تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٨

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٨

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٧١٩

خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) ، أي : لم يخلق ، يخبر عن سفههم وقلة معرفتهم ، وسرفهم في القول والفعل ، والله أعلم.

وقوله : (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).

يحتمل (الظَّالِمُونَ) وجوها :

أحدها : ظلموا أنفسهم ؛ حيث وضعوها في غير موضعها الذي أمرهم الله أن يضعوها ، وهو وضعهم إياها في عبادة الأصنام.

أو ظالمو حدود الله التي حدّها لهم ، لم يحفظوها على تلك الحدود ؛ بل جاوزوها.

أو سماهم : ظلمة ؛ لما ظلموا نعم الله ، ولم يشكروها ، والله أعلم.

وقوله : (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، أي : في حيرة بينة ، أو هلاك بين.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢) وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥) يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)(١٩)

وقوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ).

قال بعضهم (١) : الحكمة هي الإصابة في القول والفعل من غير نبوة.

وقال بعضهم : أعطي الفهم واللب ، وقيل : الفهم والفقه في الدين ، وقيل : العلم ؛ كأنه يقول : أعطيناه العلم والفهم بالكتب المتقدمة.

والفقه : هو معرفة الشيء بنظيره الدال على غيره ، أو معرفة ما غاب بما شهد ، أو معرفة الخفي الباطن بالظاهر ، ونحوه.

والفلاسفة يقولون : الحكمة هي المعرفة مع العمل ، والحكيم : هو الذي له المعرفة

__________________

(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٨٠٧٨) و (٢٨٠٨٠) و (٢٨٠٨١) ، والفريابي وأحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣١١) ، وهو قول قتادة.

٣٠١

والعلم والعمل جميعا ؛ فحينئذ يسمى : حكيما.

وقوله : (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ).

كأنه قال : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) يحتمل الوجوه التي ذكرنا ـ وقلنا له : أن اشكر لله فيما أعطاك من الحكمة ، وغير ذلك من النعمة ، وهذا يدل أن لله فيما يكتسب المؤمن الحكمة والعلم صنعا ؛ إذ لو لم يكن له [لما كان] لقوله : (آتَيْنا) معنى ؛ إذ هو للعبد وكسبه ألا ترى أنه أمره أن يشكر له على ذلك ، ولو لم يكن له صنع في ذلك لكان لا يأمره بالشكر له على ما لا صنع له فيه ؛ إذ يخرج ذلك مخرج طلب الحمد والشكر على ما لم يفعل ، وقد ذم من أحب أن يحمد بما لم يفعل ؛ فلا يحتمل أن يأمر هو بالحمد والشكر على ما لم يفعل ولا صنع له في ذلك ؛ دل أن له فيه صنعا ، وهو ينقض على المعتزلة في قولهم : أن ليس لله في فعل العبد صنع ، والله أعلم.

وقوله : (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ).

هذا يدل أن ما يأمر عباده وينهاهم ، وفيما امتحنهم إنما يمتحنهم ويأمرهم وينهاهم ؛ لمنافع أنفسهم وحاجتهم ، لا لمنفعة نفسه أو لحاجته ؛ حيث قال : (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) ؛ حيث يتم تلك النعمة ويديمها له ؛ فهو بالشكر ينفع نفسه. ومن كفر فإنما ضرر كفره يلحقه دون الله ؛ ألا ترى أنه قال :

(وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).

أي : غني عن شكره وحمده ، حميد وإن لم يحمده أحد من خلقه ؛ لأنه غني بذاته ، حميد بصنائعه وآلائه وإن لم يحمد هو ولم يشكر على ذلك ، لا ينفعه شكر أحد ولا حمده ، ولا يضره كفران أحد ولا ترك الشكر له والحمد ، وبالله الحول والقوة.

وقوله : (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).

يحتمل قوله : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) وجوها :

أحدها : ظلموا أنفسهم ؛ حيث وضعوها في غير موضعها ، وأوقعوها في المهالك ، بعد ما صورها أحسن تصوير ومثلها أحسن تمثيل ، وأعظم الظلم من عمل وسعى في هلاك نفسه.

أو (لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) : ظلموا نعم الله ؛ حيث صرفوا شكرها إلى غير منعمها.

أو ظلموا ظلما عظيما ؛ حيث لم يقبلوا شهادة وحدانية الله وألوهيته فيما جعلها في خلقتهم وبنيتهم ؛ إذ جعل في خلقة كل أحد الشهادة على وحدانيته وربوبيته ، وذلك أعظم الظلم وأفحشه.

٣٠٢

وقوله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ).

ولم يذكر هاهنا بما ذا وصاه ، فجائز الوصية بما ذكر في آية أخرى ؛ حيث قال : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) [العنكبوت : ٨] و (إِحْساناً) [البقرة : ٨٣] ، والإحسان : هو اسم ما حسن من فعل. وقوله : (حُسْناً) : هو اسم ما حسن مما كان يفعله ، وهما واحد في الأصل.

وقوله : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ).

أي : ضعفا على ضعف ، أي : كلما مضى عليها وقت ازداد فيها ضعف على ضعف ووجع على وجع ، أمر بالإحسان إليهما جميعا ، ثم ذكر ما حملت الأم من المشقة والشدة ، ولم يذكر من الأب شيئا ، وقد كان للأب وقت احتمال الأم المشقة ـ اللذة والسرور والفرح ؛ فجائز أن يقال : إن كان من الأب بإزاء تلك المشقة التي احتملت الأم معنى ما يؤمر أن يشكر له ويحسن إليه ـ وهو ما يتحمل من الإنفاق عليها وعليه في حال الرضاع ، وهو ما ذكر (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة : ٢٣٣] ، وقوله : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) [الطلاق : ٦] أو ما جعله مطعونا في الناس بحيث لم يعرف له نسب ينسب إليه ؛ بل جعله معروف النسب غير مطعون في الخلق ونحوه.

ثم ذكر الفصال ولم يذكر الرضاع والمشقة في الإرضاع لا في الفصال ، لكنه ذكر تمام الرضاع وكماله ؛ إذ بالفصال يتم ذلك ويكمل ، وفي ذكر التمام له والكمال ذكر الرضاع ، وليس في ذكر الرضاع نفسه ذكر تمامه ؛ لذلك كان ما ذكر ، والله أعلم.

وقوله : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).

أمر بالشكر له ولوالديه ، وحاصل الشكر راجع إليه دون من يشكر له ؛ إذ كل من صنع إلى آخر ما يستوجب به الشكر والثناء ـ فبالله صنع ذلك إليه وبنعمه كان منه ذلك ؛ فكل من حمد دونه أو شكر ـ فراجع إليه في الحقيقة ذلك.

ثم يخرج قوله : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) على وجهين :

أحدهما : اشكر لي فيما تشكر والديك بإحسانهما إليك ؛ فإنهما ما أحسنا إليك إلا بفضلي ورحمتي ؛ كقوله : (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) [البقرة : ٢٠٠] ، أي : اذكروا الله فيما تذكرون آباءكم بصنعهم ؛ فإنهم إنما فعلوا ذلك بفضل الله.

أو أن يكون قوله : (اشْكُرْ لِي) فيما أنعمت عليك ، (وَلِوالِدَيْكَ) : فيما أحسنا إليك وربياك ، والله أعلم.

وقوله : (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) : قد ذكرنا أنه خص ذلك المصير إليه ، وإن كانوا في جميع الأوقات صائرين إليه راجعين بارزين له ؛ لما المقصود من إنشائهم في هذا ذاك ، وصار

٣٠٣

إنشاؤهم وخلقهم في الدنيا حكمة بذاك ، ما لو لا ذلك لكان عبثا باطلا ، على ما ذكر ، والله أعلم.

وقوله : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما).

أمر في الآية الأولى بالإحسان إليهما وبالبر لهما والطاعة ، ثم بين أن لا في كل أمر يطاعان ، ولا في جميع ما يأمران ويسألان يجابان ؛ إنما يطاعان ويجابان فيما يؤذن لهما ويباح لهما ، لا فيما لا يؤذن ولا يباح بحال ؛ بل يؤمر بالخلاف لهما واعتقاد المعاداة ، فضلا أن يطاعا ويجابا إلى ما يدعوان أو يأمران ، وكذلك ذكر في الخبر : «أن لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق». وإنما أمر بحسن المصاحبة لهما والمعروف : فيما لم يكن في ذلك معصية الخالق ؛ حيث قال : (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً).

وقوله : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ).

قال بعضهم : اتبع دين من أقبل إلى ورجع إلى طاعتي وهو النبي.

أو أن يكون قوله : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ) ، أي : اتبع سبيلي وديني ؛ كقوله : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) [الأنعام : ١٥٣] ، فعلى ذلك الأول جائز أن يكون تأويله : اتبع سبيلي وديني ، ولا تتبع غيري ، [واتبع] سبيل من أناب ورجع إلي ، ولا تتبع سبيل من لم ينب ولم يرجع إلي.

ثم أخبر برجوع الكل إليه : من رجع وأناب إليه ، ومن لم يرجع ولم ينب إليه ؛ على الوعيد حيث قال : (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ...) الآية ، وهو كقوله : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ ...) [النساء : ١٧٢] إلى قوله : (فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) [النساء : ١٧٢] ، أي : من استنكف ومن لم يستنكف يحشر إليه جميعا ؛ فعلى ذلك الأول ، والله أعلم.

وقوله : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ).

لا يحتمل أن يكون هذا الكلام والقول من لقمان كان لابنه ابتداء من غير سؤال كان في ذلك ؛ فيعلم أنه كان ذلك منه عن سؤال ، لكن لا نعلم ما كان السؤال؟ وعم كان؟

فإما أن كان السؤال عن علمه ، فأخبره بما ذكر من حبة مستترة التي ذكر ، مكنونة في أخفى الأمكنة عن الخلق ، فيما لا يطلع أحد منهم ولا يبلغه علم الخلائق (يَأْتِ بِهَا اللهُ) ، أي : يعلمها الله ؛ فإن كان على هذا [الذي] ذكر فيلزمهم أن يكونوا أبدا مراقبين أعمالهم وأحوالهم في جميع حالاتهم وأوقاتهم وجميع أمورهم ؛ لما لا يخفى عليه شيء.

أو أن يكون السؤال عن قدرة الله وسلطانه ؛ فأخبر أن الله ـ تعالى ـ قادر على

٣٠٤

استخراج تلك الحبة التي استترت واحتجبت عن الخلق بالحجب التي ذكر : ما يعجز الخلائق عن استخراج مثلها من مثل تلك الحجب والأمكنة ؛ فيخافون قدرة الله ، ويهابون سلطانه في الانتقام منهم في مخالفة أمره ونهيه.

أو أن يكون السؤال عن الرزق ؛ فيخبر بهذا أن الشيء وإن كان في مكان لا يبلغه وسع البشر وحيلهم في استخراج ذلك منه والوصول إليه بحال ـ فالله سبحانه ؛ بلطفه يرزق الخلق بأشياء خارجة عن وسعهم وحيلهم ما لا يقع لهم الطمع في ذلك ؛ ليكونوا أبدا في كل حال مطمئنين في الرزق لا يؤيسهم عجزهم ولا تعذر حيلهم عن ذلك ، وألا يعلقوا قلوبهم في الرزق بالأسباب التي بها يكتسبون ؛ وكذلك قال : (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق : ٣].

أو أن يكون السؤال عن جزاء ما يعمل المرء من قليل أو كثير ومما عظم ولطف ، فيخبر أنه يجزي بقليل العمل وكثيره ، وكذلك يقول بعض أهل التأويل ذلك : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) : من خير أو شر ، (فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) : في جبل ، (أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ) ، أي : يجازيها الله ؛ فيكون على هذا التأويل كقوله : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) [الزلزلة : ٧] ، فأي شيء كان ، ففي ذلك : دلالة وحدانية الله ، ودلالة علمه وتدبيره ، ودلالة قدرته وسلطانه ، ودلالة الثقة به ، والتوكل عليه في الرزق ، والتفويض في الأمر في كل ما خرج عن وسع الخلق ، والله أعلم.

وقوله : (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ).

قال عامة أهل التأويل (١) : إن الله لطيف في استخراج تلك الحبة ، خبير بمكانها ، وتأويل هذا الكلام : أي : يستخرج تلك الحبة من الحجب التي ذكر والأستار التي بين استخراجا لا يشعر بها أحد ، ولا علم كيفية الاستخراج منها ولا ماهيته.

واللطيف : هو البار.

ثم يخرج هو على وجهين :

أحدهما : فيما أرسل من الرسول ، وما أنزل من الكتب ؛ ليدلهم إلى ما يهتدون وإلى ما به نجاتهم ، خبير بحوائجهم.

والثاني : تأويل اللطيف يحتمل وجهين :

أحدهما : البار على ما ذكرنا.

__________________

(١) قاله قتادة بنحوه أخرجه ابن جرير (٢٨١٠٧) ، وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٣٢٠).

٣٠٥

والثاني : في استخراج أمور لا يبلغها وسع الخلق ولا علمهم وحيلهم ، والله أعلم.

وقوله : (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ).

يحتمل الأمر بإقامة الصلاة وجهين :

أحدهما : الصلاة التي عرفتها العرب ، وهي المسألة والدعاء والثناء على الله والتحميد له والتمجيد ؛ كقوله : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ...) الآية [الأحزاب : ٥٦].

وهذه الصلاة المذكورة في هذه الآية هي الدعاء والاستغفار والرحمة له والمغفرة ؛ فعلى ذلك يشبه أن يكون الأمر بإقامة الصلاة هو الأمر بمسألة الرب حوائجه ومغفرته ورحمته ؛ ليكون أبدا في كل حال متضرعا إلى الله ، مظهرا حاجته إليه ومثنيا عليه ، واصفا عظمته وجلاله وكبريائه.

والثاني : أراد به الصلاة المعروفة المعهودة على شرائطها التي جعلت وشرعت ؛ فإن كان هذا ففيها ـ أيضا ـ ما في الأول من الدعاء والثناء على الله ـ تعالى ـ والوصف له بالعظمة والجلال ؛ لأنها جعلت من أولها إلى آخرها ذلك.

وإن كان أراد بالصلاة : الصلاة المعروفة ففيه أن الصلاة التي شرعت لنا كانت للأمم المتقدمة ، وعلى ذلك يخرج قول إبراهيم حيث قال : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ) [إبراهيم : ٤٠] وقول عيسى حيث قال : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) [مريم : ٣١] ، والله أعلم.

وقوله : (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ).

المعروف : اسم كل بر وخير وكل مستحسن في العقل والطبع.

والمنكر : اسم كل شر وسوء مستقبح في العقل والطبع.

ثم يخرج قوله : (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) على وجوه :

أحدها : المعروف الذي جاءت [به] الرسل عن الله ، وشرعوه للخلق ، ودعوا [إليه] الخلق.

والمنكر ـ أيضا ـ : هو الذي أنكرته الرسل ، ونهت الخلق عنه.

أو أن يكون المعروف هو الذي يقبله كل عقل صحيح ، ويستحسنه كل طبع سليم.

والمنكر : هو الذي ينكره كل عقل صحيح ولا يقبله ، ويستقبحه كل طبع سليم ، يعرف بالبداهة قبحه وحسنه.

أو يعرف أنه معروف أو منكر عند التأمل والتفكر ؛ فكله يرجع إلى واحد : إلى ما ذكرنا بدءا ، لكنه يختلف فيما ذكرنا من السبب.

وقوله : (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ).

٣٠٦

من الأذى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أهل السفه منهم والفسق ؛ فلا بد من أن يصيب الأذى من تولى ذلك ، وهذا يدل أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من اللوازم : لا يسع تركه ، وإن أصابه الأذى في ذلك.

وقوله : (إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).

قال بعضهم : إن ذلك من حزم الأمور ، والحزم : من إحكام الشيء وإتقانه ؛ كأنه يقول : إن ذلك من محكم الأمور ومتقنها ؛ لأن الشيء إذا حزم وشدد يؤمن عن سقوطه وذهابه ؛ فعلى ذلك ما ذكر.

وقال : العزم : هو القطع والثبات على شيء ، تقول : عزمت على كذا وعلى أمر كذا : إذا قطع تدبيره ورأيه واضطرابه ، وجعله بحيث لا يرجع ولا يتحول عنه للدنيا ، أو لأمر من أمورها ؛ ولكن ثبت على ما عزم وقطع ؛ فهو العزم ، والله أعلم.

وقوله : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً).

قوله : ولا ولا تصاعر و (وَلا تُصَعِّرْ) ، بالألف وبغير الألف ، كلاهما لغتان. ثم أهل التأويل أو أكثرهم يقولون : قوله : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) ، أي : لا تعرض وجهك عن الناس ؛ تعظما وتجبرا وتكبرا ، وكذلك في قوله : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) : بطرا فرحا بالمعصية في الخيلاء والعظمة ، مستكبرا جبارا ، عامتهم يفسرونه بالإعراض للتكبر والتجبر ، وكذلك يقول الحسن : إنه قال : هو الإعراض عن الناس من الكبر ؛ استحقارا لهم واستخفافا بهم.

والزجاج يقول : الصعر : هو داء يأخذ البعير ؛ فيلوي عنقه ؛ فعلى تأويله يكون قوله : (وَلا تُصَعِّرْ) ، أي : لا تلو عنقك عن الناس.

وأبو عوسجة يقول قريبا من ذلك ؛ يقول : (وَلا تُصَعِّرْ) ، أي : لا تتجبر ، وهو أن تلوي عنقك ؛ فلا تنظر إليهم كبرا.

ويقول : الصعر : هو اعوجاج في العنق ؛ يقال : رجل أصعر ، وبعير أصعر ، وبه صعر ، ويقال في الكلام : فلان صعر خده ؛ إذا لوى رأسه عن الناس ؛ فلم ينظر إليهم ؛ كبرا منه.

وقال ـ كما قال الزجاج ـ : إن الصعر داء يأخذ البعير ؛ فيلوي عنقه ، وأصله : الإعراض ؛ على ما ذكره أهل التأويل (١) وأهل الأدب (٢).

__________________

(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٨١٠٩) و (٢٨١١٠) وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٢٠) ، وهو قول مجاهد وعكرمة ، والضحاك وغيرهم.

(٢) انظر : مجاز القرآن (٢ / ١٢٧) ، وتفسير غريب القرآن (ص ٣٤٤).

٣٠٧

ثم هو يخرج على وجهين :

أحدهما : ما ذكر أهل التأويل من حقيقة الإعراض ؛ تكبرا وتعظيما لأنفسهم ، [و] استخفافا بالناس واستحقارا لهم ؛ لما لم يروا الناس أمثالا لأنفسهم ؛ وعلى ذلك يخرج قوله : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ) على حقيقة المشي على التكبر والتجبر ، على ما ذكرنا.

والثاني : ليس على حقيقة الإعراض بالوجه عنهم ، ولا على حقيقة المشي بالأقدام ؛ ولكنه كناية عن الامتناع عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والترك لذلك ، لا على التكبر والتجبر عليهم والاستخفاف بهم ، ولكن على الحذر والخوف منهم.

فإن كان الامتناع والإعراض عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ فلم يعذروا في ترك ذلك ؛ لما يحذرون ويخافون منهم.

وكذلك يخرج قوله : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) على الوجهين اللذين ذكرناهما :

أحدهما : على الأمر بقصد المشي وخفض الصوت : حقيقة المشي وحقيقة الصوت.

والثاني : على الكناية عن كيفية المعاملة وماهيتها فيما بين الناس.

فإن كان على حقيقة المشي والصوت ، فكأنه يقول : أي اقصد في المشي في الناس ، ولا تمش متكبرا مستخفا بهم ؛ لتؤذيهم ، (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) ، أي : لا ترفع صوتك فوق أصواتهم فتؤذيهم بالصوت ، ولكن لينهم بالقول.

وقال بعضهم : امش هينا لينا ، ناكس الرأس ، ناظرا حيث تمشي ، غير ناظر إلى ما لا يحل ولا يسع ، ولا رافع صوتك على الناس فتؤذيهم ؛ فيكون صوتك عندهم كصوت الحمير الذي ذكر ؛ فينكرونه كما ينكر صوت الحمير.

وإن كان على الكناية عن الأحوال في المعاملة فيما بين الناس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أي : مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، ولا تطلبوا لأنفسكم في ذلك العلو والرفعة ونفاذ القول وقبوله ؛ ولكن كونوا في ذلك عادلين قاصدين غير طالبين العلو والرفعة ونفاذ القول وقبوله.

وقوله : (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ).

يحتمل وجهين :

أحدهما : ما ذكرنا ، أي : لا ترفع صوتك على الناس فتؤذيهم كما يؤذي الحمار ؛ فيكون صوتك عليهم كصوت الحمار.

أو يذكر هذا ؛ لأن الحمار إنما يصيح لحاجة لنفسه وشهوته ، وسائر الأشياء إذا صاحوا

٣٠٨

إنما يصيحون لحاجة أهلها ؛ فيذكر أنكم إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر لا تفعلوا لمنفعة أنفسكم أو لحاجتكم ؛ ولكن قوموا لله في ذلك أو لما ذكرنا.

أو خصّ صوت الحمير ؛ لأنه ليس من صوت إلا وفيه لذة ومعونة ، غير صوت الحمير ؛ فإنه ليس فيه لذة ولا منفعة.

أو ذكر ؛ لما قيل : إن أوله زفير وآخره شهيق ؛ فيشبه زفير أهل النار وشهيقهم.

وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ).

قال : المختال : المتكبر البطر.

وقال بعضهم : المختال : الخداع الغدار ، والفخور : يحتمل الذي يفتخر بكثرة المال ؛ أو لما لا يرى أحدا شكلا لنفسه.

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ)(٢٤)

وقوله : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ).

قوله : (أَلَمْ تَرَوْا) : قد ذكرنا أنه يخرج على وجهين :

أحدهما : على الخبر : أن قد رأوا وعلموا أنه سخر لهم ما ذكر.

والثاني : على الأمر ، أي : انظروا وروا : أنه سخر لكم ما في السموات وما في الأرض ؛ لينتفعوا بجميع ما يحتاجون إليه ، ويصلوا إلى مرادهم وحاجتهم وإلى قضاء وطرهم كيف شاءوا بما شاءوا.

أو أن يذكر قدرته وسلطانه : أن من ملك تسخير ما ذكر لنا ومكنا وأقدرنا على تدبير استعمال ما سخر لنا والانتفاع به ـ لقادر على البعث والإحياء بعد الموت ، وأنه لا يعجزه شيء.

أو أن يذكر حكمته وعلمه : أن مثل هذا التسخير لا يكون إلا بحكمته ، ولو لم يكن هنالك بعث وعاقبة ، لكان خلق الخلق وتسخير ما ذكر لعبا باطلا ، على ما ذكرنا في غير موضع.

وقوله : (ما فِي السَّماواتِ) : المسخر ما في السموات يحتمل : المطر والسحاب

٣٠٩

والشمس والقمر ، ونحوه مما جعل منافع السماء متصلة بمنافع الأرض ؛ حتى لا تقوم منافع الأرض إلا بمنافع السماء.

أو الملائكة ؛ لأنهم قد امتحنوا ببعض ما يقع بمنافع البشر ، والله أعلم.

وقوله : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً).

ذكر عن ابن عباس أنه قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : يا رسول الله ، ما هذه النعمة الظاهرة والباطنة؟ قال : «أما ما ظهر ـ يا ابن عباس ـ فالإسلام ، وما سوى من خلقك ، وما أسبغ عليكم من الرزق ، وأما ما بطن : ستر مساوي عملك فلم يفضحك بها» (١) ، فإن ثبت الخبر فلا تقع الحاجة إلى غيره ؛ فهو تأويل الآية ، وإلى هذا ذهب عامة أهل التأويل (٢).

وجائز أن يكون النعمة الظاهرة هو ما ظهر من الحسن والطهارة.

وأما النعمة الباطنة : ما ستر من الأنجاس والعيوب والأقذار ما لو ظهر ذلك لم يدن منه أحد ، لخبثه ونجاسته.

وبعضهم (٣) يقولون : الظاهرة باللسان ، والباطنة بالقلب.

وقال مجاهد : الظاهرة : الإسلام والرزق ، والباطنة : ما ستر من الذنوب والعيوب ، وهو قريب مما ذكر في الخبر المرفوع والله أعلم.

وقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ).

المجادلة في الله : يحتمل في توحيد الله ، أو في الرسالة أنه أرسل أو لم يرسل؟ أو في البعث : أيبعث أو لا يبعث؟ ونحوه ، أو يجادل في كتابه.

وقوله : (بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ).

أسباب العلم ثلاثة : العقل ، والسنة ، والكتاب :

يتفكر وينظر بالعقل ؛ فيعرف ، وبيان السنة والكتاب يبين ؛ فلم يكن مع الذين يجادلون رسول الله في الشيء من ذلك وخاصة أهل مكة : كانوا لا يؤمنون بالرسل والكتب ؛ فكأنه يقول : ومن الناس من يجادل في الله وهم يعلمون أنه ليس معه معقول ولا بيان من السنة والكتاب ، والله أعلم.

وقوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ).

__________________

(١) أخرجه ابن مردويه والبيهقي والديلمي وابن النجار ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٢٢).

(٢) منهم مقاتل والضحاك ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٢٢).

(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٨١٤٢) ، والفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٢٢) ، وهو قول مجاهد.

٣١٠

وقال في آية أخرى : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) [البقرة : ١٧٠] ، وقال في آية أخرى : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٣] ؛ كأنه يقول لرسول الله : أن قل لهم : تتبعون آباءكم وتقلدونهم ، وإن ظهر لكم وتبين أن الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير ، وأنهم من أصحاب السعير ، وتتبعون آثارهم مقتدين بهم وإن ظهر لكم وتبين أن الذي أدعوكم أنا إليه وجئتكم أهدى مما عليه آباؤكم ؛ إذ تتبعون آباءكم وإن ظهر وتبين أن آباءكم كانوا لا يعقلون شيئا ولا يهتدون؟!

حتى إن قالوا : نعم ، نتبعهم وإن كانوا كما ذكرت ـ فإنه يظهر ويبين عنادهم ومكابرتهم عند اتباعهم ؛ حيث ظهر الحق لهم فلم يتبعوا ، بل اتبعوا أهواءهم ويظهر كذبهم في قولهم : (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف : ٢٨] ، أو في قولهم : إن آباءهم على ما هم عليه ؛ بل في آبائهم من هو على خلاف ما هم عليه ونحوه.

وإن قالوا : لا نتبعهم إذا كانوا على ما ذكرت ؛ فعند ذلك يقترن ويثبت عندهم بالحجج والبرهان.

وفيه دلالة : أن أهل الفترة يعذبون ويؤاخذون بتركهم الدين والشرائع ؛ لأن هؤلاء الذين أخبر أنهم من أصحاب السعير هم أهل الفترة ما بين عيسى وبين محمد.

وأهل التأويل يقولون : أو [لو] كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير.

ومحمد بن إسحاق يقول : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) ، أي : لا تعرض بوجهك عن فقراء الناس ، أي : إذا كلموك و (مَرَحاً) ، أي : فخرا بالخيلاء والعظمة ، (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) ، أي : بطر ومرح ، فخور في نعم الله لا يأخذ بالشكر ، (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) : رويدا ، لا تختل في مشيك ولا تنظر حيث لا يحل ، (وَاغْضُضْ) ، أي : اخفض (مِنْ صَوْتِكَ) ، أي : من كلامك ، يأمر لقمان ابنه بالاقتصاد في المشي والمنطق ، ثم ضرب للصوت الرفيع مثلا فقال : (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) لشدة صوتهم.

وقوله : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ) : يعني : الشمس والقمر والنجوم والسحاب والرياح ، (وَما فِي الْأَرْضِ) ، أي : الجبال والأنهار والبحار فيها السفن والأشجار والنبت عاما بعام ، (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً) : تسوية الخلق والرزق والإسلام ، (وَباطِنَةً) ، أي : ما ستر من الذنوب من ابن آدم فلم يعلم بها أحد ولم يعاقب فيها ، فهذا كله من النعم ؛ فالحمد لله على ذلك حمدا كثيرا كما أصله.

وقال في قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) : في زعمه أن لله البنات ، أي : الملائكة ، (وَلا هُدىً) ، أي : لا بيان معه من الله بما يقول ، (وَلا كِتابٍ) : له فيه

٣١١

حجة.

وأصله ما ذكرنا : (يُجادِلُ فِي اللهِ) من الوجوه التي ذكرنا : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) من جهة العقل ، (وَلا هُدىً) أي : ولا بيان من جهة السنة ، (وَلا كِتابٍ) من الله فيه حجة له ، وأسباب العلم هذه ، فلم يكن له شيء مما ذكر ، وبالله العصمة.

قال أبو عوسجة : المرح : النشاط ، وهذا لا يكون إلا من الكبر ؛ لأنه يتبختر ، (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) ، أي : امش مشيا رفيقا ، (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) أي : ارفق لا تصوت صوتا شديدا ، وهذا ـ أيضا ـ من التبختر ، (وَأَسْبَغَ) ، أي : أوسع ، والسابغ : الواسع التام الطويل العريض.

وقال القتبي (١) : الأصعر : معرض الوجه ، [و] أنكر الأصوات : أقبحها ، عرفه قبح رفع الصوت في المخاطبة.

وقوله : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ).

يحتمل قوله : (وَجْهَهُ) ، أي : نفسه ؛ كأنه قال : ومن يسلم نفسه لله ، وجعلها سالمة له لم يجعل لأحد فيها شركا.

(وَهُوَ مُحْسِنٌ).

في عمله إلى نفسه ، أي : لا يستعملها إلا في طاعة الله ، وفيما أمر به ، فإذا فعل ذلك ، (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) ، أي : فقد استمسك بأوثق العرا وأثبتها ؛ على ما ذكر في آية أخرى : (لَا انْفِصامَ لَها) [البقرة : ٢٥٦] ، أي : فقد استمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ولا انقطاع ولا زوال ؛ لأنها ثبتت بالحجج والبراهين ، لا بالهوى ؛ فكل شيء ثبت بالحجة والبرهان ـ فهو ثابت ـ أبدا لا زوال له ولا انقطاع ، وكل شيء ثبت بالهوى ؛ فهو يزول وينقطع عن قريب ؛ لزوال الهوى.

وجائز أن يكون قوله : (وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) ، أي : يسلم وجه أمره لله ؛ فالوجه عبارة وكناية عن أمره ، أي : يسلم أمره إلى الله ويفوضه إليه.

أو يكون كناية عن نفسه ؛ فتأويله ما ذكر بدءا. وأهل التأويل يقولون : (يُسْلِمْ وَجْهَهُ) ، أي : دينه لله ، أي : يخلص دينه لله ، كقوله : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) أي : لكل أهل دين ومذهب ، والله أعلم.

وقوله : (وَهُوَ مُحْسِنٌ) يحتمل وجوها :

__________________

(١) انظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٤٤).

٣١٢

أحدها : ما ذكرنا : وهو محسن إلى نفسه في عمله : لا يستعملها إلا فيما أمر بالاستعمال فيه ، وهو طاعة الله لا يوقعها في المهالك.

أو هو محسن إلى الناس بالمعروف والبر.

أو محسن ، أي : عالم ؛ كما يقال : أحسن ، أي : علم.

وبعض أهل التأويل يقول : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) ، أي : أخلص عمله لله ، (وَهُوَ مُحْسِنٌ) ، أي : مؤمن ؛ كقوله : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) [طه : ١١٢] ، وهو قول ابن عباس ومقاتل ، يقول : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) ، أي : يخلص دينه لله ، (وَهُوَ مُحْسِنٌ) : في عمله ، (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ).

وقوله (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) : هو ما ذكرنا : أنه استمسك بأوثق العرا وأثبتها ؛ لأنه إنما ثبت بالحجة والبرهان لا بالهوى والتمني ، والله أعلم.

وقوله : (وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ).

هذا يخرج على وجوه :

أحدها : وإلى الله تدبير عاقبة الأمور وتقديرها ، لا إلى الخلق.

والثاني : إلى من له التدبير والتقدير يرجع عاقبة الأمور.

أو أن يخص رجوع عاقبة الأمور والمصير والرجوع إليه والبروز له والخروج ، وإن كانوا في جميع الأوقات كذلك ؛ لما ذكرنا ـ أن المقصود من خلق هذا العالم ـ العالم الثاني ، والمقصود من خلق الدنيا : الآخرة ؛ إذ به يصير حكمة وحقا ؛ فخص ذلك له وأضافه إليه لذلك.

أو يذكر ذلك ؛ لما لا ينازع في ذلك اليوم وقد نوزع في هذه ؛ ولذلك قال : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) [غافر : ١٦].

وقوله : (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ).

حزنا تتلف وتهلك فيه ، كقوله : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) ؛ فيخرج قوله : (فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) على التخفيف عليه والتسلي ، ليس على النهي ، وكذلك قوله : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨] على التخفيف عليه والتيسير ، ليس على ترك الإشفاق والحزن عليهم ؛ لأن رسول الله كادت نفسه تهلك ؛ إشفاقا عليهم وحزنا على كفرهم ؛ فيخرج ذلك على التخفيف عليه والتسلي.

والثاني : قوله : (فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) : لا يحزنك تكذيبه إياك ؛ فذكر كفره ؛ لأنه

٣١٣

بتكذيبه ما يصير كافرا وهو سبب كفره ؛ كقوله : (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ...) الآية [آل عمران : ١٧٦] : كان رسول الله يحزن ويهتم بتكذيبهم إياه فيما يقول ويخبر عن الله ، فيقول : لا يحزنك تكذيبهم إياك ؛ فإنهم إلينا يرجعون فنجزيهم ونكافئهم جزاء التكذيب (١).

والثالث : (فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) ، أي : فإن ضرر ذلك الكفر عليهم لا عليك ؛ كقوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ...) الآية [الأنعام : ٥٢] ، ونحوه من الآيات ، يخبر رسوله ألا يحزن على كفر من كفر ؛ فإن ضرر ذلك يلحقه ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا).

هذا وعيد ، أي : إلينا مرجعهم فننبئهم عما غفلوا عنه واختاروه في الدنيا ، فيحفظونه ويتذكرون ما عملوا.

أو أن يكون قوله : (فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) ، أي : نجزيهم ونكافئهم جزاء أعمالهم ومكافأتهم.

(إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).

أي : عالم بما كان منهم وما جزاؤهم ، والله أعلم.

وقوله : (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً).

أي : في الدنيا ؛ لأن متاع الدنيا قليل ، على ما وصفه : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) [النساء : ٧٧] ، أي : يتمتعون [و] يعمرون بذلك القليل.

(ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ).

يذكر هذا مقابل ما ذكر لأهل الجنة ؛ حيث قال : (خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) [الكهف : ١٠٨] ، فيخبر أن أهل النار يضطرون ويدفعون إلى النار ، لا أنهم يدخلونها اختيارا ؛ كقوله : (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) [الطور : ١٣].

وقوله : (غَلِيظٍ) جائز أن يكون كناية عن امتداده وطوله.

وجائز أن يكون كناية عن شدته وألمه أو جراحته ؛ كقوله : (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ ...) الآية [المؤمنون : ١٠٤].

وقيل : يغلظ عليهم العذاب لونا بعد لون ، والله أعلم.

__________________

(١) ثبت في حاشية أ : لكنه ذكر الكفر ، وأراد به التكذيب ؛ لأنه بتكذيبه ما يصير كافرا ، فيكون سبب كفره ؛ أو كفره سبب حامل له على تكذيبه ، فيجوز أن يذكر الكفر ، ويراد به التكذيب ، وهو كقوله : (فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ ...) إلخ. شرح.

٣١٤

قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٥) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦) وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧) ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)(٣٠)

وقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ).

أخبر رسوله أنك لو سألتهم من خلق السموات والأرض يقولون ذلك ويجيبونك : الله خلقهم. ثم يخرج قوله : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) على أثر إقرارهم له بالتوحيد له والتفرد بالخلق على وجهين :

أحدهما : أمر رسوله بالحمد له ؛ لما لا يحتاج إلى إقامة الحجة على وحدانية الله وربوبيته سوى إقرارهم ؛ إذ قد أقروا له بالوحدانية فيما ذكر ؛ فعلى ذلك يلزمهم ذلك في كل شيء ، دق أو جل ؛ فيقع الأمر بالحمد على ذلك.

أو يأمر رسوله بالحمد له ؛ لما أنجاه وخلصه وسلمه عما ابتلوا هم وفتنوا من التكذيب وعبادة الأصنام بعد إقرارهم بالوحدانية له والألوهية ؛ فحمده على إفضاله عليه ورحمته وعصمته له بين أولئك الكفرة.

على هذين الوجهين يخرج تأويل أمر الحمد على أثر ما ذكر ، والله أعلم. ويكون قوله : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) مقطوعا مفصولا من قوله : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) ؛ إذ لو لم يجعل مفصولا منه ، لخرج الأمر بالحمد له في الظاهر على ما لا يعلم أولئك ، وذلك لا يصلح.

ثم قوله : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) يخرج على وجوه :

أحدها : ما ذكرنا : أنه نفى عنهم العلم ؛ لما لم ينتفعوا به من نحو البصر والسمع واللسان ونحوه ؛ فعلى ذلك العلم.

والثاني : لا يعلمون ؛ لما تركوا النظر والتفكر في أسباب العلم.

أو أن يكون قوله : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) : أن عبادتهم الأصنام لا تقربهم إلى الله زلفى ولا تشفع لهم ؛ لأنهم إنما كانوا يعبدون الأصنام رجاء أن تزلفهم إلى الله ، ورجاء أن يكونوا لهم شفعاء عند الله بقولهم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] ، و (لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣].

٣١٥

أو أن يكونوا لم يعلموا بجزاء أعمالهم التي عملوها في الدنيا ـ في الآخرة ، والله أعلم.

وقوله : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).

كأنه يخبرهم ويذكر [هم] : أن ما يأمرهم به وينهاهم عنه ، وما يمتحنهم من جميع أنواع المحن لا لحاجة نفسه أو لدفع المضرة عن نفسه ؛ ولكن لحاجة أنفس الممتحنين ولمنفعتهم ولدفع المضرة عنهم ؛ إذ من بلغ ملكه وغناه وسلطانه المبلغ الذي ذكر حتى كان له جميع ما في السموات والأرض ـ لا يحتمل أن يأمر الخلق وينهى أو يمتحن لحاجة نفسه ؛ ولكن لحاجة الخلق في جر المنفعة ولدفع المضرة.

أو يذكرهم نعمه عليهم ؛ ليتأدى به شكره ، حيث سخر لهم ما ذكر من السموات والأرض وما فيهما ، وحقيقة ملك ذلك كله له.

وقوله : (إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) : الغني بذاته لا يعجزه شيء ، أو غني عمن استغنى عنه ، (الْحَمِيدُ) ، قيل : أهل أن يحمد ويشكر بذاته.

وقيل : حميد في فعاله وصنائعه ، ويكون الحميد بمعنى : الحامد ، ويكون بمعنى : المحمود ، والله أعلم.

وقوله : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) :

لا يحتمل أن يكون ذكر هذا الكلام ابتداء من غير أمر أو سؤال أو خطاب سبق من القوم حتى ذكر هذا ، لكنا ما نعلم ما سبب ذلك؟ وما قصته؟ وما أمره؟ حتى أنزل هذا ، لكن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ يقول : إن اليهود ـ أعداء الله ـ سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الروح وما هو؟ فنزل : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسراء : ٨٥] أي : من علم ربي ، لا علم لي به ، وتلا قوله : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٨٥] ، أي : يسيرا في علم الله ، فلما قرأ عليهم هذه الآية قالوا : كيف تزعم هذا وأنت تزعم أن من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ؛ فكيف يجتمع هذا : علم قليل وخير كثير؟! قال : فنزل (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ)(١) ، يقول : تبرى الشجرة أقلاما ، والبحر يمده سبعة أبحر ؛ فتكون كلها مدادا يكتب بها علم الله لانكسرت الأقلام ، ولنفذ المداد ولم ينفذ علم الله ، فما أعطاكم من العلم قليل فيما عنده من العلم كثير فيما عندكم ، إلى هذا يذهب أكثرهم.

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٢٨١٤٨) وابن إسحاق وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٣٢٢) ، وله شاهد من حديث ابن مسعود أخرجه ابن مردويه ، انظره في المصدر السابق.

٣١٦

ولكن غير هذا كأنه أشبه بسبب نزوله وذكره ، وهو يخرج على وجهين :

أحدهما : ما ذكرنا في قوله : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أنه بلغ ملكه وسلطانه ما لو صار ما ذكر من الأشجار كلها أقلاما والبحار كلها مدادا ، فكتب بها أسماء خلقه وملكه وسلطانه لنفذ ذلك كله ، ولم ينفذ خلقه ولم يبلغوا غاية ذلك.

أو ذكر هذا لهذا القرآن ؛ لقول كان من الكفرة في قلته في نفسه وصغر ما كتب هو فيه أن يقولوا : كيف يسع في هذا المقدار علم الكتب السالفة المتقدمة ، وهي أوقار وهو جزء؟! فيخبر ـ والله أعلم ـ : أنه جمع في هذا من المعاني والعلم والحكمة ما لو فسره وبين ما أودع فيه وضمنه ، ما لو جعل ما في الأرض من الشجر أقلاما والبحار مدادا ، فكتب ما أودع فيه وضمنه ـ لنفذ ذلك كله ولم ينفذ ما جمع فيه وضمنه ، هذا ـ والله أعلم ـ : يشبه أن يكون تأويله وسبب نزوله ، والله أعلم بذلك.

(إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

وقوله : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ).

قال بعضهم : ذكر هذا ؛ لأن نفرا من قريش قالوا للنبي : إن الله خلقنا أطوارا : نطفة ، علقة ، مضغة ، عظما ، لحما ، ثم تزعم أنا نبعث خلقا جديدا في ساعة واحدة؟! فقال الله ـ عزوجل ـ : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ) أيها الناس جميعا على الله في القدرة إلا كبعث نفس واحدة.

(إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) ، لقولهم الذي قالوه : إنا لا نبعث ، (بَصِيرٌ) ، بأمر الخلق والبعث.

وجائز أن يكون قال هذا ، لما قد أقروا ببعث نفس واحدة لما انتهى إليهم [من] الأخبار عما كان في الأمم السالفة من الإحياء بعد الممات وتواترت على ذلك ، من ذلك قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ) [البقرة : ٢٤٣] ، وكقولهم ـ حيث قالوا ـ : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً ...) الآية [النساء : ١٥٣] ، وكقوله : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) [البقرة : ٥٦] ، وقوله : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) [البقرة : ٢٥٩] فكأنهم أقروا ببعث هؤلاء لما تواترت عليهم الأخبار بذلك ، وأنكروا بعث سائرهم ؛ فقال : ما خلقكم ولا بعثكم جميعا إلا كبعث نفس واحدة : إذا ثبت لواحد ففي الكل كذلك.

أو أن يذكر هذا ؛ لأن الأسباب إنما تختلف في الأمور على الخلق وتعسر لخصال ثلاث : إما لعجز ، أو لجهل ، أو لشغل ، فإذا كان الله ـ سبحانه وتعالى ـ يتعالى عن أن يعجزه شيء ، أو يخفى عليه شيء ، أو يشغله شيء ؛ فصار خلق الكل عليه وبعث الكل كخلق نفس واحدة وكبعث نفس واحدة.

٣١٧

أو أن يذكر [هذا] ؛ لأن الواحد والكل والقليل والكثير [و] ما كان وما يكون تحت قوله : (كُنْ فَيَكُونُ) [البقرة : ١١٧] معبر بكن مترجم به من غير أن كان منه (كاف) أو (نون) ، لكنه ذكر (كُنْ) ؛ لأنه أوجز حرف في كلام العرب وأقصر كلام يترجم به من غير أن كان منه (كاف) أو (نون) ، والله أعلم.

وقوله : (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) : كأنه قد كان من أولئك من قول أو كلام في ذلك ؛ حتى قال : (سَمِيعٌ) لذلك ، (بَصِيرٌ) عالم لذلك.

أو بصير بأحوال الخلق وبأمورهم.

وقوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ).

يذكرهم قدرته وسلطانه وعلمه وتدبيره ، وفيه دلالة البعث.

أما قدرته : فلما أدخل الليل في النهار والنهار في الليل ، ثم حفظهما على حد واحد وعلى ميزان واحد ، على غير تفاوت يقع في ذلك ولا تغير ؛ فمن قدر على ذلك لا يعجزه شيء ولا يخفى عليه شيء ، وكذلك ما ذكر : من تسخير الشمس والقمر ، وما يقطعان في يوم واحد وليلة واحدة ـ مسيرة خمسمائة عام ما لا يتصور ذلك في أوهام الخلق ولا في تقديرهم قطع ذلك المقدار من المسير في مثل تلك المدة.

ودل إنشاء أحدهما وإحداثه بعد ما ذهب الآخر برمته وكليته حتى لا يبقى له أثر ـ على أنه قادر على الإحياء بعد الموت وبعد ما ذهب أثره ؛ ففي ذلك دلائل من وجوه :

أحدها : دلالة قدرته ؛ حيث أدخل أحدهما في الآخر ، وحفظهما كذلك على حد واحد وتقدير واحد ، على غير تغيير وتفاوت يقع في ذلك ؛ دل ذلك على قدرته وعلمه وتدبيره.

ودل إنشاء كل واحد منهما بعد ما ذهب الآخر على القدرة على البعث.

وقوله : (كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى).

إلى الوقت الذي جعل له ، لا يتقدم ولا يتأخر.

(وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ، ظاهرا وباطنا هذا وعيد ؛ ليكونوا أبدا خائفين حذرين متيقظين ، والله أعلم.

وقوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ).

أي : ذلك الذي ذكر من خلق الخلق وإنشاء ما ذكر وتسخيره لمن ذلك ، وصنعه في الليل والنهار والشمس والقمر وجميع ما ذكر هو صنع الإله الحق المستحق لتسمية

٣١٨

الألوهية والعبادة.

(وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) ، من الأصنام مبطلون غير مستحقين تسمية الألوهية والعبادة.

أو هو الحق ؛ لأنه هو الذي يسوق إليكم هذه النعم والمنافع ، (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ) : لا ينفعكم عبادتكم إياها.

(وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ).

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٣٣) إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(٣٤)

وقوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ).

وقال في موضع آخر : (وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) [يونس : ٢٢] ، قوله : (ريح طيبة) ـ هي النعمة التي ذكر في هذه الآية.

وقوله : (تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ) ـ يحتمل وجهين :

أحدهما : لما جعل لهم الفلك بحيث تجري على وجه الماء مع أحمال ثقيلة ، ومن طبعها التسرب في الماء والانحدار فيه ، فجعلها بحيث تستمسك على وجه الماء وتجري ؛ ليصلوا إلى حوائجهم ومنافعهم في أمكنة متباعدة ممتنعة : ما لو لا السفن لم يصلوا إلى ذلك بحال.

والثاني : ما ذكر فيه من الريح الطيبة التي بها تجري السفن في البحار ، وماؤها راكد ساكن ؛ فتعمل تلك الريح الطيبة عمل جريان الماء وسكونه ، وذلك نعمته ، والله أعلم.

وقوله : (لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ).

يحتمل آيات وحدانيته وآيات قدرته وسلطانه ، وآيات نعمته : أما آيات نعمته ، فما ذكر ، وآيات قدرته وسلطانه : ما ذكرنا : أنه من قدرته وسلطانه أن جعل الفلك والسفن في البحار بحيث تستمسك وتحتبس ، ولا تتسرب ولا تنحدر مع أحمال ثقيلة ، ومن طبع ذلك

٣١٩

كله التسرب والانحدار ، وما ذكر من إجرائها بالريح الطيبة ، ولو كان فعل عدد لا فعل واحد لكان يمنع عن جريها ، دل أنه تدبير واحد لا عدد.

وقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ).

جائز أن يكون الصبار هو المؤمن ، والشكور كذلك ، الصبر كناية عن الإيمان ، والشكر كناية عن الإيمان ؛ كقوله : (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [هود : ١١] ذكر الصبر مكان قوله : (آمَنُوا) ؛ لأنه ذكر في آية أخرى : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [الشعراء : ٢٢٧] ، والشكر كناية عن الإيمان ؛ كقوله : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر : ٧] ، وقوله : (تَشْكُرُوا) ، أي : تؤمنوا.

ويحتمل : (صَبَّارٍ) على بلاياه ، و (شَكُورٍ) على نعمائه.

أو جعل الآيات لمن ذكر ؛ لأنه هو المنتفع بها دون غيرهم.

أو (صَبَّارٍ) فيما أصابهم في البحر من الشدائد والأهوال ، و (شَكُورٍ) فيما دفع عنهم وأنجاهم من تلك الأهوال ، والله أعلم.

وقوله : (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ).

قال بعضهم : (كَالظُّلَلِ) ، أي : كالظلل : هو سواد من كثرة الماء ومعظمه.

وقيل : يصير الموج كالظلمة فوق السفينة.

وجائز أن يكون الظلل التي ذكر على التمثيل لا على التحقيق ؛ كناية عن حيرتهم في الدين ، كقوله : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) [النور : ٤٠] ، وهو على المثال لا على التحقيق ، يخبر عن حيرتهم في الدين وتيههم فيه ؛ فعلى ذلك الأول.

ثم يذكر أهل التأويل أن الآية في أهل الكفر : كانوا يخلصون الدعاء لله والدين له : عند ما اشتد بهم الخوف على الهلاك عند معاينتهم الأهوال والشدائد في البحار ؛ لأن أهل الإسلام يخلصون له الدعاء والدين في الأحوال كلها فهي فيهم.

وقوله : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ).

قال بعضهم : (١) (مُقْتَصِدٌ) ، أي : حسن القول بلسانه كافر بقلبه.

وقال بعضهم (٢) : (فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) ، أي : عدل ، أي : بقي على الإيمان والإخلاص

__________________

(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٨١٥٨) ، والفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٢٤).

(٢) قاله البغوي (٣ / ٤٩٥).

٣٢٠