البداية في توضيح الكفاية - ج ١

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ نهضت
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-0-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٤٤٨

فالمعنى الحرفي صار جزئيا ذهنيا بهذا اللحاظ ، بحيث يباين نفسه اذا لوحظ ثانيا ولو كان اللاحظ واحدا ، لكون الملحوظات الذهنية متباينات كالجزئيات الخارجية. ولكن ينبغي ان يعلم انّ اعتبار اللحاظ الذهني جزء للمعنى الحرفي يستلزم ثلاثة اشكالات :

الاول : انّه مستلزم للتسلسل. اذ حين استعمال لفظ في معناه لا بد من تصور المعنى فيلزم تعدد اللحاظ حسب تعدد الاستعمال الى ان ينتهي الى ما لا نهاية له. مضافا الى انّ تعدد اللحاظ يكون على خلاف الذوق السليم.

الثاني : انّه يلزم عدم صدق المعنى الحرفي على الامر الخارجي لامتناع صدق الكلّي العقلي عليه ، حيث أنه لا موطن له الّا ذهنا ، اي في الذهن.

الثالث : انّه كما لا يكون اللحاظ الاستقلالي قيدا لمعنى الاسم ، فكذا اللحاظ الآلي لا يكون جزء للمعنى الحرفي حتى يصير معنى الاسم والحرف جزئيا ذهنيا. فالتفكيك بينهما تحكّم وهو غير مسموع. فان قيل انّه لم يبق فرق بين الاسم والحرف ، فيلزم ترادفهما ، ولازمه استعمال كل منهما في محل الآخر ، فيجوز استعمال لفظ (على) موضع الاستعلاء ، ولفظ (من) محل الابتداء ، لكنه لا يصح اي باطل ، اذ لا يصح سرت ابتداء البصرة انتهاء الكوفة موضع (من) و (الى). قلنا انه لا فرق بينهما في ذات المعنى وانّما الفرق في كيفية الوضع ، لانّ الاسم وضع ليراد منه معناه مستقلا ، والحرف وضع ليراد منه آليّا.

فالاختلاف في كيفية الوضع موجب لعدم جواز استعمال كل منهما موضع الآخر ، فالاستقلالية والآلية لا تكونان من قيود المعنى ومن مقوماته وهو واضح.

الخبر والانشاء :

قوله : ثم لا يبعد ان يكون الاختلاف بين الخبر والانشاء في كيفية الوضع ايضا مع اتحادهما في ذات المعنى. ولتوضيح هذا نحتاج الى تمهيد مقدمة : وهي انّه تكون للاشياء اربعة وجودات ، الاول وجود عيني ، والثاني وجود ذهني ، والثالث وجود لفظي ،

٢١

والرابع وجود كتبي. فلا يكون للانشاء الوجود الخارجي العيني اذ هو يكون ايجاد المعنى مقارنا للفظ ، ولذا لا يحتمل فيه الصدق والكذب ، اذ مناطهما مطابقة النسبة الكلامية للنسبة الخارجية ، وعدم المطابقة ، اي عدم مطابقتها لها ، فالأول صادق ، والثاني كاذب.

اذا تمهّد هذا فنقول : انّ الخبر وضع للاخبار عن ثبوت نسبة في الخارج أو عن نفيها فيه ، والانشاء وضع لايجاد نسبة أو نفيها فيه. فالفرق في كيفية الوضع. فالملاك فيهما هو القصد ، اي قصد اللافظ ، فلا فرق بينهما في اصل المعنى ، اذ قصد الحكاية في الخبري وقصد الايجاد في الانشائي يكونان من خصوصيات الاستعمال ومن اطواره فلا دخل لهما في ذات المعنى.

المبهمات

قوله : ثم انه قد انقدح من التحقيق الذي سبق ان يكون الوضع والموضوع له والمستعمل فيه عامات في المبهمات ، نحو الضمير واسم الإشارة والموصول ، وتشخّص المعنى نشأ من قبل الاستعمال. بيان ذلك هو : حيث ان اسماء الإشارة وضعت ليشار بها الى المشار اليه ، وكذا ضمير الغائب وضمير المخاطب وضعا ليخاطب بهما وليشار بهما ، والإشارة والتخاطب يقتضيان تشخص المشار اليه والمخاطب.

غاية الامر ان اسم الإشارة يحتاج الى التشخص الخارجي ، واسم الجنس والمشتق والحروف تحتاج الى التشخص الذهني. فلا دخل له في المعنى وهو لا يسري الى المعنى فيها ، فلذا لا يكون في كلام القدماء اثر من كون الموضوع له أو المستعمل فيه خاصا ، وانما ذهب اليه بعض المتأخرين ، ولعل منشأه انّ قصد الاستقلالية والآلية من قيود الموضوع له أو من قيود المستعمل فيه ، والحال انّ قصد المعنى ، سواء كان استقلاليا أم كان آليا ، وسواء كان اخباريا أم كان انشائيا ، لا يكون من شئون المعنى ومن قيوده ، بل من شئون الاستعمال واطواره ، فتلخص مما ذكرنا

٢٢

انّ الوضع والموضوع له والمستعمل فيه في الحروف والمبهمات واسم الجنس والمشتقات تكون عامات ، والتشخّص يكون ناشئا من الاستعمال ، ويستحيل تشخّص المعنى بالتشخّص الناشئ من الاستعمال ، لاستلزامه الدور بهذا البيان ، وهو انّ تشخّص المعنى موقوف على تشخّص الاستعمال.

فلو توقّف تشخّص الاستعمال على تشخّص المعنى لزم الدور وهو محال عقلا كما قرّر في محله ، قوله : فتأمل في المقام فانّه دقيق وقد زلّ فيه اقدام غير واحد من اهل الذوق والتحقيق.

كيفية استعمال المجازي :

الامر الخامس : في كيفية استعمال المجازي أهو بالوضع أم بالطبع؟ فيه قولان : الاظهر أنه بالطبع ، فاذا وجدت مناسبة بحكم الطبع بين المعنى الحقيقي والمجازي فهو حسن وان منع الواضع عنه ، واذا لم توجد لم يحسن وان اجاز الواضع. فحسنه مع منع الواضع على فرض وجود المناسبة والعلاقة ، وقبحه مع اجازة الواضع. على تقدير عدم المناسبة ، يدلان على عدم توقف الاستعمال على الوضع. وقال قوم : انّه بالوضع.

وتظهر ثمرة القولين في الاحتياج الى العلاقة وعدمه اليها ، فان كان بالطبع فلا يحتاج اليها ، وان كان بالوضع فهو يحتاج اليها. وبيان العلائق موكول الى علم البيان. وكذا استعمال لفظ في نوعه ومثله يكون بالطبع ويدلّ عليه ايضا حسن استعمال لفظ (رقبة) في العبد مجازا بعلاقة الجزء والكل ، وقبح استعمال لفظ (قلب) فيه مع وجود العلاقة المذكورة مع تحقّق الشرطين الآتيين (في القلب ايضا) :

الاول : ان يكون بين الكل والجزء تركبا حقيقيا.

الثاني : ان يكون الجزء من الرئيسة بحيث اذا انتفى الجزء انتفى الكل. فالشرطان موجودان في (رقبة) و (قلب) فتكشّف من حسن استعمال الاول وقبح استعمال الثاني انّه يكون بالطبع لا بالوضع.

٢٣

استعمال اللفظ في نوعه وصنفه وشخصه :

الامر السادس : في استعمال لفظ في نوعه وصنفه ومثله وشخصه انما يكون بالطبع ، وهو الذي يسمى باستعمال لفظ في لفظ. فاستعمال لفظ قد يكون في معناه وهو امّا حقيقي وامّا مجازي وقد يكون في لفظ آخر وهو على اربعة انواع :

الاول : استعمال لفظ في نوعه نحو (زيد اسم) ولفظ (زيد) استعمل في نوعه الذي يشمل كل (زيد) وامّا تمثيل المصنّف بضرب مسامحة اذ هو منسلخ عن الفعل لوقوعه مبتدأ فلا يشمل نوعه.

الثاني : استعماله في صنفه نحو (زيد) في (ضرب زيد) فاعل ، اذا لم يقصد به شخصه والّا يكون من القسم الرابع ، فزيد اذا كان فاعلا فهو صنف زيد ، كالرمي مثلا.

الثالث : استعماله في مثله نحو استعمال (ضرب) في (ضرب) لان استعمال لفظ في نوعه أو مثله منوط بقصد. اي قصد المستعمل.

الرابع : استعماله في شخصه نحو (زيد لفظ) واريد شخص لفظه ، ويدل عليه انّه لو كان بالوضع لكان المهمل موضوعا لجواز استعماله في نوعه ومثله وصنفه ، فالتالي باطل فالمقدّم مثله. بيان الملازمة واضح. (مثال المهمل نحو «ديز» مقلوب زيد).

قال المصنف انّ في جواز استعمال لفظ في شخصه ، نظرا لاستلزامه احد المحذورين ، اما اتحاد الدال والمدلول وامّا تركّب القضية من الجزءين كما في الفصول.

بيان ذلك : انّه ان اعتبرنا دلالة لفظ زيد على نفسه لزم اتحاد الدال والمدلول وهو باطل ، والّا يلزم تركبها من الجزءين وهو باطل ايضا. اما بطلان الاتحاد اي اتحاد الدال والمدلول فلاستلزامه اجتماع الضدين في شيء واحد ، وهما الدال والمدلول ، واما بطلان تركّبه منهما فلانّه في الملفوظة منها لا بد من تحقق النسبة

٢٤

الكلامية ، وفي المعقولة منها لا بد من النسبة الذهنية ، والنسبة لا تتحقّق بدون تحقّق المنتسب اليه وهو موضوعها ، وبدون المنتسب وهو محمولها.

قلت : انه نختار ، اولا ، دلالة لفظ (زيد) على شخصه ونلتزم بالتعدد الاعتباري. فمن حيث انّه صادر عن لافظ فهو دالّ ، ومن حيث انّ شخص لفظ (زيد) مراد اللافظ فهو مدلول ، وهو كاف في المقام. ونختار عدم دلالته عليه ثانيا فلا يلزم حينئذ تركبها منهما ، اذ الموضوع يكون شخص لفظ زيد ويكون المحمول منتسبا الى شخصه ونفسه ، غاية الامر كون اللفظ نفسه موضوعا وعدم كونه حاكيا عن المعنى لعدم قصد معناه كي يكون حاكيا عنه.

قوله : فافهم وهو تدقيقي.

فتلخص ممّا ذكرنا ان الاستعمال المذكور كلا لا يكون من قبيل استعمال لفظ في معناه لتوقفه على لفظ ومعنى ، ولكن المفروض ارادة شخص لفظ من لفظ ، بل يكون من طريق ايجاد الموضوع باللفظ ، بل لا يكون منه اذا اريد به نوعه وصنفه ، لان اللفظ فرد للنوع والصنف ولا يكون معنييهما ، فالموضوع يكون نفس اللفظ الذي يلقى الى السامع قد احضره في ذهنه بلا حاك عن المعنى.

قوله : لا لفظه اي فلا يكون الموضوع لفظا الذي هو حاك عنه اذ لم يستعمل في المعنى حتى يكون حاكيا عنه بل الموضوع يكون فردا للنوع والصنف ولا يكون معنييهما. فظهر انّ هذا لا يكون استعمالا متعارفا وهو استعمال لفظ في معناه حقيقيا كان أو مجازيا.

قوله : اللهمّ الّا ان يقال انّ لفظ (ضرب) وان كان فردا للنوع اي لنوعه أو لصنفه ولا يكون معناه حتى يكون من نوع استعمال المتعارف. الّا انّه اذا قصد بلفظ (ضرب) مثلا ، حكاية نوعه أو صنفه ، واذا جعل هذا اللفظ عنوانا لهما يكون لفظ (ضرب) حاكيا منهما ، ويكون لفظ (ضرب) مستعملا في نوع أو صنف ، فيكون من الاستعمال المتعارف ، وهو استعمال لفظ في معناه لاجل انطباق الحاكي والمحكي هنا ، كما انهما ينطبقان في استعمال اللفظ في معناه ـ والحاكي هو اللفظ والمحكي

٢٥

هو المعنى ـ لا من باب استعمال لفظ في لفظ كما هو المتعارف عند الاصولي.

وبالجملة فان جعلنا فردا مرآة للكلي وهو فان فيه كفناء لفظ في معناه لا مصداقا له تكن جميع الاقسام الاربعة من الاستعمال المتعارف.

أإنّ الدلالة تتبع الارادة أم لا؟

قوله : الامر السادس في الدلالة هل تتبع الارادة أم لا؟ اعلم انه لا ريب في كون الفاظ العرب موضوعة لمعانيها من حيث هي لا من حيث هي مرادة للافظ ، ولا تكون الارادة جزء المعنى والّا لزم اشكالان :

الاول : يلزم ان يكون من قيود الموضوع له لا من قيود الاستعمال ، فلو كان كذلك لزم تعدد اللحاظ والتالي فاسد فالمقدم مثله ، اذ نقصد المعنى من اللفظ قصدا واحدا ، بل يلزم الدور على هذا الفرض. بيانه انّ قصد المعنى يتوقف على استعمال لفظ في معناه ، فلو توقّف استعماله فيه على قصده منه يلزم الدور ، فالتالي محال فالمقدم مثله محال أيضا ، وأما بيان الملازمة فواضح.

الثاني : انه يلزم على هذا ان لا يصح حمل المسند على المسند اليه الّا بالتجريد ، اي تجريد اللفظ عن الارادة ، وهو غير لازم ، بل هو خلاف الوجدان ضرورة. انّ المسند في (نصر زيد عمرا) نفس (نصر) بلا تجريده عنها ، مضافا الى انه يستلزم انكار عموم الموضوع له ضرورة اخذ مصداق الارادة قيدا لمعنى وهو جزئي دائما ، لا مفهوم الارادة اخذ قيدا فيه ، اذ هو من حيث هو لا يكون الّا هو ، لا يكون له عين ولا اثر في الخارج كي يؤخذ قيدا له ، مع كون عموم الوضع وعموم الموضوع له من المسلّمات.

قوله : وامّا ما حكي عن العلمين الشيخ الرئيس والمحقّق الطوسي رحمه‌الله من ذهابهما الى انّ الدلالة تتبع الارادة فتوضيحه يفتقر الى بيان مقدّمة وهي ان الدلالة على قسمين :

الاول : الدلالة التصورية التي هي خطور معنى اللفظ والكلام في ذهن

٢٦

المخاطب ولو كان صادرا عن حيوان أو عن جماد كالحجر مثلا ، وهذا لا يتوقف على شيء الّا علم السامع بالوضع.

الثاني : التصديقية وهي قسمان : الاول : تصديق السامع على انّ معنى اللفظ مقصود للمتكلم وهو يتوقف على ارادته لانّه ما دام لم تكن ارادته موجودة لم يمكن تصديق السامع ، ولذا اشترط في الكلام ان يكون مقصودا حتى يخرج كلام النائم والمجنون والمغمى عليه لعدم قصد ، اي قصد المعنى من هؤلاء الأشخاص. والثاني : تصديق السامع على انّ النسبة الكلامية مطابقة للنسبة الواقعية أو غير مطابقة لها. اذا عرفتها فاعلم انّ كلامهما ناظر الى كون تصديق السامع على انّ معنى الكلام يكون مقصودا للمتكلم متفرعا على ارادة اللافظ كتفرع مقام الاثبات لمقام الثبوت. مثلا : اذا ثبت القيام لزيد في الواقع فتقول انّه قائم فظهر ان مقام الاثبات تابع لمقام الثبوت ، ولا يكون مرادهما انّ الارادة اخذت قيدا للمعنى ، بل ذات المعنى يكون موضوعا له مجردا عنها.

اذا عرفت هذه فاعلم انّ الدلالة التصورية لا تتوقف على ازيد من علم السامع بالوضع الذي يوجب خطور المعنى في ذهنه ولو كان صدور الصوت من الجدار أو من حيوان معلّم أو من وسائل الصوت التي تعورفت في هذا الزمان.

فتحصّل مما ذكرنا انّ كلامهما لا يكون ناظرا الى انّ الالفاظ موضوعة لمعانيها بما هي مرادة كما زعم (الفصول) بل ناظر الى انّ دلالتها عليها ، على انّ معانيها مقصودة للمتكلم تتبع ارادته لها فالدلالة تابعة والارادة متبوعة.

فان قلت انّه يلزم عدمها اي عدم الدلالة في الصورتين ، في الاولى : انّه ان اخطأ السامع ، نحو (جاءني اسد) والمتكلم قصد رجلا شجاعا والسامع قطع حيوانا مفترسا ، فاعتقاده مباين لارادته ، فلم توجد دلالة لفظ الاسد على الحيوان المفترس ، إذ المتكلم لم يرده بل اراد رجلا شجاعا منه. الثانية : انّه ان اشتبه السامع واعتقد خلاف مقصود المتكلم فلم توجد الدلالة ايضا. قلنا انّه جهالة ولا يكون دلالة حينئذ اصلا. إذ الملاك ارادة المتكلم المعنى الذي أراده ، لا إرادة السامع من حيث الخطأ

٢٧

والاشتباه ، ومن حيث الارادة ، اي خطأ السامع واشتباهه وارادته فليست الدلالة حينئذ اصلا ، بل يحسبها الجاهل دلالة ، وأما الفرق بين الخطأ والاشتباه فهو في الاول يكون قاطعا ، وفي الثاني يكون ظانا على الوجه القوي ، ولا يكون قاطعا.

قوله : ولعمري ما افاده العلمان واضح لا غبار عليه ، ولا ينقضي تعجبي كيف رضي صاحب (الفصول) ان يجعل كلامهما ناظرا الى ما لا ينبغي صدوره عن فاضل ، بان يقول انّ الارادة تكون قيدا للموضوع له نقلا عن مثل صاحب (الفصول) الذي هو علم في التحقيق والتدقيق.

وضع المركبات :

قوله : السادس ... الخ فاعلم انّه لا مجال لتوهم الوضع للمركبات غير وضع مفرداتها مادة وهيئة ، ويكون الغرض من عقد هذا دفع توهم وضع ثالث لها ، وقبل الشروع في اصل المقصد لا بد من تمهيد مقدمة وهي انّ محل البحث في وضع المركب ثابت بجميع اجزائه. مثلا : (زيد قائم) هو مركّب كلامي ، قد وضع لفظ (زيد) لمعناه وهو الذات المعيّن المشخص ، ولفظ (قائم) وضع لمن صدر عنه القيام ، ولا اشكال فيه ، وانما الكلام في وضع مجموع المركب على حدة ، اذا تمهد هذا فنقول : انّ كل جملة لها اوضاع باعتبار كل جزء جزء فيكون اقلها ثلاثة. مثلا : تكون ل (زيد انسان) ثلاثة اوضاع : الاول وضع لفظ (زيد) لمعناه ، والثاني وضع لفظ انسان لمعناه ، والثالث وضع الهيئة القائمة بهما لمعناها وهو كون زيد انسانا ، وهكذا الى ان يبلغ الى عشرة اوضاع على اختلاف الدواعي التي توجب لاختلاف عدد المركب.

فتحصّل مما ذكرنا انّه لا حاجة الى وضع ثالث له بعد وضع مادته وهيئته لانّه وافٍ بالغرض. فالوضع الثالث يكون عبثا وقد استدلّ عليه بان وضع الثالث ، اما أن يكون لفائدة اولا ، والثاني باطل ، فالاول ان كان لفائدة تترتب على مفرداته فهذا تحصيل الحاصل ، وان كان لفائدة لا تترتب عليها فهذه مفقودة وجدانا ، مضافا الى انه يستلزم دلالة الكلام على المقصود مرتين وهو خلاف الوجدان ، فانّ السامع لا

٢٨

يفهم معناه مرّتين.

قوله : ولعل المراد من العبارات ... الخ لعل النزاع يكون لفظيا لان القائل بوضع مجموع المادة والهيئة بقول بوضع الهيئة على حدة ، فيكون مراده بيان وضع الثاني وضع المادة هو وضع الاول ، والمنكر انكر الوضع الثالث للمركب ، فيكون لفظيا صوريا لا حقيقيا ، لانّ المثبت اثبت الوضع الثاني ، والمنكر انكر الوضع الثالث للمركب ، فيقبلان الثاني وينكران الثالث.

علامات الحقيقة والمجاز :

قوله : السابع لا يخفى انّ تبادر المعنى ... الخ الامر السابع في علائم الحقيقة والمجاز وهي اربعة :

الاول : هو التنصيص وعدمه يكونان علامة الحقيقة والمجاز على نحو اللفظ والنشر المرتب. فيقال انّه : هل المراد منه تنصيص واضع اللغة؟ أو تنصيص اهل اللغة؟ فان كان المراد هو الاول فلا طريق اليه في اللغات القديمة ، وان كان الثاني فلا نسلّم انه يكون من علامات الحقيقة ، لانّه لا يكون من اهل الخبرة بالوضع ، وانما هو اهلها بالاستعمال ، ولعل هذا يوجب عدم ذكره هنا.

الثاني : تبادر المعنى من اللفظ علامة كونه حقيقة فيه ، كما انّ عدم التبادر علامة المجاز. فان قيل انّه يلزم الدور اذا كان علامة لها لانه يتوقف على العلم بالوضع ، كما ترى انّه لا يتبادر المعنى عند الفارسي من اللغة التي لا يعلمها ، فلو توقف العلم بالوضع عليه يلزم دور لكونه جعل علامة الحقيقة.

قلنا انّه لا يلزم لانّ العلم التفصيلي بالوضع يتوقف عليه ولكن هو يتوقف على العلم الاجمالي الارتكازي ، فتغاير العلمين بالاجمال والتفصيل يكفي في رفع غائلة الدور ، وهذا الجواب يكون متينا اذا كان المقصود به عند المستعلم الذي يريد تمييز الحقيقة عن المجاز ويجهل بالوضع. واما اذا كان المراد به عند اهل المحاورة الذي يعلم به فيكون تغاير العلمين امتن لكون علمه تفصيلا.

٢٩

قوله : فانّه يقال الموقوف عليه غير الموقوف عليه ... الخ هذا جواب عن محذورية الدور ، وهو انّ الموقوف على التبادر هو العلم التفصيلي بالموضوع له ، والتبادر موقوف على العلم الاجمالي الارتكازي بالموضوع له. بمعنى ان لهذا اللفظ معنى يتبادر منه وان لم نعلمه تفصيلا.

فالموقوف علم تفصيلي بالمعنى الموضوع له والموقوف عليه علم اجمالي ارتكازي فلا دور. وهذا متين اذا كان المقصود به التبادر عند المستعلم ، واما اذا كان المراد به التبادر عند اهل المحاورة العالم بالوضع فالتغاير اوضح وامتن ، لانّ الموقوف على التبادر هو علم المستعلم ، والتبادر موقوف على علم اهل المحاورة. فالموقوف هو علم المستعلم ، والموقوف عليه هو علم اهل المحاورة فلا دور اصلا.

قوله : ثم ان هذا فيما لو علم استناد الانسباق الى نفس اللفظ واما فيما احتمل استناده الى قرينة ... الخ اعلم انه اذا علم ان تبادر المعنى مستند الى حاق اللفظ أو الى القرينة فلا كلام ، اذ الاول علامة الحقيقة ، والثاني علامة المجاز. واما اذا شك ان تبادر المعنى هل هو مستند الى حاق اللفظ أو الى القرينة ، فلا ينفع حينئذ اصالة عدم القرينة في إحراز كون الاستناد الى حاق اللفظ لا الى القرينة. نعم اذا عرف المعنى الحقيقي واستعمل اللفظ وشك في ارادته منه لاحتمال وجود القرينة الصارفة عنه فحينئذ تجري اصالة عدم القرينة ويحرز بها ارادة المعنى الحقيقي ، وهذا مقصود المصنف من قوله : لعدم الدليل عليها الّا في إحراز المراد لا الاستناد.

وبالجملة فالتمسك باصالة عدم القرينة ينفع فيما اذا علم المعنى الحقيقي وكان الشك في المراد أهو يكون المعنى الحقيقي أم كان المعنى المجازي؟ ولا ينفع فيما اذا لم يعلم المعنيان الحقيقي والمجازي وكان الشك في استعمال اللفظ في ايهما. لانّ الاستعمال اعم من الحقيقة والمجاز عند المشهور الّا عند السيد المرتضى قدس‌سره لانه يقول : انّ الاستعمال يكون من علامة الحقيقة كالتبادر واشباهه ، ويشترط في التبادر ان يكون مستند الى حاق اللفظ الذي هو يكشف كشفا إنيّا عن الوضع لانه معلول الوضع.

٣٠

فتحصّل مما ذكرنا انّ التبادر عند العالم بالوضع علامة للحقيقة للجاهل به. فالمستعلم يرجع الى العالم بالوضع كما هو معلوم عند اهل المحاورة في استعلام اللغات وتعاليمها وتعلّمها. وبهذا يندفع اشكال الدور ، اذ علم المستعلم بالوضع يتوقف على التبادر ، ولكن هو يتوقف على علم اهل المحاورة الذي يكون عالما بالوضع. ولكن قد ينجرّ الكلام الى كلام آخر للمناسبة ، وهو اشكال ابي سعيد علي ابن سينا بانّ بديهي الانتاج من الإشكال الاربعة هو الشكل الاول ولكن الاستدلال به يستلزم الدور ، لان العلم بالنتيجة يتوقف على العلم بكبرى القياس ، والعلم بالكبرى يتوقف على العلم بالنتيجة اي على العلم بثبوت الاكبر للاصغر.

مثلا : اذا قلنا العالم متغير ، وكل متغير حادث ، فالعالم حادث ، فالعلم بحدوث العالم يتوقف على العلم بحدوث كل متغير ، والعلم بحدوث كل متغير يتوقف على العلم بحدوث العالم ، لان العالم يكون من مصداق المتغير ، فاجاب ابن سينا عنه :

بالاجمال والتفصيل بان العلم التفصيلي بالنتيجة يتوقف على العلم بالكبرى ، والعلم بالكبرى يتوقف على العلم الاجمالي ، بالنتيجة فيكون الموقوف شيئا والموقوف عليه شيئا آخر ، اذ الاول علم تفصيلي ، والثاني علم اجمالي. فهذا الجواب يناسب جواب ما نحن فيه وهو الجواب عن غائلة الدور.

عدم صحة السلب :

قوله : ثم ان عدم صحة سلب اللفظ بمعناه المعلوم المرتكز في الذهن اجمالا ... الخ علامة كون اللفظ حقيقة في المعنى الذي استعمل فيه كاستعمال لفظ الحمار في الناهق ، فلا يصح ان تقول ان الناهق ليس حمارا ، كما يصح ان تقول الناهق حمار ، فعلم من عدم صحة السلب ومن صحة الحمل انّ استعمال لفظ الحمار في الحيوان الناهق يكون على نحو الحقيقة ، وقد يستعمل في الرجل البليد فيصح ان تقول ان رجلا بليدا ليس حمارا فنعلم من صحة السلب ومن عدم صحة الحمل ان استعمال لفظ الحمار في الرجل البليد يكون على نحو المجاز.

٣١

اعلم ان الحمل هو اتحاد الشيئين في الخارج المتغايرين في الذهن وهو يكون على قسمين :

الاول : هو الاوّلي الذاتي الذي يكون ملاكه اتحاد الموضوع والمحمول مفهوما ومصداقا ووجودا وتغايرهما اعتبارا نحو (الانسان حيوان ناطق) ، اذ مفهوم الانسان والحيوان الناطق يكون متحدا وكذا مصداقهما ، وتغايرهما يكون بالاجمال والتفصيل ، لان الانسان يكون معرفا بالفتح ، وشانه ان يكون مجملا ، والحيوان الناطق انما يكون معرفا بالكسر ، وشانه ان يكون مفصلا ، واجلى واعرف. ويسمى بالأولي لكونه اول مراتب الحمل ، وبالذاتي لكونه في الذاتيات التي تكون جنسا وفصلا.

الثاني : الصناعي الشائع الذي يكون ملاكه تغاير الموضوع والمحمول مفهوما واتحادهما مصداقا نحو (زيد انسان) فان الكلي يكون متحدا في الخارج مع افراده ومتغايرا معها مفهوما اذ مفهوم الكلي يكون غير مفهوم الفرد.

قوله : وافراده الحقيقية يعني حيث يكون الحمل بين الفرد والكلي. اما لو كان بين الكليين فيدل الحمل على اتحادهما خارجا وان اختلفا مفهوما وكان بينهما عموم من وجه ، فعلى هذا تكون الاقسام ثلاثة : احدها حمل احد المترادفين على الآخر ، وثانيها حمل الكلي على الفرد ، وثالثها حمل احد الكليين على الآخر. والاول يدل على كون الموضوع هو نفس معنى المحمول نحو (الانسان بشر). والثاني يدل على ان الموضوع من افراد المحمول نحو (زيد انسان). والثالث انما يدل على الاتحاد في الخارج نحو (الانسان حيوان) ، سواء كانا متساويين كالنوع والفصل نحو انسان وناطق ، أم كان بينهما عموم مطلق كالنوع والجنس نحو انسان وحيوان ، أو عموم من وجه كالحيوان وأبيض ، وسواء كان المحمول من ذاتي الموضوع كان جنسا له أو فصلا له ، أم كان من عرضي الموضوع كان عرضا خاصا له ، أو عرضا عاما له ، وسواء كان الموضوع نوعا من المحمول نحو (الانسان حيوان) ، أم كان صنفا له نحو (الرومي انسان) ، أم كان فردا له نحو (زيد انسان) ،

٣٢

وسواء كان المحمول ثابتا لنفس الموضوع من حيث هو هو من دون سرايته الى افراد الموضوع نحو (الانسان نوع) و (الحيوان جنس) فيكون الحمل شائعا صناعيا في جميع هذه الموارد. ويسمى شائعا لشيوعه في العلوم والصناعات. ويسمى عرضيا لكون ملاك هذا اتحاد الوجود الذي يعرض الماهية تصورا.

اذا عرفت هذا فاعلم ان ملاك صحة الحمل الذي هو علامة الحقيقة هو الحمل الاولي الذاتي الذي يعتبر فيه اتحاد الموضوع والمحمول مفهوما ووجودا ومصداقا. فالمحمول يكون فيه نفس الموضوع نحو (الانسان انسان). واما الحمل الشائع الصناعي فلا يكون علامة للحقيقة ، كما انه لا يكون علامة للمجاز بل يكون حاله كحال الاستعمال على قول الجمهور ، سواء كان المحمول فيه كليا طبيعيا ويكون الموضوع من افراده نحو (زيد انسان) ، أم كانا كليين متساويين نحو (الانسان ناطق) ، أم كانا اعم مطلقا نحو (الانسان حيوان) ، أم كانا اعم من وجه مثل (الانسان ابيض). غاية الامر ان صحة الحمل في هذه الموارد بكون علامة اتحاد الموضوع والمحمول مصداقا. والحمل الشائع يكون على قسمين : الاول حمل مواطاة وحمل هو هو نحو (زيد عالم) ، والثاني حمل اشتقاق وحمل ذو هو نحو (زيد عدل) اي ذو عدل.

اعلم ان المجاز يكون على ثلاثة اقسام :

الاول : مجاز في الكلمة نحو استعمال لفظ (اسد) في الرجل الشجاع.

والثاني : مجاز في الاعراب وهو الذي حذف المضاف واقيم المضاف اليه مقامه واعرب المضاف اليه باعراب المضاف نحو (جاء ربّك) لانه في الاصل كان (جاء امر ربّك) لاستحالة مجيء الرب.

والثالث : مجاز في الاسناد وفيه يكون اسناد الشيء الى غير من هو له نحو (زيد عدل) ويسمى مبالغة في الاسناد ايضا.

فهذا الحمل لا يكون علامة للحقيقة والوضع. واما صحة السلب كصحة سلب الاسد عن الرجل الشجاع فهو علامة عدم كون المسلوب عنه من مصاديق المسلوب ومن افراده الحقيقية ، غاية الأمر انه ان قلنا بمقالة السكاكي في

٣٣

الاستعارات فاستعمال المسلوب في المسلوب عنه ، فلفظ (الاسد) يكون مسلوبا و (الرجل الشجاع) مسلوبا عنه يكون من باب الحقيقة الادعائية ، والّا فهو من باب المجاز في الكلمة فظاهر كلام السكاكي في نحو (رأيت اسدا يرمي) أو (في الحمام) مع كون الرامي رجلا شجاعا لا حيوانا مفترسا ، ان لفظ الاسد فيه لم يستعمل في الرجل الشجاع ، لتنزيل الرجل الشجاع منزلة الاسد ، بدعوى ان للاسد فردين احدهما واقعي والآخر ادعائي تنزيلي ، ثم استعمل اللفظ فيه ، فيكون ذلك تصرفا في امر عقلي فيكون هذا استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي الادعائي ، لا في المعنى المجازي كما هو المشهور ، فالسكاكي انكر مجازا في الكلمة.

فغرض صاحب (الكفاية) قدس‌سره من هذا الكلام بيان عدم الفرق بين قول المشهور وبين مذهب صاحب المفتاح ابي يعقوب السكاكي ، لان صحة السلب تكون علامة كون معنى المسلوب مجازيا للفظ المسلوب عنه ، سواء قلنا بمقالة السكاكي أم قلنا بمقالة المشهور ، فان قيل انه يلزم الدور على فرض ان يكون عدم صحة السلب علامة للحقيقة ، فبيانه :

لان العلم بالوضع يتوقف على عدم صحة السلب لانه جعل علامة للوضع وللحقيقة ، وعدم صحة السلب يتوقف على العلم بالوضع ، لانا اذا لم نعلم بالوضع لم نحكم بعدم صحة السلب ، ولكن يجاب عنه بان عدم صحة السلب يتوقف على العلم الاجمالي الارتكازي بالوضع ، فيكون الموقوف علما تفصيليا والموقوف عليه علما اجماليا ارتكازيا ، فهذا التغاير ، اي تغاير العلم ، كاف في رفع غائلة الدور. هذا اذا كان المقصود به عدم صحة السلب علامة للحقيقة عند المستعلم الجاهل بالوضع.

واما اذا كان المراد به عدم صحة السلب عند اهل المحاورة فلا يلزم الدور أصلا ، لان علم المستعلم بالوضع يتوقف على عدم صحة السلب ، ولكن عدم صحة السلب يتوقف على علم أهل المحاورة ، فيكون العلم متعددا وهو يستلزم تعدد الموقوف والموقوف عليه فلا دور في البين.

وكذا يرد اشكال الدور في طرف صحة السلب ، بان يقال ان العلم بكون معنى

٣٤

المستعمل فيه معنى مجازيا للفظ يتوقف على صحة السلب ، وصحة السلب يتوقف على العلم بكون معنى المستعمل فيه معنى مجازيا للفظ فهذا دور. واما الدفع بان يقال ان العلم التفصيلي بكون المستعمل فيه معنى مجازيا للفظ يتوقف على صحة السلب ، ولكن صحة السلب تتوقف على العلم الاجمالي الارتكازي بكونه معنى مجازيا فالموقوف هو العلم التفصيلي والموقوف عليه هو العلم الاجمالي. أو يقال ان علم المستعلم بكونه معنى مجازيا للفظ يتوقف على صحة السلب ، ولكن صحة السلب تتوقف على علم اهل المحاورة بان المعنى المستعمل فيه يكون معنى مجازيا للفظ ، فلا دور في البين كما هو واضح.

قوله : فتأمل جيدا وهو تدقيقي لا غير. قوله : بنحو من انحاء الاتحاد ... الخ كان بنحو الحلول أو الانتزاع أو الصدور أو الايجاد كما سيأتي تفصيله في بحث المشتق. ففي مثل العالم يكون الاتحاد بين الذات والمبدأ حلوليا وفي مثل الحادث والسابق واللاحق يكون انتزاعيا بمعنى كون المبدأ منتزعا عن الذات ومتحدا معها ، وفي مثل الضارب والقاتل ونحوهما يكون صدوريا ، وفي مثل المتكلم يكون ايجاديا.

الاطّراد

قوله : ثم انه قد ذكر الاطّراد وعدم الاطراد علامة للحقيقة والمجاز. اعلم ان المراد بالاطّراد الذي هو علامة الحقيقة هو شيوع استعمال اللفظ في المعنى من دون اختصاصه بمقام دون مقام ، نحو لفظ الانسان الذي يستعمل في الطويل والقصير والغني والفقير و ... بخلاف استعمال لفظ الرقبة مجازا في العبد بعلاقة الجزء والكل فهو يصح في نحو (اعتق رقبة) ولا يصح في نحو (قالت رقبة) كما يصح (قال انسان).

قوله : قد ذكر الاطراد ... الخ الاطراد : عبارة عن كون اللفظ الذي يستعمل في مورد بلحاظ ذلك المعنى بحيث يصح استعماله في ذلك المورد وفي غيره من الموارد بلحاظ ذلك المعنى كما في لفظ الانسان الذي يطلق على (زيد) بلحاظ كونه (حيوانا ناطقا) فانه يصح اطلاقه على جميع افراد الحيوان الناطق بلحاظه ، ويقابله

٣٥

عدم الاطراد ويكون هذا التقرير الثاني للاطراد ، فلا يتوهّم تكرار بلا فائدة والغرض منه زيادة التوضيح.

رفع الإشكال :

قوله : لعله بملاحظة نوع العلائق ... الخ دفع المصنف بهذا اشكالا واردا على العلامة هذه. بيانه : ان الاطراد بالمعنى المتقدم يكون في المجاز ايضا ، لان لفظا اذا استعمل في غير معناه الحقيقي مجازا لعلاقة من العلائق المعدودة يكون هذا الاستعمال مطردا أيضا ، فمثلا : لفظ (اسد) اذا استعمل في الرجل الشجاع لعلاقة المشابهة فهو يجوز في كل رجل شجاع سواء كان طويلا أم قصيرا ، عربيا كان أم عجميا ، ولاجل ذلك يقال ان المجازات موضوعة بالوضع النوعي.

واما الدفع فيقال ان استعمال لفظ الاسد في الحيوان المفترس مطرد واما في نوع المشابه له فغير مطرد ، بمعنى انه قد يستعمل كما في الرجل الشجاع ، وقد لا يستعمل كما في الرجل الابخر ، مع كون كل منهما مشابها للحيوان المفترس. وهكذا اسناد السؤال الى ذوي العقول مطرد ، والى نوع المحل والمقر لهم غير مطرد ، فقد يسند اليه كما في نحو (واسأل القرية) وقد لا يسند اليه كما في نحو (واسأل البساط) أو (الدار) مع كون كل منهما محلا ومقرا لذوي العقول. فعدم الاطراد يكون بلحاظ نوع العلاقة لا بلحاظ الصنف الخاص منها الذي صح معه الاستعمال كالشجاعة من بين اصناف الشباهة ، اذ كما ان استعمال لفظ الاسد في الحيوان المفترس مطرد كذا الامر في اسناد السؤال ، اذ كما ان اسناده الى ذوي العقول مطرد فكذلك اسناده الى القرية لعلاقة الحال والمحل مطرد. فيكون المراد نوع العلائق لا الصنف الخاص منها ، لانه بلحاظه يكون استعمال اللفظ في المعنى المجازي مطردا كما ذكر في ضمن الإشكال.

قوله : من غير تأويل أو على وجه الحقيقة ... الخ تكون هذه الزيادة من صاحب الفصول قدس‌سره ، يعني الاطراد الذي يكون من علائم الحقيقة من غير ملاحظة العلاقة ،

٣٦

ومن غير ملاحظة القرينة الصارفة. هذا هو المراد من قوله : من غير تأويل وهو اشارة الى مذهب السكاكي. أو الاطراد يكون من علائم الحقيقة اذا كان على نحو الحقيقة في الكلمة ، وهذا ناظر الى مذهب المشهور. اما بخلاف الاطراد في المجاز فانه لا يكون من غير تأويل ولا على نحو الحقيقة.

قوله : الّا ان الاطراد حينئذ لا يكون علامة لها إلّا انه يكون على وجه دائر ... الخ يعني يكون جواب صاحب (الفصول) عن الإشكال المذكور فرارا من ورطة اخرى وهي لزوم الدور. بيانه : ان الاطراد من غير تأويل أو على وجه الحقيقة يتوقف على العلم بالمعنى الحقيقي فلو توقف العلم بالمعنى الحقيقي على الاطراد للزم الدور ، ولا يمكن التقصي عن الدور في المقام بما تقدم من التغاير بين الموقوف والموقوف عليه بالاجمال والتفصيل ، اذ من الواضح ان الاطراد من غير تأويل ، أو على وجه الحقيقة ، يتوقف على العلم التفصيلي بان المستعمل فيه معنى حقيقي للفظ ، ويكون الاستعمال فيه بلا تأويل وعلى وجه الحقيقة ، لا على العلم الاجمالي الارتكازي ، فلا يمكن ان يقال في دفع الدور في هذا المقام ان العلم التفصيلي بان المعنى المستعمل فيه يكون معنى حقيقيا للفظ يتوقف على الاطراد ، والاطراد يتوقف على العلم الاجمالي الارتكازي ، على ان لهذا اللفظ يكون معنى حقيقي يتبادر منه ، بل الاطراد على وجه الحقيقة ، أو من غير تأويل يتوقف على العلم التفصيلي بان المعنى المستعمل فيه معنى حقيقي له.

فاذن لا يمكن التخلّص عن الدور اذا عرفت ما ذكرنا ، فقد ظهر لك فساد قول صاحب الفصول قدس‌سره وهو زيادة قوله : من غير تأويل أو على وجه الحقيقة في الاطراد.

تعارض احوال اللفظ :

قوله : الثامن انه للفظ احوالا خمسة : وهي التجوز والاشتراك والتخصيص والنقل والاضمار ... الخ هنا مقامات ثلاثة من الكلام ينبغي الإشارة اليها فنقول وعلى الله التكلان :

٣٧

المقام الاول : اذا استعمل اللفظ في معنى ولم يعلم وضعه له فهل يحكم بمجرد استعماله كونه حقيقة فيه كما نسب ذلك الى السيد المرتضى علم الهدى قدس‌سره نظرا الى ظهور الاستعمال فيه؟ أو يحكم بكونه مجازا فيه كما نسب ذلك الى بعض المتأخرين نظرا الى ان اغلب لغة العرب مجازات والظن يلحق الشيء بالاعم الاغلب؟ أو يفصّل بين ما اذا كان المعنى المستعمل فيه واحدا فيحكم بكونه حقيقة فيه نظرا الى ان المجاز مستلزم للحقيقي لانه يشترط في المجاز ان يكون مناسبا للحقيقة ، فمتى لم يتحقق الحقيقي لم يتحقق المجازي ، فلا يمكن القول بمجازيته ، وبين ما اذا كان متعددا فيحكم بكونه حقيقة في احد المعاني ومجازا في الباقي ، نظرا الى كون المجاز خيرا من الاشتراك ، فيكون التميز بين المعنى الحقيقي والمجازي بامارات الحقيقة والمجاز ، أو يتوقف نظرا الى كون الاستعمال اعم من الحقيقة والمجاز ، وجوه اشهرها الاخير.

المقام الثاني : اذا علم المعنى الحقيقي والمعنى المجازي على التفصيل واستعمل اللفظ ، ودار الامر بين ارادة المعنى الحقيقي وبين ارادة المعنى المجازي فلا يصار الى المعنى المجازي الّا بدليل خاص ، اي بقرينة صارفة عن المعنى الحقيقي ، وذلك لاصالة الحقيقة المعمول بها عند الشك والترديد بين ارادة المعنى الحقيقي والمجازي.

وهكذا اذا دار الامر بين المعنى الحقيقي وبين التخصيص أو التقييد ، فيؤخذ بالمعنى الحقيقي ولا يلتفت الى احتمال التخصيص أو التقييد مجازا لاصالة عدم التخصيص ، ولاصالة عدم التقييد ، كما سيأتي في محله. وهكذا اذا دار الامر بين المعنى الحقيقي وبين النقل ، بان احتمل نقل اللفظ عن المعنى الحقيقي الذي نعلمه بالتفصيل الى معنى آخر لا نعلمه وانه قد اريد منه هنا ، فلا يعتنى باحتمال النقل ويؤخذ بالمعنى الحقيقي المعلوم بالتفصيل وذلك لاصالة عدم النقل. وهكذا اذا دار الامر بين المعنى الحقيقي وبين الإضمار والتقدير ، وان يكون المراد من (طاب زيد) طابت اخلاق زيد بإضمار كلمة اخلاق ، فيؤخذ بالمعنى الحقيقي وبالظاهر دون

٣٨

الاضمار لأصالة عدم الاضمار.

ثم اعلم ان مرجع تمام هذه الاصول اللفظية ، من اصالة الحقيقة واصالة عدم الاشتراك واصالة العموم أو الاطلاق واصالة عدم النقل واصالة عدم الاضمار واصالة عدم التخصيص واصالة عدم التقييد ، الى اصل واحد وهو اصالة الظهور ، فيكون هو الاصل الاصيل المعتبر عند العرف والعقلاء ، فيعتمدون عليه من باب العمل بظاهر الكلام الذي ستأتي حجيته في الظنون الخاصة ان شاء الله تعالى ، وامثلة الكل واضحة لا حاجة الى ذكرها.

المقام الثالث : اذا دار الامر بين احد الاحوال الخمسة المذكورة للفظ المخالفة للاصل كما ذكر وبين بعضها الآخر ، كما اذا دار الامر بين المجاز والاشتراك أو بين الاشتراك والنقل أو بين التخصيص والاضمار ، فالاصوليون قد ذكروا لترجيح بعض الاحوال على بعض امورا ومرجحات ، مثل : كون المجاز خيرا من الاشتراك ، اولا : لكثرته ، اي لكثرة المجاز ، وأوسعيته في لغات العرب العزّة للتكاثر. وثانيا : لكونه افيد منه لانه لا توقف فيه ابدا ، لان القرينة الصارفة اذا لم تكن في الكلام موجودة فيحمل اللفظ على المعنى الحقيقي لاصالة الحقيقة ، بخلاف المشترك لانه اذا لم تكن القرينة المعيّنة موجودة في الكلام فلا يحمل لفظ المشترك على شيء من معانيه فيكون مجملا ، أو كون الاشتراك خيرا من المجاز حيث انه ابعد عن الخطإ ، اذ مع عدم القرينة المعينة يتوقف ، بخلاف المجاز إذ على الحقيقة مع عدم القرينة الصارفة ولعلها تكون غير مرادة في نفس الامر والواقع.

ومثل كون الاشتراك خيرا من النقل ، لان النقل يقتضي الوضع في المعنيين مع نسخ الوضع الاول ، بخلاف الاشتراك لعدم اقتضائه النسخ ، والحال ان الاصل عدم النسخ. أو كون النقل خيرا من الاشتراك لان مفاسد النقل اقل من مفاسد الاشتراك لان اللفظ المنقول محمول على المعنى الثاني اذا كان مجرّدا عن القرينة بخلاف المشترك فانه اذا تجرد عنها يكون مجملا ، فتكون فائدة النقل اكثر. ومثل كون التخصيص خيرا من الاضمار لكونه اغلب حتى قيل ما من عام إلّا وقد خصّ فيقدم

٣٩

على الاضمار. الى غير ذلك من الوجوه المذكورة في المطولات.

قال المصنف إلّا انها امور استحسانية ذوقية لا اعتبار بها إلّا اذا كانت موجبة لظهور اللفظ في المعنى لعدم مساعدة دليل على اعتبارها بدون ذلك كما لا يخفى.

يعني أن هذه الأمور والمرجّحات بعضها على بعض استحسانية فلا تكون حجّة ومعتبرة ، فلا يجوز الاعتماد عليها في تشخيص المراد من اللفظ اللهم ، إلّا اذا كانت موجبة لظهور اللفظ في احد طرفي الاحتمال ، فعند ذلك يؤخذ بالطرف الراجح لاجل ظهور اللفظ فيه وهو حجة عند العرف والعقلاء ، والحال ان الشارع قد امضاه كما سيأتي في بحث الظنون الخاصة ان شاء الله.

الحقيقة الشرعية :

قوله : التاسع انّه اختلفوا في ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه على اقوال يعني قال جماعة بثبوتها في العبادات وفي المعاملات. وقال قوم بعدمه فيهما. وقال المحقّقون منهم صاحب المعالم قدس‌سره بالتفصيل بينهما ، فقالوا بثبوتها في العبادات وبعدمه في المعاملات. لا بأس قبل الخوض في نقل الاقوال وفي الاستدلال من تمهيد مقدمة وهي ان الوضع التعييني والتخصيصي ، كما يتحقق بانشاء الوضع بان يقول الواضع إني وضعت هذا اللفظ لذاك المعنى ، يتحقق باستعمال اللفظ في غير الموضوع له بلا قرينة صارفة ، فيكون الاول وضعا قوليا ، والثاني وضعا فعليا ، فيكونان شريكين في الاستعمال بلا قرينة.

وفي حكاية اللفظ عن المعنى وفي افناء اللفظ في المعنى ، وان كان لا بد حين الوضع الاستعمالي من نصب قرينة للدلالة على قصد الوضع بهذا الاستعمال ، فهذه القرينة تدل على الاستعمال في ما وضع له لا على ارادة المعنى المجازي كما في المجاز ، فعمدة الفرق بين القرينتين ان احداهما دالة على الوضع الاستعمالي وثانيتهما دالة على المعنى المجازي ، وايضا تكون احداهما مفهمة كما في الوضع الاستعمالي والاخرى صارفة كما في الاستعمال المجازي كما لا يخفى.

٤٠