات من قبل مجيء وقت الواجب كحفظ الماء للوضوء من قبل دخول وقت الصلاة وجوب سائر المقدمات ، لان الوجوب الغيري الترشحي معلول للوجوب النفسي فاذا ثبت النفسي قبل الوقت ثبت الغيري كذلك ولا تختلف المقدمات في الوجوب الغيري إلّا اذا أخذت في الواجب من قبل سائر المقدمات قدرة خاصة هي القدرة على سائر المقدمات قبل مجيء زمان الواجب ، لان كل واجب ـ سواء كان نفسيا أم كان غيريا ـ مشروط بالقدرة اي كانت هذه القدرة الخاصة المذكورة شرطا للتكليف.

فاذا انتفت هذه القدرة بعد مجيء وقت الواجب فالمكلف لا يخلو من حالين إما يسقط عنه التكليف ، او يلغي الشرط عن الشرطية ، فيصلّي حينئذ في الثوب المتنجس ، فلا يلزم حينئذ من وجوب إحدى المقدمات وجوب سائر المقدمات من

٣٣٦

قبل زمان الواجب ، فلا يجب اتيانه من قبل زمان الواجب.

واما اذا أخذت من ناحية سائر المقدمات غير وجوب حفظ الماء من قبل دخول وقت الواجب ، القدرة في الجملة ـ اي سواء كانت القدرة عليه قبل زمان الواجب أم كانت بعد زمان الواجب ـ ففيه تفصيل.

فاذا علم المكلف انه لا يتمكن من سائر المقدمات في وقت الواجب تعيّن الإتيان به من قبل مجيء وقت الواجب لوجود الشرط وهو القدرة على اتيان سائر المقدمات.

واذا علم انه قادر على اتيانه من بعد مجيء زمان الواجب ، كما انه قادر على الإتيان من قبل زمان الواجب ، فاذن يتخيّر في الإتيان قبله او بعده.

فبالنتيجة : لو قام دليل على شرطية القدرة على الواجب التي هي مرتبطة بالقدرة على مقدماته في خصوص زمان الواجب فلا تجب المقدمات قبل وقت الواجب في هذا الفرض ، وان علم بعدم التمكن من المقدمات بعد خروج وقت الواجب ، لان العلم المذكور في هذا المورد يوجب العلم بانتفاء التكليف لانتفاء شرطه وهو القدرة عليه في زمانه ووقته.

فاذا انتفى التكليف بالنفسي فقد انتفى التكليف بالغيري ، لانه تابع له ، فاذا انتفى المتبوع فقد انتفى التابع. وعلى هذا لا نلتزم بوجوب سائر المقدمات من قبل وقت الواجب.

اما اذا قام الدليل على شرطية القدرة على الواجب من زمان الوجوب الى زمان الواجب ، فنلتزم بوجوبها عليه بسبب بعض مقدماته الذي هو واجب من قبل دخول وقت الواجب ، كوجوب السعي للحج قبل الموسم ، وهو لا يمنع عن ثبوت الوجوب الغيري للمقدمات الأخر قبل الوقت ، اذا علم بعدم القدرة عليها بعد مجيء وقت الواجب ، فنلتزم بوجوب المقدمات قبل وقت الواجب ، اذ القدرة على المقدمات قبل الوقت توجب القدرة على الواجب في وقته ، لان المقدور بالواسطة مقدور ، فيحصل الشرط ، فاذا حصل الشرط ، وهو وجوب المقدمات الذي يوجب

٣٣٧

القدرة على الواجب في وقته ، فيثبت الوجوب النفسي ويتبعه الوجوب الغيري للمقدمة من قبل وقت الواجب ، اذا علم ما ذكرنا فقد نلتزم بوجوب جميع المقدمات ولا اشكال ولا محذور فيه اصلا.

قوله : فتدبّر جيدا فتدبر التفكيك بين الوجوب النفسي وبين الوجوب الغيري ، كما في الصورة الاولى.

ترجيح اطلاق الهيئة على اطلاق المادة :

قوله : تتمة قد عرفت اختلاف القيود في وجوب التحصيل وكونه موردا للتكليف وعدمه فان علم حال القيد ... الخ الكلام في دوران امر القيد بين الرجوع الى الهيئة او المادة ، الغرض من عقد هذه التتمة هو بيان مقتضى القاعدة في دوران امر القيد بين الرجوع الى الهيئة وبين رجوعه الى المادة.

قال المصنف قدس‌سره : انك قد عرفت سابقا اختلاف القيود في وجوب التحصيل وعدم وجوبه. وتفصيل ذلك : ان القيد ان كان راجعا الى الهيئة المسمى بالمقدمة الوجوبية ، او كان مأخوذا عنوانا للمكلف نحو (المستطيع يحج) و (المسافر يقصّر) او كان راجعا الى المادة وكان غير اختياري كالوقت والاستطاعة ، او كان اختياريا قد اخذ على نحو لا يترشح اليه الوجوب نحو (صلّ عند ما تطهرت) و (حجّ عند الاستطاعة) لم يجب تحصيل القيد.

اما في الاول : فلانه لا وجوب قبل وجود القيد والشرط حتى يجب تحصيل القيد مقدمة للواجب.

واما في الثاني : فلان الحكم يتوقف على العنوان للموضوع ، وتحصيل العنوان الذي هو قيد الحكم والوجوب ليس واجبا.

واما في الثالث : فلكون القيد غير مقدور للمكلف ، والحال ان التكليف فرع القدرة.

واما في الرابع : فلعدم ترشح الوجوب من الواجب الى القيد الذي هو

٣٣٨

المقدمة الوجودية للواجب كالطهارة للصلاة.

وان كان راجعا الى المادة وكان اختياريا قد اخذ على نحو يترشح اليه الوجوب مثل (صلّ عن طهارة) و (حجّ عن استطاعة) فيجب تحصيل القيد لكون الوجوب حاليا فيجب تحصيل القيد مقدمة.

فان علم حال القيد وانه راجع الى الهيئة او الى المادة فان كان في مقام الاثبات ما يعيّن به حال القيد بحيث يكون الكلام عند اهل اللسان ظاهرا في الرجوع الى الهيئة او الى المادة فحسن.

وان جهل حاله فلم يعلم انه راجع الى الهيئة والوجوب او انه راجع الى المادة والواجب فالمرجع حينئذ هو اصالة البراءة عن وجوب تحصيل القيد.

فبالنتيجة : اذا فقد الدليل الاجتهادي وصلت النوبة بالدليل الفقاهتي ، وهو اصل البراءة في هذا المقام لفقد النص والحال ان الشك في التكليف لا في المكلف به وهو مجرى البراءة كما قرّر في محلّه وهو ظاهر.

قوله : وربما قيل في الدوران بين الرجوع الى الهيئة او المادة بترجيح الاطلاق ... الخ قال الشيخ قدس‌سره اذا دار امر القيد بأنه هل هو راجع الى الهيئة او المادة فيكون اطلاق الهيئة والوجوب وتقييد المادة والواجب اولى محتجا بوجهين :

دليل الشيخ على مدعاه :

الاول : ان اطلاق الهيئة شمولى كالعام بالنسبة الى افراده نحو اكرم العلماء ، فان الطلب ثابت على كل حال وفي كل تقدير لا في حال دون حال ولا في تقدير دون تقدير ، لانه اذا كانت الهيئة مطلقة كان الوجوب مطلقا حاليا ويكون الواجب مقيدا بقيد ، فوجوب اكرام زيد ثابت سواء جاء أم لم يجئ.

بخلاف ما اذا كانت المادة مطلقة ، لان اكرام زيد ثابت اذا كان جائيا فقط فاطلاق الهيئة والوجوب شمولى واستغراقي كاللفظ العام الاستغراقي واطلاق المادة بدلى كاللفظ المطلق بالنسبة الى افراده اذ المطلوب منها فرد واحد من الاكرام من

٣٣٩

نحو (ان جاءك زيد يوم الجمعة فاكرمه) وهو إكرامه بشرط المجيء لا جميع افراده ومصاديقه.

ومن الواضح ان الاطلاق الشمولى سواء كان افراديا كما في العام الاستغراقي ام كان احواليا كما فيما نحن فيه يقدم على الاطلاق البدلى كما سيأتى في مبحث العام والخاص ان شاء الله تعالى.

الثاني : ان تقييد الهيئة يوجب بطلان محل الإطلاق في المادة بخلاف العكس. مثلا : اذا قيد وجوب اكرام زيد بمجيئه في الخطاب التعليقي فلا يبقى حينئذ محل لاطلاق الاكرام بالاضافة الى المجيء ، اذ الاكرام لا ينفك عن المجيء نظرا الى مقتضى القيد ، بخلاف ما اذا قيد الاكرام بالمجيء ، اي بمجيء زيد ، فنحكم بوجوب الاكرام قبله ، أي قبل مجيئه ، كما نحكم بوجوبه بعد مجيئه ، نظرا الى مقتضى إطلاق الوجوب.

ومن الواضح انه كلما دار الامر بين تقييدين وأبطل احدهما محلّ الاطلاق في الآخر دون العكس ، كان العكس اولى. كما سيأتى في مبحث المطلق والمقيّد ان شاء الله تعالى.

فبالنتيجة : يكون تقييد إطلاق الهيئة تقييد إطلاق المادة ، لأن المادة بلا وجوب لا تنفع نفعا معتدا به ولا تثمر ثمرة.

واما تقييد إطلاق المادة فلا يضرّ باطلاق الهيئة ، اذ الوجوب مطلق حين تقييد المادة. ففي كل موضع يتردد الأمر بين التصرف في إطلاق المادة وبين التصرف في إطلاق الهيئة يكون في احدهما خلاف واحد للظاهر ، وفي الآخر خلافان للظاهر والاصل ، فلا محالة يكون الترجيح مع التقييد المستلزم لخلاف الظاهر الواحد وهو تقييد المادة.

٣٤٠