البداية في توضيح الكفاية - ج ١

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ نهضت
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-0-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٤٤٨

واما لتعارض النصين.

غاية المطلب ان الجهل بالحكم الواقعي موضوع للاصول العملية ، وهو ظرف للامارات والطرق المعتبرتين فلا ينحصر الحكم الشرعي في مؤدى الامارات والطرق والاصول العملية على القول الاظهر وهو القول بعدم التصويب كما ينحصر في مؤداها على التصويب الباطل باجماع الاصحاب قدس‌سرهم ، وان قال به بعض العامة.

مقدمة الواجب :

قوله : فصل في مقدمة الواجب ... الخ وقبل الخوض في المقصد لا بد من تقديم امور :

الاول : ان مسألة المقدمة من مسائل علم اصول الفقه وليس من مسائل علم الفقه ، ولا من مسائل علم الكلام ، ولا من مبادئ الاحكام ، ولا من المبادئ التصديقية ، وقد ذهب الى كلّ فريق. ولكن المصنف قدس‌سره قال انها من مسائل علم الاصول ، واستدلّ عليه بان البحث فيها يكون من الملازمة بين وجوب ذي المقدمة ووجوب مقدماته عقلا ، يعني إن العقل يحكم بالملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها ام لا؟ ومن الواضح ان البحث من حكم العقل بالملازمة ليس من المسائل الفرعية الفقهية. والحال انه لا بد من ان يكون موضوع المسألة الفقهية فعلا من افعال المكلف ، ومحمولها من الاحكام الشرعية مثل (الصلاة واجبة) و (الصوم واجب) وغيرهما.

وفي هذا المقام ، وان كان محمولها وجوبا ، ولكنه وجوب عقلي لا شرعي ، وموضوعها ليس فعل المكلف ، اذ هو الملازمة ، وهي ليست من فعله.

فبالنتيجة : لا يكون موضوعها فعل المكلف ، ولا محمولها حكما شرعيا ، اذ في المرحلة الاولى يكون البحث عن ثبوتها وعدم ثبوتها عقلا ، وفي المرحلة الثانية يبحث عن وجوب المقدمة وعدم وجوبها عقلا لا شرعا على رأي المصنف قدس‌سره ، فلا تنطبق القاعدة الفقهية على المسألة المقدمة بل تنطبق القاعدة الاصولية عليها ، اذ لا

٢٨١

نعني بها الا ما يصح ان يقع كبرى لقياس ينتج حكما كليا شرعيا فقهيا.

بيان القياس : انا نقول مثلا : ان الوضوء مقدمة الصلاة وكل مقدمة الصلاة واجب ، فالوضوء واجب. فاذا انضمت هذه الكبرى الكلية الى الصغرى الوجدانية أنتجت حكما فرعيا شرعيا وهو وجوب الوضوء للملازمة عقلا بين وجوب ذي المقدمة ووجوب المقدمة.

ولا يخفى ان مع هذا الانطباق لا وجه للالتزام بالاستطراد في هذه المسألة المعنونة في علم الاصول ، ولا معنى لجعلها مسألة فقهية أو مسألة كلامية أو من مبادئ الاحكام أو من المبادئ التصديقية. كما جعلها صاحب (القوانين) وصاحب (الفصول) قدس‌سره من المسائل الفرعية الفقهية ، بتقريب أن مقدمة الواجب من افعال المكلف كالتوضؤ والغسل فيبحث في وجوبها وعدمه فهي بهذا النحو فقهية.

قال المصنف قدس‌سره في رده ان البحث هنا لا يكون عن نفس وجوب المقدمة وعدمه كى تكون هذه المسألة فرعية لوجهين :

الاول : ان البحث الفقهي الصغروي لا يناسب الأصوليّ لانه ينبغي ان يكون باحثا عن الكبريات.

والثاني : انه لا وجه للاستطراد والتبعية في مثل هذه المسألة المهمة التي تترتب عليها آثار في الفقه ، بل هي من المهمات في هذا الفن ، بل يكون البحث فيها من الملازمة العقلية بين وجوبها التي هي من عوارض طلب المولى لذي المقدمة ، وبين وجوب ذيها ، لا من عوارض فعل المكلف ، كما هو شان الفقيه في علم الفقه.

فاذا علمنا من طريق البرهان العقلي بالملازمة فهو يستلزم العلم بحكم فعل المكلف ، وهو وجوب الإتيان بمقدمة الواجب كما انه لا وجه لكونها كلامية بتقريب انه تحسن المثوبة على فعلها عقلا والعقوبة على تركها عقلا ، فهي كلامية لانه يبحث في علم الكلام عن الثواب والعقاب على تقدير وجوبها.

وردّ هذا يعلم مما سبق فلا نعيده ، ومع تطبيق قاعدة الاصولى عليها لا تكون من مبادئ الاحكام ولا من المبادئ التصديقية ، بمعنى ان الحكم بوجوب المقدمة

٢٨٢

يتوقف على الملازمة ، أو ان التصديق والاذعان بوجوبها موقوفان على ثبوت الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته ، ومع إمكان كونها من المسائل الاصولية لا حاجة الى ارتكاب هذه الركيكات. كما سيأتي تفصيل هذا في بحث اجتماع الامر والنّهي ان شاء الله تعالى.

كون مسألة المقدمة عقلية :

قوله : ثم الظاهر أيضا ان المسألة عقلية والكلام في استقلال العقل ... الخ قال المصنف قدس‌سره ان في هذا المقام دعويين :

الاولى : كونها من المسائل الاصولية وقد سبق.

والثانية : كونها من المسائل العقلية لا من المسائل اللفظية ، فان البحث فيها يكون في استقلال العقل في الحكم بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته ، بحيث اذا وجب الشيء شرعا استقلّ العقل بوجوب مقدمته شرعا أيضا أو لا يرى العقل الملازمة بين وجوبيهما ، وليس الكلام في دلالة الامر بالشيء على وجوب مقدمته كما يظهر من صاحب (المعالم) قدس‌سره حتى تكون المسألة لفظية ، فانه قد استدل على نفي وجوبها بانتفاء الدلالات الثلاث المطابقية والتضمنية والالتزامية.

أما عدم المطابقة والتضمن فواضح ، وأما عدم الالتزام فلانه يشترط في الدلالة على خارج الموضوع له لزوم البين بالمعنى الأخص بحيث يستحيل تصور الملزوم بدون تصور اللازم عقلا ، كما في العمى والبصر ، أو عرفا كما في الجود وحاتم الطائي.

ومن الواضح : انتفاء اللزوم كذلك في هذا المقام ، مضافا الى انه ذكرها فى مباحث الالفاظ. فالوجهان يدلان على ان مسألة المقدمة عنده من المسائل اللفظية :

الاول : ان انتفاء الدلالات الثلاث يقتضي عدم الدلالة اللفظية.

الثاني : انه ذكرها في مباحث الالفاظ وهو يدل على كونها منها.

قال المصنف قدس‌سره ولا ربط لها بعالم اللفظ ، بل هي ترتبط بالعقل ولذا كانت

٢٨٣

عقلية. فان قيل : انكم ذكرتموها في مباحث الالفاظ فاذن لا فرق بين قولكم وقول صاحب (المعالم) قدس‌سره قلنا ان الفرق موجود وهو انه ذكرها فيها لكونها من المسائل اللفظية ، واما نحن فنذكرها تبعا للسلف ، لا لأجل كونها من الالفاظ ، اي من مسائلها.

المقدمة الداخلية والخارجية :

قوله : الامر الثاني انه ربما تقسم المقدمة الى تقسيمات ... الخ وتقسم المقدمة الى اقسام عديدة سنذكرها ان شاء الله تعالى.

ومنها تقسيمها الى داخلية وخارجية.

فالمقدمة الداخلية ، بالمعنى الأخصّ ، أجزاء المأمور به ، فهي داخلة في المركب المطلوب ويقيّد بها ويعبّر عنها ب (الأجزاء) مثل تكبيرة الإحرام والركوع والسجود والذكر والتشهد والتسليم ونحوها بالاضافة الى الصلاة المأمور بها.

ويقابلها المقدمة الخارجية بالمعنى الأعمّ وهي التي لا تكون داخلة في ماهية المأمور به ، سواء كان التقيّد بها داخلا في الواجب كشرائطه الشرعية نحو الوضوء والاستقبال والستر ونحوها ، أم لا كالكون في مكان مباح حالة الصلاة مثلا الذي يتوقف عليه وجود الواجب شرعا من دون دخله فيه تقيّدا كما لا يخفى.

فاعلم ان المقدمة بهذا التقسيم ثلاثة :

الاولى : المقدمة الداخلية بالمعنى الأخصّ وهي أجزاء المأمور به الداخلة في حقيقته تقيّدا وقيدا مثل القراءة كما هي بنفسها دخيلة فيه ومقوّمة إيّاه ، وكذا تقيّدها ، بكونها مسبوقة بتكبيرة الإحرام وملحوقة بالركوع ، دخيل في حقيقته.

الثانية : المقدمة الخارجية بالمعنى الأعمّ ويقال لها (المقدمة الداخلية بالمعنى الاعم) أيضا ، وهي الخارجة عن المأمور به قيدا والداخلة فيه تقيّدا ، مثل طهارة البدن واللباس عن الخبث والاستقبال والطهارة من الحدث وما شاكلها ، لانها خارجة عن حقيقة الصلاة المأمور بها قيدا ، ولكنها داخلة فيها تقيّدا. يعني ان المأمور به حصة من الصلاة ، وهي الصلاة المقيدة بها لا مطلقا ، وهو واضح لا غبار

٢٨٤

عليه.

الثالثة : المقدمة الخارجية بالمعنى الأخصّ ، وهي غير الدخيلة فيه قيدا ولا تقيدا ، بل إنما يتوقف وجود الواجب في الخارج عليها ، مثل الكون في مكان من الامكنة حالتها ، مثل توقف الكون في النجف الأشرف للبعيد عنه على قطع المسافة.

فان قيل : كيف تكون الإجزاء مقدمة داخلية للمأمور به ، والحال ان الإجزاء تكون عين المأمور به وهو عينها فلا مغايرة بينهما ولا اثنينية موجودة فيهما ، فيلزم ان يكون ذو المقدمة والمقدمة شيئا واحدا.

والحال انه لتوقف ذي المقدمة على المقدمة ، لا بد من مغايرتهما واثنينيتهما كى يكون ذو المقدمة موقوفا ، وكى تكون المقدمة موقوفا عليه فلا يكون للأجزاء وجود غير وجود المأمور به حتى تجب وجوبا غيريا وهو واجب نفسي ، فاذن تنحصر المقدمة بالخارجية ولا تتصور الداخلية اصلا كما لا يخفى.

قلنا : في حلّه إن الإجزاء تلحظ على نحوين :

الاول : ان تلحظ بلا شرط الانضمام والاجتماع ، وبلا شرط الانفراد. اي بلا شرط انضمام بعضها الى بعض ، لانها اذا لوحظت بشرط انفراد كل واحد منها عن الآخر فهي ليست مقدمة ، اذ جميعها مع الانضمام مقدمة. ولانها اذا لوحظت بشرط الانضمام والاجتماع صارت عين المأمور به الذي هو كلّ ومركب فلا مغايرة بينهما.

الثاني : ان تلحظ بشرط الانضمام والاجتماع. فهي على الاول مقدمة. كما انها على الثاني ذو المقدمة. فالاجزاء باعتبار الاول مقدّمة على المأمور به الذي هو ذو المقدمة لان ذوات الإجزاء معروضة للاجتماع.

ومن الواضح تقدم المعروض على العارض ، فهي مقدّمة على ذيها رتبة ، كتقدم الواحد على الاثنين ، وكتقدم الشرط على المشروط ، ومغايرة له ولو اعتبارا ولحاظا. وهي كافية في كونها متصفة بالمقدمية وبالوجوب الغيري.

فالمقدمة الداخلية بأسرها بما هي هي ، وذو المقدمة هو الأجزاء بشرط الانضمام والاجتماع. فالمغايرة الاعتبارية واضحة بين الماهية لا بشرط والماهية

٢٨٥

بشرط. بقي هنا امران :

الاول : الفرق بين الاجزاء والشرائط هو ان في الاولى يدخل القيد والتقيد معا في المأمور به ، وفي الثاني يدخل التقيد فيه دون القيد.

الثاني : ان المقدمة منقولة من مقدّمة الجيش. وجه المناسبة ان مقدّمة الجيش تقال للجماعة المتقدّمة ومقدّمة العلم تقال لطائفة من الكلام قدّمت على المقصود ، اذ الاجزاء مقدّمة على المأمور به رتبة ووجودا ، فلفظ المقدّمة يحتمل ان يكون مكسور الدال فتكون حينئذ بمعنى المتقدّمة ، وان يكون مفتوح الدال فهو بمعنى اسم المفعول من باب التفعيل ، والوجه واضح لكنه لا محل له لانه أدبي لا اصولي.

دفع الإشكال :

قوله : وكون الإجزاء الخارجية كالهيولى والصورة هي الماهية المأخوذة ... الخ هذا اشارة الى اشكال ودفع.

اما الاول : فهو ان المذكور في فن المعقول والفلسفة ان الأجزاء الخارجية مأخوذة (بشرط لا) وهو ينافي ما ذكرت من ان الجزء مأخوذ وملحوظ (لا بشرط) وبما هي هي. والحال ان التنافي واضح بين الماهية (بشرط لا) وبين الماهية (لا بشرط).

واما الثاني : فلان التنافي بينهما انما يكون بالاضافة الى شيء واحد مع كونهما جاريين على اصطلاح واحد ، وليس الامر كذلك في هذا المقام ، فان المقصود من (بشرط لا) فيما ذكر اهل المعقول (بشرط لا) الاعتباري ، في مقابل الجزء التحليلي العقلي المأخوذ (لا بشرط) الاعتباري ، بشهادة ذكر ذلك في مقام الفرق بين الجزء التحليلي العقلي الذي هو عبارة عن الجنس والفصل كالحيوان والناطق بالاضافة الى الانسان ، وبين الجزء الخارجي كالهيولى والصورة في الحمل في الاول ، لانه يصح ان تقول ان (الانسان حيوان او ناطق) وعدم صحة الحمل في الثاني ، فانه لا يصح ان تقول ان (الانسان بدن او نفس او هيولى او صورة) كما يصح

٢٨٦

قولك ان (زيدا حيوان او ناطق) ولا يصح (هو بدن او نفس او هيولى ومادة او نفس او عقل) ، كما تقدم في مبحث المشتق.

والمراد مما ذكرنا هنا من (لا بشرط) هو اللابشرط الخارجي ، في مقابل بشرط الاجتماع الخارجي. فاحد الاعتبارين على اصطلاح ، وثانيهما جار على اصطلاح آخر. فبالنتيجة ان اخذ الاجزاء (بشرط لا) في الفلسفة بمعنى كون الهيولى آبيا عن الحمل على الصورة ، فلا يقال (ان الصورة هيولى) وعلى الكل ولا يقال (ان الانسان هيولى) ، وفي المقام معنى اللابشرطية اخذ الاجزاء مع قطع النظر عن الاجتماع وعدمه ، فالاضافة مختلفة إذ (بشرط لا) الفلسفي بالاضافة الى الجزء الآخر والى الكل. ومعنى (لا بشرط) الاصولي بالنسبة الى الكل فقط ، فلا تنافي بينهما ، اذ يشترط في التناقض وحدة الاضافة كما في علم المنطق.

قوله : فافهم وهو اشارة الى ان كلام اهل المعقول ان كان اشارة الى ان المقصود من (بشرط لا) بالاضافة الى المركب ، ومقصود الاصولى من (لا بشرط) يكون بالاضافة الى المركب أيضا ، فلا منافاة بين القولين ، اذ مقصودنا منه (لا بشرط) عن الاجتماع والانضمام ، ومقصود اهل المعقول من (بشرط لا) يكون بشرط عدم الحمل على المركب في قبال الجزء التحليلي بشرط صحة الحمل عليه اي صحة حمل الجزء التحليلي العقلي على المركب العقلي ، كما يقال ان الانسان حيوان ناطق.

خروج الاجزاء عن محل الخلاف :

قوله : ثم لا يخفى انه يبغي خروج الاجزاء عن محل النزاع كما صرّح به بعض ... الخ قال سلطان العلماء قدس‌سره انه «ينبغي خروج الاجزاء عن محل النزاع التى تسمى بالمقدمة الداخلية» ووجه خروجه عنه كما افاده قدس‌سره عدم كفاية المغايرة الاعتبارية بين الأجزاء والكل ، فان الأجزاء هي عين الكل ذاتا وان تغايرا اعتبارا ولحاظا لكون الاجزاء (لا بشرط) ولكون الكل بشرط الاجتماع ، فاذا اتحدا ذاتا ومصداقا

٢٨٧

وجبت الأجزاء بعين وجوب الكل.

غاية الامر : انه يجب الكل بوجوب نفسي استقلالي. ولكن يجب كل واحد من الاجزاء بوجوب نفسي ضمني ، اي في ضمن وجوب الكل من باب انحلال امر المركب الى الاوامر المتعدّدة على حسب اجزائه ، فالامر بالمركب امر باجزائه ، ومع اتصاف كل واحد منها بالوجوب النفسي الضمني لا يمكن اتصافه بالوجوب الغيري المقدمي الترشحي ، لامتناع اجتماع المثلين عقلا في محل واحد وموضوع فارد ، وان قلنا بجواز اجتماع الامر والنّهي في مسألة الاجتماع ، اذ الجهتان في مسألة الاجتماع متعددتان احداهما تحت الامر والاخرى تحت النّهي ، كعنواني الصلاة والغصب حيث تنطبقان في المكان المغصوب.

وهذا بخلاف ما نحن فيه فان الوجوب النفسي ، وان تعلق بعنوان الصلاة نحو قوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) ، ولكن الوجوب الغيري المقدمي لم يتعلق بعنوان المقدمة والمقدمية حتى تتعدد الجهتان وتنطبقا على الاجزاء ، كى يقال ان الاجزاء بعنوان أنها صلاة تجب نفسيا ، وبعنوان أنها مقدمة تجب غيريا ترشحيا ، بل يتعلق الوجوب الغيري المقدمي الترشحي على القول به بنفس الاجزاء وذاتها ، لانها المقدمة بالحمل الشائع الصناعى لا بعنوان المقدمة.

وان كان عنوان المقدمة علّة لتعلق الوجوب الغيري بالأجزاء فليس في هذا المقام شيء الا عنوان واحد ومعنون فارد ، بحيث يكون أحدهما متعلقا للوجوب النفسي والآخر متعلقا للوجوب الغيري. فاذا كان العنوان واحدا وهو وجوب النفسي الضمني ، والمعنون فاردا وهو نفس الاجزاء وذاتها ، وفي مثله لا يجوز الاجتماع اصلا ، كما لا يجوز اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد كذلك لا يجوز اجتماع الوجوب النفسي ولو ضمنيا والوجوب الغيري في محلّ واحد. فالاجزاء لا بد ان تكون واجبة نفسية ضمنية لا غير فلا محل للنزاع فيها.

قوله : فانقدح بذلك فساد توهم اتصاف كل جزء من اجزاء الواجب ... الخ اي ظهر لعدم تعدد الجهة والعنوان في هذا المقام ، فساد توهم اتصاف كل واحد من اجزاء

٢٨٨

المأمور به بالوجوب النفسي وبالوجوب الغيري باعتبارين. فباعتبار كل واحد منها في ضمن الكل واجب نفسي ضمني وباعتبار كون كل واحد منها مما يتوصل به الى الكل واجب غيري ترشحي.

قلنا : في دفعه ان الجهة على نحوين : احدهما : تقييدية ، وثانيهما : تعليلية.

فالاولى : هي ما كانت موضوعا للحكم وللخطاب ، سواء كان موضوعا خارجيا واقعيا نحو (اعط الفقير درهما) فالفقير الخارجي موضوع في هذا المثال لوجوب الاعطاء الذي هو حكم شرعي ، وفقره جهة وعلّة للحكم والفقر داخل في الموضوع من باب دخول مفهوم (المشتق منه) في مفهوم (المشتق) ، أم كان موضوعا فعليا نحو (اقيموا الصلاة) ونحو (لا تغصب). فالصلاة والغصب موضوعان للوجوب في الاول ، وللحرمة في الثاني ، والصلاتية والغصبية جهتان لحكم الوجوب ، اي وجوب الاقامة ، وحرمة الغصب. فهما داخلتان في الموضوع من باب دخول العنوان في المعنون.

والثانية : هي علّة للحكم لا موضوعا له ، فلا يتعلق الحكم بها. مثل مقدمية المقدمة ، فهي جهة تعليلية لا تقييدية. فان كانت تقييدية تعدّد الموضوع مثل (الصلاة واجبة) و (الغصب حرام محرّم) فالصلاة موضوع الوجوب ، والغصب موضوع الحرام ، والحرمة والصلاتية والغصبية جهتان تقييديتان. وان كانت تعليلية فتعددها لا يجدى في دفع اشكال اجتماع المثلين ، اذ المفروض عدم تعلق الحكم بها كى يكون تعددها موجبا لتعدد الموضوع ، فلا يقال ان الاجزاء واجب نفسي ضمني من جهة كونها عين الكل ذاتا ، وهي واجب غيري ترشحي من جهة كونها مقدمة للكل ، لان الواجب عارض على ذات الاجزاء لا على مقدّميتها ، اذ هي جهة تعليلية اجنبية عن موضوع الحكم كما لا يخفى.

فبالنتيجة ذوات الاجزاء ليست واجبا نفسيا ضمنيا وواجبا غيريا لانه من اجتماع المثلين في محلّ واحد ، بل هي واجبة نفسية ضمنية فقط.

قوله : اللهم إلّا ان يريد ان فيه ملاك الوجوبين ... الخ فلو اراد المتوهم ان ملاك

٢٨٩

الوجوبين ، والمقتضي لهما موجود في الاجزاء التى تسمى بالمقدمة الداخلية بالمعنى الأخصّ ، لانها باعتبار عينية للكل ذاتا فهو مقتض لوجوبها النفسي الضمني ، وباعتبار انها مما يتوقف عليها وجود الكل الذي أمر به فهو مقتض لوجوبها الغيري ، لا الوجوب الغيري الفعلي ، لوجود المانع عنه وهو اجتماع المثلين ، بل الوجوب الغيري الشأني.

امّا قول المصنف قدس‌سره وان كان كل واحد من الاجزاء واجبا بوجوب واحد نفسي ضمني فعلا لسبقه ، لان امر المولى يتعلق أوّلا بذي المقدمة الذي هو عين الاجزاء وواجب نفسي. والحال ان الشيء لا يكون علّة لمضادّه الذي هو واجب غيري وليس له علة اخرى ، فيمتنع ويثبت الوجوب النفسي لها لوجود علّته التي هي أمر المولى وبعثه وتحريكه ، ولا يثبت الوجوب الغيري الفعلي لها لفقد علّته.

تعريف المقدمة الخارجية واقسامها :

قوله : واما المقدمة الخارجية فهي ما كان خارجا عن المأمور به ... الخ والمراد من خروجها انها خارجة عن حقيقة المأمور به في قبال المقدمة الداخلية الداخلة في ماهية المأمور به ، فالاولى كشرائطه ، والثانية كأجزائه ، أعم من الاركان وغير الاركان ، وكان لها دخل في تحقق المأمور به ، لا يكاد يتحقق بدونها. وقد ذكر لها اقسام وأطيل الكلام في تحديدها وتعريفها بالنقض والإبرام ، إلّا انه غير مهم هنا فلا بد من بيان أمرين :

الاول : بيان تعريفها على نحو الايجاز لمزيد الفائدة وتعريفها فقد سبق آنفا فلا نعيده حذرا من التكرار ، وعلى اي حال انها على اقسام :

ا ـ المقتضي ، ويقال له السبب ايضا ، وهو المؤثر في المقتضى كالنار في إحراق الجسم.

ب ـ وهو الدخيل في تأثير المقتضي في المقتضى كالمحاذاة للإحراق ، فان النار ما لم تكن محاذية لشيء لم تحرقه.

٢٩٠

ج ـ عدم المانع ، اي عدم ما يمنع عن تأثير المقتضي في المقتضى كعدم الرطوبة للإحراق ، فان الرطوبة مانعة عن تأثير النار فيه ، فعدمها يكون من مقدمات وجود الإحراق.

د ـ المعدّ ، وهو الذي يوجب التهيؤ للمقتضي من دون ان يكون له تأثير في المقتضى ولا في تأثير المقتضي في المقتضى كإحضار الحطب أو الخشب وحفر الحفيرة للإحراق ، او كالزاد والراحلة وتحصيل الرفقة والسير معهم في الطريق للحج.

وبالجملة كل شيء توقف عليه وجود الشيء الآخر في الخارج ، من دون ان يكون له تأثير فيه ولا في تأثير المقتضي فيه ، فهو المعد.

ه ـ العلّة التامة ، وهي مجموع المقتضي والشرط وعدم المانع والمعد ، فاذا تحقق الجميع فقد تحقق المقتضى قهرا بلا فصل زماني ، وان كان يتأخر المعلول عن علّته رتبة. هذا ما يتعلق بالمقدمة الخارجية.

والثاني : وجه عدم تعرّض المصنف قدس‌سره لتعريفها وللنقض والابرام ، وهو ان غرضه هنا ردّ قول (المفصّل) بين المقتضي والسبب ، وبين الشرط وعدم المانع والمعدّ ، فقال بالوجوب في الاول دون الباقي ، فقال المصنف قدس‌سره ان جميع الاقسام محل خلاف من دون اختصاصه بالسبب فقط.

المقدمة العقلية والشرعية والعادية :

قوله : ومنها تقسيمها الى العقلية والشرعية والعادية قسّم الاصوليون المقدمة الى المقدمة العقلية ، والى المقدمة الشرعية ، والى المقدمة العادية ثانيا.

فالاولى : ما يتوقف عليه وجود ذي المقدمة عقلا. وبعبارة اخرى هي ما استحيل واقعا وجود ذي المقدمة بدونها ، كطلوع الشمس الذي يتوقف عليه وجود النهار تكوينا وعقلا ، فهو مقدمة عقلية لوجود النهار.

والثانية : ما استحيل وجود ذي المقدمة شرعا بدونه على ما قيل ، وذلك كالطهارة التي يتوقف عليها وجود الصلاة شرعا.

٢٩١

والثالثة : ما يتوقف عليها وجود ذي المقدمة عادة ، وتلك كنصب السلم للكون على السطح ، اذ هو ممكن عقلا بدون نصب السلم لإمكانه بواسطة الطيران في الهواء حتى يستقر في السطح ولكن الطيران يكون محالا عادة.

قوله : ولكنه لا يخفى رجوع الشرعية الى العقلية ضرورة ... الخ اذ لا يخلو الامر من احد احتمالين ومن احد وجهين :

الاول : ان تكون المقدمة الشرعية شرطا في المأمور به كقول المولى (صلّ عن طهارة) يستفاد منه شرطية الطهارة للصلاة.

والثاني : عدم كون الطهارة شرطا للمأمور به بلسان الدليل ، ولكن المولى عالم بالواقع ، وهو يعلم توقف الصلاة من حيث الوجود الخارجيّ عليها. وعلى كلا الوجهين ترجع المقدمة الشرعية الى المقدمة العقلية.

اما على الاول فلامتناع وجود المشروط بدون وجود شرطه عقلا ، فيتوقف المشروط على شرطه من باب حكم العقل فترجع الى العقلية.

واما على الثاني فلان الصلاة الصادرة من المكلف لا تكون وافية بالمصلحة بلا طهارة فتتوقف الصلاة على الطهارة عقلا ومن باب حكم العقل.

واما الفرق بين الوجهين المذكورين ، ان المولى واسطة اثباتية للتوقف في الاول ، وهو واسطة ثبوتية له في الثاني.

واما العادية ، فان كانت بمعنى ان يكون التوقف عليها بحسب العادة البشرية ، بحيث يمكن تحقق ذي المقدمة بدون المقدمة العادية ، لانه يمكن الصعود على السطح بالطيران او بالحبل مثلا. إلّا ان العادة جرت على نصب السلم او الدرجة للصعود ، كما يمكن الوعظ والتدريس بدون نصب المنبر والكرسي إلّا ان العادة جرت على نصبهما ، فهي وان كانت غير راجعة الى المقدمة العقلية لعدم توقف ذيها عليها عقلا كما علم من المثال المذكور ، وان كانت بمعنى ان توقف ذيها عليها واقع لعدم قدرة المكلف على الطيران الذي يمكن عقلا له ، فهي راجعة الى المقدمة العقلية ضرورة استحالة الصعود على السطح بدون نصب السلم ونحوه عقلا لغير الطائر

٢٩٢

(فعلا) وان كان طيرانه ممكنا (عقلا).

فبالنتيجة لا تبقى المقدمة الا قسما واحدا لرجوع الشرعية الى العقلية والعادية بالمعنى الثاني اليها ، او قسمتي العقلية والعادية ، ان كانت بالمعنى الاول فلا رسم ولا اثر للشرعية منها.

قوله : فافهم وهو اشارة الى منع رجوع المقدمة العادية بالمعنى الثاني الى المقدمة العقلية ، لان الملاك في المقدمة العقلية هو توقف ذي المقدمة على المقدمة عقلا. ومع امكان الطيران (عقلا) لا يكون توقف الصعود على نصب السلم واقعا عقليا بل يكون عاديا.

مقدمة الوجود والصحة والوجوب والعلم :

قوله : ومنها تقسيمها الى مقدمة الوجود ومقدمة الصحة ومقدمة ... الخ فالمقدمة ، تارة تكون مما يتوقف عليه وجود الواجب في الخارج مثل قطع المسافة بالاضافة الى الحج. واخرى تكون مما تتوقف عليه صحة ذي المقدمة كالطهارة بالاضافة الى الصلاة. وثالثة تكون مما يتوقف عليها وجوب ذي المقدمة مثل الاستطاعة بالاضافة الى الحج والنصاب بالنسبة الى الزكاة ، وكذا شرائط التكليف من البلوغ والعقل وغيرهما. ورابعة تكون مما يتوقف عليه العلم بوجود ذيها مثل الإتيان بصلاتين في الثوبين المشتبهين ، وكالاتيان بها الى الجهات الاربع في صورة اشتباه القبلة مع سعة الوقت.

قوله : ولا يخفى رجوع مقدمة الصحة الى مقدمة الوجود ... الخ اي لا يخفى عليك ان مقدمة الصحة ترجع الى مقدمة الوجود ، سواء قلنا بوضع الفاظ العبادات للصحيح منها ، أم قلنا بوضعها للاعم منه ومن الفاسد.

اما رجوع مقدمة الصحة الى مقدمة الوجود على القول الصحيحي فواضح لانه بانتفاء مقدمة الصحة على هذا القول ينتفى الوجود من أصله ، واما رجوعها اليها على القول الأعمّي فلان مقدمة الصحة على هذا القول ، وان لم تكن مقدمة لوجود

٢٩٣

الشيء لان المسمى يتحقق بدونها ، ولكن الكلام في هذا المبحث انما هو في بيان مقدمة الواجب والواجب هو الصحيح فقط.

ومن الواضح توقف وجود الصحيح على مقدمة الصحة وان لم يتوقف وجود مسمى الصلاة عليها ، فكان مرجع مقدمة الصحة الى مقدمة الوجود كما لا يخفى.

وكذا لا اشكال في خروج مقدمة الوجوب عن محل النزاع ، كالاستطاعة التي يتوقف عليها وجوب الحج ، فقبل حصولها لا وجوب للحج حتى نقول بالملازمة العقلية بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها ، ونقول بترشح الوجوب من الواجب اليها ، واما بعد تحققها فلا معنى لترشح الوجوب من الواجب اليها.

ومن المعلوم انه بعد وجود الاستطاعة يكون النزاع في وجوبها من باب مقدمة الواجب ، وعدم وجوبها ، تحصيلا للحاصل وطلبا للأمر الحاصل الموجود ، فاذا حصلت الاستطاعة فالوجوب ثابت للحج.

وكذا لا اشكال في خروج المقدمة العلمية عن حريم النزاع لانها على قسمين :

فتارة تكون خارجة عن حقيقة الواجب اجنبية عنه رأسا وذلك كغسل شيء يسير مما فوق المرفق ليحصل اليقين بتحقق الغسل بالمقدار الواجب في الوضوء.

واخرى : تكون من احدى محتملات الواجب المعلوم ، كالاتيان بطرفي العلم الاجمالي ، او باطرافه ، مقدمة لحصول العلم بتحقق الواجب المعلوم بالإجمال ، سواء كان ذلك في الشبهة الحكمية ، كما اذا علم اجمالا بوجوب صلاة عليه إما الظهر وإما الجمعة. أم كان في الشبهة الموضوعية كما اذا علم اجمالا بوجوب الصلاة الى احدى الجهات الاربع عند اشتباه القبلة ، وفي كلا القسمين يستقل العقل بوجوب المقدمة العلمية نظرا الى ان الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية ، وهي لا تحصل الا بوسيلتها ، سواء كانت العلمية من قبيل غسل شيء يسير مما فوق المرفق ، او من قبيل الإتيان بالاطراف في مورد العلم الاجمالي.

فالمقدمة العلمية لا تكون مقدمة للواجب الشرعي بل مقدمة للواجب العقلي الذي هو عبارة عن العلم بتحقق الاطاعة الذي استقل العقل بوجوبه للأمن من خطر

٢٩٤

العقاب على مخالفة الواجب المنجّز فتجب وجوبا عقليا ارشاديا ، ولا تجب مولويا من باب الملازمة بين وجوب ذي المقدمة وبين وجوب المقدمة لترشح الوجوب على المقدمة من قبل ذي المقدمة ، فان كان وجوبها مولويا دخلت في محل النزاع ، واذا كان ارشاديا عقليا فهو مسلّم ، اذ لا تخصيص في حكم العقل.

الكلام في بيان الثمرة الفقهية لهذا المورد. وهي اذا علمنا ببطلان احدى الصلاتين في الثوبين المشتبهين ، فلو قلنا بوجوب المقدمة العلمية وجوبا مولويا جرت قاعدة الفراغ ، ولا يلزم الإتيان بالصلاة الاخرى مرة ثالثة في أحد الثوبين. اما اذا قلنا بكونها واجبة بوجوب ارشادي عقلي فلا تجري قاعدة الفراغ ، بل تجري قاعدة الاشتغال التي يحكم بها العقل فانحصر النزاع في مقدمة الوجود فقط.

المقدمة المتقدمة والمقارنة والمتأخرة :

قوله : ومنها تقسيمها الى المتقدم والمقارن والمتأخر بحسب الوجود بالاضافة الى ذي المقدمة ... الخ هذا تقسيم رابع للمقدمة الى المقدمة المتقدمة والى المقدمة المقارنة والى المتأخرة حيث إنّ وجود المقدمة الخارجية بالاضافة الى وجود ذيها لا يخلو عقلا من احد وجوه ثلاثة :

الاول : ان تكون متقدّمة على وجود ذي المقدمة كالطهارة للصلاة بناء على ان المراد من الوضوء هو الغسلات الثلاث والمسحات الثلاث ، لا الطهارة المسببة عن الوضوء ، وإلّا فهي من المقدمة المقارنة.

والثاني : ان تكون مقارنة لوجود ذي المقدمة كالستر والاستقبال بالاضافة الى الصلاة.

والثالث : ان تكون متأخرة عن وجود ذي المقدمة كالاغسال الليلية التي تعتبر في صحة الصوم الماضي للمستحاضة عند بعض الفقهاء قدس‌سرهم ، كما انها تعتبر في صحة الصوم الآتى لها عند بعضهم الآخر ، هذا في شرط المكلف به.

واما شرط التكليف فهو أيضا على اقسام فهو قد يكون مقارنا له كالبلوغ

٢٩٥

والعقل ونحوهما ، وقد يكون سابقا عليه كما لو قال المولى (ان جاءك زيد يوم الخميس ففي يوم الجمعة يجب عليك اطعامه) فالشرط حاصل يوم الخميس ، وهو مجيء زيد ، والمشروط ، وهو وجوب الاطعام ، يحصل في يوم الجمعة.

وقد يكون متأخرا عنه كما لو قال (ان سافرت يوم الاثنين فتصدق قبله بيوم) مثلا. فالشرط ، وهو السفر لا حق. والمشروط ، وهو وجوب التصدق سابق. هذا في شرط التكليف.

واما الوضع فهو ايضا على اقسام :

فقد يكون مقارنا له كما في الماضوية والعربية والتنجيز في العقود والايقاعات بنحو الشرطية والقيدية ، فانها مقارنة مع الاثر الحاصل منها زمانا كالملكية ونحوها ، وان كان تقدمها على الاثر الحاصل رتبة من باب تقدم الشرط على المشروط.

وقد يكون سابقا عليه كما في شروط الوصية التمليكية فالشرط سابق مثل كون الموصي عاقلا مختارا والملكية التي هي مشروطة حاصلة عند موت الموصي او عند القبض.

وقد يكون لا حقا به كالاجازة في العقد الفضولي بناء على الكشف. فالملكية للمشتري حاصلة حين العقد ، والاجازة متأخرة عنها زمانا ، هذا كله في الشرط المقارن والمتقدم والمتأخر لكل من التكليف والمكلف به والوضع. واما المقتضي فالظاهر ان له قسمين لا اكثر : الاول : مقارن. والثاني : متقدم.

فالمقارن كالعقد في اغلب المعاملات المقارن لحصول الأثر من النقل والانتقال زمانا.

والمتقدم كالعقد في الوصية وفي الصرف والسلم لانه سابق على حصول الاثر رتبة.

واما الإشكال المعروف في الشرط المتأخر وهو ان العلّة التامة يجب عقلا ان تكون مقارنة زمانا مع المعلول ، وان كانت مقدمة عليه رتبة اذ لا يعقل التفكيك

٢٩٦

والانفكاك بينهما في الزمان ، بان كانت العلة التامة في زمان ولم يكن المعلول في هذا الزمان.

فبناء على هذا فالشرط حيث إنه من أحد أجزاء العلة التامة لانها عبارة عن وجود الشرط وعن وجود المقتضي وعن فقد المانع ، يجب ان يكون حاصلا عند المشروط مقارنا له زمانا وان كان سابقا عليه رتبة من باب تقدم الشرط على المشروط طبعا فكيف يجوز تأخره عنه في الزمان كما في بعض الامثلة المتقدمة ، بل وكيف يعقل تقدمه على المشروط في الزمان كما في بعضها الآخر.

ومن هنا يظهر ان الإشكال لا ينحصر بالشرط المتقدم ، بل حتى في المقتضي المتقدم كما لا يخفى ، لان الإشكال فيهما يكون مثل الإشكال في الشرط المتأخر. الكلام هو الكلام لانهما يكونان متصرّمين حين الاثر كما ان الشرط المتأخر يكون معدوما حين الاثر والمعلول.

دفع الإشكال الوارد على الشرط المتأخر :

قوله : والتحقيق في رفع هذا الإشكال ان يقال ان الموارد التي يتوهم انخرام ... الخ قال المصنف قدس‌سره ان الموارد التي توهم انخرام القاعدة العقلية فيها لا تخلو اما ان يكون المتقدم والمتأخر شرطا ، للتكليف ، او الوضع ، او المأمور به. والتحقيق في الاولين ان الايجاب ، اي ايجاب الاطعام والتصدق ، فعل من الافعال الاختيارية للمولى ، ولكن الشرط ليس له نفس المجيء السابق ، او نفس السفر اللاحق ، في المثالين المتقدمين ، كى يلزم تقدم الشرط على المشروط زمانا او تأخره عنه من حيث الزمان ، بل الشرط هو نفس لحاظه وتصوره. وتصوره دائما مقارن للمشروط والمعلول ولحاظه مقارن مع الايجاب المذكور دائما.

وهكذا الامر في الوضع. فحكم المولى بالملكية فعل من افعال الحاكم وليس الشرط له نفس الاجازة المتأخرة ، او نفس الأمور السابقة المعتبرة ، في الوصية والصرف والسلم ، في الامثلة المتقدمة ، حتى يلزم تأخر الشرط عن المشروط ، او

٢٩٧

تقدم المشروط على الشرط ، بل الشرط هو نفس لحاظ تلك الأمور وتصورها ، وهو مقارن دائما مع الحكم بالوضع والملكية ، فلا يوجد شرط متقدّم ومتأخّر في الاحكام التكليفية ، ولا في الاحكام الوضعية ، بل كل شرط مقارن للمشروط زمانا ، فلا انخرام للقاعدة العقلية ، لا في الشرط المتقدم ، ولا في الشرط المتأخر. نعم ان كان الشرط الوجود الخارجي لهذه الأشياء المتقدمة والمتأخرة في الخارج يلزم انفكاك المعلول عن علّته التامة في الشرط المتقدم ، او يلزم وجود المعلول قبل وجود علّته التامة في الشرط المتأخر ، وهما محالان.

واما اذا علم ان الشرط تصوّر وجودها ، وهو لا يتوقف على وجود هذه الأشياء ، بل يمكن تصور وجود المقدم أو المؤخر حين الأمر كما يمكن تصور وجود المقارن حينه.

فاذن لا يلزم وجود المعلول قبل وجود علّته ، ولا يلزم وجود المعلول حين فقدان علّته ، فصار المتقدّم والمتأخّر كالمقارن في كون لحاظ كلّ واحد منها شرطا ، لا وجودها الخارجي ، فلا اشكال في البين أصلا.

شرائط الوضع :

قوله : وكذا الحال في شرائط الوضع مطلقا ، لان الوضع كالملكية ونحوها ، فهو كالايجاب في التكليف ، في كون كل واحد منهما فعلا اختياريا ينشأ من الارادة التي لا تتعلق بوجود شيء ، الا للمصلحة التي توجب ترجّح الوجود على العدم. فتلك المصلحة قد تقوّم بنفس الشيء كالعبادات مثل الصلاة والصوم والحج ونحوها. وقد تقوّم به مع انضمام غيره إليه الذي يقارنه او يتقدم عليه او يتأخر عنه ، وهذا الغير موجب لترجّح الوجود على العدم ، يلاحظه المولى حين الحكم ، وتلك كالمعاملات ، فيكون دخل كلّ من المقارن والمتقدّم والمتأخّر بتصوّره ولحاظه ، وهو مقارن مع المشروط ، واين انخرام القاعدة العقلية في غير المقارن من الشرط المتقدم والمتأخر؟ فتأمل تعرف الحال والمطلب ان شاء الله تعالى وهو تدقيقي.

٢٩٨

الشرط المأمور به :

قوله : واما الثاني فكون شيء شرطا للمأمور به ليس إلا ما يحصّل لذات المأمور به ... الخ فتوضيح المطلب منوط بتقديم مقدّمة وهي ان اتصاف الأشياء بالحسن والقبح لا يخلو من احد وجوه ثلاثة :

الاول : ان يكون نفس الشيء علّة تامة للحسن والقبح كالعدل والظلم فان عنوان العدل حسن عقلا ، وعنوان الظلم قبيح عقلا ، لا غير.

والثاني : ان يكون نفس الشيء مقتضيا للحسن وللقبح لو لا المانع ، مثل الصدق والكذب ، فان الصدق حسن عقلا إن لم يترتب عليه قتل المؤمن ، وإلّا فهو قبيح لوجود المانع عنه. والكذب قبيح لو لا المانع عنه وإلا فهو حسن كإصلاح ذات البين أو نجاة المؤمن عن القتل.

والثالث : ان لا يكون نفس الشيء علّة وسببا للحسن والقبح ، لانه بذاته مباح ، كالمشي على وجه الارض. فاذا كان بقصد زيارة المؤمن او بقصد زيارة المعصوم عليه‌السلام فهو حسن وراجح ، وان كان بقصد السرقة او بقصد المعصية الاخرى فهو قبيح ومرجوح.

اذا عرفت هذا فاعلم ان الشرط تارة يكون دخيلا في وجود المأمور به بحيث لو لا الشرط لما وجد المأمور به في الخارج في نظر الشارع المقدس ، كالطهارة بالاضافة الى الصلاة ، وكالمحاذاة للنار بالنسبة الى الإحراق ، في امر المولى العرفي.

واخرى يكون الشرط دخيلا في حصول اضافة تحصّل عنوانا للمأمور به يكون لاجل ذاك العنوان حسنا ومتعلقا للأمر وذلك كالستر والطهارة والاستقبال بالاضافة الى الصلاة فمعنى هذه الشروط المقارنة ان الصلاة تكون ذات مصلحة وواجبة اذا اقترنت بها ، فلا تكون ذات مصلحة بدونها. فالصلاة التي تضاف وتنسب اليها مقارنة لها تكون موافقة لغرض المولى ومأمورا بها ، وبلا اضافتها اليها لا تكون ذات وجه وعنوان ولا موافقة للغرض.

٢٩٩

ومن المعلوم ان اختلاف الحسن والقبح في الأشياء يكون بالوجوه والاعتبارات والاضافات ، مثلا : (ضرب زيد) بما هو ظلم قبيح ، فاذا اقترن بعنوان التأديب صار حسنا. وأكل الطعام بما هو مباح وبملاحظة حفظ النفس واجب ، وان كان شرها حتى يصل حدّ التخمة فهو قبيح.

وبالجملة اختلافات الافعال بواسطة الاضافات واقترانها ببعض ما يناسبها مما لا يخفى على احد ، فاذا ظهر لك ان مدخلية شرط المقارن تكون لاجل الاضافة ولاجل الخصوصية التي يوجد لاجلها عنوان في الفعل ، ويكون ذا مصلحة وموافقا للغرض فنقول انه لا تفاوت في حصول الاضافة والعنوان بين المقارن والمتقدّم والمتأخّر لان الشيء اذا لوحظ مع الشيء المقارن كالصلاة اذا لاحظناها مع الاستقبال والستر مثلا. حصل لها عنوان (المعراجية) وعنوان (العمودية) وعنوان (القربانية) وحصلت لها الاضافة التي توجب عنوانا لها.

وكذا اضافتها وربطها باللاحق والسابق توجبان عنوانا لها فالصلاة المضافة بالطهارة السابقة والمقارنة وبعدم العجب المتأخّر ، كل واحد منها مثل الآخر في ان عنوانها غير عنوانها اذا لوحظت بدونها. فالصلاة المضافة ذات مصلحة وذات عنوان ، فكذا الصلاة المسبوقة بالطهارة ، وكذا الصلاة الملحوقة بعدم العجب ذات مصلحة.

ففي الحقيقة يكون الشرط نفس الاضافة المقارنة مع المأمور به ، لا الشيء الذي يتأخر وجوده عن المشروط وعن المأمور به ، فانه يكون طرف الاضافة لاحتياج الاضافة الى طرفين وهما المضاف والمضاف اليه ، مثل احتياج النسبة الى طرفين هما المنتسب اليه والمنتسب.

فاطلاق الشرط على المتأخر انما لكونه طرفا للإضافة الموجبة للوجه الذي يكون المشروط بسببه مرغوبا ومطلوبا عند المولى. كما ان الشرط في الحكم التكليفي وفي الحكم الوضعي هو لحاظه وتصوره ووجوده العلمي ، لا وجوده الخارجي ، مثل دخل سائر اطراف الشيء الثلاثة المقدّم عليه والمقارن معه والمتأخّر عنه ، كما أنّ دخل حدود الاطراف فى حصول الرغبة فيه وارادته يسمى شرطا لهذا

٣٠٠