البداية في توضيح الكفاية - ج ١

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ نهضت
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-0-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٤٤٨

المرة الفرد بمعنى الوجود ، ومن التكرار بمعنى الوجودات ، فهذه اجنبية عن المسألة الآتية ، كما ان الدفعة والدفعات غير مرتبطين بالافراد ، اذ كلاهما ينطبق على ترديد الطبائع لا الافراد في مقابل الطبائع.

الفرق بين مسألة الطبائع والافراد :

قوله : غاية الامر خصوصيته وتشخّصه على القول بتعلق الامر بالطبائع ... الخ هذا في بيان توضيح الفرق بين الفرد في مسألة الطبائع وفي مسألة الافراد.

ان المشخّصات الفردية خارجة عن المطلوب ، وتلازمه لان المطلوب هو مجرّد وجود الطبيعة وايجادها في ضمن اي فرد من افرادها ، بحيث لو امكن التفكيك بينهما في مقام الامتثال لأجزأ وجود الطبيعة في الخارج باي نحو كان وفي ضمن اي فرد تحقق.

واما على القول بتعلق الامر بالافراد فتكون المشخّصات والخصوصيات داخلة في المطلوب ومحصّلة له ، بحيث لو امكن الانفكاك بين الفرد وخصوصياته على الفرض لما أجزأ وجود الفرد في الخارج بلا انضمام الخصوصيات معه ، اي مع الفرد فيه.

عدم الإشكال على المرّة في مقام الامتثال :

قوله : تنبيه لا اشكال ، بناء على القول بالمرة ، في الامتثال وانه لا مجال ... الخ أتكون ثمرة لهذا النزاع أم لا؟ والحال انه لا بد من نزاع الاصولي من الثمرة الفقهية؟

الجواب : ان الثمرة انه يحصل الامتثال باتيان المأمور به مرة ، على القول بالمرة سواء كانت بمعنى الفرد أم كانت بمعنى الدفعة ، فلا وجه للاتيان ثانيا ، لانه يحصل الغرض والمأمور به بالفرد الاول ويسقط الامر ، فلا معنى للامتثال عقيب الامتثال ، بل يكون هذا تشريعا محرما كتابا وسنة واجماعا وعقلا.

واما على القول بالتكرار ، فواضح انه يلزم التكرار على حسب ما يستفاد من

٢٤١

الامر لبقاء الامر ، فتحصل الامتثالات على حسب ايجاد المأمور به ، كما انه تحصل العصيانات على تقدير عدم ايجاد المأمور به ولو مرة.

واما بناء على مختار المصنف قدس‌سره فلا يخلو الحال من وجهين لان اطلاق صيغة الامر من غير تقييدها بالمرة أو التكرار إما أن يكون في مقام البيان لا في مقام الاجمال والاهمال ، فلا شك انه يكتفي بالمرة وهي مجزية قطعا ، لانا نتمسك لدفع الوجود الزائد على المرة باطلاق الصيغة مع كونه في مقام البيان.

فلو كان الزائد على المرة مطلوبا لوجب بيانه وإلّا لاخلّ بالغرض ، فنتمسك حينئذ ـ لدفع احتمال الزائد على المرة ـ باصالة البراءة عن وجوب الزائد لوجود شرطها في هذا المقام وهو الشك في تكليف الزائد وهي اصل عملي للشاك المتحيّر.

الإشكال الوارد على المرّة :

قوله : وانما الإشكال في جواز ان لا يقتصر عليها فان لازم اطلاقها ، اي اطلاق الطبيعة المأمور بها هو الإتيان بها مرة او مرارا لا لزوم الاقتصار على المرة ... الخ قال المصنف قدس‌سره ان لازم اطلاق الطبيعة المأمور بها من غير تقييدها بالمرة أو التكرار نحو (اضرب زيدا) عدم الاقتصار على اتيانها مرة. فان لازم اطلاق الطبيعة المأمور بها هو الإتيان بها مرة أو مرات ، فاذا أتي بها مرة ثانية ومرة ثالثة يكون بهما الامتثال ايضا كما يكون بالمرة الاولى نظرا الى اطلاقها ، كما لا يخفى.

فاجاب المصنف قدس‌سره عنه بقوله : والتحقيق ان قضية الاطلاق ومقتضاها انما هو جواز الإتيان بها مرة في ضمن فرد أو افراد عرضية فاذا قال المولى لعبده (اعتق رقبة) من غير تقييده بالمرة أو التكرار فله ان يعتق رقبة سواء كانت مؤمنة أم كانت كافرة وله ان يعتق رقبات بانشاء واحد.

فبإيجاد الطبيعة في ضمن فرد منها أو في ضمن الافراد العرضية منها تتحقق الطبيعة ، ويحصل الغرض. فاذا حصل سقط الامر فلا مجال للاتيان بها في ضمن افراد الطولية منها بقصد الامتثال والاطاعة ، لان الوجود الاول ، اذا كان علّة تامة

٢٤٢

لسقوط الغرض ، كان علة تامة لسقوط الامر ايضا.

فالوجود الاول علّة لحصول الغرض ولسقوط الامر. وحصول الغرض معلول للامتثال. فاذا حصل الامتثال امتنع كون الوجود اللاحق موضوعا للامر كي يجوز الإتيان به بقصد امتثال الامر ، واذا امتنع كون الإتيان الثاني موضوعا للامر امتنع ان يكون اطلاق الصيغة شاملا للمرة وللمرات.

هذا فيما اذا كان امتثال الامر علّة تامة لحصول الغرض الاقصى ، بحيث يحصل الغرض بمجرد الامتثال ، فلا يبقى مجال ـ مع حصول الغرض ـ لامتثال الامر ولإتيان المأمور به ثانيا بداعي امتثال آخر بأن تكون الطبيعة مأمورا بها بالامر الثاني ، أو بداعي أن يكون الإتيانان ـ اي الإتيان بالطبيعة المأمور بها في ضمن الفرد الاول ، وجودا وفي ضمن الفرد الثاني من حيث الوجود ـ امتثالا واحدا ، بان تكون الطبيعة مأمورا بها بالامر الواحد لما عرفت من حصول الموافقة لامر المولى باتيان الطبيعة المأمور بها في ضمن الفرد الاول وجودا ، ومن سقوط الغرض وحصوله مع الموافقة ، ومن سقوط الامر بسقوط الغرض. لان الامتثال يصدق بالوجود الاول والفرد الاول ، فلا مجال للامتثال ثانيا اذ لا معنى للامتثال عقيب الامتثال.

قوله : واما اذا لم يكن الامتثال علة تامة لحصول الغرض ... الخ كما اذا أمر المولى عبده بالماء ليشرب او ليتوضأ ولم يشرب أو لم يتوضأ فعلا ، فلا يحصل الغرض الاقصى للمولى بمحض احضار الماء وان امتثل أمره ، لان الغرض الاقصى هو الشرب أو التوضؤ ، فلا يكون امتثال الامر في هذا المورد علّة لحصول الغرض ، فلا يبعد صحة تبديل الامتثال باتيان فرد آخر من الطبيعة المأمور بها أحسن من الفرد الاول ، ككونه الأبرد للشرب أو الأحرّ للتوضؤ ، بل مطلقا ، وان لم يكن الثاني احسن من الاول.

فبالنتيجة : اذا كان امتثال الامر علّة لحصول الغرض فلا معنى لاتيان المأمور به ثانيا بقصد الامتثال ، لعدم بقاء الامر بعد حصول الغرض ، واذا لم يكن علّة له ، كما في هذا المثال ، فلا يبعد جواز الإتيان بالمأمور به ثانيا بقصد الامتثال ، لان

٢٤٣

بقاء الغرض يكشف عن بقاء الامر ، كما ورد في الرواية اعادة الصلاة جماعة بعد فعلها منفردا ، فعلم انه لا يسقط الامر بمجرد اتيان الصلاة منفردا ، فاذا لم يسقط بقي الغرض ، فلا بدّ من الامتثال ثانيا.

قوله : كما كان له ذلك قبله على ما يأتي بيانه في الإجزاء ، يجوز للعبد اتيان المأمور به بايّ فرد يشاء قبل الإتيان بالفرد الاول ، على ما سيأتي بيان هذا المطلب في الإجزاء ان شاء الله تعالى ، (وهو معين).

هذا فيما اذا كان الامر مطلقا لفظا ، واما اذا كان مهملا فلا بدّ ـ حينئذ ـ من الاكتفاء بالمرة ، ورجعنا في الزائد عليها الى الاصول العملية من البراءة أو الاستصحاب على حسب المقام.

دلالة الامر على الفور أو التراخي :

قوله : المبحث التاسع الحق انه لا دلالة للصيغة لا على الفور ولا على التراخي ... الخ واختلف الاصوليون في هذا المقام. فقال الشيخ الطوسي قدس‌سره ومن تبعه بدلالتها على الفور. وقال علم الهدى قدس‌سره بالاشتراك بين الفور وبين التراخي. ولم نعرف القائل بالتراخي فقط.

وقال المصنف قدس‌سره : ان الحق انه لا دلالة لصيغة الامر لا على الفور ولا على التراخي بل تدل على طلب الطبيعة المطلقة من غير فور ، نعم يكون مقتضى الاطلاق جواز التراخي ، مثلا : يكون المطلوب في صلّ اتيان الصلاة ولو متراخيا. ففي اثبات الفور والتراخي نحتاج الى الدليل الخارجي.

وقال قوم انه لا علم لنا انها تدل على الطلب المطلق أم على الطلب المقيّد بالفور ، ولا يخفى ان المراد من الاطلاق الذي يكون مقتضاه جواز التراخي هو اطلاق المادة بالاضافة الى الزمان ، واستدلّ المصنف قدس‌سره على مختاره بتبادر طلب ايجاد الطبيعة من اطلاق الصيغة من دون تقيّدها بالفور أو التراخي في مقام بيان تمام الغرض. فتقييدها باحدهما يتوقف على دليل خارجي غير دلالة الصيغة.

٢٤٤

هذا اذا أحرز ان المتكلم في مقام البيان. فعلى هذا ، لو كان مراده احدهما لوجب عليه البيان والتقييد باحدهما. وإلّا يلزم نقض الغرض ، وهو قبيح لا يصدر من الحكيم جلّ ذكره.

وان لم يحرز هذا شككنا ـ حينئذ ـ في وجوب الفور أو التراخي ، فيكون الشك في التكليف وهو مجرى اصالة البراءة لانا نعلم بوجوب ايجاد الطبيعة المأمور بها في ضمن فرد ، ولكن نشك في وجوب الفور وعدم وجوبه وفي وجوب التراخي وعدم وجوبه فنجري البراءة ونقول ان الاصل عدم وجوب احدهما والاصل براءة الذمة عنه.

استدلال الشيخ الطوسي :

واحتجّ الشيخ قدس‌سره على مذهبه بآية المسارعة وآية الاستباق وهما قوله : تعالى :

(وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)(١) ، (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ)(٢). وطريق استدلال الشيخ قدس‌سره بالآيتين الشريفتين ان في الاولى وجوب المسارعة الى سبب المغفرة لان نفس المغفرة فعل الله تعالى ، ويستحيل مسارعة العباد اليها ، والحال انه يشترط ان يكون متعلق التكليف مقدورا للمكلف ، فلا بد ان يكون المراد وجوب المسارعة اليه ، أي الى سبب المغفرة ، والحال ان الفعل الواجب من اسبابها. وان في الثانية وجوب المسابقة الى الخيرات ، ولا اشكال في ان فعل الواجب من الخيرات فتجب المسابقة اليه والمسارعة والاستباق انما يتحققان بالفور فقط. فاجاب المصنف عنه :

اولا : ان سياق الآيتين الشريفتين هو البعث والتحريك الى المسارعة والاستباق بنحو الاستحباب من دون ان يستتبع تركهما الغضب والشر ، وإلّا لكان البعث والتحريك بالتحذير عن تركهما انسب ، لان التحذير يكون اشدّ تأثيرا في

__________________

(١) سورة آل عمران : آية ١٣٣.

(٢) سورة المائدة : آية ٤٨.

٢٤٥

تحرّك المكلف الى المسارعة والى الاستباق لا البعث والتحريك الى فعل المسارعة والاستياق كما هو سياق الآيتين المباركتين كما لا يخفى.

قوله : فافهم وهو اشارة الى ان البعث والتحريك الى فعل الواجب بسبب ذكر الثواب كثير ، والحال ان ترك الواجب يستلزم الغضب والعقاب من دون التحريك على الغضب والعقاب على ترك الواجب ، فكذا ما نحن فيه ، هذا مضافا الى ان العباد من حيث الطبائع مختلفون جدا. فبالاضافة الى بعضها يناسب التحذير بذكر العقاب وفي الآخر ينبغي الرجاء بذكر الثواب. فوجه فافهم يردّ جواب الاول كما لا يخفى.

وثانيا : ان الامر بالمسارعة والاستباق ، ان كان للوجوب ـ كما هو مدعى الشيخ قدس‌سره ـ لزم كثرة التخصيص ، وهو مستهجن لخروج جميع المستحبات وكثير من الواجبات عن الآيتين ، لاجل عدم وجوب المسارعة فيها بالاجماع ، فيبقى الواجب الفوري تحتهم. أفلا بد من حمل الامر فيهما على مطلق الرجحان الذي يشمل الوجوب والاستحباب فالمسارعة واجب في الواجب الفوري ومندوب في المندوبات كلا. ومستحب وراجح في الواجب غير الفوري ، وهذا مما لا كلام فيه.

وثالثا : انه لا يبعد دعوى استقلال العقل بحسن المسارعة الى امتثال أمر المولى وبحسن الاستباق الى الخيرات. فآية المسارعة وآية الاستباق ارشاديتان نظير الاوامر الباعثة على اصل الاطاعة نحو (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فلا يلزم حينئذ تخصيص الاكثر لان الآيات تدل على رجحان المسارعة والاستباق ، ولكن لا في نفسهما بل في الاوامر الواقعية.

اما نفس المسارعة والاستباق فراجحان عقلا نظير الطاعة والانقياد فلا يترتب العصيان على تركهما كما لا يترتب الثواب على فعلهما غير مصلحة نفسهما. مثلا : اذا سارع المكلف باتيان الصلاة في اول وقتها فلا يستحق ثوابين ، احدهما على نفس الصلاة والآخر على نفس المسارعة والاستباق ، بل يستحق ثوابا واحدا ، اي ثواب الصلاة اول وقتها.

نعم تكون المسارعة والاستباق حسنين عقلا وذوي مصلحة كالاطاعة

٢٤٦

والاحتياط. فبناء على كون الامر للارشاد لا يلزم التخصيص أصلا ، فضلا عن كثرته. لان المسارعة الى فعل الواجبات والى فعل المندوبات حسن عقلا ، وكذا الاستباق ممدوح. فيكون الامر في الآيات على البعث نحو المسارعة والاستباق للاثر المترتب على نفس المادة.

يعني ان الامر ، حينئذ ، يكون ارشادا الى المصلحة التي تكون في المادة ، كامر الطبيب المريض الى مصلحة موجودة في الدواء أو الغذاء. فالمصلحة مترتبة على الدواء والغذاء وان لم يأمر الطبيب بها ، لان المصلحة مترتبة على وجود المادة لا على عنوان كونها مأمورا بها. مثلا : اذا كان قرص كذا أو شربة كذا نافعين للمريض فأكلهما فأعطيا اثرهما سواء أمر الطبيب أم لا. فهذا شان الاوامر الارشادية.

قوله : فافهم وهو اشارة الى ضعف ضابط كون الاوامر ارشادية ان تكون المصلحة في نفس المادة ، لان كون الامر مطلقا ، اي سواء كان ارشاديا أم كان مولويا ، لما يترتب على المادة من الخواص والآثار هو مما يشترك فيه تمام الاوامر سواء كانت مولوية أم كانت ارشادية من غير اختصاص بالارشادية فقط ، مثلا : اذا قال المولى (صلّ) فالمصلحة تكون في نفس الصلاة وهي مادة لامر (صلّ) كما اذا قال الطبيب للمريض (اشرب هذه الشربة) فالمصلحة تكون لشربها ، فلا فرق بينهما من هذه الجهة ، فيحتمل ان يكون الامر في الآيتين الشريفتين مولويا ، فهذا الضابط لا يكون تماما.

توضيح في بيان الضابط في ارشادية الاوامر والنواهي : ان الضابط في كون الاوامر والنواهي ارشادية ان يكون الامر والنهي لصرف الايقاظ على ما في الفعل من الخواص والمنافع والمضرات من دون أن يترتب على موافقته قرب ولا ثواب ، ولا على مخالفته بعد ولا عقاب.

وقد صرح بذلك الشيخ الانصاري قدس‌سره وقال غيره ان الفرق بين الامر المولوي والنهي المولوي ، وبين الامر الارشادي والنهي الارشادي هو ان في الاوامر والنواهي المولوية يريد الآمر ويكره الناهي ويحب الفعل المأمور به ويبغض الفعل

٢٤٧

المنهي عنه ويتبعهما القرب والبعد والثواب والعقاب.

اما في الاوامر والنواهي الارشادية فلا تكون في نفس الآمر والناهي ارادة ولا كراهة ولا حبّ ولا بغض حتى يتبعهما القرب والبعد والثواب والعقاب ، بل يأمر الطبيب المريض وينهاه بداعي الارشاد الى ما في الفعل من المنافع والى ما في الترك من المضار ، فان شاء المريض وافقه واطاعه وان شاء خالفه وعصاه فلا موافقة المريض تقرّبه الى الطبيب ولا مخالفته وعصيانه يبعدانه عنه.

فهذا الفرق متين جدا. فيكون الامر في الآيات والروايات لما يترتب على المادة من الخواص والآثار مع قطع النظر عن تعلق الامر بالمادة بتوسط الهيئة كما هو شان الاوامر الارشادية ، فهي تابعة للمادة ، فان كانت واجبة فهي للوجوب مثل اطاعة المولى ، ولذا حمل الامر في (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) على الوجوب.

وحمل الامر في آيتي المسارعة والاستباق على الاستحباب أو على مطلق الرجحان الشامل للوجوب والندب بلا دخل الهيئة فيها ، اي في الاوامر الارشادية.

قوله : تتمة بناء على القول بالفور فهل قضية الامر الإتيان فورا ففورا ... الخ قال : لو قلنا بالفور أفتقضي الصيغة وجوب الإتيان في اول اوقات الامكان ، بحيث لو عصى المكلف لوجب عليه الإتيان بالمأمور به فورا ايضا في الزمان الثاني من اوقات الامكان ، أم لا؟

فهنا وجهان متفرعان على ان مفاد الصيغة على هذا القول بالفور أهو وحدة المطلوب للمولى بمعنى كون الفورية مقومة لتمام المصلحة بحيث تفوت بفوات الفورية ، فحينئذ ، لا تكون في الإتيان الثاني ولو فورا ، أم تعدد المطلوب ، بمعنى ان تكون هنا مصلحة قائمة بنفس الفعل المأمور به من دون تقيده بالفور ، وتكون هاهنا مصلحة اخرى قائمة بالفورية فاذا فات الاول بقي الثاني ، فوجب عليه الإتيان في الثاني من اوقات الامكان ، ففي الثالث ، وهكذا فورا ففورا بحيث يكون الاخلال بالفورية منقّصا لمرتبة من المصلحة مع بقاء اصل المصلحة ولو في الجملة؟

٢٤٨

وحدة المطلوب وتعدّده :

قوله : ولا يخفى انه لو قيل بدلالتها على الفورية لما كان لها دلالة على نحو المطلوب من وحدة المطلوب أو تعدده فتدبّر جيدا وهو اشارة الى دقة المطلب.

ولا يخفى انه بعد تسليم دلالة الصيغة على الفور قاصرة عن الدلالة على كيفية مطلوب الطبيعة المأمور بها ، وانها هل تكون على نحو وحدة المطلوب أو على نوع تعدده؟ فلا بد ، حينئذ ، من الرجوع الى الاصل العملى بشرط عدم افادة مقدمات الحكمة شيئا من الامر الذي يترتب عليها ، وإلّا فلا يجب الإتيان في الزمن الثاني من اوقات الامكان عملا لمقتضاها ، وان لم تجر مقدّمات الحكمة فستصل النوبة الى أصل البراءة ، وهو يقتضي عدم الوجوب ، بالاضافة الى ما زاد على الدفعة. لان ما زاد يحتاج ، في مقام الاثبات ، الى مئونة سواء قلنا بان الفور من قيود متعلق الامر ، أم كان واجبا مستقلا بدليل آخر غير الصيغة لجريان اصالة البراءة على التقديرين ، لوجود شرطها وهو الشك ، في التكليف الوجوبي.

ولكن قال بعض انه ينبغي ان يجعل الاحتمال في هذا المقام ثلاثي الاطراف الاول : انه يقال على هذا المبنى فلو ترك المكلف الإتيان فورا عصى يستحق اللوم في الدنيا والعقاب في الآخرة ولكن سقط الامر وهذا متفرع على وحدة المطلوب.

والثاني : فلو ترك الإتيان فورا عصى في ترك الفور ، ولكن بقي الامر بالطبيعة ، وهذا مبنيّ على تعدد المطلوب.

والثالث : فلو تركه في اول اوقات الامكان عصى ، ولكن بقي الامر. غاية الامر أنه يجب عليه الإتيان فورا ففورا. فالفرق بين الثاني والثالث ، ان في الثاني لا يجب الفور في الثاني من اوقات الامكان ، وفي الثالث يجب الفور في كل اوقات الامكان الثاني والثالث والرابع فهذا متوقف على تعدد المطلوب كالثاني.

فالفور في اول اوقات الامكان مقوّم لاصل المصلحة ، فتفوت بفوات الفور. ولذا سقط الامر هذا على الاحتمال الاول ، والفور بناء على الاحتمال الثاني لا يكون مقوّما لتمام المصلحة ، بل هنا مصلحتان : احداهما : قائمة بنفس الفعل المأمور

٢٤٩

به في كل أوقات الامكان. وثانيتهما : بالفور فقط ، فلو فاتت مصلحة الفور فقد بقيت مصلحة الفعل بحالها ولذا لم يسقط الامر ، ووجب الإتيان ، لكن لا على نحو الفور والفورية.

واما الفور بناء على الثالث كالثاني ، الّا ان مصلحة الفور تكون ذات مراتب ، بحيث يكون الاخلال بالفور منقّصا لمقدار من مصلحته ، ولا يكون الإخلال بالفور في اول اوقات الامكان مفوّتا لاصل المصلحة ، اي مصلحة الفور والفورية.

فقوله : وحدة المطلوب اشارة الى الاحتمال الاول كما ان قوله : أو تعدّده اشارة الى الاحتمالين الثاني والثالث.

قوله : فتدبر جيدا وهو تدقيقي لوجهين : الاول : لانه أمر بالتدبر لا بالتأمل ولا بالتفهم ، وهو ظاهر في التدقيق لا في التمريض. والثاني : لانه مقيّد وهو ظاهر في التدقيق والدقة بالمطالب المذكورة سابقا وهي تنبغي بالدقة كما لا يخفى.

الكلام في الإجزاء :

قوله : الفصل الثالث الإتيان بالمأمور به على وجهه يقتضى الإجزاء ... الخ لا ريب في ان الإتيان بالمأمور به مع جميع الأجزاء والشرائط يوجب الإجزاء ولا تجب الاعادة ثانيا لوضوح انطباق المأمور به على المأتي به الذي يوجب سقوط الامر لانه لو لم ينطبق عليه لما انطبق على سائر وجودات المأمور به ايضا لاتحاد حكم الامثال فيما يجوز وفيما لا يجوز. فاذا سقط الامر فلا معنى لطلبه ثانيا لتحصيل الحاصل.

قوله : في الجملة وهو اشارة الى سقوط الامر الثاني. مثلا : اذا تيمم فاقد الماء وصلّى مع جميع الأجزاء والشرائط وهذا مسقط لأمر التيمم وان لم يكن مسقطا لامر الوضوء الذي هو أمر واقعي أولي ، وسيأتي بيانه ان شاء الله تعالى.

وقبل الخوض في تفصيل المقام وبيان النقض والابرام ينبغي تقديم امور :

احدها : الظاهر ان المراد من (وجهه) هو الإتيان بالمأمور به على النهج الذي

٢٥٠

ينبغي ان يؤتى به بقصد التقرب في العبادة بحيث لا يسقط الامر بدون قصد القربة ، لا خصوص الكيفية المعتبرة في المأمور به شرعا فقط من الأجزاء والشرائط بلا قصد القربة ، فانه عليه يكون (على وجهه) قيدا توضيحيا ، لان النهج على قسمين :

الاول : ان يأتي المكلف المأمور به على الكيفية المعتبرة شرعا ، وهذا نهج شرعي.

الثاني : ان يأتيه على الكيفية المعتبرة عقلا ، اي مع قصد التقرب والقربة ، وهذا نهج عقلي.

فيكون المراد من النهج الذي يراد من لفظ (على وجهه) في عنوان البحث ، هو النهجين العقلي والشرعي ، لا النهج الشرعي فقط ، وإلّا يلزم إشكالان. الاول :

يلزم ان يكون القيد توضيحيا. لان عنوان المأمور به يدل على الكيفية المعتبرة شرعا في المأمور به ، وفي متعلق الامر. والتوضيح في القيد خلاف الاصل ، اذ الاصل فيه ان يكون احترازيا.

والثاني : انه يلزم خروج التعبديات عن حريم النزاع ، لان قصد القربة من كيفيات الاطاعة والعبادة عقلا ، لا من قيود المأمور به شرعا ، كما تقدم في التعبدي والتوصلي ، وهذا معنى خروج العبادات عن حريم النزاع.

عدم اعتبار قصد الوجه :

قوله : ولا الوجه المعتبر عند بعض الاصحاب فانه مع عدم اعتباره ... الخ والوجه قد يطلق على الوجوب والاستحباب ويستعمل فيهما. فقصد الوجه حينئذ هو قصدهما وصفا أو غاية. لكنه بهذا المعنى غير مراد هنا قطعا لوجهين :

احدهما : ان قصد الوجه غير معتبر عند معظم الأصحاب قدس‌سرهم ، ثم على فرض اعتباره فانه يختص بالعبادات دون التوصليات ، مع وضوح اعمّية البحث للعبادات والتوصليات.

وثانيهما : انه لا وجه لاختصاصه بالذكر ، لانه من قيود الامتثال ان اعتبر

٢٥١

عقلا كقصد القربة ، أو لانه من قيود المأمور به كسائر الأجزاء والشرائط ان اعتبر شرعا.

فبالنتيجة يكون الاحتمال في لفظ الوجه ثلاثة :

الاول : ان يكون المراد منه هو النهج العقلي والشرعي.

والثاني : ان يكون المراد منه هو النهج والشرعي فقط.

والثالث : ان يكون المراد منه قصد الوجوب.

اما الاحتمال الثاني ففي غير محلّه لاستلزامه القيد توضيحيا كما سبق ، واما الاحتمال الثالث ، فهو غير معتبر عند معظم الاصحاب قدس‌سرهم ، اذ ليس له رسم ولا اثر في الروايات ، والحال انه لا يحكم العقل باعتباره. فتعين الاول من لفظ (على وجهه) فهو إذن على النهج العقلي وعلى النهج الشرعي ، ولكن المناسب دخول اللام عليه فيقال (لوجهه) لا (على وجهه).

معنى الاقتضاء :

قوله : ثانيها الظاهر ان المراد من الاقتضاء هاهنا ... الخ الظاهر من الاقتضاء في عنوان البحث هو الاقتضاء بنحو العلّية والتأثير ، لا بنحو الكشف والدلالة ، ولذا نسب الى الإتيان لا الى الصيغة.

فالاقتضاء هنا مغاير لاقتضاء الامر الفوري والمرة ، وكون الواجب نفسيا عينيا تعيينيا ، لانه في هذه الموارد يكون بمعنى الكشف والدلالة ، ولاجل هذا نسب الى الصيغة فيقال إن الصيغة تقتضي المرة أو الفور أم لا؟ ومن هنا اتّضح ان مسألة الإجزاء عقلية كي لا يبحث عن مدلول الصيغة هو الإجزاء وضعا أو انصرافا ، فتشمل طلب الفعل عن المكلف بالدليل اللبي كالاجماع فالحاكم هنا هو العقل لانه اذا أتي المأمور به على النهج العقلي والشرعي فالعقل يحكم بالإجزاء قطعا.

قوله : ان قلت ان هذا انما يكون كذلك بالنسبة الى أمره واما ... الخ وحمل الاقتضاء في عنوان البحث على العلّية والتأثير انما يصحّ بالنسبة الى أمره ، يعني ان

٢٥٢

الإتيان بالمأمور به مطلقا ـ سواء كان واقعيا أم كان اضطراريا أم كان ظاهريا ـ أيجزي عن امر نفسه أم لا؟ وهذا النزاع كبروي ، بمعنى ان كل الإتيان بالمأمور به الواقعي أيجزى أم لا؟ بالاجماع هو مجز. وبمعنى ان كل الإتيان بالمأمور به الاضطراري أيجزي أم لا؟ هو مجز بالاتفاق. وبمعنى ان كل الإتيان بالمأمور به الظاهري أيجزي عن أمر نفسه أم لا؟ هو يجزي قطعا ، لان الإتيان علّة لسقوط الامر ، فاذا سقط الامر فقد حصل الغرض ، وحصول الغرض يكشف عن الإجزاء وهذا لا كلام فيه.

واما الإتيان بالمأمور به الاضطراري او الظاهري أفيجزي عن المأمور به الواقعي أم لا؟ وهذا النزاع صغروي لان الكلام ـ في الحقيقة ـ في دلالة دليلهما على نحو يفيد الإجزاء أم لا؟ بمعنى انهما أيدلّان على اشتمالهما على تمام مصلحة الواقع حتى يجزيان عن الواقع عقلا أم لا يدلان على اشتمالهما على مصلحته كي لا يجزيا عنه عقلا.

فيرجع الإشكال الى ان الاقتضاء ـ بمعنى العلّية والتأثير ـ يكون في الموضع الاول بمعنى العليّة ، ولكن في الموضع الثاني يكون الاقتضاء بمعنى الكشف والدلالة ، اذ النزاع فيه يكون في دلالة الامر الاضطراري أو الظاهري على نحو يفيد الإجزاء أم لا. فالنزاع يكون في موضعين :

الاول : إن الإتيان بالمأمور به الواقعي يجزي عن أمر نفسه ، والإتيان بالمأمور به الاضطراري أو الظاهري يجزي عن أمر نفسهما أم لا؟

والثاني : إن الإتيان بالمأمور به الاضطراري أو الظاهري يجزي عن المأمور به الواقعي أم لا؟ فيه خلاف بين الاعلام ، فقال بعض بالاجزاء ، وقال بعض بعدم الإجزاء. وتظهر الثمرة الفقهية في الاعادة والقضاء. فتحصل مما ذكرنا : ان الاقتضاء في عنوان البحث ، يكون اعم من العلّية والكشف.

قوله : قلت نعم لكنه لا ينافي كون النزاع فيها كان ... الخ فاجاب المصنف قدس‌سره عن هذا الإشكال بقوله نعم لا ينافي كون الاقتضاء في الامر الاضطراري والظاهري

٢٥٣

بمعنى العلّية والتأثير مع الدليل الذي يتكفل كيفية تشريع المأمور به الاضطراري والظاهري ، أنزّله الشارع منزلة المأمور به الواقعي الاوّلي أم لا؟ فان دلّ هذا الدليل على التنزيل كان الإتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري أو الظاهري علّة لسقوط الامر الواقعي الاولي ، فكمن استصحب الطهارة وصلّى ، فهذه الصلاة مجزية عن الصلاة مع الطهارة المائية ، وكمن تيمّم وصلّى ، فهذه مجزية على القول بالاجزاء وان وجد الماء وبقي الوقت.

وان لم ينزّله منزلته فلا يجزيان عنه ، بل هما مجزيان عنه ما دام العذر والجهل باقيين ، فاذا زالا فلا يبقى التكليف بهما ، بل المتعين هو التكليف بالواقع. فبناء على التنزيل يكون الاقتضاء بمعنى العلّية والتأثير.

غاية الامر ان البحث في الامر الواقعي الاولي كبروي لكون البحث في الإجزاء فقط. واما البحث في الامر الاضطراري والظاهري فيكون البحث فيهما تارة صغرويا ، بمعنى كون المأمور به بالامر الاضطراري والظاهري مأمورا به مطلقا ولو بعد رفع الاضطرار وبعد رفع الجهل. واخرى يكون كبرويا بمعنى أنهما يجزيان عنه عقلا أم لا؟

فتحصّل مما ذكرنا ان النزاع في المأمور به الاضطراري والظاهري صغروي وكبروي ، فيقال في الاول انه هل يكون المأمور به الاضطراري والظاهري مأمورا به مطلقا؟ اي سواء كان حين الاضطرار والجهل أم كان بعد رفع الاضطرار وبعد رفع الجهل؟ فهذا المطلب تابع لدليل تشريعهما فليلحظ.

وفي الثاني يقال أيجزيان عن الامر الواقعي الاوّلي بعد دلالة دليلهما على كونه مأمورا به مطلقا كي لا يجب الإتيان ثانيا لا إعادة ولا قضاء؟ أم لا؟

وبالجملة ، فالنزاع ، بالاضافة الى الامر الواقعي الاولي ، كبروي فقط ، بمعنى ان الإتيان بالمأمور به الواقعي أيجزى عن أمر نفسه أم لا؟ فهو يجزي بالاجماع ، إلا عن ابي هاشم الجبائي وعبد الجبار من العامة القائلين بعدم الإجزاء.

والنزاع فيهما ـ اي في الامر الاضطراري والظاهري ـ كبروي. بالاضافة الى

٢٥٤

الإجزاء عن الامر الواقعي فانه تابع لدلالة دليلهما ، وصغروي بالنسبة الى أمر نفسه كما لا يخفى على العاقل فضلا عن الفاضل.

قوله : فافهم وهو اشارة الى ان النزاع الصغروي الذي يتفرع عليه وجوب الاعادة والقضاء وعدم وجوبهما لا يليق بالبحث في علم الاصول ، بل يليق بالبحث في علم الفقه ، لان اللائق في علم الاصول هو البحث الكبروي.

والفرق بين مسألة علم الاصول وبين مسألة علم الفقه هو ان في مسألة علم الاصول يعتبر امران :

الاول : ان يكون وقوعها في طريق الحكم الشرعي من باب الاستنباط لا من باب الانطباق وبهذا يمتاز عن المسائل الفقهية. ففي المسائل الفقهية يبحث من جهة انطباق الكبرى على الصغرى ، كانطباق المأمور به بالامر الايجابي على الصلاة والصوم ونحوهما ، فحينئذ نقول ان الصلاة واجبة والصوم واجب ، وهكذا.

والثاني : ان يكون وقوعها فيه بنفسها ومستقلا من دون ضم مسألة اخرى وبهذا تفترق عن مسائل سائر العلوم والفنون. لان مسائلهما تقع في طريق الاستنباط بضميمة مسائل علم الاصول وقواعدها اليها. مثلا : اذا اخذنا معنى الصعيد من اهل اللغة ، وهو التراب الخالص او مطلق وجه الارض ، فنضمّ اليه قولنا هو مأمور به بالامر الايجابي فنستنبط وجوب التيمم به.

التوهم في الإجزاء :

قوله : ثالثها الظاهر ان الإجزاء هاهنا بمعناه لغة وهو الكفاية ... الخ فتوهم المتوهم ان الإجزاء يكون بمعنى مختلف لانه في المأمور به الواقعي بمعنى سقوط التعبد ثانيا ، يعني أن لا يأمر المولى ثانيا ولا يتعبد المكلف ، وفي الامر الاضطراري والظاهري يكون الإجزاء بمعنى سقوط القضاء.

فاجاب المصنف قدس‌سره ودفع هذا التوهم بقوله : ان الإجزاء يكون في كل موضع بمعناه اللغوي ، وهو الكفاية. وأثر الكفاية ـ أي كافيا عنه ـ يكون بحسب الموارد

٢٥٥

مختلفا. مثلا : في الامر الواقعي الاوّلي يكون المأتي به مجزيا عن الامر الواقعي ، وأثره هو سقوط التعبد ثانيا.

وفي الامر الاضطراري والظاهري يكون اثر الإجزاء عن الامر الواقعي سقوط القضاء ، فالإجزاء يكون بمعنى واحد وهو الكفاية ، هذا مضافا الى اصالة عدم النقل. ثم ان اجزاء المأمور به الواقعي ، لما كان بلحاظ الامر به ، ناسب التعبير باسقاط التعبد ثانيا. واجزاء المأمور به بالامر الاضطراري والظاهري لمّا كان بلحاظ الامر به ناسب التعبير باسقاط القضاء مع ان المعنى الاصطلاحي لو ثبت لكان من لازم المعنى اللغوي فلا موجب لارادته هنا وهو ظاهر.

الفرق بين مسألة الإجزاء والمرّة والتكرار :

قوله : رابعها : الفرق بين هذه المسألة ومسألة المرة والتكرار ... الخ الفرق بين مسألة الإجزاء ومسألة المرة من وجهين :

احدهما : ان مسألة المرة لفظية ومسألة الإجزاء عقلية.

وثانيهما : ان البحث في مسألة المرة يكون في تعيين المأمور به أهو واحد أم متعدد ، والبحث في الإجزاء يكون بعد تعيين المأمور به ، وهو المأمور به الاضطراري والظاهري أهو مجز عن الامر الواقعي أم لا؟ وكذا الفرق بين مسألة التكرار وبين مسألة عدم الإجزاء.

نعم كان التكرار عملا موافقا لعدم الإجزاء ، لكنه لا بملاكه ، فان ملاك التكرار هو كون كل واحد من وجودات الطبيعة في ضمن الافراد مأمورا به ويكرّر العمل لاجل ان يؤتى بالمأمور به.

وملاك عدم الإجزاء عدم سقوط الغرض وتكرار العمل لأجل ان يؤتى بالمأمور به ، ولم يجز. وفي ضوء هذا لا وجه لتوهم ان القول بالمرّة مساوق للإجزاء ، وان القول بالتكرار مساوق لعدم الإجزاء.

وكذا الفرق بين مسألة الإجزاء وبين مسألة تبعية القضاء للأداء واضح ، لان

٢٥٦

الكلام في التبعية يكون في دلالة الصيغة على التبعية وعدم دلالتها عليها.

والكلام في مسألة الإجزاء في ان الإتيان بالمأمور به أيجزى عقلا أم لا يجزى فمسألة التبعية لفظية ومسألة الإجزاء عقلية.

والفرق الآخر بينهما أنّ المكلف قد أتى بالمأمور به في مسألة الإجزاء ، انما الكلام في إجزائه عن الواقع وعدم إجزائه عنه.

وفي مسألة التبعية لم يأت المكلف بالمأمور به في الوقت ، وانما البحث حينئذ في دلالة الصيغة على الإتيان به في خارج الوقت أم لا. فكل من قال بتبعية القضاء للأداء قال بالدلالة ، وكل من لم يقل بها قال بانه بفرض جديد نحو (اقض ما فات كما فات). وفي ضوء هذا فلا علقة بين مسألة الإجزاء وبين مسألة المرّة والتكرار ومسألة تبعية القضاء أصلا ، فلا تلازم بين المسائل الثلاث.

قوله : بنفسها او بدلالة اخرى الكلام في بحث المرة ، والتكرار ليس إلّا في نفس دلالة الصيغة على احدهما ، اما بهيئتها أو بمجموع مادتها وهيئتها على الخلاف بين المصنف و (الفصول) قدس‌سره ، لا في دلالتها بمعونة دليل آخر. نعم في الفور والتراخي كانت الدلالة بمعونة دليل آخر كآية المسارعة وآية الاستباق كما استدل الشيخ قدس‌سره الذي يقول به بهما كما سبق فهذه أي كلمة (بدلالة اخرى) في هذا المقام زائدة أو من طغيان قلم الناسخ. والعلم عند الله. فقد ظهر لك معاني الكلمات الثلاث في عنوان البحث وهي كلمة (وجهه) وكلمة (الاقتضاء) وكلمة (الإجزاء) وظهر ايضا الفرق بين المسائل الثلاث المذكورة كما لا يخفى.

إجزاء الأمر الاضطراري والظاهري عن امر نفسهما :

قوله : اذا عرفت هذه الأمور فتحقيق المقام يستدعي البحث والكلام في موضعين ... الخ ان الإتيان بالمأمور به على وجهه ، سواء كان واقعيا أم كان اضطراريا أم كان ظاهريا ، ايضا يجزي عن التعبدية ثانيا ، لا عن أمر آخر بل عن أمر نفس كل واحد منها ، لاستقلال العقل بالإجزاء ضرورة أنّ المأتي به اذا كان واجدا لما يعتبر في

٢٥٧

المأمور به شطرا وشرطا ، فلا محالة ، سقط به غرض المولى الداعي الى الامر ، واذا حصل الغرض سقط الامر ، وبعد سقوطه لا مجال مع موافقة الامر باتيان المأمور به على وجهه لاقتضاء الامر التعبد بالمأمور به ثانيا.

قوله : نعم لا يبعد ان يقال بانه يكون للعبد تبديل الامتثال والتعبد به ... الخ هذا استدراك من عدم المجال للتعبد به ثانيا. ومحصّله ان الإتيان بالمأمور به على وجهه يعني أن يؤتى به بجميع ما يعتبر فيه جزءا وشرطا ، عقلا وشرعا ، والحال انه لا ريب ان الإتيان بهذا النحو علّة تامة لحصول الغرض ، وهو مسقط للامر ، لان الغرض علة للامر ، فاذا حصلت العلّة حصل المعلول. واذا لم يكن الإتيان به علّة تامة لحصول الغرض فلا مانع حينئذ من التعبد بالمأمور به ثانيا من باب تبديل الامتثال.

ولا مانع من ايجاد فرد آخر من الطبيعة المأمور بها بدلا عن الفرد الاول الذي يكون وافيا بالغرض الاقصى على تقدير الاكتفاء به ، مثل ما اذا أمر المولى العبد باحضار الماء لرفع العطش ، فانه يجوز للعبد ، ما دام لم يحصل الشرب ، تبديل الامتثال والإتيان بفرد آخر من الماء بدلا عن الفرد الاول ، لا منضما الى الفرد الاول ، كي يلزم تعدد التعبد وتعدد المطلوب ، اذ المفروض عدم تعلق الامر بفردين من الطبيعة ، بل تعلق الأمر بوجود الطبيعة في ضمن فرد منها وهو المطلوب. فصار الإتيان على نوعين :

الاول : ان لا يكون الإتيان بالمأمور به علّة تامة لحصول الغرض الاقصى كما في المثال المذكور.

والثاني : ان يكون الإتيان به علّة تامة لحصوله ، نحو اذا أمر المولى عبده بإهراق الماء في فمه لرفع عطشه ، فأهرقه فيه فرفع عطشه ، فلا مجال حينئذ للاتيان بفرد آخر ، ولا معنى لتبديل الامتثال والاهراق ثانيا ، وقد اشير الى جواز تبديل الامتثال في مسألة المرة والتكرار ، بل يجوز تبديل الامتثال في صورة الشك في كون الإتيان علّة لحصول الغرض.

غاية الامر ، ان جواز تبديل الامتثال في صورة العلم ، بعدم كون الإتيان علة

٢٥٨

تامة لحصول الغرض يكون متيقنا وقطعيا. ومع الشك يكون التبديل رجائيا. ويؤيد جواز تبديل امتثال الامر بل يدل عليه ما ورد من الروايات في باب اعادة من صلى فرادى جماعة وان الله يختار احبهما اليه.

فمنها : رواية ابي بصير قدس‌سره قال : قلت لابي عبد الله عليه‌السلام : أصلّي ثم ادخل المسجد فتقام الصلاة وقد صليت فقال الامام عليه‌السلام : صلّ معهم يختار الله تعالى احبهما اليه (١). وفي مرسلة الصدوق قدس‌سره يحسب له افضلهما واتمهما.

ثم ان روايات الباب ان كانت صريحة في جواز تبديل الامتثال فهي أدلة علّيّة ، وان كانت ظاهرة فيه فهي مؤيدات له. ولاجل هذا قال المصنف قدس‌سره : بل يدل عليه ، لانها صريحة فيه كما يستفاد من كلمات الروايات لا سيما رواية هشام عنه عليه‌السلام في الرجل يصلّي الصلاة وحده ثم يجد جماعة ، قال عليه‌السلام : يصلّي معهم ويجعلها الفريضة ان شاء الله (٢) ونحوها رواية حفص عنه عليه‌السلام (٣).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ ، باب ٥٤ ، ح ١٠.

(٢) المصدر نفسه ، ح ١١.

(٣) المصدر نفسه ، ح ١.

٢٥٩

الاجزاء

قوله : الموضع الثاني : وفيه مقامان : المقام الاول : في ان الإتيان بالمأمور به ... الخ اذا علم الإجزاء في إتيان المأمور به الواقعي والاضطراري والظاهري ، عن امر نفس كل واحد منها انجرّ البحث هنا في مقامين :

المقام الاول : في ان الإتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري هل يجزي عن الإتيان بالمأمور به بالامر الواقعي ثانيا بعد رفع الاضطرار في الوقت اعادة وفي خارجه قضاء ، او لا يجزي عنه. مثلا : من صلّى متيمّما في سعة الوقت ، وقبل انقضاء الوقت وجد الماء ، فاذا قلنا بالإجزاء فلا تعاد مع الوضوء في الوقت ولا تقضى في خارج الوقت. واذا قلنا بعدمه فتعاد وتقضى في خارجه.

قال المصنف قدس‌سره : تحقيق الكلام فيه يستدعي التكلم والبحث فيه تارة في بيان انحاء الاضطراري ثبوتا ، وبيان مقتضى كل واحد من الانحاء من الإجزاء ، ومن جواز البدار قبل ضيق الوقت. واخرى في بيان كيفية الامر الاضطراري إثباتا أفتكون من قبيل المقتضي للاجزاء أم لا؟

اما الامر الاول فيقول المصنف قدس‌سره ان الامر الاضطراري إما أن يكون ـ في حال الاضطرار مثل الامر الاختياري في حال الاختيار ـ مشتملا على تمام مصلحة الامر الاختياري. أي يكون وافيا بتمام غرض المولى في حق المضطر.

فالمختار والمضطر يكونان موضوعين ، ولكل واحد منهما تكليف على حدة. مثلا : الصلاة جالسا للمضطر تكون مثل الصلاة قائما للقادر المختار. ومن المعلوم ان الإجزاء حاصل في هذا القسم من جهة وفائها بتمام الغرض ، واذا كانت كذلك فقد سقط الامر ، فلا تجب الاعادة ، ولا القضاء ، ولا تستحبان ، لعدم المقتضي هنا

٢٦٠