بدائع الكلام في تفسير آيات الأحكام

محمد باقر الملكي

بدائع الكلام في تفسير آيات الأحكام

المؤلف:

محمد باقر الملكي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٣

فيعرف بهذا الروح العلمي عيانا وبداهة حقيقة نبوته ورسالته ويعرف الملك الذي جاء بالوحي بحقيقة المعرفة والبداهة كما يعرف نفسه فافهم ذلك فإنه لو لم يكن عنده على حقيقة نبوته ورسالته حجة إلهية نورية مصونة ومعصومة بذاتها عن الجهالة والغفلة والنسيان والخطأ يرتفع الفرق بين الرسالة والنبوة والتحديث وبين مكاشفة الصوفي والقطع الفلسفي فبروح القدس يرى ويعرف الواقع ويرى ويعرف انما يعرفه عين الواقع واما الصوفي والفيلسوف فعلى زعمهم انهم أصحاب الواقع وليس عندهم حجة على أصابتهم فيخطىء بعضهم بعضا وينكر بعضهم على بعض فبروح القدس يأخذ الرسول والنبي النبوة والرسالة بها ويحملها ويحفظها ويبلغها وروح القدس لا يزل ولا يخطئ ولا يغفل ولا ينسى ولا يلهو ولا يسهو ولا يلعب فاذا قام بوظائف الرسالة والنبوة يحمل أثقالها وتحمل مشاقها والصبر على شدائدها بالجد البالغ والوفاء الصادق افترض الله طاعته على الناس وجعله الله تعالى أماما عليهم يأتمون به فقال تعالى (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر ـ ٧) وقال تعالى (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) (النساء ـ ٨٠) وقد صرح تعالى بوجوب طاعته في القرآن الكريم ما يقرب ثلاثين آية وقرن طاعته بطاعته بالعنايات المختلفة بحسب الموارد والمقامات وقد صرح تعالى بعصمة من أوجب طاعته على الناس من أول عمره الى آخره من صغائر الذنوب وكبائرها حيث قال تعالى (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) البقرة / ١٢٤.

ويرجع ذلك عند التحليل إعطائه تعالى وتمليكه إياه الولاية التشريعية على جميع الناس وهذا هو المنصب الخطير والملك العظيم لم يعط الله مثل ذلك أحدا من العالمين فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله بمقام ولايته الكبرى له حق الأمر والنهي في الناس فيصير ما أمر به ونهى عنه سنة وسيرة وعين الدين والشريعة يجب اتباعه وله حق التصرف والمداخلة في أمور الناس وشئون الاجتماع وإصلاح العباد والبلاد وليس ذلك لأحد لا قليل ولا كثير إلا باذنه وأمره (ص).

الرابع قوله تعالى (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).

قال في القاموس ج ٤ ص ٤١٠ أولو جمع لا واحد له من لفظه وقيل اسم جمع واحده ذو وأولات للإناث واحدها ذات انتهى.

أقول والمراد منه كما في نظائره مثل أولو الألباب وأولو الأبصار وغيره ومعناه اي من كان واجدا وحائزا للبصيرة واللب ومن كان واجدا ومالكا للأمر وبديهي عند

١٠١

اولي الألباب انه لا مالك ولا ولي للناس وأمورهم إلا الله ومن سواه كائنا من كان لا بد أن تكون مالكيته وولايته للناس وأمورهم بإعطائه تعالى وتمليكه ولما كانت الآية الكريمة قضية حقيقية فلا محالة يكون الموضوع في القضايا الحقيقية مفروضة الوجود والحكم محمول على الموضوعات المقدرة وجودها فالموضوع في قوله تعالى (أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ) هو عموم المسلمين الى يوم القيامة والمتعلق في كلتا القضيتين هو طاعة الرسول وطاعة أولي الأمر فيجب على جميع المسلمين الى يوم القيامة طاعة الرسول وطاعة أوليائه الأمور واللام في قوله تعالى الأمر للعموم والاستغراق اي جميع الأمور التي كانت تحت ولايتهم وكان تدبيرها وتنظيمها منوطا بآرائهم وسيجيء توضيحه إنشاء.

وهذه الجملة عطف على سابقتها والكلام في سنخ الوجوب في هذه الجملة بعينه الكلام في الجملة المعطوفة عليها وقد أوضحنا في السابقة ان وجوب طاعة الرسول وجوب مولوي موضوعي بالنسبة إلى شخص الرسول (ص) وكذلك الكلام في وجوب طاعة أولياء الأمور فالوجوب في هذه الجملة أيضا وجوب مولوي موضوعي بالنسبة إلى شخص اولي الأمر ولا يجوز ان يقال ان طاعة ولي الأمر في هذه الآية الكريمة انما هو من باب ان طاعته طريق وموصل إلى طاعة الله سبحانه لما ذكرنا ان كل عمل تبليغي وتعليمي من الرسول وأوليائه أولياء الأمور من أصحابهم المتعلمين منهم وأن كثرت وتوفرت في أقطار الأرض في الأعصار الماضية وفي زماننا أيضا من الفتاوي والدراسات كلها داخلة ومندرجة في قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ) اي ان كلها واقعة في طريق طاعته تعالى ولو قلنا أن الوجوب في قوله تعالى (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وجوب طريقي إلى طاعته تعالى لزم التكرار من غير طائل فلا محالة يكون الوجوب فيها وجوبا مولويا موضوعيا ومرجع هذا الوجوب عند التحليل هو إعطائه تعالى إياه الولاية التشريعية لأمور الناس وتدبير اجتماعهم وتنظيم شئون حياتهم في الدنيا بحيث يكون موصلا إلى السعادة في آخرتهم.

ولا يخفى أن الظاهر من الآية الكريمة ان إيجاب طاعتهم انما هو بعد وجدانهم وفوزهم لولاية الأمر وفي مرتبة متأخرة عن مرتبة تحقق الولاية لهم لا انهم يصيرون فائزين بالولاية بوجوب طاعتهم حتى تكون الولاية أمرا انتزاعيا من إيجاب الطاعة ويأتي مزيد توضيح لذلك إن شاء الله.

وضروري عند أولي الألباب أن إيجاب الطاعة لأولياء الأمور دليل قاطع على عصمتهم وطهارتهم ودليل قاطع على أنهم اعلم الخلق على وجه الأرض بكتاب الله

١٠٢

وسنة نبيه وأفضلهم وأقربهم الى الله منزلة ومكانة فمن المستحيل في سنة الله المقدسة الحكيمة ان يفوض أمر دينه وأمور عباده رجلا فاسقا جافيا لا يعرف حرمة ربه ولا يعقل مصالح عباده ومضارهم ولا يعرف الحلال والحرام من كتاب الله وسنة نبيه فيه نقض الغرض من بعث الأنبياء وتشريع الشرائع وفيه فساد أمر الاجتماع وغير ذلك من المفاسد الكثيرة والحمد لله الذي ما جعل من عهده وأمانته للظالمين نصيبا لا قليلا ولا كثيرا.

بل المعلوم المشهود من سنة الله الحميدة أنه إذا أراد أن يصطفي أحدا من عباده بكرامته لا يزال يؤدبه ويربيه تأديب الكرام الأبرار الأحرار حتى يقويه ويؤهله لما أراد فينزل عليه السكينة فيعرف ربه بحقيقة الايمان والعيان ويؤيده بروح القدس فيعرف ما يعرف من الحقائق حق العرفان ويعرف الأحكام من الكتاب والسنة وغيرها مما يشتمل عليه الكتاب والسنة من المعارف والعلوم فلا يغيب عنه دقيق ولا جليل ويعرف الأمور التي تحت ولايته وحقيقته وحق تدبيرها وتنظيمها والأحكام المنطبقة عليها في كل مورد ومورد من الكتاب والسنة في كل مورد ومورد مقدسا ومنزها عن القياس والاستحسان والحدس كل ذلك بإفاضة روح القدس المصونة بالذات عن الخطأ والنسيان والسهو.

وقد تقدم الكلام في عصمتهم من الذنوب صغايرها وكبائرها في تفسير قوله تعالى (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) البقرة / ١٢٤ وخاصة في تفسير هذه الآية الكريمة.

ثم ان الظاهر في هذه الآية المباركة بحسب العموم في لفظ الأمر وبحسب الإطلاق في قوله (أَطِيعُوا) انه لا فرق من حيث وجوب الطاعة بالنسبة إلى الوارد بين الرسول (ص) واولي الأمر وكذلك بحسب الإطلاق في الروايات المأثورة عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام الدالة على أن ما فوض الله الى رسول الله فقد فوض إليهم الا ان هذا العموم والإطلاق مخصص ومقيد بأدلة منفصلة أخرى قال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي.) الآية (المائدة).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبته المباركة يوم الغدير ما من شيء يقربكم إلى الجنة ويبعدكم عن النار الا وقد أمرتكم به. الخطبة.

وفي نور الثقلين ج ١ ص ٥٠٠ عن كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة عن عبد الله بن عجلان عن أبي جعفر (ع) في قوله (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) قال هي علي ابن أبي طالب عليه‌السلام والأئمة جعلهم الله مواضع

١٠٣

الأنبياء غير انهم لا يحللون شيئا ولا يحرمونه.

ورواه العياشي في تفسيره ج ١ ص ٢٤٩.

أقول وعلى ذلك شواهد أخرى قطعية تدل على تمامية الدين وكماله وتدل ان كل ما كان من حق الأمر والنهي ووضع شيء من السنن كان مختصا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتدل أيضا ان كل ما يحتاج اليه العباد قد جاء به كتاب الله وبينه رسول الله في سنته بإملاء رسول الله من فلق فيه وخط علي بيده يكنزها هو لا أولياء الأمور كما يكنز الناس ذهبهم وفضتهم ما ضاع منه شيء حتى ان أرش الخدش فيه مكتوب ومحفوظ عند الله وان أولي الأمر الذين فرض الله طاعتهم وقرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله ليس لهم حق تشريع شيء في الدين.

الأمر الخامس ـ قد عرفت في الأبحاث السابقة ان إيجاب طاعة اولي الأمر دليل قاطع على عصمتهم وطهارتهم من الذنوب فما جعل الله من عهده وأمانته للظالمين نصيبا لا قليل ولا كثير ودليل قاطع أيضا على طهارتهم وعصمتهم من الخبط والخطأ والغفلة والجهالة والسهو والنسيان في شيء من الأمور التي تحت ولايته ولا ريب ان المراد في الآية الكريمة هم أئمة أهل البيت عليهم‌السلام إذ ليس في الإسلام والمسلمين بيت نص الله سبحانه على عصمة أهل البيت غير بيت النبوة والرسالة التي أذهب الله عنهم الأرجاس جميعها أرجاس الذنوب وأرجاس الشكوك والجهالات والضلالات والخطايا والسهو والنسيان واللهو واللعب والزلل وقد أعلن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الغدير على حضور آلاف من المسلمين بولاية علي صلوات الله عليه وقد تواتر عنه (ص) انه قال اني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي.

وأما المفسرون من العامة فقد اختلفوا في تفسير المقام على وجوه : الأول ان المراد في الآية الخلفاء الراشدون. الثاني المراد أمراء السرايا الثالث العلماء والفقهاء الذين يفتون في الأحكام ويعلمون الناس الحلال والحرام انتهى ملخصا عن تفسير الرازي ج ١٠ ص ١٤٤ وزاد الرازي وجها رابعا قال ما خلاصته وهو إجماع أهل العقد والحل وقريب منه عبارة الجصاص في ان المراد السرايا والعلماء. قال في كتابه أحكام القرآن ج ٣ ص ١٧٧ قال لأن الأمراء يلون أمر تدبير الجيوش والسرايا وقتال العدو والعلماء يلون حفظ الشريعة وما يجوز وما لا يجوز فأمر الناس بالقبول منهم انتهى ما أردنا.

أقول الأقوال المذكورة بمعزل عن تفسير الآية المباركة فان الأقوال كلها واقعة في طريق طاعته تعالى ومندرجة في قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ) ولا يحتاج الإرشاد

١٠٤

والهداية إلى طاعته تعالى إلى الولاية التشريعية وانما يحتاج الى العلم بحكم الواقعة ويحتاج الناس في قبول قوله الى علمه عن الكتاب والسنة والى غيرهما من شرائط قبول الفتوى.

وثانيا ـ ان الآية الكريمة كما ذكرناه في ما تقدم ناصة على أن اولي الأمر لا بد ان يكونوا معصومين ومصونين عن الخطأ والخبط فيستحيل في السنة المقدسة الإلهية ان يسجل على رقاب المسلمين أجمعين إلى يوم القيام في شرق الأرض وغربها طاعة من لا يراقب حرمة لربه ولا يعرف مصالح الأمور ومفاسدها ولا يعرف أحكام تلك الأمور من الكتاب والسنة.

من أردء هذه الأقوال قول الرازي على ما أشرنا إليه في ما تقدم ان الآية الكريمة دليل قاطع على أن من أوجب الله طاعته معصوم قطعا وان المعصوم المذكور في هذه الآية هو إجماع الحل والعقد.

أقول يرد عليه ان الإجماع غير محصل ولو فرضنا انه متحصل فلا دليل على حجيته فمن هؤلاء أهل الحل والعقد الذين أوجب الله طاعتهم وأي دليل على حجية قولهم وأنهم معصومون أو غير معصومين. ولو فرضنا انه حجة شرعية فليس معنى كونه حجة إلا كونه دليلا شرعيا في إثبات حكم فرعي شرعي أو أصل ديني مثل آية محكمة من الكتاب أو سنة قطعية فلا معنى ولا محصل لكون الإجماع مصداقا لأولي الأمر حتى يكون آمرا وناهيا مفترضا طاعته واتباعه فكان الرازي قد توهم أن قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) مسوقة لبيان حجية قول الله سبحانه وقول رسوله وغفل أن الآية الكريمة مسوقة للإرشاد إلى وجوب طاعة الرسول وطاعة اولي الأمر بالوجوب المولوي الموضوعي بعد الفراغ عن حجية قول الله تعالى وقول رسوله وقول أولياء الأمر وأجنبية عن إثبات الحجية. ثم أخذ في الاستشكال على الإمامية وما ذهبوا اليه ان المراد من اولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله هم الأئمة المعصومون من آل الرسول على وجوه : الأول أن طاعة الإمام الذي ذكره الإمامية متوقف على معرفته وقدرة الوصول اليه والتمكن من استفادة العلم والدين منه والتكليف بتحصيل تلك الشرائط تكليف بما لا يطاق ولو قلنا ان وجوب طاعته مشروط عند ما صرنا عارفين به وقادرين على الاستفادة العلمية والدينية فهو خلاف ظاهر الآية مطلقة من حيث وجوب الطاعة للرسول فيلزم ان تكون الآية مطلقة بالنسبة إلى الرسول ومشروط بالنسبة الى أولي الأمر والجواب ان الأئمة المعصومون من آل الرسول قد عرفهم أوليائهم فاستفادوا منهم العلم والمعارف وعرفهم أعدائهم فعادوهم بغيا وحسدا والآية مطلقة واطاعة أولي الأمر واجبة والوصول الى الامام المعصوم أمر عادي

١٠٥

هذا على سبيل النقض واما على نحو الحل والتحقيق فنقول : ان وجوب طاعة اولي الأمر وحقيقة ولايتهم ومعرفتهم فريضة من كبار الفرائض ولا يجوز لمن آمن بالله ورسوله أن يقول ان الله سبحانه ورسوله قد أهمل شرح هذه الفريضة العظيمة وتركوا الناس في شأنها في حيرة. وحاشاه وجلت ساحة ربنا ساحة سيدنا رسول الله عن ذلك وقد تقرر في محله ان الآيات الواردة في الفرائض مثل قوله تعالى (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) وقوله تعالى (آتُوا الزَّكاةَ) وقوله (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ). الآية وغيرها من الفرائض يجب على الفقيه الرجوع والفحص عن الكتاب والسنة والتماس تفاصيل تلك الفرائض وحدودها وشرائطها فحصا بالغا الى أن يحصل له الاطمئنان التام انه لم يبق شيء من شرح تلك الفرائض إلا وصل بها كذلك الكلام بعينه في فريضة الولاية ووجوب طاعة أولياء الأمور وعصمتهم وصفاتهم يجب الرجوع في ذلك الى الكتاب والسنة فحصا بالغا وافيا.

وقد بين سبحانه ذلك في كتابه كما في قوله تعالى (يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ) ـ الأحزاب ـ وكذلك في غير العصمة من صفاتهم ونعوتهم.

وبين ذلك رسول الله في سنته المتواترة في مواقف شتى في يوم الغدير وغيره على ما أشرنا إليه سابقا والأسف أن جميع تلك النصوص والشواهد والبينات وقعت تحت سيطرة التأويل والتوجيه والتمهل والتمويه والإنكار والإخفاء بالمجابهة الشديدة من المتغلبين على الأمور وهذه السنة السيئة يرثها ظالم بعد ظالم وجاحد بعد جاحد حتى انتهى الأمر إلى الرازي ونظرائه وقد حرف الآية الكريمة عن مسيرها بهذا التأويل الركيك وتشبث بالإجماع على كرسي الخلافة والسلطنة الإسلامية وخلق له لسانا يأمر وينهى ويدا باطشة تصول على أعداء الإسلام وعقلا وافرا يدبر به نظام أمور المسلمين في كل عصر وزمان بالنظام الأصلح الأتم.

والآية الكريمة في محفظة إلهية عن هذه الأوهام وينادي بأعلى صوته ان أولياء الأمور أشخاص يحذون حذو الرسول في العصمة والقداسة ورجال مطهرون لهم أمر ونهي في شئون الشريعة وفي شئون المجتمع الإسلامي يجب على الناس اتباعهم وإطاعتهم.

الوجه الثاني من مغالطات الرازي قال ج ١٠ ص ١٤٦ الثاني انه تعالى أمر

١٠٦

بطاعة اولي الأمر واولي الأمر جمع وعندهم لا يكون في زمان واحد إلا إمام واحد وحمل الجمع على الفرد خلاف الظاهر انتهى.

أقول والجواب ما ذكرناه في الجواب عن الشبهة الأولى للرازي وخلاصته ان قوله تعالى (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) جمع مطلق في معرض التقييد فلا يجوز لأحد الأخذ بهذا الإطلاق قبل الفحص عن تفاصيلها وعند الرجوع والفحص عنها يتضح ويتبين بالسنن المتواترة عن الرسول (ص) ان أولي الأمر المعصومون بنص الآية الكريمة رجال من أهل بيت النبوة والرسالة سماهم رسول الله بأسمائهم وأسماء آبائهم ونعوتهم وصفاتهم قد جعل الله لهم الولاية لأمور المسلمين يتولونها بهذه الولاية الإلهية واحد منهم وهذا الجعل والتشريع كما هو صريح الآية الكريمة ومفاد الأدلة الأخرى انما كان جعله تعالى وعطائه تعالى إياهم هذه الولاية لا من رسول الله وليس من الأمور المفوضة إلى رسول الله (ص) وانما كان عليه (ص) ان يعرفهم للناس وإظهار ما جعل الله تعالى لهم من الحق.

فقد اتضح من جميع ما ذكرنا ان قوله تعالى (أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) سواء كان جمعا أو اسم جمع ومطلقا من حيث اشتماله على الإفراد المجتمعة في عصر واحد وفي عرض واحد أو عدة بعد عدة متعاقبين في جميع الأعصار أو واحد في عصر وعدة في عصر آخر الا انه يتعين المراد منه بالدليل المنفصل ان المراد منه انهم يتولون الأمور في كل عصر واحد منهم بعد واحد واتضح أيضا أن هذا ليس من باب حمل الجمع على المفرد كما توهمه الرازي.

بل هذا كما ذكره بعض المفسرين من باب الأخذ بالجمع بالحقيقة وتقييد إطلاقه بالدليل المنفصل وهذا إطلاق شائع رايج مثل أكرم علماء بلدك بضرورة انه لا احتياج في امتثاله الإكرام بقيد المجموع بل يتحقق الامتثال متعاقبا ومجتمعا انتهى ما ذكره بتوضيح وتلخيص منا.

أقول حمل الجمع على الجمع بعنوان المجموعي يحتاج إلى عناية زائدة في الكلام وليس في الآية الكريمة ونظائرها ما يدل عليها.

ومن المعلوم بالضرورة ان في القضايا الحقيقية لا يمكن الامتثال الا بالتعاقب والتناوب مثل قوله تعالى (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) (ن ٨) وقوله تعالى (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).

١٠٧

الوجه الثالث قال الرازي في تفسيره ج ١٠ ص ١٣٦ انه قال (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) ولو كان المراد من أولي الأمر الإمام المعصوم لوجب ان يقال فان تنازعتم في شيء فردوه الى الامام فثبت ان الحق تفسير الآية بما ذكرناه انتهى.

أقول يرد عليه أن معنى الرد الى الله على ما سيجيء تفسيره إنشاء هو الأخذ بمحكمات الكتاب ومعنى الرد الى الرسول هو الأخذ بسنته الجامعة المحكمة ومحكمات الكتاب والسنة من الأصول الثابتة الدينية التي يرد عليها كل شبهة ويستنبط منها حكم كل حادثة وقد اشتبه الأمر على الرازي والجصاص ونظرائهما ولم يعرفوا ان معنى الرد الى الرسول هو الأخذ بسننه المحكمة ووجه كونهما مرجعا ومردا لأهل الإسلام انما هو لأجل صراحتهما ودلالتهما ووضوح حكايتهما من الحكم والموضوع الذي وقع مورد النزاع على وجه القطع والضرورة بحيث تتم الحجة على العالم وعلى الجاهل مع جهله ومعنى كون الامام مرجعا لأهل السلام ان أئمة المسلمين مصادر لأمور المسلمين فإنهم أولياء أمورهم بنص الآية ولهم الولاية الإلهية في قبض الأمور ورتقها وفتقها في جميع الشؤون الاجتماعية فالائمة يفتون باستنباط الأحكام من الكتاب والسنة مصونا عن الخطأ ، والكتاب والسنة محكماتهما ومتشابهاتهما محكم عندهم ويأمرون وينهون ويحكمون ويقبضون فيجب على جميع الأمة الرجوع إليهم في الفتاوى والأقضية والتفقه والتعلم وليس لأحد ان يتخلف عن أمرهم وحكمهم وقضائهم كما انه لا يجوز ان يتخلف عن أمر رسول الله في ما كان يأمر وينهى بالولاية الإلهية في الأمور وقد تخلف عن أمره عدة في الأمر بتجهيز جيش تبوك وبعض عند امره بتجهيز جيش أسامة وقد أمر بتجهيز جيش أسامة عند قرب وفاته.

فتحصل ان الوجه والعناية في قوله (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وجوب طاعته في ما له ولاية الأمر والنهي ومعنى الرد الى الكتاب والسنة كونهما كاشفا وحجة على مدلولهما في مورد التنازع ولا تماس بين صدر الآية وذيلها من حيث الوجه والمورد. فان قلت فما تقول في ما تقول الإمامية بحجية قول الإمام في الشؤون الدينية. قلت انما يقولون بذلك لأجل عصمته في ما يستنبط من الكتاب والسنة في باب الأحكام فأي منافات بين ذلك وبين كون محكمات الكتاب والسنة مردا للمتنازعين ضرورة أن الفتوى والحجة للإمام من الكتاب والسنة وهو عين مفاد الكتاب والسنة وكذلك علومه الأخرى من الكتاب والسنة غير باب الأحكام وكذلك علومه الأخرى من غير الكتاب والسنة مثل التحديث ونظائره فلا تنافي بين مثبت ومثبت وحجة وحجة غاية الأمر

١٠٨

ان محكم الكتاب والسنة حجة عند الكل وكل الكتاب والسنة محكم عند الامام (ع).

قوله تعالى (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) بيان الظاهر من سياق الآية الكريمة انهما في مقام التذكر والإرشاد إلى وجود أصل الثابت صريح ديني لرفع الاختلاف وقطع التنازع بين المتنازعين.

وقوله تعالى في شيء مطلق شامل لجميع ما يمكن ان يقع ما يمكن موردا للتنازع وحدوث الاختلاف فيه من الأحكام والعقائد والحقائق ولما كانت القضية حقيقية وهذا الأصل القويم والضابطة العلمية جارية بين المسلمين الى يوم القيامة فلا يكون المراد من الرجوع الى الله الرجوع والاقتراح بنزول آية رافعة للخلاف وكذلك لا يكون المراد الرد الى شخصه كي يحكم أو يسأل ربه بنزول جبرائيل وبيان حكم الحادث بل المراد الرد الى كتاب الله وسنته (ص) وليس المراد من الكتاب والسنة الآيات والسنن المحتملة للوجوه بل لا بد ان يكون المرد والمرجع هي محكمات الكتاب التي هي أمته وعماده وكذلك السنن الجامعة المحكمة فالكتاب والسنة بهذا البيان الذي هما المرجع والملجإ لأهل الإسلام في مقابل أهل الزيغ وأهل البدع والضلال.

في نور الثقلين ص ٥٠٦ عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال فأردد الى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب واشتبه عليك من الأمور قال الله لقوم أحب إرشادهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) فالرد الى الله الأخذ بمحكم كتابه والرد الى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة.

فإن قلت فما الغاية في رد المتنازعين الى محكم الكتاب والسنة بعد الأمر بطاعة الله وطاعة الرسول وطاعة أولي الأمر. قلت : العناية في الأمر بطاعة الرسول وأولي الأمر هو تشريع الوجوب لطاعة الرسول وطاعة اولي الأمر في مورد ولاية الرسول ومرد ولاية أولي الأمر.

والعناية في الأمر برد المتنازعين هو كشف الحق عن الباطل لرفع التنازع والتخاصم بالإرشاد إلى ضابطة علمية في الكتاب والسنة.

وفيه تحصين علوم الإسلام وأحكامه ومعارفه وعقائده عن مداخلة الزائقين والمبدعين بتحكيم محكمات الكتاب ودعائمه وأمهات السنن على الآراء الحادثة والمقالات الفاسدة مثل تأويل المعاد الجسماني والحقائق البرزخية الى مثل مجردة عن المادة بإنشاء النفس إياها.

فإن قلت ان قوله تعالى (تَنازَعْتُمْ) مطلقة شاملة لجميع الأنواع وتدل الآية

١٠٩

على جواز التنازع بين أولياء الأمور وبين غيرهم من الناس فيناقض وجوب طاعة أولياء الأمور على الناس بالمعنى الذي ذكرتموه. قلت : كلا بل يجب اتباعهم في كل ما يقولون ويأمرون وينهون ولا يجوز لأحد من المسلمين الاعتراض عليهم في شيء مما يأمرون وينهون فان هذا عصيان لأمرهم لوجوب طاعتهم فلا محالة يتقيد إطلاق قوله تعالى (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) بقوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وكيف يخص في منازعتهم وقد أمر بوجوب طاعتهم واتباعهم كما صرح به مولانا الباقر صلوات الله عليه.

الآية الثامنة قال تعالى (مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (النساء ١٢).

الآية التاسعة ـ قال تعالى (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) (النساء ١٣).

الآية العاشرة ـ قال تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (النساء ٤٩).

الآية الحادية عشرة ـ قال تعالى (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (أنفال ١).

الآية الثانية عشرة ـ قال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) (أنفال ٣٠).

الآية الثالثة عشرة ـ قال تعالى (وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ) (التوبة ٧١).

الآية الرابعة عشرة ـ قال تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) (النور ٥٣).

الآية الخامسة عشرة ـ قال تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (النور ٥٦).

الآية السادسة عشرة ـ قال تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب ٧١).

الآية السابعة عشرة ـ قال تعالى (إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً) الى قوله تعالى ـ (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) (الأحزاب ٤٤).

الآية الثامنة عشرة ـ قال تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً) (الفتح ١٧).

الآية التاسعة عشر ـ قال تعالى (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا

١١٠

اللهَ وَرَسُولَهُ) (المجادلة ١٤).

أقول هذه الآيات المباركة لا دليل ولا قرينة في شيء منها ان إيجاب طاعة الرسول فيها وجوب إرشادي وطريق الى وجوب طاعته تعالى بل الظاهر في جميعها ان الوجوب فيها مولوي موضوعي وهذه الآيات متفقة المفاد مع الآيات التي استقصينا البحث فيها.

الآية العشرون (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (النور ٥٦).

بيان الآية الكريمة إرشاد إلى وجوب طاعته تعالى في ما يدركونه بضرورة عقولهم من الواجبات الذاتية والمحرمات الذاتية مثل وجوب الايمان بالله الإذعان بالحق وحرمة الكفر والظلم وإرشاد إلى وجوب طاعة ما بلغهم رسول الله من أحكامه تعالى ما أوحى إليه في القرآن وغيره.

قوله (فَإِنْ تَوَلَّوْا) اي تتولوا واستكبرتم وأعرضتم عن طاعته تعالى وطاعة رسوله فلن يضر الله شيئا ولن يضر رسوله فان الرسول ليس مسؤولا إلا في مقابل ما حمل عليه من أثقال النبوة الصبر والوفاء وبذل المجهود وتبليغ رسالات الله وقد اتى وعمل بما كان مكلفا به (وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) ما كلفتم من الايمان بما عرفتم من صريح الحق وما أوجب الله عليكم من طاعة الرسول واعلموا انكم أن تطيعوه تسعدوا وترشدوا لصلاح دينكم ودنياكم واما الرسول فليس عليه الا البلاغ المبين أي ان رسولنا مأمور بالبلاغ لا يتوقع بطاعتكم شيئا وليس أجر بلاغة الا على الله رب العالمين فتحصل في المقام ان قوله تعالى (فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ) تأكيد لوجوب طاعته تعالى وطاعة رسوله واقامة حجة على من نكص على عقبيه عن طاعة الله سبحانه وطاعة رسوله وإزاحة لاعذارهم وعللهم وليس فيها ما يوهم ان الآية الكريمة مسوقة لبيان أن وجوب طاعة الرسول وجوب طريقي.

في البرهان ج ٣ ص ١٤٥ عن محمد بن عباس بإسناده عن عيسى بن داود النجار عن موسى بن جعفر عليهما‌السلام عن أبيه في قول الله عزوجل (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ) من السمع والطلة والامانة والصبر (وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) من العهود التي أخذها الله عليكم في علي وما بين لكم في القرآن من فرض طاعته. الحديث.

أقول ذيل الحديث في حق علي عليه‌السلام من باب بيان المصداق لا من

١١١

باب بيان تمام المراد.

الآية الحادية والعشرون قال تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (التغابن ١٢).

أقول الكلام في تفسير هذه الآية بعينه الكلام في سابقتها وهي الآية في سورة النور ـ ٥٤.

الآية الثانية والعشرون قال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (سورة محمد آية ٢٣) بيان قد ذكروا في تفسير قوله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) أقوالا لا فائدة في إيرادها والظاهر ان المتناسب بعد قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) ان المراد بابطالهم أعمالهم هو فقدان العمل الاجزاء والشرائط التي أمر الله تعالى أو أمر بها رسول الله (ص) في ما سن من السنن أو أمر رسول الله بمقام ولايته على أمور المسلمين وشئون اجتماعهم فخالفوا أمر الله تعالى وأمر الرسول (ص) فعلى هذا يكون المراد هو البطلان الحقيقي لعدم وجدان الأعمال والاجزاء والشرائط الدخيلة في صحتها.

قال الشيخ (قده) في تبيانه ج ٩ ص ٣٠٨ في تفسير المقام بأن يوقعوها على خلاف الوجه المأمور فيبطل ثوابهم عليها فيستحقون العقاب انتهى.

أقول هذا هو الظاهر في الآية الكريمة فعليه يكون عطف قوله (وَلا تُبْطِلُوا) عطفا توضيحيا.

وهل يمكن ان يكون المراد من إبطال الأعمال هو إحباط ثوابها فان حبط ثواب العمل نوع من الابطال لا يخلو عن الاشكال لعدم صراحة الإبطال في معنى الإحباط.

في نور الثقلين ج ٥ ص ٤٥ عن ثواب الأعمال عن أبي جعفر عليه‌السلام قال رسول الله (ص) من قال سبحان الله غرس الله بها شجرة في الجنة ومن قال الحمد لله غرس الله بها شجرة في الجنة ومن قال لا إله إلا الله غرس الله بها شجرة في الجنة فقال رجل من قريش يا رسول الله أن شجرتنا في الجنة لكثيرة قال نعم ولكن إياكم أن ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوا بها وذلك ان الله عزوجل يقول (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ).

أقول ويؤيد هذا الوجه أن بناء على ما ذكره الشيخ (قده) يكون المراد عن الابطال هو الآيتان فاسدا وبناء على كونه بمعنى الإحباط أي إبطال ثواب العمل فلا يخفى ان في كل واحد من الوجهين نوع من الخفاء فلا ترجيح في البين بحيث يوجب ظهور الآية في واحد من الطرفين والإنصاف أن مع ذلك كله الظاهر هو ما ذكره الشيخ

١١٢

(قده).

والظاهر انه لا فرق بين الوجهين ان الحكم في قوله تعالى (لا تُبْطِلُوا) حكم إرشادي سواء قلنا ان المراد هو إتيان العمل فاسدا أو إحباط ثوابه بمعصية خارجة عن ماهية العمل.

وأما حمل الآية على ان المراد هو الانصراف عن العمل في أثناء العمل قبل إتمامه صحيحا فلا دليل عليه من ظاهر الآية فإن المقام هو تذكير العقول وتحكيم ما يدركه بالبداهة من وجوب طاعة الله سبحانه وتشريع وجوب طاعة الرسول على المؤمنين والتحذير عن إبطال بمخالفة امره تعالى وأمر رسوله سيما ان الآيات مسوقة في مقام ترسيم أمور القتال والثبات في قتال العدو وان قلنا أن المورد لا يوجب تقييد إطلاق الآية فإن قلت فأي مانع من الأخذ بالإطلاق بالنسبة الى هذا النوع أيضا.

قلت قد ثبت في محله ان الإطلاق انما يكون بالنسبة إلى الأنواع والإفراد في سياق الكلام إذا كانت الأنواع أو الإفراد متساوية القوام في سياق الكلام فلا بد في إحراز ذلك في مرحلة الحمل على الإطلاق.

وثانيا ان تحريم قطع العمل قبل إتمامه تحريم مولوي فيشكل القول بالإطلاق بين الأحكام التعبدية والإرشادية كما قد تقرر في محله ان الأوامر والنواهي الإرشادية لا إطلاق ولا عموم فيها وانما يدور مدار الأمر المرشد اليه وسعته وضيقه.

الآية الثالثة والعشرون ـ قال تعالى (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً) (الحجرات ١٤).

بيان قال في القاموس ج ١ ص ١٦٣ الى ان قال لأنه يلوثه ويلوثه حبسه عن وجهه وصرفه الى ان قال نقصه انتهى ما أردناه.

بينما قال في القاموس ج ١ ص ١٣ الى أن قال لأنه يلوثه ويلوثه حبسه عن وجهه وصرفه لكن أن قال نقصه انتهى ما أردناه.

والايمان هو العرفان بالله وبتوحيده وقدسه عن جميع ما لا يليق به ثم تحكيم عهود وتثبيت مواثيق بين الرب والمربوب والعابد والمعبود أي الإقرار والتعهد بالقيام بجميع ما يجب عليه من وظائف العبودية اي عهدا وميثاقا واجبا بذاته والظاهر ان تسمية هذا الموقف الخطير ايمانا بلحاظ هذه العهود والمواثيق لا باعتبار معرفته ومعاينة ربه ، والإسلام في الآية الكريمة ما عليه جمهور المسلمين من التسليم والاستسلام الظاهري الذي جرت عليه المناكح والمواريث وبه حقنت الدماء وتشمل الضلال والمنافقين.

وللإسلام إطلاق آخر ومعنى آخر يساوق الحد الأعلى من الايمان بعناية خاصة في لفظ الإسلام قال تعالى (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (البقرة ١٣٠)

١١٣

قال تعالى (وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) (البقرة آية ١٢٣) وفي هذا السياق آيات كثيرة في القرآن الكريم فعلى عهدة الباحث التحري والتحقيق والتفريق بين الآيات في هذا الباب وقوله تعالى (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) الظاهر ان هذا ليس من باب العتاب والتوبيخ بل على نحو بيان الواقع والاخبار عن نفس الأمر وفيه بيان إجمالي بحقيقة الايمان وأنها فوق الإسلام والإسلام بابه وحريمه وتفصيل تلك الأبحاث موكول الى محل آخر.

قوله تعالى (وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) أي أن تطيعوا الله تعالى في دينه وشريعته في الفرائض العقلية والشرعية في المحرمات كذلك وتطيعوا الرسول في ماله الولاية عن الله تعالى من تسنين السنن ونظم الأمور ، وظاهر السياق أن الآية خطاب للأعراب الذين قالوا آمنا ولا يبعد أن يقال أنه مطلق شامل لكل من عرف وعقل على حسب مراتب ايمان المؤمنين وواضح أن المراد بطاعته تعالى وطاعة رسوله ما كان مقرونا بالإخلاص لله وحده لا شريك له فمن مصاديق طاعته تعالى وطاعة رسوله نفس الأعمال التي أتى بها موافقة لأمره تعالى وأمر رسوله من العبادات التعبدية وكذلك الواجبات الغير المولوي وترك المحرمات.

قوله تعالى (لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً) أي لا ينقصكم الله سبحانه من ثواب أعمالكم شيئا فإنه سبحانه وفي شكور لا يضيع لديه أجر المحسنين وانما قلنا ثواب أعمالكم ضرورة أن انتقاص نفس العمل أو إتمامه انما هو فعل من أفعال المكلفين فلا محصل لنسبة تنقيص الأعمال أو إكماله التي من أعمال المكلفين اليه تعالى بل الظاهر أن المراد هو الثواب الذي وعده تعالى تفضلا عليهم فيجازيهم ولا ينقص منه شيئا فإنه تعالى وافي القول فلا يخلف الميعاد. في الآية الكريمة دلالة على إكرامه تعالى لرسوله وعلى عناية خاصة بشأنه فإنه تعالى قرن طاعة رسوله بطاعته وجعل طاعته وطاعة رسوله عين عبادة عبادة فإن عباداتهم عين امتثال أوامره وأوامر رسوله وفي بعض من عباداتهم جعل طاعته وطاعة رسوله شرطا لقبول عباداتهم وترتب الثواب عليها مثل ما لو كانت الطاعة خارجة عن حقيقة العبادة وبعبارة أخرى جعل التقوى وترك معصية الله تعالى ومعصية رسوله شرطا لقبول عباداتهم وترتب الثواب عليها مثل ما لو كانت الطاعة خارجة عن حقيقة العبادة وبعبارة أخرى جعل التقوى وترك معصية الله تعالى ومعصية رسوله شرطا لقبول عباداتهم وهذا خلاصة القول في تفسير هذه الآيات وفي هذا المعنى روايات كثيرة عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام قد تقدم شطر منها في تفسير الآيات ونورد في هذا

١١٤

المقام عدة أخرى تأكيدا أو توضيحا وتأييدا لمفاد الآيات وأما الروايات فكثيرة منها الروايات التي وردت لتوضيح الآيات وتفسيرها.

١ ـ ففي البحار ج ١٧ ص ٦ نقلا عن الكافي : الحسين بن محمد عن المعلى ، عن الوشاء عن حماد ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : وضع رسول الله (ص) دية العين ودية النفس ، وحرم النبيذ وكل مسكر فقال له رجل : وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من غير ان يكون جاء فيه شيء؟ قال نعم ليعلم من يطيع ممن يعصيه.

٢ ـ وفي البحار ج ١٧ ص ٨ نقلا عن الاختصاص وبصائر الدرجات : ابن يزيد ومحمد بن عيسى عن زياد القندي ، عن محمد بن عمارة عن فضيل بن يسار ، قال سألته كيف كان يصنع أمير المؤمنين بشارب الخمر قال : كان يحده قلت : فان عاد قال كان يحده ثلاث مرات فان عاد كان يقتله قلت : كيف كان يصنع بشارب المسكر؟ قال مثل ذلك قلت : فمن شرب شربة مسكر كمن شرب شربة خمر؟ قال سواء فاستعظمت ذلك فقال لي يا فضيل لا تستعظم ذلك فان الله انما بعث محمد (ص) رحمة للعالمين والله أدب نبيه فأحسن تأديبه فلما ائتدب فوض اليه فحرم الله الخمر وحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كل مسكر فأجاز الله ذلك له وحرم الله مكة وحرم رسول الله (ص) المدينة وفرض الله الفرائض من الصلب ، فأطعم رسول الله الجد فأجاز ذلك كله ثم قال يا فضيل حرف وما حرف (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ).

٣ ـ وفي البحار ج ١٧ ص ٩ نقلا عن بصائر الدرجات : محمد بن عيسى عن النصر ، عن عبد الله بن سليمان أو عمن رواه عن عبد الله بن سليمان ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : أن الله أدب محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله تأديبا ففوض إليه الأمر وقال (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وكان مما أمره الله في كتابه فرائض الصلب وفرض رسول الله (ص) للجد فأجاز الله ذلك له وحرم الله في كتابه الخمر بعينها وحرم رسول الله كل مسكر فأجاز الله ذلك له.

٤ ـ وفي البحار ج ١٧ ص ٨ نقلا عن بصائر الدرجات : محمد ابن عيسى ، عن أبي عبد الله المؤمن عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ان الله أدب نبيه (ص) حتى إذا اقامه على ما أراد قال له (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) فلما فعل ذلك رسول الله (ص) زكاه الله فقال (إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) فلما زكاه فوض اليه دينه فقال (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ

١١٥

فَانْتَهُوا) فحرم الله الخمر وحرم رسول الله (ص) كل مسكر فأجاز الله ذلك كله وان الله أنزل الصلاة وان رسول الله (ص) وقت أوقاتها فأجاز الله ذلك.

٥ ـ وفي الوسائل ـ ج ٣ ص ٣٤ عن الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن عمير عن عمر بن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : عشر ركعات ركعتان من الظهر وركعتان من العصر. لا يجوز الوهم فيهن. وهي الصلاة التي فرضها الله عزوجل على المؤمنين في القرآن وفوض الى محمد (ص) فزاد النبي في الصلوات سبع ركعات هي الستة ليس فيهن قراءة انما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعا ، والوهم انما يكون فيهن فزاد رسول الله (ص)

٦ ـ وفي البحار ج ٨٢ ص ٢٦٢ نقلا عن العلل عن أحمد بن محمد العطار بن أبيه عن محمد العلوي الدينوري بإسناده رفع الحديث الى الصادق عليه‌السلام قال قلت له ولم صارت المغرب ثلاث ركعات وأربعا بعدها وليس فيها تقصير في حضر ولا في سفر؟ فقال ان الله عزوجل انزل على نبيه العظيم كل صلاة ركعتين في الحضر فأضاف إليها رسول الله لكل صلاة ركعتين وقصرها في السفر الا المغرب.

٧ ـ وفي البحار ج ١٧ ص ٥ نقلا عن الكافي : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله (ع) قال : أن الله تبارك وتعالى أدب نبيه (ص) فلما انتهى الى ما أراد قال (إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ففوض اليه دينه فقال (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وأن الله عزوجل فرض الفرائض ولم يقسم للجد شيئا وأن رسول الله (ص) أطعمه السدس فأجاز الله جل ذكره ذلك وذلك قول الله عزوجل (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ).

٨ ـ وفي البحار أيضا ص ٧ نقلا عن الكافي : علي بن محمد ، عن بعض أصحابنا عن الحسين بن عبد الرحمن عن صندل الخياط عن زيد الشحام قال سألت أبا عبد الله (ع) في قوله تعالى (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) قال أعطى سليمان ملكا عظيما ثم جرت هذه الآية في رسول الله (ص) فكان له أن يعطي ما يشاء ومن يشاء وأعطاه الله أفضل مما اعطى سليمان لقوله تعالى (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).

٩ ـ وعن بصائر الدرجات ص ١١٢ عبد الله بن عامر عن البرقي ، عن الحسن بن عثمان عن محمد بن الفضيل ، عن الثمالي قال قرأت هذه الآية على

١١٦

أبي جعفر (ع) (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) قول الله لنبيه (ص) وانا أريد أن أسأله عنها فقال أبو جعفر (ع) بلى وشيء وشيء مرتين : وكيف لا يكون له من الأمر شيء وقد فوض الله اليه دينه فقال (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فما أحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال وما حرم فهو حرام.

أقول : وبهذا العنوان روايات في البحار فراجع :

١٠ ـ وعن بصائر الدرجات مسندا عن زرارة سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن أشياء من الصلوات والآيات والفرائض وأشياء عن أشباه هذا فقال أن الله فوض الى نبيه.

١١ ـ وفي البحار ج ١٧ ص ٩ نقلا عن بصائر الدرجات : بعض عن محمد بن الحسن عن علي بن النعمان عن ابن مسكان ، عن إسماعيل بن عبد العزيز قال : لي جعفر بن محمد عليه‌السلام ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يفوض اليه أن الله تبارك وتعالى فوض الى سليمان عليه‌السلام ملكه ، فقال (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) وان الله فوض الى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله نبيه فقال (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فقال رجل : انما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مفوضا إليه في الزرع والفرع فلوى جعفر عليه‌السلام عنه عنقه مغضبا فقال ، في كل شيء والله في كل شيء.

١٢ ـ وفي الكافي ص ٢٦٨ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسن ، عن يعقوب بن يزيد عن الحسن بن زياد ، عن محمد بن الحسن الميثمي عن ابن عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول ان الله أدب رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى قومه على ما أراد ثم فوض اليه فقال عز ذكره (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فما فوض الى رسوله فقد فوض إلينا.

١٣ ـ وفي أصول الكافي ج ١ ص ٢٨٦ عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس وعلي بن محمد ، عن سهل بن زياد وأبي سعيد ، عن محمد بن عيسى عن يونس عن ابن مسكان عن أبي مسكان عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فقال نزلت في علي ابن أبي طالب والحسن والحسين عليهم‌السلام فقلت ان الناس يقولون فما له لم يسم عليا وأهل بيته عليهم‌السلام في كتاب الله عزوجل قال فقال : قولوا لهم : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نزلت عليه الصلوات ولم يسم الله لهم ثلاثا ولا أربعا حتى كان رسول الله هو الذي فسر ذلك لهم ونزلت عليه الزكاة ولم يسم لهم عن كل أربعين درهما درهم حتى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي فسر لهم ونزل الحج فلم يقل لهم طوفوا أسبوعا حتى كان رسول الله هو الذي فسر ذلك لهم. الحديث.

وفي جامع أحاديث الشيعة ج ١ باب المقدمات ص ٣٨

١١٧

(كتاب الصلاة)

قد جرت عادة المفسرين في البحث عن الآيات الواردة في الصلاة تقديم آيات فيها دلالة على وجوب الصلاة وفضيلتها وتشريفها قال في كنز العرفان ج ١ ص ٥٨ النوع الأول في البحث بقول مطلق وفيه آيات.

(الآية الأولى)

قال تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) انتهى وبيان الآية الكريمة في ذيل الآيات المسوقة لبيان صلاة الخوف وصدر الآية هكذا قال تعالى (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) النساء (١٠٢).

أقول الظاهر من بعض الكلمات اتفاق اللغويين والفقهاء ان الصلاة بمعنى الدعاء وهذا على الظاهر غير سديد لا بد من توجيه كلماتهم فإن الصلاة فعل لازم يتعدى الى مفعوله بأداة التعدية قال تعالى (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ) الآية. بخلاف الدعاء فإنه متعد بنفسه وليسا بمترادفين وكذا النداء ليس بمعنى الدعاء فيبعد ما ذكروه ان الصلاة بمعنى الدعاء وأبعد منه أن يكون النداء الذي من إفراد الدعاء والظاهر ان الدعاء هو التوجه والإقبال إلى الغير بعناية توجه الغير إلى الداعي واجابته بخلاف الصلاة فإن المراد منها التوجه المطلق من دون العناية بطلب إقبال الغير إلى الداعي وعدم دخالة هذه العناية في تحقق مفهومه فالصلاة متحققة بالتكبير والتسبيح والتحميد وقراءة القرآن بما انه عهد الله الى خلقه ومنشور ولايته جل ثناؤه ويتحقق بالدعاء أيضا. عن الخصال عن النبي (ص) في فضيلة الصلاة ـ الى ان قال ـ لأن الصلاة تسبيح وتهليل وتحميد وتكبير وتمجيد وتقديس وقول ودعوة.

فالصلاة اللغوي كما تتحقق بكل واحدة من هذه المذكورات يتحقق بجميعها أيضا.

فالفقيه يأخذ بالمفهوم العام أو المطلق ويأخذ بالحدود والشرائط المعتبرة المقررة فيها وجوبا أو استحبابا عن أدلة أخرى فتعين المأمورية عنده بتعدد الدال والمدلول فيصير هذا الفرد المحدود بالحدود والقيود مصادقة المعنى اللغوي من أفراد العام والمطلق بالحقيقة وهذا هو العنوان الجامع بين جميع أنواع الصلاة وإفرادها وهكذا الكلام في شرائطها وقيودها بالوضع النفسي فكما يجب الأخذ في الصلاة بالمفهوم اللغوي كذلك في شروطها وقيودها بالوضع النفسي من دون توهم حقيقة شرعية في مفهوم الصلاة أو مفهوم شيء في شرائطها وقيودها بالوضع النفسي ومن دون توهم حقيقة متشرعة بالوضع التعيني أصلا.

قوله تعالى (كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) الظاهر ان سوق الآية الكريمة في

١١٨

مفاد التذكر الى وجوب الصلاة لا بيان فرض الصلاة ولا بيان مواقيتها كما توهمه جمع من المفسرين قال الجصاص في أحكام القرآن ج ٢ ص ٣٢٤ وروي عن عبد الله بن مسعود انه قال ان للصلاة وقتا كوقت الحج ـ الى ان قال ـ وعن ابن عباس ومجاهد وعطية مفروضا ـ الى ان قال ـ قال أبو بكر الجصاص انتظم ذلك إيجاب الفرض ومواقيته لان قوله تعالى (كِتاباً) معناه فرضا وقوله تعالى (مَوْقُوتاً) معناه انه مفروض في أوقات معلومة معينة فأحمل ذكر الأوقات في هذه الآية وبينها في مواضع أخرى من الكتاب انتهى ما أردناه ، وقريب منه عبارة غيره.

وصرح جمع من المفسرين ان معنى فرض في قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) والعناية في ذلك ان المكتوب حيث انه ثبت على الصحف والألواح عبر عن الواجب بالمكتوب بعناية ثبوته وتحققه في وعاء التشريع.

أقول أن الكتابة مع جميع ما لوحظ فيها من تقرر المكتوب وتحققه وتنزيل الواجب منزلة المكتوب من حيث الثبوت لا يدل على أزيد من الثبوت والتقرير في صحيفة التشريع والأحكام كلها كذلك مكتوب وثابت بحسب تقرره وتحققه في وعاء التشريع وفي صحيفة الجعل واستعمال كتب في غير الفرض غير عزيز في الكتاب والسنة اما استعماله في الندب مثل قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) (البقرة ١٨٠) فالآية بقرينة ذيلها (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) تدل على استحباب الوصية للاقربين استحبابا مؤكدا وكذلك استعماله في الوضعيات مثل قوله (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) (البقرة) (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ.) الآية (المائدة ٤٥) فكتابة الحكم لا يستلزم الوجوب ولا ينافي الاستحباب فكلاهما مكتوب ومجعول ومثبت في لوح التشريع لا يزول ولا يمحى الا بناسخ ينسخه وكذلك الأمور الوضعية والقوانين الجزائية فاستفادة الوجوب والندب والوضع والتكليف (من كتب وكتابا) محتاج إلى قرائن أخرى.

قال الشيخ (قده) في تبيانه ص ٣١٢ طبع النجف وقوله (إِنَّ الصَّلاةَ) الآية اختلفوا في تأويلها فقال قوم معناه ان الصلاة كانت على المؤمنين فريضة مفروضة ذهب إليه عطية العوفي وابن عباس وابن زيد والسدي ومجاهد وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) وقال آخرون كانت على المؤمنين فرضا واجبا ذهب اليه الحسن ومجاهد في رواية وابن عباس في رواية وأبو جعفر في رواية والمعنيان متقاربان بل هما واحد انتهى.

في تفسير أبي السعود (مَوْقُوتاً) قيل فرضا مقدرا في الحضر اربع ركعات وفي السفر ركعتين انتهى.

١١٩

ووجه هذا الاضطراب هو ما ذكرنا من عدم صحة التعليل بالمعنى المتبادر في بدو الأمر فعبروا في تعبير كتابا موقوتا أنها فريضة مفروضة ففي روايات أهل البيت (ع) تصريحات ببطلان التوقيت بمعناه الحقيقي ومحصل تلك الروايات التعرض ببطلان ما يتوهم في بدو النظر انها فرض موقت بل ثبوت الواجب ووجوب الأوقات أيضا.

في تفسير العياشي عن منصور بن خالد قال سمعت أبا عبد الله (ع) وهو يقول (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) قال لو كان موقوتا كما يقولون فهلك الناس ولكان الأمر ضيقا ولكنها كانت على المؤمنين موجوبا وفيه عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) قال سألته عن قول الله (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) قال كتاب واجب انه ليس مثل وقت الحج ورمضان إذا فاتك فقد فاتك وأن الصلاة إذا صليت فقد صليت وفي رواية أخرى عن الكليني بإسناده عن داود بن فرقد قال قلت لأبي عبد الله (إِنَّ الصَّلاةَ) ـ الى آخره ـ قال كتابا ثابتا وليس أن عجلت ليلا أو أخرت قليلا بالذي يضرك ما لم تضيع تلك الإضاعة.

أقول قد صرح (ع) بالتعليل المذكور وان الصلاة كتاب واجب وكتاب ثابت وكتاب موجوب مع العناية البالغة بوجوب الوقت أيضا وأن الوقت عن حدود الصلاة مع فرق بين كونه قيد الصلاة وبين كونه قيد الحج والصوم وإبقاء الكتاب على معناه وتقييده بالواجب والثابت وهذا استنباط لطيف في نهاية الدقة ولعله (ع) استظهره من حيث وقوع الآية بعد بيان صلاة الخوف والمطاردة في مقام التعليل لعدم سقوطها في شيء من الحالات مع التعرض ان الآية ليست في مقام التوقيت كما يتوهمون وليس السياق في مقام تشريع الصلاة من حيث الوقت.

فإطلاق المكتوبة على الفرائض اليومية لأنها من أوضح أنواع المكتوبة لا انها هي المكتوبة فقط دون غيرها فلا يتم الاستدلال في المقام بما في بعض الروايات من التعبير عن الفرائض بالمكتوبة ضرورة ان كونها مكتوبة لا ينافي كون غيرها مكتوبة أيضا لما ذكرنا من عدم اختصاص العناية الملحوظة بالفرائض دون غيرها. وذكر بعض المفسرين في المقام أن الوقت في الصلاة كناية عن الثبات وعدم التغير من باب إطلاق الملزوم وارادة اللازم انتهى.

قد تحصل من جميع ما ذكرنا ان قوله تعالى (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) الآية ليس في مقام تشريع الصلاة وبيان وجوبها ضرورة ان مورد الآية الكريمة انما هي بعد الفراغ عن وجوب الصلاة وبيان عدة من أحكامها في حال الحرب والسفر والخوف لا في مقام بيان أن الصلاة مضروبة على أوقاتها المعنية بل

١٢٠