تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٨

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٨

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٧١٩

في ضيق بمكة من إظهار الإيمان بها فإن أرض المدينة واسعة فإياي فاعبدون بها علانية ، ثم خوف بالموت ؛ ليهاجروا ، فقال : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) في الآخرة ، ثم نعتهم فقال : الذين صبروا على الهجرة وبالله يثقون في هجرتهم ، وذلك أن أحدهم كان يقول بمكة : كيف أهاجر إلى المدينة وليس لي بها مال ولا معيشة ، فوعظهم بما ذكر.

وقوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ) من الناس من يجعل الآية صلة قوله : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ) أنهم أمروا بالهجرة من بلدتهم والخروج من مقامهم ؛ ليسلم لهم دينهم ؛ فاشتد ذلك عليهم ، وضاق بذلك ذرعهم ؛ لضيق العيش هناك لما لم يتهيأ لهم ولا يتأدى لهم حمل أموالهم ، والمكاسب التي بها يتعيشون في بلدهم ويتسعون بها ، فأخبر أن له خلائق يرزقهم حيثما توجهوا وحيثما كانوا لا يحملون معهم شيئا من الرزق ؛ بل يرزقهم حيثما كانوا ابتداء ؛ فعلى ذلك هو يرزقكم حيثما كنتم حملتم مع أنفسكم شيئا من الأموال والمكاسب أو لم تحملوا ، فلا يضيقن صدركم بترككم الأموال والمكاسب في بلدكم.

وجائز أن يكون لا على الصلة بما تقدم ، ولكن على ابتداء تذكير وتنبيه للبشر وبغير سبب ؛ إذ قد يرزق ويبسط من ليس له من الأسباب شيء نحو ما ذكر من رزقه الطير والدواب ، وغير ذلك من البشر الذين يرزقون بلا أسباب ومكاسب ؛ ولذلك ذكر ـ والله أعلم ـ على إثر ذلك (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) يبسط لمن يشاء وإن لم يكن له سبب ويقدر على من يشاء ، وإن كان معه سبب ؛ لئلا يعلقوا قلوبهم في الرزق في الأسباب والمكاسب.

وعلى قول المعتزلة : إن الله لا يقدر أن يبسط الرزق لمن يشاء ؛ لأنهم لا يجعلون لله في الأسباب والمكاسب صنعا ، وإنما يجعلون منه خلق أصول الأشياء من الإنبات والإخراج من الأرض ، وأما غير ذلك فهو كله للخلق على قولهم ، فذلك النبات والخارج منها للكل ليس بعضهم بذلك أولى من بعض ، فتذهب فائدة ما ذكر من البسط والتوسيع والتقتير على قولهم.

وقوله : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) على إثر ما ذكر يخرج على وجوه :

أحدها : المجيب لكل ما يدعون ويسألون ، العليم بحوائجهم ؛ حيث كانوا وأين كانوا.

أو السميع لقولهم : إنا لا نجد ما ننفق ونتعيش ، العليم بما أضمروا ونحوه.

قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٢) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ

٢٤١

نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٦٣) وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)(٦٤)

وقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) إنهم أعطوا جميعا بألسنتهم : أن الذي خلق السموات والأرض ، وما سخر لهم من الشمس والقمر ، وما نزل من السماء من الماء ، وما أحيا به الأرض ـ هو الله لا غيره ، فيخرج قوله : (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) على أثر ما أعطوا بألسنتهم ونطقوا به على وجهين :

أحدهما : أنّي يصرفون عما أعطوا بألسنتهم ونطقوا به إلى صرف الشكر والعبادة إلى الأصنام التي يعلمون أنها لم تخلق شيئا مما أعطوا بألسنتهم.

والثاني : (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي : في تسميتهم الأصنام : آلهة على علم منهم أنها ليست بآلهة ، والله أعلم.

وقوله : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) على أثر ما ذكر يخرج على وجوه :

أحدها : أمره أن يحمد ربه فيما لم يبل بما بلي به أولئك من التكذيب والعناد والكفر بربهم.

والثاني : أمره أن يحمد ربّه ؛ لما في ذلك إظهار سفههم ؛ حيث أعطوا باللسان أن ذلك كله من الله ، والله خالق ذلك كله ، ثم صرفوا ذلك إلى غيره.

والثالث : يقول بعضهم : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) على إقرارهم بذلك أنه خلق لله ، وأن ذلك كله منه ، والله أعلم.

وقوله : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) يحتمل قوله : (لا يَعْقِلُونَ) أي : لا ينتفعون بعقولهم ؛ نفى عنهم العقول ؛ لما لم ينتفعوا بها ، كما نفى عنهم السمع والبصر واللسان لما لم ينتفعوا بتلك الحواس ؛ فعلى ذلك هذا.

والثاني : لم يعقلوا لما تركوا النظر والتفكر في الأسباب التي بها تعقل الأشياء ، والله أعلم.

وقوله : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) وقوله : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) لو كان الأمر على ظاهر ما نطق به الكتاب دون معان تودع فيه وحكمة تجعل فيه على ما يحمله بعض الناس ـ لكان لأهل الإلحاد في ذلك مطعن ؛ لأنه يقول : ما الحياة إلا لهو ولعب وهو خلقها ، فيقولون : لم خلقها لهوا ولعبا وهو خلقها؟ ولهم دعوى التناقض فيه ؛ حيث قال : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) وقال في آية أخرى : (وَما

٢٤٢

خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) [الأنبياء : ١٦] فلو جمع بين هذا وبين الأول فهو في الظاهر متناقض ؛ إن يذكر في بعضها : أنه لم يخلقهما وما بينهما باطلا لعبا ، ويذكر في بعضها : أن الحياة الدنيا لهو ولعب ، وهو خلقها.

لكن تأويل قوله : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا) على ما تقدرون أنتم وعلى ما عندكم (إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) ، فأما عند أهل التوحيد وما في تقديرهم فهي حكمة وحق.

ثم ما ذكر من اللهو واللعب عندهم يخرج على وجهين :

أحدهما : أنهم رأوا أنه خلق الإنسان وجعل بدأه من نطفة ، ثم حولها إلى علقة ، ثم إلى مضغة ، ثم إلى الإنسان الذي صور ... إلى آخر ما حوله ؛ فلا يحتمل أن يخلقه ويحوّله من حال إلى الأحوال التي ذكر ، ثم يفنيه بلا عاقبة تجعل لهم ، ولا منفعة ؛ فيكون كما ذكر : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً) [النحل : ٩٢] صيّر نقضها الغزل من بعد إحكامها إيّاه بلا انتفاع به لهوا ولعبا ؛ فعلى ذلك خلق الحياة الدنيا ، وخلق ما فيها من العالم بعد إحكامه وتحويله حالا بعد حال ، وتحويلا بعد تحويل ، وإحكاما بعد إحكام للفناء خاصة على ما يقدر أولئك الكفرة بلا عاقبة تجعل لهم أو منفعة ـ لهو ولعب وسفه وباطل ؛ على ما ظن أولئك وقدروه ، فأما في تقدير أهل التوحيد وأهل الإيمان من العاقبة لهم فهو حكمة وحق.

والثاني : معنى اللهو واللعب الذي ذكر على ما عندهم هو أن الجمع والتسوية بين العدو والولي وبين العاصي والمطيع وبين المخالف والموافق ـ سفه باطل ، وقد سوى بينهم في هذه الدنيا ، وأشركهم جميعا في نعيمها وسعتها وشدتها ، وخيرها وشرها ، يتمتع الولي فيها كما يتمتع العدوّ ، ويبتلى فيها المطيع كما يبتلى العاصي ، فلو لم يكن دار أخرى فيها يفرق بين الولي والعدو ، وبين المطيع والعاصي لكان خلقه إياهم في الحياة الدنيا سفها وباطلا ؛ إذ سوى بينهم وأشركهم جميعا في هذه.

أو أن تكون الحياة الدنيا ـ على ما اتخذوها هم وعملوا فيها ـ لهوا ولعبا.

أو أن يقال : الحياة الدنيا بحياة الآخرة لهو ولعب ؛ لأنها خلقت فانية منقطعة ، وخلقت حياة الآخرة باقية دائمة ، فهو كما قال : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ) [النساء : ٧٧] أي : متاع الدنيا قليل عند متاع الآخرة ؛ لأن متاع الدنيا فإن منقطع ، ومتاع الآخرة دائم باق.

وقوله : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) أي : هي دار الحياة ، لا موت فيها ، ولا انقطاع ، ولا فناء (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أن الدار الآخرة هي الدار التي لا موت فيها ، والله أعلم.

٢٤٣

قوله تعالى : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ (٦٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٦٨) وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)(٦٩)

وقوله : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) الآية ، على المعتزلة في قولهم : إن على الله الأصلح لهم في الدين ؛ لأنه أخبر أنهم أخلصوا الدين لله إذا ركبوا في الفلك ، ولا شك أن ذلك أصلح في الدين ، فلما لم يبقهم على تلك الحال ليكونوا على ذلك الإخلاص ؛ بل أخرجهم منها فعادوا إلى ما كانوا فدل ذلك أن ليس عليه حفظ الأصلح لهم في الدين.

وقوله : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ. لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) قوله : (لِيَكْفُرُوا) أي : أنجاهم ليكونوا على ما علم منهم أنهم يكونون ، وقد علم أنه يكون منهم الكفر ، فأنجاهم إلى البر ؛ ليكون منهم ما قد علم أنه يكون ويختارون ، وكأن إخلاصهم الدعاء في الفلك لم يكن إخلاص اختيار ، ولكن إخلاص دفع البلاء عن أنفسهم ؛ إذ لو كان ذلك إخلاص اختيار ، لا دفع البلاء لكانوا لا يتركون ذلك في الأحوال كلها ، فهذه الآية وإن كانت في أهل الكفر ، ففي ذلك ـ أيضا ـ توبيخ لأهل الإسلام ؛ لأنهم لا يقومون بالشكر لله وإخلاص العبادة له في حال السعة والنعمة كما يكونون في حال الضيق والشدة ، فينبههم ليكونوا في الأحوال كلها مخلصين العمل لله شاكرين له ؛ لئلا يكون عملهم على حرف وجهة كعمل أهل النفاق ، وكعمل أولئك الكفرة ، والله أعلم.

وقوله : (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) قيل : يكذبون.

وقيل (١) : يعدلون.

وقيل : يؤفكون : يؤفنون ويحمقون ، والمأفون : الأحمق ، والأفن : الحمق (٢).

وقوله : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) أي : سوف يعلمون صدقي في قولي ، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه كما عادوا إلى ما كانوا عليه إذ أنجاهم من الأهوال التي ابتلوا بها ؛ أي : سوف يعلمون ما أوعدهم الرسل.

__________________

(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٧٨٥٦).

(٢) ثبت في حاشية أ : والأفن ـ بفتح الفاء ـ : ضعفة الرأي. شرح.

٢٤٤

وفي قولهم : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) وجه آخر : وهو أن يقال : ما هذه المحاسن والأعمال [التي] تعملون وتعدون محاسن وصلاحا في هذه الدنيا إلا لهو ولعب ؛ لما لا تبقى ولا تنتفعون بها إلا ما ابتغي بها وجه الله والدار الآخرة ، وهو ما قال : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) أي : هي الباقية الدائمة (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ).

وقوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) قد ذكرنا في غير موضع : أن الاستفهام من الله يخرج مخرج الإلزام والإيجاب ، أو يخرج مخرج الخبر ، لا على حقيقة الاستفهام ؛ لأنه عالم بذاته ، يعلم ما في باطنهم وظاهرهم ، وما يسرون وما يعلنون ، بما كان ويكون ، لا يستفهم عباده شيئا ، ولكنه يخرج على ما ذكرنا على الخبر ، أو على الإلزام والإيجاب ؛ فالخبر كأنه يقول : قد رأوا وعلموا أن الله جعل الحرم مأمنا لهم يأمنون فيه ، وكان الناس حولهم يتخطفون ويخافون ، والإلزام والإيجاب أن يقول لهم : اعلموا أن الله جعل لكم الحرم مأمنا تأمنون فيه والناس من حولكم على خوف يسلبون ويسبون ويقتلون.

ثم يخرج تذكيره إياهم هذا على وجهين :

أحدهما : أن الله قد جعل لكم الحرم مأمنا تأمنون فيه ؛ لتعظيمكم حرم الله وبيته ، والناس حولكم على خوف ، وأنتم تشاركون من حولكم في الدين ، فكيف تخافون الاختطاف والاستلاب إذا دنتم بدينه واتبعتم رسوله ، فإذا آمنكم بكونكم في حرم الله وتعظيمكم بيته ، ودفع عنكم الاستلاب والاختطاف ، فكيف تخافون ذلك إذا دنتم بدينه واتبعتم أمره؟! بل الأمن والسعة إذا دنتم بدينه واتبعتم أمره أكثر وأحق ؛ فكأنهم إنما تركوا اتباع دينه خوفا من الاختطاف ؛ كقولهم : (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) فقال لهم : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) [القصص : ٥٧].

أو يذكر هذا لهم : أنه قد أمنكم وصرف عنكم مع عبادتكم الأصنام وصرفكم الشكر إليها عند كل مكروه وسوء بكونكم في مجاورة بيته وحرمه ، فإذا صرفتم العبادة إليه وشكرتم نعمه ـ أحق أن يؤمنكم ويوسع عليكم نعمه ويدفع عنكم ما لم يدفع عمن حولكم ، وأنتم شركاؤهم في عبادة الأصنام واتخاذهم إياها آلهة.

على هذا يخرج ، والله أعلم.

وقوله : (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) يحتمل قوله : (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) أي : بما أوحى إليكم إبليس من الباطل تؤمنون ، وهو ما أوحى إليهم : أن هؤلاء شفعاؤكم عند الله وعبادتكم إياها تقربكم إلى الله زلفى ؛ كقوله : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ ...) الآية [الأنعام : ١٢١].

٢٤٥

وقوله : (وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ) أي : بما أوحى إليكم محمد من الله تكفرون.

أو أن يكون قوله : (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) أي : بالشرك يؤمنون (وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ) أي : بتوحيد الله يكفرون.

أو أن تكون النعمة ـ هاهنا ـ هي القرآن ، أو ما ذكرنا ، وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) قد ذكرنا أن حرف الاستفهام من الله يخرج على وجهين : على الخبر مرة ، وعلى الإيجاب تارة والإلزام : [أي] : اعلموا أن ليس أحد من المفترين أظلم ممن افترى على الله.

وعلى الخبر : أي : قد علمتم أن ليس أحد من المفترين أظلم ممن افترى على الله ؛ إذ قد عرفتم بعقولكم قبح الافتراء والكذب فيما بينكم ، فلا كذب ولا افتراء أوحش أو أقبح من الافتراء على الله ، فكيف افتريتم عليه وهو أوحش وأقبح؟!.

وقوله : (أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِ) يحتمل : (كَذَّبَ بِالْحَقِ) برسول الله ، أو بالقرآن الذي عجزوا عن إتيان مثله ، أو بالتوحيد ، أو كذب بالحق الذي ظهر حقه وصدقه لما جاءه.

وقوله : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) كأنه يقول : اعلم أن جهنم مثوى للكافرين ؛ يذكره على التصبّر على أذاهم ، والتسلي له بما كان يضيق صدره لمكان تركهم الإيمان والإياس منهم.

وقوله : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) يشبه أن يكون هذا صلة قوله : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) أي : ليس من أجهد نفسه في طلب الدنيا والعمل لها إلا لهوا ولعبا ، وأما من أجهد نفسه لله وطلب مرضاته فهو حق وله دار الحياة التي لا موت فيها ولا انقطاع.

ويشبه أن يكون على الابتداء لا على الصلة بالأول ؛ يقول : والذين جاهدوا أنفسهم في هواها وشهواتها وأمانيها حقيقة ابتغاء مرضات الله وطلب الهداية والدين وسبيله (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) ذكر السبل ـ هاهنا ـ لما سبق ذكر الجماعة ، يقول : الذين جاهدوا فينا لنهدينهم كلا سبيلا فيكون سبلا للكل ، وأما قوله : (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) أن السبل على الإطلاق على غير تقدم ذكر من الهدى ، أو شيء من الإضافة إلى الله ـ هي سبل الشيطان ، والله أعلم.

وقوله : (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) يحتمل قوله : (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) في التوفيق لهم في الإحسان والأعمال الصالحة.

أو مع المحسنين في النصر لهم والمعونة لهم مع أعدائهم.

أو مع المحسنين يحفظهم ويتولاهم.

٢٤٦

ثم لم يفهم أحد من الخلق من قوله : (لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) و (مَعَ الْمُتَّقِينَ) ما يفهم من الخلق وذوي الأجسام والجثات ، فكيف فهم بعض الناس من قوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الأعراف : ١٣٧] و (وَجاءَ رَبُّكَ) [الفجر : ٢٢] و (يَأْتِيَهُمُ اللهُ) [البقرة : ٢١٠] في كذا ما يفهم من استواء الخلق ومجيئهم وإتيانهم؟! ليعلم أن فهم ذلك على ما يفهم من الخلق بعيد محال ، والله أعلم بالصواب.

* * *

٢٤٧

سورة الروم كلها مكية وهي ستون آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى : (الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ)(٤) بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (٧)

قوله ـ عزوجل ـ : (الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) وفي بعض القراءات : (غُلِبَتِ الرُّومُ) بفتح الغين على المستقبل.

يذكر أهل التأويل : أنه إنما يذكر هذا ؛ لأن المشركين كانوا يجادلون وهم بمكة ، يقولون : إن الروم أهل الكتاب وقد غلبتهم المجوس ، وأنتم تزعمون أنكم ستغلبون بالكتاب الذي أنزل على نبيكم فسنغلبكم كما غلبت فارس الروم ، فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآية : (الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ...) الآية ، لكن يذكر في آخره : (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ) ؛ فلا يحتمل فرح المؤمنين بغلبة الروم على فارس ، ويسمى ذلك : نصر الله وهم كفار ، وغلبتهم عليهم معصية ، اللهم إلا أن يكون فرحهم بما يظهر الإيمان بكتب الله وتصديقها والعمل بها ، وهم كانوا أهل كتاب ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان بعث مصدقا بكتب الله وبرسله أجمع ، ففرحوا بذلك ، فإن كان كذلك فجائز الفرح بذلك وتسميته (١) نصر الله.

وأما على الوجه الذي يقولون هم فلا.

وعندنا : أن في ذلك آية عظيمة في إثبات رسالة نبينا محمد ـ صلوات الله عليه ـ ونبوته وصدقه ما لم يجد الكفار فيه مطعنا ، ولا النسبة إلى الكذب والافتراء ، على ما قالوا وطعنوا في سائر الآيات والأنباء ، كقولهم : (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) [النحل : ١٠٣] ونحو ذلك من المطاعن التي طعنوا في القرآن والأنباء المتقدمة ؛ حيث قالوا : (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [الأنعام : ٢٥] (ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً) [سبأ : ٤٣] مثلها لم يجدوا فيما أخبر من غلبة الروم على فارس ؛ لأنه أخبر عن غلبة ستكون وستحدث لا عن غلبة قد كانت ،

__________________

(١) ثبت في حاشية أ : فلا يوصف ذلك بالنصر والظفر ، وإنما نوع جولة ودولة ، فأما النصر والظفر ، فإنما يطلق على غلبة المؤمنين ، إلا أن يقال : إنما يكون فرحهم بغلبة الروم العجم ، لا لعينها ، ولكن لما في ذلك من إظهار الإيمان بكتب الله تعالى. شرح.

٢٤٨

ومثل هذا لا يدركه البشر ولا يستفاد منهم ؛ إذ لا يبلغه علم البشر ولا يدرك بالقياس بالسابق من الأمور ، فإذا كان على ما أخبر دل أنه بالله علم ذلك ، وبوحي منه إليه عرف ذلك.

وهم جائز أن يستدلوا بما كان من قبل من غلبة فارس على الروم أن يقولوا : تغلب فارس على الروم بما شاهدوه مرة أو بوجوه أخر يستدلون بذلك ؛ من نحو أن يقولوا : إنهم أهل كتاب وعبادة يكونون مشاغيل بالنظر فيها والعمل ببعض ما فيها لا يتفرغون للقتال والحرب.

أو أن يقولوا : إنهم نصارى ـ أعني : أهل الروم ـ وليس في سنتهم ومذهبهم القتال والحرب ، فيستدلون بمثل هذه الوجوه على أن لا غلبة تكون لهم ولا ظفر.

وأمّا أهل الإسلام ليس لهم شيء من تلك الوجوه ولا بغيرها وجه الاستدلال بغلبة أولئك ، فما قالوا ذلك إلا وحيا من الله إليه وإعلاما منه إياه ، فكان في ذلك أعظم آية لصدق رسوله وأكبرها فيكون فرح المؤمنين وذكر نصر الله بإظهار تلك الآية في تصديق رسوله ؛ إذ نصر رسوله حيث أظهر صدقه ورسالته.

وقوله : (غُلِبَتِ) و (غُلِبَتِ) : (غُلِبَتِ) على الماضي ؛ لما كان من غلبة فارس على الروم ، و (غُلِبَتِ) بالفتح على المستقبل ؛ أي : تغلب الروم على فارس ، وهو كقوله : (فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) [سبأ : ١٩] على الأمر في المستقبل ، (باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) على الخبر ، فعلى ذلك الأول.

وقوله : (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) قيل : أقرب إلى أرض فارس.

وقال بعضهم (١) : (أَدْنَى الْأَرْضِ) أي : أدنى أرض الشام.

وقيل (٢) : الأرض التي تلي فارس ، والله أعلم.

وفي قوله : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) وفي قوله : (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) وجوه على المعتزلة :

أحدها : يقال لهم : وعد أن يغلب الروم على فارس ، وقد أراد أن يخرج ما وعد حقّا صدقا أم لا؟ فإن قالوا : لا ، فقد أعظموا القول وأفحشوه ؛ حيث زعموا أنه أراد ألا يفي بما وعد أنه يكون.

وإن قالوا : نعم ، قيل : دل أنه أراد ما فعلوا ، وإن كان الفعل منهم فعل معصية

__________________

(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٧٨٨٣) ، وابن عبد الحكم في فتوح مصر وابن المنذر كما ، في الدر المنثور (٥ / ٢٩١).

(٢) قاله ابن جرير (١٠ / ١٦٧).

٢٤٩

وخلاف ؛ إذ محاربة كل فريق أصحابهم معصية ؛ إذ لم يؤمروا بذلك ، وإنما أمروا بالإسلام ، فدل أن الله مريد لما يعلم أنه يكون منهم ، وإن كان ما يكون منهم معصية.

والثاني : ما أخبر بفرح المؤمنين بغلبة هؤلاء على أولئك أيّ جهة كان فرحهم لإثبات آية عظيمة على رسالة نبيهم ونبوته ؛ على ما ذكرنا أولا أنهم كانوا أهل كتب الله ودراستها أحبوا غلبتهم عليهم ، وفرحوا بذلك ، ولا يحتمل أن يفرحوا بذلك ولم يأمرهم بذلك ، ولا أراد منهم ذلك دل أنهم إنما فرحوا بذلك لما أراد ذلك (١).

والثالث : في قوله : (بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ) دلالة : أن لله في فعل العباد صنعا وتدبيرا حيث ذكر فعل بعضهم على بعض ، ثم سمّى : نصر الله ؛ دل أن له في ذلك تدبيرا.

وقوله : (فِي بِضْعِ سِنِينَ) قيل (٢) : البضع : سبع.

وقيل : ما دون العشر فهو بضع ، وكذلك ذكر في الخبر أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ لما خاطر المشركين وبايعهم في ذلك بخطر في سنين ذكرها ، فمضت تلك المدة ولم تغلب الروم على فارس ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي بكر : «أما علمت أن ما دون العشر بضع كله ، فزد في الأجل ، وزد في الخطر» ، ففعل ذلك ، فلم تمض تلك السنون حتى ظهرت الروم على فارس (٣).

وفي بعض الحديث قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لم تكونوا أن تؤجلوا أجلا دون العشر ؛ فإن البضع ما بين الثلاث إلى العشر ، فزيدوهم ومادوهم في الأجل» (٤) ففعلوا حتى ظهرت الروم على فارس ... فذكر الحديث.

ثم المسألة في المخاطرة التي كانت بين أبي بكر وبين أولئك الكفرة :

أحدها : أن مكة كانت يومئذ دار حرب ؛ دليله : قوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) الآية [الأنفال : ٣٠] ، وذلك كان قبل الهجرة ، وما أمر بالهجرة ـ أيضا ـ إلى المدينة ، ونحوه كثير ، وذلك كان كله قبل غلبة الروم على فارس ، فإذا كانت مكة يومئذ دار حرب

__________________

(١) ثبت في حاشية أ : في الإرادة : إنه مريد الخير والشر ، فإنه وعد أن تغلب الروم على فارس بقوله : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) ، ما قولكم : إنه هل أراد أن يخرج؟ شرح.

(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن عبد الحكم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٢٩١).

(٣) أخرجه أحمد والترمذي وحسنه ، والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير والحاكم وصححه ، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والضياء عن ابن عباس ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٨٨).

(٤) أخرجه ابن جرير (٢٧٨٧٤) ، وابن أبي حاتم والبيهقي عن قتادة ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٩٠) ، وله شواهد أخرى.

٢٥٠

جازت المخاطرة في العقول في دار الحرب فيما بينهم وبين أهل الحرب ، وإن كان مثلها في دار الإسلام غير جائز ، وهذا يدل لأبي حنيفة ـ رحمه‌الله ـ في إجازته عقد الربا في دار الحرب فيما بينهم وبين أهل الإسلام ، وإن كان مثله في دار الإسلام غير جائز.

والثاني : جاز ذلك يومئذ وإن كانت فيه جهالة أسنان الإبل ، والجهالة في العقود إنما تبطل العقود ، لخوف وقوع التنازع بينهم في الدين ، فأما في الأموال فقلما يقع ؛ لما ذكرنا.

ومنهم من يقول : كان جائزا ذلك في الجاهلية ، فأمّا اليوم فقد جاء النهي عن القمار فنسخه ، وإنما عرف النهي عن الميسر ، والميسر هو القمار ؛ فيكون النهي عن الشيء نهيا عما هو في معناه ، والله أعلم.

وقوله : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ).

قال بعضهم (١) : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ) غلبة فارس الروم (وَمِنْ بَعْدُ) غلبة الروم فارس.

ويقال : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ) حين ظهرت فارس على الروم (وَمِنْ بَعْدُ) ما ظهرت الروم على فارس.

وجائز أن يكون قوله : (لِلَّهِ الْأَمْرُ) في خلقه ؛ أي : التدبير فيه ، وله الأمر فيهم ؛ أي : ليس لأحد في الخلق أمر ولا تدبير ، وإنما ذلك له ؛ كقوله : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) : له التدبير فيهم والأمر.

وفي قراءة من قرأ (غُلِبَتِ الرُّومُ) بالنصب (٢) يكون قوله : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) حين تظاهر عليهم المسلمون في آخر الزمان حين تفتح قسطنطينية.

وفي حرف ابن مسعود وحفصة : في بعض سنين قريبا.

وقوله : (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ) فرح المؤمنين بنصر الله حيث نصر رسوله بإظهار الآية له في إثبات الرسالة والنبوة وصدقه ، وذلك النصر له ، وما يقول بعض أهل التأويل : نصر الروم على فارس ـ بعيد ؛ لأن ما كان الفعل فعل معصية لا يقال : نصر الله ، وإنما يقال ذلك فيما كان الفعل فعل طاعة ، والوجه فيه ما ذكرنا : أنه نصر رسوله بما ذكرنا.

وقوله : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) ذكر العزيز على إثر ما سبق ؛ لأنه عزيز بذاته ، فهلاك من هلك من عبيده لا يوجب وهنا ولا نقصا في ملكه وسلطانه ، ليس كهلاك بعض عبيد

__________________

(١) قاله ابن جريج ، أخرجه ابن جرير (٢٧٨٨٥).

(٢) ينظر : اللباب (١٥ / ٣٨٢).

٢٥١

ملوك الأرض وأتباعه وحشمه ؛ لأن ملوك الأرض أعزاء بهم ، فإذا هلك ذلك ذهب عزهم ، فأمّا الله ـ سبحانه وتعالى ـ إذ هو عزيز بذاته لا بشيء ، فهلاك من هلك من عبيده لا يوجب نقصا لذلك فيه.

وقوله : (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) إنما يكون خلف الوعد في الشاهد لإحدى خصال ثلاث :

إما لندامة استقبلته فيما وعد فتمنعه تلك الندامة عن إنجاز ما وعد ، وحفظ الوفاء له.

وإما لحاجة وقعت له فيما وعد فتمنعه تلك الحاجة عن وفاء ما وعد وإنجاز ما يطمع.

وإما لعجز يكون به لا يقدر على إنجاز ما وعد ، فيحمله عجزه عن وفاء ما وعد وإنجازه ، فإذا كان الله ـ سبحانه ـ يتعالى عن الوجوه التي ذكرنا فإن ما وعد لم يحتمل الخلف منه ، ولا قوة إلا بالله.

وقوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) يحتمل قوله : (لا يَعْلَمُونَ) لما لم ينظروا ولم يتفكروا في الأسباب التي هى أسباب العلم بعد ما أعطاهم أسباب العلم ، لكنهم إذا تركوا النظر في الأسباب والتفكر فيها لم يعلموا ، فلم يعذروا بذلك لتركهم النظر والتفكر فيها.

ويحتمل قوله : (لا يَعْلَمُونَ) أي : لا ينتفعون بما علموا ، فنفى عنهم العلم ؛ لما لم ينتفعوا بهذه الحواس وإن كانت لهم هذه الحواس.

وقوله : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) يحتمل قوله : ظاهر الأشياء في المنافع ، ولا يعلمون باطن المنافع بم؟ وكيف؟ نحو ما يعلم أن الماء به حياة الأشياء ، ويعلمون أن بالطعام قوام الأبدان ، ولكن لا يعلمون قدر منفعته وكيفيته وما في سرية ذلك من المنافع ، وكذلك السمع والبصر واللسان لا يعلم حقيقة ذلك وكيفيته ، وإن كان يعلم أنه بها يسمع ويبصر ويتكلم ويفهم.

وجائز أن يكون قوله : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً) : منافع الحياة الدنيا ، وعن منافع الآخرة هم غافلون ، وإنما أنشئت منافع الدنيا لا لتكون لها ، ولكن ليعلموا بها منافع الآخرة.

وابن عباس (١) والكلبي وهؤلاء يقولون : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) قالوا : يعلمون معايشهم ، وتجاراتهم ، وحرفهم ، وجميع الأسباب والمكاسب والحيل التي بها تقوم أمور دنياهم (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) أي : لا يؤمنون بها ، والله أعلم.

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٢٧٨٨٦) و (٢٧٨٨٧) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٩٢).

٢٥٢

قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (٨) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١١) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (١٣) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ)(١٦)

وقوله : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) قد ذكرنا في غير موضع أن كل استفهام من الله وسؤال يخرج على الإيجاب والإلزام ؛ ثم الإيجاب يخرج على وجوه :

أحدها : أن قد تفكروا ونظروا واعتبروا وعرفوا أنه ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق ، لكنهم عاندوا ، وكابروا ، ولم ينقادوا ، ولم يقروا.

والثاني : يخرج على الأمر ؛ أي : تفكروا وانظروا واعتبروا ؛ لتعلموا أنه ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق.

والثالث : على الخبر أنهم لم يتفكروا ، ولم ينظروا ، ولم يعتبروا ، ولم تفكروا واعتبروا لعلموا أنه ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق ، لكنهم لم يتفكروا ، ولم ينظروا بعد ما أعطوا أسباب العلم به ، فلم يعذروا بترك التفكر والنظر والاعتبار.

وعلى هذه الوجوه الثلاثة يخرج قوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) ونظروا ، وعلموا ما حل بالمكذبين بالتكذيب ، وما صار عاقبة أمرهم.

أو سيروا في الأرض على الأمر ؛ لتعرفوا ما أصاب أولئك بالتكذيب.

أو لم يسيروا في الأرض ـ على ما ذكرنا ـ لئلا يعلموا عاقبة أولئك.

ثم قوله : (إِلَّا بِالْحَقِ) قيل فيه بوجوه :

أحدها : أن ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق الذي عليهم من الشكر له فيما أنعم عليهم ، والتعظيم له والتبجيل.

والثاني : (إِلَّا بِالْحَقِ) الذي لله عليهم من الشكر له فيما عليهم ؛ أي : ما يحمد بفعله

٢٥٣

عاقبة ما لو لا تلك العاقبة لكان لا يحمد ؛ إذ في الحكمة التفريق بين الولي والعدوّ ، وقد أشركهم جميعا في هذه الدنيا بين الولي والعدو ، ولو لم يجعل دارا أخرى يفرق فيها بينهما لكان لا يحمد فيما أشركهم فيها.

والثالث : (إِلَّا بِالْحَقِ) أي : بالبعث ؛ لأنه لو لم يكن البعث لكان خلقه السموات والأرض وما بينهما لعبا باطلا لا حقّا ؛ كقوله : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً).

وقوله : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) سمّى البعث : لقاء الرب ، والمصير إليه والرجوع إليه ، والبروز إليه ، والخروج ، وإن كانوا في الأوقات كلها بارزين له ، خارجين ، صائرين إليه ، راجعين ؛ لأن خلقه إياهم إنما صار حكمة لذلك البعث ، والمقصود بخلقهم ذلك البعث ؛ لذلك سمي البعث بما ذكرنا.

وقوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) هو يخرج على الوجوه التي ذكرنا في قوله : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ).

وقوله : (كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) يذكر أهل مكة ويوبخهم في تكذيبهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسوء معاملتهم إياه بما ذكر من القرون الماضية أنهم مع شدتهم ، وقوتهم ، وبطشهم ، وكثرة أتباعهم وحواشيهم وأموالهم ، وطول أعمارهم وبنيانهم ـ لم يتهيأ لهم الانتصار والامتناع عن عذاب الله إذا حل بهم بتكذيبهم الرسل ؛ فأنتم يأهل مكة دونهم في القسوة والبطش والحواشي والأتباع ، فكيف يتهيأ لكم الانتصار والامتناع من عذاب الله إذا كذبتم الرسول ، والله أعلم.

وقوله : (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) جائز أن يكون على التقديم والتأخير ، (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى) مقدما على قوله : (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) يقول : ما حل بهم من العذاب وعذبوا في هذه الدنيا بتكذيبهم ، لم يظلمهم الله ، ولكن ظلموا أنفسهم بما أساءوا.

ويحتمل أن يكون قوله : (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) في تعذيبهم في الدنيا (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ثم يكون قوله : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا) في الدنيا (السُّواى) في الآخرة في النار ، فيكون في الدنيا ما عذبوا في الدنيا عذاب عناد ومكابرة ، وما يعذبون في الآخرة تعذيب كفر وتكذيب ، وهو ما قال : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ).

وقال بعضهم : (١) (وَأَثارُوا الْأَرْضَ) أي : كربوا الأرض وعمروها أكثر مما عمرها

__________________

(١) قاله الضحاك أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٩٣).

٢٥٤

قومك يا محمد ؛ أي : بقوا فيها أكثر مما بقي فيها الذين أرسلت إليهم.

وقال بعضهم : عاشوا يعمرون الأرض أكثر مما عمرها أهل مكة.

وقال بعضهم : عمروها : عملوا بها أكثر مما عمل هؤلاء.

وبعضه قريب من بعض.

وقال أبو عوسجة (١) : (وَأَثارُوا الْأَرْضَ) أي : حرثوها.

وقال القتبي (٢) : أثاروا : أي : قلبوها للزراعة ، ويقال للبقرة : المثيرة ، وقال الله ـ تعالى ـ : (لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ) [البقرة : ٧١].

وقوله : (أَساؤُا السُّواى) أي : جهنم. وكذلك قال الكسائي : (السُّواى) : هي النار ؛ كقوله : (وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ) [الرعد : ٣٥] أي : كان عاقبتهم النار بما كذبوا بآيات الله واستهزءوا بها.

وقوله : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى) يحتمل قوله : أساءوا إلى الرسل بالتكذيب وأنواع الأذى.

ويحتمل : أساءوا إلى أنفسهم ؛ حيث أهلكوها وأوقعوها في النار.

و (السُّواى) : اسم من أسماء النار : كالعسرى ، والهاوية ، ونحوهما ، واليسرى والحسنى اسمان من أسماء الجنة.

وقوله : (أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) يذكر أهل مكة ويخوفهم أن ما حل بأولئك القرون الماضية من الإهلاك والاستئصال إنما كان بتكذيب الآيات والاستهزاء بها في هذه الدنيا ، فأنتم يأهل مكة إذا كذبتم الآيات والحجج واستهزأتم بها يصيبكم ما أصاب أولئك بالتكذيب.

والآيات : يحتمل : حجج التوحيد وحجج الرسل في إثبات الرسالة أو آيات البعث.

وقوله : (وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) يحتمل بالآيات التي ذكرنا ، أو ما أوعدهم الرسل من العذاب والإهلاك ، فاستهزءوا بذلك.

وقوله : (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) هذا في الظاهر دعوى ، لكنه قد بين فيما تقدم من الآيات ما يلزمهم الإعادة والإحياء من بعد الموت ؛ حيث قال : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ ...) الآية.

وفي قوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) وغيرها من الآيات ما يلزمهم الإعادة والإحياء من

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٢٧٩٠٤) عن مجاهد.

(٢) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٤٠).

٢٥٥

بعد الموت ؛ حيث قال : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ ...) الآية.

وفي قوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) وغيرها من الآيات ما ألزمهم من الآيات أنه لو لم يكن له إعادة وبعث كان خلقهم عبثا باطلا ، خارجا عن الحكمة ، والقدرة في ابتداء الإنشاء ، إن لم تكن أكثر لا تكون دون الإعادة ، فمن ملك وقدر على الابتداء كان على الإعادة أقدر ؛ إذ إعادة الشيء عندكم أهون وأيسر من ابتداء إنشائه ، على ما ذكر في قوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٣٧].

وقوله : (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ذكر الإعادة والإحياء بعد الموت والرجوع إليه ؛ لما ذكرنا أن المقصود في خلقهم في هذه الدنيا الإعادة والإحياء ؛ لذلك سمى الإعادة : الرجوع إليه والمصير والبروز له ، وإن كانوا في جميع الأحوال صائرين إليه ، راجعين ، بارزين له ، خارجين.

وقوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ) قال بعضهم (١) : الإبلاس : هو الإياس ؛ مبلسون : أي : يائسون في الآخرة عما كانوا يطمعون بعبادتهم تلك الأصنام والأوثان في هذه الدنيا ؛ حيث قالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] وقالوا : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) ونحوه ؛ يقول : يائسون في الآخرة عما طمعوا بعبادتهم في الدنيا حين شهدوا عليهم ، وكفروا بهم ، وجعلوا يلعنون عليهم ، ويتبرءون منهم.

وقال بعضهم : يائسون من كل خير.

وقال بعضهم (٢) : الإبلاس : هو الفضيحة أي : يفتضحون بما عملوا.

وقال بعضهم : المبلس : كل منقطع رجاؤه ساكت كالمتحير في أمره.

وقال بعضهم : المبلس : كل آيس حزين.

وقوله ـ تعالى ـ : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ) هو ما ذكرنا : أن الأصنام التي عبدوها وسموها : آلهة لا تشفع لهم (وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ) يحتمل هذا وجهين :

أي : الأصنام بهم كافرون.

أو هم يكفرون بالأصنام إذا لم يشفعوا لهم وصاروا شهداء عليهم.

أو كل يكفر بصاحبه ؛ كقوله : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ

__________________

(١) قاله ابن عباس بنحوه ، أخرجه ابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٩٣).

(٢) قاله مجاهد ، أخرجه الفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٩٣).

٢٥٦

بَعْضُكُمْ بَعْضاً) [العنكبوت : ٢٥] ، والله أعلم.

وقوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) سمى الله ـ تعالى ـ ذلك اليوم : يوم الجمع بقوله : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ) [التغابن : ٩] وسمي : يوم الافتراق ، فهو يوم الجمع في أوّل ما يبعثون ويحشرون ، ثم يفرق بينهم تفريقا لا اجتماع بينهم أبدا ؛ كقوله : (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى : ٧] فهو يوم الجمع في حال ووقت ، ويوم الافتراق في حال ووقت آخر ، وبعض أهل التأويل يقولون : قوله : (يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) العابد والمعبود ، والتابع والمتبوع ، بعد ما كانوا مجتمعين في الدنيا ، وهو ما ذكر في آية أخرى : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ...) الآية [العنكبوت : ٢٥] ؛ فهذا تفرقهم على قول بعضهم ، والوجه فيه ما ذكرنا بدءا ، والله أعلم.

وقوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) : آمنوا بكل ما أمروا أن يؤمنوا به ، وعملوا بكل ما أمروا أن يعملوا (فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) والروضة كأنها اسم من أسماء الجنان.

وقوله : (يُحْبَرُونَ).

قال بعضهم (١) : يكرمون.

وقال بعضهم : يحبرون : يسرون ، والحبرة : السرور ، ومنه يقال : «كل حبرة يتبعها عبرة».

والزجاج يقول (٢) : يحبرون : يتنعمون ، والحبرة : النعمة الحسنة ، والله أعلم بذلك.

وقوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : جحدوا توحيد الله وأنكروه (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) يحتمل : (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) : آيات التوحيد ، وآيات الرسالة ، وآيات البعث (فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) أي : يحضر الأتباع والمتبوع جميعا في النار ويجمع بينهم ، كقوله : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا ...) الآية [الصافات : ٢٢] ، وقوله : (فَبِئْسَ الْقَرِينُ) [الزخرف : ٣٨] و (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) [الزخرف : ٣٩].

قوله تعالى : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) وَمِنْ

__________________

(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٧٩١٢) ، وابن المنذر ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٩٤).

(٢) أخرجه ابن جرير (٢٧٩١٣) ، والفريابي وابن أبي شيبة ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ، كما في الدر المنثور (٥ / ٢٩٤) ، وهو قول قتادة. وينظر : معاني القرآن وإعرابه (٤ / ١٨٠).

٢٥٧

آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (٢٢) وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣) وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ)(٢٥)

وقوله : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) قوله : (فَسُبْحانَ اللهِ) فهمت الأمة من قوله : (فَسُبْحانَ اللهِ) : الصلاة ؛ أي : صلوا لله ، ولو كانت أفهام أهل زماننا هذا لكانوا لا يفهمون سوى التسبيح المذكور.

ثم يحتمل تسميتهم التسبيح : صلاة ، وفهمهم منه ذلك لوجهين :

أحدهما : لما في الصلاة تسبيح ، فسموها بذلك ؛ لما فيها ذلك.

أو لما أن التسبيح تنزيه ، والصلاة من أولها إلى آخرها تنزيه الربّ ؛ لأن فيها إظهار الحاجات إليه والعجز والضعف ، وفيها تعظيم الربّ وإجلاله ، ووصفه بالجلال والرفعة ، ففهموا من التسبيح الصلاة ؛ لما ذكرنا ؛ لما هي تنزيه للرب من أولها إلى آخرها.

ثم منهم من قال : إن الصلوات الخمس ذكرت في هذه الآية بقوله : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) : صلوات المغرب والعشاء الآخرة (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) : صلاة الفجر (وَعَشِيًّا) صلاة العصر (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) صلاة الظهر.

ومنهم من يقول : لا ؛ بل ذكرت فيها أربع صلوات : (حِينَ تُمْسُونَ) : المغرب (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) : الفجر (وَعَشِيًّا) : العصر (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) : الظهر ، وأمّا العشاء الآخرة ففي قوله : (وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) [النور : ٥٨] ، والله أعلم.

وقوله : (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يحتمل قوله : (وَلَهُ الْحَمْدُ) على التقديم والتأخير يقول : سبحان الله وله الحمد ؛ فيكون الحمد كناية عن الصلاة كالتسبيح.

أو لما فيها من التحميد.

أو يقول له يحمد أهل السموات والأرض ، والله أعلم.

وقوله : (حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) أي : إذا دخلوا في المساء والعشاء والصبح والظهر.

وقوله : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) يخبر عن قدرته في إنشاء الأشياء مبتدئا ، لا من أصل ؛ لأنه قال : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) والميت ليس فيه الحياة ، وكذلك

٢٥٨

الميت من الحي ، وليس في الحي موت ، ولكنه يخرج هذا من هذا على ابتداء الحياة فيه ، وابتداء الموت فيه من غير أن كان فيه ما ذكر.

ثم اختلف فيه أهل التأويل :

قال بعضهم (١) : يخرج الناس والدواب والطير من النطف ، (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ) يعني : النطف (مِنَ الْحَيِ) من الناس والدواب والطير.

وقال بعضهم (٢) : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) أي : المسلم من الكافر (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) أي : الكافر من المسلم.

ولكن يجيء على هذا أن يقول : يخرج من المسلم ما يكون كافرا ، ومن الكافر ما يصير مسلما ؛ لأن ما يخرج لا يوصف بالإسلام ، ولا بالكفر ، ولا ينسب إلى واحد منهما وقت الخروج حتى يبلغ فيكون منه فعل الكفر أو فعل الإسلام ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم ، وفي الآيات التي تقدم ذكرها ؛ من نحو قوله : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ ...) الآية [الروم : ٨] ، وقوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ...) الآية [الروم : ٩] ، وأمثال ذلك مما يذكر ويخبر أولئك الكفرة عن قدرته وسلطانه ، وألزمهم ذلك.

وفي الآية نقض قول المعتزلة ؛ لأنهم لا يملكون القدرة على فعل بعوضة ، فلا يكون لهم الاحتجاج على أولئك الكفرة في القدرة على الإعادة والإنشاء بعد ما صاروا رمادا ، أو كلام نحو هذا.

وقوله : (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ) أي : كذلك تبعثون وتحيون ، كما أخرج الحيّ من الميت والميت من الحيّ ، من غير أن كانت الحياة في الميت والموت في الحي ، والله أعلم.

وقوله : (وَمِنْ آياتِهِ) يحتمل : آيات وحدانيته وربوبيته وحججه ، وآيات بعثه وإحيائه ، وآيات رسالة الرسل ، ونحوه.

وقوله : (أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) يخرج على وجوه :

أحدها : نسب خلقنا إلى التراب ؛ لأنا إنما خلقنا من أصل ، خلق ذلك الأصل من التراب ، وهو آدم ، وإن لم تكن أنفسنا مخلوقة من تراب حقيقة ، كما نسب خلقنا إلى النطفة وإن لم يخلق أنفسنا كما هي من النطفة ، لكنه أضاف ذلك ونسب إلى النطفة ؛ لما هي أصل ما خلقنا منها.

والثاني : نسبنا إلى التراب ؛ لما جعل أغذيتنا وما به قوام أنفسنا وأبداننا في الخارج من

__________________

(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٧٩٢٧) ، وعن ابن مسعود (٢٧٩٢٩).

(٢) قاله الحسن ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٧٩٢٨).

٢٥٩

التراب ، فإنما هو إخبار عما به قوام أنفسنا وأبداننا ، وإن لم نخلق من التراب من الأصل ، فيخبر ـ والله أعلم ـ : أنكم لا تصورون خلق الجسم إن لم تشاهدوا تلك الطينة التي منها تتكون الأجسام بعد مشاهدة طينتها ، ومعاينتكم إياها ، ورأيتم القدرة له على خلقها قبل أن تشاهدوا طينتها (١).

والثالث : نسب خلقنا إلى التراب ، وهو آدم ؛ على ما ذكرنا ، إلا أن قوله : (خَلَقَكُمْ) أي : قدركم من ذلك الأصل ، والتخليق : هو التقدير في اللغة ، وذلك جائز في اللغة ، وإنما قدرنا على تقدير ذلك الأصل ، وذلك جائز نسبتنا وإضافتنا إلى التراب ، إن صح ما ذكر في بعض الأخبار ذكر : «أن ملكا يأتي بكف من تراب ، فيذره في تلك النطفة في رحم المرأة ، فيخلق منه حينئذ الولد» ، فإن صح هذا فيكون خلق جميع الناس وأصلهم من تراب.

وقوله : (ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) أي : ثم إذا أنتم ذريته من بعده بشر تنبسطون ؛ كقوله : (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) [الشورى : ٢٨] أي : يبسط.

أو (تَنْتَشِرُونَ) ، أي : تتفرقون في حوائجكم ، وفي طلب أغذيتكم ، وما به قوام أنفسكم ، والله أعلم.

وقوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) أي : من أجناسكم وأشكالكم (لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) يقول : إنما جعل ما تسكنون إليه وتتألفون من جنسكم وشكلكم ما تعرفون ، لم يجعل في غير جنسكم وشكلكم ما تعرفون ؛ كقوله : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [التوبة : ١٢٨] أي : من جنسكم وشكلكم من تعرفون صدقه وثقته وأمانته ما لو كان من غير جنسكم وشكلكم لا تعرفونه ؛ فعلى ذلك جائز قوله : (خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) أي : من جنسكم ما تسكنون إليها ، وتستأنسون بها ما لو كانوا من غير جنسهم لا يكون ذلك ؛ إذ يستأنس كل ذي شكل بشكله وجنسه.

والثاني : ما ذكرنا أنه أراد آدم وحواء ؛ أي : خلق زوجته حوّاء من نفسه ، فجعلها له سكنا يسكن إليها ، ويستأنس بها ، والله أعلم.

وقوله : (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ) أي : بينكم وبين الأزواج (مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) يحتمل قوله : (مَوَدَّةً) وجهين :

أحدهما : يودها ؛ لما جعل له موضعا لقضاء شهوته وحاجته ، وكذلك هي توده

__________________

(١) ثبت في حاشية أ : ثم ما أنكرتم القدرة على خلق الأنفس من أصل وإن لم تشاهدوا ذلك الأصل ، وإن لم يدخل في إدراككم ، ولم يتصور في قلوبكم. فكيف أنكرتم؟!

٢٦٠