البداية في توضيح الكفاية - ج ١

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ نهضت
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-0-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٤٤٨

السرقة والزنا ، وهو ظاهر لا غبار عليه.

قوله : ومنه قد انقدح ما في الاستدلال على التفصيل بين المحكوم عليه والمحكوم به ... الخ وذهب قوم الى التفصيل بين كون المشتق حقيقة في الاعم اذا وقع محكوما عليه ، نحو : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ)(١) ونحو : (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(٢) لان من وجوب الجلد والقطع ، ولو بعد انقضاء المبدإ وزوال التلبّس ، يعلم ان كلا منهم ـ اي الزاني والزانية والسارق والسارقة ـ في الآيتين الشريفتين حقيقة في الاعم ، اذ لو كانت حقيقة في المتلبس بالمبدإ في الحال لم يجز الجلد ولا القطع بعد انقضاء المبدأ ، وبين كونه محكوما به نحو (زيد مجتهد) فهو حقيقة في المتلبس.

فاجاب المصنف : بان المشتق في الآيتين الكريمتين مستعمل فيمن انقضى عنه المبدأ بلحاظ حال التلبس نظير الآية الشريفة (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) اي من كان زانيا أو سارقا يجب جلده وقطع يده ، فلا ينافي ارادة حال التلبس مع ثبوت الجلد والقطع بعد انقضاء المبدإ.

هذا مضافا الى ان الالتزام بتعدد الوضع للمشتق على حسب وقوعه محكوما عليه ومبتدأ أو محكوما به وخبرا خلاف الوجدان ، فالقول الصحيح ان المشتق حقيقة في المتلبّس بالمبدإ في الحال لصحة السلب عمن انقضى عنه المبدأ في حال الجري لا سيما بضميمة كلمة (الآن) اليه فيقال (زيد ليس بزان الآن) بل (كان زانيا فيما مضى) وكذا السارق.

بقية الاقوال في المشتق :

قوله : من مطاوى هاهنا وفي المقدمات ظهر حال سائر الاقوال وما ذكر لها من الاستدلال ولا يسع المجال ... الخ وقال بعض بتفصيل آخر وهو ان المبدأ اذا كان من

__________________

(١) سورة النور : آية ٢.

(٢) سورة المائدة ، آية ٣٨.

١٤١

قبيل الافعال كالقيام والقعود ونحوهما ويكون الانقضاء فيها برفع اليد عن تلك الافعال ولو آناً ما كان المشتق حينئذ حقيقة في المتلبس في الحال ومجازا فيمن انقضى عنه المبدأ.

واما اذا كان من قبيل الملكة والقوة والاستعداد كما في المجتهد والمهندس والمفتاح والمكنسة وما شاكل ذلك فالانقضاء فيها لا يكون إلّا بزوال القوة والملكة والاستعداد فما دامت قوة الاستنباط موجودة في المجتهد أو استعداد الفتح موجود في المفتاح فالتلبس فعلي وغير زائل ، فيكون المشتق حقيقة ايضا في المتلبّس في الحال ومجازا فيمن انقضى عنه المبدأ ، وان كان المبدأ من قبيل الحرفة والصنعة فما دام لم يتركها ولم يعرض عنها فالتلبّس فعلي وان لم يشتغل البناء والمعمار في البناء والعمارة ، وكذا المجتهد فما دام لم تزل ملكة القدسية الاجتهاد فتلبسه باق سواء اشتغل بالاستنباط فعلا أم لم يشتغل فيكون المشتق حينئذ حقيقة في الاعم.

فيقول المصنف : ان المشتق في كل موضع يستعمل بلحاظ حال التلبس سواء بقى التلبس الى جري المشتق على الذات نحو (زيد مجتهد) أم لم يبق اليه نحو : (هو زان) أو (هو سارق).

ولا يتفاوت اختلاف المبادئ فعلا وملكة واستعدادا وحرفة وصنعة وهو لا يوجب الاختلاف في وضع المشتق للمتلبّس بالمبدإ في الحال ، وفي ضوء هذا ظهر الحال في اسم الآلة واسم المفعول ، بتقريب ان هيئة اسم الآلة قد وضعت للدلالة على الاستعداد والقابلية ويكون هذا الصدق حقيقيا وان لم يتلبس الذات بالمبدإ فعلا كالمفتاح. واما اسم المفعول فلان الهيئة فيه قد وضعت لان تدل على وقوع المبدأ على الذات وهذا المعنى مما لا يعقل فيه الانقضاء لان ما وقع على الذات باق فكيف يعقل انقضاؤه عنها ضرورة ان الشيء لا ينقلب عما وقع عليه والمفروض ان الضرب مثلا وقع على الذات فدائما يصدق انه ممن وقع عليه الضرب ، فخروجهما عن محل الكلام والخلاف باطل اذ لكل مشتق يكون حال التلبس فيجري على الذات بلحاظ حال التلبس دائما. غاية الامر تلبس الذات على حسب الشيء وعلى

١٤٢

قدر المبدإ ولا جدوى للتعرض لتفصيلات أخر من اراد الاطلاع عليها فعليه بالمطولات لا سيما القوانين والفصول.

هل المشتق بسيط أو مركب؟

قوله : بقي امور ان مفهوم المشتق على ما حققه المحقق الشريف في بعض حواشيه ... الخ الامر الاول : في بساطة مفهوم المشتق وتركّبه : فيه خلاف بين الاعلام. ذهب المحقق الشريف في حاشيته على شرح (المطالع) الى ان مفهوم المشتق بسيط منتزع عن الذات بلحاظ تلبس الذات بالمبدإ واتصافها به واستدل عليه بعد ان عرف الماتن النظر بانه «ترتيب امور معلومة لتحصيل الامر المجهول» فذكر الشارح قدس‌سره انما قال الماتن (امور) لان الترتيب لا يتصور في الامر الواحد ، الى ان قال وهذا لا يشمل التعريف بالفصل وحده كتعريف الانسان بالناطق وحده أو بالخاصة وحدها كتعريفه بالضاحك ، فأجيب عن هذا الإشكال بان المشتق ، وان كان في اللفظ مفردا ، إلّا أن معناه شيء ثبت له الحدث فيكون من حيث المعنى مركّبا ، فاورد الشريف في حاشيته عليه بان مفهوم الشيء لا يعتبر في مفهوم المشتق اصلا.

توضيح اشكال الشريف : ان الشيء الذي ينحلّ اليه مفهوم المشتق اما ان يراد به مفهومه أو مصداقه ، فان كان الاول لزم دخول العرض العام في الفصل لان مفهوم الشيء عرض عام بشهادة صدقه على المتباينات من جميع الجهات. فاذا كان معنى الناطق الذي هو فصل الانسان شيئا له النطق لزم ما ذكر ودخول العرض العام في مفهوم الفصل محال اذ الفصل ذاتي ، وكل ذاتي داخل في حقيقة الشيء ، وكل عرض عام خارج عن حقيقة الشيء ، فيستحيل ان يدخل أحدهما في مفهوم الآخر ، كما يستحيل دخول النار في مفهوم الماء. وان كان الثاني لزم انقلاب القضية الممكنة الى الضرورية ، فان قولنا الانسان ضاحك قضية ممكنة خاصة أو عامة ، فلو كان معنى الضاحك مصداق الشيء ، الشيء الذي له الضحك كان ذلك المصداق عين الانسان ، فتصير القضية المذكورة في قوة قولنا (الانسان انسان) ولا يخفى ان حمل

١٤٣

الشيء على نفسه ضرورى ، فكلاهما باطل بل محال.

اما استحالة دخول العرض العام في مفهوم الفصل فلان الفصل جزء النوع ومقوّم له ، والعرض العام خارج عن النوع غير مقوّم له فلو دخل العرض العام في مفهوم الفصل لزم اجتماع النقيضين ، واما استحالة انقلاب الممكنة الخاصة الى الضرورية فلان الممكنة الخاصة تكون لسلب الضرورة من الجانبين اي الجانب الموافق والجانب المخالف.

فاذا قلنا (كل انسان كاتب بالامكان الخاص) فمفاده ان ثبوت الكتابة ليس ضروريا لافراد الانسان ، وإلّا لكان جميع افراد الانسان كاتبا ، ويكون مفاده ان سلب الكتابة ليس ضروريا عن افراد الانسان ، وإلّا لا يكون فرد من افراد الانسان كاتبا ، لان مفاد الضرورية المطلقة ضرورية ثبوت المحمول للموضوع ان كانت موجبة ، أو ضرورية سلبه عنه ان كانت سالبة ، نحو (كل انسان حيوان بالضرورة) و (لا شيء من الانسان بفرس بالضرورة).

وفي ضوء هذا البيان ظهر بطلان الانقلاب ، فلذا ذهب الشريف الى بساطة مفهوم المشتق ، هذه خلاصة ما افاده المحقق الشريف على ما لخّصه بعض الاعاظم وهو صاحب الفصول قدس‌سره.

اعتراض صاحب (الفصول) على الشريف :

قوله : وقد اورد عليه في (الفصول) بانه يمكن ان يختار الشق الاول ... الخ قال صاحب (الفصول) قدس‌سره في ردّ قول الشريف بانه يمكن ان يختار اخذ مفهوم الشيء في مفهوم المشتق ، ويدفع اشكال الشريف وهو «دخول العرض العام في الفصل الذاتي» بان كون الناطق فصلا للانسان مبني على عرف اهل المنطق حيث اعتبروه مجردا عن مفهوم الذات وخاليا عن مفهوم الشيء ، وهذا لا يوجب وضع الناطق لغة للمعنى الذي اعتبروه فيه ، بل من المحتمل ان يكون وضع لفظ الناطق ونحوه من المشتقات الأخر لذات ثبت له النطق ولشيء صدر عنه ، ولا للنطق الخالي عن

١٤٤

الذات وعن الشيء ، كما يقوله المحقق الشريف قدس‌سره. فيكون النزاع في المعنى اللغوي المشتق أهو بسيط أم مركب؟ ذهب الى كلّ فريق ، فاذا لم يمكن اخذ الشيء في مفهوم الناطق لاجل كونه فصلا وكليا ذاتيا عند اهل المنطق فهذا لا يدل على كون مفهومه كذلك لغة ، ولعل اهل المنطق ، بعد تجريده عن الشيء ، جعلوه فصلا للانسان.

قوله : وفيه انه من المقطوع ... الخ اعترض المصنف على (الفصول) بانه من المقطوع واليقين ان (الناطق) قد اعتبره المناطقة فصلا قريبا للانسان بلا تصرف في معناه اصلا حتى يكون معناه عند المنطقي مغايرا لمعناه عند اللغوي ، اما على نحو الاشتراك واما على نحو المجاز فليس الامر كذلك بل بماله من المعنى اللغوي جعلوه فصلا للانسان ، كما لا يخفى.

قوله : والتحقيق ان يقال ... الخ فأجاب المصنف جوابا تحقيقيا عن قول الشريف بان (الناطق) ليس بفصل حقيقي ، بل لازم ما هو الفصل ، واظهر خواص الفصل وانما يكون فصلا مشهوريا عند اهل المنطق ، يوضع عندهم مكان فصل حقيقي في تعريف ماهية الانسان بانه حيوان ناطق.

واشكال الشريف مبني على كون (الناطق) فصلا حقيقيا ، وليس الامر كذلك ، ضرورة أنّ النطق ، سواء كان بمعنى الادراك أم كان بمعنى التكلم ، لا يكون من الذاتيات ، لان الاول من الكيف النفساني ، والثاني من الكيف السمعي.

فبناء على هذا يكون عرضيا لان كل واحد من الكيف من الاعراض ولكن الناطق يكون اظهر خواص الفصل واقرب آثاره ولذا يضع اهل المنطق (الناطق) مكان الفصل. واما الفصل الحقيقي للاشياء فلا يعلمه الا علّام الغيوب او من أطلعه العالم المطلق على غيبه ومخزونه وهو غيرنا ، كما ستأتي الإشارة اليه في مفهوم (الناطق) بعد ما لم يكن (الناطق) فصلا حقيقيا لانه لا يلزم حينئذ دخول العرض العام في الفصل الذاتي بل في العرض الخاص الذي لا يكون من الذاتي ، ولا محذور في دخول العرض العام في العرض الخاص ، وهو (الناطق) ، لانه على كونه من قبيل اظهر خواص الفصل يكون عرضا خاصا للانسان ك (الضاحك) له وكل عرض

١٤٥

خاص هو من العرضي ، ولا يلزم دخوله في الفصل الحقيقي الذي هو من الذاتي كالجنس والنوع.

قوله : ولذا ربما يجعل لازمان مكانه اذا كانا متساويي النسبة اليه ويشهد على كون (الناطق) فصلا مشهوريا منطقيا لا حقيقيا ذاتيا ، انه يجعل لازمان مساويان للفصل الواقعي مكان الفصل الحقيقي في تعريف الحيوان وهما (الحساس والمتحرك بالارادة).

تقريب الشهادة الى الاذهان ، ان بناء المحققين على امتناع فصلين ذاتيين لنوع واحد في عرض واحد فظهر انهما ، اي الحساس والمتحرك بالارادة ، من لوازم الفصل الواقعي ومن اظهر خواصه ومن اقرب آثاره كالناطق.

قوله : فتدبر جيدا وهو اشارة الى دقة المطلب المذكور.

فان قيل : ان الشيء اذا اخذ في مفهوم الناطق والشيء عرض عام فكيف يكون الناطق عرضا خاصا للانسان.

قلنا : نعم ، إلّا انه بعد تقييد الشيء بالنطق ، اي شيء له النطق ، يكون من اظهر خواص الانسان وعرضا خاصا له كما هو ظاهر لا غبار عليه.

ولا يخفى ان المقصود بالعرضي هنا مقابل الذاتي باب الايساغوجى وهو جنس ونوع وفصل ، والعرضي عرض خاص كالضاحك للانسان وعرض عام كالماشي له.

جواب (الفصول) ثانيا :

قوله : ثم قال انه يمكن ان يختار الوجه الثاني ايضا ... الخ فاذا فرغ صاحب (الفصول) من الشق الاوّل للاشكال شرع في جواب الشق الثاني عنه ، وقال : انه يمكن ان يؤخذ مصداق الشيء في مفهوم المشتق ايضا كما يصح اخذ مفهومه في مفهومه. وأجاب عن اشكال انقلاب الامكان الى الضرورة بما حاصله ان المحمول في مثل (الانسان كاتب بالامكان) لا يكون المصداق الخارجي للكاتب الذي هو

١٤٦

الانسان الخارجي لاتحاد مصداقهما في الخارج ، لذا يصح حمله عليه فيقال الانسان كالانسان بالضرورة كي يلزم الانقلاب ، اذ ثبوت الشيء لنفسه ضروري ، لان قضية (الانسان كاتب) تصير على تقدير أن يكون المراد من الكاتب فيها المصداق الخارجي للكاتب ، ولا ريب ان المصداق الخارجي للكاتب ينطبق على الانسان ، ولكن المراد يكون الانسان المقيّد بالكاتب في قوة (الانسان هو الانسان الكاتب) ، فالمحمول هو الانسان المقيد بوصف عنواني وهو الكاتب. ومن الواضح ، مع امكان القيد ، لا يصير المقيد ضروري الثبوت للموضوع ، فلا انقلاب في البين ولا اشكال ، انتهى كلامه رفع مقامه.

قوله : ويمكن ان يقال ان عدم كون ثبوت القيد ضروريا لا يضر بدعوى الانقلاب ... الخ شرع المصنف قدس‌سره في رد كلام صاحب (الفصول) قدس‌سره فقال : «ان تقيّد المحمول بقيد الامكان لا يقدح في دعوى الانقلاب» ، بيان ذلك : ان المحمول اما أن يكون ذات المقيد والقيد خارجا والتقيد داخلا ، واما أن يكون مجموع المقيد والقيد معا.

فعلى الاول : يلزم الانقلاب قطعا ، لان المفروض ان المحمول هو ذات المقيد من حيث هي هي ، مثل الانسان الذي هو جزء معنى الكاتب المشتق على الفرض ، فصارت قضية (الانسان كاتب بالامكان) في قوة قولنا (الانسان انسان له الكتابة) ومن الواضح ان ثبوت الانسان للانسان ضروري لانه من قبيل ثبوت الشيء لنفسه وهو ضروري.

وعلى الثاني : يلزم الانقلاب ايضا ، غاية الامر ان المنقلب الى الضرورية حينئذ جزء القضية وهو المقيد الذي هو جزء المحمول والجزء الآخر المحمول.

توضيح : وهو ان المحمول المركب من اجزاء يحمل كل جزء منه على الموضوع ولاجل هذا تنحل قضية واحدة صورة الى قضايا متعددة ، نحو (هذا المائع سكنجبين) اي (هذا خلّ) و (هذا سكّر) فمثل (الانسان كاتب بالامكان) ينحل الى (الانسان انسان) والى (الانسان له الكتابة) اي (هو كاتب).

ومن المعلوم ان القضية الاولى ضرورية ، وهي (الانسان انسان) والثانية هي

١٤٧

(الانسان كاتب) ، فالكاتب اذا كان وصفا للانسان فهذه ناقصة تقييدية من باب تقييد الموصوف بالصفة ، واذا كان خبرا له فهذه تامة خبرية ، كما ان الثانية ممكنة عامة المقيد بجانب الوجود ، والثانية إما قضية تامة خبرية واما ناقصة تقييدية ، وذلك لعدم الفرق بين الاوصاف والاخبار إلّا بما قبل علم المخاطب وبعد علمه ، فالقول الذي يحكي عن النسبة قبل علم المخاطب بها يكون خبرا ، والقول الحاكي للنسبة بعد علم المخاطب بها وصف ، مثلا : اذا قلنا (جاءني زيد العالم) فالسامع اذا علم بكون زيد عالما قبل اخبار المتكلم عن مجيء زيد فالعالم يكون وصفا لزيد ، واما اذا لم يعلم بكونه عالما قبل اخباره عن مجيئه فالعالم خبرا له. ولذا اشتهر عند النحاة ان الاوصاف قبل العلم بها اخبار والاخبار بعد العلم بها اوصاف ، فاذا قلنا (زيد كاتب) فان علم المخاطب بوصف كتابة زيد قبل اخبار المتكلم فالكاتب يكون وصفا لزيد ، فتكون القضية حينئذ ناقصة تقييدية من قبيل تقييد الموصوف بوصف. وان لم يعلم بهذا الوصف قبل الاخبار فهو خبر له ، فتكون تامة خبرية. وعلى كلا التقديرين تكون الاولى ضرورية مطلقة والثانية ممكنة عامة او خاصة.

اعلم ان الامكان على قسمين عام وخاص. الاول يسلب الضرورة دائما عن الجانب المخالف للقضية ، واما بالاضافة الى الجانب الموافق فهو ساكت عنه. والمراد من الجانب الموافق النسبة التي ذكرت في متن القضية ، فان كانت ايجابية فجانب خلافها هو سلب النسبة اي نسبة سلبية ، وان كانت سلبية فمخالفها هو ايجاب النسبة اي نسبة ايجابية. مثلا : اذا قلنا (الانسان كاتب بالامكان العام) اي سلب الكتابة ليس بضروري سواء كان ثبوته له ضروريا أم لا ، واما اذا قلنا (الانسان ليس بكاتب بالامكان العام) اي ثبوت الكتابة للانسان ليس بضروري سواء كان سلبه عنه ضروريا أم لا ، ولذا سمّي بالعام لانه يشمل الواجب الوجود ، والممكن الخاص اذا قيّد بالايجاب كما في المثال الاول ، ولانه يشمل الممتنع الوجود كشريك الباري ، والممكن الخاص اذا قيّد بالسلب والعدم كما في المثال الثاني.

١٤٨

والثاني : يسلب الضرورة عن الطرفين دائما. مثلا : اذا قلنا (الانسان كاتب بالامكان الخاص) اي ثبوت الكتابة ليس ضروريا ، وإلّا لكان جميع افراد الانسان كاتبا ، أي سلب الكتابة ليس بضروري وإلّا لم يكن فرد من افراد الانسان كاتبا ، ولاجل هذا كانت من القضايا المركبة المعتبرة لانها في قوة الممكنتين العامتين الموجبة والسالبة. واما الممكنة العامة فهي من البسائط لاشتمالها على حكم واحد إما الايجاب وإما السلب.

عقد الحمل وعقد الوضع في القضايا :

قوله : فعقد الحمل ينحل الى القضية كما ان عقد الوضع ينحل الى قضية مطلقة عامة عند الشيخ ابن سينا ، وقضية ممكنة عامة عند الفارابي اعلم ان كل قضية تشتمل على عقد الوضع وعلى عقد الحمل. والمراد من الاول ـ أي عقد الوضع ـ هو اتصاف ذات الموضوع بوصفه العنواني ، نحو انسانية الانسان في قولنا (الانسان ناطق) ، والمراد من الثاني ـ أي عقد الحمل ـ هو اتصاف ذات الموضوع بوصف المحمول ، وهو يختلف لانه قد يكون بالضرورة اذا كان ثبوت وصف المحمول لذات الموضوع أو سلبه عنه ضروريا كما في الضرورية المطلقة نحو (كل انسان حيوان بالضرورة) ، ونحو (لا شيء من الانسان بشجر بالضرورة) ، وقد يكون بالدوام اذا كان ثبوت وصف المحمول لذات الموضوع أو سلبه عنه دائميا ، نحو : (كل فلك متحرك دائما) و (لا شيء من الفلك بساكن دائما).

والفرق بين الدوام والضرورة ، ان في الاول ـ أي الدوام ـ لا يستحيل الانفكاك وان لم ينفكّ وصف المحمول عن ذات الموضوع ، وفي الثاني ـ أي الضرورة ـ يستحيل الانفكاك ، تسمى هذه القضية دائمة مطلقة ، وقد يكون بالفعل كما في المطلقة العامة ، نحو : (كل انسان ضاحك بالفعل) اي في احد الازمنة ، ونحو (لا شيء من الانسان بضاحك بالفعل) ، وقد يكون بالامكان العام نحو (كل انسان كاتب بالامكان العام) ، ونحو (لا شيء من الانسان بكاتب بالامكان العام) ، وقد يكون

١٤٩

بالامكان الخاص مثاله هو مثال الامكان العام مع تبديل لفظ (العام) بلفظ (الخاص) اذا علم ما ذكر ، واختلف في عقد الوضع قال الشيخ أبو علي بن سينا قدس‌سره : هو بالفعل فهو ينحل الى المطلقة العامة عنده ، وقال المعلم الثاني ابو نصر الفارابي : هو بالامكان العام فهو ينحل الى الممكنة العامة. ونتيجة هذا الاختلاف تظهر في العكس المستوي للممكنتين وعدم انعكاسه ، مثلا : اذا انحصر مركوب زيد بالفعل بالفرس ، صدق كل حمار بالامكان مركوب زيد بالامكان ، العام أو الخاص. ويصدق عكسه وهو بعض مركوب زيد بالامكان حمار بالامكان. هذا على رأي الفارابي ومن تبعه.

واما اذا قلنا كل حمار بالفعل مركوب زيد بالامكان ، فهذا صادق بناء على انحصار مركوب زيد بالفرس ، ولا يصدق عكسه وهو قولنا بعض مركوب زيد بالفعل حمار بالامكان ، لان مركوب زيد بالفعل هو الفرس فقط ، ولا يكون مركوبه بالفعل حمارا بالفعل ولا حمارا بالامكان ، وهذا بناء على مختار الشيخ ومن تبعه وهو الاظهر عند المحققين ، وفي ضوء هذا ، فان اخترنا قول الشيخ فلا عكس للممكنتين ، وان ذهبنا الى رأي الفارابي فيكون العكس لهما ، كما علم من المثال السابق.

اذا علم ما ذكرنا فاعلم : ان وجه انحلال القضية الواحدة الى قضيتين بلحاظ عقد الحمل هو كون القيد ، كذات المقيد ، محمولا على الموضوع ، والسرّ فيه انه لا فرق في الواقع بين الوصف والخبر ، لان الخبر في الحقيقة وصف ايضا ، كما ان الحال في الحقيقة وصف ايضا ، والفرق بين الوصف والخبر والحال اعتباري لانه ان قارن عامل الموصوف في الزمان يعبّر في الاصطلاح عن الموصوف بذي الحال وعن الوصف بالحال. مثل : (جاءني زيد راكبا) لمقارنة زمان ركوبه لزمان مجيئة ، وإلّا فان علم المخاطب بالوصف قبل اخبار المخبر بهذا الوصف يعبّر عنه باسم أصله وهو الوصف كما يعبّر عن الموصوف باسم أصله وهو الموصوف ، نحو : (جاءني زيد العالم) اذا علم المخاطب بكونه عالما قبل الاخبار في الماضي عن مجيئه ، وان لم يعلم به قبله فيعبّر عن الوصف بالخبر وعن الموصوف بالمبتدإ وان لم يكن الكلام

١٥٠

بعنوان خبري كالمثال السابق ، غاية الامر بفرق قليل وهو اضافة ضمير الفصل بينهما اذا كانا معرفتين لدفع الالتباس اي التباس المبتدإ بالموصوف ، والخبر بالصفة ، فيقال (جاءني زيد هو العالم) لان الفاصلة بالاجنبي جائزة بين المبتدإ والخبر ، ولكن لا تجوز بين الموصوف والوصف ، فاذا قلنا : (كل انسان كاتب) فالكاتب ينحل الى انسان له الكتابة فصارت قضية (كل انسان كاتب بالامكان الخاص) في قوة (كل انسان انسان) و (كل انسان له الكتابة).

ولا شك ان الاولى ضرورية ، لانه اذا اخذ مصداق الشيء في مفهوم الكاتب ومصداقه في مفهومه لا يكون إلّا انسانا ، كما ان عقد الوضع ينحل الى قضية مطلقة عامة يحكم فيها بفعلية النسبة أو بسلبها عند الشيخ ، والى ممكنة عامة يحكم فيها بسلب الضرورة عن الطرف المخالف للقضية دائما ، فانقلاب الممكنة العامة الى الضرورية المطلقة قطعي ، سواء كان القيد داخلا في المحمول كما في الفرض الثاني ، أم خارجا عنه كما في الفرض الأول.

قوله : فتأمّل وهو اشارة الى ان دعوى انحلال الممكنة العامة الى الضرورية المطلقة على الشق الثاني مدفوعة ضرورة ان المحمول هاهنا هو الانسان المقيد بوصف الكتابة في القضية الاولى ، لان الكاتب وضع للانسان الذي ثبتت له الكتابة لا للانسان المطلق وطبيعته بما هي هي ، ومن المعلوم ان قيد الكتابة ليس بضروري ، فالمصنف قدس‌سره ايّد قول (الفصول) بقوله فتأمل كما لا يخفى.

قوله : لكنه قدس‌سره تنظّر فيما افاده بقوله (وفيه نظر) ... الخ لكن صاحب (الفصول) اظهر النظر في جوابه عن الانقلاب الذي يقوله الشريف على تقدير اخذ مصداق الشيء في مفهوم المشتق.

توضيح نظره : فيما افاده من عدم الانقلاب ، هو ان الذات المأخوذة في مفهوم المشتق مقيدة بالوصف قوة أو فعلا ، مثل الانسان الذي له الكتابة الذي اخذ في مفهوم الكاتب ان كان واجدا لوصف الكتابة في الواقع فيصدق الايجاب حينئذ بالضرورة ، لان قولنا زيد كاتب بالامكان ، يرجع الى قولنا (زيد الكاتب بالقوة أو

١٥١

بالفعل) كاتب بالقوة بالضرورة أو كاتب بالفعل بالضرورة ، وان كان فاقدا له في الواقع ، فيصدق السلب بالضرورة ، مثلا : اذا لاحظنا الانسان الكاتب في مفهوم الكاتب فهذا الانسان كاتب بالضرورة ، واذا لاحظنا الانسان غير الكاتب مثل كونه أميا فيه فيصدق السلب حينئذ بالضرورة. انتهى كلامه.

قوله : ولا يذهب عليك صدق الايجاب بالضرورة ... الخ اذا لم يقدح عدم ضرورية القيد وهو وصف الكتابة بانقلاب الممكنة الى الضرورية على قول (الفصول) ، فاعترض المصنف عليه وقال : ان لحاظ تقيد ذات الموضوع بوصف المحمول لا ينفع في دعوى الانقلاب ، وإلّا يلزم انتفاء الممكنة العامة والخاصة ، وانحصار القضايا بالضرورية المطلقة ، ضرورة ضرورية ثبوت المحمول الذي قيّد به الموضوع نحو (الانسان الكاتب بالقوة أو بالفعل كاتب بالقوة أو كاتب بالفعل بالضرورة) ، و (الانسان الضاحك ضاحك بالضرورة) ، وكذا في طرف السلب نحو : (الانسان غير الكاتب ليس بكاتب بالضرورة) ، وتسمى هذه القضية ضرورية بشرط المحمول. وعلى هذا لا تبقى الممكنة العامة ولا الخاصة ولا المطلقة العامة ولا العرفية العامة ولا الدائمة المطلقة.

ولكن هذا واضح الفساد ، لكون المناط في موارد القضايا وجهاتها هو لحاظ نفس المحمول مع قطع النظر عن قيوده للموضوع ومع قطع النظر عن ثبوته له أو نفيه عنه ثبوتا ، ومع قطع النظر عن كيفية ثبوته له هل هي بالضرورة أو بالدوام أو بالامكان أو بالفعل في القضايا الموجّهة. أو نفيه عنه كما في السالبة ، مع قطع النظر عن لحاظ امر الخارجي مع المحمول.

والحال ان مدّعى صاحب (الفصول) هو انقلاب الممكنة الى الضرورية بمجرد اخذ الذات ومصداق الشيء في مفهوم المشتق من دون لحاظ تقيّد ذات الموضوع بوصف المحمول. وهذا ليس صحيحا ، لان الشيء المقيد بوصف الامكاني وهو وصف الكتابة امكاني الثبوت لا يكون ضروري الثبوت.

نعم اذا لاحظنا تقيّد ذات الموضوع بوصف المحمول تصير جميع القضايا

١٥٢

سواء كانت ممكنة أم كانت غيرها ، ضرورية مطلقة بشرط المحمول.

فبالنتيجة ان اشكال صاحب (الفصول) في الانقلاب الى الضرورية على فرض اخذ الذات في مفهوم المشتق بلحاظ قيد المحمول وهو وصف الكتابة اذ المحمول المقيد بقيد الامكاني امكاني وليس بضروري ، ولكن غفل عن نفس المحمول للموضوع اي عن نفس وصف المحمول لذات الموضوع ، وبعبارة اخرى اذا اخذ الذات في مفهوم المشتق فان لاحظنا الذات مقيدا بالمحمول في الواقع وصارت القضية حينئذ ضرورية وهذه الصيرورة لا تنفع في المدعى ، لان المدعى هو انه ان اخذ الذات في مفهوم المشتق يلزم انقلاب الممكنة الى ضرورية ، فان لاحظنا التقييد في القضايا الموجّهة فصار كل القضايا ضروريا بشرط المحمول ، فلا تبقى الممكنة العامة ولا الممكنة الخاصة ولا المطلقة العامة ولا الدائمة المطلقة بل كلها ضروري بشرط ثبوت وصف المحمول لذات الموضوع أو بشرط سلبه عنه.

مثلا : اذا قلنا (زيد كاتب بالامكان) فهو قضية ممكنة ، إما العامة وإما الخاصة في نفسها. وان لاحظنا زيدا بشرط كتابته في الواقع ونقول (زيد الكاتب كاتب) فهذه لا محالة تكون ضرورية. واذا لاحظنا زيدا بشرط عدم كتابته ونقول (زيد غير الكاتب ليس بكاتب) فهذه ايضا ضرورية. غاية الامر تكون ضرورية السلب ، كما ان الاولى ضرورية الايجاب فيكون مدعى صاحب (الفصول) انقلاب الممكنة الى ضرورية بمجرد اخذ الذات في مفهوم المشتق لا بشرط المحمول. وبعبارة اخرى ان القضايا في حد نفسها موجّهة بجهة إما الضرورة وإما الدوام وإما الامكان وإما بالفعلية ، فكلها بشرط تقييد الموضوع بوجود المحمول او عدمه يصير ضروريا ، ولكن ليس الكلام في ضرورية القضايا بشرط المحمول ، بل انما الكلام في انقلابها في حد نفسها من الامكان الى الضرورة على فرض الشق الثاني.

فالضرورة في الإشكال تكون ضرورة بشرط المحمول وهي خارج عن محل النزاع ، فالذي ادعاه صاحب (الفصول) قدس‌سره هو انقلاب القضية الممكنة الى الضرورية المطلقة من حيث هي هي ، لا بلحاظ اشتراطها بوجود المحمول للموضوع أو بشرط

١٥٣

عدم المحمول للموضوع ، والحال ان انقلاب الممكنة الى الضرورية مشروط بشرط ملاحظة وصف المحمول للموضوع كما ادّعاه المصنف قدس‌سره واما صاحب (الفصول) ، فادعى الانقلاب بمجرد ثبوت النسبة في الموجبة أو بمحض سلب النسبة في السالبة.

فالمصنف ادعى الانقلاب بشرط المحمول ايجابا أو سلبا ، وصاحب (الفصول) ادعى الانقلاب بلا شرط تقيد الموضوع بوصف عنوان المحمول ، وبين الادعاءين بون بعيد كما لا يخفى.

اعلم ان المراد من مادة القضية هو كيفية النسبة الواقعية ، اذ نسبة المحمول الى الموضوع في الواقع مكيّفة بكيفية مثل الضرورة والدوام والامكان والفعل ، ومن جهة اللفظ الدال عليها كلفظ الضرورة والامكان وغيرهما ، ولذا يقال فان طابقت الجهة المادة فالقضية صادقة نحو (كل انسان حيوان بالضرورة) ، وان خالفتها فهي كاذبة نحو (كل انسان حجر بالضرورة).

ثم قال صاحب الفصول : انه يمكن ان يستدلّ بهذا الوجه على بطلان الوجه الاول لانه على فرض اخذ مفهوم الشيء في مفهوم المشتق يلزم انقلاب الممكنة الى الضرورية ايضا ، لان صدق الشيء على مصاديقه ضروري ولا بالامكان ، فالانقلاب متحقق على احتمال الاول ايضا ولا وجه لتخصيص الانقلاب بالوجه الثاني. انتهى كلامه.

قوله : فان لحوق مفهوم الشيء والذات لمصاديقها ... الخ واجاب المصنف عن كلام (الفصول) بان صدق الشيء على مصاديقه ضروري اذا كان مطلقا غير مقيد بوصف الكتابة ونحوها ، واما اذا كان الشيء مقيدا بوصف الكتابة فيقال (الانسان شيء له الكتابة) فليس صدقه عليه بضروري ، لان المقصود من الانسان فرد منه نحو (زيد) مثلا ، فيحتمل ان يكون (زيد) الانسان شيئا غير الكاتب ، فدعوى صاحب (الفصول) الانقلاب في الصورة الاولى غير مسموعة.

قوله : وقد انقدح بذلك عدم نهوض ما افاد بابطال الوجه الاول كما زعمه ... الخ لان

١٥٤

صدق الشيء على افراده ومصاديقه ضروري اذا كان مطلقا ، واما اذا كان مقيدا بقيد الخاص فليس ثبوته ضروريا لافراده ، اذ من المحتمل ان يكون الانسان شيئا غير الكاتب ، ففي الوجه الاول لا يلزم انقلاب الممكنة الى الضرورية.

نعم ان لوحظ موضوع القضية الضرورية بشرط المحمول لزم الانقلاب حينئذ ، وقد سبق أن مدعى صاحب (الفصول) انقلاب الممكنة بالضرورية بلا شرط لا بلحاظ شرط المحمول ، وقد عرفت حال الشرط انه لا يصحّح الانقلاب الذي هو مقصود (الفصول) قدس‌سره.

قوله : فافهم وهو اشارة الى الفرق بين قولنا (الانسان انسان له الكتابة) على فرض اخذ مصداق الشيء في مفهوم المشتق ، وبين قولنا (الانسان شيء له الكتابة) على اعتبار مفهوم الشيء فيه.

وفي الثاني لا يكون الانقلاب موجودا لانه يمكن ان يكون الانسان شيئا غير كاتب ، مضافا الى انه في الاول ، لما اخذ الموضوع في المحمول فصارت ضرورية ، لاستحالة سلب الشيء عن نفسه. فثبوت الشيء لنفسه ضروري بخلاف الثاني ، كما عرفت آنفا.

اصلاح برهان شريف السادات :

قوله : ثم انه لو جعل التالي في الشرطية الثانية لزم اخذ النوع في الفصل ضرورة ان مصداق الشيء الذي له النطق هو الانسان كان أليق بالشرطية ... الخ فالتفت المصنف قدس‌سره الى اصلاح برهان الشريف ، وخلاصته : ان الاولى جعل التالي في الشرطية الثانية دخول النوع في الفصل لا انقلاب الامكان الى الضرورية لانه كان مناسبا للشرطية الاولى ، بل كان الاولى لفساده مطلقا.

ومن الواضح ان في كلام الشريف قضيتين شرطيتين :

الاولى : هي انه لو اخذ مفهوم الشيء في مفهوم المشتق للزم دخول العرض العام في الفصل.

١٥٥

والثانية : انه لو اخذ مصداق الشيء في مفهوم المشتق للزم انقلاب الممكنة الى الضرورية ، فظهر ان المراد من التالي في الثانية الجملة الاخيرة.

وقال المصنف قدس‌سره الاولى تبديل انقلاب الممكنة الى الضرورية بدخول النوع في الفصل ، والمراد من النوع هو (الانسان) ، والمراد من الفصل هو (الناطق) ، وصدق التاليين على الناطق واضح الفساد ، لانه على فرض اخذ مفهوم الشيء في مفهوم المشتق يلزم دخول العرض العام في الفصل وهو فاسد كما مرّ وجهه ، ولانه على تقدير اخذ مصداق الشيء في مفهوم المشتق يلزم دخول النوع في الفصل وهذا ايضا فاسد مطلقا ، أي سواء كان الناطق فصلا واقعيا للانسان أم كان فصلا مشهوريا لازما مساويا للفصل الواقعي يوضع مكانه في الحدود والتعاريف ، وذلك لاستحالة دخول كلي الذاتي في الكلي الذاتي ، بناء على كون (الناطق) فصلا واقعيا للانسان كما عليه المناطقة ، ولاستحالة دخول الذاتي في العرضي الخاص وهو (الناطق) بناء على كونه لازما مساويا للفصل الحقيقي. فالناطق على مبنى المصنف عرضي خاص للانسان ك (الضاحك) له ، بخلاف اخذ العرض العام الذي هو مفهوم الشيء في الفصل وهو (الناطق) لان فساد هذا يكون متفرّعا على كون الناطق فصلا واقعيا للانسان واما بناء على كونه لازما مساويا له وعرضيا خاصا فلا مانع من دخول العرض العام في العرض الخاص ، لانه يتحقق العام في ضمن الخاص ويندرج فيه كاندراج الحيوان في ضمن الانسان ، وكاندراج الجسم النامي في ضمن الحيوان ، وكاندراج الجوهر في ضمن الجسم.

بقى هنا بيان هو دخول بعض الكليات في بعضها الآخر ، كدخول العام في الخاص كما أن فساد هذا الدخول ثابت مطلقا اي سواء كان الناطق فصلا واقعيا أم كان لازما مساويا للفصل.

اما دخول العرض العام ، وهو مفهوم الشيء في الفصل ، اي فساد هذا الدخول فمبتن على كون الفصل ، وهو الناطق ، فصلا واقعيا كما عرفت.

١٥٦

الاستدلال على بساطة مفهوم المشتق :

قوله : فتأمل جيدا اشارة الى دقة المطلب المذكور ، قوله : ثم انه يمكن ان يستدل على البساطة بضرورة عدم تكرار الموصوف في مثل (زيد كاتب) ... الخ وقد استدلّ على بساطة مفهوم المشتق بضرورة عدم تكرار الموصوف في مثل (زيد الكاتب جاءني) ، ويتبادر من المشتق الى الاذهان أمر بسيط وحداني لا مركب من الامرين ، ولو كانت كلمة الشيء مفهوما أو مصداقا مأخوذة في المشتق لكان الموصوف في مثل قولك (زيد الكاتب) مكررا قهرا ، وكان مفهوم المثال (زيد شيء له الكتابة) على اعتبار اخذ مفهوم الشيء في مفهوم المشتق ، أو زيد زيد له الكتابة على اعتبار مصداق الشيء في مفهومه ، وليس ذلك إلّا لاجل بساطة مفهوم المشتق وعدم تركّبه من الامرين.

فان قيل : ان في المثال الاول لم يكرّر (زيد) الموصوف بل ذكر فيه (زيد وشيء) ، قلنا : ان الشيء كلي لا وجود له الا في ضمن مصاديقه ، فالمراد منه هو (زيد) فصار في قوة (زيد زيد له الكتابة).

قوله : ارشاد : لا يخفى ان معنى البساطة بحسب المفهوم وحدته ادراكا وتصورا ... الخ وهو لا يخلو عن فائدة وهي ان المراد من بساطة مفهوم المشتق أن يكون بحسب التصور والادراك واحدا ، بان يكون المشتق حاكيا عن معنى واحد بحيث لا يتصور عند تصوره ، اي عند تصور معنى المشتق ، الا شيء واحد لا شيئان ، الشجر والحجر والمدر فانها حاكية عن معنى واحد ، فمفهومها واحد تصورا وادراكا وحكاية مفهوم المشتق نحو (ضارب) ، ونحو (عالم) ، وان انحلّ بتعمل العقل الى شيئين كانحلال مفهوم الشجر بتعمّل من العقل الى شيء له الشجرية ، وانحلال مفهوم الحجر الى شيء له الحجرية ، مع وضوح بساطة مفهومهما تصورا وادراكا. فكذا مفهوم المشتق انحلّ بتعمل من العقل الى شيئين نحو مفهوم (الضارب) ينحل الى ذات صدر عنه الضرب ، وكمفهوم (الابيض) الى شيء ثبت له البياض ، وهكذا سائر المشتقات.

وبالجملة لا تنثلم ولا تهدم بالانحلال الى الاثنينية بالتعمل العقلي وحدة معنى

١٥٧

المشتق تصورا ، وبساطة مفهومه ادراكا ، كما لا يخفى ، والى بساطة التصوري والادراكي ، وتركب مفهوم المشتق بالتعمل من العقل يرجع الاجمال والتفصيل الفارقين بين المحدود والحد مع ما هما عليه من الاتحاد ذاتا ، اي مع اتحاد المعرف ، والمحدود للمعرف والحد ذاتا ومصداقا ، ولكن المحدود واحد تصورا وادراكا ، وبعد تعمل من العقل يصير اثنين وهما جنسه وهو حيوان وفصله وهو ناطق.

مثلا : اذا تصوّرنا الانسان انه بشر كان شيئا واحدا تصورا وادراكا ، لكن بتعمّل من العقل الذي يدرك ماهية الأشياء يكون حيوانا ناطقا وهما شيئان ، فالتحليل العقلي وتعمّله في المشتق يوجب هدم الوحدة تصورا ويحلّه الى اثنين ، اي الى ذات صدر عنه المبدأ مثلا ، كما ان التحليل العقلي في المحدود والمعرف يوجب فتق الجمع والرتق ، والمراد من الجمع هو بساطة مفهوم المحدود كالانسان مثلا ، وبتعمل من العقل ، الى الجنس والفصل فترتق البساطة وتفتق ثم تصير اثنين.

الفرق بين المبدإ والمشتق :

قوله : الثاني : الفرق بين المشتق ومبدئه انه مفهومه ... الخ اعلم ان هنا اشكالا وهو ان المشتق اذا كان موضوعا بمادته للمبدإ وبهيئته للنسبة فكيف يصح حمله على الذات مع انه لا يصح حمل المبدإ عليها فلا يقال (زيد عدل) و (عمرو ضرب) ، ينبغي ان لا يصح حمل المبدإ المنتسب الى الذات عليها كالمشتق ، فدفع المصنف هذا الإشكال بقوله : فالفرق بين الضارب والضرب مفهوما وهكذا بين كل مشتق ومبدئه ان الضارب بمفهومه لا يأبى عن الحمل على الذات ، فتقول (زيد ضارب عمروا) ، والضرب بمفهومه آب عن الحمل على الذات ، فلا يصح ان تقول (زيد ضرب) الا من باب المبالغة في الاسناد ومن طريق المجاز في الاسناد كما في (زيد عدل) ، والسر في ذلك ان المشتق ، وان كان بسيطا مفهوما ، مركب من الذات والحدث ، فمفهوم الضارب حقيقة هو ذات ثبت له المبدأ ، أو ذات صدر عنه الضرب ، فليس معناه بسيطا تصورا وماهية بل بسيط من حيث التصور فقط ، بخلاف المصدر ، فان معناه

١٥٨

بسيط من حيث التصور والادراك ومن حيث الماهية والحقيقة وهو الحدث فقط. فلذا لا يتحد مع الذات ولا يحمل عليها بخلاف المشتق ، فانه متحد مع الذات ، فهو بمعناه المرتكز في الذهن يحمل على ذات من الذوات ، لوجود ملاك الحمل هاهنا وهو اتحاد المصداقي وتغاير المفهومي ، ولذا قيل ان الحمل هو اتحاد الشيئين في الخارج ـ اي مصداقا ـ وتغايرهما في الذهن ـ اي مفهوما ـ بخلاف المبدإ ، لانه اذا قيس الى من تلبس بالمبدإ يكون غيره لا عينه. وملاك الحمل هو نحو الهوية والاتحاد ، وهو غير موجود في المبدإ ، كما انه موجود في المشتق نحو اسم الفاعل واسم المفعول وافعل التفضيل والصفة المشبهة بل صيغ المبالغة كعلّام وفهّام مثلا.

قوله : والى هذا يرجع ما ذكره اهل المعقول في الفرق بينهما ... الخ والى وجود ملاك الحمل في المشتق ، وعدم وجوده في المبدإ. يرجع كلام اهل المعقول في بيان الفرق بين المشتق والمبدإ من ان مفهوم المشتق يكون لا بشرط ، والمبدأ يكون بشرط لا ، اي لا يكون قابلا للحمل على الذات والمشتق بمفهومه يجتمع مع الذات ، ومن الممكن ان لا يجتمع معها فهو غير آب عنه.

فمفهوم المشتق يكون لا بشرط ، اي يجتمع المشتق بمفهومه المرتكز في الذهن مع الذات ويحمل عليها ، وقد لا يجتمع معه ولا يحمل بمفهومه المرتكز عليها. هذا معنى كون مفهومه لا بشرط. اما مفهوم المصدر يكون بشرط لا ، اي بشرط ان لا يحمل على الذات ، وبشرط ان لا يجتمع مع الذات. هذا هو المراد من كون مفهوم المبدإ بشرط لا. وفي ضوء هذا فمفهوم المشتق غير آب عن الحمل على الذات ، ومفهوم المبدإ يكون آبيا عنه عليه ، اي على الذات.

فساد توهم صاحب (الفصول):

قوله : وصاحب (الفصول) قدس‌سره حيث توهم ان مرادهم انما هو ... الخ وتوهّم صاحب (الفصول) ان مراد اهل المعقول والفلاسفة من اعتبار بشرط لا ولا بشرط بلحاظ الطواري والعوارض الخارجية مع حفظ مفهوم واحد في المبدإ والمشتق.

١٥٩

اعلم ان اعتبار ماهية بشرط شيء وماهية لا بشرط وماهية بشرط لا على نوعين :

الاول : اعتبارها بلحاظ الأمر الخارج عن حقيقة الشيء ، نحو (الماء بشرط برده رافع للعطش) أو نحو (الماء بشرط عدم حرّه رافع للعطش) ، فيلحظ الماء بشرط برده أو بشرط عدم حرّه فهو رافع للعطش ، وهذه ماهية بشرط ، واخرى يلحظ لا بشرط البرد ولا بشرط عدم البرد ولا بشرط عدم الحرّ ، وهذه ماهية لا بشرط ، وثالثة يلحظ بشرط ان لا يكون حارا ، وهذه ماهية بشرط لا ، ولكن البرد وعدم الحر من اوصاف الماء خارجان عن حقيقة الماء ، وهي انه جسم سيال رطب. ولكن بالطبع. بتعمّل من العقل ينحلّ الى شيئين ، وهما جنسه وهو (جسم) وفصله وهو السيال الرطب بالطبع ، وهكذا مثل (الرقبة) بالاضافة الى الايمان والكفر ، تارة تلحظ بشرط الايمان ، واخرى تلحظ لا بشرط الايمان ، ولا بشرط عدم الايمان وهو الكفر ، وثالثة تلحظ بشرط لا اي بشرط ان لا تكون كافرا. فبهذا اللحاظ يكون القدر الجامع في البين بين الماهيات الثلاث ، وهو لفظ الماء ولفظ الرقبة. فالايمان والكفر وعدم الكفر خارجات عن حقيقة الرقبة.

والثاني : ان تلحظ العناوين منتزعات عن حد ذات الشيء وحقيقته ، اي الماهية بشرط شيء والماهية لا بشرط والماهية بشرط لا ، نحو (الانسان ناطق بشرط كونه حيوانا) ، و (الانسان نوع لا بشرط كونه حيوانا) ، و (لا بشرط عدم كونه حيوانا) ، بل نوعيته قائمة بلحاظ حمله على الافراد المتفقة الحقيقة ، والانسان مركب من مادة وصورة بشرط ان لا يكون من المجردات.

فالاول : ماهية بشرط شيء والماهية المخلوطة ، والثاني : ماهية لا بشرط ، والماهية المطلقة ، والثالث : ماهية بشرط لا والماهية المجردة ، فالنطقة والنوعية والتركب منتزعات عن حقيقة الانسان ، فكذا المبدأ لانه بحقيقة مفهومه بشرط لا يعني بشرط عدم الصدق على ذات من الذوات ، فمعنى المصدر يكون على نحو لا يصدق على الذات ولا يجتمع مع ذات من الذوات.

فالمشتق مفهومه لا بشرط والمصدر مفهومه بشرط لا ، لكن عنوان لا بشرط

١٦٠