البداية في توضيح الكفاية - ج ١

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ نهضت
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-0-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٤٤٨

حيث كونه موقوفا عليه مقدم ، ومن حيث كونه موقوفا مؤخر ، وهذا معنى تقدم الشيء على نفسه ، فلا يمكن أخذ قصد القربة في المأمور به لا شطرا ولا شرطا كما لا يخفى.

قوله : ان قلت نعم لكن هذا كله اذا كان اعتباره في المأمور به بامر واحد ... الخ قال المصنف قدس‌سره انه يمكن ان يدفع اشكال عدم القدرة على اتيان المأمور به بقصد امتثال امره بوجه آخر وهو انا نقول بتعدد الامر حيث إنه مع تعدده لا يلزم الدور الذي سبق ذكره على تقدير اخذ قصد القربة في متعلق الامر ، ولا عدم القدرة على اتيان المأمور به بداعي امره ، مثلا : يقول المولى (اقيموا الصلاة) ثم يقول (اقيموا الصلاة المأمور بها بداعي امرها الاول) فالمولى يتمسك بتعدد الامر لاجل استيفاء تمام مطلوبه به ، وهو اتيان المأمور به بقصد القربة ، وبقصد امتثال أمره. اما بيان عدم لزوم الدور في صورة تعدد الامر فلاجل تعدد الموقوف والموقوف عليه ، لان الأمر الاوّل يتوقف على تصور ذات الصلاة ، فيكون هذا الأمر موقوفا وذات الصلاة موقوفا عليه من باب توقف الامر والحكم على موضوعه ولكن الصلاة بداعي أمرها التي اخذت موضوعا للأمر الثاني يتوقف على الأمر الثاني من حيث عنوان كونها موضوعا.

واما بيان قدرة المكلف على اتيان الصلاة بداعي امرها فهو واضح بهذا البيان ، وهو اتيان الصلاة المأمور بها بداعي امرها الاول ، لان الآمر يتوسل بتعدد أمره في الوصلة الى تمام غرضه الذي هو اتيان الصلاة بداعي امرها وبقصد القربة بلا منعة واشكال في البين.

قوله : قلت مضافا الى القطع بانه ليس في العبادات الا امر واحد كغيرها من الواجبات والمستحبات ... الخ فاجاب المصنف قدس‌سره عنه :

اولا : بانّا نقطع ان حال العبادات كحال التوصليات في كونها ذات امر واحد لا أمرين بلا فرق بين الواجبات والمستحبات والتوصليات والحال انه ليست طريقة الشارع المقدس صدور امرين في العبادات والتعبديات ، وصدور أمر واحد في التوصليات. غاية الامر ان أمر التعبديات لا يسقط عن ذمة المكلف بدون قصد

٢٢١

القربة ، بخلاف التوصليات اذ أمرها يسقط بدونه ، ولكن الثواب فيها يدور مدار القربة وجودا وعدما ، كما ان العقاب في التعبديات يدور مدار عدم قصد القربة بفعلها او يدور مدار تركها رأسا ، فتعدد الامر يكون خلاف الواقع.

وثانيا : ان الأمر الاول لا يخلو من احد امرين : احدهما : انه يحصل غرض المولى باتيانه اي باتيان المأمور به بلا قصد القربة. وثانيهما : انه لا يحصل غرض المولى باتيانه مجردا عن قصد القربة.

فعلى الاول : يسقط الامر الاول الذي تعلق بذات الصلاة. فلو أتيت بلا قصد القربة على الفرض فلا مجال حينئذ للامر الثاني ، لعدم غرض موجب له ، فيكون الثاني لغوا بلا فائدة وهو لا يصدر من الحكيم تعالى.

وعلى الثاني : يستقلّ العقل باتيان المأمور به على وجه يوجب القطع بحصول غرض المولى ، ومع هذا الاستقلال لا حاجة الى الامر الثاني الشرعي المولوي ، لان العقل يحكم باتيان المأمور به على وجه القربة وعلى قصد امتثال أمره حتى يحصل القطع بحصول غرض المولى.

فالمتحصل مما ذكرنا انه لا حاجة الى الامر الثاني على كلا الامرين ، اما للغوية الثاني على الاحتمال الاول ، واما لاستغناء حكم العقل عن الامر الثاني ، فلا يتوسل الآمر الى غرضه بهذه الحيلة والوسيلة التي هي عبارة عن تعدد الامر لاستقلال العقل مع عدم حصول الغرض بوجوب الموافقة وهو لا يحصل إلّا بقصد القربة.

في سقوط غرض المولى :

قوله : لاستحالة سقوطه مع عدم حصوله وإلّا لما كان موجبا لحدوثه ... الخ اعلم ان سقوط امر المولى يتوقف على حصول غرضه من أمره ، كما ان عدم سقوط الامر يدل على عدم حصول غرض المولى.

فبالنتيجة سقوط الامر بدون حصول الغرض محال ، لانه لو لم يكن محالا لما كان الغرض موجبا لصدور الامر من المولى ، لانه علّية الغرض لحدوث الامر

٢٢٢

تقتضي عليّة الغرض لبقاء الامر ايضا كما لا يخفى.

قصد القربة :

قوله : هذا كله اذا كان التقرب المعتبر في العبادة بمعنى قصد الامتثال ... الخ ويمكن ان يكون قصد القربة عبارة عن اتيان المأمور به بداعي حسنه ، أو بداعي مصلحته ، أو بداعي محبوبيته لله تعالى ، أو خوفا من النار ، أو طمعا في الجنة ، أو بداعي وجه الله تعالى ورضاه.

وقصد القربة بهذه المعاني يمكن ان يكون مأخوذا في المأمور به شرطا أو شطرا ، وهو بهذه المعاني لا يتوقف على أمر المولى ، وان كان الامر يتوقف عليه من باب توقف الامر والحكم على موضوعه وعلى جميع قيوده ، فلا يلزم الدور حينئذ. ولكن من المعلوم ان قصد القربة لو كان مأخوذا في المأمور به باحد هذه المعاني لما حصل امتثال الامر اذا أتى المأمور به بداعي امره لا بداعي حسنه أو بداعي كونه ذا مصلحة أو له تعالى.

والحال انه يحصل الامتثال ، بل يحصل الغرض ، بحكم العقل ، اذا فعل المكلف المأمور به بقصد القربة ، وبداعي أمره. فقصد القربة بالمعنى الاول ـ اي بداعي الامر ـ في العبادات لا يمكن ان يؤخذ في متعلق الامر ، بل هو بالمعنى الاول مأخوذ فيه بحكم العقل في تحصيل غرض المولى ، وقصد القربة بالمعاني الأخر يمكن اخذه في المأمور به ، ولكن لم يؤخذ فيه قطعا لما ذكرنا من الوجه المذكور آنفا.

فلو اخذ بهذه المعاني فيه لم يسقط الامر بدونها مثل سائر الأجزاء والشرائط التي لا يحصل الغرض بدونها ، فاذا لم يحصل الغرض كان الامر باقيا ، فقصد القربة بمعنى اتيان الفعل بداعي الامر معتبر قطعا ، لكن لا في المأمور به ، بل هو معتبر في تحصيل الغرض بحكم العقل.

تأمل في المقام وفيما ذكرنا تعرف حقيقة الحال كيلا تقع في ما وقع فيه بعض الاعلام من الاشتباه ، وهو الشيخ الانصاري قدس‌سره حيث ذهب الى امكان اخذ قصد

٢٢٣

امتثال الامر في متعلق الامر مع تعدد الامر كما سبق ، وسبق جواب المصنف قدس‌سره عنه فلا نعيده.

كما ذهب بعض الى ان قصد القربة عبارة عن حسن الفعل ، أو عن كونه ذا مصلحة ، فهذا المذهب مردود ايضا كما علم سابقا.

اعلم انّ الفرق بين متعلق الاحكام وبين موضوع الاحكام هو : ان الافعال متعلقات الاحكام ، والاعيان موضوعات الاحكام. فالمتعلق مقدور للمكلف ، والموضوع غير مقدور له ، ففي (اقيموا الصلاة) وجوب الصلاة حكم ، والاقامة متعلق الوجوب لانه فعل المكلف ، والصلاة موضوع الوجوب كما هو ظاهر.

اقسام التقابل :

قوله : ثالثها انه اذا عرفت مما لا مزيد عليه من عدم امكان ... الخ اعلم ان للتقابل اربعة اقسام لانه اما ان يلحظ بين الوجوديين او بين الوجودي والعدمي ، ولا بين العدميين اذ لا ميز في الاعدام.

وعلى الاول : اما ان يمتنع اجتماعهما في محل واحد فهما ضدان كالسواد والبياض ، واما ان لا يمتنع اجتماعهما فيه فهما متضايفان كالابوة والبنوة.

وعلى الثاني : اما ان يجوز اتصاف العدمي بالوجود واما ان لا يجوز به.

فالاول : هو العدم والملكة كالعمى والبصر.

والثاني : هو الايجاب والسلب نحو وجود الباري وعدم شريكه فصار التقابل اربعة : الاول : هو التقابل بالتضاد.

والثاني : هو التقابل بالتضايف.

والثالث : هو التقابل بالعدم والملكة.

والرابع : هو التقابل بالايجاب والسلب.

اذا علم هذا يظهر امتناع التمسك باطلاق الصيغة لاثبات توصلية الواجب. وتقريبه ان التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة ، فيعتبر في التمسك

٢٢٤

باطلاق الصيغة صالحية تقييدها بقصد القربة ، فاذا امتنع التقييد ، اي تقييد متعلق الامر بقصد الامر وقصد القربة لمحذور الدور ، امتنع الاطلاق ، وان كان مسوقا في مقام البيان فلا يصح التمسك باطلاق الصيغة الا في القيود التي يمكن عقلا اعتبارها في المأمور به بشرط كون الاطلاق مسوقا في مقام البيان. فانقدح بذلك انه لا وجه لاستظهار التوصلية من اطلاق صيغة الامر بمادتها. ولا لاستظهار عدم اعتبار مثل الوجه الغائي أو التوصيفي مما هو ناشئ من قبل امر المولى من اطلاق مادة الامر في العبادة لو شك في اعتباره فيها ، اذ الاطلاق يجري في مورد صالحية التقييد ، فقصد الوجه مثل قصد الامر في امتناع اخذ كل واحد منهما في المأمور به ، للزوم الدور في كليهما وفي الثاني ، فقد مضى بيانه.

واما بيان لزوم الدور على الاول فلان الامر يتوقف على موضوعه ، وعلى جميع قيوده ومن جملتها قصد الوجه ، وقصد الوجه في فعل المأمور به يتوقف على صدور امر ايجابي أو ندبي من قبل المولى ، فلا تثبت التوصلية لاطلاق مادة الامر ولا لتمامية مقدمات الحكمة في المقام ، بالاضافة الى الأمور الناشئة من قبل امر المولى ، اي لا تثبت توصلية الواجب للاطلاق اللفظي.

قوله : نعم اذا كان الامر في المقام بصدد بيان تمام ما له دخل ... الخ هذا اشارة الى الاطلاق المقامى ، بيانه : وهو انه اذا كان الآمر بصدد بيان الأشياء الدخيلة في حصول غرضه ، وان لم تكن دخيلة في متعلق أمره. وبيّن أشياء وسكت عن اشياء ، فالسكوت قرينة على عدم دخل ما يحتمل دخله في الغرض ، سواء أمكن اخذه في متعلق الامر أم لم يمكن فيه ، لانه لو لم يكن كذلك للزم نقض الغرض وهو قبيح لا يصدر من المولى الحكيم تعالى.

فالاطلاق المقامي الذي يعبّر عنه بالاطلاقي الحالي يتركب من مقدمتين :

الاولى : كون المتكلم في مقام بيان كل ما له دخل في غرضه وان لم يكن دخيلا في متعلق الامر. أما الاطلاق اللفظي فيشترط كون المتكلم في صدد بيان تمام ما له دخل ـ شطرا أو شرطا ـ في المأمور به وفي متعلق أمره ، وبهذا يمتاز هذا

٢٢٥

الاطلاق عن الاطلاق المقامي الحالي.

والثانية : عدم البيان.

اذا علم هذا فان كان الاطلاق المقامي موجودا في البين صحّ التمسك باصالة الاطلاق حتى تندفع بها جزئية المشكوك للمأمور به أو شرطيته له ، فاذا لم ينصب المتكلم قرينة على دخل قصد امتثال الامر في حصول غرضه كان عدم النصب قرينة على عدم دخله في غرضه ، وإلّا لكان سكوته نقضا لغرضه وخلاف الحكمة. فلا بد حينئذ ، عند الشك وعند عدم إحراز هذا المقام ، الرجوع الى ما يقتضيه العقل ويستقل به. اذ المفروض فقدان الدليل الاجتهادي من الاطلاق اللفظي ومن الاطلاق المقامي. ولكن الاصل الذي يرجع اليه عند الشك في تعبدية الواجب وتوصليته هو الاشتغال العقلي لان الشك فيهما يرجع الى الشك في سقوط أمر المولى والى الشك في امتثال أمره ، لا الى الشك في ثبوت أمر المولى وعدم ثبوته ، كي يرجع الى اصالة البراءة. وليس الشك فيهما شكا في جزء المأمور به أو شرطه ، حتى تندرج مسألة التعبدية والتوصلية في الأقل والأكثر الارتباطيين لما تقدم من عدم امكان قصد القربة لا شطرا ولا شرطا في المأمور به كي يرجع فيه الى الاشتغال ، أو البراءة على اختلاف الرأيين ، بل قصد القربة من كيفيات الاطاعة والعبادة للمولى ، ولا تناله يد الجعل ابدا حتى يكون الشك مجرى لاصالة البراءة.

فلا بد حينئذ من الالتزام بجريان قاعدة الاشتغال العقلي هنا ، وان قلنا بجريان البراءة في الاقل والاكثر الارتباطيين لوجود شرط البراءة فيهما وهو الشك في التكليف وفقدانه هنا كما لا يخفى.

الرجوع الى اصالة الاشتغال :

قوله : فاعلم انه لا مجال هاهنا الا لاصالة الاشتغال ولو قيل باصالة البراءة ... الخ لان الشك يكون في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم لو فعل المكلف الواجب بلا قصد القربة ، مع استقلال العقل بوجوب الخروج عن عهدة التكليف المعلوم ، مضافا

٢٢٦

الى ان الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني ، فلا يكون العقاب مع الشك في الخروج ، ومع عدم إحراز الخروج عن عهدة التكليف الثابت بلا بيان ، ومؤاخذة المولى لعبده بلا برهان ، ضرورة انه بالعلم بالتكليف تصح المؤاخذة على المخالفة وعلى عدم العلم بالخروج عن العهدة ، ولو كان عدم الخروج عن العهدة لاجل الاخلال بقصد القربة مع الموافقة ، ومع الإتيان بذات متعلق الامر ، ولا يختص الرجوع الى اصالة الاشتغال بقصد القربة فقط.

بل يرجع اليها في كل ما شك في دخله في الطاعة وفي دخله في الخروج به عن عهدة التكليف مما لا يمكن اعتباره في المأمور به للزوم الدور كما في قصد القربة وذلك كقصد الوجه غائيا او توصيفيا ، وكقصد تميز اجزاء الواجبة والمندوبة ، فلا يمكن اعتبارهما في المأمور به لا شطرا ولا شرطا وذلك للزوم الدور هنا.

اما بيانه : فلان الامر يتوقف على موضوعه وعلى جميع اجزائه وقيوده ومن جملتها قصدهما ، والحال انهما يتوقفان على الامر ، لانه ما دام الامر غير موجود ، لم يكن قصدهما محقّقا وموجودا ، لانه يترشح منه ، اي من الامر ، بل هو علة لهما وهما معلولان له. (ومن الواضح استحالة تحقق المعلول بدون تحقّق علته).

قوله : نعم يمكن ان يقال ان كل ما يحتمل ، بدوا ، دخله في الامتثال ... الخ هذا استدراك عما سبق من كون الاصل في جميع قيود المأمور به الناشئة من اجل أمر المولى هو الاشتغال والقيود التي تنشأ من قبله ، كقصد القربة وقصد الوجه وقصد التميز ، اي القيود التي تتوقف على الامر ، كالقيود والأمور المذكورة ، ولكن لا يكون الاشتغال في كل قيوده ، بل الحق في المقام هو التفصيل بين ما يحتمل دخله في كيفية الاطاعة ان كان مما يغفل عنه عامة الناس غالبا ، نحو قصد الوجه وقصد التميز كان على الآمر بيانه في مقام التشريع وفي مقام الاثبات ، ولو لم يبينه ولم ينصب قرينة على دخله في غرضه ، واقعا ، لأخلّ بما هو همه وغرضه وهو قبيح لا يصدر من المولى الحكيم لانه لا يكون هنا ارتكاز ذهنى يعتمد عليه في مقام البيان. واما اذا لم ينصب قرينة على دخله في الغرض كشف عدم نصبها كشفا إنّيّا عن

٢٢٧

عدم دخله في الغرض ، وعن عدم كونه محصلا للغرض فلا يكون حينئذ الشك في المحصّل ، كما لا يخفى.

عدم دخل قصد القربة والتميز :

قوله : وبذلك يمكن القطع بعدم دخل الوجه والتميز ... الخ اي الكشف عدم نصب قرينة على دخل المشكوك المغفول عنه عن عدم دخله في حصول الغرض وعن عدم كونه محصّلا له يمكن القطع بعدم دخل قصد الوجه وقصد التميز في الطاعة بالعبادة ، حيث ليس منهما عين في الاخبار التي في بيان الاحكام كما وكيفا ، ولا اثر منهما فيها وفي الآثار المروية عن الصادقين عليهما‌السلام.

والحال انهما مما يغفل عنهما عامة الناس غالبا ، لا سيما الثاني منهما ، وان احتمل اعتبار كل واحد منهما بعض الخاصة مثل علم الهدى قدس‌سره.

قوله : فتدبّر جيدا وهو تدقيقي لوجهين :

الاول : ان لفظ فتدبر ظاهر في التدقيق لا في التمريض.

الثاني : لظهور قيده وهو لفظ جيد فيه ، اي في التدقيق ، وان كان ما يحتمل دخله في الغرض وما يحتمل كونه محصّلا له مما يلتفت اليه عامة المكلفين. اي اكثرهم ، لكونه مركوزا في اذهانهم نحو قصد القربة في الاطاعة بالعبادة بحيث يصح اعتماد المتكلم في مقام بيان غرضه عليه ، اي على ارتكازيته في الذهن ، فلا حاجة الى البيان.

فبالنتيجة : فيكون محتمل الدخل في الغرض قسمين :

اما القسم الاول : فيرجع الى اصالة البراءة لتمامية مقدّمات الاطلاق المقامي هاهنا ، فلذا يرجع اليها فلو فعل المكلف الصلاة بلا قصد الوجه وبلا قصد التميز تبرأ ذمته قطعا بلا اشكال.

واما القسم الثاني : فيرجع الى اصالة الاشتغال لان عدم نصب القرينة على دخل المحتمل في الغرض لاجل جواز اعتماد المتكلم على التفاتهم لا لاجل عدم

٢٢٨

دخله فيه.

الشك في تعبدية الواجب وتوصليته :

قوله : ثم انه لا اظنك ان تتوهم وتقول ان أدلة البراءة الشرعية ... الخ فتوهم المتوهم في هذا المقام تتميما للمرام وهو ان مقتضى حكم العقل في صورة الشك في تعبدية الواجب وفي توصليته الرجوع الى قاعدة الاشتغال إلّا ان أدلة البراءة الشرعية حاكمة على الاشتغال العقلي ، لان مثل (رفع ما لا يعلمون) والناس في سعة ما لا يعلمون يرفع احتمال العقاب الذي ينشأ من حكم العقل ، إن فعل المكلف المأمور به بلا قصد القربة فلا يكون حينئذ محل لحكم العقل بالاشغال.

فبالنتيجة : وان كان مقتضى حكم العقل جريان الاشتغال في قصد القربة إلّا انه لا مانع من جريان البراءة الشرعية في المقام ، نظير الشك في جزئية شيء أو في شرطيته للمأمور به لانه تجري البراءة فيهما.

فكذا في المقام اي قصد القربة. قلنا : انه فرق كثير بين الأجزاء والشرائط وبين قصد القربة ، وهو انهما قابلان للوضع في متعلق الامر ، كما انهما قابلان للرفع عنه ، بخلاف قصد القربة بمعنى الداعي الى الامر اذ هو ليس بقابل للوضع فيه حتى يمكن رفعه عنه شرعا ، وفي مقام التشريع ، بل دخله في الغرض وكونه محصّلا له واقعي عقلي.

والحال ان أدلة البراءة تجري في الأشياء القابلة للوضع في متعلق الامر حتى يمكن رفعها بأدلة البراءة بعد تمامية مقدمات الاطلاق المقامي.

وفي ضوء هذا فمقدمات الاطلاق المقامي تامة في الجزء المشكوك وفي الشرط المشكوك ، ولا تتم في قصد القربة بالمعنى المذكور اذ لا تناله يد الجعل في مقام التشريع.

فاشترط جريان البراءة في المشكوك الذي يكون وضعه ورفعه بيد الشارع المقدس نحو اجزاء المأمور به وشرائطه ، لا فيما لا يكون وضعه ورفعه بيد الشارع ،

٢٢٩

وذلك كقصد القربة.

الجزء والشرط قابلان للوضع والرفع :

قوله : ودخل الجزء والشرط فيه ، وان كانا كذلك ، إلّا انهما قابلان للوضع والرفع شرعا ... الخ فان قيل : انه لو كان الدخل الواقعي في الغرض مانعا عن جريان البراءة نحو قصد القربة لكان مانعا عن جريانها في الجزء مشكوك الدخل في الغرض أو في الشرط الذي يحتمل دخله في غرض المولى ، فلأي دليل ومستند تجري فيهما مع كونهما دخيلين في الغرض تكوينا وواقعا على فرض اعتبارهما فيه؟

قلنا : ان الفرق واضح بين الجزء المشكوك الدخل في الغرض ، وبين الشرط الذي نشك في دخله فيه ، وبين قصد القربة بالمعنى المعهود ، وهو انهما ، وان كانا دخيلين فيه على تقدير اعتبارهما ثبوتا ، إلّا انهما قابلان للوضع والرفع ، لانهما مما تناله يد الجعل في مقام التشريع في متعلق الامر. بخلاف قصد القربة ، فانه غير قابل للوضع في متعلق الامر لمحذور الدور حتى يمكن رفعه عنه.

وبالجملة : ففعلية الامر الذي يتعلق بالمركب الفاقد للمشكوك جزءا أو شرطا منتفية بدليل اجتهادي أو بدليل فقاهة ، كي يجب الخروج عن عهدته ، اي عن عهدة المركب الكذائي ، عقلا لان التكليف بهذا المركب المذكور لا يكون فعليا منجّزا ولكن فعلية الامر بالمركب الذي يشتمل على قصد القربة ثابتة بحكم العقل ، كما عرفته في بيان تأسيس الاصل فيما نحن فيه فلا نعيده.

قوله : فافهم وهو اشارة الى ان في مقام البحث وان كان امرا فعليا ولكن لم يعلم تعلقه بالمركب الذي يعتبر فيه المشكوك وهو قصد الامتثال ، بل يحتمل تعلقه بالمركب الذي لا يعتبر فيه المشكوك.

وفي ضوء هذا فلا يبقى فرق بين قصد القربة وبين سائر الأجزاء والشرائط المشكوكة ، فتجري البراءة الشرعية عن قصد القربة كما تجري عن الأجزاء والشرائط المشكوكة ، وفيه ما فيه كما لا يخفى.

٢٣٠

هل الصيغة ظاهرة في الوجوب أم لا؟

قوله : المبحث السادس قضية اطلاق الصيغة كون الوجوب نفسيا ... الخ اعلم ان مقتضى اطلاق صيغة الامر في مقام البيان كون الوجوب نفسيا لا غيريا ، تعيينيا لا تخييريا ، عينيا لا كفائيا ، لان كل واحد منها يحتاج الى مئونة زائدة. مثلا الوجوب الغيري مقيد بوجوب ذي المقدمة ، كوجوب الوضوء الذي يقيد بوجوب الصلاة ، كما ان ندبه مقيد بندبها ، والوجوب التخييري مقيد بما اذا لم يفعل بالعدل نحو خصال الكفارة ، والوجوب الكفائي مقيد بعدم اتيان المكلف الآخر الواجب كدفن الميت المسلم ، فان تمت مقدمات الحكمة فالاطلاق ، اي اطلاق هيئة صيغة الامر ، يقتضي كون الوجوب نفسيا عينيا تعيينيا فقط وهذا واضح لا غبار عليه.

قوله : المبحث السابع انه اختلف القائلون ... الخ لا يخفى انه بعد تسليم ظهور صيغة الامر في الوجوب إما وضعا وإما اطلاقا وانصرافا من باب اكملية الوجوب في الطلب لانه طلب شديد. والحال ان الشيء اذا ذكر مطلقا ينصرف الى الفرد الاكمل ، كلفظ النبي اذا ذكر مطلقا ينصرف الى النبي الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاذا وقعت عقيب الحظر المتحقق او المتوهم أفتكون ظاهرة في الوجوب أم لا؟

اختلف القائلون بظهورها فيه على اقوال :

قال المشهور : بظهورها حينئذ في الاباحة بالمعنى الاخص.

وقال بعض العامة : بظهورها في الوجوب ايضا.

وقال بعضهم الآخر بتبعيتها لما قبل الحظر ، فان كان الشيء مستحبا فمستحب ، وان كان واجبا فواجب ، وان كان مباحا فمباح. فالملاك يكون بما قبل الحظر بشرط ان يعلق الامر بزوال علة النهي السابق نحو نهي الله تعالى عن قتل المشركين في الأشهر الحرم : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ)(١) وقوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَ)(٢) وقوله تعالى :

__________________

(١) سورة التوبة : آية ٥.

(٢) سورة البقرة : آية ٢٢٢.

٢٣١

(لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)(١)(وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا)(٢) لان امر (فاقتلوا) في الاولى معلق على الانسلاخ من باب تعليق الجزاء على الشرط. والحال ان انسلاخ الأشهر علة لزوال النهي عن قتلهم.

ولان أمر (فأتوا) في الثانية معلّق على التطهر وهو علة زوال النهي عن قربهن في المحيض.

ولان امر (فاصطادوا) في الثالثة معلق على الإحلال من الإحرام وهو علة زوال النهي عن الاصطياد.

ففي الاولى صيغة الامر ظاهرة في الوجوب اذ قتلهم كان واجبا قبل النهي.

وفي الثانية صيغة الامر ظاهرة في الاستحباب ، لان قربهن كان مستحبا قبل النهي.

وفي الثالثة هي ظاهرة في الاباحة اذ الاصطياد كان مباحا قبل النهي. فالاقوال التي ذكرت هنا ثلاثة. كما ذكرت آنفا.

قوله : الى غير ذلك من الاقوال المتعددة في المقام فلا طائل في تفصيلها.

قوله : والتحقيق انه لا مجال للتثبت بموارد الاستعمال فانه قل ... الخ والخلاف في هذا المقام فيما تخلو الصيغة عن القرينة على الوجوب أو الندب أو الاباحة أو التبعية لما قبل النهي ، لا فيما اقترنت بها. فالاستدلال بموارد استعمالها ووقوعها عقيب الحظر المتحقق او المتوهم على الوجوب ، اي على كونها ظاهرة فيه كما استدل بالآية الشريفة : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ)(٣) القائل بكونها ظاهرة فيها في الوجوب ، اذ قتلهم واجب بعد انسلاخ الأشهر الحرم لانها مقرونة بالقرينة اللفظية وهي آيات أخر تدل على وجوب قتلهم ، اجنبي عن المدعى ، فهو خبر للاستدلال السابق وكما استدلّ القائل بالاباحة بالمعنى الاخص الذي يقابل الوجوب والحرمة والاستحباب

__________________

(١) سورة المائدة : آية ٩٥.

(٢) سورة المائدة : آية ٢.

(٣) سورة التوبة : ٥.

٢٣٢

والكراهة بالآية الشريفة : (فَاصْطادُوا)(١) فهو ، اي فالاستدلال ، اجنبي عن المدعى ايضا لان الصيغة مقرونة ايضا بالقرينة اللفظية ، وهي الأدلة التي تدل على اباحة الصيد والاصطياد في الازمان.

وكما احتجّ القائل بكونها ظاهرة في الاستحباب بالآية المباركة : (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ)(٢) وهي ايضا قرينة اي مقرونة بالقرينة اللفظية وهي الروايات التي تدل على الاستحباب المؤكد في التقارب مع النساء. وكما استدل القائل بالتبعية لما قبل النهي بموارد استعمالها ، فلو خلا المورد عن القرينة لصار مجملا لا يحمل على شيء إلّا بناء على كون حجية اصالة عدم القرينة في صور الشك في وجودها من باب التعبد لا من باب حجية الظهور.

فاذن تحمل على الوجوب على القول بوضعها له ، أو على الاستحباب على القول بوضعها له ، أو على الاباحة على مذهب من قال بكونها موضوعة لها ، كما قال به بعض الاصوليين قدس‌سرهم. فتحتاج في هذا المورد الى قرينة معيّنة ، نظير لفظ المشترك. كما ان وقوعها عقيب الحظر يوجب صيرورتها مجملة اذا لم تكن هناك قرينة ، فلا مجال للتثبت بموارد الاستعمال ، فهذا اشارة الى ابطال الاستدلال على المدعى بموارد الاستعمال كالآيات المتقدمة.

خلاصة الكلام : ان الكلام في المقام في ان وقوع الامر عقيب الحظر هل هو من القرائن العامة التي لا يجوز العدول عن مقتضاها إلّا بالدليل الموجب لظهورها في الاباحة أو الوجوب أو الرجوع الى حكم سابق هو النهي بأي نحو كان ، والاستعمال والوقوع لا يدلان على شيء من ذلك لامكان استناد الظهور فيه الى قرينة خاصة غير الوقوع عقيب الحظر ، فلا يصح الاستناد اليه في اثبات الدعوى.

غاية الامر : ان صيغة الامر ، بملاحظة وقوعها عقيب الحظر سواء كان متحققا ام كان متوهما ، لا يبقى ظهور لها في الوجوب ، وتصير مجملا ، فلا يتعين احد

__________________

(١) سورة المائدة ، آية ٢.

(٢) سورة البقرة : آية ٢٢٢.

٢٣٣

المعاني من الوجوب والاستحباب والاباحة إلّا بالقرينة الاخرى غير وقوعها عقيب الحظر كما اشرنا اليه سابقا في طي قوله : فانه قل مورد منها يكون خاليا عن قرينة على الوجوب أو غيره ... الخ.

المرة والتكرار :

قوله : المبحث الثامن الحق ان صيغة الامر مطلقا لا دلالة لها على المرة ولا التكرار ... الخ اختلف الاصوليون في ان صيغة الامر ، اذا لم تقيد بمرة أو تكرار هل تدل على المرة ، أو على تكرار المأمور به ، او لا تدل لا على المرة ولا على التكرار؟

قال بعض بالمرة ، وقال آخر بالتكرار ، وقال المصنف قدس‌سره ان الحق انه لا دلالة لها لا بمادتها ولا بهيئتها عليهما ، وكلما ثبت تكرار المأمور به كالصلاة والصوم مثلا ، فهو انما يكون بالدليل الخارجي ، اذ الهيئة موضوعة وضع الحروف للنسبة الخاصة ، والمادة موضوعة لصرف الماهية لا بشرط وكل من المرة والتكرار خارج عن مدلولهما ، بل تدل على طلب ايجاد الطبيعة من حيث هي هي.

فان قيل : انها اذا لم تدل على المرة فلم اكتفى بالمرة في مقام الامتثال؟ مثلا : اذا قال المولى لعبده (اضرب زيدا) فضربه مرة عد ممتثلا ، فثبت انها تدل عليها إما وضعا وإما اطلاقا بمقدمات الحكمة.

قلنا : ان الاكتفاء بالمرة في تحقق الامتثال لا يكون لاجل وضع الصيغة لها ، بل لاجل وجود الطبيعي المأمور به في ضمن الفرد قهرا ، فالعقل يحكم بالاكتفاء حينئذ ، وإلّا فلا يتحقق الامتثال بسائر الافراد ايضا ، اي افراد طبيعي المأمور به ، لاتحاد حكم الامتثال فيما يجوز وفيما لا يجوز.

تحقيق مادة الصيغة :

قوله : ثم لا يذهب عليك ان الاتفاق على ان المصدر المجرد عن اللام والتنوين لا يدل إلّا على الماهية على ما حكاه السكاكي ... الخ قال في (الفصول) ان محل الخلاف في

٢٣٤

هذا المقام في هيئة الصيغة ، أهي تدل على المرة أم على التكرار أم على طلب ايجاد الطبيعة؟ ذهب الى كلّ فريق دون مادتها ، لان مادتها هي المصدر المجرد عن اللام الجنسي أو الاستغراقي أو العهدي ، وعن تنوين التمكن ، لا تدل الا على الماهية ، اي ماهية مدلوله ، وهو الحدث المطلق ، من دون المرة ومن دون التكرار باتفاق النحاة على ما حكاه السكاكي صاحب مفتاح العلوم.

فردّ المصنف قدس‌سره قول صاحب الفصول قدس‌سره بان الاتفاق في المصدر المذكور لا يلازم الاتفاق في مادة (افعل) لان المصدر بماله من المعنى لا يكون مادة (لافعل) كي يوجب اتفاقهم على عدم دلالته الا على الماهية اتفاقهم على عدم دلالة مادة صيغة الامر ايضا الا على الماهية ، لانه مباين مع الافعال بحسب المعنى ، اذ هو يدل على الحدث فقط ، والافعال تدل على كيفية قيام الفعل بالفاعل من حيث الصدور أو الحلول أو الحدوث أو الثبوت ، في الماضي أو الحال أو الاستقبال ، نحو (ضرب زيد) و (مات عمرو) و (نام بكر) و (حسن خالد) هذه أمثلة الماضي. وامثلة المضارع نحو (يضرب زيد) و (ينام بكر) و (يحسن خالد). وأمثلة الحاضر (اضرب زيدا) و (مت يا عمرو) و (نم يا بكر) و (احسن يا خالد).

فالافعال سواء كانت ماضية أو مضارعة أم كانت أمرا تدلّ على الحدث وعلى كيفية قيام الفعل بالفاعل. واما المصادر فتدل على الحدث فقط ، فلا تكون المصادر مادة لفعل من الأفعال.

فبالنتيجة : لا يكون المصدر مادة للمشتق الذي منه صيغة (افعل) بل هو احد المشتقات ، فعلى هذا يمكن ان يكون النزاع في مادة (افعل) كما انه في هيئته ، فلا معنى لقول (الفصول) باختصاص النزاع في هيئة (افعل) كما لا يخفى لان المصدر المجرد عنهما صيغة مستقلة ، ولا مادة سوى مادة (افعل) فلا ترتبط بها ـ اي بالمصادر الكذائية ـ بناء على كون المصدر صيغة مستقلة كما اختاره اصلا.

قوله : ان قلت فما معنى ما اشتهر من كون المصدر اصلا في الكلام قلت ... الخ قال المصنف قدس‌سره انه مع كون المصدر اصل الكلام فهو محل الخلاف بين الصرفيين لان

٢٣٥

الكوفيين يقولون بان الفعل اصل الكلام لوجهين :

الاول : ان الفعل يقع مؤكّدا والمصدر مؤكّدا نحو (ضربت ضربا) لانه بمنزلة (ضربت ضربت) وهو اصل بالنسبة اليه اذ هو عامل وهو معمول. مضافا الى كونه متبوعا والمصدر تابع. والعامل أصل ، والمعمول فرع ، كما ان المتبوع اصل والتابع فرع.

الثاني : ان اعلال المصدر يدور مدار اعلال الفعل وجودا وعدما. فالاول كما في (يعد عدة) ، والثاني كما في (يوجل وجلا) والمدار عليه اصل والمدار فرع.

واما البصريون فيقولون : بان المصدر اصل الكلام. واستدلوا بوجهين ايضا :

الاول : ان مفهوم المصدر واحد وهو الحدث ومفهوم الفعل متعدد وهو الحدث والزمان ، والواحد قبل المتعدد.

الثاني : ان المصدر بمعنى محل الصدور لانه اسم مكان صيغة. هذا اولا ، وثانيا : ان كون المصدر اصلا في الكلام ليس معناه انه مشتق منه ومادة للمشتقات ، بل معنى كونه أصل الكلام أنّ الذي وضعه الواضع أولا هو المصدر ، ثم بملاحظته وضع غيره من الهيئات التي تناسب المصدر من حيث الحروف والترتيب. مثلا : وضع الواضع اولا كلمة (ضرب) لحدث منسوب الى فاعل ما ، ثم وضع بملاحظته هيئة (ضرب) لحدث منسوب الى فاعل ما في الزمان الماضي ، ووضع هيئة (يضرب) لحدث ينسب الى فاعل ما في زمن الاستقبال ، ووضع هيئة (اضرب) لحدث ينسب الى فاعل ما في زمن الحال.

غاية الامر ان وضع المصدر شخصي ووضع المشتقات شخصي باعتبار مادتها ، ونوعي بلحاظ هيئتها. مثلا : وضع الواضع مادة (ضارب) للحدث الخاص ، وهيئته للذات الصادر عنها المبدأ ، اي هيئة (فاعل) كما انه وضع هيئة (مفعول) للذات الواقع عليها المبدأ. فوضعها باعتبار المواد شخصي ، وبلحاظ الهيئات نوعي ، اما في المصادر فالوضع بلحاظ موادها شخصي دائما دون هيئتها ، لانطباق هيئتها على الاسم ك (فعل) و (فعل) المنطبقين على (عمرو وبشر) كما لا يخفى.

٢٣٦

قوله : فافهم وهو اشارة الى انه فان اعترفنا ان المصدر يكون اصل الكلام ومادة لسائر المشتقات ، بحيث اذا وضعت المصادر من حيث المواد للاحداث ، فقد وضعت مواد المشتقات جميعا ، فلا نحتاج حينئذ الى وضع مواد سائر المشتقات بوضع على حدة ، الا الى وضع خصوص هيئاتها نوعيا ، بمعنى ان هيئة (فاعل) موضوعة للذات القائم بها المبدأ ، وهيئة مفعول للذات الواقع عليها المبدأ ، في ضمن أيّة مادة كانت. وان انكرنا كون المصدر مادة للمشتقات وقلنا ان المصدر صيغة في قبال سائر الصيغ والمشتقات كما قال بهذا المصنف قدس‌سره احتجنا حينئذ الى وضع موادها شخصيا ، والى وضع هيئاتها نوعيا ، كما ان قوله : أو المصدر أو الفعل قبل قوله اشارة الى هذا : فافهم اشارة الى خلاف البصري والكوفي كما سبق هذا فلا نعيده خوفا من التكرار.

تحقيق معنى المرة والتكرار :

قوله : ثم المراد بالمرة والتكرار هل هو الدفعة والدفعات أو الفرد والافراد ... الخ أتكون لهذا النزاع ثمرة فقهية أم لا؟ والحال انه لا بد للنزاع الاصولي من ثمرة فقهية؟

الجواب : نعم تظهر الثمرة بين الدفعات والافراد فيما اذا قال المولى لعبده (أعتق رقبة) وهو (أعتق رقابا متعددة) دفعة. فعلى الدفعات لا يجزى وعلى الافراد يجزى ، لان عتق رقبة واحدة يتحقق في ضمن عتق الرقاب ولا تتحقق الدفعات في ضمن دفعة ، بل تظهر الثمرة بين الدفعة والفرد في القول المذكور ايضا. لانه على الدفعة يقع عتق جميع العبيد على عنوان المطلوبية للمولى ، لان عتق فرد يكون على نحو اللابشرط وهي تجتمع مع الف بشرط شيء. واما على الفرد فلا يقع الجميع على صفة المطلوبية للمولى الا واحدا منها والباقي زائد.

اعلم ان النسبة بين الدفعة والفرد عموم من وجه ، مادة الاجتماع اذا أنشئ عتق عبد واحد ، ومادة الافتراق عن جانب الدفعة في عتق عبيد بانشاء واحد ، ولا يصدق الفرد هنا لكون المعتق ذا افراد. ومادة الافتراق عن جانب الفرد مثل الكلام

٢٣٧

الممتد المتصل فرد واحد وليس دفعة. كما ان بين الدفعات والافراد ايضا عموم من وجه ، مادة الاجتماع في انشاء عتق ثلاثة عبيد مثلا ، بانشاء المتعدد على حسب الافراد. ومادة الافتراق عن جانب الافراد في انشاء عتق ثلاثة عبيد بانشاء واحد. ومادة الافتراق عن جانب الدفعات في الكلمات المترادفة نحو اسد وغضنفر وحارث ودلهاث ، فانه تصدق عليها الدفعات حسب التكرر فقط ، ولا تصدق عليها الافراد ، لعدم تعدد معانيها كي تكون الفاظها ذات مصاديق كثيرة.

قوله : والتحقيق ان يقعا بكلا المعنيين محل النزاع ... الخ الذي استظهره في (الفصول) ان النزاع فيهما بالمعنى الاول ، ونسب الى القوانين ، كونه فيهما بالمعنى الثاني.

قال المصنف قدس‌سره ، رادا للفاضلين قدس‌سرهما صاحب (الفصول) وصاحب القوانين :

والتحقيق ان يقعا بكلا المعنيين موردا للنزاع ، وان كان لفظ المرة ظاهرا في الدفعة ولفظ التكرار في الدفعات ، ومنشأ هذا الظهور هو التبادر الحاقي الكاشف إنّيا عن الوضع.

توهم صاحب (الفصول) في المقام :

قوله : وتوهم انه لو اريد بالمرة الفرد لكان الانسب بل اللازم ... الخ وتوهم صاحب الفصول قدس‌سره انه بناء على ارادة الفرد من المرّة يلزم جعل بحث هذه المسألة من تتمة بحث المسألة الآتية وهي ان الاوامر أتتعلق بالافراد أم تتعلق بالطبائع؟ بان يقال انه على القول بتعلقها بالافراد فصيغة الامر تدل على كون مطلوب المولى فردا أم افرادا أو لا تدل على شيء منهما ، وحينئذ لا حاجة الى انفراد كل واحد من مسألة المرة والتكرار ، ومسألة تعلق الاوامر بالطبائع ، او الافراد بل ينبغي جعلهما مسألة واحدة كما فعل الاصوليون تعددهما.

واما لو اريد بهما الدفعة والدفعات فلا علقة ، حينئذ ، بين المسألتين لانه يجري بحث الدفعة على القول بتعلق الاوامر بالطبائع ، بان يقال انه أتقتضي الصيغة

٢٣٨

مطلوبية الطبيعة دفعة أم دفعات أم لا تقتضي شيئا منهما؟ واما على القول بتعلقها بالافراد بان يقال انه أتقتضي الصيغة كون الفرد مطلوبا دفعة أو دفعات أم لا تقتضي شيئا منهما؟ كما لا يخفى.

عدم العلقة بين المسألتين :

قوله : فاسد لعدم العلقة بينهما لو اريد بها الفرد ايضا فان الطلب على القول ... الخ فاذا اريد بالمرة الفرد وبالتكرار الافراد فلا تكون العلقة بين مسألة المرة والتكرار ومسألة الطبائع والافراد ايضا ، كما انه لا تكون العلقة بينهما اذا اريد بها الدفعة وبه الدفعات. فان طلب المولى على القول بتعلق الاوامر بالطبائع انما يتعلق بالطبيعة باعتبار وجودها في الخارج في ضمن الافراد ، ضرورة ان الطبيعة من حيث هي ليست إلّا هي ، لا مطلوبة للمولى ولا غير مطلوبة ، اذ هي مجردة عن جميع الخصوصيات ، ويدل على تجردها عنها تقسيمها الى الموجودة والى المعدومة. فيقال انها اما موجودة واما معدومة.

فلو كانت موجودة مستقلة للزم تقسيمها الى نفسها والى غيرها ، وهذا فاسد جدا ، يعني فالتالي باطل فالمقدم مثله ، فباعتبار الوجود تكون مرددة بكلا المعنيين لانه لا معنى لتردد ذات الماهية بلا لحاظ وجودها في ضمن الافراد بين الدفعة أو الدفعات أو الفرد أو الافراد ، اذ هي من حيث هي ليست إلّا هي كما هو المشهور بين الفلاسفة.

اما بيان ترديد الطبيعة باعتبار وجودها في ضمن الافراد بكلا المعنيين الذين يكونان للفظ المرة والتكرار ، اما بالمعنى الاول ، اي الدفعة والدفعات ، فواضح لانه يقال على القول بتعلق الاوامر بالطبائع هل يجب الإتيان بالطبيعة في ضمن الفرد دفعة أو دفعات؟

واما بيان ترديد الطبيعة بالمعنى الثاني ، اي الفرد والافراد ، فهو ان المراد بالفرد في مسألة الطبيعة والفرد يكون غير المراد من الفرد في مسألة المرة والتكرار.

٢٣٩

بيان ذلك : ان المراد بالافراد التي تقابل الطبائع ان خصوصيات الفردية ومشخصات الجزئية داخلة في المطلوب أو لا تدخل فيه فان قلنا بتعلق الاوامر بالطبائع فالخصوصيات الفردية غير داخلة في المطلوب وفي متعلق الامر لان المطلوب ايجاد الطبيعة في ضمن فرد من افرادها.

واما ان قلنا : بتعلق الاوامر بالافراد فالخصوصيات للافراد ملحوظة في المطلوب وداخلة في متعلق الامر ، وان المراد بالفرد والافراد في مسألة المرة والتكرار اذا اريد من المرة الفرد ومن التكرار الافراد كما عن صاحب (القوانين) هو وجود واحد او وجودات.

ومن الواضح انه على القول بتعلق الاوامر بالطبائع يمكن ان يقال انه هل يكفى الإتيان بالطبيعة المأمور بها في ضمن وجود واحد اي في ضمن وجود فرد من افراد الطبيعة؟ أو يلزم اتيانها في ضمن وجودات متعددة اي في ضمن وجودات افراد من الطبيعة لانه لكل فرد وجود مستقل لا يرتبط بوجود الفرد الآخر؟

فاذا كان المراد من الفرد هو الوجود فلم عبّر عن الوجود بالفرد كما عبّر عن الوجودات بالافراد. قلنا : انه عبر عنه به لان وجود كلي الطبيعي في الخارج هو وجود فرده فيه بعينه فقط ، لانه لم تكن نسبة الطبيعي الى افراده كنسبة الآباء المتعددة الى الابناء الكثيرة ، ولا كنسبة الأب الواحد اليها.

فالموجود في الخارج هو افراد الطبيعي ، غاية الأمر أنّ الطبيعي يتحقق في الخارج بتبع افراده وفي ضمن وجود مصاديقه فلا يكون الفرد في المسألتين بمعنى واحد ، لانه في مسألة المرة والتكرار ، اذا اريد من المرة الفرد كان بمعنى وجود واحد ، كما ان التكرار يكون بمعنى وجودات. وفي مسألة الطبائع والافراد لا يكون الفرد بمعنى وجود واحد ، بل بمعنى مصداق واحد ، مع ملاحظة خصوصياته الفردية.

نعم اذا اريد من لفظ المرة ، في مسألة المرة والتكرار الفرد الخارجي من الطبيعة ومن التكرار ، الافراد والخارجية منها فقط ، كانت هذه المسألة من تتمة مسألة الطبائع والافراد لان الطبيعة تتحقق بتحقق الفرد الواحد. واما اذا اريد من

٢٤٠