البداية في توضيح الكفاية - ج ١

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ نهضت
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-0-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٤٤٨

منتزع عن حقيقة المشتق مع قطع النظر عن عوارضه اللاحقة به ، كما ان عنوان بشرط لا منتزع ايضا عن حقيقة المصدر والمبدإ مع صرف النظر عن اوصافه وعناوينه ، ففي النوع الثاني : لا يكون القدر المشترك المحفوظ في البين بين العنوانين عنوان لا بشرط وعنوان بشرط لا.

فالمصدر والمشتق متباينان مفهوما كما انهما متخالفان مصداقا نحو الضرب والضارب مثلا ، بخلاف النوع الاول ، لانه القدر الجامع في البين ، لان المشتق مطلق ، والمبدأ مقيد ، والجامع بينهما محقق قطعا ، والفرق اعتباري.

فاشكال صاحب (الفصول) قدس‌سره على الفرق بين المشتق والمبدإ في غير محله ، اما تقرير اشكاله فهو الفرق بين المبدإ والمشتق غير صحيح ، لانا اذا تصورنا المصدر لا بشرط كالمشتق فهو آب عن الحمل على الذات ، نحو العلم والحركة مثلا ، فان ـ أي المصدر ـ وان لوحظ لا بشرط كالمشتق فلا يحمل على الذات ، فلا يقال (زيد علم أو حركة). فالمصدر سواء لوحظ بعنوان بشرط لا ، أم لوحظ بعنوان لا بشرط ، فهو آب عن الحمل على الذات. فالفرق المذكور غير صحيح ، كما لا يخفى.

قوله : وغفل عن ان ... الخ اجاب المصنف قدس‌سره عنه بان مرادهم من اللابشرط ومن بشرط لا ، ليس بملاحظة الطوارئ والعوارض الخارجية حتى يرد اشكال صاحب (الفصول) قدس‌سره كما ذكر ، بل المراد منهما بحسب الحقيقة والمفهوم مع قطع النظر عن الطوارئ والعوارض ، يعني ماهية مفهوم المصدر تكون على النحو الذي يأبى عن الحمل على الذات وعن الاتحاد معها في الخارج.

اما ماهية مفهوم المشتق فعلى النحو الذي لا يأبى عن الحمل على ذات من الذوات وعن الاتحاد معها خارجا. فاذا لاحظنا المصدر ، باي عنوان سواء كان بعنوان لا بشرط أم بغيره ، فمفهومه آب عن الحمل والاتحاد مع ذات من الذوات ، كما يظهر من الفلاسفة ، هذا المعنى من اللابشرط ومن بشرط لا في بيان الفرق بين الجنس والفصل وبين المادة والصورة ، اذ مفهوم الاوّلين لا بشرط ولاجل هذا فهو غير آب عن الحمل على الذات وعن الاتحاد معها مصداقا في الخارج ، فيصح ان

١٦١

تقول (الانسان حيوان) كما يصح قولك (الانسان ناطق). ومفهوم الثانيين ، بشرط لا ، فلذا هو آب عن الحمل على الذات والاتحاد معها خارجا ، فلا يجوز ان يقال (الانسان بدن أو نفس) فهذا معنى لا بشرط في الاولين منتزع عن حقيقتهما ، وماهية مفهومهما ، يعني مفهوم الجنس والفصل على النحو الذي لا يأبى عن الحمل وعن الاتحاد مع الذات مصداقا كما علم من المثال.

واما معنى بشرط لا في الثانيين فمنتزع ايضا عن ماهية مفهومهما مع قطع النظر عن طوارئه وعوارضه ، فالمراد منهما ما هو المنتزع عن حقيقة المعنى وجرمه فصار المشتق مثل الجنس والفصل ، في كونه غير آب عن الحمل على الذات وعن الاتحاد معها في الخارج كما قال الحكيم السبزواري قدس‌سره في منظومته في شرح مفاهيم هذه الأشياء :

جنس وفصل لا بشرط حملا

فمدة وصورة بشرط لا

فراجع كتب الحكمة لا سيما المنظومة للسبزواري.

ملاك الحمل :

قوله : الثالث : ملاك الحمل كما اشرنا اليه هو الهوهوية ... الخ يعتبر في الحمل الاتحاد من وجه والمغايرة من وجه آخر. لانه مع الاتحاد من جميع الجهات لا تبقى اثنينية حتى يتحقق عقد الوضع وعقد الحمل للموضوع في القضية. كما انه مع التغاير من جميع الوجوه لا يصح الحمل لكون الموضوع والمحمول متباينين حينئذ والحال انه لا يصح حمل احد المتباينين على المباين الآخر فلا بد في الحمل ـ سواء كان أوليا ذاتيا ، أو شائعا صناعيا اشتقاقيا ، أو صناعيا مواطاتيا ـ من الاتحاد من وجه والمغايرة من وجه آخر كما هو الامر في المشتقات مع الذوات ، لمغايرتهما مفهوما ، واتحادهما مصداقا. والحال ان الحمل اتحاد الشيئين في الخارج ـ أي مصداقا ـ متغايران في الذهن ـ أي مفهوما ـ ولا يعتبر ، مع الاتحاد المصداقي والمغايرة المفهومية ملاحظة التركيب ، اي ملاحظة المتغايرين شيئا واحدا ، كما

١٦٢

زعمه (الفصول).

قال في (الفصول) ان للحمل ثلاثة شرائط :

الاول : ملاحظة المتغايرين الذين يكونان ـ نفسا وبدنا ـ شيئا واحدا.

الثاني : ملاحظة الأجزاء بعنوان لا بشرط حتى يصح حملها على المركب.

الثالث : اعتبار الحمل بالاضافة الى مجموع الأجزاء.

قوله : ولا يعتبر معه ملاحظة التركيب ... الخ اجاب المصنف عن قول صاحب (الفصول) قدس‌سره بقوله ان مجرد الاتحاد بين الموضوع والمحمول من جهة المصداق يكفي في صحة الحمل ، ولا حاجة الى لحاظ الوحدة بين الشيئين المتغايرين ، بل لحاظ الوحدة بينهما يكون مخلا بالحمل لان ملاحظة الوحدة والتركيب توجب كون احدهما جزءا والآخر كلا.

والحال انه لا يصح حمل الكل على الجزء ولا حمل الجزء على الكل ، فلا يقال ر (أس الانسان انسان) ولا يقال (الانسان رأس أو قلب) بخلاف الكلي لانه يحمل على جزئياته نحو (زيد انسان) و (عمرو انسان) وكذا جزئياته تحمل عليه نحو (الانسان زيد ، وعمرو ، وبكر) مثلا ، اذا لاحظنا الوحدة والتركيب في حمل الانسان على الجسم والناطق ، فلحاظ الوحدة والتركيب بينهما مضر بالحمل ، لان كل واحد من الجسم والناطق جزء للانسان) وحمل الجزء على الكل لا يصح وكذا العكس ، فاذا لم يلاحظ التركيب بينهما ـ اي بين الانسان والجسم أو بين الانسان والناطق ـ فكل واحد منهما كلي ـ اي كل من الانسان والجسم كلي ـ وحمل احد الكليين على الكلي الآخر جائز قطعا.

هذا ، مضافا الى صحة الحمل في القضايا الحملية مع عدم ملاحظة المجموع فيها امرا واحدا ، فان الموضوع في قولنا (زيد قائم) نفس (زيد) بدون ملاحظة المجموع منه ومن القيام فاذا قلنا (زيد عالم) أو (متحرك) لم نرد بزيد المركب من الذات وصفة العلم أو الحركة ، وانما نريد به الذات وحدها ، فيمتنع حمل العلم والحركة عليه وان اعتبر لا بشرط ، لان المصدر صرف الوصف وحمله على الذات

١٦٣

لا يجوز لعدم الاتحاد.

مع وضوح عدم لحاظ التركيب بين المتغايرين في مقام التعاريف والتحديدات وسائر القضايا الحملية ، لا في طرف الموضوعات ، ولا في جانب المحمولات ، الا صرف معاني الموضوعات ومفاهيم المحمولات لان الاتحاد بين المتغايرين مفهوما محقق في المصداق وهذا كاف للحمل ، نحو : (الانسان حيوان ناطق) في مقام تعريف الانسان ، فهذه ثلاث كلمات وهي (الانسان) و (الحيوان) و (الناطق) متغايرات مفهوما ومتحدات مصداقا ، فلذا يحمل الثانيان على الاول بلا لحاظ التركيب والوحدة بينها ، وهكذا سائر التعاريف والقضايا الحملية المتعارفة عند القوم.

فان قيل ان الانسان كلّ مركب من الحيوان والناطق بتعمّل من العقل فيلزم حمل الجزء على الكل ، فلا بد حينئذ من لحاظ التركيب بهذا المعنى وهو انا اردنا من الانسان ذاته وكونه حيوانا ناطقا حتى يصح الحمل.

قلنا : ان المراد في هذا المقام ان حمل الجزء الخارجي لا يصح على الكل لعدم اتحادهما مصداقا ، كما في الخل والسكنجبين ، واما الحيوان والناطق فجزء ان عقليان للانسان بتعمّل من العقل ، وحمل الجزء العقلي على الكل العقلي جائز قطعا. فانقدح ان ملاك الحمل هو الاتحاد من وجه والمغايرة من وجه آخر ، ولو بنوع من الاعتبار ، فتوهم صاحب (الفصول) في غير محله. فظهر فساد لحاظ التركيب بين المتغايرين مفهوما في مقام الحد والرسم والحمل كما توهمه الفصول قدس‌سره.

موارد النظر في قول صاحب (الفصول):

قوله : وفي كلامه موارد للنظر تظهر بالتأمل وامعان النظر.

احدها : جعل (الناطق) و (الحساس) من قبيل المتغايرين اعتبارا ، المتحدين حقيقة ، مع ان التغاير بينهما بحسب المفهوم.

وثانيها : جواز حمل احد المتغايرين على الآخر بمجرد لحاظ التركيب

١٦٤

والوحدة الاعتبارية ، مع انه في الحمل مطلقا لا بد ان يكون هناك نحو من الاتحاد والهوهوية الحقيقية ، اما مفهوما ومصداقا ك (الانسان حيوان ناطق) أو مصداقا فقط ـ أي حملها على الانسان ـ ك (ضاحك) أو (كاتب). غاية الامر ، انه اذا كان الموضوع والمحمول متحدين مفهوما وماهية وخارجا كما في قولك (الانسان انسان) أو (بشر) فلا بد حينئذ من فرض المغايرة بينهما بالاجمال والتفصيل بان يكون الاول الذي هو موضوع القضية ، اشارة الى مجرد الذات ، والثاني اشارة الى الذات مع ذاتياتها التي تمتاز الذات بسببها عما عداها وتلك ك (الحيوان) و (الناطق) في تعريف الانسان ، وإلّا لم يصح الحمل ، اي حمل احدهما على الآخر لكونه لغوا.

وثالثها : ان الحمل يقتضي تغايرا حقيقيا مع انه مانع عن الحمل ما دام لم يكن الاتحاد الخارجي موجودا بين المحمول عليه وبين المحمول كما هو ظاهر.

قوله : الرابع لا ريب في كفاية مغايرة المبدإ مع ما يجري المشتق عليه مفهوما وان اتحدا عينا وخارجا ، فصدق الصفات مثل (العالم) و (القادر) و (الرحيم) و (الكريم) الى غير ذلك من صفات الكمال والجلال تصدق عليه تعالى ... الخ».

الغرض المهم من الامر الرابع بيان كيفية حمل صفات الباري جلّ وعلا مثل : العلم والقدرة والحياة والارادة والادراك وغير ذلك من صفات الجلال والكمال على ذات الباري عزّ اسمه ، وجلّ جلاله ، وعمّ نواله ، لا إله الا هو وحده لا شريك له ، فان صفات الباري عزّ اسمه تكون عين ذاته ولا تكون حالّة في محل ولا عارضة في معروض كما ثبت هذا بالبرهان العقلي في محله ، فاذا كان الامر كذلك فكيف يصح ان يقال (الله عالم وقادر وحيّ) و ... لان مفهوم لفظ الجلالة ومفهوم لفظ العالم والقادر مثلا ، هو واجب الوجود كما ان مصداقهما هو واجب الوجود فيتحد الموضوع والمحمول في مثل قولك (الله عالم) مفهوما ومصداقا.

والحال انه لا بد في الحمل من التغاير المفهومي ومن الاتحاد المصداقي حتى يصح الحمل ، ولو كان التغاير اعتباريا. وهذا غير ممكن هنا لمقام عينية الصفات والذات المقدس الباري عزّ اسمه.

١٦٥

قلنا : ان هذه الاوصاف مغايرة لذات واجب الوجود مفهوما ، لان مفهوم العلم غير مفهوم واجب الوجود. اذ مفهوم العلم انكشاف الواقع ، ومفهوم واجب الوجود هو ما يكون وجوده ضروريا ويستحيل عليه العدم. وهكذا سائر صفات الباري تحمل على الباري جلّ جلاله.

فمبدأ الاوصاف ، مثل العلم والقدرة وامثالهما ، مغاير لذات واجب الوجود مفهوما ، وهذه المغايرة كافية في الحمل. فلاجل هذه المغايرة المفهومية تحمل على الباري ، لان المشتق تابع للمبدإ في التغاير والتوافق ، فاذا كان مفهوم العلم غير مفهوم واجب الوجود ، فكذا مفهوم العالم يكون غير مفهوم واجب الوجود وان كانا متحدين مصداقا وخارجا.

فساد قول صاحب (الفصول):

قوله : ومنه قد انقدح ما في (الفصول) من الالتزام بالنقل ... الخ قد ظهر من اجل كفاية مغايرة المفهومية في صحة الحمل ، فساد ما في (الفصول). من الالتزام بالتجوز ، بان يراد بالعالم غير معناه اللغوي ، أو الالتزام بالنقل بان يكون جرى العالم على واجب الوجود بمعنى حقيقي آخر يناسب معناه اللغوي الاولي.

وفي ضوء هذا : فالعالم الذي يحمل على واجب الوجود يكون بحسب المفهوم غير العالم الذي يحمل على غير واجب الوجود ، وكذا سائر صفات الباري عزّ اسمه ، وذلك الالتزام بالتجوز أو النقل لعدم المغايرة بين مبادئ صفات الباري وذات الباري. لان ذات الباري عين العلم وعين القدرة ، والعلم عين ذاته المقدسة وكذا القدرة والحياة والارادة والادراك والقدم والتكلم والصدق.

فالمشتقات من هذه المبادئ تكون ايضا عين ذاته المقدسة ، نحو : العالم والقادر والحي والمريد والمدرك والقديم والمتكلم والصادق ، لان المشتقات تابعة للمبادئ في العينية والغيرية مع الذات فالاول كصفات الباري ، والثاني كصفات وعناوين غير الباري عزّ اسمه وجلّ جلاله.

١٦٦

وجه فساد قول (الفصول) بالتجوّز أو النقل في صفات الباري ما عرفت في اول التنبيه من كفاية المغايرة المفهومية في صحة الحمل ، لان مفهوم العلم والقدرة غير مفهوم واجب الوجود ، فكذا مفهوم العالم والقادر وسائر صفات الكمال غير مفهوم واجب الوجود ، لان المشتق تابع لمبدئه في جرم المفهوم واصل المعنى ، كما لا يخفى على الناقد البصير. ولا اتفاق على اعتبار غير المغايرة المفهومية في صحة الحمل ولو بالاعتبار. فلا يشترط في صحة الحمل المغايرة الحقيقية بل تكفي المغايرة الاعتبارية ، ان لم نقل بحصول الاتفاق على عدم اعتبار غير المغايرة المفهومية كما لا يخفى على من راجع كلام القوم.

وقد عرفت في اوّل التنبيه ثبوت المغايرة المفهومية بين ذات الباري عزّ اسمه وبين مبادئ صفات الباري وهو واضح.

مغايرة الذات والمبدإ :

قوله : الخامس انه وقع الخلاف بعد الاتفاق على اعتبار المغايرة ذهب جماعة الى اعتبار قيام المبدإ بالذات في صحة حمل المشتق على الذات حقيقة بعد اعتبار المغايرة بين الذات والمبدإ بحسب المفهوم. وذهب قوم الى انه لا يعتبر قيام المبدإ بالذات في جري المشتق على الذات حقيقة ، وقد استدلّ من قال بعدم الاعتبار بصدق الضارب والمؤلم ، مع قيام الضرب والألم ، بالمضروب والمؤلم.

صفات الباري تعالى :

قال المصنف : والتحقيق عندي انه لا ينبغي ان يرتاب من كان من اولي الالباب في انه يعتبر في صدق المشتق على الذات وجريه عليها من التلبس بالمبدإ وقيام المبدإ بها ، غاية الامر ان التلبس يختلف ، فقد يكون بنحو الصدور كما في الضارب ، وقد يكون بنحو الحلول كما في العالم والمريض ، وقد يكون بنحو الوقوع عليه كما في المقتول ، وقد يكون بنحو الوقوع فيه كما في المقتل. وقد يكون بنحو

١٦٧

انتزاع المبدإ عن الذات الموصوف مفهوما اي انتزاعا مفهوميا مع اتحاد المبدإ مع ذات الموصوف خارجا كما في صفات الباري عزّ اسمه ، كما اشار المصنف اليه في اول التنبيه الرابع ، وقد يكون بنحو انتزاع المبدإ عن الذات الموصوف مع عدم تحقق للمبدإ الا لمنشإ الانتزاع ، كما في الزوج والزوجة والحرّ والرقّ والملك والسابق والمقارن واللاحق ونحوها من العناوين التي تكون مبادئها من الاضافات والاعتبارات التي لا تحقّق لها في الخارج الا لمنشإ انتزاعها ولا يكون بحذائها في الخارج شيء ، وتكون هذه العناوين من الخارج المحمول الذي يسمى عند الفلاسفة بالمحمول بالصميمة ، لا المحمول بالضميمة الذي يكون من المبادئ المتأصلة التي لها وجود في الخارج حقيقة ولو في ضمن المعروض كالسواد والبياض ونحوهما.

اعلم : ان الامر المنتزع يكون على نحوين :

احدهما : ان يكون الامر المنتزع عين ذات الباري جلّ وعلا وموجودا بوجود الباري كصفاته الكمالية.

وثانيهما : ان لا يكون الامر المنتزع موجودا في الخارج ، بل الموجود فيه انما يكون منشأ للانتزاع مثل الاضافات والاعتبارات ، نحو : الأبوة والبنوة اللتين لا تكونان موجودتين في الخارج وانما يكون الموجود فيه الشخص الذي خلق من مائه وهو ولده ، وقد خلق من ماء ابيه ، وكذا الاعتبارات التي لا يحاذيها شيء في الخارج نحو الزوجية والرقية والملكية ونحوها.

لان الموجود في الخارج هو شخص الزوج والزوجة ، وشخص المالك وعين المملوك ، وفي ضوء هذا ظهر ان واجدية الذات للمبدإ تتصور على وجوه اربعة :

الاول : ان تكون بنحو الصدور ، نحو : الضارب.

والثاني : ان تكون بنحو الحلول ، نحو : زيد مريض.

والثالث : ان تكون بنحو الانتزاع والاضافة والاعتبار ، نحو : الزوجية والابوة والفوقية.

والرابع : ان تكون بنحو العينية نحو علم الباري وسائر صفاته الكمالية

١٦٨

الجمالية أو الجلالية.

اختلاف تلبس الذات :

قوله : على اختلاف انحائه الناشئة من اختلاف المواد تارة واختلاف الهيئات اخرى بيّن المصنف قدس‌سره بهذا الكلام اختلاف تلبس الذات بالمبدإ لاجل اختلاف المواد من حيث فعلية المبدإ ، ومن حيث كون المبدإ ملكة وحرفة وصنعة ، ومن حيث كونه ثبوتا نحو حسن وكرامة ، وحدوثا نحو ضرب وإكرام ، ولاجل اختلاف الهيئات مثل كون المشتق اسم فاعل واسم مفعول ، واسم مكان واسم زمان واسم آلة وصيغ مبالغة واسم تفضيل.

قوله : ففي صفاته الجارية عليه تعالى يكون المبدأ ... الخ فالعلم والقدرة اللذان يكونان مبدءين ل (عالم) و (قادر) يكونان مغايرين مفهوما لذات الواجب الوجود فمفهوم العلم غير مفهوم ذات واجب الوجود ، لكن العلم قائم بذات الواجب تعالى عينا وخارجا لكون ذات الواجب متلبسا بالعلم لكن على نحو قيام الاعتباري العيني ، لا على نحو قيام الحقيقي الذي يقتضي اثنينية والمغايرة كقيام الضرب بالضارب مثلا ، فيكون صدق العلم عليه تعالى بنحو الحقيقة وان لم يطّلع على صدقه عليه تعالى اهل العرف لا بأن تكون هناك اثنينية اي كان العلم شيئا والذات الواجب تعالى شيئا آخر بل بنحو الاتحاد والعينية وكان ما بحذاء العلم عين ذات الواجب تعالى شانه.

قوله : وعدم اطلاع العرف على مثل هذا التلبس من الأمور الخفية لا يضر بصدقها عليه تعالى على نحو الحقيقة اذا كان لها مفهوم صادق عليه ... الخ وعدم اطلاع اهل العرف على هذه الأمور والدقائق الخفية من كون الباري متلبسا بالعلم والقدرة على نحو العينية وعلى الوجه الاكمل ، لا على نحو الاثنينية والحالية والمحلية ، لا يضرّ بصدقها عليه تعالى على نحو الحقيقة اذا كان للصفات مفهوم صادق عليه حقيقة بتعمّل من العقل السليم ، لان اهل العرف انما يكونون مرجعا في تعيين المفاهيم لا في تطبيقها

١٦٩

على صغرياتها ومصاديقها. فاذا رجعنا اليهم واخذناها منهم فتطبيقها على صغرياتها مفوض الى العلماء لا اليهم ، والحال ان الباري عزوجل من اكمل المصاديق ، وهو الذات المتلبّس بالمبدإ في الحال.

فاذا علمنا علما قطعيا ان العالم بماله من المعنى المرتكز في الذهن يصدق عليه تعالى لكون ذات الباري متلبسا بالعلم على النحو الاكمل ، صدق عليه تعالى على نحو الحقيقة لا على نحو التجوّز ، فالمرجع هو العقل وتأمل العقل وتعلّمه الدقيق لا العرف.

فتطبيق المفاهيم على مصاديقها يكون بايدي العلماء قدس‌سرهم ، وبالجملة يكون مثل العالم والعادل وغيرهما من الصفات الجارية عليه تعالى من الصفات الثبوتية التي تسمى بالصفات الجمالية والجارية على غير الباري بمفهوم واحد ومعنى فارد من غير تفاوت في البين ، وان اختلف الباري وغيره في جري المشتق من اجل الاتحاد فيه تعالى ، ومن التعدد والاثنينية في غيره ، وفي كيفية التلبس حيث انه بنحو العينية فيه تعالى وبنحو الاكمل فيه جلّ وعلا ، وبنحو الحلول أو الصدور في غيره ، وبنحو الاضعف في غيره ، فلا حاجة الى تجوّز أو نقل اذا جرى العالم عليه تعالى ، مثال الحلول : (زيد عالم). مثال الصدور : (زيد متكلم).

قوله : فلا وجه لما التزم به في (الفصول) من نقل الصفات الجارية عليه تعالى عما هي عليها من المعنى كما لا يخفى ... الخ غرض صاحب (الفصول) قدس‌سره من النقل هو النقل في هيئات الصفات فهيئة العالم في غيره تعالى حقيقة في الذات المغايرة مع المبدإ ، وفيه جلّ وعلا قد نقلت الى الذات المتحدة مع المبدإ.

قال صاحب (الفصول) قدس‌سره انا نلتزم بالنقل مع ان الاصل عدم النقل لوجهين :

الاول : عدم قيام المبدإ بالذات لان المبدأ عين الذات المقدسة وذات الباري عين المبدإ فلا يعقل القيام ، مع ان قيام المحمول بالموضوع معتبر في الحمل.

والثاني : لعدم المغايرة بين المبدإ والذات المقدسة ، مع ان الحمل اتحاد الشيئين في الخارج مع تغايرهما في الذهن.

١٧٠

اما الجواب عن الاول فنقول : يشترط في الحمل القيام سواء كان عينيا أم كان صدوريا أم كان حلوليا ، ففيه تعالى يكفينا القيام العيني. واما عن الثاني : فلوجود المغايرة بين الذات المقدسة والمبدإ من حيث المفهوم ، وهذا المقدار من المغايرة كاف في صحة حمل المشتق عليه تعالى وفي كونه حقيقة فيه.

فاعترض المصنف قدس‌سره على (الفصول) بقوله اما ان نريد من لفظ العالم في قولنا (الله عالم) الذات التي ينكشف لديها الواقع فذاك هو المعنى العام للفظ العالم الذي يشمل علم الباري وعلم غيره. غاية الامر علم الباري جلّ وعلا يكون على النحو الاكمل وعلم غيره على النحو الاضعف ، واما ان نريد من لفظ العالم في المثال المذكور ان الله تعالى مصداق لوصف يقابل ذاك المعنى المذكور وهو انكشاف الواقع والمعنى الذي يقابله عدم انكشاف الواقع ، وهو عبارة اخرى عن الجهل بالواقع فتعالى عن ذلك علوا كبيرا.

واما ان لا نريد من لفظ العالم شيئا معلوما لنا وهو انكشاف الواقع فيكون هذا الاخير صرف لقلقة اللسان وكون صفات الباري بلا معنى وهو لا ينفع للقائل. فالاخيران باطلان. فالمتعين هو الاول.

في اشكال قول صاحب (الفصول):

قوله : والعجب انه جعل ذلك علة لعدم صدقها في حق غيره ... الخ جعل صاحب (الفصول) قدس‌سره نقل صفات الباري عن معناها اللغوي الى المعنى الثاني بالاضافة اليه سبحانه وتعالى علة ، لعدم صدقها بما لها من المعنى في حق غيره تعالى ، بالنحو الذي تصدق به في حقه سبحانه ، اي صدق الصفات على الباري عزّ اسمه يكون بعد النقل على نحو العينية ، وصدقها على غيره قبل النقل على نحو المغايرة والاثنينية وعلى نحو الحالية والمحلية ، وجه عجب المصنف منه ما تقدم من صدق العالم على الباري جلّت عظمته وعلى غيره يكون بمعنى واحد ، وهو انكشاف الواقع ، غاية الامر في الباري على نحو العينية ، وفي غيره على نحو الحلول او الصدور ، فانكار

١٧١

صاحب (الفصول) صدق الصفات على غير الباري جلّ جلاله بالمعنى الذي نطلق عليه تعالى في غير محلّه كما عرفت سابقا.

الخلل في استدلال الجانبين :

قوله : وبالتأمل فيما ذكرنا ظهر الخلل فيما استدل من الجانبين ... الخ وظهر من التحقيق الذي مضى فساد دليل النافي لاعتبار قيام المبدإ بالذات في صدق المشتق على الذات حقيقة وقد استدلّ بصدق الضارب والمؤلم مع قيام الضرب والألم بالمضروب والمؤلم. وجه الفساد عدم الفرق ، اي عدم فرق النافي بين المصدر مبنيا للفاعل ومبنيا للمفعول فان الضرب والايلام بمعنى التأثير اذا كانا بمعنى الفاعل والتأثير قائم بالضارب والمؤلم ، كما انهما بمعنى الأثر اذا كانا بمعنى المفعول. وهو قائم بالمفعول.

فالقيام اي قيام المبدإ موجود في صدق المشتق على الذات حقيقة وهو شرط لا غبار عليه ، غاية الامر ان قيام المبدإ مختلف كما سبق فلفظ (الجانبين) في كلام المصنف يكون بلفظ الجمع ، اذ ليس في المسألة الا الاستدلال من جانب المخالفين ، ولكن قال المصنف : هذا اللفظ على هيئة الجمع السالم باعتبار افراد المخالف ، لا بلفظ التثنية كما توهم في هذا المقام.

كما انه ظهر من التحقيق السابق المحاكمة بين المثبت والنافي لان الحاكم يحكم بالصلح ، لان منظور المثبت هو اعتبار قيام المبدإ بالذات في صدق المشتق حقيقة هو تلبس الذات بالمبدإ سواء كان صدوريا أم كان حلوليا.

ولان مراد النافين عدم اعتبار تلبس الذات بالمبدإ على نحو الحلول فقط في صدق المشتق حقيقة على الذات فيصح ان تقول (زيد مريض) اذا انقضى عنه المرض ، اما اذا كان التلبس على نحو الصدور أو على نحو الانتزاع والاعتبار والاضافة فالنافي يشترط قيام المبدإ بالذات في صدق المشتق حقيقة فيوافق قوله : لمذهب المثبت فلا نزاع في البين حينئذ وهو ظاهر.

١٧٢

قوله : فتأمل وهو اشارة الى ان غرض (الفصول) من نقل صفات الباري عزّ اسمه هو النقل في هيئات الصفات والمشتقات لا النقل في موادها فلا يرد عليه ما اورده المصنف من اللقلقة في اللسان كما مرّ.

والغرض من نقل الهيئة هو ان اطلاق العالم والقادر لا يجوز على غيره تعالى اما اطلاق المبادئ كالعلم والقدرة ونحوهما جائز على غيره بمفهوم واحد.

غاية الامر على الباري على نحو العينية والاكملية وعلى غيره على نحو الحالية والمحلية والاضعفية.

قوله : السادس الظاهر انه لا يعتبر في صدق المشتق وجريه على الذات حقيقة التلبس بالمبدإ حقيقة وبلا واسطة في العروض ... الخ اعلم ان صدق المشتق على الذات حقيقة لا يتوقف على كون اسناد المشتق حقيقيا والى من هو له كما في (الماء جار) حيث ان اسناد الجريان الى الماء يكون بلا واسطة في العروض ، وحقيقيا ، بل اذا كان اسناده الى الذات مجازيا والى غير من هو له نحو (النهر جار) و (جالس السفينة متحرك) لم يكن مضرّا بصدق المشتق على الذات على نحو الحقيقة.

والمضرّ فيه هو المجاز في الكلمة لا المجاز في الاسناد كما في (الميزاب جار) فاسناد الجريان الى الميزاب ، وان كان اسنادا الى غير ما هو له وبالمجاز ، إلّا انه في الاسناد لا في الكلمة. فالمشتق الذي هو (جار) في المثال قد استعمل في معناه الحقيقي وان كان المبدأ ، وهو الجريان ، مسندا الى الميزاب بالاسناد المجازي ، اذ الجريان ليس قائما بالميزاب بل بالماء لكنّ في كون الماء من الواسطة في العروض تأملا لان الميزاب لا يجري ولو بتبع جريان الماء فيه كحركة (جالس السفينة) بتبع حركة السفينة فليس المجاز لا في مادة الجريان في المثال لانها قد استعملت في معناها الحقيقي وهو السيلان والجريان ولم يرد منها معنى آخر. غاية الامر ان اسنادها الى الميزاب مجازي لعدم قابليته للسيلان ، ولا في هيئته لان الهيئة قد استعملت في معناها الحقيقي وهو الذات المتلبسة بالمبدإ في الحال. غاية الامر ان حمل المشتق على الميزاب مجازي بالعلاقة الحالية والمحلية يعني انه ذكر

١٧٣

المحل وهو الميزاب واريد الحال وهو الماء الجاري فيه.

ولكن ظاهر (الفصول) بل صريحه اعتبار الاسناد الحقيقي في صدق المشتق على الذات حقيقة ، وكأنّ (الفصول) خلط بين المجاز في الاسناد المسمى بالمجاز العقلي وبين المجاز في الكلمة المسمى بالمجاز اللغوي.

فاذا كان المجاز في الاسناد فيصدق (جار) على الميزاب ولو عناية ومجازا وعرفت ان المجاز في الاسناد لا يستلزم المجاز في الكلمة. بقي هنا ثلاثة مطالب :

الاول : ان المجاز على ثلاثة اقسام :

القسم الاول : المجاز في الكلمة ، وهو استعمال الكلمة في غير معناها الاصلي لمناسبة بين المعنى الحقيقي وبين المعنى المجازي.

القسم الثاني : المجاز في الحذف ، وهو ما اذا حذف المضاف واقيم المضاف اليه مقامه واعرب المضاف اليه باعراب المضاف نحو (جاء ربك) اي امر ربك أو حكم ربك لاستحالة مجيء الرب جلّ وعلا ، وهو المسمى بالمجاز في الاعراب ايضا.

القسم الثالث : المجاز في الاسناد ، نحو (زيد عدل) فالموضوع والمحمول في هذا المثال قد استعملا في معنييهما الحقيقيين ، ولكن يحكم العقل بان اسناد العدل الى (زيد) مجاز وهو المسمى بالمجاز العقلي ايضا.

الثاني : الثمرة في بساطة مفهوم المشتق أو تركبه هي انه اذا قلنا ببساطته فتعريف الانسان بالناطق وحده أو الضاحك وحده لا يصح لعدم الترتيب في الشيء الواحد ، والحال ان النظر عبارة عن ترتيب امور معلومة لتحصيل امر مجهول ، واذا قلنا بتركبه فتعريف الانسان بهما صحيح ، كما ان الاول يسمى حدا ناقصا ، والثاني رسما ناقصا عند اهل المنطق.

الثالث : بيان الثمرة الفقهية على بحث المشتق ، وهي انه تترتب امور عليه : احدها : كراهة البول تحت الشجرة التي لا ثمرة لها فعلا مع كونها ذات ثمرة قبلا ، فان قلنا بوضع المشتق للاعم فهو مكروه ، وان قلنا بوضعه لخصوص المتلبّس بالمبدإ في

١٧٤

الحال فهو غير مكروه.

وثانيها : كراهة الوضوء والغسل بالماء الحار بحرارة الشمس بعد صيرورته باردا ، فان قلنا بوضعه للاعم فهما مكروهان ، وان قلنا بوضعه للمتلبس فلا يكونان مكروهين به.

ثالثها : اذا عرض الجلل على مأكول اللحم وزال عنه الجلل بواسطة الاستبراء ، فان قلنا بوضعه للاعم حرم اكل لحمه ، وان قلنا بوضعه للمتلبس لم يحرم اكله.

رابعها : في تحريم الزوجة الكبيرة التي ارضعت زوجة صغيرة كما مر مفصلا فلا نعيده. كما ان بيان الاستبراء كمّا وكيفا موكول الى علم الفقه.

١٧٥

الاوامر

قوله : المقصد الاول في الاوامر ، وفيه فصول ، الاول : فيما يتعلق بمادة الامر من الجهات وهي عديدة. الاولى : انه قد ذكر للفظ الامر معاني عديدة :

منها : الطلب ، كما يقال (أمره بكذا) ، اي طلب منه كذا.

ومنها : الشأن ، كما يقال (شغله أمر كذا) ، اي شان كذا.

ومنها : الفعل ، كما في قوله تعالى : (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ)(١) اي فعله.

ومنها : الفعل العجيب ، كما في قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا)(٢) أي فعلنا العجيب.

ومنها : الشيء ، كما تقول (رأيت اليوم امرا عجيبا) ، اي شيئا عجيبا غريبا.

ومنها : الحادثة ، كما تقول (وقع امر كذا) ، اي حادثة كذا.

ومنها : الغرض ، نحو (جاءك زيد لامر كذا) ، اي لغرض كذا ، وقد ذكر معاني أخر لها.

ومنها : الحال ، نحو (زيد امره مستقيم) ، اي حاله.

ومنها : القدرة ، نحو قوله تعالى : (مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ)(٣) اي بقدرته.

ومنها : الصنع ، نحو قوله تعالى : (أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ)(٤) اي من صنع الله تعالى. وغيرها.

__________________

(١) سورة هود ، آية ٩٧.

(٢) سورة يونس ، آية ٨٢.

(٣) سورة الاعراف ، آية ٥٤.

(٤) سورة هود ، آية ٧٣.

١٧٦

قوله : ولا يخفى ان عدّ بعضها من معانيه من اشتباه المصداق بالمفهوم ... الخ ولا يخفى ان عدّ اكثرها ، ما عدا الطلب والشيء والفعل ، من باب اشتباه المصداق بالمفهوم ، فان لفظ الامر في قولك (جاء زيد لامر كذا) لم يستعمل في مفهوم الغرض بل استعمل فيما هو مصداق الغرض واللام لامر قد دلت على الغرض نحو : ضربت زيدا للتأديب ، وفي قولك : (وقع امر كذا) لم يستعمل في مفهوم الحادثة بل استعمل فيما هو مصداق الحادثة.

وهكذا الحال في قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) اذ لم يستعمل لفظ الامر في مفهوم الفعل العجيب ، بل فيما هو مصداق الفعل العجيب ، وهو هلاك قوم لوط ، لان المراد منها هو الحادثة الخاصة ، والغرض الخاص ، والفعل العجيب الخاص ، والشأن الخاص الجزئي ، وهي من مصاديق المفاهيم الكلية. ولا تكون هذه الأمور من مفهوم لفظ الامر لان مفهوم لفظ الامر هو الطلب الذي هو عبارة عن السعي نحو الشيء نحو طلب الماء وطلب الغريم والضالة والشأن والفعل.

غاية المطلب : انه تكون لكل واحد منها مصاديق وجزئيات عديدة ، نظير لفظ (الرجل) إذ مفهومه اللغوي هو كل مفرد مذكر من الناس اي كل ذات ثبت له الرجولية ، ولهذا المعنى الكلي مصاديق عديدة في عالم الخارج فاذا استعمل لفظ (رجل) في (زيد وعمرو وبكر) مثلا ، يكون مستعملا في المصداق لا في المفهوم فكذا ما نحن فيه ، طابق النعل بالنعل.

قوله : فافهم وهو اشارة الى ان كون اللام لغرض في لامر كذا فاسدا لان معنى المثال يكون على هذا النحو (جاء زيد لغرض لغرض كذا) على نحو التكرار وهو بعيد في القرآن الكريم لانه لا يليق بالفصاحة والبلاغة ، بل تكون للتعليل والغرض مستفاد من لفظ الامر اي مصداق الغرض.

١٧٧

تحقيق قول صاحب (الفصول) وفساده :

قوله : وبذلك ظهر ما في دعوى (الفصول) من كون لفظ الامر حقيقة في المعنيين الاوّلين ... الخ ولاجل الفرق بين المفهوم والمصداق ظهر فساد دعوى صاحب (الفصول) من كون لفظ الامر حقيقة في الطلب والشأن ، فاعترض عليه المصنف بان لفظ الامر لم يستعمل في مفهوم الطلب وفي مفهوم الشأن حتى عدّا من معنى لفظه بل استعمل في مصداقهما دائما. فاشتبه صاحب (الفصول) المصداق بالمفهوم فلذا ادعى هذه الدعوى ، وهي غير مسموعة.

قوله : ولا يبعد دعوى كونه حقيقة في الطلب في الجملة والشيء ، هذا بحسب العرف واللغة ... الخ فاختار المصنف قدس‌سره كون لفظ الامر حقيقة عرفا ولغة في الطلب الوجوبي الصادر من العالي فقط لا في مطلق الطلب ، وفي الشيء وهو يشمل الاعيان كالماء والحنطة وغيرهما ، والصفات سواء كانت ممدوحة نحو العدل والسخاء ونحوهما ، أم كانت مذمومة كالحسد والحقد والبخل ونحوها ، والافعال سواء كانت حسنة كالاعطاء والاكرام ، أم كانت قبيحة نحو التوهين للمؤمن وسبه بغير حق وما شابههما.

فالشأن والغرض والحادثة والفعل العجيب والفعل والحال والقدرة والصنع كلها من مصاديق الشيء وجزئياته ، هذا بحسب العرف واللغة ، واما بحسب الاصطلاح ، اي اصطلاح الاصوليين ، فقد نقل اتفاقهم على ان لفظ الامر حقيقة ثانوية في القول المخصوص وهو صيغة (افعل) ومجاز في غيره من الأمور المذكورة سابقا.

قوله : ولا يخفى انه عليه لا يمكن منه الاشتقاق فان معناه حينئذ لا يكون معنى حدثيا ... الخ فاتفق على ان لفظ الامر حقيقة في القول المخصوص وهو (افعل) وما في معناه من الامر ، بلام الطلب ، مثل (لتفعل) ، ومثل اسماء الافعال التي بمعنى الامر الحاضر ك (نزال) بمعنى (انزل) و (تراك) بمعنى اترك ، ولكن هذا المعنى ينافي سائر المشتقات التي اشتقت من لفظ الامر وهي ألفاظ (آمر ومأمور وأمرت ويأمر) وغير

١٧٨

ذلك ، لان لفظ الامر اذا كان اسما ل (أفعل) وكان (افعل) معنى لفظ الامر فلا يكون معناه حينئذ معنى مصدريا حدثيا حتى يصح الاشتقاق منه نظير لفظ الامر اذا كان بمعنى الشيء وهو غير قابل للاشتقاق ، فكذا ما نحن فيه. والحال ان الظاهر ان المشتقات المذكورة بالمعنى الاصطلاحي تشتق منه ، ولا يكون اشتقاقها من لفظ الامر بمعنى آخر ظاهرا. فهذا الاتفاق ينافي هذه المشتقات قطعا ، فلا بد من ان نلتزم باحد امرين : اما ان يكون الاشتقاق من لفظ الامر بغير معناه الاصطلاحي المتفق عليه ، واما ان نمنع الاتفاق.

قوله : فتدبر وهو اشارة الى انه يمكن تصحيح دعوى الاتفاق المذكور والالتزام بكون مبدإ اشتقاق المشتقات هو لفظ الامر بمعنى آخر غير القول المخصوص.

قوله : ويمكن ان يكون مرادهم به هو الطلب بالقول لا نفسه ... الخ ويمكن ان يجمع بين الاتفاق المذكور وبين كون لفظ الامر بمعناه الاصطلاحي المتفق عليه مبدأ للاشتقاق بهذا النحو وهو ان مراد العلماء كون لفظ الامر حقيقة في الطلب بالقول لا في نفس القول المخصوص حتى لا يكون قابلا للاشتقاق ، لان القول المخصوص جامد لا يصلح للاشتقاق فاذا كان لفظ الامر حقيقة في الطلب بالقول المخصوص فيكون الطلب معنى حدثيا مصدريا قابلا للاشتقاق.

فلذا اشتق منه (أمر يأمر آمر مأمور أمرت و ...) فان قيل : ان وجه تعبير العلماء من الطلب بالقول الذي هو معنى حقيقي للفظ الامر بنفس القول وقالوا ان الامر حقيقة في القول المخصوص ، فيستفاد منه ان مدلول الامر هو القول المخصوص لا الطلب المصدري ، قلنا أنه بلحاظ دلالة صيغة الامر على الطلب يعني اطلقوا اسم المدلول وهو الطلب مسامحة على الدالّ ، وهو القول المخصوص ، لمناسبة بين الدال والمدلول ، وهي عبارة عن اندكاك المدلول في الدالّ ، لان الطلب بالقول الذي هو مدلول لفظ الامر يندك في القول المخصوص.

اذا علم ما ذكرنا فنقول ان المراد من المعنى الآخر الذي ذكر سابقا في وجه

١٧٩

التدبر هو الطلب بالقول المخصوص.

قوله : نعم القول المخصوص اي صيغة الامر اذا اراد العالي بها الطلب ... الخ اذا اراد العالي بصيغة الامر طلب المبدإ من السافل فيكون هذا من مصاديق الامر بما هو طلب لا بما هو قول مخصوص ، وستعرف عن قريب اعتبار العلوّ في معنى الامر ، لكنه من مصاديق الامر بما هو طلب المطلق أو طلب مقيّد بالوجوب على الخلاف الذي سيأتيك من كون صيغة الامر لمطلق الطلب ، سواء كان وجوبيا أم كان ندبيا او للطلب الوجوبي فقط لا من مصاديق الامر بما هو شأن او حادثة او غير ذلك مما قيل في معنى لفظ الامر ومادته.

فالقول المخصوص وهو صيغة (افعل) مصداق للامر بما هو طلب لا بما هو قول مخصوص ، وكيف كان فالامر سهل لو ثبت نقل لفظ الامر عن معناه اللغوي والعرفي الى القول المخصوص ، والحال انه لا مشاحّة في الاصطلاح لانه يحتمل ان يكون معنى لفظ الامر في الاصطلاح قولا مخصوصا نحو (صلّ وصوموا) وان يكون الاشتقاق من مادة الامر بمعنى آخر فهذا الامر ليس بمهم لنا اذ الاشتقاق منه مسلّم لا غبار عليه ، واما المهم لنا بيان معناه اللغوي والعرفي ليحمل لفظ الامر على هذا المعنى اذا ورد في الكلام مجردا عن القرينة ، نظير الفاظ العبادات. على ان استعمال لفظ الامر في المعاني العديدة نحو الطلب والفعل والشأن وغيرها في القرآن الكريم والسنة الشريفة يكون على نحو الاشتراك اللفظي أو المعنوي او على نحو الحقيقة والمجاز.

توضيح لا يخلو من فائدة : وهو بيان الفرق بين الاشتراك اللفظي والاشتراك المعنوي ، والحقيقة والمجاز ، فنقول انه في الاول يشترط تعدد الوضع وتعدد الموضوع له ، فاستعمال لفظ الامر على هذا المبنى في كل واحد من المعاني يكون على نحو الحقيقة ، غاية الامر يحتاج هذا الاستعمال الى قرينة معيّنة. وفي الثاني يشترط وحدة الوضع ووحدة الموضوع له الذي يكون كليا له مصاديق عديدة. فالاستعمال في كل واحد من مصاديق معناه الكلي يحتمل ان يكون على

١٨٠