البداية في توضيح الكفاية - ج ١

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ نهضت
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-0-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٤٤٨

لكل واحد منهما.

واما ان لا تكون مشتملة على تمام مصلحة صلاة المختار بل يبقى منها شيء. وعلى هذا اما يمكن تدارك الباقي من المصلحة واما لا يمكن تداركه ، وعلى الاول اما يكون الباقي من المصلحة بمقدار يجب تداركه او يكون بمقدار يستحب تداركه فصارت الصور في مقام الثبوت اربعة :

الاولى : اشتمال الامر الاضطراري على تمام مصلحة الامر الواقعي ، واما جواز البدار في سعة الوقت وعدم جوازه فيدور مدار كون الامر الاضطراري بمحض الاضطرار مشتملا على تمام مصلحة الامر الواقعي ، فيجوز حينئذ البدار. او مشتملا على مصلحته بشرط الانتظار الى آخر الوقت او بشرط اليأس الى آخره من الامر الاختياري فلا يجوز البدار حينئذ.

والثانية : وهي ان لا يكون الامر الاضطراري مشتملا على تمام مصلحة الامر الاختياري بل يبقى منها شيء ومقدار ، والحال ان الباقي مما يمكن تداركه ويجب تداركه ، فلا يجزي عنه في هذه الصورة ، واما البدار فيجوز في هذه الصورة.

غاية الامر : أن المكلف يتخير بين البدار والإتيان بعملين : الاضطراري في اول الوقت وبين الانتظار والاقتصار بالاختياري في آخر الوقت.

والثالثة : وهي ان لا يكون الاضطراري مشتملا على تمام مصلحة الاختياري الواقعي ، والحال ان الباقي من المصلحة مما يمكن تداركه ، ولكن يستحب التدارك فيجزي عنه أيضا ويجوز البدار إلّا انه تستحب الاعادة في الوقت ويستحب القضاء في خارجه لدرك الباقي من المصلحة ، واما البدار فمستحب لدرك فضيلة اول الوقت ثم الاعادة او القضاء بعد رفع الاضطرار.

والرابعة : وهي ان لا يكون الامر الاضطراري مشتملا على تمام مصلحة الاختياري الواقعي والحال انه لا يمكن تدارك الباقي فيجزي عنه أيضا بعد فرض عدم امكان تدارك الباقي ، واما البدار فلا يجوز فيها لعدم اشتمال الامر الاضطراري على تمام مصلحته الا لمصلحة تكون في البدار كدرك مصلحة اول الوقت.

٢٦١

فمصلحة اول الوقت تكون اهم من مصلحة الامر الاختياري الواقعي ، وإلّا فلا يكاد يسوغ له البدار في هذه الصورة (الرابعة) لما فيه من نقض الغرض ، ولما فيه من تفويت مقدار من المصلحة لو لا مراعاة ما هو في البدار من الأهم الذي هو مصلحة اول الوقت وهي اهم من مصلحة الامر الواقعي الاختياري.

قوله : فافهم وهو اشارة الى ان المحرّم هو تفويت هذا المقدار من مصلحة الامر الواقعي. والبدار ليس تفويتا له ولا مقدّمة له وانما هو ملازم له فلا ينسب اليه التحريم إلّا بالعرض والمجاز لعدم لزوم اتّفاق المتلازمين في الحكم كما في النظر الى الاجنبية ومعاشرتها ، فالاول حرام والثاني مباح ، فكذا هنا التفويت حرام والبدار مباح وجائز في الصورة الرابعة ولذا لم تفسد العبادة.

الإشكال على الأمر الاضطراري :

قوله : لا يقال عليه فلا مجال لتشريعه ولو ... الخ فان قيل : انه اذا كان الامر الاضطراري لا يشتمل على تمام مصلحة الامر الواقعي ، والحال ان الباقي من مصلحته لا يمكن تداركه ، فلا مجال ـ حينئذ ـ لتشريع الامر الاضطراري ولو بشرط الانتظار لإمكان استيفاء الغرض والمصلحة بالقضاء.

قلنا : ان كلامك تام اذا كانت مصلحة الواقعي مما يمكن استيفاؤها بتمامها مع مصلحة الوقت بالقضاء ، والحال ان ما يستوفي من الامر الاضطراري من مصلحة الوقت اكمل واتم من استيفاء المصلحة بالقضاء.

وبعبارة اخرى ، ان المكلف يدرك بالامر الاضطراري مصلحتين :

إحداهما : مقدار من مصلحة الامر الواقعي الاختياري وهي مصلحة.

وثانيتهما : مصلحة الوقت ، وهو بالقضاء يدرك مصلحة الامر الواقعي فقط ، لا مصلحة الوقت. ولا ريب ان الأوّلي اكمل من الثاني ، فهذا علّة لتشريع الامر الاضطراري ، هذا تمام الكلام في مقام الثبوت.

شرع المصنف قدس‌سره في بيان احكام الصور الاربع وان بينا آنفا احكامها وتبعا

٢٦٢

للمصنف قدس‌سره فنقول ان تجويز البدار او ايجاب الانتظار في الصورة الاولى من الصور ، وهي وفاء المأمور به الاضطراري بمصلحة المأمور به الواقعي الاوّلي فيدور مدار كون العمل بمجرد الاضطرار مطلقا ، اي سواء يئس عن حدوث الاختيار أم لا ، لمصلحة ووافيا بالغرض ، وحينئذ تجوز المبادرة الى العمل مطلقا ، او كون العمل الاضطراري ذا مصلحة ووافيا بالغرض بشرط الانتظار او مع اليأس عن طور الاختيار.

وان لم يكن الامر الاضطراري وافيا بالغرض ، والحال انه قد امكن تدارك الباقي في الوقت فقط او امكن تدارك الباقي مطلقا ، اي سواء كان في الوقت او بالقضاء خارج الوقت فله صورتان :

الاولى : أن يكون الباقي بحيث يجب تداركه فلا يجزي ، فلا بد من ايجاب الاعادة او القضاء.

الثانية : أن لا يكن الباقي واجب التدارك بل مستحب التدارك فيجزي.

ولا مانع عن البدار في الصورتين الثانية والثالثة.

فبيّن المصنف هنا حكم الصورة الثالثة أيضا. نعم تستحب الاعادة لدرك الباقي المفروض كونه حد الالزام والوجوب ، غاية الامر أنه يتخير في الصورة الاولى ، يعني فيما اذا كان الباقي مما يجب تداركه وهي الصورة الثانية من الصور الاربع بين البدار والإتيان بعملين ، العمل الاضطراري في حال الاضطرار والعمل الاختياري بعد رفع الاضطرار ، او الانتظار والاقتصار باتيان ما هو تكليف المختار.

وفي الصورة الثانية (وهي الصورة الثالثة من الصور الاربع فلا تغفل) يتعيّن عليه البدار ، ويستحب اعادته بعد طروء الاختيار ولا يكون البدار حكم الصورة الرابعة (وهي ان لا يكون الامر الاضطراري مشتملا على مصلحة الواقعي الاوّلي) والحال انه لا يمكن تدارك الباقي فلذا لم يتعرّض المصنف قدس‌سره إليها. هذا كله فيما يمكن ان يقع عليه الاضطراري من الانحاء ، يعني في مقام الثبوت والواقع. فالصور المحتملة عقلا اربعة.

واما بيان حال الامر الاضطراري اثباتا وانه من اي نحو هو؟ أهو من النحو

٢٦٣

المقتضي للإجزاء أم لا؟ فظاهر اطلاق دليله في سورة النساء : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)(١) وفي سورة المائدة : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)(٢) اي فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيّبا. ومثل قول المعصوم ، أي ابي عبد الله عليه‌السلام : «التيمم احد الطهورين» و «يكفيك الصعيد عشر سنين» (٣) وغيره من روايات الباب ، هو الإجزاء وعدم وجوب الاعادة او القضاء فلا بد من اجل وجوبهما من دليل آخر بالخصوص.

وبالجملة : فالمتّبع هو اطلاق الدليل لو كان الاطلاق موجودا. والمراد من الاطلاق هنا هو الاطلاق المقامي لا اللفظي ، بمعنى ان المولى اذا كان في مقام بيان وظيفة المضطر (أعني فاقد الماء) وحكم بالتيمم بدل الوضوء ولم يحكم بالاعادة او القضاء بعد رفع الاضطرار في الوقت ، او في خارج الوقت ، علم من ذلك جدا إجزاء الاضطراري عن الواقعي ، وكفايته عنه ، وعدم وجوب الاعادة او القضاء بعد رفع الاضطرار ، ولو كان واجبا على المكلف احدهما لبيّن المولى وحكم به قطعا بعد فرض كونه في مقام البيان لتمام ما له دخل في حصول الغرض الذي يترتب على العمل الاختياري.

هذا اذا كان هناك اطلاق مقامي للدليل الاضطراري ، واما اذا كان المولى في مقام الاجمال والإهمال ، اي في مقام تشريع اصل الاضطراري في الجملة ، ولم يكن في مقام بيان تمام وظيفة المضطر ، فالمرجع حينئذ هو الاصل العملي وهو اصالة البراءة.

فاذا ارتفع الاضطرار في الوقت ، او في خارج الوقت ، والحال انا نشك بعد رفعه في وجوب الاعادة او القضاء ، فلا يكون في المقام دليل اجتهادي ، فتصل النوبة إلى الأصل العملي وهو يقتضي براءة ذمة المكلف عن وجوبهما لكونه شكا في اصل

__________________

(١) سورة النساء : آية ٤٣.

(٢) سورة المائدة : آية ٦.

(٣) الوسائل ، كتاب الطهارة ، الباب الثالث عشر من ابواب التيمم.

٢٦٤

التكليف لان التكليف الاختياري سقط بالاضطرار وبعدم الامكان والتكليف الاضطراري بالاتيان.

فالشك يكون في اصل التكليف ، وهو مجرى البراءة. فظهر قيام البدل وهو (التيمم) مقام المبدل منه وهو (الوضوء) بلحاظ جميع الآثار والخواص ، فلا بد من ان يفي البدل بما يفي به المبدل منه من المصلحة.

فان قيل : انه لا حاجة الى وجوب الإتيان بالمأمور به ثانيا اعادة وقضاء بعد رفع الاضطرار من الدليل بالخصوص ، بل يكفي اطلاق دليل المبدل منه وهو قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)(١) وهو غير مقيّد بعدم الاضطرار.

قلنا : ان هذا الاطلاق ساقط لحكومة دليل البدل على دليل المبدل منه ، والدليل الحاكم مقدم على الدليل المحكوم ، لانه ناظر اليه ، موسع لموضوعه ، نحو الصلاة التي هى موضوع الوجوب ويوسعها (الطواف بالبيت صلاة) ، هكذا في مقام الغسل الذي هو موضوع الوجوب ، ويوسعه دليل البدل الاضطراري ، وهو وجوب التيمم ، فصار الغسل والتيمم كلاهما موضوعين للوجوب في وقت إقامة الصلاة ، كما ان الصلاة والطواف موضوعان لوجوب الطهارة.

قوله : وكذا عن ايجاب القضاء بطريق اولى ، وجه الاولوية ان القضاء تابع للاداء ولا عكس فاذا لم تجب الاعادة في الوقت لم يجب القضاء في خارج الوقت بطريق اولى لان الصلاة في الوقت ذات مصلحتين مصلحة الصلاة ومصلحة الوقت ، والصلاة خارج الوقت ذات مصلحة واحدة وهي مصلحة الصلاة فقط فاذا جاز الاول جاز الثاني بطريق اولى.

__________________

(١) سورة المائدة : آية ٦.

٢٦٥

كيفية دليل القضاء :

قوله : نعم دلّ دليله على ان سببه فوت الواقع ولم يكن هو فريضة ... الخ نعم لو دلّ دليل القضاء على ان سبب القضاء فوت الواقع الاختياري وعدم الإتيان ، بحيث كلما فات الواقع وجب القضاء وان لم يكن الواقع الفائت فريضة حين الاضطرار على المكلف.

فهذا اشارة الى ان اصل البراءة يقتضي عدم وجوب الاعادة في الوقت اذا ارتفع الاضطرار فيه ، واما القضاء فلا بد منه لوجود علّته وهي فوت الواقع والحال انه قد فات.

قلنا : ان سببه ليس فوت الواقع بما هو هو ، بل فوت الفريضة على المكلف ، والحال ان فريضته العمل الاضطراري ، لا الواقع الاختياري. هذا ، مضافا الى عدم وفاء ادلّة القضاء بهذا الغرض ، اي فوت الواقع ، سواء كان فريضة على المكلف أم لا ، لان ادلّته ظاهرة في فوت الفريضة الفعلية ، لا فوت الواقع بما هو هو ، وهي قول المعصوم عليه‌السلام : «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» وفي رواية اخرى : «ما فاتتك من فريضة فاقضها كما فاتتك» ، وغيرها من الروايات التي بهذا الطريق. فهذا مجرد فرض ليس له رسم ولا أثر في اخبار الباب.

قوله : وان اتى بالغرض والمراد منه الغرض الباعث للامر الاختياري الحاصل بالمأمور به الاضطراري يعني أن هذا الكلام مبالغة في وجوب القضاء ، وقد عرفت ضعف وجوب القضاء آنفا. هذا تمام الكلام في المقام الاول وهو الامر الاضطراري.

إجزاء الامر الظاهري عن الواقع :

قوله : المقام الثاني في إجزاء الإتيان بالمأمور به بالامر الظاهري وعدمه لما علم الكلام في اجزاء المأمور به بالامر الاضطراري في المقام الاول ، فيكون المقام الثاني في اجزاء المأمور به بالامر الظاهري عن المأمور به الواقعي الاوّلي.

فالتحقيق في هذا المقام ان الاوامر الظاهرية إما أن تتعلق بالاجزاء والشرائط

٢٦٦

وموضوعات الاحكام ، وإما أن تتعلق بالاحكام الكلية او الاحكام الجزئية ، مثل استصحاب وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة مثلا. والاول يكون على قسمين ، لان الحكم الظاهري والإجزاء والشرائط والموضوعات إما أن تكون بلسان الاصل وإما بلسان الامارة ، مثل البينة التي تقام على طهارة ماء الوضوء او على متطهرية شخص مثلا. أما اذا كان الحكم الظاهري بلسان الاصل مثل قاعدة الطهارة في ماء الوضوء او استصحاب طهارته ثم انكشف الخلاف.

فخلاصة الكلام : في هذا القسم من الاوامر الظاهرية والاحكام الظاهرية ان مقتضى اطلاق ادلّة الاصول هو الإجزاء وكفاية الطهارة المستصحبة عن الطهارة الواقعية ، لانها غير مقيّدة بعدم كشف الخلاف إلّا اذا قام دليل خاص على عدم الإجزاء ، وعلى وجوب الاعادة او القضاء ، لان أدلة الأصول والاستصحاب توسع دائرة الشرط ، اي شرط الطهارة سواء كانت واقعية أم ظاهرية. ومقتضى هذه التوسعة والحكومة هو الإجزاء الى زمان كشف الخلاف.

فتترتب على الطهارة الظاهرية آثار الطهارة الواقعية ومن جملتها الإجزاء ، فاذا كان الجهل بالواقع باقيا فقد كان مثل الواقع في الآثار والخواص. وبعبارة اوضح : هي ان ادلّة الاصول مثل كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر ، وهو دليل اصالة الطهارة ودليل الاستصحاب مثل (لا تنقض اليقين بالشك) حاكمة على أدلة الطهارة الواقعية مثل (لا صلاة إلّا بطهور) والدليل الحاكم يقدّم على الدليل المحكوم. نعم اذا ارتفع الجهل فقد ارتفع الإجزاء من حين ارتفاع الجهل لا من اوّل الامر.

واما في القسم الثاني من الحكم الظاهري الذي يجري في الإجزاء والشرائط وموضوعات الأحكام بلسان الامارات ، مثل اذا قامت البينة على طهارة الماء او على متطهرية انسان او على ملكية شيء لشخص ، او مثل اليد التي هي امارة على الملكية ونحوها من موارد الامارات.

فالحق هو عدم الإجزاء اذا انكشف الخلاف ، بل يكون العمل فاقدا للشرط بعد كشف الخلاف من الاوّل ، لا من حين كشف الخلاف. فالامارة تكون كالعدم

٢٦٧

فلا بد من اعادة العبادة ومن بطلان المعاملة. نعم لا يعاقب المكلف لكونه معذورا بواسطة الامارة فلا تترتب آثار الوضعية على هذا العمل.

بخلاف الاصول العملية في الموضوعات نحو (كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه) فهو يثبت أصالة الحل (أعم من الواقعي والظاهري) ، وموسع لدائرة الحل (أعم من الواقعي والظاهري). وأما في الشرط مثل (كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر) الذي يدل على الطهارة للشيء المشكوك الطهارة والقذارة ، فيدل على الاعم من الواقعية والظاهرية. واما في الجزء ، كما اذا شككنا في جزئية السورة للصلاة وعدم جزئيتها ، فتجري أصالة عدم الجزئية ، فاذا انكشف الخلاف ثبت كونها جزءا لها.

ان لسان الاصول يتفاوت مع لسان الامارات ، وهذا التفاوت يوجب التفاوت في الإجزاء وعدمه ، وهو ان الشارع المقدس حكم في مجاري الاصول تعبّدا ببقاء الطهارة او الحلية في قاعدة الطهارة وفي قاعدة الحلّية. واما الامارات فهي كاشفة تعبّدا عن الطهارة الواقعية والحلّية الواقعية اذا قامت عليهما. والشارع يعتبر هذا الكشف ما دام لم يعلم خلافه. فاذا انكشف الخلاف ، علم أن الطهارة والحلّية في الواقع لم تكونا موجودتين ، فهي غير معتبرة.

واما حكم الشارع ببقاء الطهارة في صورة الاستصحاب في الموضوع الخاص بعد تحقق شرائط الاستصحاب ، وبعد تحقق اركانه ، فلا يكون فيه كشف الخلاف. نعم يكون مقيّدا بعدم العلم بالخلاف.

فاذا حصل العلم بالخلاف ، اي خلاف الاستصحاب ، فيرتفع الاستصحاب من زمان العلم بالخلاف ، واما في الامارات فليس للشارع حكم بثبوت شيء. نعم جعل الشارع الامارات حجّة ، وهي مثل العلم في ترتيب آثار الواقع. ومن المعلوم ان العلم ليس مغيّرا الواقع فكذا الامارات لا تغير الواقع ، بخلاف الاصول ، لان الشارع المقدّس حكم بطهارة شيء للشاك او بحلّيته له ما دام شاكا ، فهو مثل الحكم الواقعي في الآثار الى زمان كشف الخلاف. فاذا انكشف الخلاف صار الشاك عالما فيرتفع

٢٦٨

الشك.

فبالنتيجة يرتفع الحكم ، لان هذا الحكم للشاك الجاهل بالواقع. فمحصّل الكلام ان الاحكام الظاهرية جارية في الموضوعات وشرائط العبادات ، فمقتضى القاعدة هو الإجزاء ، لان الاصول العملية اما موسّعة لدائرة الموضوع والشرط كأصالة الطهارة واصالة الحلّ ، وكذا استصحابهما ، وإما مضيّقة لدائرة الجزء كأصالة عدم الجزئية في ظرف الشك في جزئية شيء للعبادة وعدمها كالسورة مثلا. وفي ضوء هذا ، فهي حاكمة على الأدلة الواقعية في مجاريها حكم ظاهري وتعبّد شرعي.

فبالنتيجة : ليس مؤدّى الامارة حكما ظاهريا على الطريقية ، ولكن في مؤدّى الأصول حكم ظاهري ، وهذا يوجب الإجزاء في الاصول بعد كشف الخلاف ، ولا يوجب الإجزاء في الامارات بعد كشفه.

بخلاف الطرق والامارات فانها في مواردها اخبار عن الواقع ، والشارع مخبر عن الواقع بقوله ، وتفصيله ان الطرق والامارات إما حجّة من باب الطريقية ، وإما من باب الموضوعية والسببية.

اختار المصنف قدس‌سره الاول. فبناء على هذا فلا تجزي في صورة كشف الخلاف لان الامارة ، كخبر العادل ، اذا قامت على طهارة شيء او على حلّيته ، وكان مقتضى دليل اعتبارها وحجّيتها تصديقها ، ومعنى تصديقها هو البناء على وجود شرط واقعا كان المناسب لهذا البناء انشاء حكم الشرط الموجود واقعا ، وذلك مثل جواز الدخول في العمل الذي تكون الطهارة شرطا فيه كالصلاة والطواف لا إنشاء نفس الشرطية فقط.

فاذا كان مفاد دليل الامارة هو البناء على وجود الشرط واقعا ، انكشف الخلاف وخطأ الامارة فقد كشف عن وقوع العمل بلا شرط وهو فاقد له ، فلا مجال حينئذ للإجزاء لانه (اذا فات الشرط فات المشروط).

هذا بناء على حجيتها من باب الطريقية الى الواقع ، كما هو مختار المصنف قدس‌سره واما اذا كانت حجيتها من باب الموضوعية والسببية فتجزي ان كانت مصلحة

٢٦٩

الامارة ، اي مصلحة العمل الذي يؤتى به على طبق الامارة ، وافية بتمام مصلحة الواقع او وافية بمعظمها مع عدم امكان تدارك الباقي ، او مع عدم وجوب تدارك الباقي ، وإلّا فلا تجزي عن الواقع ، اذ مجرد تنزيل فاقد المصلحة منزلة الواقع والواجد لها فهو غير كاف في الإجزاء ما دام لم يكن الفاقد مثل الواجد في الوفاء بغرض المولى ، وإلّا يلزم تفويت المصلحة الملزمة بلا عوض وهو قبيح لا يصدر من المولى الحكيم.

وبالجملة فالوجوه الاربعة في الامر الاضطراري جارية في الامر الظاهري الثابت بالامارات والطرق بناء على القول بالموضوعية والسببية طابق النعل بالنعل فلا حاجة الى الاعادة. لكن المصنف قدس‌سره ، لمّا اختار ـ تبعا للمشهور ـ القول بالطريقية في حجيّة الامارات والطرق ، بنى على عدم الإجزاء في صورة كشف الخلاف ، فلا بد هنا من بيان امرين :

الاول : الفرق بين الطرق والامارات هو ان الطرق في بيان الاحكام الشرعية كخبر العدل اذا دلّ على وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة ، والامارات في الموضوعات الخارجية كما اذا قامت البيّنة على خمرية المائع المعين مثلا.

والثاني : الفرق بين الطريقية وبين السببية هو ان الطريقية لم يلحظ فيها سوى الكشف عن الواقع ، فان اصابتا الواقع فقد احرزتا مصلحة الواقع ، واذا لم تصيبا الواقع لم يكن لهما شيء من المصلحة ولاجل هذا قال المصنف قدس‌سره بعدم الإجزاء في صورة كشف الخلاف. وان السببية تحدث فيها مصلحة مساوية او مصلحة راجحة مع مصلحة الواقع او على مصلحته.

مثلا : اذا أوجب المولى على العبد إطاعة زيد بن ارقم ، ثم ارشده زيد بارادة المولى منه اشتراء لحم الغنم ، فبناء على الطريقية ، ان أخطأ زيد في هذا الارشاد واشترى العبد اللحم لم يكن للعبد اجر الامتثال أصلا ، نعم لا يستحق العبد العقوبة لكونه معذورا. وأما بناء على الثاني ، ففي هذا الفرض ، يكون الاجر المساوي او الاجر الاكثر للعبد ان كان الارشاد مطابقا للواقع.

٢٧٠

اذا عرفت هذا فاعلم ان الإجزاء وعدمه متفرّعان على قولين فمن يقل بان حجيّة الامارات والطرق من باب الطريقية ، ير عدم الإجزاء في صورة كشف الخلاف ، اذ مصلحة الواقع غير محرزة حين الخطإ. والحال ان الواقع ثابت على حاله. ومن يقل بان حجيّتها من باب السببية يرى الإجزاء في ما اذا انكشف الخلاف ، وذلك لان العمل بمدلول الامارة وادائها الى وجدان الشرط او الشطر يصير صحيحا حقيقة لاحداثها مصلحة في مؤداها ، ويكون العمل واجدا للشرط او للشطر مع كونه فاقدا إيّاه في الواقع ، فيجزي لو كان الفاقد للشرط او للشطر في حال قيام الامارة مثل الواجد له في كون الفاقد وافيا بتمام الغرض ، ولا يجزي لو لم يكن الفاقد لكل واحد منهما وافيا بتمام الغرض ، ويجب الإتيان بالواجد لكل واحد منهما حينئذ لاستيفاء الباقي ، ان وجب الاستيفاء ، وان لم يجب الاستيفاء استحب الإتيان ثانيا.

فبيّن المصنف قدس‌سره ثلاث صور هي الاولى والثالثة والرابعة وبقيت الثانية فبيّنها بقوله وإلّا فلا مجال لاتيانه ، يعني الصور الثلاث المذكورة تكون في صورة إمكان الاستيفاء ، وان لم يمكن الاستيفاء فلا مجال لاتيانه ثانيا وهذا هو الرابع ، كما عرفت الصور الاربع واحكامها في الامر الاضطراري ، فراجع هذا كله في مقام الثبوت.

الاحتمالات الاربع ثبوتا في الامر الظاهري :

قوله : ولا يخفى ان قضية اطلاق دليل الحجّية على هذا ... الخ فالمحتملات هنا اربعة ايضا لان المأتى به اما أن يكون وافيا بتمام الغرض او لا ، وعلى الثاني فالباقي من الغرض اما أن يمكن استيفائه او لا ، والممكن اما واجب الاستيفاء او مستحب هذا ثبوتا.

واما في مقام الاثبات ، فمقتضى اطلاق أدلة حجية الامارة على السببية هو الإجزاء لان الشارع المقدس حكم بترتيب آثار الواقع مطلقا ، اي سواء كان وافيا بتمام الغرض أم لا عليها ، ولازم الحكم هو اجزاء هذا المأمور به عن المأمور به الواقعي في جميع الحالات ، ولو كنا نشكّ انه هل تكون مصلحته بمقدار المصلحة

٢٧١

الواقع أم لا ، ولا يخفى ان اعتبار الامارة ان اختصّ بصورة الوفاء بتمام الغرض ، او اختصّ بصورة لا يمكن استيفاء الباقي ، او اختصّ بصورة لا يجب استيفاء الباقي ، بل يستحب لاحتاج ذلك الى البيان حيث يكون المولى في مقام البيان.

فعدم بيان ذلك يدلّ على عدم تقيّد اعتبارها بشيء من القيود والوجوه نظير اطلاق دليل البدلية في الامر الاضطراري ، ولا يخفى أيضا ان الإجزاء بناء على السببية وان عدم الإجزاء بناء على الطريقية ، اذا احرزت كيفية اعتباره الامارة وحجيّتها على انها على نحو الطريقية ، او على نحو الموضوعية فهذا يكون مثل المثل المشهور القائل : (ثبّت العرش ثم انقش). فبالنتيجة يكون الإجزاء وعدمه فرع ثبوت الموضوعية والطريقية كفرع النقش بالنسبة الى ثبوت العرش.

واما اذا شكّ في كيفية حجيّتها أهي على نحو الطريقية او على نحو الموضوعية والسببية فيقع الكلام في مقامين : الاول : في الاعادة. والثاني في القضاء.

اما المقام الاول : فهو ان المرجع فيه هو الاشتغال ، لكون الشك في الفراغ بعد العلم يشغل الذمة ، ولعدم إحراز مسقطية المأتي به لما اشتغلت به الذمة من التكليف الفعلي. فبالنتيجة اصالة عدم الإتيان بما يسقط معه التكليف ، اي بالفعل المسقط للامر ، مقتضية للاعادة في الوقت في صورة كشف الخلاف بعد إتيان العمل موافقا للامر الظاهري ، لان الواقع لا يسقط عن الفعلية بقيام الامارة على خلافها.

فاذا انكشف ان المأتي به ليس المأمور به الواقعي فالتكليف الفعلي باق. ولذا نقول بعدم الإجزاء ووجوب الاعادة في الوقت.

فان قيل : انه اذا انكشف الخلاف في الوقت رجع الى استصحاب عدم فعلية الواقع قبل الكشف للخلاف في حال الجهل ، فالاصل بقاء الواقع على عدم الفعلية بعد الكشف للخلاف ، كما انه اذا كانت حجية الامارات على نحو الطريقية فبعد كشف الخلاف ، يكون العمل الموافق للامر الظاهري كالعدم من الاول ، والتكليف بالواقع يكون باقيا.

واما اذا كانت على نحو السببية والموضوعية فهذا العمل ذو مصلحة ومكلف

٢٧٢

به فعليا. فاذا لم تعلم موضوعية الامارات فليس كون هذا العمل مكلفا به فعليا بمعلوم لنا ، فتصل النوبة بالأصل العملي وهو يقتضي عدم الإتيان بالتكليف الفعلي مع العلم بثبوت التكليف سابقا.

قلنا : ان هذا الاستصحاب لا ينفع في هذا المورد ، لان المستصحب لا بد ان يكون حكما شرعيا كوجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة ، او موضوعا لحكم شرعي كحياة زيد الذي هو موضوع لوجوب الانفاق على زوجته واولاده مع فقرهم من ماله ، والمستصحب هنا عدم فعليته ، ومن لازمه العقلي سقوط الواقع.

والحال انه يترتب على المستصحب الآثار الشرعية لا الآثار العقلية ولا الآثار العادية الا على القول بالاصل المثبت ، ونحن لا نقول به. والحال ان المكلف قد علم اشتغال ذمته بالتكليف وشكّ في فراغ الذمة عنه بذاك المأتي به.

فالمرجع هنا الى قاعدة الاشتغال ، والى اصالة الاحتياط ، لكون الشك في فراغ الذمة بعد اليقين باشتغالها به. مثلا : اذا قامت البينة على طهارة الماء فتوضأ منه زيد بن أرقم ثم انكشف انه متنجس ، وتبيّن خطأ البيّنة فيقال ان التكليف بالتوضّؤ بالماء الطاهر الذي هو حكم واقعي قد اشتغلت به الذمة قطعا ، فقاعدة الاشتغال تقتضي وجوب الاعادة لكون الشك حينئذ في سقوط التكليف لا في أصله.

بيان الشك في الإجزاء وعدمه :

قوله : وهذا بخلاف ما اذا علم ... الخ اعلم ان الشك في الإجزاء وعدمه ليس مثل الشك في وفاء المأمور به بالامر الاضطراري او الظاهري بناء على القول بالسببية والموضوعية عن الامر الواقعي الاوّلي ، فان المرجع فيه هو البراءة بعد رفع الاضطرار او بعد كشف الخلاف في الامر الظاهري.

وخلاصة الفرق : بين المقامين هي ان العلم بكون المأمور به الاضطراري او الظاهري بناء على القول بالسببية مأمورا به واقعا ثانويا ، والشك انما هو في وجوب الإتيان بالمأمور به الواقعي الاوّلي بعد رفع الاضطرار وبعد رفع الجهل ، والاصل

٢٧٣

عدمه ، لكون الشك في التكليف ، وهو مجرى البراءة.

بخلاف المقام لعدم العلم بكون المأتى به مأمورا به واقعا من حيث إنه كذلك منوط بكون حجّية الامارات والطرق على الموضوعية والسببية المشكوكة في المقام ، فيكون الشك حينئذ في المسقط ، وقاعدة (الاشتغال اليقيني) تقتضي الاعادة في الوقت.

واما القضاء فلا يجب ، اذا انكشف الخلاف بعد الوقت ، او ارتفع الجهل بعده ، فاذا لم تحرز حجّية الامارات والطرق على نحو الموضوعية والسببية ، او على نحو الطريقية ، ففي وجوب القضاء تفصيل ، وهو انه بناء على كونه بفرض جديد وبناء على عدم إمكان اثبات الفوت الذي هو موضوع وجوب القضاء بأصالة عدم الإتيان بالفريضة إلا على القول بالأصل المثبت ، حيث إن الفوت امر وجودي ، وترتبه على عدم الإتيان بالفريضة في الوقت امر عقلي ، فهذا أصل مثبت ، وليس بحجّة إلّا ان يقال ان الفوت عبارة عن نفس عدم الإتيان بالمأمور به فيجب القضاء حينئذ.

ولا يخفى ان هذا الإحراز ـ اي إحراز موضوع وجوب القضاء ـ ثابت بواسطة عدم الإتيان بالفريضة ، وان الحكم بوجوب القضاء على الطريقية اذ بناء على الموضوعية فقد فعل المكلف التكليف الفعلي ، واصالة عدم الإتيان لا اثر له ، بل الاصل فعلية الواقع في حال الجهل ، فاذا لم يكن الاصل المثبت حجّة فلا يجب القضاء للشك في وجوبه المنفي. باصالة البراءة ، واما اذا كان تابعا للاداء بناء على تعدد المطلوب فيجب القضاء ، اذ هو حينئذ بحكم الاعادة في الوقت كما لا يخفى على المتأمل الدقيق.

قوله : فتأمل جيّدا وهو إشارة الى ان موضوع القضاء لا ينحصر ولا يختص بالفوت ، بل هو اعم منه ومن نسيان الفريضة ومن النوم عليها ، فالموضوع للقضاء تركها في تمام الوقت فأصالة عدم الإتيان ، لو جرت هنا ، لكفت في وجوب القضاء بعد انكشاف الخلاف خارج الوقت.

هذا كله في الامارات والطرق والاصول العملية التي تتعلق بالموضوعات بعد

٢٧٤

الفراغ عن ثبوت اصل التكليف. وبعبارة اخرى : ان ما ذكرنا راجع ومربوط بالاوامر الظاهرية المتعلقة بالموضوعات بعد الفراغ عن ثبوت اصل التكاليف.

واما ما يجري من الامارات والاصول العملية في نفس الاحكام الشرعية ، وفي اصل التكليف كما اذا قام الطريق او الاصل وكما اذا قامت الامارات الشرعية على الحكم الشرعي ، ولو كانت حجّيتها على نحو السببية والموضوعية مثل خبر العدل او خبر الثقة ، ونحو استصحاب صلاة الجمعة لانها كانت واجبة في عصر الائمة عليهم‌السلام.

فاذا شككنا في عصر الغيبة في وجوبها استصحبنا وجوبها ، فلذا فعلناها لاجل خبر العدل او الثقة على وجوبها ، او لاجل استصحابها. وبعد الإتيان بها انكشف لنا وجوب الظهر يوم الجمعة فلا وجه للإجزاء مطلقا ، اي سواء كانت حجية الامارات من باب الطريقية او من باب الموضوعية والسببية ، سواء كان الاستصحاب من الامارات أم كان من الاصول.

اما على الطريقية فعدم الإجزاء واضح اذ تبيّن خطأ الطريق فلم يدرك المكلف حينئذ مصلحة الواقع أصلا. واما على الثاني : فلان غاية ما تقتضيه الموضوعية والسببية اشتمال صلاة الجمعة على المصلحة التي تساوي مصلحة الظهر او تكون ناقصة بقليل من مصلحة الظهر.

والواضح عدم المنافاة بين وجوب صلاة الجمعة بعنوان كونها ذات المصلحة المذكورة ، وبين وجوب صلاة الظهر لتعدد متعلق الوجوبين. وكذا لا منافاة بين المصلحتين لتعدد محلهما. فلا بدّ من فعل الظهر أداء وقضاء إلا اذا قام الاجماع او قامت الضرورة على عدم وجوب الصلاتين الجمعة والظهر يوم الجمعة ، والواجب فيه صلاة واحدة ، كما ان الامر كذلك. فلا بد حينئذ من الإتيان بصلاة الظهر لعدم وجوب غيرها والاكتفاء بالجمعة. فالاول ـ اي الإتيان بصلاة الظهر ـ على الطريقية ، والثاني ـ أي الاكتفاء بالجمعة ـ على الموضوعية.

٢٧٥

الإجزاء في القطع بالامر خطأ :

قوله : تذنيبان الاول لا ينبغي توهم الإجزاء في القطع ... الخ الغرض من عقد هذا التذنيب دفع توهم التلازم في الإجزاء بين الاوامر الظاهرية الثابتة بالامارات والاصول وبين الامر الظاهري العقلي الثابت بالعلم واليقين اذا كشف الخلاف ، مثلا : اذا تيقّن المكلف ان الصلاة في السفر الشرعي اربع ركعات مثل الحضر ، او تيقّن ان في موضع الاخفات وجوب الجهر ، او تيقّن ان في موضع الجهر وجوب الاخفات ، وعمل على طبق يقينه ، وبعد العلم كشف الخلاف ، اي خلاف اليقين.

حاصل الكلام ان الإجزاء في الاوامر الظاهرية على القول به لا يستلزم الإجزاء في الامر الظاهري العقلي مع انكشاف الخلاف ضرورة ان منشأ توهم الإجزاء هو وجود الامر الشرعي بالمأتى به وهو مفقود في موارد القطع ، اذ ليس فيها إلّا العذر العقلي في ترك الواقع ما دام قاطعا ، لان وجوب متابعة القطع عقلي ، وبعد ارتفاع القطع يرتفع العذر.

فاذا ارتفع فالواقع يكون منجّزا عليه ، فتجب الاعادة حينئذ ، ويجب القضاء لعدم الإتيان بنفس المأمور به الواقعي الأوّلي ، ولا بما جعله الشارع المقدس منزلته ، فلا وجه للإجزاء ، لان الواقع محفوظ ، وهو لا يتغيّر اصلا كما لا يخفى ، بل هو أوضح من أن يخفى.

نعم قد يكون ما قطع بكونه مأمورا به مجزيا عن المأمور به الواقعي الاوّلي ، فيما اذا كان مشتملا على تمام مصلحة الامر الواقعي ، او على معظمها مع عدم امكان استيفاء الباقي في الصورة الثانية ، فحينئذ لا يبقى مجال للاعادة في الوقت ولا القضاء في خارج الوقت ، لسقوط الامر الواقعي لاجل حصول غرضه ومصلحته كلّا في الصورة الاولى أو جلّا في الصورة الثانية.

وبعبارة اخرى : هي انه اذا كان المأمور به الذي قطع المكلف بكونه مأمورا به اى المأمور به المقطوعي لا الواقعي مشتملا على تمام مصلحة الواقعي في حال القطع فقط لا مطلقا ، وإلا لكان واجبا واقعا في عرض الواجب الواقعي لان الغرض

٢٧٦

من تشريع الاحكام الشرعية هو درك المصلحة ، فيكون الإجزاء فيه واضحا حينئذ ، او كان المأمور به المقطوع به مشتملا على معظم مصلحة الامر الواقعي في حال القطع وفي حال عدم القطع ، فيكون مجزيا عن الواقع بشرط ان يكون الباقي من المصلحة غير ممكن الاستيفاء.

فالمكلف مخيّر بين المقطوعي والواقعي اذا كان وافيا بتمام مصلحة الواقعي لما ذكر ، واما اذا كان وافيا بمعظم مصلحة الواقعي مع عدم إمكان استيفاء الباقي منها فالاجزاء فيه لاجل ان الجاهل بالحكم الواقعي الذي قطع بالخلاف في هذه المواضع كما في الاتمام مكان القصر ، او الجهر مكان الاخفات ، او الاخفات مكان الجهر ، معذور يجزي عمله عن الواقع بلا اشكال ، للنصوص الواردة في هذا الباب ، فمنها رواية زرارة بن أعين قدس‌سره قال : قلت لابي عبد الله الصادق عليه‌السلام : فمن صلى في السفر اربعا أيعيد أم لا؟ قال عليه‌السلام : ان كان قرئت عليه آية التقصير وفسّرت له فصلّى اربعا أعادها وان لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه (١)

ومنها : خبر زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه ، او اخفى فيما لا ينبغي الاخفات فيه ، وترك القراءة فيما تنبغي القراءة فيه ، او قرء فيما لا تنبغي القراءة فيه ، فقال عليه‌السلام : اي ذلك فعل ناسيا او ساهيا فلا شيء عليه (٢) هذا مضافا الى اجماع الاصحاب قدس‌سرهم وغيرهما من الروايات.

فالاول يدل صراحة بمعذورية الجاهل بالقصر والتمام ، والثاني على معذورية الجاهل بالجهر والاخفات ، اذا لم يكن عن تقصير وإلّا فلا. فنصوص الباب كاشفة عن وفاء المأتي به تماما موضع القصر وجهرا موضع الإخفات ، او إخفاتا موضع الجهر بالمصلحة المأمور به الواقعي.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ ، باب ١٧ ، الحديث الرابع.

(٢) الوسائل ، ج ٢ ، باب ٢٦ ، الحديث الثاني.

٢٧٧

الإجزاء لا يوجب التصويب :

فالإجزاء يكون في ثلاث صور كما ذكرت. واما الصورة الرابعة :

وهي القصر موضع التمام فلا يجزي القصر بالاجماع مضافا الى النصوص هذا تمام الكلام في التذنيب الأول ، وأما الثاني فلا يذهب عليك ، اي : لا يخفى عليك ان الإجزاء في بعض موارد الاصول والطرق والامارات هو عبارة عن اعتبارها وحجيّتها على نحو الموضوعية والسببية مع وفاء المأتى به على طبق الامارة ، او على طبق الاصل ، بمصلحة المأمور به الواقعي ، او بمعظمها ، مع امتناع تدارك الباقي منها.

كما ان الإجزاء في التذنيب الاول ليس لاجل اقتضاء الامر القطعى العقلي ، او لاجل اقتضاء الامر الطريقي فالاجزاء الاول كما اذا قطع بكون المأتي به مأمورا به وبعد الإتيان انكشف الخلاف.

والثاني : اذا قطع بطريقية شيء سواء كان امارة أم كان أصلا فعمل على طبقه فانكشف الخلاف. بل لخصوصية اتفاقية وهي الوفاء ، اي وفاء المأتي به بالمصلحة كما سبق بيانه لا يكون مستلزما للتصويب الذي أجمع الأصحاب قدس‌سرهم على بطلانه.

بيان الاستلزام على القول به هو ان الإجزاء في بعض موارد الطرق والامارات والاصول كاشف عن التصويب وعن خلو الواقع عن الحكم ، وإلّا لما أجزأ عنه في صورة كشف الخلاف اذا كان الحكم الواقعي موجودا ولم يدركه المكلف.

الجواب عن الإشكال :

في دفع هذا الإشكال يقال انا نمنع من استلزام الإجزاء التصويب لأجنبية كل من الإجزاء والتصويب عن الآخر ، وذلك لان الإجزاء هو سقوط الحكم الواقعي بعد كونه موجودا في الواقع وفي اللوح المحفوظ ، اما لحصول غرضه الداعي الى تشريعه ، مثل بعض صور الاوامر الاضطرارية والظاهرية بناء على وفاء المأتي به

٢٧٨

بتمام مصلحة المأمور به الواقعي الاوّلي ، وبناء على حجيّة الامارات والطرق والاصول على الموضوعية والسببية ، لانه على هذا جعل حكم المماثل في مؤداها.

وإما لعدم امكان تحصيل غرض الواقع ومصلحة المأمور به الواقعي الاوّلي كما في بعض صورهما الأخر ، وهو الوفاء ، اي وفاء المأتي به على طبقها بمعظم المصلحة مع عدم امكان تدارك الباقي منها. واما التصويب الباطل فهو خلو الواقع عن الحكم ، وعن انحصار الحكم الواقعي في مؤدى الامارة والطرق والاصول.

ومن الواضح البديهي الذي لا يقبل الانكار من احد تضاد التصويب للإجزاء بهذا المعنى الذي هو فرع ثبوت الحكم الواقعي اذ لا معنى لسقوط الحكم الواقعي بلا ثبوته في الواقع.

فبالنتيجة الإجزاء يقتضي ثبوت الحكم الواقعي ، والتصويب الباطل عدم الحكم الواقعي. فعلى هذا ليس الإجزاء لازما مساويا للتصويب كما قال به المستشكل بل هما متباينان.

غاية الامر ان الحكم الواقعي ، الذي يشترك فيه العالم به والجاهل ، يصير فعليا مع اصابته الواقع ويبقى على مرتبة الانشاء مع خطئها إياه الى آن انكشاف الخلاف ، وحينئذ ، اذا كان المأتي به على طبق الامارة والطرق والاصل وافيا بتمام مصلحة المأمور به الواقعي الاوّلي ، او وافيا بمعظمها مع عدم امكان تدارك الباقي منها يسقط الحكم الواقعي ويكتفى به ، ولا مجال للاعادة ولا القضاء.

وان لم يكن وافيا كذلك لم يسقط ويبقى على فعليته ، ولذا تجب الاعادة ويجب القضاء. هذا مضافا الى انه كيف يكون الإجزاء في بعض موارد الامارات والطرق والاصول تصويبا ، مع ان دليل اعتبار الامارة والاصل يدل على تحقق الحكم الواقعي الذي يشترك فيه العالم والجاهل والملتفت والغافل المحفوظ في مرتبته.

فالإجزاء لا يكون دخيلا بالتصويب الباطل لانه ليس إلّا مؤدّى الامارة وإلّا الاحكام الظاهرية التي تدل عليها الامارة والاصول حكما واقعيا ، فالاحكام دائرة

٢٧٩

مدار الامارات والطرق والاصول وجودا وعدما ، فالواقع خال عن الحكم الانشائي.

وإما الإجزاء فهو سقوط الحكم الواقعي بملاحظة غرضه ومصلحته ، او بلحاظ عدم تمكن المكلف بعد الإتيان بمأمور به ظاهري على طبق الامارة او الاصل من اتيان غرض الحكم الواقعي الاوّلي في موارد الامارات والطرق والاصول. ولكن الاحكام الواقعية متحققة موجودة في الواقع وفي اللوح المحفوظ ويكون العالم والجاهل شريكين فيه ، وهي محفوظة غير مرتبطة بالعلم ، اي بعلم المكلف.

غاية الامر على القول بالإجزاء ، اي اجزاء الحكم الظاهري عنه ، فهو ساقط عن ذمة المكلف ويبقى في مرتبة الانشاء ولم تصل الى مرتبة الفعلية ، كما انه في موارد عدم الإجزاء باقية على حالها ، فلذا تجب الاعادة في الوقت ويجب القضاء في خارج الوقت.

فبالنتيجة : إن الاجزاء غير ملازم للتصويب الباطل ، فالاحكام الواقعية تبقى على حالها. غاية الامر : ان كانت الامارة مصيبة بها صارت فعلية في حق المكلف ، وان كانت مخطئة للواقع فهي انشائية وشأنية ، سواء قلنا بالإجزاء أم قلنا بعدمه. فظهر ان الحكم الواقعي الشأني الانشائي موجود في الواقع وفي اللوح المحفوظ.

قد تحصّل مما ذكر ان الحكم الواقعي ، بناء على الإجزاء بحصول غرضه او بعدم تمكن العبد عن تحصيل غرضه كما في موارد الجهر والاخفات والقصر والتمام ، ساقط عن ذمة المكلف ـ والحال ان سقوطه على هذا التقدير فرع ثبوته في الواقع ـ فكيف يكون الإجزاء تصويبا مع انه اخذ في الحكم الظاهري الجهل بالحكم الواقعي؟ فلا بد حينئذ ان يكون الحكم الواقعي موجودا حتى نقول بالاجزاء وبعدم الإجزاء. فالحكم الواقعي محفوظ في موارد الحكم الظاهري في مرتبته وهو واضح كما لا يخفى على احد.

فقول المصنف قدس‌سره (وكان الجهل بخصوصيتها) اشارة الى الشبهة الموضوعية كالمائع المردد بين الخلّ والخمر مع العلم بحكمهما. كما ان قوله : او بحكمها اشارة الى الشبهة الحكمية مثل الجهل بحرمة شرب التبغ اما لفقد النص واما لاجمال النص

٢٨٠