البداية في توضيح الكفاية - ج ١

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ١

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ نهضت
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-0-X
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٤٤٨

وافعل الوصفي كالاحمر والاسود ونحوهما ، سواء كان فعيلا بمعنى الفاعل نحو العليم بمعنى العالم ، او بمعنى المفعول كالقتيل بمعنى المقتول ، أو فعولا بمعنى الفاعل كالمنوع بمعنى المانع ، أو بمعنى المفعول كضروب بمعنى المضروب ، وسواء كان اسم مكان كالمقتل بمعنى مكان القتل ، أو اسم زمان كالمضرب بمعنى وقت الضرب ، أو اسم آلة كالمفتاح بمعنى آلة الفتح ، وسواء كان (فعلة) التي تجيء بمعنى المرة ك (ضربة) يعني ضربة واحدة ، أو (فعلة) التي تكون بمعنى النوع مثل (جلسة) بمعنى نوع الجلوس ، فكلها داخل في محل النزاع ، كما ذكر وجهه في اوّل البحث. كما قيل المفعل للموضع ، والمفعل للآلة ، الفعلة للمرّة والفعلة للحالة.

الإشكال الوارد على اسم الزمان :

قوله : الا ربما استشكل بعدم جريانه في اسم الزمان لان الذات فيه وهي الزمان بنفسه ثم انه قد يستشكل في دخول هيئة اسم الزمان في محل النزاع باعتبار انها فاقدة الركن الثاني وهو بقاء الذات مع انقضاء المبدإ عنها ، لان الذات في اسم الزمان نفس الزمان وهو من الأمور المتصرمة في الوجود آناً فآنا ، فلا يعقل بقاؤها فيه مع زوال المبدإ عنها ، فليس له حالتان ، حالة الانقضاء مع بقاء الذات ، وحالة تلبس الذات بالمبدإ ، بل يكون فيه حالة التلبس.

واما إطلاق اسم الزمان في بعض الموارد كاطلاق مقتل الحسين عليه‌السلام على يوم العاشر من المحرم في كل عام فهو من باب التجوز والعناية بلا اشكال ، اذا علم ذلك فكيف يمكن ان يقع النزاع في ان الوصف الجاري على الزمان حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدإ في حال النسبة أو فيما يعمّ المتلبّس بالمبدإ في المضي بل هو مجاز بالاتفاق فيما انقضى عنه المبدأ كما عرفت.

١٠١

حلّ الإشكال :

قوله : ويمكن حلّ الإشكال بان انحصار مفهوم عامّ بفرد كما في المقام ... الخ فاجاب المصنف عن هذا الإشكال بان انحصار مفهوم اسم الزمان في فرد واحد وهو الزمان المتلبس بالمبدإ بالفعل ، وامتناع تحقق فرده الآخر وهو الزمان المنقضي عنه المبدأ لا يوجب ان يكون وضع اللفظ بازاء الفرد دون العام. ومن اجل هذا وقع النزاع فيما وضع له لفظ الله ، أهو ذات الله تعالى المستجمع لصفات الكمال؟ أم معبودا بالحق ، وهو عام كلي ينحصر في الخارج بفرد واحد وهو خالق العالم؟

فكما في لفظ الله يمكن دعوى الوضع لمعنى عام كلي مع حصره في الخارج بفرد واحد ، فكذا في المقام يمكن دعوى وضع اسم الزمان لمعنى كلي وهو الزمان الذي وقع فيه المبدأ مع حصره في الخارج بفرد واحد وهو حال التلبّس.

توضيح لا يخلو من فائدة : وهو ان انحصار مفهوم كليّ في فردين ، احدهما ممكن والآخر ممتنع ، لا يوجب عدم امكان وضع اللفظ للجامع بين الفرد الممكن والمستحيل اصلا ، وكم له من نظير ، فمنه لفظ الجلالة إذ وضع لمعبود بالحق وله فردان : احدهما : ممكن وهو الخالق للعالم. والآخر : ممتنع وهو الفرد الذي يكون غير خالق العالم.

وكذا يقال في اسم الزمان أنه وضع للزمان الذي تحقق فيه المبدأ وكان له فردان : احدهما : ممكن وهو حال التلبس مع بقاء الزمان. والآخر : ممتنع وهو حال انقضاء الزمان ، مع بقاء الزمان ، وهو ممتنع بل محال عقلا. ولا بأس بالتعرض للقولين في لفظ الله فهو لا يخلو من فائدة.

قال جماعة بعلميته للذات الواجب الوجود ، واستدلوا بوجهين :

احدهما : انه لو لم يكن علما لما افادت كملة الاخلاص التوحيد وهي تفيده باجماع المسلمين.

وثانيهما : انه لو لم يكن علما للزم استثناء الشيء من نفسه اذا كان المراد من (إله) في (لا إله) معبودا بالحق أو الكذب ، إن كان المراد منه مطلق المعبود سواء كان

١٠٢

بالحق أم ان بالباطل ، لكثرة المعبود بالباطل ، لا سيما غرب الهند. بخلاف ما اذا كان علما وكان المراد من (إله) معبودا بالحق. فالاستثناء الجزئي من الكلي نظير (جاءني القوم الا زيدا) وهو جائز بلا اشكال.

وقال بعض : بان لفظ (الله) اسم جنس بمعنى المعبود بالحق ، وهو كلي منحصر في الخارج بفرد واحد ، واستدل ايضا بوجهين :

الاول : ان وضع العلم فرع تصور المسمى بكنهه والعقل قاصر عن تصور حقيقة الباري.

والثاني : انه تلزم لغوية حمل (احد) على لفظ (الله) في سورة التوحيد ، لان مفهوم العلم لا يكون إلّا واحد ، فلا يصح (الله احد) كما لا يصح قولك (زيد احد) ، والتفصيل موكول الى محله.

خروج الافعال والمصادر عن محل النزاع :

قوله : ثالثها انه من الواضح خروج الافعال والمصادر المزيد فيها عن حريم النزاع ... الخ لان المشتق الذي يبحث عنه هنا هو المفهوم الذي ينتزع عن الذات بملاحظة اتصافها بالمبدإ بحيث يصح حمله عليها. فالافعال والمصادر خارجتان عن محل الخلاف ، لان الذات خارجة عن مفاهيمهما كي تنتزع منهما وتحمل عليهما.

واما المصادر فلانها تدل على الاحداث بلا دلالة على الذات نحو : (ضرب وقعود وإكرام).

واما الافعال فلانها تدل على الحدث والزمان وهي لا تتحد مع الذوات باعتبار المفهوم الحدثي ، ولا باعتبار المفهوم الزماني فلا يقال (زيد يوم الجمعة).

وفي الجملة : المصادر المزيد فيها ، كالمصادر المجردة ، وضعت للدلالة على المبادئ التي تغاير الذوات خارجا فلا تقبل الحمل عليها اصلا كما هو ظاهر.

واما الافعال فوضعت للدلالة على نسبة المادة الى الذات على انحائها المختلفة باختلاف الافعال. فالفعل الماضي يدل على تحقق نسبة المبدإ الى الذات ،

١٠٣

والفعل المضارع يدل على ترقّب وقوع تلك النسبة. وفعل الامر يدل على طلب تلك النسبة ، وفعل النهي يدل على طلب ترك النسبة ، وكلاهما من الذات. ومن المعلوم ان معانيها هذه تأبى عن الحمل على الذوات.

حاصل الكلام : ان للافعال مادة وهيئة ، اما من حيث المادة فتدل على طبيعة التي تجردت عن كل خصوصية خارجة عنها ، وهي التي يعبر عنها بمبدإ الاشتقاق ، وقد سبق عدم جري المبدإ وحمله على الذات ، ف (ضرب) تدل على الضرب من غير تقييده بالشدة والضعف والقلة والكثرة.

واما من حيث الهيئة فتدل على كيفية قيام المبدإ بالذات سواء كان صدوريا ك (ضرب) ، أم كان حلوليا نحو (حسن زيد) و (مرض عمرو). وعلى طلب فعل المبدإ وايجاده كفعل الامر ، أو على طلب ترك الفعل وعلى طلب ترك المبدإ كفعل النهي نحو (لا تغتب مؤمنا) و (لا تظلم مسلما) ، فيكون هذا تفصيلا لما سبق في ضمن قول المصنف (احدها) سابقا فلا تغفل.

عدم دلالة الفعل على الزمان :

قوله : ازاحة شبهة قد اشتهر في السنة النحاة دلالة الفعل على الزمان حتى اخذوا الاقتران به في تعريفه وهو اشتباه ... الخ قد اشتهر عند النحاة دلالة فعل الماضي على الحدث المحقق وعلى الزمان الماضي ، ودلالة فعل المضارع على الحدث المترقب وعلى زمان الحال أو زمان الاستقبال ، ودلالة فعل الامر على الحدث الحاضر وعلى زمان الحال ، ولكن الصحيح عدم دلالته على الزمان لانها لا تدل عليه لا مادة ولا هيئة.

اما الاولى : فظاهرة لانها تدل من حيث المادة على الحدث الكلي المجرّد عن جميع الخصوصيات ، حتى الزمان لم يلحظ فهذا ظاهر.

واما الثانية : فلان مفادها بحسب الهيئة هو نسبة المادة الى الذات على نحو من انحاء النسبة سواء كانت صدوريا ، أم كانت حلوليا ، وسواء كانت شأنيا أم كانت

١٠٤

فعليا أم غيرهما.

فالزمان اجنبي عن مفاد الفعل مادة وهيئة ، فدلالة الفعل على الزمان اشتباه ظاهر ، ومما يدلّنا على هذا صحة اسناد الافعال الى الزمان والى ما فوق الزمان من المجردات الخالية عن الزمان ، والخارجة عن دائرته من دون لحاظ عناية في البين فلا فرق بين قولنا (علم الله) و (علم زيد).

مع كون علم الباري عزّ اسمه غير محدود بحد وغير مقيد بزمان دون زمان ومع كون علم زيد بخلافه ، ولا بين قولنا (مضى الزمان) و (مضى الامر الفلاني).

فالفعل في جميع هذه الامثلة استعمل في معنى واحد وعلى نسق فارد ، فلو كان الزمان مأخوذا لدار أو تسلسل.

بيان الدور :

ان الزمان الذي هو جزء مدلول الفعل مظروف وكل مظروف يتوقف على الظرف والظرف فاعل للزمان المظروف والفاعل ـ من حيث كونه فاعلا ـ يتوقف على الفعل أو شبه الفعل فيلزم توقف الزمان الظرفي على الزمان المظروفي ، فبالنتيجة يلزم توقف الزمان على الزمان وهكذا يدور دورا.

بيان التسلسل :

لأن الزمان المظروفي يتوقف على الزمان الظرفي وهو (أي الزمان الظرفي) يتوقف على الزمان المظروفي الآخر الى ما لا نهاية له ، وكذا لا يصح اسناد الفعل الى ما فوق الزمان من المجردات اذ افعالها لا تقع في الزمان لانها غير محدودة بحد ، وما كان في الزمان محدود بحد لا محالة. والحال انه يصح اسناده الى ما فوق الزمان نحو (علم الله تعالى) مثلا.

وبهذا البيان يستكشف كشفا قطعيا ان الزمان غير مأخوذ في الفعل لا جزء ولا قيدا ، نعم الفعل المسند الى الزماني ، وان كان يدل على وقوع الحدث في احد

١٠٥

الازمنة الثلاثة ، إلّا انه ليس من جهة الوضع ، بل من جهة ان الامر الزماني لا بد أن يقع في احد الازمنة.

فتلخص مما ذكرنا ان الافعال لا تدل على الزمان ، وان استعمالها في جميع الموارد على نحو الحقيقة ، ولا فرق بين استعمالها في الزمان وما فوقه ، واستعمالها في الزماني. فالاسناد في الجميع اسناد حقيقي.

امتياز الماضي من غيره :

قوله : نعم لا يبعد ان يكون لكل من ... الخ ولكن مع هذا كله يمتاز الفعل الماضي عن المضارع بخصوصية ثابتة في كل واحد منهما ، ولأجل تلك الخصوصية لا يصح استعمال احدهما في موضع الآخر ويكون الاستعمال غلطا واضحا.

وتفصيل ذلك : ان الخصوصية في الفعل الماضي هي انه وضع للدلالة على قصد المتكلم الحكاية عن تحقق المبدإ مقيّدا بكونه قبل زمان التكلم. وهذه الدلالة موجودة في جميع موارد استعماله سواء كان الاسناد الى نفس الزمان وما فوق الزمان من المجردات كالباري عزّ اسمه ، أم كان الى الزماني فقولنا : مضى الزمان يدل على قصد المتكلم الحكاية عن تحقق الزمن قبل زمن التكلم بهذا وكذا قولنا علم الله واراد الله ، يدل على ان المتكلم قاصد للاخبار عن تحقق المبدإ وتلبّس الذات به قبل زمن التكلم وان كان صدور الفعل مما هو فوق الزمان لا يقع في زمان.

وكذلك اذا اسند الفعل الى الزماني نحو (قام زيد) و (ضرب عمرو بكرا) ، فانه يدل على قصد المتكلم الاخبار عن تحقق المبدإ وتلبس الذات به قبل زمان التكلم بهذا الكلام. فهذه الخصوصية موجودة في الفعل الماضي في جميع موارد استعمالاته من دون دلالة على وقوع المبدإ في الزمان الماضي.

نعم بين الاسناد الى الزماني والاسناد الى غيره فرق من ناحية اخرى وهي ان الاسناد الى الزماني نحو (ضرب زيد عمروا) يدل بالالتزام على وقوع الحدث في الزمان الماضي فهذه الدلالة وان كانت موجودة إلّا انها غير مستندة الى اخذ الزمان

١٠٦

في الموضوع له ، بل من جهة ان صدور الفعل من الزماني قبل حال التكلم يستلزم وقوعه في الزمان الماضي لا محالة.

واما الخصوصية في الفعل المضارع فهي انه وضع للدلالة على قصد المتكلم الحكاية عن تحقق المبدإ في زمن التكلم أو ما بعده ولا يدل على وقوعه في الحال أو الاستقبال ، كيف؟ فان دلالته على ذلك في جميع موارد اسناده على حد سواء. فلا فرق بين اسناده الى الزمان والى ما فوقه كقولنا (يمضي الزمان) و (يعلم الله) و (يريد الله) ، وبين اسناده الى الزماني نحو (يضرب زيد عمروا) غاية الامر اذا اسند الى الزماني يدل على وقوع المبدإ في الزمان الحال أو الاستقبال بالالتزام من جهة ان فاعل الزماني يوقع فعلا في الزمن لا محالة.

وإلّا فالمضارع بوضعه لا يدل إلّا على تحقق المبدإ حال التكلم أو ما بعده من دون ان يدل على وقوعه في الزمان ، وعليه فدعوى دلالة الفعل الماضي أو المضارع بنفسيهما على الزمان الماضي أو على الحال أو الاستقبال بالتضمن ، كما يستفاد ذلك من قول النحاة على نحو كان الزمان جزءا للموضوع له ، مما لا وجه له وان كانا يدلان على الزمان الماضي أو الحال أو الاستقبال بالالتزام من حيث ان لمعناهما خصوصية تنطبق في احدهما على الزمان الماضي ، وفي الآخر على الزمان الحال أو الاستقبال فيما اذا اسند الى الزمانيات.

قوله : ويؤيده ان المضارع يكون مشتركا معنويا بين الحال والاستقبال ... الخ ذكر المصنف مؤيدا لعدم دلالة الفعل على الزمان تضمنا ، ويدل عليه التزاما اذا اسند الى الزماني ، وهو اشتراك الفعل المضارع بين الحال والاستقبال ، ولا معنى للاشتراك المعنوي فيه إلّا ان يكون للمضارع معنى قد صح انطباقه على كل منهما ، لا انه موضوع لزمان جامع بينهما ، اذ لا زمان يجمع بينهما.

توضيح : وهو ان المراد من الزمان الذي يدل عليه الفعل التزاما اذ اسند الى الزماني ، لخصوصية ، وهي التحقق في الفعل الماضي ، والترقب في الفعل المضارع ، هو مصداق الزمان ، لان وقوع الحدث المحقق ، أو وقوع الحدث المترقب ، أو وقوع

١٠٧

الحدث الحاضر ، كان في مصداق الزمان من الازمنة ، لا في مفهوم الزمان. ولا يكون الجامع والقدر المشترك بين الحال والاستقبال الا مفهوم الزمان.

ولكن المفروض عدم اخذ مفهوم الزمان في مدلول الفعل ، فما اخذ في مدلول الفعل لا يكون جامعا بين الحال والاستقبال ، لان المأخوذ في مدلوله هو مصداق الزمان ، وهو لا ينطبق على الحال والاستقبال كما ان (زيدا) يكون غير منطبق على (عمرو) و (بكر) فكيف يجمع بين قول النحاة بالاشتراك المعنوي في الفعل المضارع وبين كون زمان في معنى الفعل عندهم مصداق الزمان؟

فان قلنا بالوضع لمصداق زمان الحال ولمصداق زمان الاستقبال في المضارع يلزم الاشتراك اللفظي وهو خلاف الفرض لان الفرض ، هو الاشتراك المعنوي. وان قلنا بوضع المضارع لاحدهما دون الآخر يلزم التجوز فيه وهو ينافي تصريحهم بالاشتراك المعنوي فيه ، فلا يمكن الجمع بينهما. إلّا بان يكون مرادهم من اقتران مدلول الفعل بزمان اقتران مدلوله بالخصوصية التي تستلزم الزمان ، لا بالوضع ، وهي التحقق في الماضي ، والترقب في المضارع ، والتلبس الفعلي بالمبدإ في زمان الحال في فعل الامر.

ويكون استلزام هذه للزمان القدر المشترك بين زمان الحال وزمان الاستقبال ، وجعله مؤيدا لا دليلا. لان الاشتراك المعنوي فيه غير متفق عليه ، لقول بعض منهم بالاشتراك اللفظي فيه. وعلى هذا يدل المضارع على زمان الحال وزمان الاستقبال التزاما لا تضمنا كما هو المدعى. ولكن كون القول بالاشتراك المعنوي مشهورا عندهم يصلح للتأييد ، ولذا جعله مؤيّدا لمدعاه ، كما لا يخفى ، لا دليلا عليه.

الجملة الاسمية :

قوله : كما ان الجملة الاسمية ك (زيد ضارب) يكون لها معنى صحّ انطباقه ... الخ لان اسم الفاعل يكون لفظا واحدا ، ويستعمل في ثلاثة معان نحو (زيد ضارب عمروا امس) و (زيد ضارب الآن) و (هو ضارب غدا) فكلها صحيح ، ولم يصح (ضرب زيد

١٠٨

عمروا غدا) أو (يضرب زيد عمروا امس). وليس ذلك الّا لأجل ان الجملة الاسمية لها معنى قد صح انطباقه على كلّ من الماضي والحال والاستقبال ، وهو تلبس الذات بالمبدإ مطلقا. بخلاف الفعل الماضي والمضارع وفعل الامر ، لان الماضي لا ينطبق إلّا على الزمان الماضي ، والمضارع لا ينطبق إلّا على زمان الحال ، أو زمان الاستقبال ، وفعل الامر لا ينطبق إلّا على زمان الحال. فلذا لا يصح (ضرب زيد غدا) و (هو يضرب امس) و (اضرب غدا). فالجملة الاسمية تدل على ثبوت المبدإ لذات على نحو الدوام والاستمرار ، ويكون الثبوت الكذائي مستلزما للزمان ، فهي تدل عليه نحو الالتزام لا على نحو التضمن ، فكذا الجملة الفعلية نحو (قام زيد) و (يقوم عمرو) و (قم يا زيد) لا تدل على الزمان وضعا ، بل تدل عليه بالخصوصية التي كانت في معناها وهي تجدد المبدإ لذات من الذوات ، ويكون تجدد المبدإ مستلزما لزمان من الازمنة ، فتكون الافعال كالجملتين الاسمية والفعلية في عدم دلالتها على الزمان وضعا على نحو التضمن ، بل تدل عليه التزاما اذا اسندت الى الزماني لخصوصية فيها ، فكذا الجملتان تدلان عليه التزاما لخصوصية في معنييهما.

تأييد عدم دلالة الفعل على الزمان :

قوله : وربما يؤيد ذلك ان الزمان الماضي في فعله ... الخ اي ربّما يؤيد عدم دلالة الفعل الماضي على الزمان الماضي ، ولا المضارع على الزمان الحال أو الاستقبال بالتضمن ، ما يتفق في الاستعمالات من عدم كون الزمان في الفعل الماضي ماضيا حقيقة ولا في فعل المضارع حالا أو مستقبلا حقيقيّين.

بل يكون بالعكس كما في قولك (يجيئني زيد بعد عام وقد ضرب قبله بايام) وهذه الجملة المقرونة بالواو الحالية تكون حالا عن فاعل (يجيئني) وهو (زيد) ، والحال يكون قيد العامل ذي الحال ، وهو حال مقارن يشترط فيه مقارنة في الزمان ، فمجيئه في الاستقبال فضربه ايضا فيه قبله بايام.

فالفعل الماضي يستعمل في المستقبل حقيقة ، وكما في قولك (جاء زيد وهو

١٠٩

يضرب) في ذلك الوقت أو فيما بعده مما مضى من الاوقات. وجملة (هو يضرب) قرنت بالواو الحالية ، تكون حالا عن فاعل (جاء) وهو (زيد) وهذا يكون حال المقارنة وقيدا للعامل. فالفعل المضارع استعمل في زمان الماضي حقيقة.

قوله : فتأمل جيدا وهو اشارة الى ان مراد النحاة بالزمان الماضي اعم من الماضي الحقيقي والاضافي ، أو فهو اشارة الى ضعف التأييد لإمكان دعوى كون المراد من الزمان الماضي في الفعل الماضي ما كان ماضيا بالاضافة الى زمان النطق أو بالاضافة الى غيره.

فـ (ضرب زيد) يكون ماضيا بالاضافة الى مجيئه بقرينة لفظ قبله في المثال الاول ، وكذا الكلام في المضارع ، لان المراد من الزمان المستقبل في المضارع ما كان مستقبلا بالاضافة الى غيره ف (ضرب) زيد يكون مستقبلا بالاضافة الى مجيئه بقرينة لفظ (فيما بعده) في المثال الثاني.

فتلخص مما ذكرنا : ان كلّا من الفعل الماضي والمضارع دالّ بمادته على المبدإ وبهيئته على نسبة خاصة قائمة بمبدإ خارج من العدم الى الوجود في الفعل الماضي ، أو يستخرج منه اليه في الفعل المضارع ، وان تلك الخصوصية هي منشأ فهم الزمان من الفعل ، فلاجل هذا الاحتمال الذي ذكر في ضمن وجه التأمل جعل المصنف هذا تأييدا لا دليلا عليه.

امتياز الحروف عما عداها :

قوله : ثم لا بأس بصرف عنان الكلام الى بيان ما به يمتاز الحرف عما عداه ... الخ فذكر الافعال وبيان عدم دلالتها على الزمان كان على نحو الاستطراد ، وذكر الحرف بعد الافعال يكون على نحو الاطراد في الاستطراد. يعني أن المقصود الاصلي هنا بيان وجه خروج الافعال عن حريم النزاع ، وبيان الفرق بين الاسم والفعل كان لاجل الاستطراد.

فينبغي اطراد هذا الاستطراد ببيان الفرق بين جميع اقسام الكلمة ، وهي الاسم

١١٠

والفعل والحرف ، حتى يتضح الفرق بين كل واحد منها. فان قيل : لم كرّر المصنف بحث الحرف مع انه مرّ في بحث الوضع؟ وما هذا إلّا تضييع العمر واتلاف الوقت. قلنا ان الفائدة التي تترتب على التكرار امران :

الاول : بيان عدم المنافاة بين كون المعنى في الحرف كليا طبيعيا ، وبين كون المعنى جزئيا ذهنيا.

والثاني : بيان عدم المنافاة بين كون المعنى فيه كليا عقليا ، وبين كون المعنى جزئيا ذهنيا ، فلذا كرّر بحث الحرف وقال فاعلم انه وان اشتهر بين الاعلام ان الحرف ما دل على المعنى بواسطة الغير نحو (من) و (الى) فانهما يدلان على ابتداء الغاية وعلى انتهاء الغاية بواسطة (البصرة) و (الكوفة) في (نحو سرت من البصرة الى الكوفة).

لكن عرفت سابقا عدم الفرق بين معناها ومعنى الاسم ، وانه لم يلحظ الاستقلال بالمفهومية في الاسم كما انه لم يلحظ عدم الاستقلال بالمفهومية في الحرف ، فالفرق بين معنى الاسم ومعنى الحرف في كيفية الاستعمال لا في ذات الموضوع له ولا في نفس المستعمل فيه ، لانه اذا أريد المعنى حالة لغيره يكون معنى الحرف ، واذا اريد المعنى بما هو هو يكون معنى الاسم.

فبناء على هذا ، فان استعمل لفظ الابتداء في الابتداء الآلي ، ولفظ من استعمل في الابتداء الاستقلالي ، فلا يكون مجازا. وان كان هذا الاستعمال على خلاف الطريق الذي لاحظه الواضع في مقام الاستعمال ، فالمعنى سواء كان في الاسم أم كان في الحرف ، يكون كليا ، لانه قابل للانطباق على كثيرين. اذا علم هذا فاعلم انه يحتاج توضيح المطلب الى بيان امرين :

الاول : ان الشيء ما دام لم يتشخص لم يوجد ، سواء كان وجوده ذهنيا أم كان خارجيا.

والثاني : الوجود الذهني هو نفس تصور الذهن شيئا ، فلا بد ان يكون هذا الشيء جزئيا في الذهن حتى يوجد فيه ، لان الشيء ما دام لم يتشخص لم يوجد في

١١١

الذهن ولا في الخارج ، فهذا المتصور الذي يكون بقيد التصور جزئيا ذهنيا ، اي بقيد تصور الآلية ، وهو الذي يكون كليا عقليا في حال كونه مقيّدا باللحاظ الاستقلالي أو الآلي ، أو فقل ان هذا المتصور كلي عقلي باعتبار كونه مقيّدا بامر ذهني وهو لحاظ الاستقلالية والآلية ، وجزئي ذهني باعتبار كونه موجودا في الذهن. فلا منافاة بينهما لتعدد الاعتبار فلا موطن لهما الا الذهن ولا يكونان موجودين في الخارج ، والموجود فيه هو افراد كلي الطبيعي. ولا منافاة بين كون الشيء جزئيا ذهنيا وبين كون الشيء كليا طبيعيا ، وذلك كمعنى الحرف ، وهو جزئي ذهني باعتبار كونه ملحوظا في النفس وقائما بها وموجودا عندها ، وكليته تكون باعتبار حكايته عن الكثير في الخارج فلا منافاة بينهما لتعدد الاعتبار والاضافة.

فتحصّل ان لحاظ الآلي لا يكون دخيلا في نفس المعنى ، لا شطرا ولا شرطا ، بل هو ناشئ من ناحية الاستعمال ، فتأمل في الخلط الذي هو عبارة عن كون لحاظ الآلي شطرا للموضوع له ، أو قيدا للمستعمل فيه ، أو قيدا للاستعمال ، والحق هو الاخير. وفي الاشتباه الذي هو عبارة عن توهم كون الموضوع له خاصا ، وكون المستعمل فيه خاصا ، مع كون الموضوع له عاما في الحروف.

فالاقوال هنا ثلاثة : ذهب قوم الى كون الوضع والموضوع له عامين والمستعمل فيه خاصا ، وذهب قوم الى كون الوضع عاما والموضوع له خاصا كما ان المستعمل فيه خاص. وقال المصنف : ان الوضع والموضوع له والمستعمل فيه كلها عام ، والخصوصية ناشئة من قبل الاستعمال ، فهي من اطواره وشئونه لا من اطوار الموضوع له ولا المستعمل فيه.

قوله : وليت شعري اي ليت علمي حاصل ، ان كان قصد الآلية موجبا لجزئية المعنى في الحروف فلم لا يكون قصد الاستقلالية في الاسماء موجبا لكون المعنى جزئيا فيها حتى ينتفى العام رأسا ، فلا يعتبر فيها لا في الموضوع له ولا في المستعمل فيه قطعا ، فكذا في الحروف مضافا الى ان اللحاظ الآلي ، ان كان قيدا لمعنى الحرف ، ومعنى الحرف يكون قيدا لمعنى الاسم ، فاللحاظ الآلي يكون قيدا

١١٢

لمعنى الاسم ، لان قيد القيد قيد (مثلا) ، والابتداء من البصرة الذي هو معنى لفظ (من) في قولك (سرت من البصرة الى الكوفة) قيدا للسير الذي هو معنى الاسم.

فاللحاظ الآلي قيد للسير ، لان قيد القيد قيد. وعلى هذا امتنع انطباقه على ما في الخارج ضرورة ، انه بناء على هذا الدخل الذي هو قيد عقلي لا موطن له إلّا العقل ، والمقيد بقيد عقلي يكون عقليا ، والعقلي لا ينطبق على ما في الخارج فيمتنع امتثال (سر من البصرة الى الكوفة) ، والحال انه يصدق ما في الخارج. وليس هذا إلّا لعدم اعتبار قصد الاستقلالية والآلية في الموضوع له ولا في المستعمل فيه ، بل في الاستعمال في الاسماء والحروف.

وان كان معتبرا في الموضوع له لزم ان تكون معاني متعلقات الحروف مثل السير والبصرة والكوفة في قولك (سرت من البصرة الى الكوفة) كليات عقلية لما عرفت من كون قيد القيد قيدا فيستحيل انطباقها على الأمور الخارجية.

فتلخص مما ذكرنا : انه ان كان قصد الآلية في معنى الحرف ملحوظا بعنوان الشطر أو بعنوان الشرط لزم امران.

الاول : عدم صدق متعلقات معاني الحروف على الخارجيات ، اذ انها على حسب الفرض مقيدة بقيد عقلي ، وهو لحاظ الآلية والمقيد بقيد عقلي عقلي ، والعقلي لا موطن له إلّا العقل.

الثاني : يلزم امتناع امتثال الامر في قولك (كن على السطح) و (سر من البصرة الى الكوفة).

فخلاصة الكلام : ان المعنى في كل واحد من الاسم والحرف كلي طبيعي باعتبار حكايته عن الكثير في الخارج. وبلحاظ تقيد المعنى باللحاظ الآلي أو الاستقلالي في مقام الاستعمال جزئي عقلي ، لان الشيء ما دام لم يتشخص لم يوجد لا في الذهن ولا في الخارج. فجزئية المعنى باللحاظ الاستقلالي أو الآلي في موارد الاستعمال. وكليته باعتبار نفسه وجرمه. وبهذا يندفع الإشكال في غير الحروف ايضا ، فلا يتوهم اجتماع النقيضين في الاسماء والحروف ، اعني كلية

١١٣

المعنى ، وجزئية المعنى لانا نقول ان جزئيته بالاضافة الى اللحاظ الاستقلالي والآلي ، وكليته بالاضافة الى نفسه وجرمه. وحينئذ فلا تناقض ، لانه يشترط في التناقض الوحدات الثماني وحدة الموضوع ، وحدة المحمول ، وحدة المكان ، وحدة الزمان ، وحدة الشرط ، وحدة الاضافة ، وحدة الجزء والكل ، وحدة القوة والفعل. كما في المنطق. فالاشكال في غير الحروف لاجل عدم لحاظ الاستقلالية في معناه وارد ، فكذا في الحروف لاجل عدم لحاظ الآلية في معناها. وأما إذا لوحظت الاستقلالية والآلية في مدلول الحروف فلا اشكال حينئذ.

قوله : فتأمل في المقام ... الخ وتزل اقدام الاعلام بل زلّت اقدامهم هنا حيث جعلوا لحاظ الآلي من قيود الموضوع له ، وغفلوا عن كون هذا اللحاظ من اطوار الاستعمال لا من قيود الموضوع له فضلا عن جزئه.

قوله : فافهم وهو تدقيقي اشارة الى دقة المطلب.

ردّ تفصيل فاضل التوني قدس‌سره :

قوله : رابعها ان اختلاف المشتقات في المبادئ ... الخ غرض المصنف من هذا ردّ تفصيل فاضل التوني قدس‌سره حيث قال الفاضل : «انه اذا كان المبدأ ملكة وصناعة وحرفة فاطلاق المشتق على من انقضى عنه المبدأ يكون حقيقة فاذا قيل : (زيد مجتهد عادل) في حال نومه ، فهذا الاطلاق حقيقة. وان كان المبدأ فعلا مثل الاكل والشرب فيكون اطلاقه على من انقضى عنه المبدأ مجازا. فاذا قيل (زيد آكل شارب) في حال نومه بعد الاكل والشرب فهذا مجاز» ، فيقول المصنف رادّا لهذا التفصيل ان اختلاف المشتقات في المبادئ والمصادر لا يوجب اختلافا في دلالتها بحسب الهيئة اصلا ، ولا تفاوتا في الجهة المبحوث عنها كما لا يخفى.

ولا بد من توضيح لفظ الهيئة ومن لفظ الجهة المبحوث عنها. اما الاول (لفظ الهيئة) : فالمراد منه هيئة المشتق كهيئة (فاعل) و (مفعول) و (فعل) ونحوها ، والمراد من الثاني (لفظ الجهة) : هو كون المشتق موضوعا للمتلبّس بالمبدإ في الحال ، أو

١١٤

للأعم منه ، ومن انقضى عنه المبدأ.

غاية الامر انه يختلف التلبس بالمبدإ في الماضي أو الحال بسبب اختلاف أوضاع المبادئ ، فيكون التلبس بالمبدإ فعلا لا قوة لو أخذ المبدأ حرفة أو ملكة ، ولو لم يتلبس بالمبدإ الى حال النسبة والاسناد أو انقضى عنه المبدأ. ويكون التلبس بالمبدإ في ما مضى أو في ما يأتي لو اخذ المبدأ فعليا فلا تفاوت في المشتقات انحاء التلبسات وانواع التعلّقات كما سبق في الامر الاول.

مثلا : (شاعر) و (كاتب) و (صائغ) و (تاجر) ان اريد منها الملكة ـ اي ملكة الشعر والكتابة والصياغة والتجارة ـ فالذات متلبسة بها ولو في حال النوم ، وان اريد منها فعليتها فالذات غير متلبسة بها في حال النوم ، وان كانت متلبّسة بها في الماضي ، أو سوف تتلبّس بها في المستقبل. فكل مشتق له حال الانقضاء وحال التلبس في الحال وحال سيتلبس في الاستقبال ، فهو داخل في النزاع.

الفرق بين التلبّسات والتعلقات :

قوله : فلا يتفاوت فيها انحاء التلبسات وانواع التعلقات المراد من الاول : اختلاف تلبسات المشتقات بالمبادئ ، ففي بعضها يكون التلبس فعليا اذا كان المبدأ من الافعال كالضرب والنوم ، وفي بعضها شأنيا اذا كان المبدأ ملكة وحرفة وصنعة مثل الاجتهاد والكتابة والخياطة. وفي بعضها حاليا ، وفي بعضها استقباليا ، وفي بعض ماضيا.

والمراد من الثاني : انواع متعلقات المشتقات ، مثل فاعلها ومفعولها وزمانها ومكانها وعددها وعلتها وسببها وكيفياتها. فاختلاف التلبسات والتعلقات ليس بمضر في المهم المبحوث عنه ، وهو كون المشتق حقيقة في خصوص المتلبس في الحال أو حقيقة في الاعم منه وممن انقضى عنه المبدأ.

١١٥

تحقق الحال في المسألة :

قوله : خامسها ان المراد بالحال في عنوان المسألة هو حال التلبس لا حال النطق ... الخ اذا قيل (زيد عالم) ، فهنا تكون احوال ثلاثة : حال النطق ، وحال التلبس ـ اعني تلبس زيد بوصف العلم ـ وحال النسبة الايقاعية. ولا اشكال في كون المشتق حقيقة مع اتفاق هذه الاحوال. كما اذا قلت (زيد عالم الآن) وكان زيد عالما في حال النطق ، اما لو اختلفت هذه الاحوال فقد يكون حقيقة بالاتفاق ، وقد يكون مجازا بالاتفاق ، وقد يكون محل الخلاف.

فالتحقيق ان المعيار هو اختلاف زمان الجري مع زمان التلبس واتفاقهما. فان اتفقا كان حقيقة بالاتفاق ، وان تقدم زمان الجري على زمان التلبس فهو مجاز بالاتفاق ايضا ، كما اذا قلت (زيد قائم امس) اذا لم يكن بقائم امس وانما كان قائما حال النطق.

وان تأخر زمان الجري عن زمان التلبس فهو محل الخلاف في هذا المبحث ، ولا عبرة بزمان النطق اصلا. والمحكي عن صريح بعض ان العبرة بزمان النطق ، فان اتفق مع زمان التلبس كان حقيقة بالاتفاق ، وان تقدم زمان النطق على زمان التلبس كان مجازا بالاتفاق ، وان تأخر عنه كان محل الخلاف في المقام.

توضيح اصل المطلب : وهو انه اذا اتفقا ـ اي اتفق زمان الجري وزمان التلبس ـ سواء كان زمانهما ماضيا مثل (زيد كان ضاربا امس) اذا جعل الامس قيدا لكل من التلبس والجري ، أم كان مستقبلا نحو (زيد يكون ضاربا غدا) اذا جعل الغد قيدا لكل من التلبس والجري ، فيكون المشتق حقيقة. لان المفروض هو كون الجري بلحاظ حال التلبس ، لا بلحاظ حال النطق. فاختلاف حال النطق مع حال الجري والتلبس لا يقدح في كون المشتق حقيقة في هذه الموارد.

فتلخص مما ذكرنا ان المعيار في كون المشتق حقيقة أو مجازا هو حال التلبس. فاذا كان الجري على الذات بلحاظ حال التلبس ، بان اتفق زمان الجري وزمان التلبس ، كان حقيقة سواء كان زمانهما ماضيا أم كان مستقبلا ام كان حالا ،

١١٦

بان كان زمانهما متحدا مع زمان النطق.

وان لم يتفق زمان الجري وزمان التلبس ففيه تفصيل ، وهو فاذا كان الجري حالا والتلبس استقبالا كان مجازا ، نحو (زيد ضارب غدا) اذا جعل الغد قيدا للتلبس دون الجري ، واذا كان الجري حالا والتلبس ماضيا نحو (زيد ضارب امس) اذا جعل الامس قيدا للتلبس دون الجري كان اختلافيا.

فالمراد في عنوان المسألة هو حال التلبس لا حال النطق ولا حال الجري ضرورة ان مثل (كان زيد ضاربا امس) أو (سيكون غدا ضاربا) حقيقة اذا كان متلبسا بالضرب في الامس في المثال الاول ، ومتلبسا بالضرب في الغد في المثال الثاني.

اما اذا جعل الامس قيدا للتلبس دون جعله قيدا للجري ، ففيه خلاف كما مرّ ، فجري المشتق حيث كان بلحاظ حال التلبس وان مضى زمان التلبس في حال النطق ولم يأت بعد ، اي لا يكون زمان التلبس في زمان النطق ، ففي الثاني حقيقة بلا خلاف مشهور في البين.

قوله : ولا ينافيه الاتفاق على ان مثل (زيد ضارب غدا) مجاز ... الخ ولا ينافي كون المشتق حقيقة ، نحو (كان زيد ضاربا امس) ونحو (سيكون غدا ضاربا) بلحاظ حال التلبس كون المشتق مجازا بالاتفاق نحو (زيد ضارب غدا).

ووجه عدم التنافي ان مورد الاتفاق على مجازية المشتق هو ما اذا كان الجري بلحاظ حال النطق لا بلحاظ حال التلبس ، وان مورد الاتفاق على حقيقة المشتق هو ما اذا كان زمان التلبس والجري متّحدا ، فمورد المجازية هو تقدم زمان الجري على زمان التلبس ، كما اذا جعل في مثل (زيد ضارب غدا) الغد قيدا لزمان التلبس ، فيكون الجري فعليا والتلبس استقباليا فيكون مجازا اتفاقا.

فظهر مما ذكرنا انه اذا اتفق زمان الجري وزمان التلبس سواء كانا ماضيين أم انا حالين وام كانا استقباليين كان المشتق حقيقة. واذا تقدم زمان الجري على زمان التلبس كان مجازا. واما اذا تقدم زمان التلبس على زمان الجري والحمل كان

١١٧

مختلفا فيه. وكل من يقول بوضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدإ في الحال يقول بالمجازية ، ومن يقول بوضعه للاعم منه وممن انقضى عنه المبدأ يقول بالحقيقة.

قوله : كما هو قضية الاطلاق ... الخ فمقتضى اطلاق المشتق على الذات يكون حمله عليها في الحال اي حال النطق والاطلاق بمعنى الحمل. واما الغد في نحو (زيد ضارب غدا) فجيء به لبيان زمان التلبس ، فيكون الجري والاتصاف في الحال والتلبس في الاستقبال.

قوله : ومن هنا ظهر الحال في مثل (زيد ضارب امس) وانه داخل في محل الخلاف ... الخ اي ومما ذكرنا في مثل (زيد ضارب غدا) من ان الجري فيه يكون في الحال ، وكلمة الغد في هذا المثال لبيان زمان التلبس ، ظهر الحال والمطلب في مثل (زيد ضارب امس) لان الجري فيه في الحال ، والتلبس في الماضي ، فيدخل في محل الخلاف من كون المشتق حقيقة في خصوص المتلبس في الحال أو في الاعم منه ، وممن انقضى عنه المبدأ. فعلى الاول مجاز وعلى الثاني حقيقة. ولو كانت لفظة (امس) أو (غد) في المثالين قرينة على تعيين زمان النسبة والجري ايضا كما انهما قرينتان على زمان التلبس كان المثالان حقيقة.

وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في كون المشتق حقيقة في كلام اذا جرى على الذات بلحاظ حال التلبس ولو كان حال التلبس في الماضي أو الاستقبال. وانما الخلاف في كون المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدإ ، أو فيما يعم التلبس والمنقضى عنه المبدأ فيما اذا جرى المشتق على الذات في حال النطق بعد ما انقضى عنه التلبّس بالمبدإ ، بعد الفراغ عن كون المشتق مجازا فيما اذا جرى المشتق على الذات فعلا بلحاظ التلبس في الاستقبال ، وامثلة الكل واضحة.

قوله : ويؤيد ذلك اتفاق اهل العربية على عدم دلالة اعلم ان اهل العربية قد اتفقوا على ان الاسم لا يدل على الزمان سواء كان جامدا ، أم كان مشتقا جاريا على الذات مثل اسم الفاعل واسم المفعول وما شاكلهما. فبناء على هذا ، لو كان المراد من الحال في عنوان المسألة هو حال النطق كان النزاع ـ لا محالة ـ في دلالة المشتق على

١١٨

زمان النطق وعدمه.

فمن قال بوضع المشتق للمتلبس بالمبدإ في الحال قال بدلالته على زمان الحال. ومن قال بوضعه للاعم منه وممن انقضى عنه المبدأ قال بعدم دلالته على الزمان لا الحال ولا غيره.

وهذا النزاع ينافي اتفاقهم ، وهو يؤيد ـ اي اتفاقهم ـ ان المراد من الحال في عنوان المسألة حال التلبس لا حال النطق. وجعل المصنف هذا مؤيدا لا دليلا لعدم حجية اتفاق النحاة واجماع اهل العربية على فرض ثبوته ، لعدم كشف هذا الاجماع عن رضا المعصوم عليه‌السلام ، لانه لا يكون على حكم شرعي بل على موضوع خارجي ، ولكن مع كونه كذلك لا يقصر عن كونه مؤيدا لهذا المطلب.

قوله : ولا ينافيه اشتراط العمل في بعضها بكونه بمعنى الحال أو الاستقبال ... الخ اي : لا ينافي اتفاقهم على عدم دلالة الاسم مطلقا على الزمان اشتراط العمل في مثل اسم الفاعل بكونه بمعنى الحال أو الاستقبال لا بمعنى الماضي. هذا اولا. وثانيا : اعتماده على احد اشياء ستة وهي : المبتدأ ، والموصول ، والموصوف ، وذو الحال ، وحرف النفي ، وحرف الاستفهام. لان مرادهم من ذلك دلالته على زمان الحال أو زمان الاستقبال مجازا بمعونة القرينة وهي كلمة (الآن) أو كلمة (غدا) لا بنفسه وضعا. كيف وقد اتفق الاصوليون على كون المشتق مجازا في الاستقبال ، فلو كان مرادهم من كونه بمعنى الحال أو الاستقبال دلالة اسم الفاعل على احدهما بنفسه وضعا لما اتفقوا على كونه مجازا في الاستقبال.

الإشكال الوارد في المسألة :

قوله : لا يقال يمكن ان يكون المراد بالحال في العنوان زمانه ... الخ ويقول المستشكل انه يمكن ان يكون المراد من الحال في عنوان المسألة هو حال النطق لا حال التلبس وذلك لامرين :

احدهما : ان الظاهر من لفظ الحال في المسألة هو حال النطق لا حال التلبس.

١١٩

وثانيهما : انه ادّعي ان الظاهر من المشتقات هو زمان الحال ، اما لدعوى الانسباق من الاطلاق ، اي للتبادر (الاطلاقي) المستند الى كثرة الاستعمال في قبال التبادر (الحاقي) المستند الى الوضع ، واما بمعونة قرينة الحكمة. فان اللافظ لو اراد من المشتق غير زمان الحال لكان عليه البيان ، وحيث لم يبيّن فهو المراد.

لانا نقول : ان تبادر زمان الحال من المشتق لا يكون علامة للحقيقة ، وعلى وضع المشتق لزمان الحال. لان التبادر الحاقي كاشف عن الوضع كشفا آنيا دون التبادر الاطلاقي المستند الى كثرة الاستعمال ، لانه يعين المراد من اللفظ سواء كان معنى حقيقا أم كان معنى مجازيا دون الموضوع له.

اعلم ان المصنف لم يجب عن الامر الاول وكانه غفل عنه في مقام الجواب ووجّه كلامه الى الجواب عن الامر الثاني فقط ، فقال : انا لا ننكر هذا الانسباق ، اي انسباق زمان الحال من المشتقات اما للاطلاق أو بمعونة القرينة ولكن نزاع الاصوليين في المسألة قد وقع في هذا العنوان ، في تعيين ما وضع المشتق له لا تعيين ما يراد بالقرينة من المشتق ، اي بقرينة انصراف اطلاق لفظ الحال الى حال النطق ، والى زمان الحال المتوسط بين زمان الماضي وبين زمان الاستقبال ، أو بقرينة الحكمة بعد تمامية مقدمات الحكمة هذه التي تعيّن من المشتق زمان الحال ، فهذا التبادر الاطلاقي يعيّن المراد من المشتق ولا يعيّن ما وضع له المشتق.

واما الجواب عن الامر الاول : هو ان يقال ان الظاهر من لفظ الحال في العنوان ـ وان كان هو زمان الحال ـ إلّا ان هذا الظهور لا يقاوم مع الدليل القطعي الذي اقمناه على كون المراد في العنوان هو حال التلبس لا حال النطق ، لضرورة ان مثل (كان زيد ضاربا امس) أو (سيكون ضاربا غدا) حقيقة بلا خلاف ، فلو كان المراد حال النطق لكان المثال الاول من محل الاختلاف ، ويكون المثال الثاني مجازا قطعا.

١٢٠