تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٧

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي - ج ٧

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٦٠٧

(قَلِيلاً) ، ويسيرا ، دلّ ذلك أنهم لم يكونوا في عذاب وبلاء.

ويتأولون قوله : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) [غافر : ٤٦] على التقديم والتأخير ، يقولون تأويله : ويوم القيامة أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب النار يعرضون عليها غدوّا وعشيّا ـ ليس على ألّا يكون لهم عذاب فيما بين ذلك ؛ ولكن على ما [ذكر](١) في الجنة : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [مريم : ٦٢].

ومن يقول بالعذاب في القبر يقول : قوله : (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) في الدنيا ، أو يقولون ذلك في وقت وهو ما بين النفختين.

كذلك يقولون : إنه يرفع عنهم العذاب ما بين النفخة الأولى والثانية ، وهذا احتيال.

ويقال ـ أيضا ـ : ليس في استقلالهم المقام والاستقصار ما يدلّ على أن لم يكن لهم عذاب في القبر ؛ لأن العرف في الناس أنهم [إذا] كانوا في بلاء وشدّة ونوع من المرض ، ثم نزل بهم ما هو أشدّ من ذلك وأعظم ؛ استصغروا ما كانوا هم فيه ونسوا ذلك ؛ فعلى ذلك هؤلاء إذا عاينوا عذاب القيامة وأهوالها وأفزاعها استصغروا ما كان بهم من العذاب في القبر ، ونسوا ذلك ؛ ألا ترى أنهم إذا عاينوا الجنة ونعيمها نسوا ما كان لهم من النعم في الدنيا ، ولا شك أنه قد كان لهم نعيم في الدنيا فعلى ذلك العذاب.

وقال أبو عوسجة : (وَرُفاتاً) ، قال : رفاتا منكسرة ، وفتته ، أي : كسرته.

وقال القتبي (٢) : (أَكِنَّةً) [الإسراء : ٤٦] : جمع كنان ، مثل غطاء وأغطية.

(وَإِذْ هُمْ نَجْوى) ، أي : يتناجون ، يسار بعضهم بعضا أنه مجنون ، وأنه ساحر كاهن وأساطير الأولين.

وقال بعضهم : كان نجواهم ما ذكر في سورة الأنبياء حين قالوا : (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ ...) الآية [٣] ؛ فذلك قوله : (وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ) [الفرقان : ٨] ، أي : ما تتبعون (إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً). قال أبو عبيدة (٣) : (مَسْحُوراً) ؛ أي : قد سحر به ، وهو يناقض قولهم ، وقد ذكرنا وجه تناقض قوله فيما تقدم ، والله أعلم.

قوله تعالى : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) انظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٥٥) ، لابن قتيبة.

(٣) انظر : مجاز القرآن (١ / ٣٨١).

٦١

(٥٤) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً)(٥٥)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).

يحتمل قوله : (الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الوجوه الثلاثة :

أحدها : الدعوة ؛ كقوله : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) [النحل : ١٢٥] : أمره أن يدعوا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ؛ فالتأنيث للدعوة ، كأنه قال : ادع لهم الدعوة التي هي أحسن الدعوة ، على إضمار الدعوة.

وجائز على إضمار الحسنة ، أي : قل لهم أن يقولوا لهم الحسنة التي هي أحسن.

أو على إضمار الأقوال ؛ كأنه قال : يقولوا لهم الأقوال التي هي أحسن الأقوال ، وإلا ظاهره أن يقول : «يقولوا الذي (١) هو أحسن».

والثاني : على إضمار المجادلة ـ المناظرة ـ معهم ؛ كقوله : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل : ١٢٥] : أمر رسوله أن يجادلهم أحسن المجادلة والمحاجة معهم.

والثالث : في حسن المعاملة معهم والعفو والصفح عما كان منهم إلى المسلمين من أنواع الأذى فأمرهم أن يحسنوا معاملتهم ويصفحوا عنهم ، كقوله : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [المائدة : ١٣] ، وكقوله : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ...) الآية [المؤمنون : ٩٦] ، وقوله : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ ...) الآية [آل عمران : ١٤٣] ونحوه من الآيات : أمرهم أن يعاملوا أولئك أحسن المعاملة ، [وهو أن الله يتركهم](٢) ولا يكافئهم بسوء صنيعهم ، ولكن يعفون عنهم ، ويصفحون لما لعلهم يكونون أولياء وحميما على ما أخبر ، ويصيرون إخوانا لهم من بعد هذا في حق هذه الآية.

وأمّا من جهة الحكمة ، وهو أن الله ـ تعالى ـ أنشأ هذا اللسان وجعله ترجمانا بين الخلق : به يفهم بعضهم من بعض ، وبه يقضي الحوائج بعضهم من بعض ، وبه قوام معاشهم ومعادهم ، وبه بعث الرسل والكتب جميعا ، فإذا كان كذلك فالواجب ألا يستعمل إلا في الخير والحكمة ، ولا ينطق به إلا ما هو أحسن وأصوب ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ).

أي : يفسد بينهم ويوسوس إليهم ويغري بعضهم على بعض ؛ ليفسد بينهم ، وذلك كقوله : (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً).

أي : كان الشيطان منذ كان للإنسان عدوّا ظاهرا عداوته بيّنا. جعل الله ـ تعالى ـ

__________________

(١) في ب : التي.

(٢) سقط في ب.

٦٢

الشيطان بحيث يوسوس إليهم ويدعوهم إلى أشياء يظنون أن ذلك خير لهم ، وأبدا يلقي إليهم ما يقع عندهم أن ذلك أنفع لهم ويحبب إلى كلّ مذهبا يقع عنده هو الحق ؛ فيقع (١) بذلك الإفساد وإبقاء العداوة بينهم أبدا هذا دأبه وشأنه يجبر كلا إلى جهة ، ويري كل أحد جهة غير الجهة التي أرى الآخر ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ).

هذا يحتمل وجهين :

أحدهما : (أَعْلَمُ بِكُمْ) : بمصالحكم ، وما لا يصلح لكم في الدّنيا والآخرة.

والثاني : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) : بما تسرون وما تعلنون ، وما تعلمون وتفعلون ، وإلا : لا شك أنه أعلم بنا منا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ).

قال بعضهم (٢) : إن [يشأ] يرحمكم فينجيكم من أذى هؤلاء ، أو إن يشأ يعذبكم فيسلّطهم عليكم.

والثاني : إن يشأ يرحمكم ، فيهديكم إلى دينه ، ويوفقكم لسبيله ، أو إن يشأ ، يترككم ويخذلكم ، ولا يهديكم إلى سبيله ، ولا يوفقكم لدينه.

وقوله : (إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) : يحتمل الرحمة في الدنيا والآخرة : أما في الدنيا : هو أن يوفقهم على الطاعة ، ويعينهم على ذلك وفي الآخرة : ينجيهم ويدخلهم الجنة. وأما التعذيب في الدنيا : أن يخذلهم ويتركهم على ما يختارون ، وفي الآخرة يعذبهم في النار بالذي اختاروا في الدّنيا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً).

قال بعضهم (٣) : أي : لم نجعلك حفيظا على ردّهم وإجابتهم وعلى صنيعهم.

وقال بعضهم : وكيلا ، أي : ثقيلا بأعمالهم ، أي : لا تؤخذ أنت بصنيعهم ؛ كقوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٥٢] ، وكقوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) [النور : ٥٤].

وقال بعضهم : (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) ، أي : مسلطا عليهم وقاهرا لهم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).

__________________

(١) في أ : فيقصد.

(٢) قاله الكلبي ، كما في تفسير البغوي (٣ / ١١٩).

(٣) قاله البغوي (٣ / ١١٩).

٦٣

يحتمل ما ذكرنا : أنه أعلم بمصالحهم ومفاسدهم ، وما يسرّون وما يعلنون ، ويحتمل غير هذا ؛ جوابا لقولهم : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] ، وقوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤].

يقول ـ والله أعلم ـ (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ) ، أي : أعلم بمن يصلح للنبوة والرسالة ، وبمن لا يصلح ، ومن هو أهل لها [ومن ليس بأهل لها](١).

أو يقول : أعلم بمن في السموات والأرض ، أي : عن علم بما يكون منهم أنشأهم لا عن جهل ، أو أعلم بهم من أنفسهم ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ).

مثل هذا لا يكون إلا في نازلة ، لكنه لم يذكر النازلة التي عندها نزلت ، ثم اختلف فيما ذكر من تفضيل بعض على بعض :

قال بعضهم (٢) : إنه أعطى كلّا شيئا لم يعط غيره ؛ من نحو ما ذكر أنّه كلّم موسى ، واتخذ إبراهيم خليلا ، وأعطى عيسى إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، وهو روح منه وكلمته ، وأعطى سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، وأعطى داود زبورا ، وأعطى سيّدنا محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن بعث إلى الناس كافّة ، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر ومثله.

وقال بعضهم : فضل بعضا على بعض في الدرجة والمنزلة والقدر عنده.

فالأوّل : يكون التفضيل في الآيات والحجج ، والثاني : في أنفسهم : في المنزلة والقدر.

ويحتمل ما ذكر من تفضيل بعض على بعض في الآيات والحجج.

ويحتمل في كثرة الأتباع : يفضل بعضهم على بعض بكثرة الأتباع.

والثالث : يفضل بعضهم على بعض في القيام بشكر ما أنعم عليه وصبره على ما ابتلاه به.

والرابع : [...](٣)

وعلى قول المعتزلة : لا يكون لأحد فضيلة عند الله إلا باستحقاق منه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً).

جميع كتب الله : زبور ؛ لأن الزبور هو الكتاب. وقد ذكرنا أنا لا ندري لأية نازلة ذكر هذا ، ولا يحتمل ذكر مثله على الابتداء والاستئناف ، لكن فيه أن التفضيل والمنزلة إنما يكون من عند الله ، ومن عنده يستفاد لا بتدبير من أنفسهم واستحقاق ؛ حيث قال : (انْظُرْ

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) قاله قتادة ، أخرجه جرير (٢٢٣٧٢) وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٤١).

(٣) بياض بالأصل : نبه عليه الناسخ في حاشية أ.

٦٤

كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) [الإسراء : ٢١] ، لئلا يرى أحد الفضل والمنزلة لنفسه بأسباب منه ؛ ولكن من عند الله.

وقال الأصم في قوله : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) يقول : يخاطب به أهل الكتاب : أن أوائلكم كانوا يرون لبعض على بعض فضلا في الدنياوية.

ثم إن أولئك المفضلين (١) كانوا يتبعون الرسل ؛ لما رأوا لهم من الفضل والخصوصية ؛ فما بالكم (٢) يا أهل مكة لا تتبعون محمدا ، وقد ترون [له] فضائل وخصوصية ما لا ترون ذلك لأنفسكم ولا لأحد سواه ، وكلام نحو هذا ، والله أعلم.

قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (٥٦) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧) وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٥٨) وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (٥٩) وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً)(٦٠)

وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً).

وفى سورة سبأ (٣) : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ...)

الآية [٢٢] ، فيشبه أن يكون الآية عند ما نزل بهم البلايا والشدائد على ما قاله أهل التأويل ، فأمروا عند ذلك أن يطلبوا كشف ذلك عنهم من الذين يعبدون [من دون الله](٤) ، فيقول لهم : ادعوا الذين زعمتم أنها آلهة دونه يكشفوا عنكم ما نزل بكم.

ويشبه أن يكون لا على نازلة ؛ ولكن على تبيين سفه أولئك ، حيث قالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] وقالوا : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] : أخبر أن ليس لهؤلاء شفاعة عند الله ، وأن عبادتهم إياها لا تقربهم إلى الله زلفى ، كقوله : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ) [الزمر : ٤٣] : أخبر أنهم لا يملكون ما يطعمون بعبادتهم إياها.

__________________

(١) في أ : المضلين.

(٢) في ب : لكم.

(٣) في ب : السبأ.

(٤) في أ : دونه.

٦٥

أو أن يذكر هذا ؛ لقطع ما يرجون من دون الله من كشف ضرّ عنهم ودفعه ، أو جر نفع إليهم وسوق خير ، على ما أخبر أنه لا يملك ذلك أحد سواه كقوله : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ ...) الآية [فاطر : ٢] ، وقوله : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ ...) الآية [الأنعام : ١٧] : أخبر أنه لو فتح هو رحمة لا يملك أحد دونه إمساكها ، ولو أمسك هو لا يملك أحد إرسالها دونه ، ولو مسّ ضرّ لا يملك أحد كشفه ، وإن أراد خيرا لا يملك أحد دفعه ورده.

هذا يذكر ـ والله أعلم ـ للمسلمين ؛ لئلا يرجوا أحدا من الخلائق دون الله ولا يخافوا أحدا سواه.

ثم صرف أهل التأويل تأويل الآية إلى الملائكة ، لكن الآية تحتمل كل معبود دون الله : الملائكة والجنّ والأصنام التي عبدوها.

وأمّا الآية الثانية التي تتلوها ظاهرها في الملائكة والجن ، وهو قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ).

أي : أولئك الذين يعبدون من دون الله يبتغون هم إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ ...) الآية [الإسراء : ٥٧] : اختلف فيه :

منهم من صرفها إلى الملائكة.

ومنهم من صرفها إلى الجنّ ، وهو قول عبد الله بن مسعود (١) ـ رضي الله عنه ـ يقول : إن قوما من العرب كانوا يعبدون الجن ، ثمّ أسلم الجنّ ، فبقى أولئك [كما] كانوا يعبدونهم بعد إسلامهم ؛ فيقول : أولئك الذين [يعبدون من دون الله](٢) يبتغون إلى ربهم الوسيلة ؛ فكيف تعبدونهم؟!.

ومن قال : إنها في الملائكة ـ اختلفوا في قوله : (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) : قال الحسن : يرجون محبته ورضاه ، (وَيَخافُونَ عَذابَهُ) ، أي : خوف الهيبة والجلال (٣) والعظمة لا خوف عذاب النار ونقمته ؛ لأن الله ـ تعالى ـ عصمهم من أن يرتكبوا ما يوجب لهم النقمة والعذاب ؛ حيث قال : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ) ، وقال : (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) ، وقال في قوله : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٢٩] : هذا إخبار أنهم لو قالوا ذلك لفعل بهم ما ذكر ليس

__________________

(١) أخرجه البخاري (٤٧١٥) ، وعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة والنسائي وابن جرير (٢٢٣٧٥) ـ (٢٢٣٧٨) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٤٣) ، وهو قول قتادة أيضا.

(٢) في ب : يدعون من دونه.

(٣) في ب : والإجلال.

٦٦

على أن يقول أحد منهم ذلك.

وقال أبو بكر : (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ) : ثوابه ، (وَيَخافُونَ عَذابَهُ) : نقمته ؛ حيث قال : فهم من الوعيد ما قال : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ ...) الآية [الأنبياء : ٢٩] ؛ فقد أثبت لهم الوعيد فيه ، لكن ثوابه ما يتلذذ به وعذابه ما يتألم به ويتوجع.

ومنهم من يقول من أهل التأويل (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ) ، أي : جنته ، لكن هذا يشبه أن يكونوا يرجون صحبة أهل الجنة ؛ كقوله : (يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ ...) الآية [الرعد : ٢٣ ، ٢٤].

وجائز عندنا صرف قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) إلى الأصنام التي عبدوها من دونه أيضا ، ويكون تأويل : (يَدْعُونَ) : يبتغون ، أي : لو لم يكن لهم من العبادة والطاعة ، وركب فيهم من أسبابها لكانوا كما ذكر ، وهو كقوله : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ) [الحشر : ٢١] ، أي : لو مكن له وركب فيه ما ركب في البشر ومكن لهم (لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) على ما ذكر من سفه أولئك الذين عبدوا [من](١) دون الله ؛ يقول : كيف تعبدون من لو مكن من العبادة والطاعة لكانوا يبتغون بذلك الوسيلة إلى ربهم؟! أو كيف تعبدون من هو بطاعة ربه يبتغى الوسيلة إليه؟! ؛ إن كانت الآية في الملائكة ؛ كأنه يذكر سفه أهل مكة ؛ حيث سألوا العذاب بقوله : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً ...) الآية [الأنفال : ٣٢] ونحوه ، وأهل السماء والأرض جميعا يحذرون عذابه.

وقوله : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ) ما ذكر : ليس هو بأمر في الحقيقة ، وإن كان ظاهره أمرا ؛ ولكن إخبار عن عجز ما يدعون من دونه ، وتعجيز ما ذكر من كشف الضرّ ودفعه والتحويل ، وكذلك قوله : (قُلْ كُونُوا حِجارَةً ...) الآية [الإسراء : ٥٠] : ليس هو بأمر ؛ إنما هو إخبار عن قدرته أنه لا يعجزه شيء ، وإن بدلتم أصلب الأشياء وأعظمها.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ) ، أي : دفعه وردّه ، (وَلا تَحْوِيلاً) : يحتمل وجهين :

أحدهما : فلا يملكون تحويل ذلك الضرّ إلى غيركم ولا صرفه.

والثاني : (وَلا تَحْوِيلاً) من الأشد والأثقل إلى الأخف والأيسر [والأهون](٢).

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

٦٧

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً).

أي : يحذره أهل السماء و [أهل](١) الأرض.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً).

قال أبو بكر الأصم : وإن من قرية إلا نحن مميتوها ، وقد يستعمل الهلاك في موضع الموت ؛ كقوله : (امْرُؤٌ هَلَكَ) [النساء : ١٧٦] ، أي : مات ، ويقال ـ أيضا ـ : هلك فلان ، أي : مات ، فعلى ذلك يكون قوله : (إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها) [أي](٢) : مميتوها (قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ) ؛ كقوله : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران : ١٨٥] ، وكقوله : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) [الرحمن : ٢٦].

(أَوْ مُعَذِّبُوها) ، أي : منتقموها (عَذاباً شَدِيداً) ؛ فعلى تأويله يصحّ على جميع القرى والمدن ، ليس قرية دون قرية ، ولا مدينة دون مدينة ؛ ولكن على الكل على ما أخبر من إهلاك الكل بقوله : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران : ١٨٥] ، و (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) [الرحمن : ٢٦].

ويحتمل ما ذكر من إهلاك القرية : إهلاك الأهل ؛ من إهلاك القرية بعد إهلاكهم ؛ على ما فعل بكثير من القرى.

وجائز أن يكون يهلك الأهل ويبقى القرية على حالها ، ثم تهلك بنفسها قبل يوم القيامة ، والله أعلم.

وعلى تأويل أبي بكر يفعل ذا أو ذا : إمّا يميتهم [موتا](٣) بآجالهم ، أو يعذبهم عذاب إهلاك.

وقال الحسن : قوله : (إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها) ، أي : مميتوها ؛ على ما قال أبو بكر ؛ (أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً) : يقول : إذا قامت الساعة قبل يوم القيامة ؛ كقوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ ...) الآية [الزمر : ٦٨] ، وقوله : (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ ...) الآية [الحج : ١] ؛ فذلك كله قبل يوم القيامة ، وهو يقول : إن الساعة تقوم على شرار الناس ؛ فيكون ما ذكر من التعذيب لأولئك الذين تقوم بهم الساعة على قوله.

وقال قتادة (٤) : هذا قضاء من الله كما تسمعه ليس منه بدّ : إمّا أن يهلكها بموت ؛

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في أ.

(٤) أخرجه ابن جرير (٢٢٣٩٤).

٦٨

كقوله : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران : ١٨٥] ، وإمّا أن يهلكها بعذاب مستأصل إذا تركوا أمره وكذبوا رسله ، وهو ما ذكرنا من الانتقام.

وقال بعضهم : يميت [أهل] القرية [الصالحة](١) بآجالهم ، وأمّا القرية الظالمة (٢) فيأخذها بالعذاب الذي ذكر ؛ فهو في القرون الماضية إن احتمل ذلك.

ويشبه أن يكون قوله : (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ) ، وهو أن يهلك رؤساء (٣) الكفرة وقادتهم ؛ فيصير الدّين كله دينا واحدا ، وهو الإسلام ؛ على ما قال بعض أهل التأويل في قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) [الرعد : ٤١] قالوا : هو أن يهلك أهل الكفر ؛ فيجعل ملك أهل الكفر لأهل الإسلام ؛ فذلك نقصانها من أطرافها : لا يزال ينقص أهل الكفر قرية فقرية وبلدة فبلدة ؛ حتى تصير الأرض كلها لأهل الإسلام ، وهو ما روي عن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمّتي ما زوي لي منها» (٤) ، فذلك ـ والله أعلم ـ تأويل قوله : (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها) ، أي : نهلك أهل الكفر.

ويشبه أن يكون قوله : (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً) : على ما أخبر أنه كان يفني جميع من كان على وجه الأرض ، ويجعل الأرض مستوية لا بناء فيها ولا ارتفاع ، حيث قال : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) [الرحمن : ٢٦] ، وقال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ ...) الآية [طه : ١٠٥] ، وقال : (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا ...) الآية [الواقعة : ٥] أخبر أنه لا يبقي عليها أحد ولا بناء ، فتصير كلها (قاعاً صَفْصَفاً. لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) [طه : ١٠٦ ، ١٠٧] ؛ فذلك إهلاكها وتعذيبها ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً).

قال بعضهم (٥) : كان ذلك في الكتاب الذي عند الله ـ وهو اللّوح المحفوظ ـ مكتوبا.

وقال بعضهم : كان ذلك في جميع كتب الله التي أنزلها على رسله مكتوبا ، أي : ما من كتاب أنزله الله على رسله إلا وكان فيه (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) [الرحمن : ٢٦] ، و (كُلُّ نَفْسٍ

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في ب : الطالحة.

(٣) زاد في ب : أهل.

(٤) أخرجه مسلم (٤ / ٢٢١٥) ، كتاب الفتن وأشراط الساعة : باب هلاك هذه الأمة بعضهم بعضا (١٩ / ٢٨٨٩) ، والترمذي (٤ / ٤٦) ، أبواب الفتن باب ما جاء في سؤال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثا في أمته (٢١٧٦) ، وأبو داود (١ / ٤٩٩) كتاب الفتن والملاحم : باب ذكر الفتن ودلائلها (٤٢٥٢) ، وابن ماجه (٥ / ٤٤٢) ، كتاب الفتن : باب ما يكون من الفتن (٣٩٥٢).

(٥) قاله البغوي (٣ / ١٢٠) ، وابن جرير (٨ / ٩٨) ، وأسنده عن ابن زيد بنحوه (٢٢٣٩٧).

٦٩

ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران : ١٨٥] ، مسطورا ، والله أعلم.

وقوله عزوجل ـ : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ).

أخبر أنه ليس يمنعه من إنزال الآيات إلا تكذيب الأوّلين بها.

فإن قيل : فأى شيء فيما يكذب الأولون بالآيات ؛ ما يمنع إنزالها على هؤلاء؟

قيل : كأنه على الإضمار ، أي : ما منعنا أن نرسل بالآيات إلا علمنا بأن الآخرين يكذبون بها كما كذب بها الأوّلون.

فإن قيل : عن هذا يسأل : أن علمه بتكذيب الآخرين كعلمه بتكذيب الأولين ، ثم لم يمنع علمه بتكذيب الأولين إياها إنزالها كيف منع علمه بتكذيب الآخرين ذلك؟! أو ليس قد أرسل الرسول ، وأنزل الكتاب على علم منه أنهم يكذبون الرسول والكتاب ، ثم لم يمنع علمه بذلك إنزاله الكتاب وإرساله الرسول؟! فكيف منع علمه بتكذيب الآيات منهم عن إرسال الآيات ، ولم يمنع علمه بتكذيب الرسول [والكتاب](١) على بعث الرسول وإنزال الكتاب؟!

قيل : إنه قد مضى من سنته أنه إذا أنزل الآيات على أثر السؤال ـ أعني : سؤال الآيات ـ فكذبوها أهلكهم ؛ هكذا مضت سنته في القرون الماضية (٢) ، ثم قد سبق من وعده ألا يهلك هذه الأمة إهلاك تعذيب واستئصال في الدّنيا ؛ رحمة منه وفضلا على ما أخبر رسوله ؛ حيث قال : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧] ، فرحمته أن منّ عليهم بإبقائهم وإزالة العذاب عنهم في الدنيا واستئصالهم ؛ فكأنه قال ـ والله أعلم ـ : وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا ما سبق من وعدنا ورحمتنا : ألا نهلك هذه الأمّة إهلاك استئصال وتعذيب ، فذلك الوعد والرحمة الّذي ذكرنا منعنا عن إرسال الآيات على علم منّا أنهم يكذبونها إذا أرسلناها إليهم ، وقد مضت السنّة منا على الإهلاك إذا أنزلنا الآيات على أثر سؤالهم إياها ثم التكذيب من بعد ، ثم قد سبق الوعد لهؤلاء ألا يهلكوا في الدنيا إهلاك تعذيب ؛ رحمة منه لهم على ما أخبر أنه لم يرسل إلا رحمة للعالمين.

وأصله : أن الله ـ عزوجل ـ قد أنزل الآيات والحجج [على إثبات رسالة الرسل آيات كافية ، وحججا تامة ما لم يقع لهم الحاجة إلى غيرها من الآيات والحجج](٣) ، فما سألوا من الآيات والحجج من بعد إنما سألوا سؤال تعنت وتمرد ، لا سؤال استرشاد واستهداء ،

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في ب : الأولى.

(٣) ما بين المعقوفين سقط في ب.

٧٠

فإذا كان سؤالهم الآيات سؤال عناد وتعنت ـ أهلكوا إذا كذبوها ، ولم ينظروا (١) ؛ كقوله : (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) [الأنعام : ٨] ، وقوله : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) [الحجر : ٨] ، ونحوه ؛ ألا ترى أن عيسى ـ عليه‌السلام ـ سألوه أن يسأل ربّه أن ينزل عليهم مائدة من السماء ؛ لتكون لهم آية منه ؛ فسأله ، فأخبر أنه ينزلها عليكم ، ثم أخبر ما يفعل بهم إذا كفروا بعد ذلك ، وهم كانوا يسألونه سؤال تعنت وتمرد ؛ فقال : (إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) الآية [المائدة : ١١٥].

هكذا كانت سننه فيمن سأل الآيات سؤال تعنت وعناد.

وجائز أن يكون الذي منع عن إرسال الآيات على أثر السؤال وإهلاك هذه الأمة : ما يكون من الإسلام من نسل (٢) هذه الأمة بعد نبيهم ، وإبقاء التناسل إلى يوم القيامة ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً).

قيل : آية لرسالة صالح.

وقال بعضهم : (مُبْصِرَةً) ، أي : معاينة يعاينونها أنها آية من الله لهم ؛ حيث رأوها مخالفة لنوقهم ، وهو ما قال : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) [الأعراف : ٧٣].

(فَظَلَمُوا بِها) ، أي : كذبوا بها وجحدوها ثم عقروها بعد علمهم أنها آية من الله لهم ؛ حيث رأوها وعاينوها خلافا لنوقهم ، خارجة عن نوق البشر ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً).

قال ابن عباس (٣) والحسن (٤) وغيرهما : الموت الذريع ، أي : السريع.

وقال بعضهم : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) للناس ؛ فإن لم يؤمنوا بها عذبوا في الدنيا.

أو يقول : وما نزل بالآيات مقرونة بالسؤال سؤال التعنت فكذبوها ـ (إِلَّا تَخْوِيفاً) للهلاك ، على ما ذكرنا من الآيات التي سألوها. أو أن يكون قوله : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ) : على أثر السؤال بها ثم التكذيب لها ، (إِلَّا تَخْوِيفاً) لمن تأخر ممن سأل مثلها فكذب

__________________

(١) في ب : يناظروا.

(٢) في أ : مثل.

(٣) أخرجه ابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٤٥).

(٤) أخرجه ابن جرير (٢٢٤٠٧) ، وسعيد بن منصور وأحمد في الزهد وابن أبي الدنيا في ذكر الموت وابن المنذر ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٤٥).

٧١

[بها](١) ، أو كلام نحوه.

ويحتمل الآيات التي ذكر : كسوف الشمس والقمر وغيره ، وما نرسل ذلك إلا تخويفا للناس ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ).

أي : وقد قلنا لك : إن ربك أحاط بالناس ، الإحاطة بالشيء تكون بالوجوه الثلاثة :

أحدها : بالغلبة (٢) والقدرة والسلطان ؛ كقوله : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) [يونس : ٢٢] ، أي : أخذهم الهلاك والغلبة وقدر عليهم.

والثاني : الإحاطة : العلم به ؛ كقوله : (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) [النساء : ١٢٦] ، أي : عالما ، وقوله : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) [البقرة : ٢٥٥] ، أي : لا يعلمون.

والثالث : الإحاطة المعروفة بين الخلق ، من إحاطة بعضهم بعضا ، فذلك لا يحتمل في الله سبحانه وتعالى ـ فهو على الوجهين الأولين : على إحاطة العلم بهم ، أو القدرة عليهم والغلبة.

ثم قوله : (أَحاطَ) [اختلف فيه](٣) :

قال بعضهم : أحاط بأعمالهم [بما لهم](٤) ، وما عليهم ، وبما لا يصلح لهم وما يصلح ، وهو ما ذكرنا في قوله : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الإسراء : ٥٥].

وقال بعضهم : إنهم كانوا يمكرون برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ يريدون إطفاء نوره ، ويمنعونه عن تبليغ الرسالة ؛ كقوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) الآية [الأنفال : ٣٠] ؛ فيقول (إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) ، أي : قد علم بمكرهم بك ، على علم منه بمكرهم بك بعثك رسولا إليهم ، وكلفك على (٥) تبليغ الرسالة إليهم ، لكنه وعد أن يعصمك منهم ويمنعك [عنهم](٦) ؛ حتى تبلغ الرسالة ؛ بقوله : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧] ، وقوله : (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ...) الآية [الجن : ٢٧]. كان ـ عزوجل ـ يبعث الرسل ويكلّفهم تبليغ الرسالة إليهم على علم منه بما يكون من قومهم من المنع والمكر

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في أ : بالعناية.

(٣) سقط في أ.

(٤) سقط في أ.

(٥) في أ : عن.

(٦) سقط في أ.

٧٢

برسله ، لكنه عصمهم ، ومكن لهم ؛ حتى بلغوا الرسالة إليهم ؛ فعلى ذلك قوله : (إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) بالعلم والقدوة والغلبة عليهم ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) :

قال عامة أهل التأويل (١) : إن الرؤيا التي أراها إياه لم تكن رؤيا المنام ؛ ولكن رؤية يقظة ورؤيا عين ، معاينة بالتى تنام ، لا بالذي لا ينام منه لأنه روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «تنام عيناي ، ولا ينام قلبي» (٢) ، فإنما أراه من الرؤيا بالعين التي كانت تنام لا رؤيا قلب وعلم.

قال سعيد بن المسيب : (٣) هي رؤيا منام : روي أن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى قوما على منابر ، فساءه ذلك ، فذكر أنهم كانوا يعطون مالا ؛ فذلك فتنة لهم.

وقال بعضهم (٤) : إنه أري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المنام كأنه يدخل المسجد الحرام آمنا ، فأخبر بذلك أصحابه أنه رأى ذلك ، فلما كان عام الحديبية ، وصرف عن البيت ارتاب بعض الناس في رؤياه ، فذلك فتنة للناس على ما أخبر ، لكنّه لم يبيّن له متى يدخل فيه ، وقد وعد أنه يدخل فيه آمنا ، وهو ما قال : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ ...) الآية [الفتح : ٢٧].

وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) ، والفتنة : المحنة الشديدة ، فإن كان ذلك في الرؤيا التي رآها في مسير بيت المقدس ، وما أخبر من الآيات ـ لا يتوهم مثل ذلك بتعليم بشر ولا بسحر ؛ فذلك الذي أخبرهم أنه رأى فتنة لهم ومحنة في التصديق والتكذيب في الخبر الذي أخبر [من الآيات ، لا يتوهم ، مثل ذلك بتعليم بشر](٥) ، فإن كان على رؤيا منام فهو فتنة لما ذكرنا ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ).

__________________

(١) قاله ابن عباس ، أخرجه البخاري (٤٧١٦) ، والترمذي (٣١٣٤) ، وأحمد (١ / ٢٢١ ، ٣٧٠) ، وابن جرير (٢٢٤١٥) و (٢٢٤١٦) ، وعبد الرزاق وسعيد بن منصور والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٤٥) ، وهو قول سعيد بن جبير والحسن ومسروق وغيرهم.

(٢) أخرجه البخاري (٧ / ٢٧٦) ، كتاب المناقب : باب كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه (٣٥٦٩) ، وأبو داود (١ / ١٠١) ، كتاب الطهارة : باب في الوضوء في النوم (٢٠٢) ، وابن خزيمة (٤٩) ، من حديث عائشة.

(٣) أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي ، في الدلائل وابن عساكر ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٤٦).

(٤) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٢٤٣٢) ، وابن مردويه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٤٦).

(٥) سقط في ب.

٧٣

أي : كانت الشجرة الملعونة التي ذكرت في القران ـ أيضا ـ فتنة لهم (١) ؛ كقوله : (إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ. إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ...) الآية [الصافات : ٦٣ ، ٦٤].

ووجه فتنتها لهم : ما ذكر في القصّة : أنهم قالوا : إن محمّدا يقول : إنّ في النّار شجرة ، والنار من طبعها أن تأكل الشجرة ؛ فكيف يكون في النار الشجرة ، وهي تأكلها؟ ولكن لم يعرفوا أن شجر النار يكون من النار ، وشرابهم من النار ، وكذلك طعامهم من النار ؛ فإذا كان من النار لم تأكلها النار.

ومنهم من قال : الزقوم : هو الزبد والتمر ؛ فكيف يكون فيها ذلك؟! فيدعون بذلك الكذب عليه فيما يخبرهم : أن في النار شجرة ؛ فتلك الشجرة ـ أيضا ـ كانت فتنة لهم ومحنة في تصديق رسول الله وتكذيبه.

وسماها (الْمَلْعُونَةَ) قال بعضهم (٢) : إن العرب سمت كل ضارّ مؤذ ملعونا ؛ فلذلك سميت شجرة الزقوم ملعونة ؛ إذ كانت ضارة لأهلها مؤذية.

قال الحسن : سميت : ملعونة ؛ لما لعن أهلها بها ؛ فسميت باسم أهلها ، وهو ما سمي النهار مبصرا ، والنهار لا يبصر ؛ ولكن يبصر به ؛ فسمي باسمه ؛ فعلى ذلك هذا.

وأصل اللّعن : الطرد ؛ فطرد منها كل خير ونفع ؛ فهي ملعونة ، وكقوله : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) [إبراهيم : ٣٦] : أضاف الإضلال إلى الأصنام [والأصنام](٣) ، لا صنع لها في ذلك ؛ لكن كثيرا من الناس ضلّوا بها ؛ فكأنها أضلتهم ، وكقوله : (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) [الأنعام : ٧٠] ، أي : اغتروا بها.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فِي الْقُرْآنِ) ، أي : ذكرت في القرآن ، وإلا : الشجرة لا تكون في القرآن ، وهو ما ذكر من المصائب وغيرها ، كقوله : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ ...) الآية [الحديد : ٢٢] ، والمصائب لا تكون في الكتاب ؛ لكن ذكرت فيه ويخوفهم (٤) بما ذكرنا.

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) [هو ما ذكرنا في قوله : (ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) وقوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) فزادهم ما ذكر](٥).

__________________

(١) ينظر : اللباب (١٢ / ٣٢٢ ، ٣٢٣).

(٢) قاله البغوي (٣ / ١٢٢).

(٣) سقط في أ.

(٤) في أ : ويحق فهم.

(٥) ما بين المعقوفين سقط في أ.

٧٤

لأنهم نظروا إليه بعين الاستخفاف والاستهزاء فزادهم ما ذكر ، وأما أهل الإسلام فزاد لهم إيمانا وهدى ؛ لأنهم نظروا إليه بعين التعظيم والتبجيل.

قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (٦٤) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً)(٦٥)

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً).

قوله : (أَأَسْجُدُ) ، أي : لا أسجد ؛ كقوله : (لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ) [الحجر : ٣٣] ؛ فدلّ هذا أن قوله : (أَأَسْجُدُ) معناه ، أي : لا أسجد. ذكر في قصة إبليس ألفاظا مختلفة :

مرة قال : (يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) [الحجر : ٣٢] ، وقال في موضع [آخر](١) : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) [ص : ٧٥] ، وفي موضع آخر : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) [ص : ٧٥] ، ونحوه ؛ فجائز أن يكون ذكر هذا على اختلاف الأحوال لا في حال واحدة.

هذا على ما ذكر فى (٢) قصّة آدم من اختلاف الأحوال حيث قال مرة : (مِنْ تُرابٍ) ، وقال مرة : (مِنْ طِينٍ) [المؤمنون :] ، ومرة : (مِنْ صَلْصالٍ) [الحجر : ٣٣] ، ونحوه ، وذلك إخبار عن أحوال تغيرت فيها.

وجائز أن يكون ذلك بغير هذا اللسان ؛ فذكر هاهنا بألفاظ مختلفة ؛ والزيادة والنقصان ؛ لأن اختلاف الألفاظ لا يغير المعنى.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ).

قد أقر إبليس ـ لعنه الله ـ بالفضيلة لآدم والإكرام له إما من جهة الطاعة له والنبوة التي أعطاها الله [له] ، وإن ادعى لنفسه الفضيلة عليه من جهة الخلقة ؛ بأنه ناري وهو طيني ، حيث قال : (قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) : أقر بالفضل له عليه ، والإكرام : إما لطاعتهم له ، أو لما جعله رسولا إلى خلقه.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في ب : من.

٧٥

وقوله ـ عزوجل ـ : (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) :

لا يحتمل أن يخاطب ربه ويقول : لئن أخرتني إلى كذا لأحتنكن ؛ لأنه لما طلب التأخير والبقاء إلى يوم القيامة كان طالب نعمة منه ومنة ؛ فيقول مقابل ما يطلب من النعمة : لئن أعطيتني ذلك لأعصينك؟! إنما يذكر مقابل طلب النعمة الطاعة له والشكر ؛ على ما قال : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَ) [التوبة : ٧٥] : إنما يقابل بطلب النعمة الطاعة له ، وأما مقابلة المعصية ـ فلا تعرف.

ثم يخرج قوله : (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) على وجهين :

أحدهما : على التأكيد ، يقول : أي إنك ، وإن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته.

أو على التمني منه الأمرين جميعا : التأخير ، واحتناك ذرّيته ، وسؤاله إياهما.

ثم اختلف في قوله : (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) :

قال بعضهم (١) : لأحتوينهم ولأحيطن بهم.

وقال بعضهم (٢) : لأضلّنهم ؛ على ما ذكر في آية أخرى : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) [النساء : ١١٩].

وقال بعضهم : (لَأَحْتَنِكَنَ) : لأستزلن.

وقيل (٣) : لأستولين.

وقال القتبي (٤) : (لَأَحْتَنِكَنَ) ، أي : لأستأصلنهم.

ويقال : هو من حنك الدابة ، حنك دابته : يحنكها ، حنكا ، إذا شد في حنكها الأسفل حبلا يقودها به.

وقال القتبي : أي : لأقودنهم كيف شئت.

ثم قوله : (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) كأنه سأل ربه التأخير ، على ما ذكر في آية أخرى ؛ حيث قال : (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الحجر : ٣٦] ؛ كأن اللعين لما سمع قوله : (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ) [الحجر : ٣٥] [علم] أنه لا تناله الرحمة في الإيمان به ؛ حيث ذكر اللعنة عليه إلى يوم الدين ، واللّعين هو المطرود عن رحمته ،

__________________

(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٢٤٥٩) ، وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٤٧).

(٢) قاله ابن زيد ، أخرجه ابن جرير (٢٢٤٦٢) ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٤٧).

(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٢٤٦١) ، وابن المنذر وابن أبي ، حاتم كما في الدر المنثور (٤ / ٣٤٧).

(٤) ينظر : مجاز القرآن لأبي عبيدة ص (٣٨٤) ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة (١ / ٢٥٨).

٧٦

فعند ذلك سأل ربّه النظرة [إلى يوم القيامة](١) ؛ ليغوين عباده ، وعلم اللعين : أن طاعة خلقه له لا تزيد في ملكه شيئا ، وعصيانهم لا ينقص في ملكه شيئا. لذلك قال : (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) ، (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ) ، (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) ، وما ذكر.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ).

مع إحساني إليهم وإنعامي عليهم.

(فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً).

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ).

هذا يخرج على وجهين :

أحدهما : على التمكين له ذلك والإقدار على ما ذكر ، أي : مكن له ذلك ، وأقدر عليه ؛ لخذلانه إياه لما عصى ربّه وترك أمره ؛ لما رأى أمره بالسجود لآدم جورا منه ، حيث قال له : (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ) [الحجر : ٣٥]. مكن له ذلك ، لتتم (٢) له اللعنة والخذلان.

والثاني : قال ذلك له على التوعد والتهدد ؛ ألا ترى أنه ذكر هذا على أثر وعيد ، وهو قوله : (فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) ، فيخرج (٣) على إثر ذلك مخرج الوعيد له ولمن تبعه وأجابه ، كقوله : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [فصلت : ٤٠] لهذا وإن كان ظاهره أمرا فهو وعيد ؛ فعلى هذا قوله : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ) فإن لك ولمن تبعك كذا.

أو لما ذكرنا من التمكين له ذلك والإقدار على ذلك ليتم له اللعنة والخذلان.

والثاني : قال ذلك الذي لعنه ، وإلا لا يجوز أن يكون الله يأمره بما ذكر أن يخرج الأمر بما ذكر مخرج سفه والأمر بالفحشاء ، وقد أخبر أنه : لا يأمر بالفحشاء والمنكر ، وإنما يأمر بالعدل ؛ كقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) [الأعراف : ٢٨] ، وقوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) [النحل : ٩٠] ؛ فلو حمل هذا على الأمر لكان أمرا بالفحشاء والمنكر فدلّ أنه يخرج على أحد الوجهين اللذين ذكرناهما ، أو على الاستبعاد والإياس عن أن يملك أو يقدر عليهم بما ذكر إلا من اختار منهم اتباعه ، وهو ما ذكر : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ...) الآية [الإسراء : ٦٥] ، والله أعلم.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في أ : ليتم.

(٣) زاد في ب : واستفزز.

٧٧

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاسْتَفْزِزْ) : قال القتبي (١) ، أي : استخف ، والرجل : الرجالة.

وقال أبو عوسجة (٢) : (وَاسْتَفْزِزْ) ، أي : استخف ، أي : دعاه فأجابه وأمره فأطاعه ؛ وعلى هذا يخرج قوله : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ) [الزخرف : ٥٤] ، أي : أمرهم فأطاعوه ، أو دعاهم فأجابوه.

وقوله ـ عزوجل ـ : (بِصَوْتِكَ).

يحتمل وجوها ثلاثة :

أحدها : على حقيقة الصوت ، يكون له صوت يدعو الناس به ، فيسمع ذلك الصوت النفس الخفية التي تكون في هذه النفس الظاهرة الكثيفة ، ولا تسمعه النفس الظاهرة ، على ما يخطر أشياء بالقلب من غير أن يعلم به الإنسان أنه من أين جاء؟ ومن أين هيجانه؟ وعلى ما يقذف ويوسوس أشياء في القلوب من غير أن يعلم ذلك ويطلع عليه ؛ فعلى ذلك يجوز أن يكون له صوت يدعو الناس به ، وإن كنا لا نسمعه ؛ لكنّه يسمع النفس الخفيّة بما يسمع النفس الظاهرة ، وبها نبصر ـ أعني : بالنفس الخفية ـ ألا ترى أن النائم يرى أشياء ويكون في أقصى الدنيا ، ونفسه الظاهرة ملقاة هاهنا ؛ فذلك كله بالنفس الخفية.

والثاني : على التمثيل ، ليس على (٣) تحقيق الصوت ، لكن ذكر الصوت ؛ لما بالصوت يوصل (٤) إلى إعلام بعضهم بعضا ، وبه يدعو بعضهم بعضا عند البعد ؛ فذكر (٥) الصوت له مكان الوسوسة التي يوسوس الناس أشياء من بعد ، ويدعوهم به إلى معاصي الله ـ تعالى ـ وكذلك قال الحسن في قوله : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ) [طه : ١٢٠] : من بعد من غير أن كان هنالك تقرب منه.

والثالث : على إضافة عمل كل عاص من نحو الغناء والمزامير وغيره ، أو ما يضاف عمل كل طاغ وكل ضال إليه ؛ أضيف ذلك إليه كما أضاف إليه موسى حيث قال : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) [القصص : ١٥] ، وقوله : (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ) [الكهف : ٦٣] ، ولم يكن ذلك عمل الشيطان حقيقة ، ولكن قال ذلك وأضافه إليه ؛ لما بأمره ودعائه يعمل ذلك.

__________________

(١) انظر : مجاز القرآن لأبي عبيدة ص (٣٨٤) ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة (١ / ٢٥٨).

(٢) انظر : المصدرين السابقين.

(٣) زاد في ب : التحقيق.

(٤) في أ : يرسل.

(٥) في ب : فذلك.

٧٨

وقال عامة أهل التأويل (١) : (بِصَوْتِكَ) ، أي : بدعائك.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ).

قال بعضهم : (وَأَجْلِبْ) ، أي : اجمعهم ، ويقال : وأجلبتهم ، أي : أعنتهم ـ أيضا ـ وهو قول أبي عوسجة.

وقوله : (بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ).

يخرج على الوجوه الثلاثة التي ذكرنا :

أحدها : أن يكون له خيل ورجالة من جنسه وجوهره يجلبهم بهم ، وإن كنا لا نراهم ؛ كما قال : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ ...) الآية [الأعراف : ٢٧] ؛ فجائز أن يكون له خيل ورجالة وجنود لا نراهم نحن ، وهم يروننا.

والثاني : على ما ذكرنا : أنه على التمثيل ، لكنه ذكر الخيل والرجل ؛ لما بالخيل والمشى يصل بعض إلى بعض عند الحاجة إليه في البعد والقرب ؛ فذكر ذلك له على ما ذكرنا في الصوت.

والثالث : أنه أضاف كل خيل راكب في معصية الله ، أو كل ماش [مشى](٢) في معصية الله إليه ؛ على ما ذكرنا في الصوت : أنه أضاف كل صوت في معصية الله إليه ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) :

قال القتبي (٣) : (مَوْفُوراً) ، أي : موفرا.

وقال غيره (٤) : وافرا.

وفي قوله : (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأن إبليس سأل ربّه التأخير والإبقاء له إلى يوم القيامة ، وقد علم أنه إذا أعطاه ذلك له يفي ما وعد ، وأبقاه إلى ذلك الوقت ، وهم لم يعرفوا ذلك ؛ بل قالوا : إنه يجيء عبد فيقتله ؛ فيمنعه عن وفاء ما وعد ، والإبقاء إلى الوقت الذي وقت له ؛ فهو أعرف بربه منهم ، وكذلك قال : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) [الحجر : ٣٩] ، وهم يقولون لم يغوه ؛ فهو أعرف به منهم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ).

__________________

(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٢٤٦٨) وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٤٨) ، وهو قول قتادة أيضا.

(٢) سقط في أ.

(٣) ينظر : تفسير غريب القرآن لابن قتيبة (١ / ٢٥٨).

(٤) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٢٤٦٤) ، و (٢٢٤٦٥).

٧٩

قال بعض أهل التأويل (١) : مشاركته في الأموال : هي أن يجعلوا [له] البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي ؛ على ما كانوا يفعلونه.

وأمّا الأولاد : فإنهم هودوهم ونصروهم ، ومجّسوهم ، وهو قول قتادة (٢).

وقال بعضهم (٣) : مشاركته في الأموال : هي أن يكتسبوها من خبيث وحرام ، وينفقونها في مثله وفيما لا يحل.

وأمّا الأولاد : ما ولدوا من الزنا.

وقال بعضهم (٤) : الأموال : ما كانوا يذبحون لآلهتهم ، ويجعلون لها من الحرث والأنعام.

والأولاد : ما ولدوا من الزنا.

وجائز أن يكون هذا صلة ما تقدم من قوله : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ...) [الإسراء : ٦٤] إلى آخر ما ذكر ؛ حتى تشاركهم في الأموال والأولاد.

ثم معنى المشاركة له ـ فيما ذكر ، والله أعلم ـ هو أن هذه الأموال والأولاد لله ـ تعالى ـ حقيقة ؛ لما هو أنشأها وخلقها ؛ فحقيقة الملك له بما ذكرنا ، وظاهر الانتفاع لعبيده (٥) ؛ إذ هذا كله لله بحق المحنة يمتحنهم وحق الانتفاع لهم ؛ إذ لا يجوز أن يخلق الله شيئا لمنفعة نفسه ، ولكن يخلق لمنافع أنفسهم ؛ ليمتحنهم بها. وقد شرع الله لهم شرائع ، وشرع لهم إبليس شرائع ، وهو ما ذكر : (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) [الشورى : ٢١] ، فإذا صرفوا ذلك إلى ما شرع لهم إبليس دون ما شرع الله ـ فقد أشركوه فيها ، وكل ما أطيع فيها مما [سن](٦) لهم إبليس وشرع لهم ـ فذلك شركته فيها ؛ وذلك أن الأولاد في الشاهد إنما تطلب لأحد الوجوه الثلاثة :

إمّا للاستئناس بهم في حال الوحشة.

وإمّا للاستنصار بهم والعون على أعدائهم.

__________________

(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٢٤٨٤) و (٢٢٤٨٥) ، وعن قتادة (٢٢٤٨٦).

(٢) أخرجه ابن جرير (٢٢٤٩٦).

(٣) قاله ابن عباس ومجاهد والحسن أخرجه ابن جرير عنهم (٢٢٤٧٥) و (٢٢٤٨٠) و (٢٢٤٨١) ، وانظر الدر المنثور (٤ / ٣٤٨).

(٤) قاله الضحاك ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٢٤٨٧) ..

(٥) في أ : لبعده.

(٦) سقط في أ.

٨٠