البداية في توضيح الكفاية - ج ١

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ نهضت
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-0-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٤٤٨

الأصل اللفظي :

قوله : سادسها انه لا اصل في نفس هذه المسألة يعول عليه ... الخ أيمكن تعيين ما وضع له لفظ المشتق بالاصل اللفظي أم لا؟ عند الشك وعدم قيام الدليل على احد طرفي المسألة؟

قلنا : انه لا يكون الأصل اللفظي في هذا المقام سوى اصالة عدم ملاحظة الخصوصية في مقام الوضع ، بمعنى ان الواضع لم يلحظ خصوص المتلبس في الحال ، بل لاحظ الاعم منه ومن انقضى عنه المبدأ ، وهي مع معارضتها باصالة عدم ملاحظة العموم لانهما ـ اي ملاحظة الخصوص وملاحظة العموم ـ امران حادثان. فاذا شككنا في وجودهما اجرينا اصالة العدم فيهما ، لا دليل على اعتبارهما في تعيين الموضوع له للمشتق ، لان اعتبارهما ان كان من ناحية الشرع من باب الاستصحاب فهو غير مسموع ، لانه يشترط فيه ان يكون المستصحب حكما شرعيا أو يكون موضوعا لحكم شرعي ، وكون الموضوع له خاصا أو عاما لا يكون اثرا شرعيا ، ولا موضوعا لحكم شرعي.

وان كان من ناحية سيرة العقلاء على عدم ملاحظة الخصوصية عند الشك في ملاحظتها ، أو ملاحظة العموم فنقول ان سيرتهم في باب الالفاظ على حجية الاصل العدمي ثابت اذا كان الشك في المراد. وبهذا الاصل يعين مراد المتكلم ، اما بعد تعيين المراد فلا دليل على اعتبار هذا الاصل في تعيين الموضوع له.

ترجيح الاشتراك المعنوي :

قوله : واما ترجيح الاشتراك المعنوي على الحقيقة والمجاز اذا دار الامر ... الخ ولو ادعى تقديم القول بوضع المشتق للاعم المساوق لاشتراك المشتق معنويا بين المتلبس في الحال وما انقضى عنه المبدأ ، على القول بوضع المشتق للمتلبس في الحال المساوق لكونه مجازا فيمن انقضى عنه المبدأ ، اعتمادا على ترجيح الاشتراك المعنوي على الحقيقة والمجاز لاجل غلبته عليهما والظن يلحق الشيء بالاعم

١٢١

الاغلب ، فالاشتراك المعنوي اغلب منهما ، وكل اغلب ارجح من الاقل ، فالاشتراك المعنوي ارجح. ففيه اولا : ان الغلبة ممنوعة. وثانيا : ان ترجيح الاشتراك المعنوي على الحقيقة والمجاز لاجل الغلبة بعد تسليمها مما لا حجّة عليه ، فهذا ممنوع صغرى وكبرى.

الاصل العملي في المقام :

قوله : واما الاصل العملي فيختلف في الموارد ، فاصالة البراءة في مثل (اكرم كلّ عالم) ... الخ يعني : اذا انقضى التلبس بالمبدإ ـ اعني العلم من شخص ـ ثم ورد من المولى (اكرم كل عالم) فحينئذ يشك في وجوب إكرام من انقضى عنه العلم ، للشك في كونه عالما ، فيرجع الى اصالة البراءة عن وجوب اكرامه ، ولو ورد حال التلبس (اكرم كل عالم) فوجب إكرام المتلبس ثم انقضى عنه العلم ، فالمرجع هو استصحاب وجوب اكرامه للعلم بوجوب اكرامه سابقا والشك فيه لا حقا ، فتتم اركان الاستصحاب.

حدوث الاقوال في المسألة :

قوله : فاذا عرفت ما تلونا عليك فاعلم ... الخ فاعلم ان الاقوال في مسألة المشتق كثيرة حدثت بين المتأخرين بعد ما كانت المسألة ذات قولين مشهورين عند القدماء ، وهما : القول بوضع المشتق لخصوص المتلبس في الحال ، والقول : بوضعه للاعم من المتلبس في الحال ، وما انقضى عنه المبدأ. وهناك تفاصيل أخر :

منها : التفصيل بين ما اذا كان اتصاف الذات بالمبدإ اكثريا ك (النائم والآكل) فلا يعتبر بقاء المبدإ في صدق المشتق حقيقة ، وبين ما لم يكن كذلك نحو (القاتل والضارب) فيشترط بقاؤه في صدقه حقيقة.

ومنها : التفصيل بين كون المشتق مأخوذا من المبادئ اللازمة نحو (الذاهب) المأخوذ من (الذهاب) ونحو (القائم) المأخوذ من (القيام) ونحوهما ، فيشترط بقاء

١٢٢

المبدإ في صدق المشتق حقيقة ، وبين كون المشتق مأخوذا من المبادئ المتعدية نحو (الضارب والعالم) المأخوذين من (الضرب والعلم) فلا يشترط بقاء المبدإ في صدق المشتق حقيقة.

ومنها : التفصيل بين ما تلبّس الذات بضد المبدإ فلا يصدق عليه المشتق بعد انقضاء المبدإ عنها كما في القائم اذا قعد أو القاعد اذا قام ، وبين من لم يتلبس بضد المبدإ فيصدق عليه المشتق بعد انقضاء المبدأ عنه كما في (الضارب) و (القاتل).

ومنها : التفصيل بين ما اذا كان المشتق محكوما عليه ، كما في قوله تعالى. (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ)(١)(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(٢) ، فيكون حقيقة في الاعم من المتلبس بالمبدإ في الحال وممن انقضى عنه المبدأ ، وبين ما اذا كان محكوما به نحو (زيد ضارب عمرا الآن أو غدا) ونحوه فيكون حقيقة في المتلبس بالمبدإ في الحال.

وقد اشار المصنف بقوله : «أو بتفاوت ما يعتريه من الاحوال» اي ما يعرض المشتق من الاحوال والاوصاف من كونه محكوما عليه مبتدأ وخبرا وصفة وحالا كما اشار الى التفصيلين المذكورين سابقا بقوله : لاجل توهم اختلاف المشتق باختلاف مبادئه في المعنى.

وقد مرّت الإشارة في الامر الرابع إلى ان اختلاف المبادئ فعلا وحرفة وصنعة وملكة لا يوجب التفاوت في وضع المشتق. وسيأتي مزيد بيان وتوضيح لهذا المطلب في اثناء الاستدلال على ما هو المختار في هذا المقام ، وهو اعتبار التلبس في الحال وفاقا لمتأخري الاصحاب قدس‌سرهم والأشاعرة ، وخلافا لمتقدميهم والمعتزلة قال المصنف قدس‌سره : لنا وجوه :

الاول : هو تبادر خصوص المتلبس بالمبدإ في الحال اي حال الجري.

والثاني : صحة سلب المشتق بمعناه المرتكز في الذهن عمن انقضى عنه

__________________

(١) سورة المائدة ، آية ٣٨.

(٢) سورة النور ، آية ٢٤.

١٢٣

المبدأ كصحة سلبه عن المتلبس في الاستقبال ، لوضوح ان مثل (القائم) و (الضارب) لا يصدق حقيقة على من لم يكن متلبسا بالقيام والضرب في حال الجري وان كان متلبسا بالمبادئ قبل الجري ، كيف لا يصح السلب مع صدق اضداد المشتق على الذات اعني صدق (القاعد) على الذات التي كانت (قائما) فيما مضى فصدق القائم والقاعد على الذات الواحدة في آن واحد مستلزم لاجتماع الضدين ، لان القائم والقاعد متضادان بحسب ما ارتكز لهما من المعنى كما لا يخفى ، اي من المعنى اللغوي لهما.

توضيح لا يخلو من فائدة : وهو ان عمدة الاقوال في مسألة المشتق ثلاثة :

الاول : كونه موضوعا للقدر المشترك بين المتلبس بالمبدإ في الحال وبين ما انقضى عنه المبدأ ، والقدر المشترك هو خروج المبدأ من العدم الى الوجود. فان المبدأ كما خرج من العدم الى الوجود في موارد التلبس ، كذلك خرج من العدم الى الوجود في موارد الانقضاء.

فبناء على هذا يكون المشتق مشتركا معنويا ، لان الموضوع له الكلي وهو خروج المبدإ من العدم الى الوجود له فردان (المتلبس) و (المنقضي) وهو يصدق عليهما بنحو صدق الطبيعي على افراده ، فالمشتق وضع لذات تلبس بالمبدإ في الجملة اي سواء كان تلبسه باقيا الى حين الجري أم كان منقضيا في حين الجري.

الثاني : كونه مشتركا لفظيا بين المتلبس والمنقضى. فبناء على هذا الاساس يكون الوضع متعددا كما أنّ الموضوع له متعددا.

الثالث : كونه حقيقة في احدهما ومجازا في الآخر يعني حقيقة في المتلبس في الحال ومجازا في المنقضى عنه المبدأ ، فهذا الثالث مختار المصنف قدس‌سره.

وقد استدل عليه بوجوه :

الاول : تبادر خصوص المتلبس في الحال ، مثلا اذا قال المولى لعبده : (اذهب الى السوق واضرب كل قائم فيه واعط القاعد درهما) فانه يتبادر خصوص القائم فعلا وخصوص القاعد فعلا حين عبوره في السوق. كما ان الجمل الاسمية كذلك ،

١٢٤

مثلا : اذا قلنا (زيد عادل) فانه يتبادر منه انه عادل حال النطق وحال الجري. كذا قولنا (هذا زوج) و (هذه زوجة) و (هذا حلو) و (هذا تمر).

والثاني : صحة السلب عمن انقضى عنه المبدأ كما مر تقريره فلا نعيده.

والثالث : ان مفهوم المشتق بسيط ، فهو عين المبدإ باختلاف يسير كما سيأتي.

وحيث انقضى المبدأ فلا مشتق حينئذ حتى يحمل على الذات.

برهان التضاد على نحو آخر :

قوله : وقد يقرر هذا وجها على حدة ويقال لا ريب في مضادة الصفات ... الخ وقد يقرّر لزوم اجتماع الضدين وجها مستقلا المسمى ببرهان التضاد من دون ان يكون مكمّلا لصحة السلب.

ملخصه : انه لا ريب في مضادة الصفات التي تؤخذ من المبادئ التي يكون بين معانيها تضاد ارتكازي ، وهذا واضح ، فان قلنا بوضع المشتق للأعم فيلزم صدق الصفة التي انقضت عن الذات حين اتصاف الذات بضد تلك الصفة نحو صدق (القائم) على من انقضى عنه القيام حين اتصاف هذا الشخص بوصف القعود. ومن الواضح ان صدق وصف القيام ووصف القعود على الذات الواحدة دليل على انهما متخالفان ، نحو (السواد) و (الحلاوة) ، اذ جواز اجتماعهما من شان المتخالفين لا من شان الضدين ، وهو خلاف الفرض ، بل خلاف الواقع ، لان القيام والقعود ضدان لا متخالفان ، فالقائم والقاعد ضدان ايضا ، لان المشتق تابع للمبدإ في التضاد والتخالف ، فاذا صدق القاعد لم يصدق القائم لاجل التضاد بينهما ، والمتضادان لا يجتمعان في موضع واحد ، فيصح سلب القائم عن القاعد ، وصحة السلب من علامات المجاز. فاطلاق المشتق على من انقضى عنه المبدأ مجاز ، كما انه مجاز على من سوف يتلبس بالمبدإ في الاستقبال وهو حقيقة على من تلبس بالمبدإ في الحال.

قوله : ولا يرد على هذا التقرير ما اورده بعض الاجلة ... الخ واعترض صاحب البدائع قدس‌سره على برهان التضاد الذي يمكن أن يكون دليلا رابعا في قبال صحة

١٢٥

السلب على المدعى ، لان صحة السلب مبني على التضاد اللغوي المفهومي ، وبرهان التضاد ناظر الى التضاد الارتكازي العقلي ، بانه مستلزم للدور ، لان التضاد مبني على القول باشتراط بقاء المبدإ في صدق المشتق على الذات حقيقة.

فلو كان القول بالاشتراط مبنيا على التضاد بمقتضى الاستدلال بالتضاد للزم الدور ، فلا بد ان يقال بعدم اشتراط بقاء المبدإ في صدق المشتق على الذات حقيقة حتى لا يلزم الدور ، لانه حينئذ يرتفع التضاد ويستقر التخالف بين المشتقات. فاذا ارتفع التضاد ارتفع الدور. اذ التضاد لا يتوقف على الاشتراط وان كان الاشتراط يتوقف على التضاد ، لان المراد من الاشتراط هو وضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدإ في الحال فان قلنا بوضعه للمتلبس تحقق التضاد بين المشتقات. وان قلنا بوضعه للاعم منه وممن انقضى عنه المبدأ فقد ثبت التخالف بينها اي بين المشتقات. كالحلاوة والسكر مثلا.

جواب المصنف عن اشكال صاحب البدائع :

قوله : لما عرفت من ارتكازه بينها كما في مبادئها أجاب المصنف عنه بانه لا يمكن التخالف لا بين المبادئ ولا بين المشتقات ، لان التضاد بينها ارتكازي عقلي كما عرفت في دليل صحة سلب المشتق عمن انقضى عنه المبدأ. فحينئذ نقول في دفع غائلة الدور ، ان ارتكاز التضاد مستند الى اشتراط بقاء المبدإ في صدق المشتق ثبوتا ، واشتراط بقاء المبدإ في صدق المشتق على الذات مستند الى ارتكاز التضاد اثباتا.

فارتكاز التضاد بين المبادئ والمشتقات يتوقف على اشتراط بقاء المبدإ في صدق المشتق على الذات ثبوتا ، واشتراط بقاء المبدإ في صدق المشتق على الذات يتوقف على التضاد اثباتا ، فيختلف الموقوف عليه التضاد وهو الاشتراط ثبوتا مع الموقوف على التضاد وهو الاشتراط اثباتا فلا دور حينئذ.

فبالنتيجة يتوقف وضع المشتق للمتلبّس بالمبدإ في حال الجري على التضاد

١٢٦

واما التضاد فلا يتوقف على وضع المشتق لخصوص المتلبّس بالمبدإ في الحال ، لان التضاد بين الصفات المتقابلة لا يكون مبنيا على قول دون قول وعلى مذهب دون مذهب «بل هو امر مركوز في الاذهان محرز بالوجدان متسالم عليه عند الجميع.

فالتضاد باق دائما ، وليس من التخالف بين المبادئ والمشتقات رسم ولا اثر ، فقول الرشتي مردود لا يلتفت اليه. وان شئت فقل ان تضاد القيام والقعود والعلم والجهل والحركة والسكون والسواد والبياض والحسن والقبح والغنى والفقر و ... ارتكازي عقلي وجداني وكذا الامر في المشتقات من هذه المبادئ ، فلا يرد اشكال بطلان الدور على برهان التضاد اصلا.

الإشكال الوارد على مختار المصنف :

قوله : ان قلت ان لعلّ ارتكازها لاجل الانسباق من الاطلاق لا الاشتراط انا لا ننكر ارتكاز المضادة بين الصفات المتقابلة اصلا ولكن لعل ارتكازها لاجل انسباق حال التلبس من الاطلاق لا من الحاق ، وبتقرير اوضح ان ارتكاز المضادة بين المشتقات يكون لاجل الانسباق الاطلاقي المستند الى كثرة الاستعمال لا الانسباق الحاقي المستند الى الوضع. وقدّم فيما سبق في بحث التبادر ان الانسباق الكاشف عن الوضع كشفا انيا انما هو الانسباق الحاقي لا الاطلاقي المستند الى كثرة الاستعمال أو الى غلبة الوجود.

فاجاب المصنف : انه ليس ارتكاز المضادة بين الصفات المتقابلة لاجل الانسباق من الاطلاق اي من اطلاق لفظ المشتق ، وذلك لكثرة استعمال المشتق في موارد الانقضاء ايضا لو لم يكن باكثر ، نعم ان لم يكن الاستعمال في موارد الانقضاء كثيرا لكان احتمال الانسباق الذي يسند الى الاطلاق وجيها وصوابا. لكن مع كثرة الاستعمال فيها هو مما لا وجه وجيها له. وعليه إن ارتكاز المضادة بين الصفات المتقابلة انما يكون لاجل الانسباق من حاق لفظ المشتق لا من الاطلاق ، فيكون علامة الحقيقة.

١٢٧

قوله : ان قلت على هذا يلزم ان يكون في الغالب او الاغلب مجازا ... الخ اذا كان استعمال المشتق في موارد الانقضاء كثيرا يلزم ان يكون استعمال المشتق في الغالب مجازا. ومن المعلوم ان المجاز حلاف الاصل بل ربما لا تلائمه حكمة الوضع ، فان اللفظ انما وضع ليستعمل فيما وضع له فاذا وضع للنادر وهو وضعه للمتلبس بالمبدإ في الحال ، ولم يوضع للكثير وهو وضعه لمن انقضى عنه المبدأ ، فهذا الوضع لا يناسب حكمة الوضع ، اذ حكمة الوضع هي ابراز المعاني المحتاج اليها في المحاورات والمخاطبات بالالفاظ الموضوعة لهذه المعاني.

والحال ان الفرض عدم وضع المشتق للكثير ، وهو من انقضى عنه المبدأ ، بل وضع للقليل ، وهو وضعه للمتلبّس بالمبدإ في الحال. لا يقال : انه كيف يكون استعمال المجازي اذا كان كثيرا غير مناسب لحكمة الوضع ، والحال ان اكثر المحاورات مجازات ، بل هي موجبة لحسن الكلام ولكمال بلاغته. ولذا قيل أن باب المجاز واسع. لانا نقول ان اكثر المحاورات مجازات ، فهذا القول صحيح متّفق عليه ، ولكن المراد من هذه الكثرة هو تعدد المعاني المجازية بالاضافة الى المعنى الحقيقي الواحد. وذلك نحو لفظ (الاسد) الذي وضع للحيوان المفترس ، واستعمل مجازا في كل رجل شجاع.

ومن الواضح ان هذه الكثرة لا تقدح بالوضع لمعنى واحد ، بل المراد بالكثرة القادحة في حكمة الوضع كون استعمال كل لفظ في المعنى المجازي الواحد اكثر من استعمال هذا اللفظ في المعنى الحقيقي.

وهذه الكثرة لا تلائم حكمة الوضع التي هي وضع اللفظ للمعنى الذي تكثر الحاجة اليه ، والمفروض كون الحاجة الى المعنى الانقضائي في المشتق اكثر من المعنى التلبّسي.

اذا عرفت ما ذكرنا ، فاعلم ان حكمة الوضع تقتضي وضع المشتق للاعم من المتلبس بالمبدإ في الحال وممن انقضى عنه المبدأ. نعم ربما يتّفق أن يكون استعمال اللفظ في المعنى المجازي اكثر من استعماله في المعنى الحقيقي لكثرة الحاجة الى

١٢٨

التعبير عن المعنى المجازي ، ولا ينافي هذا حكمة الوضع ، لان هذا ليس دائميا بل احيانا في المجاز الخاص.

قوله : فافهم وهو اشارة الى انه اذا فرض عدم جواز مخالفة حكمة الوضع في الاستعمال المجازي ، فلا فرق بين المجازي الواحد وبين المجازي الكثير.

قوله : قلت مضافا ... الخ واجاب المصنّف عن هذا الإشكال بوجهين :

احدهما : ان استبعاد كون استعمال المشتق مجازا في موارد الانقضاء لا يضر بوضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدإ في الحال بعد الادلّة التي أقيمت على المدعى. يعني : ان المجاز خلاف الاصل ، وتقليله ، بل عدم المجاز أمر مستحسن اذا لم يكن هناك دليل عليه ، واما اذا كان هناك دليل عليه ، فلا بد من الذهاب اليه. كما اذا قيل (رأيت اسدا في الحمام) فالقرينة تدل على المعنى المجازي وهو الرجل الشجاع ، فلا بد حينئذ من الذهاب اليه ، ولا تجري في المقام اصالة الحقيقة اصلا.

وثانيهما : ان كثرة المجاز ممنوعة على فرض استعماله في موارد الانقضاء كثيرا. لان اطلاق المشتق على من انقضى عنه المبدأ يكون بلحاظ حال التلبس ، وهو بمكان من الامكان ، وهو على وجه الحقيقة اتفاقا. فاذا قيل (جاءني الضارب) أو الشارب امس ، بعد انقضاء الضرب والشرب عنه ، اي عن المتلبس بالمبدإ وأريد حال التلبس في حال الجري يعني (جاءني من كان ضاربا قبل مجيئه) أي (جاءني ضارب الامس) لا الضارب حين المجيء ، بحيث يكون زمان المجيء ظرفا للجري ، لانه لو كان كذلك لكان مجازا لاختلاف زمان الجري وزمان التلبس فلا يصح جعل (زيد) معنونا في حال الانقضاء بعنوان ضاربيته فعلا بمجرد تلبس (زيد) بالمبدإ قبل مجيئه ، ضرورة انه لو كان المشتق موضوعا للاعم من المتلبس بالمبدإ في الحال وممن انقضى عنه المبدأ لصحّ استعمال المشتق بلحاظ حال التلبس وبلحاظ حال الانقضاء. والحال انه لا يصح بلحاظ حال الانقضاء ، فحينئذ نكشف وضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدإ في الحال.

قوله : وبالجملة كثرة الاستعمال في حال الانقضاء تمنع عن دعوى انسباق ... الخ

١٢٩

حيث اعترض على التبادر باحتمال كونه ناشئا من الاطلاق ومقدمات الحكمة ، فلا يصلح هذا التبادر ان يكون علامة للحقيقة ، لان التبادر الذي يكون علامة لها هو التبادر الحاقي ، لا التبادر الاطلاقي.

خلاصة الجواب : هو انّ هذا التبادر مستند الى الوضع قطعا ، نظرا الى كثرة استعمال المشتق في موارد الانقضاء. ومع هذا يتبادر من المشتق عند خلوه عن القرينة المقالية والحالية خصوص المتلبس بالمبدإ في حال الجري نحو (زيد مدرس) و (عمرو مجتهد) المنسبق منهما ان زيدا مدرس في الحال وان عمروا مجتهد فعلا حال الجري.

فظهر ان هذا التبادر حاقي ، اذ مع عموم المعنى للمتلبّس ولمن انقضى عنه المبدأ لا وجه لملاحظة حال التلبس عند استعمال المشتق في الذات ، لان المشتق اذا وضع للاعم من المتلبس ومن انقضى عنه المبدأ فالموضوع له المشتق كلّي طبيعي يصدق على المتلبّس وعلى المنقضي من باب صدق الكلي الطبيعي على افراده ، فلا معنى لملاحظة حال التلبس في استعمال المشتق في موارد الانقضاء ، والحال انه لا بد من ملاحظة حال التلبس في استعمال المشتق حقيقة في موارد الانقضاء. فهذا يدل على وضعه لخصوص المتلبس بالمبدإ في الحال فقط.

اما بخلاف ما اذا لم يكن معنى المشتق عاما فان استعمال المشتق حينئذ بلحاظ حال الانقضاء يكون مجازا ممكنا ، إلّا انّ استعمال المشتق بلحاظ حال التلبس حقيقة فيها ، أي في موارد الانقضاء ، وهذا الاستعمال ممكن لا اشكال فيه.

خلاصة الكلام هاهنا : انه اذا لم يوضع المشتق للاعم من المتلبس بالمبدإ في الحال وممن انقضى عنه المبدأ ، فاذا استعملنا المشتق في موارد الانقضاء بلحاظ حال التلبس يكون هذا الاستعمال على نحو الحقيقة.

واما اذا استعملناه فيها بلحاظ حال الانقضاء فذاك الاستعمال مجازا ، فهذا الامر يدل على وضعه لخصوص المتلبس بالمبدإ في الحال فلا وجه لاستعمال المشتق في الذات التي انقضى عنها المبدأ مجازا ولا وجه لملاحظة العلاقة

١٣٠

المصحّحة للتجوز بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي ، لان المعنى المجازي منتف اذا كان استعمال المشتق في موارد الانقضاء بلحاظ حال التلبس ممكنا كما رأيت في مثل (جاءني الضارب امس) اذا كان لفظ الأمس قيدا لحال التلبس ، فلا يرد اعتراض المعترض بلزوم كثرة المجاز المخالف للاصل على الحقيقة الموافقة له ، بناء على وضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدإ في الحال ، كما اختاره المصنف صاحب (الكفاية) قدس‌سره ، وقال : بامكان استعمال المشتق في موارد انقضاء المبدإ على نحو الحقيقة لاجل ملاحظة حال التلبس.

قوله : وهذا غير استعمال اللفظ فيما لا يصح استعماله ... الخ واستعمال المشتق في موارد الانقضاء بلحاظ حال التلبس غير استعمال اللفظ في المعنى الذي لا يصح استعمال هذا اللفظ في ذاك المعنى على وجه الحقيقة ، وذلك مثل استعمال لفظ الاسد في الرجل الشجاع ، فان لفظ الاسد اذا استعمل فيه فسيكون لا محالة مجازا على مذهب غير السكاكي صاحب (مفتاح العلوم) ، لانه يقول بالحقيقة الادّعائية فيه ، وهذا بخلاف استعمال المشتق في موارد الانقضاء ، فانه اذا لوحظ فيها حال التلبس فلا يكون مجازا بل حقيقة كما لا يخفى.

قوله : فافهم هو اشارة الى ضعف قوله : فلا وجه لاستعماله وجريه على الذات مجازا وبالعناية ، فان امر الاستعمال وكيفيته يكون بيد المستعمل ، فان شاء لاحظ حال التلبس في موارد انقضاء المبدإ حال الجري ، فيكون استعمال المشتق حقيقيا ، وان شاء لاحظ حال الانقضاء فيكون مجازيا ، ولا يكون استعمال المجازي مع التمكن من الحقيقي أمرا ممنوعا عنه. ولذا قيل ان اكثر المحاورات مجازات ، ولذا قيل ايضا ان باب المجاز واسع كما في (المعالم).

قوله : ثم انه ربما اورد على الاستدلال بصحة السلب بما حاصله ... الخ اعترض صاحب (البدائع) قدس‌سره على صحة السلب بانه ان اريد بصحة سلب الضارب ، مثلا عمن انقضى عنه المبدأ ، سلبه عنه مطلقا ، اي فعلا وسابقا ، فهذا غير سديد ، لكونه كذبا محضا بعد فرض كون من انقضى عنه المبدأ ضاربا سابقا ، وان اريد سلبه عنه

١٣١

مقيدا ، اي انه ليس بضارب الآن ، فهذا غير مفيد بحال المصنف ، لان علامة المجاز صحة سلب المطلق مثل صحة سلب الاسد بمعناه المرتكز في الذهن عن الرجل الشجاع ، لا سلب المقيد نحو سلب الانسان الابيض عن الزنجي ، فانه لا يكون علامة لكون الانسان مجازا في الزنجي ، فان سلب المقيد اعم من سلب المطلق ، فقد يصح معه سلب المطلق كما في (الفرس) فيصح سلب الانسان المطلق عنه ، كما يصح سلب الانسان المقيد كسلب الانسان الابيض عنه ايضا ، وقد لا يصح معه سلب المطلق كما في الزنجي مثلا ، فانه يصح سلب الانسان الابيض عنه ولا يصح سلب الانسان المطلق عنه كما هو ظاهر ، وحينئذ يسقط الاستدلال بها على كون المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدإ ومجازا فيمن انقضى عنه المبدأ.

قوله : وفيه انه ان اريد بالتقييد تقييد المسلوب ... الخ توضيح الجواب عن هذا الإشكال : ان القيد تارة يكون قيدا للمسلوب اعني منه المشتق ، نحو (زيد ليس بضارب) في حال انقضاء المبدأ عن (زيد) ، فحال الانقضاء قيد للضارب المسلوب عن (زيد). واخرى يكون قيدا للمسلوب عنه ، اعني منه الموضوع ، وهو (زيد) في هذا المثال نحو (زيد) المنقضي عنه الضرب (ليس بضارب). وثالثة يكون قيدا للسلب نحو (زيد ليس) في حال الانقضاء (بضارب).

يعني : ان عدم الضاربية لزيد متحقّق في حال الانقضاء ، وفي ضوء هذا البيان نقول : انه إن كان قيدا للمشتق فلا يكون صحة السلب حينئذ علامة للمجاز لانه يعتبر في علاميتها صحة سلب اللفظ بماله من المعنى المرتكز في الذهن. والحال ان المفروض تقييد المشتق بحال الانقضاء. وسلب المقيد لا يستلزم سلب المطلق ، لانه يصدق (زيد ليس بضارب الآن) اذا انقضى عنه الضرب ، ولا يصدق (زيد ليس بضارب) لكونه ضاربا في الامس.

فصحة السلب ، التي يكون المسلوب فيها مقيدا بحال الانقضاء كما في المثال المذكور ، علامة لعدم الوضع لخصوص المنقضي عنه المبدأ ، ولا يكون هذا السلب علامة لعدم وضع المشتق للقدر الجامع بين المتلبّس بالمبدإ في الحال وبين

١٣٢

المنقضي عنه المبدأ. كما يصحّ سلب الانسان عن (زيد) اذا صار ترابا بعد الموت ، فيقال (زيد ليس بانسان) في حال الترابية ، وهو لا يدل على كون استعمال لفظ الانسان في (زيد) مجازا لان لفظ الانسان وضع للقدر الجامع بين (زيد) وغيره من افراد الانسان وهو الحيوان الناطق.

فكذا هنا يعني وان صحّ سلب (الضارب) عن (زيد اذا انقضى عنه الضرب) ، فهو لا يدل على كون استعمال لفظ (الضارب) في (زيد) مجازا ، لان الضارب وضع للقدر المشترك بين المتلبس وبين المنقضى عنه المبدأ ، وهو عبارة عن خروج المبدإ من العدم الى الوجود ، فكما خرج المبدأ من العدم الى الوجود في المتلبس ، فكذلك خرج منه اليه فيمن انقضى عنه المبدأ. فلا يكون هذا السلب دليلا على وضعه للمتلبس كما هو المدعى.

وان كان قيدا للموضوع ، فصحة سلب المشتق تكون علامة المجاز. لان المفروض كون المسلوب مطلقا بلحاظ حال الانقضاء ، فيصح ان يقال (زيد المنقضي عنه الضرب ليس بضارب) فتقييد الموضوع لا يضر بكون صحة السلب علامة المجاز ، اذ لو كان (زيد المنقضى عنه الضرب) من مصاديق (ضارب المطلق) لم يصح سلب (الضارب) بنحو الاطلاق عن (زيد). والحال ان هذا السلب يجوز ، فلا يكون (زيد ضارب المطلق).

وان كان قيدا للسلب فصحة السلب حينئذ تكون علامة للمجاز ايضا ، لان المفروض انه يصح سلب (الضارب) على نحو الاطلاق عن (زيد) بلحاظ حال الانقضاء ، كما انه لا يصح سلب المشتق عن الذات بلحاظ حال التلبس.

فسلب المحمول مقيّدا بحال الانقضاء اعم من سلب المطلق ، نحو (زيد ليس بضارب) من دون تقييد المحمول بكلمة (الآن أو غدا أو امس) ، اي من دون تقييده بزمان. وجه الاعمية ما قرّر في المنطق من كون نقيض الأخص اعم من نقيض الأعم كاللاإنسان الذي هو نقيض الأخص وهو الإنسان أعم من اللاحيوان وهو نقيض الاعم وهو الحيوان. فكل لا حيوان لا انسان وبعض اللاإنسان لا حيوان

١٣٣

كالقرطاس مثلا ، وبعض اللاإنسان حيوان كالفرس مثلا.

فكذا فيما نحن فيه ، فكل لا ضارب مطلقا لا ضارب الآن ، وبعض لا ضارب الآن لا ضارب في الامس ، وبعض لا ضارب الآن ضارب في الامس. فصحة سلب المسلوب المقيد بحال الانقضاء لا تكون علامة للمجاز. أي لا تكون علامة على كون المسلوب المطلق مجازا في المسلوب المقيد بحال الانقضاء. لان الملاك في صحة السلب علامة للمجاز انما هو بسلب اللفظ بمعناه المرتكز في الذهن عن المعنى المستعمل فيه مع قطع النظر عن الضمائم الخارجة عن حيّز معناه كالتقييد بحال الانقضاء في المقام.

توضيح جواب المصنف عن الإشكال : وهو انه إن اريد بالتقييد تقييد المسلوب اعني منه الضارب. فسلبه ، وان لم يكن علامة لكون المطلق ـ اي مطلق الضارب ـ مجازا في المسلوب عنه ، اعني منه (زيدا) ، لان سلب المسلوب المقيد بحال الانقضاء اعم من سلب المسلوب المطلق. والعام لا يدل على الخاص ، ولكن تقييده ممنوع لعدم الدليل على رجوع القيد الى المشتق.

وان اريد به تقييد السلب اي (زيد ليس الآن بضارب) فهو غير ضائر بصحة السلب علامة للمجاز ، فان الضارب من غير تقييده بشيء ، فنقول (زيد ليس بضارب) اذا صح سلب (الضارب) عن (زيد) في الحال الحاضر ، كان هذا السلب لا محالة علامة لكون الضارب مجازا في (زيد في الحال الحاضر) اذ لو كان حقيقة فيه في جميع الازمنة لصدق على (زيد) مطلقا وفي كل حال وزمان. ضرورة صدق المطلق على افراده في جميع الازمان ، كصدق الرقبة على جميع افرادها في كل حال.

هذا مع امكان تقييد السلب ايضا ، للدليل الذي ذكر آنفا ، فظهر ان القيد راجع الى الذات المسلوب عنه الجاري عليها المشتق اي (زيد الآن ليس بضارب) فيكون صحة سلب الضارب عن (زيد) الآن علامة لكون الضارب مجازا في (زيد) الآن. فعلم من هذا البيان ان المشتق لم يوضع للقدر المشترك بين المتلبّس بالمبدإ في

١٣٤

الحال وبين من انقضى عنه المبدأ. وعلم ايضا ان القيد راجع الى الذات المسلوب عنه ، لا الى المسلوب ، ولا الى السلب ، بل وضع لخصوص المتلبس بالمبدإ في الحال. ولذا لا يصح سلبه عنه بوجه من الوجوه.

قوله : فتدبر جيدا وهو اشارة الى دقة المطلب المذكور.

استدلال صاحب (الفصول) على مدّعاه :

قوله : ثم لا يخفى انه لا يتفاوت في صحة السلب عما انقضى عنه المبدأ ... الخ هذا اشارة الى تفصيل صاحب (الفصول) قدس‌سره ، وحاصله ان المبدأ اذا كان متعديا ك (الضرب والقتل) فالمشتق حقيقة في الاعم ، وان كان المبدأ لازما ك (الحسن والقبح) فالمشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدإ في الحال ، ومجاز فيمن انقضى عنه المبدأ ، فردّ المصنف قدس‌سره هذا التفصيل وقال انه لا فرق في مجازية المشتق ، فيمن انقضى عنه المبدأ ، بين كون المبدإ متعديا ولازما. وانما الفرق بينهما من جهة اخرى ، وهي ان قيام مبدإ المتعدي بالذات يكون على نحو الصدور والايجاد ، وقيام مبدأ اللازمي بها على نحو الحلول كما يظهر من نحو (ضارب) و (حسن) ، لان الاول وضع لذات صدر عنه الضرب ، والثاني لذات حلّ فيه الحسن. وهذا الاختلاف لا يوجب تفاوتا في وضع هيئة المشتق للمتلبس بالمبدإ في الحال. ويدل عليه دليلان :

احدهما : تبادر المتلبس في الحال.

وثانيهما : صحة سلب المشتق عمن زال عنه المبدأ.

نعم اذا كان اطلاق المشتق على الذات الذي كان متلبسا بالمبدإ فيما مضى في حال النطق فهو ، وان كان جائزا ، إلّا ان هذا الاطلاق لا يكون على نحو الحقيقة ، لكون الاستعمال اعم منها كما لا يخفى ، كما لا يتفاوت في صحة سلب المشتق عمن زال عنه المبدأ بين تلبسه بضد المبدإ وعدم تلبسه بضده. مثال الاول : نحو (كان زيد مستيقظا) بعد كونه نائما. ومثال الثاني : نحو (زيد عادلا). ولكن زال عنه ملكة العدالة ولم يفعل فسقا بعد ، اما لعدم التمكن منه ، واما لمانع منه ، واما حياء ، فيصح

١٣٥

سلب العدالة عن (زيد) فيقال انه (ليس بعادل) لزوال ملكة العدالة عنه ، وان كانت صحة السلب اوضح مع تلبس الذات بضد المبدإ.

ومما ذكرنا من صحة السلب عمن زال عنه المبدأ ظهر حال تفصيل آخر في المقام ، وهو تفصيل بين كون المشتق محكوما عليه كما في آية السرقة ونحوها فهو حقيقة في الاعم ، وبين كونه محكوما به نحو (زيد ضارب عمروا) ، فهو حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدإ في الحال ، كما ظهر حال سائر التفاصيل المذكورة في المطولات فلا نطيل الكلام بذكرها ونقضها ، الجواب هو الجواب.

استدلال القائل بالاعم :

قوله : حجة القول بعدم الاشتراط وجوه ... الخ استدلّ القائل بعدم اشتراط حال التلبس في حمل المشتق على الذات وكون معنى المشتق عاما للمتلبس وللمنقضى بوجوه ثلاثة :

الاول : انه يتبادر منه عند تجرده عن القرينة ، معنى العام الذي يشمل للمتلبس وللمنقضي ، نحو (أكل وقاتل) ، سواء كان متلبسا بالأكل فعلا أم انقضى عنه الاكل ساعة قبل مثلا ، وسواء كان متلبسا بالقتل أم انقضى عنه القتل قبل شهر.

قال المصنف : «وقد عرفت في دليلنا ان المتبادر خصوص المتلبس بالمبدإ دون الاعم ويجاب بوجه آخر وهو صحة السلب عمن زال عنه المبدأ فيصح ان يقال (زيد ليس اكلا ولا قاتلا الآن) فلو وضع للاعم لما صح السلب مطلقا».

الثاني : عدم صحة سلب المقتول والمضروب عمن زال عنه القتل والضرب بلا رعاية علاقة المجاز ، فلو لم يكن موضوعا للاعم فهما مجاز فيه لا محالة ، والمجاز يحتاج الى العلاقة التي تصحّح التجوز والحال ان استعمالهما فيه لا يحتاج اليها. وفيه انه ان اريد من القتل والضرب غير المعنى الحقيقي الحدثي الذي يعبر عنه في العرف الفارسي : ب (كشته شده وزده شده) فلا يكون حقيقة بل مجازا لانقضاء المبدأ عن الذات حين الجري ، بل يراد من القتل زهوق الروح الذي يبقى دائما ،

١٣٦

ويراد من الضرب تألم الجسم. فارادة هذا المعنى من المبدإ ، وان كان مجازيا لعلاقة السببية والمسببية لان القتل سبب لزهوق الروح والضرب سبب لتألم الجسم ، لكنهما لا يوجبان المجاز في هيئة المشتق ، بل المجاز في المادة فقط. ومن الواضح ان المبدأ باق في حال التلبس وفي حال الانقضاء. فعدم صحة سلبهما انما يكون لاجل بقاء تلبس الذات بالمبدإ بسبب هذا المعنى المجازي.

قوله : وقد انقدح من بعض المقدمات انه ... الخ اي قد ظهر من المقدّمة الرابعة ان اختلاف المبادئ ، من حيث الفعلية كالضرب ومن حيث الملكة كالعدالة ومن حيث الحرفة كالخياطة ومن حيث الصنعة كالزراعة ، لا يوجب تفاوتا في وضع المشتق للمتلبس في الحال أو للأعم منه وممن انقضى عنه المبدأ ، كما لا يوجب اختلاف المبادئ من حيث الحقيقة والمجاز تفاوتا في وضع المشتق للخصوص أو للعموم ، لعدم الملازمة بين التصرف في المادة وبين التصرف في هيئة المشتق ، وهو ظاهر. نعم لو اريد من المبدإ نفس القتل والضرب ، فعدم صحة سلب المشتق يكون ممنوعا ، بل يصح السلب في مورد الانقضاء فيقال (زيد ليس بمقتول الآن) و (عمرو ليس بمضروب الآن) كما انه لا يصح السلب اذا كان جري المشتق على الذات بلحاظ حال التلبس والوقوع كما مرّ سابقا.

الوجه الثالث :

قوله : الثالث استدلال الامام عليه‌السلام تأسيا بالنبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... الخ والثالث استدلال الامام عليه‌السلام تأسّيا بالرسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(١) على عدم لياقة من عبد صنما أو وثنا لمنصب الامامة للناس والخلافة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعريضا بمن تصدى لمنصب الامامة ممن عبد

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٢٤.

١٣٧

صنما أو وثنا مدّة مديدة ، كالاول والثاني والثالث. ومن الواضح ان استدلال الامام عليه‌السلام مما لا يتم إلّا على القول بكون الظالم للاعم وحقيقة في الاعم ، وإلّا لم يصح التعريض لهم لزوال تلبسهم بالظلم حين التصدي ولو بحسب الظاهر لانهم آمنوا بالله الواحد وبرسوله واليوم الآخر ظاهرا وصورة لا واقعا وحقيقة كما يستفاد من الاخبار.

قال المصنف : انا نمنع اولا : ابتناء استدلال الامام عليه‌السلام على ظهور وضع المشتق للاعم ، بل يمكن ان يكون ابتناؤه على الظهور العرفي الذي يعتني به جميع العقلاء ، وان كان بمعونة القرينة العقلية التي هي بيان جلالة منصب الامامة ، لان الآية الشريفة مسوقة لبيان علو منصب الامامة ظاهرة في عليّة الظلم لعدم نيل من تلبّس بالظلم للامامة.

وثانيا : انا لو سلمنا ابتناء الاستدلال على الظهور الوضعي لأمكن ان يكون جري الظالم على الذات بلحاظ حال التلبس بالمبدإ وهو على نحو الحقيقة كما مرّ مرارا.

وتوضيح ذلك يتوقف على تمهيد مقدمة وهي : ان الوصف العنواني الذي يؤخذ موضوعا للحكم الشرعي في لسان الدليل على اقسام ثلاثة :

احدها : ان يكون لمحض الإشارة الى المعنون من دون دخل العنوان في الحكم اصلا ، نحو (أكرم هذا الجالس) حال كونك مشيرا الى الشخص الخاص الذي يستحق الاكرام لوجود مناط الاكرام فيه ، ولا يستحق لاجل كونه جالسا ومعنونا بعنوان الجلوس.

وثانيها : ان يكون العنوان لاجل الإشارة الى علّية العنوان للحكم حدوثا لا بقاء ، بحيث لو صدق العنوان ولو آنا لما ثبت الحكم ولو بعد زوال العنوان ، كما في آيتي السرقة والزنا ، حيث يكفي فيهما صدق العنوان لثبوت القطع والجلد ولو بعد زوال العنوان.

وثالثها : ان يكون اخذ العنوان موضوعا للحكم لاجل الإشارة الى علّية

١٣٨

العنوان للحكم حدوثا وبقاء ، بحيث يدور الحكم مدار صدق العنوان. فمتى صدق العنوان كان الحكم ثابتا ، ومتى لم يصدق العنوان لم يصدق الحكم ، نحو (قلّد المجتهد) يدور وجوب التقليد مدار الاجتهاد حدوثا وبقاء كما هو ظاهر.

اذا عرفت هذه المقدمة فاعلم ان المشتق في الآية الشريفة لو كان من القسم الثالث ، بحيث يكون الحكم فيها يدور مدار صدق العنوان حدوثا وبقاء ، فاستدلاله عليه‌السلام بالآية الكريمة يبتني على كون الظالم فيها حقيقة في الاعم ، لانه لو لم يكن حقيقة في الاعم لم يكن هذا العنوان باقيا للثلاثة المعهودة حين تصديهم للمنصب الجليل وهو الامامة.

واما اذا كان العنوان من قبيل القسم الثاني ، بحيث كان يكفي في عدم اللياقة صدق العنوان حدوثا فقط ولو آناً ما ، لثبوت عدم نيل العهد الى آخر بقاء المتلبس بالظلم الآني. فاستدلال الامام بالآية الكريمة لا يبتني على كون الظالم حقيقة في الاعم ، بل الاستدلال انما يكون لاجل كفاية صدق عنوان الظالم ولو آناً ما في عدم نيل العهد والامامة ولو بعد انقضاء الظلم وزوال العنوان ، كما في الزاني والزانية ، والسارق والسارقة ، حيث يكفي فيهم صدق العنوان بلحظة لثبوت القطع والجلد ولو بعد زوال عنوان الزاني والسارق ، ولا دليل عقلا ولا نقلا على كون الآية المباركة من قبيل القسم الثالث ، بل جلالة منصب الامامة يكون قرينة مقامية ، بل قرينة عقلية على كونها من قبيل القسم الثاني ، بمعنى أن صدق عنوان الظالم ولو في مدة قليلة يكفي لعدم نيل منصب الامامة لا سيما الأشخاص المعهودين الى آخر عمرهم ، ولا يخفى ان المناسب لذلك ان لا يكون المتقمّص بالامامة متلبّسا بالظلم اصلا ولو كان آناً ما.

قوله : ولا قرينة على النحو الاول لو لم نقل بنهوضها على النحو الثاني ... الخ المراد من النحو الاول هو النحو الثالث وانما عبر المصنف عن الثالث بالاول لانه لما قدم النحو الثالث على النحو الثاني في قوله : واما اذا كان على النحو الثاني فلذا قال هو الاول وهو اول اضافي بالنسبة الى الثاني وثالث حقيقي من حيث انه ذكر ثالثا

١٣٩

ضمن المقدمة. والوجه عند المصنف ولعلّ وجهه سرعة المصنف بالجواب عن الوجه الثالث للخصم كما لا يخفى.

قوله : ان قلت نعم ولكن الظاهر ان الامام عليه‌السلام انما استدل ... الخ استشكل على جواب المصنف بانه سلّمنا ان الآية الشريفة في مقام جلالة قدر الامامة والخلافة وان المناسب لها ان يكون المشتق فيها من القسم الثاني فيكفي صدق عنوان الظالم ولو فيما مضى في عدم نيل العهد والامامة ولكن لمّا كان المشتق من قبيل القسم الثاني حينئذ فلا محالة من كونه مستعملا فيمن انقضى عنه المبدأ ، اذ الاستعمال في المتلبّس بالمبدإ في الحال لا يجتمع مع بقاء الحكم بعد زوال العنوان عن المعنون وعن المتقمّص بالامامة لزوال الحكم بعد زوال الموضوع.

فاذا كان مستعملا فيمن انقضى عنه المبدأ كان مجازا قهرا على رأي المصنف ، فيكون استدلال الامام عليه‌السلام مبنيا على الاستعمال المجازي ، والمجاز خلاف الاصل ، بخلاف ما اذا قلنا ان المشتق حقيقة في الاعم فيكون الاستدلال مبنيا على الاستعمال الحقيقي ، وهو اولى وارجح عند التعارض من المجاز كما سبق في تعارض الاحوال.

قوله : قلت انه لا يستلزم استعمال المشتق فيمن انقضى عنه المبدأ ان يكون مجازيا ، لان الجري في الآية الشريفة انما يكون بلحاظ حال التلبس ويكون المعنى هكذا (من كان ظالما ومشركا في الزمان السابق قبل طلوع الاسلام لن ينال عهدي ابدا) فلا تجوّز حينئذ حتى يكون الاستدلال مبنيا عليه ، أي على المجاز.

قوله : ومن الواضح ان ارادة هذا المعنى لا يستلزم الاستعمال لا بلحاظ حال التلبس ... ولا يخفى ان كون الظلم كافيا حدوثا لا بقاء في عدم نيل الامامة لا يستلزم الاستعمال للمشتق بلحاظ حال الانقضاء لا بلحاظ حال التلبس ، فبالنتيجة ظهر بطلان القول بكون المشتق موضوعا للاعم ، كما ظهر ان استعمال المشتق بلحاظ حال التلبس يكون على نحو الحقيقة دائما كما في الآية الشريفة ، وكل موضع اذا اخذ الوصف العنواني موضوعا للحكم يكون الاستعمال بلحاظ حال التلبس ، كآية

١٤٠